الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

روى عمار هذا في الموثق أيضا في من قصّ أظفاره أو [ حلق ] (١) قفاه وصلّى من غير مسح بالماء : أن يمسح به ويعيد الصلاة ، لأنّ الحديد نجس ، وقال : « إنّ الحديد لباس أهل النار » (٢) فتأمّل.

وربما قيل بكراهة الصلاة في الخاتم الذي فصّه حديد صيني ، ولعله لما في الاحتجاج من توقيع الصاحب عليه‌السلام إلى الحميري : أنّ « الفصّ الخماهن فيه كراهة أن يصلّى فيه ، وفيه إطلاق ، والعمل على الكراهة » (٣) انتهى. في تاج : الخماهن : سنگى باشد سياه كه از آن نگين سازند.

قوله : لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت. ( ٣ : ٢١٣ ).

لا يقال : لا اختصاص للرواية بحال الصلاة ، لأنّا نقول : هذه الرواية طويلة ، والمتقدّم على هذا السؤال والجواب والمتأخّر عنهما سؤالات وجوابات كثيرة كلّها متعلّقة بأمر الصلاة بل المتأخر عمّا ذكر من الرواية بلا فصل : وسألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل في جيبه أو ثيابه ، قال : « لا بأس بذلك » (٤) ولا شكّ في أنّ المراد حال الصلاة ، مع أنّ تعليل المنع عن الصلاة في السواد والحديد بأنّه من لباس أهل النار ربما يشير إلى أنّ ما هو ممنوع منه في نفسه لا يصلح حال الصلاة ، فتأمّل جدّا.

قوله (٥) : كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع. ( ٣ : ٢١٣ ).

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٥ / ١٣٥٣ ، الاستبصار ١ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل ١ : ٢٨٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٤ ح ٥.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٤٨٣ ، الوسائل ٤ : ٤٢٠ أبواب لباس المصلّي ب ٣٢ ح ١١.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلّي ب ٤١ ح ١.

(٥) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

٣٨١

يمكن أن يقال : المتبادر صورة الحيوان بناء على أنّ الإطلاق ينصرف إلى الكامل ، ولما ورد في أخبار كثيرة [ من ] (١) النهي عن تصوير الصور والتماثيل بعنوان الإطلاق ، ثمّ علّق عليه أنّ الله يعذّب المصوّر بنفخ الروح فيها وفي تلك التماثيل (٢) ، ولما ورد من أنّ سليمان عليه‌السلام كانوا يعملون له تماثيل الشجر وشبهه لا تماثيل الرجال والنساء (٣) ، ولما ورد من عدم البأس إذا كانت بعين واحدة لا أن تكون لها عينان ، أو قطع رأسها (٤) ، مع إطلاق النهي ، كما (٥) في محاسن البرقي في الصحيح عن ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : « لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان » (٦) وفي الصحيح عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام مثله (٧) ، وفي الصحيح عن زرارة ، عنه عليه‌السلام قال : « لا بأس بتماثيل الشجر » (٨).

هذا كلّه مضافا إلى استشمام العلّة والتصريح بلفظ الطير في موثقة عمار مكرّرا المؤذن بكون غير ذلك من قبيل ما ذكر.

قوله : وقال الشيخ في المبسوط. ( ٣ : ٢١٣ ).

في النهاية حكم بعدم جواز الصلاة (٩) ، وابن البراج أيضا حرّم‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) انظر الوسائل ١٧ : ٢٩٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤.

(٣) انظر الوسائل ١٧ : ٢٩٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤.

(٤) انظر الوسائل ٥ : ١٧٠ أبواب مكان المصلّي ب ٣٢.

(٥) في النسخ زيادة : فليتأمّل.

(٦) المحاسن : ٦١٩ / ٥٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٣.

(٧) لم نعثر عليه.

(٨) المحاسن : ٦١٩ / ٥٥ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٦ أبواب ما يكتسب به ب ٩٤ ح ٢.

(٩) النهاية : ٩٩.

٣٨٢

الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة (١) ، ودليلهم موثقة عمار. إلاّ أن يقال : ظاهر قوله في صحيحة ابن بزيع : « كره ما فيه التماثيل » الكراهة وإن لم تثبت الحقيقة الشرعية ، للمسامحة في التأديّة التي لا تناسب الحرمة.

وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في الدراهم السود تكون مع الرجل فقال : « ما أشتهي » (٢) ، وهو أيضا ظاهر فيها ، ويعضده الشهرة العظيمة ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام في استقبال النار ، في مرسلة ابن أبي عمير : « إن كان لها عين واحدة فلا بأس ، وإن كان لها عينان فلا » (٣).

قوله : ولو كانت الصور مستورة خفّت الكراهة. ( ٣ : ٢١٣ ).

بل (٤) الظاهر من الصحيح زوالها.

قوله : هو قسيم للمملوك. ( ٣ : ٢١٦ ).

لا يخفى أنّ الضمير في قوله : يكون ، راجع إلى المكان لا إلى منفعته ، فكيف يستقيم إدراج المستأجر في المملوك؟ وأمّا ما فعله الأصحاب فالظاهر أنّهم جعلوا المنفعة مقسما لا العين ، فتدبّر.

قوله : غير واضح. ( ٣ : ٢١٦ ).

لا يخفى أنّ مراده من الإذن بالكون من حيث هو هو من دون زيادة كونه للصلاة ، إذ لا شكّ في كونه أمرا زائدا ، إلاّ أنّ هذه الزيادة ربما يفهم‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ٢١ ، الفقيه ١ : ١٦٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٤ : ٤٣٧ أبواب لباس المصلّي ب ٤٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٣٦٣ / ١٥٠٦ ، الوسائل ٤ : ٤٣٨ أبواب لباس المصلّي ب ٤٥ ح ٧.

(٤) هذه الحاشية وأربع بعدها ليست في « أ » و « و».

٣٨٣

بطريق أولى ، لأن الكون لغير العبادة ليست مطلوبيته مثل الكون لها ، بعد ما ظهر كون الكون من حيث هو مطلوب ، بخلاف الضيافة ، إذ لا ظهور فيها من حيث هي هي على كون المطلوب هو الكون من حيث هو هو ، إلاّ أن يظهر من الخارج ، كما اعترف به بقوله : وهو إنّما يتمّ .. فلا وجه لهذا الإيراد أيضا.

قوله : اكتفاؤه في شاهد الحال. ( ٣ : ٢١٦ ).

لا يخفى أن الفقهاء ذكروا : بشاهد (١) الحال وأنّه يشهد ، والظاهر من الشهادة حصول الوثوق والاطمئنان ، وهو معنى العلم ، وصرّح غير واحد بالعلم (٢) ، مع أنّه ربما اكتفى بعض بالأعم لدليل ما كان (٣) عليه وليس كل فقه بنهج الآخر.

والصواب الفرق بين الأراضي ، مثل البيوت وأمثالها والصحاري [ ففيها ] (٤) تجوز من دون توقّف على رضا المالك أصلا ، لما في الأعصار والأمصار من الصلاة من دون إذن ، مع أنّه ربما كان المالك صغيرا أو مجنونا أو سفيها أو من أهل السنّة أو أهل الذمّة ، فلا تغفل.

قوله : كون المكان لمولّى عليه ، وهو كذلك. ( ٣ : ٢١٧ ).

لا يخفى فساده ، إذ عدم الضرر في التصرّف كيف يصير منشأ لصحته؟ وكيف يسوغ للولي الإذن من العلّة المذكورة؟ نعم تجوز الصلاة ونحوها في الصحاري من دون مراعاة إذن أصلا ، كما أفتى الفقهاء ، وإن‌

__________________

(١) في « ج » و « د » : لشاهد.

(٢) انظر الجامع للشرائع : ٦٨ ، والمنتهى ١ : ٢٤٢ ، والبيان : ١٢٩.

(٣) في النسخ : كانوا ، والأنسب ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : والبناء ، والمناسب ما أثبتناه.

٣٨٤

علّل بعضهم بإذن الفحوى (١) ، وفيه ما فيه ، لما عرفت.

قوله : كما في سلوك الطريق المغصوب إلى الميقات عند وجوب الحجّ. ( ٣ : ٢١٨ ).

فإن قلت : لعل مرادهم من الخياطة فعل الخياطة أي حركة اليد المخصوصة.

قلت : على فرض تعلّق أمره بالحركة المخصوصة يكون الغرض منه حصول الأثر الحاصل ، أو التمرين وتحصيل الملكة ، فهي ليست مطلوبة لنفسها ، بل مطلوبة من حيث الوصلة به إلى الغرض الحقيقي والمطلوب الواقعي الذي هو المطلوب لنفسه ، فلا يضرّ أن يكون مثل هذا أيضا حراما ، كسلوك الطريق المغصوب إلى الميقات ، وكالأمر بإنقاذ الغريق من المسلم وإطفاء حريقه ، فإنّ المقصود منهما رفع الضرر منه وحفظ نفسه أو ماله من التلف ، فالمقصود يحصل وإن وقع الإنقاذ والإطفاء بوجه حرام شديد الحرمة ، وهذا واضح.

فإن قلت : نفرض أنّ المولى يقول : مطلوبي ومحبوبي فعل الخياطة ، أي حركة اليد المخصوصة من حيث هو هو ، وهو واجب عليك لنفسه لا لأثر حاصل ولا للتمرين ولا لغير ذلك ، لكن إن فعلته في حرم بيتي لعاقبتك ، لأنّك فعلت مبغوضي أيضا ، كما لو أمره بالرقص من حيث إنّه يعجبه ، ونهاه عن كونه في بطن بيته عند نسائه من حيث إنّه يبغضه ويسوءه.

قلت : لا شكّ في أنّه إذا رقص في بطن بيته عند نسائه فأمّا أنّه يعجبه‌

__________________

(١) انظر مجمع الفائدة ٢ : ١١٠.

٣٨٥

فقط ، أو يبغضه فقط ، أو لا يعجبه ولا يبغضه.

وأمّا أنّه يعجبه ويبغضه معا من الحيثيتين فمحال ، لأنّ الحبّ والبغض لا يمكن اجتماعهما في فعل واحد في زمان واحد ، والذي صدر عن العبد إنّما كان فعلا واحدا بحسب الوجود الخارجي ، ولا أجزاء له مرتبة في الخارج ، فمن هذا الفعل الواحد إن حصل للمولى السرور والطرب فكيف يمكن حصول نقيضه وهو عدم السرور وعدم الطرب؟ فضلا عن أن يكون حصل ضدّه وهو الحزن والانقباض ونفرة الطبع وأمثال ذلك ، فكيف يمكن أن يصير هذا الفعل الواحد سببا لحصول أثرين متناقضين أو متضادّين في زمان واحد ودفعة واحدة بحيث لا يكون بينهما ترتيب أصلا ولا تمايز مطلقا؟ لما عرفت من أنّ العلّة فعل واحد بسيط في الخارج لا يكون له أجزاء في الخارج أصلا ، فضلا عن أن يكون بين تلك الأجزاء ترتيب في الخارج بحيث يكون أحدها مقدما على الآخر ( بحسب الزمان في الخارج ) (١) حتى يتأتّى أن يحصل بالجزء الأوّل الفرح والمحبّة ، وبعد انقضاء الجزء الأوّل ومجي‌ء الجزء الثاني يحصل الانقباض والكراهة والبغض ، أو بالعكس ، وهذا واضح لمن تأمّل أدنى تأمّل.

كما أنّ الفرق بينه وبين قطع الطريق المغصوب وإنقاذ الغريق الحرام والإطفاء الحرام أيضا واضح بحمد الله ، فإنّ متعلّق المحبّة مثلا هو اندفاع الضرر عن المسلم ، ومتعلّق الكراهة والبغض هو الكون والإطفاء بماء مغصوب مال شخص عطشان مضطرّ إلى ذلك الماء ، وأحدهما غير الآخر ، لأنّ الأوّل أثر ومسبّب ، بل متأخّر بحسب الزمان أيضا ، بخلاف الآخر ، فإنّه‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

٣٨٦

مؤثّر وسبب ومتقدّم بحسب الزمان أيضا.

وأيضا العبادة من شأنها التقرّب إلى الله تعالى وإلى الثواب مثل الجنّة ، والحرام من شأنه التبعّد عن الله تعالى وعن الثواب والجنة ، فكيف يكون فعل واحد شخصي يقرّب إليه تعالى وإلى الجنة حين ما هو يبعّد عنه تعالى وعن الجنّة ويقرّب إلى النار؟

وأيضا كيف ينوي العبد بهذا الشخص المعيّن من الفعل التقرّب إليه تعالى مع يقينه بأنّه مبعّد عنه حين ما هو مقرّب إليه؟

وأيضا كيف يقول الحكيم : اركع مثلا إن شئت هذا الركوع المشخّص ، وإن شئت غيره ، فإنّي أوجبت عليك هذا وذاك؟ ومع ذلك يقول : لا تركع هذا الركوع المشخّص ، فإنّك إن ركعت لعقابتك ، فإنّ هذا قبيح عن الحكيم ، فكيف الحال بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من حركاته وسكناته وأجزاء الحركات والسكنات؟

وأيضا كيف يقول الله تعالى : تقرّب إليّ بفعل هذا القبيح الذي يوجب البعد عنّي ويوجب سخطي عليك وعقابي وانتقامي؟ فلا تغفل.

قوله : لأنّ الكون ليس جزءا منها. ( ٣ : ٢١٨ ).

لا يخفى أنّ المسح هو إمرار الماسح على الممسوح وهو عين الحركة ، فالوضوء والتيمم يكون الكون جزءا منهما.

وأمّا الغسل فلا يمكن تحقّقه بغير حركة على ما هو المتعارف الشائع ، والمقدّمة إذا انحصرت في الحرام فالتكليف بذي المقدّمة إن كان باقيا لزم التكليف بالمحال ، كما إذا انحصر طريق الحجّ في المغصوب ، نعم إذا كان طريق الحجّ مغصوبا إلى خصوص الميقات وسلك المكلف بعنوان الحرام يصير مكلفا بالحجّ بعد وصوله الميقات وارتكابه الحرام ، وإن لم‌

٣٨٧

يكن باقيا لزم أن لا تكون المقدّمة واجبة مطلقا لأنّ وجوبها من جهة وجوب ذي المقدّمة ، كما هو المفروض ، فعلى هذا نقول : كلّ جزء من أجزاء المغسول لا يمكن غسله على الفرض المتعارف من دون حركة. ومن هذا ظهر حال الوضوء بالنسبة إلى غسل الأعضاء أيضا.

على أنّا نقول : مطلق التصرّف في المغصوب حرام قطعا بلا خصوصية للكون في ذلك ، والطهارة في المكان المغصوب تصرّف فيه وانتفاع منه ، فكيف يتأمّل في حرمتها؟!.

قوله : [ وهو بعيد جدّا ] (١). ( ٣ : ٢١٨ ).

لعل نظر المحقّق في ذلك إلى الإجماع على بطلان الصلاة في المكان المغصوب ، فإنّه يصدق على صلاة من صلّى في المكان المغصوب وإن كان بإذن المالك ، بل وربما قيل : وإن كان صاحب المال ومالكه يصلّي فيه ، فإنّ صلاته باطلة من حيث وقوعها في المكان الذي وقع عليه الغصب (٢).

لكنه باطل ، لعدم كون المكان مغصوبا بالنسبة إلى المالك ولا المأذون من قبل المالك ، مع أنّ الإجماع إنّما وقع على ما اقتضاه الدليل العقلي لا أنّ الحرمة والبطلان مجرّد تعبّد ، فتأمّل.

قوله : ويضعف بتوجّه النهي المنافي للصحة. ( ٣ : ٢٢٠ ).

في شمول النهي لهذه الصورة تأمّل ، لأنّ المفروض أنّ المالك رخّصه وأذن له بقدر الصلاة ، ويعلم قدر الصلاة ، ويعلم أنّه يجب عليه إتمام الصلاة ويحرم عليه قطعها. على أنّه لعله في هذا القدر يدخل في أمر‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : وإن كان ناسيا. ( ٣ : ٢١٩ ) والتعليقة تناسب ما أثبتناه.

(٢) نسبه العلاّمة في التذكرة ٢ : ٣٩٨ إلى الزيدية.

٣٨٨

لا يمكن شرعا قطعه ، إذ في بعض الصور يجب عدم القطع قطعا ، كما لو كان مشغولا بجماع أو غيره مما لا يتيسّر له القطع ، لأنّه ربما يقتله أو يضرّه ضرر عظيم أو غير عظيم ، إذ لا ضرر ولا ضرار ، فيمكن أن تكون الصلاة أيضا من قبيل الأمور المذكورة ، سيّما إذا وقع الإذن الصريح في الصلاة فشرع فيها ، إذ ربما كان مستخفّا للصلاة ومؤذيا للمسلم وعارا له ، وبالجملة يكون عموم شامل لما نحن فيه بعد ملاحظة ما أشرنا إليه ، لا يخلو من تأمّل.

قوله (١) : بحمل النهي في الروايتين الأوّلتين على الكراهة. ( ٣ : ٢٢٣ ).

الأخبار الواردة في أنّ المرأة في الجماعة واقتدائها بالرجل تؤخّر عنه (٢) ، في غاية الكثرة ونهاية الاعتبار ، والظاهر من صحيحة علي بن جعفر أيضا ذلك ، والأخبار المعارضة غير ظاهرة في الجماعة المذكورة لو لم نقل بظهورها في خلافها ، فتأمّل.

قوله : للحكم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة. ( ٣ : ٢٢٤ ).

فلا يتأتى نيّة القربة حين الشروع.

قوله : حكى ذلك المصنف في المعتبر. ( ٣ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ).

وجماعة كالعلاّمة وابن زهرة والشهيد وغيرهم (٣) ، ومرّ في باب التطهير بالشمس (٤).

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٢) انظر الوسائل ٨ : ٣٣٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٩.

(٣) المختلف ٢ : ١٣٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، الذكرى : ١٦٠ ، جامع المقاصد ٢ : ١٢٦.

(٤) راجع ص ٢٦٠.

٣٨٩

قوله : ولم أقف لأبي الصلاح. على حجّة. ( ٣ : ٢٢٦ ).

يحتمل أن يكون احتجاجه بقوله عليه‌السلام : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (١) وبعض الأخبار أيضا له ظهور ، مثل الموثق كالصحيح بابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلّى عليها؟ قال : « لا » (٢) ويحمل على الاستحباب للمعارض.

قوله : وهي مع ضعف سندها. ( ٣ : ٢٢٧ ).

ودلالتها أيضا ، لأنّ من العشرة المذكورة ما ثبت من الصحيح والمعتبر عدم المنع من الصلاة فيه ، فلاحظ.

قوله : فإن كانت النجاسة لم تكره. ( ٣ : ٢٢٨ ).

ربما كان في رواية علي بن جعفر إشارة إلى ذلك ، كما لا يخفى على الفطن ، وكذا في موثقة عمار عن الصادق عليه‌السلام (٣).

قوله (٤) : قال : سألته عن الصلاة في مرابض الغنم. ( ٣ : ٢٢٩ ).

وفي الغوالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل ، فإنّها خلقت من الشياطين (٥).

قوله : ولا بعد فيه بعد ورود النص به. ( ٣ : ٢٣٣ ).

لا يخفى أنّ استبعادهم بمكانه ، فإنّه إذا كان الخمر في البيت لم لا تجوز الصلاة فيه وإذا كانت في ثوب المصلّي تجوز الصلاة في ذلك الثوب؟! ولم يرد نص من الشارع بهذا النحو ، بل ورد النص على بطلان‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٢٩ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٩ / ١٥٣٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥٥ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٠ / ١٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٤ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٥.

(٤) هذه التعليقة ليست في « أ » و « و».

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٣٦ / ٢٣ ، المستدرك ٣ : ٣٣٨ أبواب مكان المصلّي ب ١٢ ح ٢.

٣٩٠

الصلاة وحرمتها في ذلك الثوب ، وإن ورد النص بطهارتها أيضا (١) ، فظاهر أنّ ما دل على المنع من الصلاة في البيت الذي يكون فيه ، من قبيل النص الأوّل ولا يلائم الثاني ، لأنّه عليه‌السلام بمجرّد وجودها في البيت ما جوّز الصلاة فيه فكيف يجوّز الصلاة في الثوب الذي يكون الخمر فيه؟ فتأمّل (٢).

قوله : وعدم صراحة الاولى في التحريم. ( ٣ : ٢٣٥ ).

فيه إشعار بالظهور في التحريم ، ولعله كذلك ، وظاهر أنّ الظهور يكفي ، إلاّ أن يقال بأنّه ليس ظهورا يوثق به ، بل يعدّ في مكان الريبة والتزلزل ، لكن يقوّيه موثق عمار إن لم نقل بحجّية الموثق وإلاّ فهو حجّة ، إلاّ أن يقال : إنّه يتضمّن المنع عن استقبال الحديد أيضا ولم يفت أحد بحرمته فهو مضعّف.

وكيف كان لا تأمل في أنّ الاحتياط التامّ في الاجتناب ، لأنّ ما ذكره الصدوق رحمه‌الله وإن كان صحيحا عنده إلاّ أنّه لا يقاوم الموثق فضلا عن الصحيح ، إلاّ أن يقال باعتضاده بالشهرة أيضا ، وضعف دلالة الصحيح والموثق من هذه الجهة أيضا ، والله يعلم.

قوله : ولا ريب أنّ الاحتياط يقتضي تجنّب استقبال النار. ( ٣ : ٢٣٦ ).

في الاحتجاج ، عن الأسدي قال : في ما ورد على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضي‌الله‌عنه في جواب مسائله إلى صاحب الزمان عليه‌السلام : « أمّا ما سألت عنه من المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل يجوز؟ فإنّ الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك ، فإنّه جائز لمن لم يكن من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٨ أبواب النجاسات ب ٣٨.

(٢) ليس في « أ » و « و».

٣٩١

أولاد عبدة الأصنام والنيران » (١) فتأمّل ، إذ لم يفت بهذا التفصيل أحد ، ولا يظهر أنّ المراد من أولادهم الأولاد بغير واسطة ، أو هم وأولاد أولادهم إلى يوم القيامة ، وما ذكرنا يوجب التأكيد في الاحتياط لمن لم يكن من آل الرسول وأمير المؤمنين عليهم‌السلام.

قوله : وفي الطريق ضعف. ( ٣ : ٢٣٦ ).

ظهر الكلام في المقام ممّا مرّ في الصلاة في الكعبة (٢).

قوله : وحمل النهي على الكراهة أمكن. ( ٣ : ٢٤٤ ).

لا وجه له ، لأنّ صحيحة زرارة موافقة للعمومات المعمول بها عند الأصحاب فلا تقاومها فلا تكون حجّة ، لأن الراجح هو الحجّة والمرجوح ليس بحجّة ، لعدم الدليل على حجّيته ، والأصل عدمها ، ولأنّ معنى المرجوح أنّ الظاهر أنّه ليس بحق وليس حكم الله ، والمشكوك فيه لا يمكن أن يصير حجّة فضلا عن المرجوح ، فتعين طرح المعارض أو توجيهه بما يرجع إلى الحجّة ، بل الظاهر أنّ المعارض من الشواذّ التي لا عمل عليها أصلا ، فالحمل على الضرورة من التقيّة أو غيرها متعيّن إن لم يطرح.

قوله : يصدق عليها اسم الأرض عرفا. ( ٣ : ٢٤٤ ).

في الصدق عرفا إشكال ، سيّما وأن يكون من الأفراد الشائعة ، فتأمّل.

قوله : وتؤيّده الأخبار الكثيرة. ( ٣ : ٢٤٥ ).

في التأييد نظر ، وكذا في تأييد صحيحة معاوية ، مضافا إلى ما عرفت ممّا هو فيها.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٤٨٠ ، الوسائل ٥ : ١٦٨ أبواب مكان المصلّي ب ٣٠ ح ٥.

(٢) راجع ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

٣٩٢

قوله : أليس هو من نبات الأرض؟ ( ٣ : ٢٤٧ ).

لا يبعد أن يكون المراد الحصر الطبرية ، فإنّ الطبري هو الحصير الذي شغل أهل طبرستان. ( صرّح بذلك جدّي رحمه‌الله ومولانا مراد في شرحهما على الفقيه (١) ) (٢).

قوله : فإن كان نبات الأرض. ( ٣ : ٢٤٨ ).

حمل المطلق على المقيد جائز ومتعارف ، سيّما في مثل المقام.

قوله : وردّه المصنف في المعتبر. ( ٣ : ٢٤٨ ).

لا يخفى أنّ كلّ راو إذا سأل المعصوم عليه‌السلام عن مسألة ، مراده حال عدم التقيّة وأنّها في الواقع كيف ، صرّح بذلك أو لم يصرّح ، من دون تفاوت ، فإذا كان المقام اقتضى التقيّة أو الاتقاء فلا يمنع فرض سؤال الراوي. وكونها محمولة على التقيّة في غاية الظهور ، لأنها شعار العامة ، كما أنّ خلافها شعار الخاصة في الأعصار ( والأمصار ) (٣) مع أنّ الشيخ أعرف بالتقيّة ، وغيره أيضا من فقهائنا حملوا على التقيّة (٤) ، مع أنّ المكاتبة قلّما تخلو عن التقيّة خوفا من أن يقع بيد الأعداء ، صرّح بذلك جدّي (٥) رحمه‌الله ، والصدوق قال في أماليه ، : من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجوز السجود على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس (٦). هذا ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة.

__________________

(١) انظر روضة المتقين ٢ : ١٧٧ ، وليس عندنا شرح المولى مراد.

(٢) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « د » و « و».

(٤) انظر المختلف ٢ : ١٣٣.

(٥) انظر روضة المتقين ٣ : ٤٠٦ ، و ٧ : ٢٠٨.

(٦) أمالي الصدوق : ٥١٢.

٣٩٣

قوله : لخروجه بامتزاجه بالماء عن اسم الأرض. ( ٣ : ٢٤٨ ).

فيه نظر ، لأنّ الجبهة تلاصق التراب والأرض ، ولم يتحقّق استحالة قطعا بمجرّد مزج الماء معه ، بل هو ماء وتراب أو أرض ممزوجان ، نعم إن لم تستقرّ الجبهة فلا يجوز من هذه الجهة.

قوله : وإطلاق هذه الروايات. ( ٣ : ٢٤٩ ).

الإطلاق ينفع إذا علم أنّ القرطاس المأخوذ من الإبريسم كان في ذلك الزمان موجودا وكان من الأفراد الشائعة ، والآن ليس كذلك فضلا عن حصول العلم بذلك في ذلك الوقت.

قوله : ويظهر من الشهيد في الذكرى. ( ٣ : ٢٥٠ ).

وادعى رحمه‌الله أنّ القرطاس الذي وقع في الأخبار صحة السجود عليه هو الذي يؤخذ من العلف ، وببالي أنّه ادعى أنّ المتعارف في ذلك الزمان كان كذلك (١) ، فليلاحظ وليتأمّل فيه ، إذ أحد من الأصحاب ما تعرض له ممّن تقدم عليه أو تأخر عنه.

قوله : على أنّه يمكن المناقشة. ( ٣ : ٢٥٠ ).

الأحوط الاجتناب ، للشكّ في دخوله تحت الأرض الوارد في أخبار السجود أو كونه من أفرادها الشائعة ، فتأمّل.

قوله : أمّا أوّلا : فلأنّ. ( ٣ : ٢٥٢ ).

فيه ما مرّ في مسألة الإنائين ( من الماء ) (٢) المشتبهين في أوائل كتاب الطهارة من أنّه لا معنى للنجس الشرعي إلاّ أنّه يجب الاجتناب عنه ، وإذا وجب لزم الإطاعة ، ولا تتحقّق إلاّ بالاجتناب عن الجميع ، عن القدر‌

__________________

(١) انظر الذكرى : ١٦٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

٣٩٤

النجس بالأصالة ، وما بقي من باب المقدمة ، وإذا كان كلّ جزء جزء باقيا على طهارته لزم ارتفاع النجس اليقيني ، وتعيين جزء خاصّ ترجيح من غير مرجّح شرعي ، وأصالة الطهارة لا تعارض ما ذكرنا ، كالصلاة في الثياب التي أحدها نجس يقينا ، وغير ذلك ، والفرق بين المحصور وغيره ذكرناه هناك ، فلاحظ جميع ما ذكرناه (١).

قوله : مع انتفاء ما يدل على طهارة محلّ السجود. ( ٣ : ٢٥٢ ).

قد مرّ الدليل والإشارة إليه في مبحث مطهريّة الشمس (٢) ، فلاحظ.

قوله : واختلف الأصحاب في استحبابهما أو وجوبهما. ( ٣ : ٢٥٧ ).

وفي الفقه الرضوي : « وقد روي أنّ الأذان والإقامة في ثلاث صلوات :

الفجر والظهر والمغرب ، وصلاتين بإقامة هما العصر والعشاء ، لأنّه روي خمس صلوات في ثلاث أوقات » (٣).

وفيه أيضا : « إنّهما من السنن اللازمة ، وليستا بفريضة ، وليس على النساء أذان ولا إقامة ، وينبغي لهن إذا استقبلن القبلة أن يقلن : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله » (٤). انتهى.

وفي الأخبار الدالة على أنّ المؤذّن والمقيم يصلّي خلفه صفّان من الملائكة ، والمقيم وحده يصلّي خلفه صفّ أو ملك (٥) ، إشعار باستحباب‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ١٦٢ ـ ١٧٢.

(٢) راجع ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٦ ، المستدرك ٤ : ٢٤ أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٢.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٨ ، المستدرك ٤ : ٣٥ أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٤ ، و ٤٧ : ب ٢٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب الأذان والإقامة ب ٤.

٣٩٥

الإقامة بعد ثبوت استحباب الأذان من أخبار كثيرة ، ومع ذلك ، الاحتياط في عدم ترك الإقامة مطلقا ، هذا في غير الجماعة.

وأمّا الجماعة فالأمر في الإقامة كما ذكر ، وأشدّ منه ، والأذان فبعد تمامية الاجتماع وعدم الانتظار فلا مانع من ترك الأذان ، مع أنّ الأولى والأحوط الفعل أيضا ، وأمّا الإقامة فلا تترك البتّة ، لعدم دليل واضح على جواز ترك القراءة خلف إمام لم يأت بالإقامة لا هو ولا أحد ممّن خلفه لأجل الجماعة ، مع أنّ شغل الذمّة بالقراءة كان يقينا.

قوله : ولو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا في مقام البيان. ( ٣ : ٢٥٨ ).

لا يخفى فساد هذا الاستدلال ، لأنّه يتوقّف على كون الأذان والإقامة داخلين في ماهية الصلاة ، وليس كذلك إجماعا ، بل وضرورة من الدين ، والمعصوم عليه‌السلام ما توجّه إلى الأمور الخارجة عن الصلاة ، والتوجّه إلى خصوص الأصابع لعله لما رأى من أنّ حمادا ما راعى ذلك ، وهذا هو الظاهر ، كما لا يخفى ، مع أنّه من الآداب المرعية حال الصلاة ، وعلى فرض أنّه اتفق بيان بعض الخارج لا يلزم منه ما ذكره ، لأنّ تأخير البيان إنّما هو بالنسبة إلى ما هو بصدد بيانه. وأيضا لعل الأذان والإقامة من حماد ما كان فيهما حزازة أصلا ، فتأمّل.

على أنّ المعصوم عليه‌السلام ما كان في صدد بيان الواجبات فقط ، بل الظاهر أنّه كان بصدد بيان الآداب والمستحبات ، كما هو ظاهر ، وظاهر أيضا أنّ حمادا كان أتى بالواجبات ولذا ما أمر المعصوم عليه‌السلام بقضاء صلواته ، بل وبّخه بما هو ظاهر في ما ذكرناه ، فعلى هذا لو كان الأمر كما ذكره الشارح رحمه‌الله لزم أن لا يكونا من مستحبات الصلاة أيضا ، مع أنّ‌

٣٩٦

المعصوم عليه‌السلام تعرّض لإظهار آداب ليست بمثابة الأذان ، فكيف الإقامة؟ إذ ربما يظهر من كثير من الأخبار وجوبها ، وغاية ما في الباب أن تكون مستحبة قريبة إلى الواجب غاية القرب ، وسيجي‌ء الأمر بإعادة الصلاة للناسي لها (١) ، فتأمّل جدّا.

قوله (٢) : اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة. ( ٣ : ٢٦٣ ).

سيجي‌ء في مبحث صلاة الجمعة تحقيق الحال (٣).

قوله : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب. ( ٣ : ٢٦٦ ).

لا يخفى أنّ الشيخ رحمه‌الله ما عمّم الحكم بهذا التعميم ، بل خصّصه بالصلاة جماعة في المرتبة الثانية ، وكونهما في المسجد جميعا ، وكونهما في صلاة واحدة ، ( قال في النهاية : وإذا صلّي في مسجد جماعة كره أن تصلّى دفعة أخرى جماعة تلك الصلاة بعينها ، فإن حضر قوم وأرادوا أن يصلّوها جماعة فليصلّ بهم واحد منهم ولا يؤذّن ولا يقيم ، بل يقتصر على ما تقدّم من الأذان والإقامة في المسجد إذا لم يكن الصفّ قد انفضّ ) (٤).

وهذا هو المذكور في معظم كتب فقهائنا ، والمستفاد منها ، ومنهم المفيد رحمه‌الله في المقنعة (٥) ، والعلاّمة في غير واحد من كتبه ، مثل التحرير والتذكرة (٦) ،

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٧٣.

(٢) هذه التعليقة ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) المدارك ٤ : ٧٤.

(٤) النهاية : ١١٨ ، وكتب ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » بعد كلمة : التعميم ، وفي « أ » و « و» في نهاية التعليقة في ص ٦٢٠ ، والأنسب ما أثبتناه.

(٥) لم نعثر عليه في المقنعة وهو موجود في التهذيب ٣ : ٥٥.

(٦) التحرير ١ : ٣٤ ، التذكرة ١ : ١٠٦.

٣٩٧

بل ظاهر المصنف رحمه‌الله في النافع (١). وليس عندي نسخة المعتبر (٢).

والشيخ في المبسوط خصّص السقوط بالأذان فقط بعد أن خصّص بالمسجد وبتلك الصلاة التي أذّن لها ، وإن كان عمّم بالنسبة إلى تفرّق الصف وغيره ، وكذا بالنسبة إلى مريد الجماعة وغيره ، ومع ذلك قال : ويجوز أن يؤذّن فيما بينه وبين نفسه ، وإن لم يفعل فلا شي‌ء [ عليه ] (٣).

وظاهر العلاّمة في القواعد والإرشاد تخصيص ذلك بمريد الجماعة وغير ذلك من القيود ، إلاّ حكاية كونها في المسجد فالظاهر منه التعميم بالنسبة إليها (٤) ، وكذلك الشهيد في اللمعة والبيان والدروس (٥) ، وقال فيه : يسقط ندبا لا وجوبا. وربما كان مراد المصنّف رحمه‌الله في هذا الكتاب أيضا ذلك ، حيث قال : ولو صلّى الإمام جماعة وجاء آخرون ، فتأمّل.

قال الفاضل ابن المفلح (٦) في شرح هذا الكتاب : الأذان مستحب إلاّ في أماكن : عصر عرفة ، عشاء مزدلفة ، عصر الجمعة ، والسقوط هنا للجمع لا المكان والزمان ، الرابع : القاضي يجتزئ بالأذان في أوّل ورده والإقامة للبواقي ، وإنّ الجمع بينهما أفضل ، ثم استشكل بأنّ في الأداء إمّا مكروه أو حرام ، ثم أجاب ، ثم قال : الخامس : الجماعة الثانية إذا لم تتفرّق الأولى لأنّهم يدعون بالأذان الأوّل وقد أجابوا بالحضور فصاروا كالحاضرين في‌

__________________

(١) النافع : ٢٧.

(٢) قال في المعتبر ( ٢ : ١٣٦ ) : ولو صلّي في مسجد جماعة ثم جاء آخرون لم يؤذّنوا ما دامت الصفوف باقية ، فلو انقضت أذّن الآخرون وأقاموا.

(٣) المبسوط ١ : ٩٨ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) القواعد ١ : ٣٠ ، الإرشاد ١ : ٢٥٠.

(٥) اللمعة ( الروضة البهية ١ ) : ٢٤٢ ، البيان : ٧٢ ، الدروس ١ : ١٦٤.

(٦) كذا في النسخ ولعل الصحيح : المفلح.

٣٩٨

الجماعة الأولى بعد الأذان ، فإذا كان كذلك جمّعوا بغير أذان ولا إقامة وصلّوا في ناحية المسجد لا في محرابه ، ولا يبرز لهم إمام لئلاّ تكرّر الصلاة الواحدة ، ولا بدّ أن تكون الصلاة واحدة ، فلو كان حضورها لصلاة أخرى أذّنوا وأقاموا ، وإن لم تفرق الأولى بل كانوا في الصلاة ، ثم شرط في السقوط اشتغال الباقي من الصف بالصلاة والتعقيب ، فلو بقي الكل مشتغلين بالخياطة مثلا ممّا ليس بدعاء ولا تسبيح في المسجد فقد تفرّقوا ، ثم قال : لو صلّت الجماعة الثانية من غير تأذين فحضرت ثالثة فإن كان قبل تفرّق الأولى لم يؤذّنوا وإلاّ أذّنوا وإن لم تتفرّق الثانية ، لأنّ الضابطة حضور جماعة بعد جماعة أذّنوا. انتهى.

وإنّما نقلناها لما فيه من الفوائد ، وربما يومئ هذا إلى أنّ مراد الكل واحد ، وإن لم يقيّدوا بالمسجد أو بالجماعة ، فتأمّل.

وفي تلخيص خلاف الشيخ : إذا صلّى في مسجد جماعة وجاء آخرون ينبغي أن يصلّوا فرادى ، وهو مذهب الشافعي إلاّ أنّه قال : هذا إذا كان المسجد له إمام راتب ، وإن لم يكن له إمام راتب أو كان المسجد على قارعة الطريق أو في محلّة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة واحدة ، يجوز أن يصلّوا جماعة بعد جماعة ، وقد روى أصحابنا أنّهم إذا صلّوا جماعة وجاء قوم جاز لهم أن يصلّوا دفعة أخرى إلاّ أنّهم لا يؤذّنون ولا يقيمون ويجتزون بالأذان الأوّل (١).

وقال العلاّمة في التذكرة : يسقط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية إذا لم تنصرف الاولى عن المسجد ، وهو أحد قولي الشافعي ، لأنّهم مدعوون‌

__________________

(١) تلخيص الخلاف ١ : ١٨١.

٣٩٩

بالأذان الأوّل ، فإذا جاؤوا كانوا كالحاضرين [ في المرّة الأولى ] (١) ومع التفرقة تصير كالمستأنفة ، ولقول الصادق عليه‌السلام ، ثم أتى رواية أبي بصير ، ثم قال : وفي الآخر يستحب مطلقا ، وبه قال أبو حنيفة لكن لا يرفع بها الصوت دفعا للالتباس. (٢).

وقال في بحث الجماعة : يكره تكرّر الجماعة في المسجد الواحد ، فإذا صلّى إمام الحيّ في مسجده وحضر آخرون ، صلّوا فرادى ، قاله الشيخ ، وبه قال الليث والنخعي (٣) والثوري ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي ، ـ إلى أن قال : ـ احتجّ الشيخ بالأخبار ، ولأنّ فيه اختلاف القلوب والعداوة والتهاون بالصلاة مع إمامه ، والذي روى أبو علي الحرّاني كراهة تأذين الجماعة الثانية إذا تخلّف أحد من الأولى ، وروى زيد [ عن أبيه ] (٤) عن آبائه قال عليهم‌السلام : دخل رجلان المسجد وقد صلّى علي عليه‌السلام بالناس ، فقال : « إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (٥) إلى آخر ما قال.

وقال الصدوق رحمه‌الله في الفقيه : ولا يجوز جماعتان في مسجد في صلاة واحدة ، فقد روى ابن أبي عمير عن أبي علي الحرّاني. (٦). وقال المفيد في المقنعة : وإذا صلّي في مسجد جماعة لا يجوز أن يصلّى دفعة أخرى جماعة بأذان وإقامة (٧).

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) التذكرة ٣ : ٦٢.

(٣) في المصدر : البتي.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) التذكرة ٤ : ٢٣٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٥.

(٧) لم نعثر عليه في المقنعة ، وهو موجود في التهذيب ٣ : ٥٥.

٤٠٠