الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

عند النوم لا مطلقا ، والظاهر الترتيب المشهور مطلقا (١) ، انتهى ، وهو كما قال رحمه‌الله بل المشهور متعيّن.

قوله : أجمع العلماء كافة. ( ٣ : ٤٥٥ ).

قال الصدوق رحمه‌الله في أماليه : من دين الإمامية أنّ الصلاة يقطعها الريح إذا خرج من المصلّي ، أو غيرها ممّا ينقض الوضوء ، أو يذكر أنّه على غير وضوء ، أو وجد أذى أو ضربا لا يمكنه الصبر عليه ، أو رعف فخرج من أنفه دم كثير ، أو التفت حتى يرى من خلفه. ولا يقطع صلاة المسلم شي‌ء يمرّ بين يديه من كلب أو امرأة ، أو غير ذلك (٢) ، انتهى.

وعن أبي الصباح الكناني ـ في الصحيح عندي ـ عن الصادق عليه‌السلام ، في الرجل يخفق في الصلاة : « إن كان لا يحفظ حدثا منه ـ إن كان ـ فعليه الوضوء وإعادة الصلاة » (٣) ، الحديث.

وفي القوي عن الحسن بن الجهم عن الكاظم عليه‌السلام ، في الرجل صلّى الظهر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : « إن كان شهد الشهادتين فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد » (٤).

( وورد في الحائض الّتي تحيض في أثناء الصلاة أنها تبطل الصلاة ) (٥).

ويشهد له أيضا ما مرّ في كتاب الطهارة في بحث الوضوء أنّ صاحب‌

__________________

(١) روضة المتقين ٢ : ٣٦٥.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٣) التهذيب ١ : ٧ / ٨ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ ، أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٥ / ٥٩٦ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ ، أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٥) ما بين القوسين ليس في « أ » ، وانظر الكافي ٣ : ١٠٤ / ١ ، والوسائل ٢ : ٣٥٥ أبواب الحيض ب ٤٤ ح ١.

١٢١

البطن الغالب يتوضّأ ويبني (١).

وقال الشيخ في التهذيب : لا خلاف بين أصحابنا في أنّ من أحدث في الصلاة ما يقطع الصلاة يجب عليه استينافها (٢) ، فلاحظ.

وورد في الصحيح أنّ الفرض في الصلاة : الوقت والقبلة والطهور (٣).

وورد فيه أيضا أنّه « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٤). وورد أيضا فيه : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٥).

وأيضا العبادات ماهيتها توقيفية موقوفة على الثبوت من الشرع ، ولم يثبت كون مثل تلك الصلاة صلاة شرعية.

وأيضا شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، كما هو المحقّق ومرّ مرارا الإشارة إلى وجهه.

قوله : ونقل عن الشيخ. ( ٣ : ٤٥٥ ).

هذا النقل عنه محلّ نظر ، بملاحظة كلامه في كتبه ، ـ سيّما التهذيب ـ كما نقلنا.

قوله : ويتوجّه على الأوّل. ( ٣ : ٤٥٦ ).

المتبادر ممّا دل على اشتراطها به كونها من أوّلها إلى آخرها على‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ٣٠٥ ـ ٣٠٨.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٢ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٥ ، الوسائل ٤ : ٢٩٥ أبواب القبلة ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ١٨١ / ٨٥٧ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

١٢٢

الطهارة على سبيل الاتصال والاستمرار ، والمتبادر من الصحيح المتضمّن لكون فرض الصلاة الوقت والطهور أنّه مثل الوقت من فرائضها ، فتأمّل.

ويؤيّده جريان العادة في الأخبار وكلام الأصحاب بأنّ منافيات الصلاة تقطع الصلاة بخلاف الوضوء وغيره ، فإنّه لا يقال : يقطع الوضوء فتأمّل.

هذا.

على أنّه من أين ظهر كون هذه الصلاة شرعية وعبادة؟ مع كونها توقيفية موقوفة على الثبوت من الشرع ، هذا إن قلنا إنّ ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة ، كما هو أحد القولين ، ولعله أقربهما بالنظر إلى الدليل ، كما حقّقناه في محلّه.

وأمّا على القول الآخر فإنّه لمّا ثبت من الشرع جزما أنّها لا تصح بغير الظهور وحصل الشك في أنّ الطهور على سبيل الدوام شرط أم على سبيل التوزيع يكفي ، فقد قلنا : إنّ الظاهر من الأدلة هو الأوّل ، ويعضده عدم جواز التوزيع عمدا ، وعدم الصحة حينئذ يقينا وإن كان جهلا.

وحمل الأدلة على سبيل الدوام في حال العمد والجهل ، وعلى سبيل التوزيع في حال النسيان ، فيه ما فيه.

والقول بأنّ الظاهر منه على سبيل التوزيع خاصّة وثبوت الدوام فيه في غير حال النسيان من دليل آخر أيضا بعيد لعله لا يرضى به المنصف بعد ملاحظة الأدلة وما أشرنا إليه ، ولذا لو لم تكن الأخبار الصحيحة لما كان القائل بالصحة يقول بها بلا شبهة ، ولا يبني على كون المراد حال التوزيع البتّة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، سيّما مع ملاحظة تحقّق أفعال كثيرة ( كلّ‌

١٢٣

واحد منها فعل كثير ) (١) ( فباجتماع ) (٢) الكلّ يمحو عند المتشرعة صورة الصلاة المتلقّاة من الشرع ، المنقولة عنه ، وعلى وتقدير تسليم عدم الظهور الذي ذكرناه فلا أقلّ من الشكّ ، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ، فتأمّل جدّا.

على أنّه سيجي‌ء من السيد رحمه‌الله أنّه حكم ببطلان الصلاة بمجرّد وضع اليمين على الشمال محتجّا بأنّه فعل كثير خارج من الصلاة (٣) ، فما ظنّك بأفعال كثيرة خارجة عنها؟

قوله : من منع الإجماع في موضع النزاع. ( ٣ : ٤٥٦ ).

فيه ما مرّ مرارا أنّ إجماعنا غير إجماع العامّة ، فلا يضرّ خروج معلوم النسب ولو كان جماعة ، كما حقّق في محلّه ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة كما حقّق في محلّه ، ومرّ الكلام فيه مرارا ، خصوصا مثل الإجماع الذي نقلناه عن الصدوق ، وأنّه جعله من عقائد الإمامية التي يجب الإقرار بها ، ويعضده الإجماع الذي نقله الشيخ ( وغيره ) (٤).

وضعف سند الروايات ـ على تقدير التسليم ـ منجبر بفتاوى الأصحاب ، كما هو المحقّق في محلّه ، والمسلّم عند الكلّ حتى عند الشارح في غير واحد من المواضع (٥) ، وإن كان يناقش أيضا (٦) ، وليست بمكانها بلا شبهة ، فإنّ العدالة المشترطة في قبول الخبر يكتفي الشارح فيها‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٢) في « ب » و « ج » و « د » : فبإجماع.

(٣) المدارك ٣ : ٤٥٩.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ » ، وراجع ص ١٢١ ـ ١٢٢.

(٥) منها في المدارك ١ : ٤٧.

(٦) لاحظ المدارك ١ : ١٣٢.

١٢٤

بظنون ضعيفة ، فكيف لا يكتفي في التبيّن بمثل هذا الظن الذي كاد أن يتاخم اليقين؟ مع أنّ مانع الاكتفاء بالظنّ في الكل واحد ، كما أنّ المقتضي أيضا واحد ، فالتفكيك تعسّف بحث ، ولذا اتفق الفقهاء على ذلك.

وكون الأصل في العبادات وتحقّق ماهيتها عدم الزيادة في التكليف فاسد ، كما حقّق في محلّه ، ولذا لا يعتمد عليه الشارح رحمه‌الله أيضا في غالب المواضع ، ولم يستدل القائل بالصحة في المقام به ، ولا أحد ممّن تقدّم على الشارح في مثل المقام مطلقا ( فتأمّل جدّا ) (١).

هذا على تقدير قطع النظر عن الإجماعات وكونها صحيحة حقّا ، وبعده لا مجال لما ذكره أصلا ، فتأمّل.

قوله : بصحيحة الفضيل بن يسار. ( ٣ : ٤٥٧ ).

لكن يتوجه على المستدل أنّ المطلوب كان الحدث سهوا ، والرواية تدل على الصحة في الحدث عمدا وهو غير محلّ النزاع ، بل هو محلّ الإجماع ، وحمل الرواية على صورة الاضطرار ـ مع أنّ الظاهر منها عدم الوصول إلى حدّ الاضطرار ، لأنّ المعصوم لم يستفصل بل قال مطلقا ما قال ـ غير نافع أصلا ، لما عرفت من أنّه لا يخرجه من العمد ولا يدخله في النسيان ، وقياس النسيان على الاضطرار باطل قطعا ، هذا.

مع مخالفة الرواية لما ذكره الشارح رحمه‌الله وذكرناه ، وللأخبار الدالة على أنّ الالتفات في الصلاة يبطل الصلاة (٢) ، وهي صحيحة مفتى بها عند الأصحاب ( وللأخبار الدالة على أنّ استدبار القبلة وتقليب الوجه عنها مبطل‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٣.

١٢٥

للصلاة (١) ، وكذا الآية القرآنية (٢) ، وهما مفتى بهما عند الأصحاب ) (٣).

وكذا يخالف ما دل على أنّ الفعل الكثير مبطل للصلاة (٤) ، مع أنّ فيها أفعالا متعدّدة كثيرة كلّ واحد منها فعل كثير ، فباجتماعها يمحو صورة الصلاة ، وسيجي‌ء أنّها تبطل الصلاة. مضافا إلى الإجماع على الإبطال ، كما سيجي‌ء (٥). مع أنّه ورد عنهم عليه‌السلام الأمر بأخذ ما اشتهر بين الأصحاب وترك ما خالف القرآن ، بل ترك ما لم يوافق القرآن (٦).

قوله : قال : سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله. ( ٣ : ٤٥٨ ).

هذه الرواية ـ مع ضعفها ، ومخالفتها لما مرّ ، وكون حالها حال الرواية السابقة في جميع ما ذكرنا ، سيّما أنّها لا دخل لها في المطلوب بوجه ـ تتضمّن حكاية سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيناسب حملها على التقيّة ، وكذا الخبر السابق. ويؤيّد حملها على التقية ما سنذكره في الرواية الآتية ، فلاحظ وتأمّل ، فالأظهر كون أمثال هذه الروايات واردة مورد التقيّة.

قوله : وصحيحة زرارة. ( ٣ : ٤٥٨ ).

هذه الرواية أيضا لا يظهر منها كون الحدث سهوا ، بل الظاهر منها كونه بغير اختيار ، ومع ذلك تتضمّن ما لا يقول به أحد من قوله : « فإنّ شاء رجع » إلى آخر الحديث ، ومع جميع ذلك معارضة لما ذكره الشارح رحمه‌الله

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٣.

(٢) البقرة : ١٤٤.

(٣) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٤) الوسائل ٧ : ٢٦٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١٥.

(٥) انظر المدارك ٣ : ٤٦٥.

(٦) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

١٢٦

وذكرنا ، سيّما رواية الحسن بن الجهم (١) التي هي أوفق بطريقة الإمامية ، على ما قال الصدوق ، وإجماع الشيعة على ما قال الشيخ ، وموافقة لغير واحد من الأخبار المتضمّنة لكون التشهّد سنّة (٢) ، ولأجل كونه سنّة لا يضرّ الحدث قبله ، وحملها الشهيد رحمه‌الله على التقيّة بسبب كون التشهّد الثاني غير واجب عند أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وسعيد بن المسيّب ، والنخعي ، والزهري ، والعامة رووا ذلك عن علي عليه‌السلام (٣) ، ومعلوم إجماع الشيعة على وجوب هذا التشهّد أيضا ، وأخبارهم متظافرة (٤) فيه ، ومن هذا يظهر قدح آخر.

ويظهر من هذه الأخبار أيضا أنّ الحدث في الصلاة مبطل لها ، كما لا يخفى ، نعم هذه الصحيحة لا يظهر منها ، نعم يظهر أنّه من قبيل تلك الأخبار ، كما لا يخفى على من لاحظ المجموع ، فلاحظ.

على أنّه نقل عن الصدوق أنّ تخلّل الحدث في أثناء الصلاة غير ضارّ إذا وقع بعد الفراغ من أركان الصلاة (٥) ، فهذا الحديث حجّة له لو كان ، لا حجّة المستدل ، لعدم تحقّق الإجماع المركّب ، ورواية ابن الجهم مستند صاحب الفاخر ، فإنّه نقل عنه أنّ الحدث بعد الشهادتين لا يضرّ ، وهو ممّن قال بوجوب السلام (٦). وما الكلام بالنسبة إلى ما نقل عن الصدوق وصاحب الفاخر يظهر من التأمّل في ما ذكرناه وما مرّ في بحث التشهّد والصلاة على‌

__________________

(١) راجع ص ١٠٢.

(٢) انظر الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب التشهّد ب ٧.

(٣) الذكرى : ٢٠٤ ، وانظر المجموع للنووي ٣ : ٤٦٢.

(٤) في « ا » : متواترة.

(٥) حكاه عنه في الحبل المتين : ٢٥٧ ، وانظر الفقيه ١ : ٢٣٣.

(٦) نقله في الذكرى : ٢٠٦.

١٢٧

النبي والتسليم.

وكذا يظهر من جميع ما ذكرنا الكلام في ما احتجّ به الشيخان على البناء في التيمم خاصّة ، مضافا إلى استبعاد الصحة في التيمّم دون المائية بالنظر إلى المقتضيات والموانع ، والسؤال وقع عن المتيمّم فأجاب بالبناء ، لأنّ البناء من خصائص التيمّم ، مع أنّه لو صحّ فيه لعله يصح فيها بطريق أولى ، على أنّه قيل : إنّ المراد من أحدث : أمطر (١) ، وفي القاموس : الأحداث : أمطار أوّل السنة (٢) ، وفي صدر الرواية ما يشعر بذلك ، فلاحظ وتأمّل.

مع أنّ كلمة الفاء في قوله : فأصاب الماء ، أيضا يشعر به ، لعدم الارتباط لو كان المراد الحديث المتعارف.

وفي الوافي أيضا صرّح بأنّ المراد ليس الحديث المتعارف ، لكن قال : أحدث بالبناء على المفعول : أي سنح أمر من أمطار السماء وغيرها من أسباب وجدان الماء ، والكناية عن مثله بالحدث شائعة في كلامهم (٣) ، انتهى.

قوله : لأنّ الإجماع لا تصادمه الرواية ، ولا بأس بالعمل بها. ( ٣ : ٤٥٩ ).

وعلى هذا يتحقّق وهن في الرواية ، لأنّ حملها على خصوص صورة النسيان بعيد ، بل ربما لا يصح ، لأنّ صورة النسيان في الحدث من الفروض‌

__________________

(١) انظر روضة المتقين ١ : ٢٧٩.

(٢) القاموس المحيط ١ : ١٧٠.

(٣) الوافي ٦ : ٥٦٣.

١٢٨

النادرة ، وحمل المطلق في الأخبار على الفروض النادرة فيه ما فيه ، بل ليس بمطلق بل عامّ ، لأنّ ترك الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم ، فضلا عن أن يكون الاحتمال أظهر ، بل الاحتمال الآخر في غاية البعد ، ومخالفة الظاهر ، وصرف العام إلى الفرد النادر أشدّ قبحا ومنعا.

قوله : ونقل الشيخ والمرتضى فيه الإجماع. ( ٣ : ٤٥٩ ).

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجوز التكفير في الصلاة (١).

قوله : واستوجهه في المعتبر. ( ٣ : ٤٦٠ ).

هذا لا يدل على الكراهة ، بل ترك المستحب ، وإن كان ما ذكره أخيرا يدل على الكراهة ، ففي كلامه تدافع في الجملة.

قوله : وضعهما كيف شاء. ( ٣ : ٤٦٠ ).

هذا ـ على تقدير التسليم ـ إنّما هو في صورة لم يقصد كونه من الصلاة ، وإنّما قلنا : على تقدير التسليم ، لأنّ هيئة العبادة توقيفية ، والمنقول عن الشرع غير هذه الهيئة ، ولم يتحقّق إجماع على صحة هذه الهيئة ، ولا ثبتت من نص ، وأصل العدم لا يجري في العبادات ، كما حقّق في محلّه ، مع أنّه نوع من الاستصحاب ، فمن لا يقول بحجّيته كيف يتمسّك به؟

إلاّ أن يقول بأنّ الصلاة اسم لمجرّد الأركان عند المتشرعة ، وعدم الوضع خارج عنها البتّة عندهم ، ومراد الشارع من لفظ الصلاة ليس إلاّ ما هو مجرّد الأركان عند المتشرعة. وإثبات ما ذكر محلّ صعوبة ، فتأمّل جدّا ، هذا. مع ما عرفت من الأمالي وغيره من دين الإمامية وإجماعهم.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٢.

١٢٩

قوله : وهو جيّد. ( ٣ : ٤٦٠ ).

جودة كلامه فرع عدم ورود النهي التحريمي من الشارع ، وهو فاسد ، كما اعترف به الشارح رحمه‌الله فأيّ جودة بقيت بعد ذلك؟

قوله : في الكراهة نظر. ( ٣ : ٤٦١ ).

بل هو أظهر في التحريم ، لما ورد عنهم : « من تشبّه بقوم فهو منهم » (١) ، مضافا إلى فهم الأصحاب ، والإجماعات المنقولة ، وما ورد عنهم عليه‌السلام من أنّ الرشد في خلاف العامّة (٢) ، وغير ذلك.

قوله : لتوجّه النهي إلى أمر خارج عن العبادة. ( ٣ : ٤٦١ ).

قد عرفت التأمّل في ذلك ، وهذا وما سبق منه ومن المحقّق مبنيان على كون الصلاة اسما للأعمّ من الصحيحة كما هو أحد القولين ، وأنّ الوضع وعدمه لا مدخل لهما أصلا في ماهية الصلاة بحسب الشرع.

قوله (٣) : والالتفات. ( ٣ : ٤٦١ ).

مرّ عبارة الأمالي في إبطال الالتفات (٤).

قوله : وهو الاستقبال. ( ٣ : ٤٦١ ).

مقتضى هذا كون الشرط هو الاستقبال على سبيل الاتصال والاستمرار ، كما ذكرنا في مسألة الحدث في أثناء الصلاة ، ومقتضى كلامه هنا في صورة السهو أنّ الاستقبال ليس شرطا على سبيل الاستمرار (٥) بل‌

__________________

(١) عوالي اللآلئ ١ : ١٦٥ / ١٧٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٤٤٠ أبواب الشهادات ب ٣٥ ح ٥ ، مسند أحمد ٢ : ٥٠.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

(٣) هذه التعليقة ليست في « ج » و « د ».

(٤) راجع ص ١٢٠.

(٥) في « ب » و « ج » و « د » : الاتصال.

١٣٠

على التوزيع ، وفيه ما فيه ، ومع ذلك مقتضى تعليله أنّ الالتفات إلى ما بين المغرب والمشرق أيضا موجب لبطلان الصلاة ، إلاّ أن يقول بأنّ ما بينهما قبلة مطلقا ، وفيه ما فيه ، ومرّ الكلام في بحث القبلة (١).

قوله : هذا كلّه مع العمد. ( ٣ : ٤٦٢ ).

مقتضى الأخبار أنّ الالتفات الفاحش يبطل الصلاة وإن كان سهوا ، وأما غير الفاحش وإن كان لا يبطل الصلاة إلاّ أنّه نهي عنه ، كما يظهر من صحيحة زرارة ، وصحيحة محمد بن مسلم أنّه سأل الباقر عليه‌السلام عن الرجل يلتفت في الصلاة قال : « لا ، ولا ينقض أصابعه » (٢).

نعم ورد في رواية عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ الالتفات لا يقطع الصلاة ، وما أحبّ أن يفعل » (٣) لكن لا يقاوم سندا ، مع أنّ الحسنة متضمّنة لتعليل ثابت ظاهر ، فهي أرجح من هذه الجهة أيضا ، كما أنّ في الرواية غير الصحيحة وهن آخر من جهة الحكم بعدم قاطعية الالتفات مطلقا ، ومع ذلك يمكن حمل « ما أحبّ » على المنع ، لأنّهم كثيرا مّا يستعملونه فيه.

وكيف كان ، التفصيل الذي سيذكره مناسب لجعله في صورة عدم الفاحش ، وأنّه إن كان عمدا وأتى شيئا من الأفعال في هذه الحالة يبطل الصلاة إن كانت زيادته مبطلة للصلاة عمدا ، وإن لم تكن مبطلة عمدا لكن يجب فعله في الصلاة ولم يأت به مستقبل القبلة أتى به مستقبل القبلة ، وإلاّ‌

__________________

(١) راجع ج ٢ : ٣٢٤ ـ ٣٢٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٨١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٠ / ٧٨٤ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٣ ح ٥.

١٣١

فيصحّ ، فتأمّل.

وأمّا سهوا ، فإن كانت زيادته مبطلة سهوا فكذلك ، وإلاّ فيأتي به مستقبل القبلة ، وإن لم يمكن تداركه وهو ركن فيبطل ، وإن لم يكن ركنا فلا يضرّ بل يسجد للسهو أو يقضي ويسجد معا على النحو المقرّر ، فإذا لم يتفطّن في أثناء الصلاة بل تفطّن بعدها فالأمر على ما ذكره الشارح رحمه‌الله فتدبّر.

وجميع ما ذكرنا في السهو إنّما هو إذا بلغ حدّ اليمين أو اليسار ، وإلاّ فلا يضرّ أصلا ، كما ذكره أيضا ، والله يعلم.

قوله : وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ( ٣ : ٤٦٣ ).

المتبادر من الروايتين وغيرهما كون التكلّم عمدا ، سيّما بملاحظة انصراف المطلق إلى الأفراد الشائعة ، ونسيان كونه في الصلاة ثم التكلّم لعله نادر ، نعم نسيان عدم جواز التكلّم فيها والتكلّم غفلة لعله غير نادر.

نعم ورد في غير واحد من الأخبار أنّ التكلم ناسيا لا يبطل الصلاة (١) ، وإن كان ورد في بعضها أنّه يكبّر تكبيرا كثيرا (٢) ، وحمل على الاستحباب (٣) ، والسند منجبر بعمل الأصحاب ، ومرّ في صحيحة الفضيل (٤) وغيرها أنّ التكلّم في الصلاة ناسيا غير مضرّ أصلا ، فتأمّل.

قوله : وموثقة سماعة. ( ٣ : ٤٦٤ ).

لا يخفى أنّ الأخبار مطلقة ، والتقييد بصورة العمد من جهة أنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٢ / ١٠٢٩ ، الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.

(٣) كما في الاستبصار ١ : ٣٧٨.

(٤) انظر المدارك ٣ : ٤٥٧.

١٣٢

المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع المتبادر ، وفرض وقوع الضحك حال نسيان الصلاة نادر وغير متبادر ، أمّا الوقوع بغير اختيار ( فلعله داخل في العمد ، لأنّ المراد منه ما يقابل السهو ، كما عرفت ، والغالب وقوعه بغير اختيار ) (١) فالظاهر شمول الأخبار له أيضا.

قوله : ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلّيّة. ( ٣ : ٤٦٦ ).

لعل المراد الانمحاء عند المتشرعة ، بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية مطلقا ، أو في مثل الصلاة مطلقا ، أو في زمان الصادقين ومن بعدهما من الأئمة عليه‌السلام ، والتحقيق في الأصول ، بل على تقدير القول بعدم الثبوت مطلقا أيضا يتمّ ، لأنّ مع وجود القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي يتعيّن حقيقة المتشرعة إجماعا ، لنهاية كثرة الاستعمال فيها إلى أن قال أعاظم الفحول بصيرورته حقيقة ، فينصرف إليها لا إلى ما لم يعهد استعمال الشرع فيه مطلقا أو إلاّ نادرا. لكن بعض ما ورد في الأخبار أنّه غير مضرّ (٢) يمحو صورة الصلاة عند المتشرعة ، حتى عند المجتهدين والمقلدين ، فتأمّل جدّا.

قوله : اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع الوفاق. ( ٣ : ٤٦٦ ).

فيه : أنّ هذا إن تمّ فإنّما يتمّ على القول بأنّ الصلاة اسم لمجرّد الأركان ، وقد مرّ الكلام في أمثال المقام مرارا.

قوله : باشتماله على عدّة من الضعفاء. ( ٣ : ٤٦٦ ).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) انظر الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب قواطع الصلاة ب ٢١ ح ٣ ، وب ٢٢ ح ١ ، و : ٢٨٠ ب ٢٤ ح ١ ، ٢.

١٣٣

السند منجبر بالشهرة ، وجريان الأصل في ماهية العبادات التوقيفية محلّ كلام حقّق في محلّه.

قوله : ومنعه المصنّف في المعتبر. ( ٣ : ٤٦٧ ).

ليس بمكانه ، لأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ، بل الظاهر أنّه إجماع ، ويؤيّده ما نقله في المنتهى (١).

مضافا إلى أنّ العبادات ماهيتها توقيفية ، فكيف يكتفى بما وقع فيه هذا الأجنبي الغريب؟

ويؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٢) ، وتتبّع تضاعيف أحوال الصلاة ومفسداتها ، ومرّ الكلام في مثله في وضع اليمين على الشمال وغيره (٣).

قوله : الضابط في كراهة التأوّه والأنين. ( ٣ : ٤٧٠ ).

روي : أنّ من أنّ في صلاته فقد تكلّم ، وعمل بها الصدوق (٤) ، رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن طلحة بن زيد ، عن أبي جعفر ( عن أبيه عن عليّ ) (٥) عليه‌السلام (٦).

قوله : لأنّه لا يسمّى تحيّة. ( ٣ : ٤٧٢ ).

فيه تأمّل ظاهر ، روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر عليه‌السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ممّا علّمه‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣١٢ ، وفي « أ » و « و » زيادة : وغيره.

(٢) عوالي اللآلئ ١ : ١٩٧ / ٨ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٤٦ / ١٠ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٤.

(٣) راجع ص ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٢.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٦) التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٨١ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٤.

١٣٤

أصحابه في مجلس واحد من أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ، قال عليه‌السلام : « إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله عزّ وجلّ ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (١).

قوله : من حيث السند. ( ٣ : ٤٧٤ ).

ومن حيث المعارضة لصحيحة ابن مسلم وغيرها (٢) ، ولظاهر القرآن (٣) والعمومات في ردّ السلام ، مع إمكان حملهما

على عدم زيادة الجهر المنافية لحرمة الصلاة ، فتأمّل.

قوله : ولا يجب ردّ غير السلام من الدعوات. ( ٣ : ٤٧٥ ).

إذا سلّم عليه سلام ملحون فالأحوط أن يردّ عليه بصورة الآية القرآنية ، مثل ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ) (٤) ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليها. ( ٣ : ٤٧٧ ).

تكفي دلالة ظاهر الآية والمفهومات في الروايات وظواهرها ، منها رواية حريز وسماعة الآتيتان ، وموثقة عمار في قتل الحيّة في الصلاة أنّه « إن كان بين المصلّي وبين الحيّة خطوة فليخط وليقتلها ، وإلاّ فلا » (٥) ، وغيرها (٦).

__________________

(١) الخصال : ٦٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٨٨ أبواب أحكام العشرة ب ٥٨ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ٧ : ٢٦٧ أبواب قواطع الصلاة ب ١٦.

(٣) النساء : ٨٦.

(٤) الرعد : ٢٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤١ / ١٠٧٢ ، التهذيب ٢ : ٣٣١ / ١٣٦٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٣ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٦) انظر الوسائل ٧ : ٢٧٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١٩ ح ٥.

١٣٥

وكذا ما ورد من المنع من فعل المنافيات في الصلاة (١) ، وما ورد في الصحيح في كثير الشكّ : « لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه » إلى قوله : « إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (٢) وغير ذلك ، فتتّبع الأخبار وتأمّل فيها يظهر لك ما قلنا.

مع أنّ ذلك إجماعي أيضا ، بل الظاهر أنّه من ضروريات الدين ، فما ذكره من انتفاء الدليل على التحريم فيه ما فيه.

قوله (٣) : ولم أقف على رواية. ( ٣ : ٤٧٧ ).

الأخبار المتواترة المتضمّنة لقولهم : « وتحريمها التكبير » ، وقولهم عليه‌السلام : « وتحليلها التسليم » (٤) وأمثال ذلك دالة على المطلوب بالمنطوق ، وبالجملة ، الأخبار متواترة ، منها ما ورد في المنع من منافيات الصلاة فيها.

قوله : أجمع العلماء كافّة على وجوب صلاة الجمعة. ( ٤ : ٥ ).

المجمع عليه هو ضروري الدين لا يحتاج إلى الدليل ، فضلا عمّا ارتكبه من التطويل والتأكيد والتشديد ، سيّما والأدلة ظنّية نظرية فكيف يستدل بها على الضروري اليقيني؟ اللهم إلاّ أن يكون مراده إثبات عدم اشتراط الإمام أو نائبه ، كما يظهر من آخر كلامه ، لكن في الدلالة نظر ستعرفه ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ٧ : أبواب قواطع الصلاة ، الأبواب ٣ ، ٧ ، ٢٥ ، ٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ / ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ / ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢٨ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

(٣) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٤) الوسائل ٦ : ٤١٥ ، ٤١٧ أبواب التسليم ب ١ ح ١ ، ٨.

١٣٦

قوله : وهو هنا. ( ٤ : ٥ ).

تنبيه على أنّ صيغة الأمر لا تدل على التكرار ، كما حقّق في محلّه ومسلّم عند المحققين ، ومنهم الشارح ، فيرد عليه أنّ التكرار إذا كان من اتفاق العلماء يكون متقدّرا بقدره ، ولا نزاع لأحد في التكرار المتفق عليه ، بل نقلوا الإجماع على اشتراط الإمام أو نائبه ، فيكون التكرار المتفق عليه في صورة وجود الإمام أو نائبه بحيث يكونان إمام الجمعة بالاتفاق منهم.

على أنّه على تقدير عدم العلم بتحقّق هذا الإجماع فالظنّ به لا شكّ فيه ، لأنّه إجماع نقله جماعة كثيرة من الفقهاء الفحول ، كما ستعرف.

وعلى تقدير عدم الظنّ فالاحتمال لا شكّ فيه بالبديهة ، بل على تقدير الظنّ بعدم الاشتراط لا شبهة في كون التكرار الذي اتفق عليه العلماء هو الذي لا نزاع لأحد فيه ، فالظنّ بعدم الاشتراط من جهة أمر خارج لا ينفع المستدل في استناده إلى القدر المتفق عليه ، كما هو ظاهر.

وبالجملة لا شبهة في فساد استدلاله ، بل الآية تكون حجّة على الشارح لا له ، لأنّ الأمر لا يقتضي التكرار ، بل المقتضي له هو الإجماع ، ففي موضع الخلاف لا تكون واجبة ، كما لا يخفى.

قوله : للتكرار. ( ٤ : ٥ ).

إن أراد التكرار في الجملة فمسلّم ، لكن لا فائدة ، كما أشرنا ، وإن أراد على سبيل الدوام فممنوع ، بل باطل ، وبالجملة التكرار في نفسه ليس له حدّ مضبوط معيّن ، بل إنّما هو على حسب ما يقتضيه مقتضيه ، فإذا كان المقتضي هو اتفاقهم فلا جرم يكون المقتضى هو الأمر المتفق عليه.

على أنّه إن أراد التكرار بعد النداء ففساده لا يخفى ، وإن أراد على‌

١٣٧

حسب النداء فلا وجه للقول بأنّ الأمر للتكرار ، بل المناسب أن يقول : كلمة إذا هنا للعموم ، وإن لم تفد لغة ، كما هو الحق عنده ومعظم المحقّقين (١) ، اللهم إلاّ أن يؤول كلامه إلى ذلك بضرب من العناية ، وكيف كان ، فالاعتراض باق بحاله ، كما لا يخفى.

وربما استدل على العموم بأنّ الحمل على المعيّن ترجيح من غير مرجّح ، وعلى غير معيّن ينفي الفائدة.

وفيه : أنّه لو تمّ فهو من باب إرجاع المطلق إلى العموم ، وغير خفي أنّه إنّما يرجع إليه إذا لم يكن هناك شائع غالب ، وإلاّ فالذهن ينصرف إليه ، وهو المرجّح ، والشارح اعترف بذلك في مواضع شتّى ، والشائع الغالب ـ بل المتعارف ـ كان في زمان نزول الآية وقوع النداء عند حضور السلطان أو نائبه ، بل وما بعده أيضا كان كذلك ، كما سيجي‌ء عن المحقّق ، وكذا الكلام في لفظ الصلاة.

مضافا إلى أنّ الظاهر المتبادر النداء الصحيح الشرعي ، وكذا الصلاة الصحيحة الشرعية ، سيّما على رأي القائل بأنّ ألفاظ العبادات أسام للصحيحة المستجمعة لشرائط الصحة ، وكون الواقع بغير حضور السلطان أو نائبه صحيحا محلّ نظر ، بل أوّل الكلام ، وباقي الكلام سيجي‌ء فتربّص.

على أنّ المحقّق في الأصول أنّ الأمر للطبيعة ، وأنّ امتثاله مرّة يكفي ، بل لا يجوز أزيد من المرّة لو كان عبادة ، فالتكرار إذا كان من الإجماع (٢) ففي موضع الخلاف لا تكرار ، فيكفي الواحدة ولا يلزم التكرار ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر تمهيد القواعد : ٣٨١ ، والحدائق ٩ : ٣٩٩.

(٢) في « أ » و « و » زيادة : فمسلّم وإلاّ.

١٣٨

قوله : والتعليق بالنداء مبني على الغالب. ( ٤ : ٥ ).

دفع إيراد يرد عليه ، وهو أنّ مفهوم الشرط حجّة ، كما حقّق ، ومسلّم عندكم ، وهو هنا عدم الوجوب عند عدم النداء ، والموجبون نافون لذلك ومتحاشون عنه ، فأجاب بأنّ الشرط هنا وارد مورد الغالب ، ولا اعتبار لمفهوم مثله ، لأنّ المتعارف لمّا كان في ذلك الزمان أنّهم ينادون غالبا ـ بل والبتّة ـ قال الله عزّ وجلّ كذلك ، لا أنّه إذا لم يتحقّق النداء على الندرة أو فرضا فلا يجب السعي.

لكن يرد عليه : أنّه بعد التسليم غاية ما يلزم عدم ظهور حكم المفهوم ، لا أنّه يظهر من المنطوق أنّ الحكم في صورة المفهوم أيضا موافق لحكم المنطوق ، وهو واضح ، إذ كيف يصحّ أنّ يقال : إنّه تعالى قال : اسعوا مكرّرا إذا نودي أو لم يناد للصلاة إذا نودي للصلاة؟ فإنّ السفيه لا يتكلم كذلك فضلا عن الحكيم ، فضلا عن الله تعالى ، فضلا عن القرآن الذي هو في غاية البلاغة ، فغاية ما ثبت من الآية وجوب الجمعة في الغالب ليس إلاّ ، ولا نزاع فيه ، لما عرفت من أنّ الغالب كما كان بأنّهم كانوا ينادون كذا ، كان ذلك النداء عند حضور السلطان أو نائبه ، فتدبّر.

قوله : ولا يخفى على من تأمّله من أولي الأفهام. ( ٤ : ٦ ).

فيه : أنّ الأمر بالعكس ، لقوله تعالى ( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ) ولأنّ الأوامر المتأخّرة أكثرها ليس للوجوب ، ومثل هذا يضرّ عند الشارح فتأمّل.

قوله : وصحيحة منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ( ٤ : ٦ ).

في الاستدلال بها وبصحيحة فضل الآتية ونظائرهما على عينية الوجوب نظر يظهر ممّا سيجي‌ء في بيان العدد ، مع أنّ الشارح رحمه‌الله حمل‌

١٣٩

الوجوب فيها على التخيير ، فكيف يستل بها على العيني؟ فتأمّل.

ويرد على صحيحة الفضل أنّ « جمّعوا » ليس صيغة الأمر ، ولا يرجع إليه أيضا عند الشارح ونظرائه. مضافا إلى أنّ الأمر الواقع عقيب الحظر الصريح أو المستفاد من : صلّوا أربعا ، بوجه من الوجوه دلالته على الوجوب محلّ كلام ونظر ، كما ذكر في الأصول (١) ، فلاحظ.

قوله : وصحيحة زرارة. ( ٤ : ٧ ).

الاستدلال بها على عينية الوجوب في غاية الغرابة ، إذا الحثّ لا دلالة له عليها ( لأنّه لا يدل على أزيد من الترغيب فقط ، فلا يدل على المنع من الترك بإحدى الدلالات ، والأصل عدم المنع من الترك وبراءة الذمّة من الفعل ، فيدل على مذهب المخيّر ) (٢) ، بل لا خفاء في ظهوره في الاستحباب ( كما هو الحال في لفظ ينبغي ) (٣).

سيّما وزرارة ـ مع عدالته وفقاهته وجلالته ورئاسته على من تبعه من الشيعة الذين كانوا يعبّرون عنهم بالزرارية. إلى غير ذلك ممّا ورد ، فيه ويظهر من حاله ـ كيف يروي كرّات ومرّات متعدّدة عن الباقر عليه‌السلام أنّ الجمعة فريضة فرضها الله في جماعة ، وليست موضوعة إلاّ عن تسعة ، وليس هو منهم ، و : « أنّها واجبة على من صلّى الغداة » ، الحديث ، و : « أنّهم متى اجتمع سبعة ولم يخافوا » الحديث ، إلى غير ذلك ممّا لم يذكر الشارح رحمه‌الله وضبطها في أصله المشتهر اشتهار الشمس في الشيعة ، والأجلّة كانوا رووا عنه ودوّنوا في أصولهم ، ومع ذلك كان يتركها حتى‌

__________________

(١) انظر الوافية : ٧٤ ، الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٩٨.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

١٤٠