الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

لأنّ السفر لا يحرم إلاّ من جهة عدم التمكّن من فعل هذه الجمعة ، وهو متمكّن ، والجمعة التي حضر وقتها يجب فعلها على أيّ حال ، والسفر لا يصير منشأ لسقوطها كما هو ظاهر ، فنظر المستدل إنّما هو بالنسبة إلى الغالب ، لأنّه الذي يستلزم سفره الإخلال بالجمعة ، فتأمّل جدّا.

قوله : ويمكن أن يستدل. ( ٤ : ٦٠ ).

سيجي‌ء في مبحث حرمة البيع وقت النداء ما يظهر منه الإشكال في هذا الاستدلال.

قوله : واستلزام الحرج. ( ٤ : ٦٠ ).

فيه ما فيه ، لأنّ تعلّم الواجبات إن كان واجبا عليه ولا يمكن في السفر فلا شكّ في أنّه مؤاخذ معاقب بترك التعلّم ، سواء قلنا بحرمة السفر أيضا أم لا ، والاشتغال يستلزم ترك السفر على أيّ تقدير ، والحرج ينافي التكليف ، فلا يكون حرج ، وإن كان فلا يكون واجبا بالنحو الذي ذكره ، وإن بنى على عدم منافاة الحرج لوجوب التعلّم فلا اعتراض على القائل أيضا.

قوله : وبأنّه ليس في الكتاب والسنّة. ( ٤ : ٦١ ).

لا شكّ في ورود الأخبار الكثيرة بل المتواترة على وجوب طلب العلم والمعرفة على كلّ مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ووجوب التفقّه وإصابة السنّة ووجوب أخذ أعماله من أهل البيت ، وأن يكون جميع أعماله بدلالة وليّ الله الذي هو الإمام المفترض الطاعة ، وأنّ العامل بغير بصيرة كالسائر بغير طريق لا يزيد كثرة السير إلاّ بعدا ، وأنّه لا عمل إلاّ بالفقه والمعرفة ، وأنّه كلّ ما يخرج عن غير بيت الأئمّة عليه‌السلام فهو باطل ، وأنّ الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليه‌السلام طاعتهم مفترضة ، والطاعة هي امتثال الأمر ،

٢٢١

فلا بدّ من معرفة أوامرهم حتى يتحقّق إطاعتهم ، وكذا في معصيتهم وغيرها.

مع أنّ من أقرّ بنبي أو إمام علم يقينا أنّ لهما شرع ومنهج ودين وملّة ، وأنّه لا بدّ من التشرّع بشرعهما والتدين بدينهما.

وأيضا ضروريات الدين والمذهب من الوضوء والغسل والتيمّم والنجاسات ووجوب إزالتها وغيرها من الأحكام ، وكذا الصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الضروريات الواجبة من الكثرة بحيث لا تحصى ، وكذا المحرّمات وغيرها ، والضروري يعرفها كلّ من هو من أهل الدين والمذهب ، فبعد معرفة الوجوب والحرمة كيف تجوز المساهلة والمسامحة في معرفة الماهيات والشرائط والأحكام؟ وبالجملة : أنواع أسباب وجوب التعلّم والمعرفة لا حصر لها فضلا عن أشخاصها.

والتمسّك بتيمّم عمّار وطهارة أهل قبا في غاية الغفلة والغرابة ، وأظهرنا شنائعها في الفوائد ونشير إلى شي‌ء منها (١) ، إنّ أهل قبا أحدثوا في الدين وغيّروا حكم شرع خير المرسلين كما فعلوا في الوصية بدفنهم متوجّها إلى الرسول مع أنّ شرعهم كان غير ذلك (٢) ، لكنّ الله تعالى أمضى فعلهم ومدحهم بعد ما كانوا خائفين في أنّه تعالى يؤاخذهم ويعاقبهم في ما فعلوا.

وأمّا تيمم عمّار فلا شكّ في أنّ العبادات كيفيات متلقّاة من الشرع توقيفية موقوفة عليه مسلّم ذلك عند الشارح وشيخه رحمهما الله وعند الكلّ بل الأطفال والجهّال أيضا ، لغاية وضوح دليله ، بل الجهال لا يرضون أن يفعلوا‌

__________________

(١) الخصال : ١٩٢ / ٢٦٧ ، الوسائل ١ : ٣٥٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ح ٦.

(٢) الفوائد الحائرية : ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

٢٢٢

من قبل أنفسهم عبادة توقيفيّة بمحض جعل أنفسهم واختراعهم ، يجزمون أنّ الله تعالى يؤاخذهم بذلك بلا تأمّل ، والظاهر أنّ عمّارا أعتقده من قاعدة البدلية التي أشار إليه الشارح رحمه‌الله مرارا ، وبنى عليها الأحكام كثيرا ، وما كان حين الحاجة متمكّنا من الرجوع إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو كان القاعدة ظاهرة عنده ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطّأ فعله ، ومراده [ عن ] : « أفلا صنعت هكذا؟ » أفلا تعلّمت حتى تصنع هكذا؟ والمراد ظاهر بالبديهة ، لأنّ الإنكار على أمر محال محال عن الحكيم ، وفعل التيمّم كذلك بدون الرجوع إلى الشرع محال بالبديهة ..

انظر أيّها الفطن أنّ بأمثال هذه الشبهات كيف يمكن ردّ ما ثبت من الآيات والأخبار المتواترة بالنوع فضلا عن الشخص ، مع الدليل العقلي؟

وقد بسطنا الكلام في الفوائد ، بل بأدنى تأمّل يظهر ظهورا تامّا أنّ ما ذكره بعينه كلام الأشاعرة ردّا على العدلية ، وأنّه ينافي قاعدة العدل ويهدم بنيانه.

قوله : وهو قويّ متين. ( ٤ : ٦١ ).

لا قوّة ، بل لا يخفى فساده ، مضافا إلى أنّ الواجبات غير منحصرة في تحصيل العلم ، والضدّ غير منحصر في السفر ، واقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضدّ في غاية الوهن بل ظهور الفساد ، والشارح رحمه‌الله لا يقول به ، فالمانع مفقود من أصله ، لا أنّ دفع الشبهة منحصر في ما قاله ، إذ عرفت أنّه غير [ دافع ] (١) على فرض التمامية.

قوله : تمسّكا بالعموم. ( ٤ : ٦١ ).

لم نجد العموم الذي ادعاه سوى رواية التذكرة وصحيحة أبي بصير ،

__________________

(١) في النسخ : واقع ، والأنسب ما أثبتناه.

٢٢٣

وقد عرفت عدم دلالة الرواية على الحرمة ورواية أبي بصير مع أنّ الاستدلال بطريق أولى محلّ تأمّل ، سيّما عند الشارح رحمه‌الله إذ لو بنى على أنّ السفر لا مدخليّة له في المنع ، بل كلّ ما هو ضدّ ، وكذا صلاة العيد لا مدخليّة لها ، بل كلّ ما هو صلاة فريضة ، بل كلّ ما هو فريضة فمقتضاها أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن الضدّ في الفرائض لو لم نقل في كلّ واجب ، سيّما ما هو أوجب من العيد ، وإن أجاز أن يكون للخصوصيّة مدخل فلا يتأتّى القياس المذكور ، ومع ذلك لا عموم فيها يشمل صورة فعل العيد والجمعة في موضع آخر ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، كما هو مسلّم عنده.

ومنه يظهر جواب آخر عن رواية التذكرة.

ومنه يظهر الجواب عمّا ذكره من إطلاق الأخبار المتضمّنة للسقوط عن المسافر. مضافا إلى ما ذكره سابقا من أنّ سقوطها يوجب حرمة السفر ، وما صرّح هنا أنّ السفر غير سائغ ، ومعلوم أنّه مع عدم الجواز يجب فعل الجمعة ويخرج عن تلك الإطلاقات جزما. ويظهر ممّا ذكرناه ما في قوله : ولو قيل باختصاص. ، فتأمّل جدّا.

قوله (١) : إذا قام الإمام يخطب. ( ٤ : ٦٣ ).

ومن حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قال فيه : « لا كلام والإمام يخطب ولا التفات. » (٢) وفي حديث المناهي في الفقيه : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلام في يوم الجمعة والإمام يخطب » (٣) وفي حديث‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٩ / ١٢٢٨ ، المقنع : ٤٥ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب صلاة الجمعة ب ١٤ ح ٤.

٢٢٤

ابن وهب كذا : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في حديث له : « الخطبة وهو قائم خطبتان ، يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين » (١).

قوله : ولفظ لا ينبغي صريح في الكراهة. ( ٤ : ٦٤ ).

فيه تأمّل ظاهر ، سيّما بملاحظة قوله في الرواية : « فإذا فرغ تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة » لأنّه إباحة في مقام الحظر إلى أن تقام الصلاة ، ومعلوم أنّه بعد الإقامة حرام ، فتأمّل.

قوله : وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف. ( ٤ : ٦٤ ).

ومستنده حسنة ابن المغيرة ـ بإبراهيم بن هاشم ـ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم وأن يؤذّن » (٢) ورواية طلحة عنه عليه‌السلام بهذا المضمون (٣). ورواية سماعة عنه عليه‌السلام : « يجوز صدقة الغلام وعتقه ، ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين » (٤).

وسند الأولى معتبر إلاّ أنّها من جهة عدم القائل بظاهرها لا تكون حجّة أو لا تقاوم المعارض ، مضافا إلى أنّ الراوي عامي ، فلعل حكمها موافق للعامّة ، فتأمّل.

قوله : « لا تقرأ خلفه » ... ( ٤ : ٦٦ ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ / ١٦٣٣ ، الوسائل ٨ : ٣٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٣٥٨ / ١٥٧١ ، الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥.

٢٢٥

وفي بعض الروايات : لا تصلّ خلف المجاهر بالفسق (١).

وفي روايات أبي ذر : « إمامك شفيعك عند الله ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا » (٢).

وفي رواية زيد بن علي عليه‌السلام عن آبائه عن علي عليه‌السلام : « الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلّى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه » (٣).

وفي الفقيه في الصحيح على الظاهر ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام : « لا تصلّ خلف من يبغي على الأذان والصلاة بالناس أجرا » (٤).

وفي التهذيب في باب أحكام الجماعة ، في الموثق كالصحيح عن حمران ـ إلى أن قال ـ فقال زرارة : هذا ـ يعني الصلاة خلف العامة ـ لا يكون ، عدوّ الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به (٥) ، الحديث. وفي باب الأذان عن يونس الشيباني عن الصادق عليه‌السلام : « إذا دخلت المسجد فكبّرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك » (٦).

وفي العيون وغيره عن علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام ـ في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٧ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١٠٩ ، الوسائل ٨ : ٣١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٣ ، التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٧ ، علل الشرائع : ٣٢٦ / ١ ، الوسائل ٨ : ٣١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١٠٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٨ ، الوسائل ٨ : ٣٢٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٣ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ أبواب الشهادات ب ٣٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٨ / ٩٦ ، الوسائل ٧ : ٣٤٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٩ ح ١ وفيه ذيل الحديث.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢٥ ، الوسائل ٥ : ٤٠٣ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٩.

٢٢٦

علّة قصر الجمعة ـ : « ومنها أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ وأكمل ، لعلمه وفقهه وعدله » الحديث (١).

وفيه أيضا عن الرضا عليه‌السلام في ما كتب للمأمون من محض الإسلام : أنّه « لا صلاة خلف الفاجر ولا يقتدي إلاّ بأهل الولاية » (٢).

وفي التهذيب في الموثق عن سماعة ، قال : سألته عن رجل كان يصلّي ، فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة الفريضة ، قال : « إن كان إماما عدلا فليصلّ ركعة أخرى وينصرف ويجعلها تطوّعا وليدخل مع الإمام في صلاته ، فإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلّي مع الإمام » إلى أن قال : « فإنّ التقيّة واسعة » (٣).

وفي الكافي في باب ما يردّ منه الشهود عن الباقر عليه‌السلام : « لو أن أربعة شهدوا على رجل بالزنا وفيهم ولد الزنا [ لحددتهم ] (٤) جميعا ، لأنّه لا تجوز شهادته ولا يؤمّ الناس » (٥) وفيها كبعض الأخبار السابقة شهادة على اتحاد حال الشهادة وإمامة الناس في الصلاة في اعتبار العدالة ، كما هو عند الفقهاء ، فمقتضى ذلك اعتبار العدالة.

لكن يعارضها ما تضمّن من المنع خلف الفاسق والمجاهر بالفسق (٦) ، أمّا الثاني فظاهر ، وأمّا الأوّل فلأنّ الفاسق لا يطلق شرعا إلاّ على‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٦٥ ، عيون الأخبار ٢ : ١١٠ ، الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٣.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ١٢١ ، الوسائل ٨ : ٣١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٥.

(٣) التهذيب ٣ : ٥١ / ١٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٦ ح ٢.

(٤) في النسخ : يحدّونهم ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٧ : ٣٦٩ / ٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٦ أبواب الشهادات ب ٣١ ح ٤.

(٦) راجع ص : ٢٢٦.

٢٢٧

من ظهر فسقه ، فلا يقال على مستور الحال : جاء الفاسق ، وذهب الفاسق ، وأمثال ذلك.

إلاّ أن يقال : إنّ الأخبار ليست بمتعارضة إلاّ على رأي من قال بأنّ العدالة غير عدم ظهور الفسق ، إذ بعض القدماء يقول باتحادهما ، كما أشار إليه الشارح رحمه‌الله لكن الذي حقّقناه في بحث الشهادة عدم الاكتفاء بما ذكروه ، وأنّه لا بدّ من حسن الظاهر (١) ، كما قال بعض الفقهاء (٢) ، ولعله الظاهر من أكثر القدماء والمعروف منهم إلاّ من شذّ ، فيمكن حمل الأخبار المتعارضة على من وقع المعاشرة الظاهرة معه ، فإنّه إن لم يظهر فسقه يكون حسن الظاهر البتّة ، وإلاّ يكون فاسقا.

على أنّا نقول : المعارض منحصر في الأولى والثانية ممّا ذكرته ، وهما ضعيفتا السند من دون انجبار للضعف ، بل يضعّفهما ندرة القائل ، وكونهما مخالفا لما اشتهر بين الأصحاب لو لم نقل بالإجماع ، ومع ذلك حمل الأولى على أنّ المراد من الفاسق فيها ما هو أعمّ من ظاهر الفسق أيضا. على أنّ مفهوم الوصف أو اللقب ليس بحجة.

وكذا الكلام في الثانية ، وإن كان مضمونها : ثلاثة لا يصلّى خلفهم : الغالي والمجهول والمجاهر بالفسق (٣) ، لاحتمال كون المجهول داخلا في المجهول. مضافا إلى الجزم بأنّ من لا يصلّى خلفه أزيد من الثلاثة ، فتأمّل جدّا.

وما ورد في بعض الأخبار : « إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس فقرأ‌

__________________

(١) حاشية مجمع الفائدة والبرهان : ٧٦٢.

(٢) انظر المقنعة : ٧٢٦ ، والنهاية : ٣٢٧.

(٣) الوسائل ٨ : ٣١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٦.

٢٢٨

القرآن فلا تقرأ خلفه واعتدّ بصلاته » (١) فمع ضعفه محمول على ظهور الحسن بقرينة كون إمام القوم من الشيعة ، وقوله : « يؤمّ » يفيد الاستمرار التجدّدي.

وكذا الكلام في ما ورد في من صلّى خلف إمام إلى خراسان ثمّ ظهر أنّه يهوديّ : أنّه لا إعادة عليه (٢) ، فتأمّل جدّا.

قوله : إلاّ أنّ المصير إلى ما ذكره الأصحاب أحوط. ( ٤ : ٦٦ ).

( لا يخفى على المتأمّل في ما ذكره الشارح هنا لاعتبار العدالة وجعل اعتبارها أحوط ، وخصّص عمومات القرآن والأخبار المتواترة بأن جعل التخصيص أحوط ، وفي اشتراط الإذن والنصب بالغ ما بلغ في عدم التخصيص بل القطع بعدم اشتراطه ، مع ما ذكره الفقهاء من الأدلة والفتاوى والأخبار والآثار والاعتبار ، فإنّها أضعاف ما ذكره الشارح رحمه‌الله بمراتب شتّى ، مع قطع النظر عمّا ذكرنا في اشتراط الإذن ، إذ بعد ملاحظته لا يصير ما ذكره الشارح طرف النسبة ، فلاحظ وتأمّل ) (٣).

قوله : على ملازمة التقوى والمروءة. ( ٤ : ٦٧ ).

إن حمل على أنّ الملازمة بحيث يستحيل التخلّف فهو باطل قطعا ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٧٩٨ ، الوسائل ٨ : ٣١٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٧.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » هكذا : لا يخفى أنّ حال العدالة واشتراطها أحسن من حال النصب والإذن ، فكيف قطع بعدم اشتراط الإذن ووجوب الجمعة عينا في زمان الغيبة ، وطعن في الإجماعات المنقولة وبالغ بما بالغ ، وهنا يقول : الأحوط ما ذكره الأصحاب ، بل المصير إلى ما ذكروه؟! مع أنّ من تأمّل الإجماعات الكثيرة المنقولة غاية الكثرة في اشتراط الإذن وتراكم الفتاوى وتوافقها وغير ذلك ما ( ممّا ) ذكرنا ظهر له ، واشتراط الإذن أظهر بمراتب شتّى ، بل لا مناسبة بينهما في نقل الإجماعات والفتاوى ، فتأمّل جدّا.

٢٢٩

لأنّ ذلك مرتبة العصمة ، ولأنّهم يقولون بجواز التخلّف قطعا ، وأنّ العادل ربما يصير فاسقا ، وأنّه بمجرّد التوبة يرجع إلى العدالة ، كما هو الظاهر منهم.

وإن حمل على أنّها بحيث يستبعد التخلّف فيرجع إلى حسن الظاهر ، إلاّ أنّهم اعتبروا المعاشرة الباطنية ، ولعل نظرهم إلى أنّه تعالى أمر بالتبيّن في خبر الفاسق (١) ، والفسق خروج عن الطاعة واقعا ، فلا بدّ من العلم بعدم الفسق إن أمكن ، وإلاّ فما هو أقرب إلى العلم.

وفيه منع كون الفاسق ما ذكر ، لما عرفت ، ولملاحظة شأن نزول الآية ، مع أنّه يقتضي عدم الاكتفاء بشهادة العدلين في ثبوت العدالة ، مع أنّ المشهور يكتفون بالعدل الواحد في خبر الواحد.

هذا مضافا إلى ما عرفت وستعرف من الأدلة على عدم الحاجة إلى المعاشرة الباطنية ، بل والمنع عنها وحرمتها ، وتمام الكلام في بحث الشهادات.

قوله : ويستفاد من هذه الرواية أنّه يقدح في العدالة. ( ٤ : ٦٩ ).

وهذه الرواية ـ مع أنّها وقع فيها اختلاف واضطراب من حيث إنّ الشيخ نقلها بتغيير وتفاوت (٢) ـ تتضمّن أمورا تخالف إجماع الشيعة :

الأوّل : أنّها ظاهرة في وجوب الجماعة وعدم التخلّف عن الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين إلاّ من علّة ، هذا لمن هو جار للمسجد ، وأمّا وجوب الجماعة فمطلقا ، لاحظ تتمّة الرواية التي لم يذكرها الشارح.

__________________

(١) الحجرات : ٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٤١ / ٥٩٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢ / ٣٣.

٢٣٠

الثاني : كون ذلك شرطا للجماعة.

الثالث : كونه شرطا لمعرفة العدالة ، مع أنّ الجماعة مستحبة بالضرورة والأخبار وترك المستحب لا ينافي العدالة بالإجماع.

الرابع : قصر معرفة العادل في ما ذكر فيها ، مع أنّه يعرف بالمباشرة الباطنية وشهادة العدلين ، ومقتضى الرواية أن يكون المسلمون يعرفونها كذلك حتى يصير عادلا أو يعرف أنّه عادل ، وأنّه إذا سئل عنه في قبيلته وأهل محلّته يقولون : ما رأينا. وأن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك ممّا هو في باطن أمره ويظهر بالتفتيش والتجسّس.

مع أنّ القاضي وحده إذا عرفه عادلا يكفي ، وإن كان أحد آخر لا يعرف عدالته بل لا يعرفه أصلا ، وكذا إن عرفه شاهدان فقط ، بل ربما يكون عادلا عند بعض غير عادل عند آخر ، بأنّه اطّلع اتفاقا على مكنون سرّه ، أو اشتبه عليه فاعتقد الفسق ، إلى غير ذلك ، ولذا كثير من الرواة والعدول عدالتهم محلّ خلاف.

ومع جميع ذلك يخالف طريقة الرسول وأمير المؤمنين والحسن صلوات الله عليهم بالنسبة إلى شهود الحكم وأئمّة الصلاة والقضاء وغيرهم ممّن اعتبر عدالته.

وكذا طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، مع أنّ العدالة من الأمور التي يعمّ بها البلوى ويكثر لديها الحاجة ، وجميع البلدان كذلك ، وليس بلد لا يحتاج إليها ولا يكثر حاجته إليها ولا يعمّ بلواه ، وانتظام الدين والدنيا بها ، كما لا يخفى ، بل ربما يظهر من سائر الأئمّة عليه‌السلام أيضا موافقتهم للرسول وعلى والحسن صلوات الله عليهم ، وورد في أخبار كثيرة‌

٢٣١

غاية الكثرة ما يخالفها من الاكتفاء بحسن الظاهر مطلقا أو عدم ظهور الفسق ، مع إمكان حملها أو إرجاعها إلى حسن الظاهر أو التقيّة أو غيرهما ، كما حقّقناه في حاشيتنا على شرح المقدّس الأردبيلي رحمه‌الله على كتاب القضاء من الإرشاد (١).

فيمكن حمل هذه الرواية على عدل المسلمين بحيث تقبل شهادته لهم كلّهم وعليهم كلّهم كما يشير إليه سؤال الراوي ، فتأمّل.

قوله (٢) : في صحيحة الحلبي : « لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم ». ( ٤ : ٧٣ ).

التهذيب ، عن الشعبي ، قال قال علي عليه‌السلام : « لا يؤمّ الأعمى في البرية ، ولا يؤمّ المقيّد المطلقين » (٣).

قوله (٤) : لأنّ الواقع أوّلا هو المأمور به. ( ٤ : ٧٦ ).

الأولى أن يعلّل بأنّ المنهي عنه هو المعبّر عنه بالثاني أو الثالث لا الأوّل ، فتدبّر.

قوله : فهو إنّما يقتضي تحريم المنافي من ذلك. ( ٤ : ٧٧ ).

لا تأمّل في أنّ مراده هو هذا لا غير ، بل الآية أيضا دلالتها على حرمة غير المنافي محلّ نظر ، لما ذكره العلاّمة من العلّة المومأ إليها واستوجهه الشارح رحمه‌الله ، ولأنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف الشائع وهو [ ما ] (٥) ينافي الصلاة.

__________________

(١) حاشية مجمع الفائدة والبرهان : ٧٦٦.

(٢) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٢.

(٤) هذه التعليقة وستّ بعدها ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٢٣٢

قوله : إمّا لأنّ النهي في المعاملات. ( ٤ : ٧٨ ).

ليس كذلك ، لتصريحه بخلافه (١).

قوله : لم يثبت كونه سببا في النقل. ( ٤ : ٧٨ ).

وذلك حقّ ، لأنّ الصحة هنا حكم شرعي ، لكونها عبارة عن ترتّب الأثر شرعا ، فيتوقّف على الدليل الشرعي ، والمعهود من فقهائنا انحصار الدليل في البيع في ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) و ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٣) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ ) (٥) لا غير ، وإن ذكر بعضهم : « المسلمون عند شروطهم » (٦) أيضا (٧) ، لكن المحقّقون على عدم الدلالة على الوجوب ، لاستلزامه التخصيص الذي لا يرضى به المحقّقون.

وأمّا الآيتان الأوّلتان فنقيضا صريح للحرمة ، فكيف تشملانها؟ وأمّا الأخيرتان فتنافيانها عرفا ، لأنّ العقد الذي نهى الله عنه كيف يأمر بالوفاء به؟ فإنّ النهي إيجاب لإعدامه فيكون فعله قبيحا شرعا ، والأمر بالوفاء إيجاب للوفاء بالقبح وإبقائه على حاله ، وبالجملة : لا يفهم منها وجوب الوفاء بما لا يرضى به الله تعالى وحرّمه ويعاقب عليه.

وأمّا قوله : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » (٨) وأمثاله فلم يعهد منهم‌

__________________

(١) انظر مجمع الفائدة ٢ : ٣٨٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المائدة : ١.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) الإسراء : ٣٤.

(٦) الوسائل ٢١ : ٢٩٩ ، ٣٠٠ أبواب المهور ب ٤٠ ح ٢ ، ٤.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٣٨٣.

(٨) الكافي ٥ : ١٧٠ / ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ / ٢٤٠ ، الخصال : ١٢٧ / ١٢٨ ، الوسائل ١٨ : ٦ أبواب الخيار ب ١ ح ٣.

٢٣٣

الاستدلال بها ، ولعله لعدم إفادة المفرد المحلّى العموم لغة ، كما هو مسلّم عند الشارح رحمه‌الله ، وعمومها إنّما هو من جهة الإطلاق ، والإطلاق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وكون البيع المنهي عنه منها محلّ تأمّل ، وكذا البيوع التي لا تستجمع شرائط الصحة شرعا.

وأيضا المطلق إنّما ذكر تقريبا لحكم آخر لا لحكم نفسه ، فعدم إفادته العموم غير مضرّ ، لحصول الفائدة منه في كلام الحكيم على تقدير عدم الشمول أصلا.

نعم يمكن أن يقال : إنّ النهي في الآية تعلّق بأمر خارج عن ماهيّة البيع وهو عدم درك صلاة الجمعة ، كما هو الظاهر عن سياق الآية وإن وقع الأمر بترك البيع ، وظاهر أنّ الغرض منه إدراك الجمعة لا غير ، فتأمّل.

قوله : ويتوجّه عليه ما حقّقناه سابقا. ( ٤ : ٧٩ ).

قد ذكر سابقا عدم توجّه ما ذكره (١) عليه ، بل فساده ، بل ظهور فساده ، وأشرنا إلى حقيقة الإجماع ، بحيث لا مجال للتأمّل فيها ، وأشرنا إلى الأخبار الدالة على عدم وجوب الجمعة عند عدم المنصوب ، بل ووضوح دلالة كثير منها على الاستحباب ، وأنّها مستند الأصحاب فيه ، فتأمّل.

قوله : وهذا ممّا يقطع بتعذّره في زمن ابن إدريس وما شاكله ... ( ٤ : ٨٠ ).

هذا عجيب ، لأنّ الشارح رحمه‌الله تمسّكه بالإجماع بحيث أخذه مستند الحكم بلا شكّ ولا شبهة كان في غاية الكثرة ونهاية الوفور ، بل وربما يعترض على من تقدّم عليه بأنّ كذا إجماعيّ ، فكيف يمكنك أن‌

__________________

(١) راجع ص ١٣٦ ـ ١٣٩.

٢٣٤

تقول : كذا؟ مثل ما أورده على جدّه رحمه‌الله في مسألة توالي دم الحيض وعدم تواليه ، وفي مسألة تقوّي الأعلى من الغديرين بالأسفل وعدمه على المحقّق الشيخ علي (١) ، إلى غير ذلك ، فكيف في زمانه يحصل العلم بالإجماع المصطلح ولا يحصل لابن إدريس والسيّد وأمثالهما؟ هذا من العجائب ، مع أنّك عرفت فساد ما ادّعاه ووضوح فساده ، وكتبنا رسائل متعدّدة في تحقيق الإجماع ، وأظهرنا شنائع هذه الدعوى ونظائرها من الشبهات المخالفة للبديهة ، من أراد الاطّلاع فليلاحظها (٢) ، مع أنّا نبّهنا هاهنا في ما سبق على ما نبّهتك على حقّية هذا الإجماع بخصوصه ، فلاحظ.

قوله : بل الظاهر أنّ المتيقّن يوم الجمعة. ( ٤ : ٨٠ ).

أمّا تيقّن عينية الجمعة في صورة النزاع فقد ظهر فساده بعنوان اليقين ، فلاحظ ، وإن لم يحصل لك اليقين فعليك بمطالعة رسالتنا في صلاة الجمعة ، ولا أظنّ أنّ القلب إذا كان خاليا لا يحصل له حتى ممّا ذكرنا في هذا الكتاب ، وأشرنا إلى ما دل على الحرمة أيضا من دعاء الصحيفة وغيره من الأخبار ، وكذا الأخبار الدالة على الاستحباب وعدم الوجوب ، وكذا الإجماع ، وعرفت أيضا عدم تمامية دلالة الآية والأخبار التي ادّعاها الشارح رحمه‌الله بالنسبة إلى محلّ النزاع ، فلاحظ وتأمّل ، مضافا إلى الإجماعات ، فدعوى اليقين بعد ذلك في غاية الغرابة.

ومرادهم من ثبوت الظهر في الذمة بيقين أنّ الله تعالى ما أوجب الجمعة إلاّ بعد مدّة مديدة من البعثة ، وكان الفريضة بالنسبة إلى جميع‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٣٢١ ، ٤٥.

(٢) انظر رسالة الإجماع ( الرسائل الأصولية ) : ٢٥٣.

٢٣٥

المكلّفين في تلك المدّة هو الظهر يقينا ، ثم بعد تلك المدّة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض المكلّفين ، ولم يتغيّر بالنسبة إلى بعض آخر بالإجماع والضرورة من الدين والمذهب والأخبار المتواترة ، فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع ، ومن لم يثبت فالأصل بقاء الظهر التي كانت يقينية حتى يثبت خلافه ، ولم يثبت ، ودليلهم هذا هو مقتضى الأصل حتى يثبت خلافه ، وهو الاستصحاب ، وقولهم : « لا تنقض اليقين بالشك » أو « إلاّ بيقين مثله » والعمومات والإطلاقات على طريقة الشارح رحمه‌الله في موضع الاستصحاب ، فالجواب ليس إلاّ أنّ خلافه ثبت والإتيان بالدليل ، لا ما ذكره الشارح رحمه‌الله لفساده يقينا.

وربما استدلوا هكذا : إنّ الظهر مبرئ للذمة يقينا ، للإجماع والعمومات على صحته بخلاف الجمعة ، هذا بناء على عدم النزاع في ما ذكروه ، كما هو الظاهر منهم.

قوله : وهذه الرواية ضعيفة السند. ( ٤ : ٨١ ).

الظاهر أنّ الرواية متفق عليها بين الأصحاب ، ويؤيّدها صحيحة عبد الرحمن الآتية ، فالضعف منجبر ، فلا وجه لما ذكره ، نعم الاحتياط عدم الاكتفاء حتى بمضمون الصحيحة ، وهو أمر آخر سوى الفتوى.

قوله : ولعلّه الأظهر. ( ٤ : ٨٢ ).

لم نجد وجهه ، وما ذكره من أنّ الجماعة. لم نجده إلاّ مجرّد دعوى خال عن الدليل ، وكيف يكتفى في العبادات التوقيفية والبراءة اليقينية من شغل الذمّة اليقيني بما ذكره؟.

قوله : ومقتضى ذلك اختصاص. ( ٤ : ٨٣ ).

لا شكّ في أن ما ذكره العلاّمة نكتة لاختيار الشرع لا أنّه دليل ، إذ‌

٢٣٦

لا شك في عدم صلاحيته ، فلعلّ النكتة بملاحظة وضع الجمعة لا فعليّتها.

قوله (١) : لما رواه عبد الله بن سنان. ( ٤ : ٨٤ ).

ولما رواه في الكافي بسنده عن الباقر عليه‌السلام أنّه كان يبكر يوم الجمعة إلى المسجد حين تكون الشمس قيد رمح (٢).

قوله : فلم أقف فيه على أثر. ( ٤ : ٨٥ ).

يمكن إدخاله في ما ورد من الأمر بالتزيّن يوم الجمعة (٣). ( فلا خفاء ولا تأمّل ، بل ورد في بعض الأخبار أنّ الصادق عليه‌السلام كان يحلق رأسه في كلّ جمعة ) (٤) (٥).

قوله : لقصور سند الحديث. ( ٤ : ٨٧ ).

كثيرا ما يقول بالمسامحة في أدلة السنن ، منها : ما مرّ في نوافل يوم الجمعة (٦) ، مع أنّ الحديث منجبر بعمل الأصحاب.

قوله (٧) : أمّا استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف. ( ٤ : ٨٨ ).

يتحقق الدخول في السورة بالدخول في البسملة التي قرئت بقصد تلك السورة وبالدخول فيما بعد البسملة ، مثل أن قرأ قل هو الله أحد ، وإن‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٢) الكافي ٣ : ٤٢٩ / ٨ ، الوسائل ٧ : ٣٤٨ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٩٥ أبواب صلاة الجمعة ب ٤٧.

(٤) الكافي ٦ : ٤٨٥ / ٧ ، الفقيه ١ : ٧١ / ٢٨٦ ، الوسائل ٢ : ١٠٧ أبواب آداب الحمّام ب ٦٠ ح ٧.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٦) المدارك ٤ : ٨٤ ، ١٥٥ ، ١٧٤.

(٧) هذه التعليقة ليست في « أ ».

٢٣٧

لم يقرأ البسملة بقصد سورة الإخلاص ، بل وإن قرأها بقصد سورة أخرى على إشكال.

ولو قرأ البسملة بقصد سورة القدر مثلا وشرع في قراءة الإخلاص فإن كان هذا الشروع مجرّد السهو من غير شعور وإرادة أصلا فالظاهر عدم العبرة به ، فله أن يقرأ القدر مثلا ، ولعلّ الأحوط الرجوع إلى الإخلاص بإعادة البسملة بقصدها ثم إتمام الإخلاص.

وإن كان بشعور وإرادة إلاّ أنّه سهى عن أنّه قرأ البسملة بقصد القدر وأنّه كان يريد القدر فالظاهر جواز العدول إلى الإخلاص ، لكن الأحوط العدول إليها بإعادة البسملة بقصدها.

وإن قرأ البسملة بقصد الجحد مثلا ثمّ قرأ قل هو الله أحد فإن كان بغير شعور وإرادة فلا عبرة به. وإن كان بهما وبالغفلة من كونه مريدا للجحد وأنّه قرأ البسملة بقصدها فإشكال ، والأقوى الرجوع إلى الحجة ، لصدق أنّه دخل وقرأ الجحد ، وحكمه عدم جواز العدول من الجحد إلى غيرها وإن كان الغير هو سورة الإخلاص. وكذلك الحال لو قرأ البسملة بقصد الإخلاص ثم قرأ قل يا أيّها الكافرون ، فإنّ الأمر بعكس ما قلنا.

هذا كلّه بناء على ما هو المعروف بين الفقهاء من أنّ جزئية البسملة لسورة إنّما هي بقصد تلك السورة في قراءة البسملة ، وأنّها جزؤها ، وأمّا على ما اختاره بعض متأخّري المتأخّرين من أنّ الجزئية لا تتحقّق إلاّ بضمّ أجزاء تلك السورة (١) فبقراءة قل هو الله ، دخل في سورة الإخلاص وإن قرأ البسملة بقصد الجحد ، وفي العكس بالعكس ، ولكنّه مشكل بغير‌

__________________

(١) الذخيرة : ٢٨١.

٢٣٨

إشكال.

والحاصل : أنّه لا بدّ من الصدق العرفي والعمل بمقتضاه ، وإن لم يتحقّق أو لم يعرف فيترك العدول إن لم يتحقّق الإشكال ، وإلاّ فيترك تلك الصلاة وتعاد حتى يخلص من الإشكال ، ويتحقّق الامتثال والبراءة للذمّة يقينا أو عرفا.

قوله : ويدل عليه روايات. ( ٤ : ٨٨ ).

هذا الاستدلال لا يناسب المصنف ومن وافقه في القول بعدم جواز العدول من الجحد والتوحيد هنا أيضا.

وأيضا الروايتان تدلان على العدول منهما مطلقا ، فاللازم منهما جوازه في غيرهما بطريق أولى ، فيخالف ما ذكره بقوله : فلا خلاف بين الأصحاب ، والظاهر عدم الخلاف كما قال.

قوله : فلم أقف له على مستند. ( ٤ : ٨٨ ).

الظاهر شمول الروايتين لظهر الجمعة وصلاة الجمعة جميعا ، وشمولهما للعدول عن الجحد بالإجماع المركب وعدم القول بالفصل ( مع عموم روايات دالة على جواز العدول مطلقا ، والجحد والإخلاص وإن خرجا إلاّ أنّهما خرجا معا ، ولمّا خرج الإخلاص في المقام ظهر دخولها في العمومات الدالة على الجواز ، فظهر دخول الجحد أيضا ، لأنّ المخرج عن العموم كان شاملا لهما دالا على أنّهما معا خارجان ، مع أنّه يمكن أن يقال بالقياس بطريق أولى ، لأنّ بعض الأخبار الخاص (١) في منع العدول عن‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » : خاصّ.

٢٣٩

الإخلاص (١) يظهر [ منه ] (٢) أنّ المنع فيها أهمّ في نظر الشارع ، فتأمّل ) (٣).

قوله : واعترف الشهيد في الذكرى. ( ٤ : ٨٨ ).

في الفقه الرضوي على ما ( في نسختي ) (٤) : « وتقرأ في صلاتك كلّها يوم الجمعة وليلتها : الجمعة والمنافقين وسبّح اسم ربّك ، وإن نسيتها أو في واحدة منها فلا إعادة عليك ، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى الجمعة ، وإن لم تذكر إلاّ بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك » (٥). لكن هذا يناسب رأي الشهيد رحمه‌الله في الذكرى والدروس وابن إدريس من اعتبار عدم بلوغ النصف (٦) ، بل في الذكرى نسبه إلى الأكثر.

وأمّا الموافق لمذهب المصنّف والشيخين والعلاّمة من اعتبار عدم تجاوز النصف (٧) ما رواه البزنطي عن أبي العبّاس في الرجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ أخرى ، قال : « يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف » (٨) وحيث ظهر عدم الخلاف في نفس القيد فالروايتان منجبرتان به متأيّدة كل منهما بالأخرى ، فتأمّل جدا.

قوله : بمجرّد الشروع. ( ٤ : ٨٩ ).

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ١٦١ ، المستدرك ٤ : ٢٠٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٤) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : سيجي‌ء.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٣٠ ، المستدرك ٤ : ٢٢٣ أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٣ ح ١.

(٦) الذكرى : ١٩٥ ، الدروس ١ : ١٧٣ ، ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٢٢ ، ٢٩٧.

(٧) المقنعة : ١٤٧ ، النهاية : ٧٧ ، والإرشاد ١ : ٢٥٤.

(٨) الذكرى : ١٩٥ ، الوسائل ٦ : ١٠١ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣٦ ح ٣.

٢٤٠