الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

وحمل الرواية على خصوص حصول الجزم (١) ، إلاّ أنّه تكلّف بعيد ، كما لا يخفى على المتأمّل ، مع أنّه أيضا خلاف رأي ابن الجنيد والشارح ، فإنّ الجهل المركب غير العلم ، ولم يقل أحد بالفرق بينه وبين الظنّ.

والأخبار الدالة على جواز التعويل على الظنّ كثيرة ، منها :

موثّقة ابن بكير عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : ربما صلّيت الظهر في يوم غيم فانجلت ، فوجدتني صلّيت حين زوال النهار؟ فقال : « لا تعد ولا تعد » (٢). ومنها : رواية إسماعيل بن رياح الآتية. ومنها : الأخبار الواردة في جواز التعويل على المؤذّنين (٣) ، وعلى ديوك العراق (٤) ، وغير ذلك.

قوله : وضعف سندها يمنع من التمسّك بها. ( ٣ : ١٠٠ ).

سند بعضها قويّ غاية القوّة ، بل كالصحيحة مع أنّه إذا حصل الظنّ فلا مانع من العمل به ، كما عرفت من جواز التعويل على الظنّ ، فتأمّل (٥).

قوله : لكنها قاصرة من حيث السند بجهالة الراوي. ( ٣ : ١٠١ ).

هذه الرواية رواها الكليني رحمه‌الله في الصحيح عن ابن أبي عمير عن إسماعيل. وابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة ، كما في الرجال (٦) ، وممّن لا يروي إلاّ عن الثقة ، كما في العدّة (٧) ، مع أنّ الكليني قال في أوّل كتابه :

__________________

(١) انظر مشارق الشموس : ٤٠٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٦ / ٩٧٩ ، الوسائل ٤ : ١٢٩ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٦.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ٣٧٨ أبواب الأذان والإقامة ب ٣.

(٤) الوسائل ٤ : ١٧٠ أبواب المواقيت ب ١٤.

(٥) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : بل الشيخ والكليني رويا في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله الفراء عن الصادق عليه‌السلام هذا المضمون ، فلاحظ وتدبّر.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠.

(٧) عدّة الأصول : ٣٨٦.

٣٢١

جميع ما فيه من الآثار اليقينية عن الصادقين عليهم‌السلام (١). والشيخ رحمه‌الله أيضا رواها بطريق آخر صحيح إلى ابن أبي عمير ، وهو عن إسماعيل (٢) ، والصدوق أيضا رواها عن إسماعيل ، مع أنّه قال في أوّل كتابه ما قال ، وطريقه إلى إسماعيل صحيح ، فالخبر قويّ غاية القوة من الوجوه المذكورة ، إلاّ أنّ الأحوط الإعادة وعدم الاكتفاء.

قوله : والأصحّ الثاني. ( ٣ : ١٠٢ ).

فيه نظر ، وقد مرّ الكلام فيه ، وحقّقنا تمام التحقيق في الفوائد الحائرية.

قوله : لرواية عليّ بن جعفر. ( ٣ : ١١٤ ).

الاستدلال بهذه الرواية ليس بشي‌ء ، فإنّ المكلّف له طريق إلى العلم غالبا في صلاة الفجر ، ولذا استدل للمشهور بهذه الرواية ، إلاّ أن يقال : عموم الرواية يشمل من لم يتمكن من العلم وإن كان نادرا ، لكن ربما يقول : إنّ العموم منصرف إلى الأفراد الشائعة ، ومع ذلك مقتضاها عدم الإجزاء ، فالحمل على الاستحباب ليس بأولى من حمل العموم على الأفراد الشائعة ، مع أنّه رحمه‌الله مال إلى مذهب ابن الجنيد ، وقوّاه ، وبنى على عدم دليل يدل على جواز التعويل على الظنّ ، وحينئذ فالأولى التعليل بالخروج عن خلاف ابن الجنيد ، واحتمال كون الحق معه ، وإن كان خلاف الظاهر ، كما بيّناه ، فتدبّر.

قوله : لصحيحة هشام بن الحكم. ( ٣ : ١١٤ ).

والظاهر منها وإن كان بطلان الصلاة ، إلاّ أنّ الإجماع واقع على‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥ / ١١٠.

٣٢٢

الصحة ، وربما يظهر ذلك من رواية صحيحة أنّهم عليهم‌السلام قالوا : « إن لم يخف إعجالا عن الصلاة فلا بأس » (١) ، هذا مضمون الصحيحة على ما هو ببالي ، والله يعلم.

قوله : في صورتيه المشهورتين. ( ٣ : ١١٤ ).

في الغوالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ » (٢).

وفيه أيضا أنّ الخباب بن الأرتّ قال : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرمضاء ، فقال : « أبردوا بالصلاة فإنّ شدّة الحرّ من فوح جهنّم » (٣) انتهى.

قوله : بمثل هذا الخبر المجمل. ( ٣ : ١١٥ ).

لا إجمال فيها ، لأنّ ظاهرها التأخير لتحصيل البرد ، وقد ذكرنا عن الغوالي ما يؤيّد وروى الصدوق رحمه‌الله في العلل بسنده إلى أبي هريرة أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحرّ من فيح جهنّم » (٤) الحديث. والحديثان معلّلان بعلّة واضحة ظاهرة. مع أنّه يظهر من الأخبار الكثيرة أولوية تحصيل حضور القلب ورفع ما يشوّش الخاطر ، وشدّة الحرّ تشويش بمقتضى طبع الإنسان ، وغاية ما يتيسّر المجاهدة للنفس ، وهذه أيضا تشوّش الخاطر وتمنع حضور القلب. نعم إن أمكن تحصيله من أوّل الصلاة إلى آخرها من دون تشويش من طرف المجاهدة يكون الأمر على ما ذكره ، إلاّ أنّه ممّا لا يكاد يتيسّر عادة ، وغالب الناس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦١ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٥١ أبواب قواطع الصلاة ب ٨ ح ١.

(٢) عوالي اللئالي ١ : ١٤٦ / ٧٧.

(٣) عوالي اللئالي ١ : ٣٢ / ٩ ، ١٠ ، بتفاوت.

(٤) علل الشرائع ١ : ٢٤٧ / ١ ، الوسائل ٤ : ١٤٢ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٦.

٣٢٣

لا يمكنهم ذلك ، وحمل الحديث على الفروض النادرة فيه ما فيه.

وقد ذكر رحمه‌الله : أنّه إذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال ـ مثل التمكّن من استيفاء الأفعال على الوجه الأكمل ـ يستحب التأخير لذلك (١) ، فتأمّل.

قوله : في الوقت المختص بالأولى أو المشترك. ( ٣ : ١١٥ ).

الوقوع في الوقت المختص مع ظنّ الإتيان بالأولى من الفروض البعيدة ، والأخبار واردة في الفروض الشائعة المتعارفة ، وقد مرّ الكلام في ذلك ، فتأمّل.

قوله : فإن تمّ فهو الحجّة. ( ٣ : ١١٩ ).

لا تأمّل في تماميته ، وأنّ المسلمين في الأعصار السابقة إلى الآن ما كانوا يصلّون في المسجد الحرام إلاّ إلى الكعبة ، بل معلوم أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام أيضا كانوا كذلك ، وربما يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ الله تعالى جعل الكعبة قبلة.

منها : ما سيجي‌ء في المباحث الآتية ، مثل كون القبلة جهة الكعبة لا البنيّة (٢) ، ومثل الصلاة فوق الكعبة أو في الكعبة ، وغير ذلك ، وكذا الإجماعات الآتية ، فليلاحظ. والشهرة تجبر ضعف سند الرواية فضلا عن اتفاق كلّ المسلمين ، فتأمّل جدّا.

ومن الروايات الدالة على ما ذكرنا : موثّقة معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله : متى صرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الكعبة؟ قال : « بعد‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ١١٤.

(٢) في « أ » و « و» : البيت.

٣٢٤

رجوعه من بدر » (١) وتوثيقها من الطاطري ، وهو ممّن ادعى الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته (٢).

وفي الحسن كالصحيح ، عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة كان يجعل الكعبة خلف ظهره في الصلاة حتى حوّل إلى الكعبة » (٣).

ومنها : رواية أبي بصير عن أحدهما ـ في سبب تسمية مسجد بني عبد الأشهل بذي القبلتين ـ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرف إلى الكعبة بعد أن صلّوا الركعتين الأولتين إلى البيت المقدّس (٤).

ومنها : رواية عليّ بن إبراهيم بسنده عن الصادق عليه‌السلام ، في شأن نزول آية ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ). (٥) : « أنّ جبرئيل أخذ بعضد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحوّله إلى الكعبة » (٦).

وبالجملة : الأخبار بحسب الظاهر متواترة في كون الكعبة قبلة ، بل والمسجد الحرم كونهما قبلة من جهة الكعبة ، فليلاحظ وليتأمّل.

وأمّا الإجماع فلا شبهة فيه بل الظاهر أنّه ضروريّ الدين والمذهب ، حتى أنّه يلقّن الأموات ـ فضلا عن الأحياء ـ الإقرار بأنّ الكعبة قبلتهم ، كالإقرار بأنّ الله ربّهم ، ومحمّدا نبيّهم ، والإسلام دينهم ، والقرآن كتابهم ، والأئمّة الاثني عشر إمامهم.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٣ / ١٣٥ ، الوسائل ٤ : ٢٩٧ أبواب القبلة ب ٢ ح ١.

(٢) عدة الأصول : ٣٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٦ / ١٢ ، الوسائل ٤ : ٢٩٨ أبواب القبلة ب ٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٤٣ / ١٣٨ ، الوسائل ٤ : ٢٩٧ أبواب القبلة ب ٢ ح ٢.

(٥) البقرة : ١٤٤.

(٦) تفسير القمّي ١ : ٦٢ ، المستدرك ٣ : ١٧٠ أبواب القبلة ب ٢ ح ٤.

٣٢٥

قوله : وما رواه زرارة. ( ٣ : ١١٩ ).

استدلاله بهذه الرواية فيه ما فيه ، لأنّ الشطر والجهة ليس ما بين المشرق والمغرب ، وسيجي‌ء أحكام كثيرة مبنيّة على ذلك والشارح رحمه‌الله قائل بها ، فلعلّ مراده الجهة في صورة النسيان والخطأ ، فتأمّل.

قوله : فإنّ التكليف بإصابة الحرم. ( ٣ : ١١٩ ).

لا يخفى أنّ الظاهر من كلام المصنّف رحمه‌الله ولعلّ من شاركه أيضا كذلك ـ أنّ نفس الحرم ليس قبلة للبعيد بل جهتها ، كما سيجي‌ء في الأحكام ، بل لعلّه لا تأمّل في ذلك.

قوله : وبما رواه عن عبد الله بن محمّد الحجّال. ( ٣ : ١٢٠ ).

ويدل عليه أيضا الروايتان اللتان تدلان على استحباب التياسر لأهل العراق (١) ، كما سيجي‌ء ، وما رواه الصدوق في العلل في علّة تحريف أهل العراق قبلتهم ذات اليسار (٢) ، بل روى فيه أيضا بسنده عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ الله تعالى جعل البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل مكّة ، ومكّة قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الدنيا » (٣).

قوله : وحملهما الشهيد في الذكرى على أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتهما. ( ٣ : ١٢٠ ).

ولا شبهة في صحة الحمل وتعيّنه ، لأنّ الجميع اتفقوا على أنّ علامة قبلة البعيد كذا وكذا من دون تفاوت أصلا بين الفريقين.

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ١٣٠.

(٢) علل الشرائع : ٣١٨ / ١ ، الفقيه ١ : ١٧٨ / ٨٤٢ ، التهذيب ٢ : ٤٤ / ١٤٢ ، الوسائل ٤ : ٣٠٥ أبواب القبلة ب ٤ ح ٢.

(٣) علل الشرائع : ٣١٨ / ٢ ، الوسائل ٤ : ٣٠٣ أبواب القبلة ب ٣.

٣٢٦

قوله : لأنّه لا يعلم إسلامهم ، فضلا عن عدالتهم. ( ٣ : ١٢١ ).

فيه : أنّ الموضوعات الشرعية ليست بتوقيفية ، بأن يكون موقوفة على بيان الشرع سوى العبادات ، أي الكيفية التي لا تصح إلاّ بالنيّة ، ولذا يرجعون إلى الظنون ، مثل قول اللغوي والنحوي والصرفي ، وأصالة العدم ، وأصالة البقاء ، والقرائن الظنيّة ، وقول أهل الخبرة في الأرش وأمثاله ، وقول الطبيب ، وغير ذلك من الظنون ، ومنها المرجّحات ، والتفصيل في رسالتنا في الاجتهاد والأخبار (١) ، ومع ذلك ورد هنا الأمر بالتحرّي ، وهو الأخذ بما هو أحرى وأقرب في النظر إذا لم يتحقّق العلم ، ومن الهيئة ربما يحصل العلم بالجهة ، ولا شكّ في حصول الظنّ الأقوى والأحرى منها ، وتقليد أهله ممكن ومشروع ، بل واجب إذا انحصر الأحرى فيه ولم يكن أحرى منه ، على أنّه رحمه‌الله سيصرّح بجواز التعويل على قول الكافر الواحد محتجّا بأنّه نوع من التحرّي (٢) ، فتدبّر ، ( وأي فرق بين ما إذا تيسّر الرجل الكافر وما إذا تيسّر القواعد المقرّبة لليقين بالجهة والظنّ باليقين ) (٣).

قوله : ويدل عليه ظاهر الآية الشريفة. ( ٣ : ١٢٢ ).

لا دلالة فيها ، بل الشارح يمنع كون الكعبة قبلة من جهة دلالة الآية ، فتأمّل.

قوله : وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان. ( ٣ : ١٢٢ ).

هذه الرواية موثّقة بالطاطري ، وهو ممّن ادعى الشيخ الإجماع على العمل بروايته (٤) ، ورواية أبي إسماعيل صحيحة إلى ابن مسكان ، وهو ممّن‌

__________________

(١) رسالة الاجتهاد والأخبار ( الرسائل الأصوليّة ) : ٨٦.

(٢) المدارك ٣ : ١٣٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٤) عدّة الأصول : ٣٨١.

٣٢٧

أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.

قوله : بعدم تسليم كون القبلة هي الجملة. ( ٣ : ١٢٤ ).

المراد من الجملة القطر والقدر الذي يحاذي المصلّي من قطر الكعبة ومجموعها ، والمصلّي داخلها لا يحصل له هذا ، والقدر الثابت من الأدلة كون الجملة قبلة ، وأمّا كون أيّ بعض منها قبلة فلم يثبت لو لم نقل بثبوت العدم ، بل الظاهر العدم ، لصحة ما دل على المنع وتعدّده ، وظاهر الأخبار الكثيرة ، لو لم نقل متواترة في أنّ الكعبة قبلة ، فإنّ المتبادر منها هو ما ذكرناه. مع أنّه لو كان أيّ جزء من الكعبة قبلة لكان يلزم استدبار الكعبة وعدم استقبالها أيضا في حال استقبال أيّ جزء ، فتأمّل.

ويدل على كون القبلة هي الجملة ما سيجي‌ء في المسألة الآتية.

قوله : وظهور لفظ « لا يصلح » فيه ، كما لا يخفى. ( ٣ : ١٢٥ ).

الظهور محلّ نظر ، نعم ربما لا يكون ظاهرا في الحرمة ، وإن كان ذلك أيضا ربما لا يخلو عن مناقشة ، لأنّ الصلاح في مقابل الفساد ، فتأمّل.

مع أنّ النهي في الرواية الأولى صريح في الحرمة أو ظاهر فيها ، والموثّق ليس بحجّة عند الشارح ، مع أنّه في مقام التعارض لا يقاوم الصحيح البتّة ، فتأمّل.

والنهي حقيقة في الكراهة (١) ، والأصل الحقيقة حتى يثبت خلافها.

ويشير إلى أنّ المراد من « لا يصلح » في الصحيحة هو النهي : أنّ الشيخ روى في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال :

__________________

(١) كذا في النسخ.

٣٢٨

« لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة » (١) ، فظهر أنّ إحدى الروايتين نقل بالمعنى المراد من الأخرى ، فلم يثبت ما يخالف صحيحة ابن عمّار ، لو لم نقل بظهور المؤكّد لها ، بل الظاهر أنّ المراد من « لا يصلح » هو النهي ، لأنّه قابل لإرادة النهي منه على أي تقدير ، بخلاف النهي الخالي عن القرينة ، فإنّه غير قابل للكراهة ، كما لا يخفى ، فتدبّر.

واحتمال كونهما روايتين عن ابن مسلم بعيد ، بملاحظة سند الاستبصار والراوي والمرويّ عنه ، وأنّه كيف ما روى روايته الأخرى للراوي ، واقتصر بإحداهما لإحداهما وبالأخرى للأخرى؟ اللهمّ إلاّ أن يكون فهم اتحاد المراد ، وهو المطلوب ، فتدبّر.

مع أنّ في آخر صحيحة معاوية بعد ما نقله الشارح رحمه‌الله قال : « فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل الكعبة في حجّة ولا عمرة ، ولكن دخلها في فتح مكّة ، وصلّى ركعتين بين العمودين ومعه أسامة بن زيد » (٢) انتهى. ولا يخفى على المتأمّل فيه أنّ الظاهر منه كون جواز الفريضة فيها من بدع العامّة ، وأنّهم يحتجّون في ذلك بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ الصادق عليه‌السلام كذّبهم وخطأهم في ذلك ، فربما يكون الموثّقة واردة على التقية ، هذا.

مع أنّ العبادات توقيفية ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية أو العرفية ، فعلى تقدير الاشتباه أيضا يشكل الاكتفاء.

ويمكن حملها على حالة الاضطرار أيضا ، بناء على وقوع الازدحام الشديد بعد ما دخل فيها ودخل الوقت ، فتأمّل.

قوله : والاستقبال والركوع والسجود. ( ٣ : ١٢٥ ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٤ ، الوسائل ٤ : ٣٣٦ أبواب القبلة ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٣ ، الوسائل ٤ : ٣٣٧ أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣.

٣٢٩

إلاّ أنّ الأمر في الاستقبال ربما كان مشكلا ، لما مرّ ، إلاّ أن يقال : إنّه أولى من استقبال البيت المعمور بالنظر إلى الأدلة ، فتأمّل.

قوله : والروايتان ضعيفتا السند جدّا. ( ٣ : ١٣٠ ).

قد بيّنا في تعليقتنا على رجال الميرزا رحمه‌الله حجّية أمثال هذه الروايات (١) ، مع أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب مع أنّ المقام مقام الاستحباب ، فلا يضرّ الضعف ، لما بيّن في محلّه.

وقوله : العمل بهما لا يؤمن معه. ، فيه : أنّ القبلة هي الجهة وفيها من السعة ما لا يخفى ، وإن قلنا بأنّ الحرم قبلة ، لما مرّ.

قوله : على أقوى الظنّين. ( ٣ : ١٣٣ ).

والتقليد حينئذ نوع من الاجتهاد ، والمدار في جميع الأمارات الاجتهادية على ذلك ، كما لا يخفى.

قوله (٢) : وأسنده في المعتبر. ( ٣ : ١٣٦ ).

وكذا العلاّمة في المنتهى (٣) ، ونسبه المحقّق الثاني أيضا في شرح القواعد إلى ظاهر الأصحاب (٤) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه أيضا ، وحكي التصريح به عن الغنية (٥).

قوله : لنا أصالة البراءة ممّا لم يقم دليل على وجوبه. ( ٣ : ١٣٦ ).

الأصل لا يعارض العمومات الدالة على وجوب الاستقبال ، إلاّ أن‌

__________________

(١) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٨ و ٣٤١.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) المنتهى ١ : ٢١٩.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٧١.

(٥) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ١٧٩ ، وهو في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٦.

٣٣٠

يقال : العمومات مخصّصة بما سيذكر من الأخبار ، فيبقى الأصل سالما ، لكن لا يلائم هذا جعل الأصل دليلا ( برأسه والخصوصيات دليلا ) (١) برأسه.

قوله (٢) : ونزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر. ( ٣ : ١٣٦ ).

الظاهر أنّه من كلام الصدوق ، لعدم المناسبة بينه وبين الصدر بحيث يصير تتمّة ، فلاحظ وتأمّل ، فإنّ الصدر يتضمّن أنّ قبلة من سأل عن حاله ما بين المشرق والمغرب ، لا أنّه لا قبلة له أصلا ، ولأنّ الشيخ روى هذه الصحيحة ولم يكن فيها ما ذكره (٣) ، ولأنّ الوارد عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّ الآية المذكورة نزلت في النافلة ، كما في التبيان ، وتفسير علي بن إبراهيم ، وتفسير العياشي (٤) ، بل لم يعهد في تفسير ورود نص عن الأئمة ع أنها نزلت في المتحيّر ، بل هذا شي‌ء ذكره بعض المفسرين (٥) ، على أنّ احتمال كونه من الصدوق ممّا لا تأمّل فيه أصلا ، فكيف يمكن الاستدلال به؟

قوله : فلا تعويل عليها. ( ٣ : ١٣٧ ).

يمكن أن يقال : الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، و [ المراد بقوله ] (٦) : كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد ، أي في مسألة الاجتهاد وحكمه ، وهو أنّه إذا تأتّي الظنّ عمل به وإلاّ سقط اعتبار القبلة ، لأنّ أدنى ما يتحقّق به اعتبارها هو الظنّ.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) التهذيب ٢ : ٤٨ / ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٩٧ / ١٠٩٥.

(٤) التبيان ٢ : ١٦ ، تفسير القمّي ١ : ٥٨. تفسير العياشي ١ : ٥٦ / ٨٠.

(٥) انظر الكشاف ١ : ١٨٠ ، وكنز العرفان ١ : ٩١.

(٦) في النسخ : ويحمل قوله ، والأنسب ما أثبتناه.

٣٣١

على أنّا نقول : الظاهر من الأخبار والآثار أنّ الاجتهاد كان اصطلاحا في العمل بالرأي من دون استناد إلى النص بل بمجرّد الرأي والاستحسان ، ولذا صرّح بحرمته من صرّح من قدمائنا مثل السيد المرتضى رحمه‌الله (١) فلاحظ كلامهم حتى يظهر ما ذكرناه لك ، فحرمة ذلك كان من شعار الشيعة وضروريات مذهبهم ، كما يظهر من هذا الخبر.

فحاصل اعتراضه : أنّكم تحرّمون وتنكرون علينا ، وفي هذه الصورة توافقوننا.

وحاصل الجواب : أنّه يجب تحصيل العلم وعدم الاكتفاء بالاجتهاد ، وبالصلاة إلى أربع وجوه يحصل العلم ، إلاّ أن يرد نص من الشارع بعدم لزوم تحصيل العلم والاكتفاء بالتحرّي ، فإذا أطبقت السماء يجب الصلاة لأربع وجوه مطلقا إلاّ أن ينص الشارع بعدم الوجوب ، فإذا نص فليس حينئذ باجتهاد ، والحاصل : أنّ مقتضى قاعدتنا الصلاة لأربع وجوه ولا تنخرم تلك القاعدة لو فرض صدور نص من الشارع بالتحرّي في صورة خاصّة ، فتأمّل.

مع أنّ الوارد في الأخبار أنّ التحرّي يجزي ، لا أنه يجب بحيث إنّه لو صلّى لأربع وجوه وحصل العلم فعل حراما ، ففي الصورة الخاصّة أيضا مجرّد الإجزاء ، والاجتهاد عندهم حجّة مثل اليقين. والنص بالإجزاء لمّا كان منهم فلعلّه عليه‌السلام ما رأى المناسب والمصلحة التصريح بهذا ، لأنّه في صدد الجواب عن اعتراض العامّة ، فتأمّل جدّا ، فإنّ وجه عدم المصلحة أنّهم عليهم‌السلام ما كان يعجبهم الإظهار عند أمثال هؤلاء من العامّة أنّهم بأنفسهم شرع وأنّ‌

__________________

(١) انظر الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٣٦.

٣٣٢

نصهم نص الشارع.

مضافا إلى أنّه عليه‌السلام لو كان يظهر لكانوا يعترضون بأنّ الاجتهاد لو كان قبيحا فلم جوّزتم؟ وإلاّ فلم شنعتم؟ والراوي ما كان يتحمّل جواب هذا الاعتراض ، لقصور الفهم وعدم القابليّة ، أو لا ينفع المعترضين بل يصير منشأ لتشنيعهم على الشيعة وطول لسانهم ، إمّا لعدم قابليتهم أو لعنادهم.

فإن قلت : الرواية حينئذ خرجت عن الحجّية ، لأنّ المأمور به فيها لا قائل به ، ومحلّ النزاع لم يؤمر به.

قلت : إطباق السماء أعمّ من التمكّن من الاجتهاد وعدمه. وقوله : سواء في الاجتهاد ، يعني لو تمكّنّا ، فقوله عليه‌السلام : « إذا كان ذلك » يعني : مطلق الإطباق ، لا بشرط الاجتهاد ، إذ يصير حينئذ [ فيه ] حزازة ، لأنّ المعنى أنّه تجب الصلاة إلى جهة بشرط الظنّ بعدم كونها قبلة لو لم يظنّ بكونها قبلة ، أو بشرط التمكّن من الظنّ بعدم كونها قبلة ، وفيه ما فيه ، لأنّ مع الظنّ بالعدم لو كان واجبا فمع الاحتمال بطريق أولى ، فكيف وأن لا يكون مساويا؟ فتأمّل.

قوله : والجواب : إنّا لا نسلّم وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة ، والسند ما تقدّم ( ٣ : ١٣٧ ).

لا يخفى أنّ العمومات تقتضي الوجوب ، والسند عند المحقق يعارضه السند المعمول به.

ويمكن الجمع بينهما بحمل الأوّل على الإجزاء ، كما هو صريح لفظه ، والثاني على الأفضلية ، وأنّ غرض المعصوم عليه‌السلام منع ما ادعاه المعترض من التسوية في الاجتهاد ، فإنّ الاجتهاد عندهم نازل منزلة اليقين ، كما أشرنا ، فإذا كان في صورة حصول الاجتهاد ، الأفضل يكون كذا ففي‌

٣٣٣

غيره بطريق أولى ، مع أنّ جوابه عليه‌السلام عام ، كما أشرنا في الحاشية السابقة ، فتأمّل.

أو يكون المراد أنّ مقتضى الأصل والقاعدة عندنا الصلاة لأربع وجوه ، إلاّ أن يرد رخصة من الشارع ، كما مرّ.

أو يكون الأوّل محمولا على التقيّة ، فتأمّل. أو يكون المصلحة في الثاني الأمر بالصلاة لأربع وجوه ، لأنّه في مقام ردّ شبهتهم ، فتدبّر.

قوله : يدل عليه ما رواه الشيخ. ( ٣ : ١٣٩ ).

مضافا إلى ما دل على وجوب القيام ووجوب الاستقرار.

قوله : وتجزيه فاتحة الكتاب. ( ٣ : ١٣٩ ).

الظاهر من هذه الصحيحة وجوب السورة على غير المعذور ، كما سيجي‌ء.

قوله : ولم يثبت توثيقه. ( ٣ : ١٣٩ ).

إلاّ أنّه لم يستثن من رجال نوادر الحكمة ، مع أنّه يروي عنه ، وفيه شهادة على وثاقته ، والعلاّمة صحّح رواياته في المنتهى والمختلف (١) ويظهر من ترجمة العمركي أنّه من شيوخ أصحابنا (٢) ، مع أنّه يروي عنه الأجلّة ، مع أنّ هذه الرواية مطابقة لمقتضى الأصل والقاعدة المقرّرة الثابتة شرعا.

قوله : ويستفاد من هذه الرواية عدم وجوب الاستقبال إلاّ بتكبيرة الإحرام خاصّة. ( ٣ : ١٤٠ ).

المستفاد منها عدم الوجوب على خائف اللصوص ، مثل عدم وجوب‌

__________________

(١) انظر المنتهى ٢ : ٥٦٣ ، ٧١٥ ، والمختلف : ٢٩٧.

(٢) انظر رجال النجاشي : ٣٠٣ / ٨٢٨.

٣٣٤

القيام والاستقرار.

قوله (١) : وكلام أكثر الأصحاب. إلاّ أنّ المصنّف اعتبر الضيق. ( ٣ : ١٤٢ ).

وربما كان مستنده عبارة الفقه الرضوي : « إن كنت راكبا وحضرت الصلاة ، وتخاف أن تنزل من سبع أو لصّ أو غير ذلك ، فليكن صلاتك على ظهر دابّتك ، وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف ، وإلاّ استقبلت القبلة بالافتتاح ، ثم امض في طريقك التي تريد ، حيث توجّهت به راحلتك مشرقا ومغربا ، وتنحني للركوع والسجود ، ويكون السجود أخفض من الركوع ، وليس لك أن تفعل ذلك إلاّ في آخر الوقت » (٢).

قوله : وقال : لا عليه أن لا يخرج. ( ٣ : ١٤٤ ).

يمكن أن يكون المراد : لا عليه في الصورة المسؤول عنها ، بقرينة قوله : « سأله عن مثل هذه المسألة رجل » ، فلا وجه للاستدلال بهذه الرواية لمختاره ، فتدبّر.

واستدلاله بصحيحة معاوية وحسنة حماد أشكل ، إذ ليس فيهما سوى بيان كيفية الصلاة في السفينة ، أمّا أنّها في أيّ حالة تفعل فلم يتعرّض فيهما البتّة ، فتدبّر.

قوله : وعن الروايتين. ( ٣ : ١٤٦ ).

ظاهر الروايتين أنّ الحكم بالخروج من حيث لا يكون المصلّي متمكّنا من القيام ، بأن يكون في معرض عدم التمكّن ، ولذا قالوا عليهم‌السلام : يصلّي جالسا إن لم يمكنه القيام ، ولا شكّ في أنّ القيام من الواجبات‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٨ ، المستدرك ٣ : ١٨٩ أبواب القبلة ب ١٠ ح ٢.

٣٣٥

اليقينية للصلاة ، بل هو ركن جزما ، فكيف يمكن رفع اليد عن الأمر اليقيني بإطلاق خبر الواحد؟

بل ربما كان الظاهر منه أنّ السؤال والجواب فيه إنّما وقعا بالنسبة إلى كون الصلاة في السفينة من حيث كونها في السفينة لا في الأرض ، لا من حيث عدم التمكّن من القيام وغيره من الواجبات ، كما هو الحال في بعض أحوال أهل السفينة ، فلو جعل هذا الإطلاق عموما لزم رفع اليد عن كثير من الواجبات اليقينية مع التمكّن من فعلها وعدم داع إلى تركها ، بل بمجرّد اختيار إيقاع الصلاة في السفينة ، ولعل هذا مما لم يقل به أحد منهم ، ألا ترى أنّ المانعين استدلوا للمنع بأنّ القرار ركن ، وأنّ الصلاة فيها مستلزم لحركات خارجة؟ فلو كان مرادهم الشمول للقيام وغيره من الواجبات لكان الاستدلال بوجوب القيام وغيره من الواجبات مثل القبلة والركوع والسجود ، فتأمّل.

قوله : فيكون فعلها كذلك تشريعا محرّما. ( ٣ : ١٤٧ ).

ما ذكره إنّما يتوجّه إذا قلنا بأنّ الصلاة اسم للأركان (١) المستجمعة لشرائط الصحة ، والشارح رحمه‌الله لا يقول به بل يقول : إنّه اسم لمجرّد الأركان ، كما يظهر منه في كثير من المباحث ، منها ما سيجي‌ء في وجوب صلاة الجمعة (٢) ، وإن كان ربما يظهر من كلامه في بعض المواضع أنّه اسم للصحيحة ، كما يظهر منه في المقام ، ولو كان اسما للمجرّد فلا شكّ في أن الإطلاقات الواردة في الأخبار تكفي لثبوت مشروعية المجرّد ، إلاّ أن يثبت اشتراطه بشي‌ء شرعا ، ولم يثبت في المقام اشتراطه بالقبلة ، ولو ثبت لكان‌

__________________

(١) في « ج » زيادة : المخصوصة.

(٢) يأتي في ج ٣ : ١٧٣.

٣٣٦

الدليل ذلك لا ما ذكره.

إلاّ أن يقال لو كانت صحيحة بغير القبلة اختيارا لصدر ذلك بمقتضى العادة عن إحدى الحجج عليهم‌السلام ونقل إلينا ، لكن هذا أيضا على فرض تماميته خلاف طريقة الشارح رحمه‌الله كما مرّ في الوضوء وغيره.

فالأولى الاستدلال على ذلك بما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » (١) لكن ربما يظهر بملاحظة آخر الخبر كون المراد منها الفريضة ، حيث قال : قلت : فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال : « يعيد ». وأيضا في الصحيح عن زرارة ، عنه عليه‌السلام أنّه قال : « إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلّب وجهك فتفسد صلاتك ، فإنّ الله تعالى قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفريضة ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٢) » الحديث (٣).

مع أنّه كان المتبادر من لفظ الصلاة الفريضة ( على ما سيجي‌ء من الشارح ـ رحمه‌الله ـ ) (٤) فتأمّل.

قوله : وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج. ( ٣ : ١٤٨ ).

ما أورد الشارح رحمه‌الله خبرا يدل على جواز النافلة ماشيا في الحضر ، ويمكن الاستدلال له بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ، عن عيينة ، عن إبراهيم بن ميمون ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إن صلّيت وأنت تمشي كبّرت ثم مشيت ثم قرأت ، فإذا أردت أن تركع أومأت‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٢.

(٢) البقرة : ١٤٤.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٦ ، الوسائل ٤ : ٣١٢ أبواب القبلة ب ٩ ح ٣.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

٣٣٧

بالركوع ثم أومأت بالسجود ، وليس في السفر تطوّع » (١) وفي الصحيح عن حمّاد ، عن حريز ، عمّن ذكره ، عن الباقر عليه‌السلام : أنّه لم يكن يرى بأسا أن يصلّي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل (٢) ، فتأمّل.

قوله : لدخوله في الصلاة دخولا منهيا عنه. ( ٣ : ١٥٠ ).

هذا إنّما يتمّ إذا قلنا بأنّ الجاهل غير معذور ، وهو خلاف ما اختاره الشارح رحمه‌الله وعلى القول بالمعذورية لا يكون الإعادة على كلّ حال ، بل إذا خالف الواقع.

قوله : فيتوقّف على الدلالة ولا دلالة ( ٣ : ١٥١ ).

سيجي‌ء العمومات الدالة على وجوب قضاء ما فات من الصلاة وتصريح الشارح رحمه‌الله بذلك واعترافه به ، ومعلوم أنّ الفوت أعمّ من أنّه لا يصلّي أصلا أو يصلّي صلاة فاسدة ، كما لا يخفى ، فالاعتبار إنّما هو بالأخبار الدالة على ذلك.

قوله : لأنّه فرض مستأنف. ( ٣ : ١٥٣ ).

قد أشرنا آنفا إلى الاعتراض عليه باعترافه بالعمومات الدالة على وجوب قضاء ما فات من الصلاة.

قوله : فلقولهم : ما بين المشرق والمغرب قبلة. ( ٣ : ١٥٤ ).

فظهر أنّ المراد باليسير كون الانحراف بحدّ لا يصل إلى حدّ المشرق والمغرب ، بل يكون ما بينهما.

قوله : فالأقرب أنّه ينحرف ولا إعادة. ( ٣ : ١٥٤ ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٩ / ٥٨٧ ، الوسائل ٤ : ٣٣٤ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤١ / ٩ ، الفقيه ١ : ٢٨٩ / ١٣١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩٢ ، الوسائل ٤ : ٣٣٥ أبواب القبلة ب ١٦ ح ٥.

٣٣٨

لا يخفى أنّ مراعاة الوقت مقدّم على مراعاة القبلة ، ولذا يجب على الجاهل بالقبلة وغير المتمكّن من الاستقبال أن يصلّي بغير القبلة ، بل ومراعاتها مقدّم على جلّ واجبات الصلاة من الأجزاء والشرائط ، وقد مرّ الكلام في ذلك في كتاب الطهارة ، فلاحظ.

قوله : والامتثال يقتضي الإجزاء. ( ٣ : ١٥٤ ).

والامتثال إنّما هو إذا لم يظهر المخالفة ، إذ الامتثال هو الإتيان بما هو مطلوب الله تعالى ، ومطلوبه تعالى هو الصلاة إلى القبلة لا إلى دبر القبلة ، ولو كان الامتثال متحقّقا على تقدير ظهور المخالفة للزم عدم وجوب الإعادة في الوقت أيضا إذا ظهر الإخلال بالشرط فيه ، وهو رحمه‌الله صرّح مرارا بوجوب الإعادة فيه بسبب الإخلال بشرط الواجب ، فإذا أخلّ به يكون فاسدا ، وإن لم يكن فاسدا لم يكن إخلال بشرط ، والفريضة لم تكن إلاّ واحدة ، ولذا تكون الثانية إعادة وعوضا عمّا فات شرطه ووقع الإخلال فيه ، ومقتضى ذلك وجوب القضاء أيضا ، لما مرّ مرارا.

نعم مقتضى روايتي عبد الرحمن وسليمان أنّه بعد الفراغ عن الصلاة في الوقت واستبانة الخطأ خارج الوقت لا تجب إعادة تلك الصلاة ، فتأمّل.

قوله : فالفارق بين الجلد والدم. ( ٣ : ١٥٨ ).

ليس الفارق منحصرا في ما ذكره بل عرفت غيرها ، وأنّ الأدلّة دالة على نجاسة الميتة وعدم جواز الصلاة فيها. والميتة اسم لما زهق روحه بغير تذكية في الواقع من غير مدخلية العلم والجهل والمعروفية وعدم المعروفية في المعنى ، كما هو ظاهر.

وأمّا الدم وإن ورد بعض الأخبار أنّه نجس لكن ورد أنّ دم ما لا نفس له طاهر ، وكذا الدم المتخلّف ، فإذا وقع الاشتباه يكون الأصل الطهارة ،

٣٣٩

لعدم العلم بالتكليف ، وليس شي‌ء يعارض هذا ، بخلاف الجلد فإنّه يعارض فيه ما ستعرف ، فتأمّل.

قوله : ومع انتفاء حجيّته. ( ٣ : ١٥٨ ).

قد بيّنا في كتاب الطهارة حجّية الاستصحاب (١) ، مع أنّ تتبّع الأخبار الواردة في كتاب الصيد وكتاب الذباحة وكتاب الأطعمة وغير ذلك يكشف عمّا ذكره الفقهاء من أصالة عدم التذكية حتى تثبت (٢) ، وما لم تثبت لا يكون طاهرا ولا حلالا ، ( فإنّ ثبوت التذكية شرط للحكم بالطهارة ، والحلّية ، وجواز الأكل ، والاستعمال باللبس في الصلاة ، وأمثال ذلك ) (٣) ، فتتبّع تجد الأخبار متواترة في ما ذكرناه.

ومع ذلك نقول : إنّ ما استدل به على المنع من الصلاة في جلد الميتة مقتضاه عدم جواز الصلاة في ما هو في الواقع ميتة ، كما ذكرنا ، لأنّ الميتة اسم لما هو في الواقع ميتة كالماء والخبز ، وغير ذلك ، وقد جعلوا الفسق (٤) اسما لما هو في الواقع خروج عن الطاعة ، ولذلك أثبتوا اشتراط العدالة في الراوي ، فمقتضى ما ذكر اشتراط ثبوت التذكية للحكم بإباحة الصلاة وتحقّق الإطاعة والامتثال.

وأيضا في موثقة ابن بكير الآتية عند قول المصنف رحمه‌الله : وما لا يحلّ أكله (٥). ما يدل على اشتراط العلم بالتذكية ، حيث قال عليه‌السلام في آخرها : « وإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه‌

__________________

(١) راجع ج ١ : ٩٠ ـ ٩٣.

(٢) في « و» زيادة : خلافه.

(٣) ما بين القوسين أثبتناه من « و».

(٤) في النسخ : الفاسق ، والأنسب ما أثبتناه.

(٥) انظر المدارك ٣ : ١٦١.

٣٤٠