الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

فيه : أنّ دليل وجوب النيّة في الأغسال والأعمال إن كان هو الإجماع أمكن التردد فيه ، وإن كان الآية والأخبار فالفرق بين هذا الغسل وغيره تحكّم بالنظر إلى الدليل ، ومرّ عن الشارع أن الدليل هو الآية والأخبار (١) ، فلاحظ ، ومرّ التحقيق في مبحث الوضوء (٢).

قوله : لأنّها في الحقيقة فعل واحد مركّب. ( ٢ : ٨١ ).

ليس كذلك ، إذ يلزم على هذا أن يسقط عند تعذر السدر أو الكافور أو القراح ، وليس كذلك قطعا ، وليس مثل التمكن من بعض الأفعال في الغسل الواحد دون بعض. وكذا الوضوء وغيره من العبادات.

قوله : والأولى الطعن فيها من حيث السند. ( ٢ : ٨٤ ).

هذا أيضا مناف لما سبق منه من الطعن في الدلالة ، مع أنّ الطعن من حيث السند مناف لاستدلاله بها ، فكيف يكون أولى؟ مع أنّه مرّ ما يشير إلى عدم غبار في السند ، ونهاية قوته ، وأنّ الدلالة لها ظهور.

فالأولى الجواب بأنّ الأخبار الواردة في كيفية الغسل وصحيحة يعقوب وغيرها خاصّ ، والخاصّ مقدم يخرج منها ما نحن فيه ، سيّما مع ضعف ما في شمول المرسلة لتغسيل الميت. وأيضا يظهر من الأخبار أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة ، بل وربما يظهر أنّه غسل جنابة في الأصل (٣).

قوله (٤) : بالحمل على الاستحباب. ( ٢ : ٨٤ ).

__________________

(١) المدارك ١ : ١٨٤.

(٢) راجع ج ١ : ٢٣٧ ـ ٢٥٨.

(٣) الوسائل ٢ : ٤٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣ ، وفي « ب » و « ج » و « د » زيادة : فتأمّل.

(٤) هذه الحاشية ليست في « أ ».

٤١

ويمكن الحمل على التقيّة.

( قوله : ولو عدم الكافور. ) (١). ( ٢ : ٨٤ ).

قال جدّي رحمه‌الله : مذهب أكثر القدماء أنّ الكافور يجب أن يكون من جلاله يعني الخام الذي لم يطبخ. ونقل عن الشيخ أبي علي في شرح نهاية والده حيث أوجب أن يكون الغسل والحنوط من الجلال أنّ الكافور صمغ يقع من شجرة ، فكلما كان جلالا ـ وهو الكبار من قطعه ـ لا حاجة له إلى النار ، ويقال له : الخادم ، وما يقع من صغاره في التراب فيؤخذ ويطرح في قدر ماء ويغلي حتى يتميز من التراب ، فذلك لا يجزئ في الحنوط (٢). انتهى.

ولعل منشأ حكمهم ما يقال : إنّ مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتدّ بياضه ، أو بالطبخ ربما يحصل العلم العادي بالنجاسة من حيث إنّ الطابخ من الكفار.

لكن ظاهر الأخبار إجزاء المطبوخ أيضا ، ووجهه عدم حصول اليقين بالنجاسة ، والأصل في الأشياء الطهارة حتى يحصل العلم بعدمها ، ولهذا ما فصّل المتأخرون. وربما حكم باستحباب الخام ، ولعل وجهه الخروج عن الخلاف والخلوص عن شبهة النجاسة ، فتأمّل.

قوله : وأظهرهما العدم. ( ٢ : ٨٤ ).

يمكن أن يقال : إنّ الامتثال إنّما هو لأجل الضرورة ، والضرورة تتقدّر بقدرها ، والعمومات تشمل ما نحن فيه ، فتأمّل. وأمّا بعد الدفن ، فلعل عدم الإعادة حينئذ فيه إجماعيّ ، ومع ذلك موجب للنبش الحرام ومع ذلك‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « و» وبدله في « ا » : تذنيب.

(٢) روضة المتقين ١ : ٣٨٧.

٤٢

لم يثبت من ( العمومات ) (١) الشمول له ، لأنّه واجب قبل الدفن لا مطلقا.

ولو عدم أحدهما دون الآخر لم يسقط غسل الآخر ، لأنّه واجب على حدة. وعلى تقدير أن يكون جزء الواجب فلقول عليّ عليه‌السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، وقوله عليه‌السلام : « ما لا يدرك كله لا يترك كله » (٣). ولعله إجماعيّ أيضا.

ولو فقد الماء دون الخليط لا ينفع ، ولو وجد بقدر أحدهما فظاهر الدليل التخيير. ولو وجد بقدر أحد الأغسال فالظاهر تقديم القراح ، مع احتمال الجمع بحيث لا يخرج الماء عن الإطلاق ، والله عالم بأمثال هذه الأحكام وغيرها.

قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٢ : ٨٥ ).

انجبار سندها بعملهم كاف ، سيّما مع تأيّدها بالعمومات الدالة على أنّ التيمم بمنزلة المائية ، وما دلّ عليه الصحيحة مطلب آخر ، والقياس حرام. مع أنّه لو لم يجز الانفكاك بين هذا المذهب المذكور وما تضمّنته الصحيحة يتعين حمل الصحيحة على لزوم التيمم للميت أيضا ورفع اليد عن ظاهرها.

قوله : وإنّما استحبّ ذلك. ( ٢ : ٨٦ ).

ولما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح : أن يفتق القميص وينزع من تحته (٤).

__________________

(١) في « أ » و « ب » و « و» : العموم.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، ٢٠٧.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، ٢٠٧.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ٣ : ٨ أبواب التكفين ب ٢ ح ٨.

٤٣

قوله : أسهل على الميت. ( ٢ : ٨٨ ).

والاحتياج إلى الفتق بناء على ضيق الجيب ، فإنّ الظاهر أنّ المتعارف في تلك الأزمنة كان الجيب على العاتق الأيمن أو الأيسر بمقدار ما يدخل الرأس.

قوله : ولا تغمز له مفصلا. ( ٢ : ٨٩ ).

الظاهر أنّ الغمز غير التليين ، فإنّ الأوّل فيه عنف لا يناسب الميت.

قوله : المستفاد من الأخبار أنّ تغسيل الرأس. ( ٢ : ٨٩ ).

ربما يظهر من صحيحة يعقوب بن يقطين (١) ، وصحيحة معاوية بن عمار (٢) ما يدلّ على ما ذكره المحقق وغيره ، فلاحظ.

مع أنّ رغوة السدر غير ماء السدر ، والمستفاد من الأخبار وكلام الفقهاء كون التغسيل بماء السدر لا الرغوة ، فالحديثان الأوّلان لا دخل لهما في المقام ، ورواية يونس لا بدّ من تأويلها بما يوافق الأخبار والفتاوي.

قوله : ولا معنى لتنزيلها على التقية. ( ٢ : ٩١ ).

فيه ما فيه. والأقرب الحمل على التقيّة ، سيّما بعد ملاحظة طريقة العامة والخاصة ، والإجماع الذي ادّعاه الشيخ ، والمنع في بعض الأخبار ، فلا معنى للأمر حينئذ ، إذ لا أقلّ من الرجحان ، مع أنّه فيها ما يشير إلى التقية.

قوله : وإلاّ كان تغسيله مكروها. ( ٢ : ٩٢ ).

فيه إشكال ظاهر ، لأنه عبادة إلاّ على رأي السيّد (٣) ، إلاّ أن يكون عند‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٤ ، الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ ، الوسائل ٢ : ٤٨٣ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٣٠٣ / ٨٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٠٧ / ٧٢٩ ، الوسائل ٢ : ٤٨٤ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٨.

(٣) انظر المدارك ٢ : ٨١.

٤٤

المصنف خصوص هذا التغسيل لا يكون عبادة.

قوله : وكفّن أبو جعفر عليه‌السلام في ثلاثة أثواب. ( ٢ : ٩٢ ).

لا يخفى أنّ أحد أثواب أبي جعفر عليه‌السلام كان قميصا ، ولعلّ أحد أثواب الرسول صلى الله عليه وسلم كان كذلك. بل الظاهر ذلك ، بملاحظة الأخبار الدالة على استحباب كون إحدى القطع ممّا يصلى الميت فيه (١) ، أو غيره أيضا ، على ما قيل ، وكذا استحباب كونه القميص ، على ما يذكره الشارح رحمه‌الله بل وتعيين كونه قميصا ، كما يظهر منها.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ موثقة سماعة هذه وأمثالها تنادي بأنّ ذكر ثلاثة أثواب إنّما هو لإظهار عدد القطع خاصة ، أمّا أنّ كل قطعة منها أيّ شي‌ء فليس المقام مقام بيانه ، وليس ملحوظ نظرهم أصلا ، بل ملحوظ نظرهم عدم التعدي عن الثلاثة ، كما لا يخفى على المتأمّل في الأخبار.

فما يذكره الشارح بقوله : ويستفاد من هذه الروايات التخيير. محلّ نظر ، إذ ليس في ما دلّ على ثلاثة أثواب إطلاق يمكن الاستدلال به ، بل الظاهر عدم ذلك ، كما عرفت ، وعلى تقدير تسليم الإطلاق فيمكن المناقشة أيضا بأنّ ما دل على اعتبار القميص مستفيضة جدّا ، فبملاحظة ذلك لا يبقى وثوق بالإطلاق ، بل ربما يترجّح في النظر التقييد من حيث ضعف دلالة مثل هذا الإطلاق ، وعدم المقاومة لما دلّ على اعتبار القميص.

وأمّا رواية محمد بن سهل ففي المقاومة سندا ـ بل ودلالة أيضا ـ محلّ مناقشة ، إذ صدرها هكذا : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الثياب التي يصلّي فيها الرجل ويصوم ، أيكفّن فيها؟ قال : « أحبّ ذلك الكفن » يعني‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٥ أبواب التكفين ب ٤.

٤٥

قميصا ، قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقميص أحبّ إليّ » إذ لعل الألف واللام في القميص للعهد ، يعني القميص المذكور ، ويكون المراد من قوله : ويدرج. أنّه يدرج فيها كما يدرج غيره مع وجود ذلك القميص له. ويقرّبه أنّ القميص المعتبر في الكفن المعمول المتعارف ليس بقميص حقيقة عرفا ، فتأمّل فيه ، إذ الإنصاف أنّه لا يخلو عن ظهور ، لكن يبعد عن طريقة الشارح رحمه‌الله العمل بمثلها ، فتأمّل.

وربما يظهر من أخبار كثيرة مثل ما ورد في بيان كيفية وضع الجريدة (١) ، ورواية معاوية التي سنذكرها ، وغيرها من الأخبار تعين فعل القميص ، مضافا إلى فهم الأصحاب ، نظير ما مرّ في وجوب التغسيل ثلاثة أغسال ، فتأمّل.

قوله : وفي بعض نسخ التهذيب : ثلاثة أثواب وثوب تامّ لا أقلّ منه. ( ٢ : ٩٣ ).

لا يخفى أنّ هذا هو الأصح ، بل الأوّل وهم ، يشهد على ذلك حزازة العبارة ، مضافا إلى أنّ الكليني رحمه‌الله نقلها على ما في هذه النسخة (٢) ، ولا شكّ أنه أضبط ، سيّما إذا وافقه بعض نسخ التهذيب وعاضدة الحزازة.

فعلى هذا ظهر أنّ القطع الثلاثة لا يعتبر في كل قطعة منها أن تكون شاملة لجميع الجسد ، بل الظاهر منها خلاف ذلك ، فما يظهر من عبارة الشارح رحمه‌الله من كون الثلاث كل واحدة منها شاملة له محلّ نظر ، وسيجي‌ء الكلام.

قوله : وهو غير واضح. ( ٢ : ٩٣ ).

قال شيخنا البهائي في الحبل المتين :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٢٦ أبواب التكفين ب ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٥.

٤٦

وفي بعض النسخ المعتبرة من التهذيب : أو ثوب تامّ بلفظ « أو » بدل الواو (١) ، وقال الفاضل مولانا عبد الله التستري في آخر حاشيته هاهنا : ولعل الأظهر « أو » كما في نسختنا (٢) ، انتهى الكلامان.

وفي النسخة الصحيحة المعتبرة عندي أيضا بلفظ « أو » وكتب فوقه بخط [ الناسخ ] : كذا رأيت ، انتهى. وفي نسخة أخرى صحيحة أيضا بلفظ « أو ». ( وفي الوافي أيضا أنّ في بعض النسخ بلفظ « أو » وكأنّه الصحيح (٣) ، انتهى ) (٤).

( والظاهر أنّ المراد : الكفن المفروض ثلاثة في صورة ، وثوب تامّ في صورة ، وهما صورتا الاختيار والاضطرار ) (٥).

وممّا (٦) ذكرنا ظهر ما في قوله : وهو إنّما يتم. مع أنّ كونها بمعنى « أو » لعله الأظهر ، كما يشير إليه قوله : لا أقل منه ، فتأمّل.

هذا مع أنّه يمكن أن يكون مستند سلاّر الإطلاقات الواردة في الكفن ، مع مناقشة في دلالة هذه الأخبار المستفيضة على وجوب الثلاثة بأنّه لعل المراد : يكفن في الثلاثة لا أزيد ، لا أنّه لا يجوز أقل منها ، هذا بالقياس إلى أقواها دلالة ، وهي رواية سماعة ، مع أنّها موثقة مضمرة ، والشارح لا يعمل بمثلها ، ولا يقول بالانجبار بالشهرة.

__________________

(١) الحبل المتين : ٦٦.

(٢) حكاه عنه في ملاذ الأخيار ٢ : ٤٦٥.

(٣) الوافي ٢٤ : ٣٥٩.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٥) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٦) من هنا إلى قوله : بتلك الدلالة فتأمّل جدّا ، في ص ٣٧١ ساقط من « ب » و « ج » و « د ».

٤٧

والأظهر حجّية مثلها ، وظهور دلالتها ودلالة بعض الأخبار الأخر أيضا ، مثل ما رواه الكليني في الكافي عن العدّة ، عن سهل ، عن البزنطي ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « الميت يكفن في ثلاثة سوى العمامة ، والخرقة يشدّ بها وركيه كي لا يبدو منه شي‌ء ، والخرقة والعمامة لا بدّ منهما وليستا من الكفن » (١).

هذا مع الشهرة العظيمة التي تكاد تكون إجماعا ، وأنّه مع نهاية كثرة الأخبار الواردة في عدد الأثواب وكيفية التكفين وغير ذلك لم ترد رواية تشير إلى أقلّ من الثلاثة ، مع عموم البلوى وشدّة الحاجة ، وأنّه ربما يكفن من يكون وارثه صغيرا أو غائبا أو مجنونا ، مع أنّه لم يرد أخذ الرخصة من الكبير والاسترضاء ، مع أنّ الكفن يخرج من الأصل ، فتأمّل.

قوله : ويستفاد من هذه الروايات التخيير. ( ٢ : ٩٤ ).

لا يخفى أنّ ملحوظ نظرهم عليهم‌السلام في هذه الأخبار بيان عدد القطع ، وأنّه لا يزاد على الثلاث ، أمّا أنّ كلّ قطعة ما هي وبأيّ نحو فلا ، ألا ترى إلى رواية سماعة أنّه عليه‌السلام قال فيها : « وكفّن أبو جعفر عليه‌السلام في ثلاثة أثواب » مع أنّه لا تأمّل في أنّ أحد الأثواب كان قميصا له عليه‌السلام ، ولعل كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كذلك ، وكذا أكفان سائر الأئمّة عليهم‌السلام الواردة في الأخبار.

بل لا يخفى أنّ أكفانهم كانت كذلك ، وأنّهم ما كانوا يكفنون بغير قميص ، بملاحظة الأخبار الدالة على استحباب كون إحدى القطع القميص الذي كان يصلّي فيه ، والأخبار المستفيضة الدالة على كون إحدى القطع هي القميص خاصة ، بل الأخبار الدالة على ذلك كثيرة ، مثل ما ورد في بيان‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٦ ، الوسائل ٣ : ٩ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٢.

٤٨

كيفية التكفين ووضع الجريدة وغيرهما ، مضافا إلى أخبار سيذكر بعضها الشارح ، ونذكر بعضها.

وممّا يدل على ما ذكرناه ما سنذكر من أنّ أحد الأثواب هو المئزر.

وبالجملة : الأخبار التي ورد فيها ثلاثة أثواب مجملة بالنسبة إلى خصوصية كون القطعة أيّ شي‌ء هي ، ولا شبهة في أنّ القميص أيضا ثوب ، كما أنّ غيره ثوب من دون تفاوت بينهما أصلا في مفهوم الثوبية لو لم نقل كون القميص أظهر في كونه ثوبا من قطعة الكرباس التي يحكم الشارح بأنّها الثوب خاصة ، فلا معنى لقوله : إنّ الأخبار تدلّ على التخيير بين الثلاثة أثواب ، وبين القميص والثوبين ، فتأمّل.

قوله : وهو محمول على الاستحباب ، كما تدل عليه رواية محمد بن سهل. ( ٢ : ٩٤ ).

فيه : أنّه رحمه‌الله لا يقول بحجّية مثل رواية محمد بن سهل ، فكيف يرجّحها على الروايات الصحيحة والحسنة (١) ، سيّما مع انجبارهما بأخبار أخر كثيرة معتبرة ، وبالشهرة العظيمة بل كاد أن يكون إجماعا ، لخروج معلومي النسب ، واتفاق غيرهما على التعيين ، وكون المدار ( في الأعصار على ذلك على الظاهر ) (٢) فتأمّل جدّا.

مع أنّ لرواية محمد بن سهل صدرا يظهر منه أنّ القميص الذي يقول المعصوم عليه‌السلام : « أحبّ إليّ » هو القميص الذي سأله أنّه كان يصلّي فيه ، والمراد من قوله : يدرج في ثلاثة ، أنّه يدرج كما يدرج غيره من الأموات‌

__________________

(١) في « ا » : الموثّقة.

(٢) في « أ » : في الأعصار والأمصار على ذلك على الأظهر.

٤٩

من دون أن يكفن في القميص المسؤول عنه ، ويقرّبه أنّ القميص المعتبر في الكفن ليس بقميص حقيقة ، بل له شباهة بالقميص ببعض الوجوه ، وأنّ الميت يدرج في ذلك القميص أيضا ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة : الرواية ـ مع وحدتها وضعف سندها ، وضعف دلالتها ، ومخالفتها لما هو المفتي به عند المعظم والمعمول به في الأعصار ـ كيف ترجّح على الأخبار الكثيرة الصحيحة ، والحسنة ، والمعتبرة ، المعمول بها مع الشهرة فتوى وعملا ، مع وضوح الدلالة ، فإنّ دلالتها على لزوم كون إحدى القطع هو القميص ليست بأقصر من دلالتها على لزوم كون القطع ثلاثا ، والشارح رحمه‌الله ردّ مذهب سلار بتلك الدلالة ، فتأمّل جدّا.

( ويستفاد بحسب الظاهر أن يكون طول اللفافة أزيد من قامة الميت بقدر ، وعرضه يحيط بقطر بدنه ويزيد بقدر يتحقق مع اللفّ والدرج ، والمتعارف في الرداء لا يزيد على القطر إلاّ قدرا بحسب الطول ، أمّا العرض فلا يزيد عمّا بين العاتق وموضع الحزام ، ولو كان فشي‌ء قليل ، فتأمّل ) (١).

قوله : والثوبين الشاملين. ( ٢ : ٩٥ ).

لا (٢) يخفى ما فيه ، لأنّ حكاية الشمول للجسد في كل منهما غير مستفادة ، لأنّ الثوب غير مأخوذ فيه الشمول ، بل هو أعمّ البتّة. وسيجي‌ء في مسألة جواز الصلاة في النجس إذا كان ممّا لا تتمّ الصلاة به ، وفي غيرها ما يظهر من الشارح (٣) ومن غيره أيضا ما ذكرنا.

مع أنّ حسنة الحلبي التي هي مستند ما ذكره من اعتبار القميص‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « أ » و « ج » و « د ».

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) انظر المدارك ٢ : ٣٢٢.

٥٠

والثوبين صريحة في أنّ أحد الثوبين كان رداء له يصلّي فيه يوم الجمعة ، وغير خفي على المتأمّل أنّ الرداء المعروف المتعارف ليس بشامل لجميع الجسد بعنوان اللفّ والإدراج ( والجسد بادن ) (١).

وفي التهذيب بسنده عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام أنّه قال : « كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسين عليه‌السلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا » (٢) ولا بدّ من حمل ثوبي إحرامه على عدم شمول كل واحد لجميع الجسد ، وإلاّ لزم القميص مع ثلاث لفائف ، وهو خلاف ما يظهر من الأخبار ، فتدبّر.

وربما يقرّبه كون أحد ثوبي الإحرام المئزر ، فتأمّل ، سيّما وأن يكون يلفّ فيه فيكون لفافة أخرى ، بل هو خلاف ما يظهر من الأخبار ، مثل رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام : « يكفن الميّت في خمسة أثواب : قميص وإزار ، وخرقة يعصّب بها وسطه ، وبرد يلفّ فيه ، وعمامة » (٣) ، فظهر منها أنّ الإزار لا يلفّ فيه الميت ، ويظهر منها إطلاق الثوب على الخرقة أيضا ، فكيف يكون الثوب من شأنه الشمول لجميع الجسد؟! مع أنّ القميص أحد الأثواب قطعا ، وليس بشامل له.

وممّا ذكر ظهر فساد ما لو ادّعى ظهور الشمول في الحسنة المذكورة‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : للبدن ، بل هو موافق ومتقارب للمئزر الذي ذكره الفقهاء ، وأنّ الباقر عليه‌السلام كان بادنا ، وعلى تقدير عدم الظهور نمنع ظهوره في الشمول.

(٢) التهذيب ١ : ٤٣٤ / ١٣٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٤٢ ، الوسائل ٣ : ١٠ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٥.

(٣) الكافي ٣ : ١٤٥ / ١١ ، التهذيب ١ : ٢٩٣ / ٨٥٨ ، الوسائل ٣ : ١٠ أبواب التكفين ب ٢ ح ١٣.

٥١

من قوله عليه‌السلام في آخر الخبر : « إنّما يعدّ ما يلفّ به الجسد » إذ معلوم أنّ المراد اللفّ في الجملة ، مضافا إلى ظهور ذلك في نفسه ، فتأمّل.

على أنّا نقول : موثقة عمّار صريحة في عدم الشمول مع وجود القميص ، حيث قال فيها : « ثم الإزار طولا حتى تغطّي الصدر والرجلين. » (١) ، وهذه نصّ في إطلاق الإزار على المئزر من جهة عدم تغطية الجميع ، ومن جهة قيد الطول ، فتدبّر.

وكذا مرسلة يونس أيضا ظاهرة في عدم الشمول حيث قال فيها : « ابسط الحبرة بسطا ، ثمّ ابسط عليها الإزار ، ثمّ ابسط القميص عليه ، ويرد بعد القميص عليه » الحديث (٢). إذ يظهر بملاحظتها ـ مضافا إلى ما سنذكر في الحاشية الآتية في الإزار ـ ما ذكرنا أيضا.

وأمّا حسنة حمران فمن عبارة : « ولفافة » يظهر ما ذكرناه. وأمّا قوله : « وبرد يجمع » ففيه أنّ فيه تجوّزا وخروجا عن الظاهر قطعا ، لأنّ البرد من الكفن جزما ، فالخروج عن الظاهر إمّا في « يجمع » أو كلمة « في » أو مرجع الضمير ، أو لفظ الكفن ، فتعين أحدهما بحيث يكون أظهر من الظهور السابق ومن جميع ما ذكرناه سابقا فمحلّ تأمّل ، مع أنّها متضمّنة لوضع الكافور في المنخر وجميع المفاصل ، فتأمّل.

قوله : والثوبين الشاملين. ( ٢ : ٩٥ ).

فيه (٣) ـ مضافا إلى ما عرفت في الحاشية السابقة ـ : أنّ قيد الشمول‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٠٦ / ٨٨٨ ، الوسائل ٣ : ٣٢ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٣.

(٣) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

٥٢

غير مأخوذ في الثوب قطعا ، وهذا ـ مع وضوحه ـ سيجي‌ء من الشارح الاعتراف به في مسألة نجاسة ثوب المصلّي ، والعفو عمّا لا يتمّ الصلاة (١).

وروى الكليني والشيخ ، عن معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام :

« يكفن الميت في خمسة أثواب : قميص ، وإزار ، وخرقة يعصب بها وسطه ، وبرد يلفّ فيه الميت » (٢) ، وهذه في غاية الظهور في أنّ الإزار غير اللفافة ، وأنّ الثوب يطلق على الخرقة ، ويدل على ذلك أخبار كثيرة ، ومعلوم أنّ المراد من الإزار هنا هو الذي يسميه الفقهاء بالمئزر.

في الصحاح أنّ موضع الإزار من الحقوين ـ إلى أن قال ـ : المئزر الإزار ، كقولهم : الملحف واللحاف (٣). وفي القاموس : الإزار : الملحفة [ ويؤنّث ] كالمئزر (٤). وعرّفوا في اللغة الرداء بأنّها ملحفة معروفة (٥) ، وفيه أيضا : الحقو : الإزار أو معقده (٦) ، وفي باب الراء : الأزر بالضم : معقد الإزار (٧) ، وفي الكنز : الإزار : لنگ كوچك (٨) ، والظاهر أنّ غيرهم من اللغويين صرّحوا (٩) ، وليس عندي من كتبهم حتى أذكر.

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٣٢٢.

(٢) المتقدمة في ص ٥١.

(٣) الصحاح ٢ : ٥٧٨.

(٤) القاموس ١ : ٣٧٧ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : وثوب ، وما أثبتناه من المصدر.

(٥) كما في القاموس ٤ : ٣٥.

(٦) القاموس ٤ : ٣٢٠.

(٧) القاموس ١ : ٣٧٧.

(٨) كنز اللغات ١ : ١١٨.

(٩) كالفيومي في المصباح المنير : ١٣ و ١٤٥.

٥٣

وصرّح شيخنا البهائي (١) وغيره أنّ الإزار هو المئزر ، ويظهر من الفقهاء أيضا في مبحث الاتزار فوق القميص من مبحث الصلاة وغير ذلك.

والأخبار متواترة في ذلك ، بل لا يظهر من الأخبار إلاّ كون الإزار هو المئزر ، مثل ما ورد في الإزار فوق القميص (٢) والإمامة بغير رداء (٣) ، والصلاة مكشوف الكتفين (٤) ، وما ورد في دخول الحمام ، وقراءة القرآن فيه (٥) ، والنورة فيه بأنّ يلفّ الإزار على الإحليل (٦) ، وفي ثوبي الإحرام (٧) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

بل روى عبد الله بن سنان في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أصنع بالكفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فتشدّ على مقعدته ورجليه » قلت : فالإزار؟ قال : « إنّها لا تعدّ شيئا ، إنّما تصنع لتضمّ ما هناك » إلى أن قال : « ثمّ الكفن قميص غير مزرور ، وعمامة يعصّب بها رأسه ، ويردّ فضلها على رجليه » (٨) يعني إذا كانت الخرقة لا بدّ منها فما يصنع بالإزار ، لأنّها تغني عن الإزار ، فأجاب عليه‌السلام بأنّ الخرقة لا تعدّ شيئا من الكفن بل إنّما تصنع لتضمّ ما هناك ، وأمّا الإزار فإنّه يعدّ من الكفن ، وهو أحد قطعه.

وهذا ينادي بأنّ المراد من الإزار المئزر ، وأنّه لا بدّ منه في الكفن ،

__________________

(١) الحبل المتين : ٦٦.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٩٥ أبواب لباس المصلي ب ٢٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٤٥٢ أبواب لباس المصلي ب ٥٣.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٨٩ أبواب لباس المصلي ب ٢٢.

(٥) الوسائل ٢ : ٣٨ أبواب آداب الحمام ب ٩.

(٦) الوسائل ٢ : ٥٣ أبواب آداب الحمام ب ١٨.

(٧) الوسائل ١٢ : ٥٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٥٣.

(٨) الكافي ٣ : ١٤٤ / ٩ ، التهذيب ١ : ٣٠٨ / ٨٩٤ ، الوسائل ٣ : ٨ ، أبواب التكفين ب ٢ : ح ٨.

٥٤

وأنّ أخذه من الكفن كان مشهورا معروفا عند الشيعة ، بحيث ما كان عندهم تأمّل في ذلك ، وهذه الصحيحة صريحة أيضا في أنّ القميص لا بدّ منه في الكفن.

وفي الفقه الرضوي أيضا عين عبارة هذه الصحيحة ، مع صراحة رجوع ضمير « إنّها » إلى الخرقة ، مع أنّه لا شبهة في رجوعه إليها.

وفي الفقه الرضوي أيضا أنّه عليه‌السلام قال : « يكفن بثلاثة أثواب : لفّافة وقميص وإزار » (١).

وهذا أيضا ينادي بأنّ المراد من الإزار هو المئزر ، موافقا لغيره من الأخبار ، وكلام اللغويين ، وكلام الفقهاء ، إذ لو كان المراد منه اللفافة لكان يقول : قميص ولفافتان ، وهذا أيضا ممّا يدل على اعتبار القميص في الكفن كغيره من الأخبار.

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : « يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة : درع ومنطق وخمار ولفافتين » (٢) والمراد من المنطق هو الإزار ، كما سيجي‌ء مفصّلا مشروحا.

وفي موثقة عمار في كيفية تكفين الميت : « ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ، ثمّ تذر عليها من الذريرة ، ثم الإزار طولا حتى يغطّي الصدر والرجلين ، ثمّ الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثم القميص ، تشدّ الخرقة على القميص » (٣) ، الحديث.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٨٢ ، المستدرك ٢ : ٢٠٥ أبواب التكفين ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١٤٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٢٤ / ٩٤٥ ، الوسائل ٣ : ٨ أبواب التكفين ب ٢ ح ٩.

(٣) التهذيب ١ : ٣٠٥ / ٨٨٧ ، الوسائل ٣ : ٣٣ أبواب التكفين ب ١٤ ح ٤.

٥٥

وهذا أيضا صريح في أنّ الإزار هو المئزر ، وأنّه لا بدّ منه في الكفن ، بأنّه أحد قطعه ، وأنّ القميص أيضا لا بدّ منه ، غاية ما في الباب أنّه يظهر منه كون الإزار فوق القميص ، ولعله من تشويشات رواية عمّار ، أو يكون ذلك أيضا جائزا ، كما أنّ شدّ الإزار من الصدر إلى الرجلين لعله أيضا من المستحبات كالأحياء ، فتأمّل.

وفي مرسلة يونس عنهم عليهم‌السلام : « ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ، ثم ابسط القميص عليه ، وترد بعد ـ كما في نسخة ـ أو مقدّم ـ كما في أخرى ـ القميص عليه » الحديث (١).

وهذا أيضا ظاهر في كون الإزار هو المئزر ، مضافا إلى ثبوت ذلك لغة وأخبارا ونقلا من الفقهاء ، كما عرفت.

ويدل على اعتبار القميص أيضا ما في حسنة الحلبي من قوله عليه‌السلام :

« أحدها رداء له يصلّي فيه الجمعة » (٢) ربما يكون له ظهور ، لأنّ الرداء على ما هو المتعارف لا يكاد يكون شاملا لمجموع الشخص ، سيّما وأن يكون بادنا ، فإنّه عليه‌السلام كان كذلك.

وفي التهذيب بسنده عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : « كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قمصه ، وفي عمامة كانت لعلي بن الحسين عليه‌السلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا » (٣) ، الحديث ، ولا بدّ من أن يكون أحد أثوابه غير شامل لجميع جسده عليه‌السلام البتّة ، لأنّه يلزم كون الكفن قميصا وثلاث لفائف ، وهو ممنوع منه ، كما‌

__________________

(١) راجع ص ٥٢.

(٢) المدارك ٢ : ٩٢.

(٣) راجع ص ٥١.

٥٦

يظهر من الأخبار وكلام الأخيار.

مع أنّ المتعارف أنّ ثوبي الإحرام ليس كل واحد منهما شاملا لجميع الجسد.

وقد ظهر من جميع ما ذكرناه أنّ الأخبار متفقة على الدلالة على ما ذكره الأصحاب والمشهور منهم ، وتدل بأجمعها على خلاف ما ذكره الشارح. مضافا إلى أنّ ما ذكره المشهور من المئزر والقميص لا شك في دخولهما تحت ثلاثة أثواب ، لما عرفت من عدم قيد الشمول في الثوب قطعا ، فالتكفين على طريقة المشهور لا شك في صحته ولا تأمّل في شرعيته ، وإن قطعنا النظر عمّا ذكرنا من الأخبار وكلام اللغويين وغير ذلك مع أنّهم يقولون باستحباب اللفافة الأخرى.

فإن قلت : يمكن أن يكون حسنة حمران لها ظهور في ما ذكره.

قلت : ليس كذلك ، إذ ليس قيد الشمول لجميع الجسد مأخوذا في اللفافة أيضا بحسب اللغة ، بل في بعض الأخبار استعمل لفظ اللفافة في الخرقة ، ومع ذلك ، الظاهر من قوله عليه‌السلام : « وبرد يجمع فيه الكفن » أنّه الشامل لجميع الجسد ، وليس اللفافة المذكورة شاملة له ، فتأمّل جدّا.

وما ذكره عن الصدوق في من لا يحضره الفقيه في غاية الظهور في كون المراد من الإزار المئزر ، وصرّح جدّي بأنّ ذلك مراده (١). هذا مضافا إلى ما ذكرناه عن اللغويين والفقهاء ، خصوصا الصدوق ، فتأمّل كلامه في الفقيه في المواضع التي أشرنا إليها.

__________________

(١) يأتي في ص ٦٠.

٥٧

قوله (١) : أو الأثواب الثلاثة. ( ٢ : ٩٥ ).

مقتضى ما يظهر من كلامه أنّ كل واحد منها يكون شاملا لجميع الجسد ، وفساده ظاهر ، إذ الثوب غير مأخوذ فيه قيد الشمول قطعا ، مضافا إلى ما ذكرناه.

وممّا يعضد ذلك أنّه ورد في الأخبار المستفيضة الأمر بنشف الميت بعد الغسل بثوب (٢) ، ولا شك في تحققه وصدقه على النشف بالمئزر ، بل المنشفة أظهر أفراد ما ذكر. وإن أراد أن ذلك يظهر من الأخبار ، ففيه : أنّه ليس فيها إلاّ كونها ثلاثة أثواب ، مضافا إلى ما أشرنا من أنّ الغرض ليس إلاّ ذكر العدد ، وأمّا الكيفية فلا ، بل يظهر خلاف ذلك من أنّ أحدها القميص ، وأنّ كل واحد منها ليس بتامّ ، إلى غير ذلك.

وإن أراد أنّ الثوب مطلق غير مقيد بكونه مئزرا ، وإن كان المئزر أحد أفراده ، وأنّ ما ذكره الشيخان يتحقّق به الكفن الصحيح قطعا إلاّ أنّ الكلام معهما في التعيين وعدم صحة الغير ، بل مقتضى الأخبار صحة كلما صدق عليه اسم الثوب.

ففيه : أنّه خلاف ظاهر كلامه.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من وهن دلالة الإطلاق ، بل وعدمها ، وقد أشرنا أيضا إلى ما يمكن أن يجعله عذرا لهما ، ولمن تبعهما ، متأيّدا بالشهرة التامّة بين الفحول من فقهائنا المتقين الماهرين ، الموصين غيرهم بالمبالغة التامّة والاحتياط الزائد في مقام الإفتاء ، فكيف يتفقون في الإفتاء بما لا منشأ له أصلا ، بل مخالف لمقتضى الأخبار التي هي مستندهم في‌

__________________

(١) هذه الحاشية واللتان بعدها ليست في « ا ».

(٢) الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢.

٥٨

فتاواهم؟! ومع ذلك يتفقون بحيث لا يظهر لهم مخالف ، إذ الصدوق ستعرف أنّه موافق لهم لا مخالف.

وأمّا ابن الجنيد فكونه مخالفا لهم غير معلوم ، إذ لا يظهر من كلامه كون كل قطعة شاملا لجميع الجسد ، لأنّه قال : يدرج في مجموع الثلاثة ، لا كل واحد واحد منها ، غاية ما يظهر عدم وجوب المئزر لا عدم صحته ، ومثل هذا الخلاف منه سهل ، كما لا يخفى على المطّلع بحاله في سائر المسائل ، فتأمّل.

وبالجملة : لا يظهر من تأمّل في حكمهم إلاّ الشارح وبعض من تبعه (١) ، بل ربما يكون مقلّدا له ، فتأمّل.

لكن المستفاد من بعض الأخبار كون القميص تحت الإزار الذي يظهر كونه المئزر ، بل وتحت الخرقة التي يشدّ بها الفخذين أيضا.

وبالجملة : لو بنى على أنّ الثوب الوارد في تلك الروايات مطلق شامل لكل ما يصدق عليه اسم الثوب فلا شك في شموله للمئزر وصدقه عليه ، فيجب الحكم بصحة جعله أحد الأثواب قطعا ، سيّما مع ملاحظ كثير من الأخبار الدالة على أنّ أحدها المئزر ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة محمد بن مسلم الآتية في بحث النمط ، ورواية معاوية بن وهب ، وموثقة عمار (٢) وغيرها ممّا أشرنا وما لم نشر ، مضافا إلى كلام الفقهاء. ولو بنى على أنّها ليست شاملة سوى ما يشمل جميع الجسد ، فقد عرفت الفساد ، وممّا دل على فساده أيضا صحيحة زرارة ، كما أشرنا. ولو بنى‌

__________________

(١) انظر الذخيرة : ٨٦.

(٢) راجع ص ٥١ و ٥٢ ، وانظر المدارك ٢ : ١٠٥.

٥٩

على عدم الإطلاق والشمول أصلا كما أشرنا ، فكيف يدعي أنّ المستفاد التخيير الذي ادعاه؟! فتأمّل.

قوله : وقريب منه عبارة الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، فإنّه قال : والكفن المفروض ثلاثة : قميص وإزار ولفافة. ( ٢ : ٩٥ ).

(١) قال جدّي العلاّمة المجلسي رحمه‌الله في شرحه على الفقيه : الظاهر أنّ المراد منه المئزر (٢) ، ووجهه ظهر ممّا ذكرنا في الحاشية السابقة ، وقال أيضا فيه : ويظهر من بعض الأخبار جواز إبدال أحد الثوبين بالمئزر (٣) ، فتأمّل.

قوله : سوى العمامة والخرقة. ( ٢ : ٩٥ ).

لا يخفى أنّ الإزار يطلق على الملحفة وعلى المئزر لغة وعرفا وفي اصطلاح الشارع إطلاقا شائعا متعارفا لا شك فيه ولا شبهة تدانيه ، وفي القاموس : الحقو : الكشح والإزار ، ويكسر ، أو معقده. وفي باب الراء : الأزر بالضم : معقد الإزار ، وبالكسر : الأصل ، وبهاء : هيئة الائتزار (٤).

ويظهر من الفقهاء ، ومنهم الصدوق في الفقيه في مواضع ، منها في كراهة التوشح والائتزار فوق القميص للمصلّي ، وسيجي‌ء في مبحثه (٥).

ويظهر من الأخبار الكثيرة غاية الكثرة ونهاية الوفور ( فورد ما قالوا في ثوبي الإحرام وما ورد من الأخبار فيهما (٦) ، إلى غير ذلك ) (٧) على ما‌

__________________

(١) في « و» زيادة : في الكنز ( ١ : ١١٨ ) : إزار : لنگ كوچك.

(٢) روضة المتقين ١ : ٣٩٨.

(٣) روضة المتقين ١ : ٣٧٤.

(٤) راجع ص ٥٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٨ ، ويأتي في المدارك ٣ : ٢٠٣.

(٦) راجع ص ٥١ ـ ٥٣.

(٧) ما بين القوسين ليس في « ب » ، « ج » ، « د ».

٦٠