الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

والعشاء ، كما هو مقتضى السياق.

فهذه أيضا دلالة أخرى على مراد المشهور على ما اعترف من أنّ هذا الغسل لأجل السيلان وبشرطه.

بل لو رفعنا اليد من السياق أيضا ينفعه ، بأنّ المراد غسل واحد ، كما هو ظاهر لفظة المفرد ، مع أنّه لم يعرف من الفقهاء مساواته للأوّل مع أنّه مع عدم الكرسف يتحقق السيلان بأدنى دم.

مع أنّه لا يخفى أن المتعارف في النساء أنهن في صورة كثرة السيلان وزيادته وشدته يمسكن الكرسف البتة ولا يتركنه صونا لأثوابهن من الدم وفساده وتخريبه ، فالسيلان بلا كرسف سيلان سهل قليل ، ولعله مساوق للظهور من خلف الكرسف في صورة الإمساك واقعا أو بحسب الظن والظهور ، وعدم الإشعار لكون الغسل للفجر غير مضر ، للإجماع على كونه له ، فلعل المقام كان مع قرينة ، أو كان المقام مقام إجمال لهذا المعنى أو كان هذا المعنى واضحا في ذلك الزمان أو عند الراوي ، وهو الثقة الجليل ، كما هو الحال في سائر الأخبار ، لأن الأمر والبناء فيها على التعارض والجمع ، ولا بدّ من أن يكون حال الراوي في المعارض المؤوّل على ما أشرنا وإلاّ لا يستقيم.

على أنّه لو وقع في المقام حديث صحيح صريح في أنّه عليها الغسل لخصوص الفجر لكان الشارح رحمه‌الله يحمل الغسل في هذا الحديث عليه البتة ، وأيّ فرق بين الحديث والإجماع في هذا؟ بل كثير من المواضع يعتنون بالإجماع من دون تأمّل حتى من الشارح رحمه‌الله أيضا.

على أنّه غاية ما يكون أن في هذا الأمر إجمالا ، وهذا لا يضر الاستدلال بصدر الخبر وذيله ، كما أشرنا ، لعدم توقف دلالتهما عليه.

٢١

ويمكن أن يقال : إنّه عليه‌السلام أمر بإيجاد الغسل ، والألف واللام ظاهر في الجنس وحقيقة في الحقيقة ، وإيجاد الحقيقة يتحقق في ضمن فرد ، كما حقق في محله ، وظاهر أن الغسل لأجل الصلاة ، فيكون مقدما عليها ، فحيث لم يعين الصلاة يكون المراد جميع الصلوات اليومية ، مثل قولهم : زيد يعطي ويمنع.

قوله : فإنّ موضع الخلاف ما إذا لم يحصل السيلان. ( ٢ : ٣٣ ).

الدلالة على أي تقدير واضحة : لأنه عليه‌السلام جعل السيلان شرطا ، فعلى تقدير حمل الغسل على الجنس يكون دلالتها للمشهور في غاية الوضوح أيضا ، ( مع أنك عرفت أن الظاهر من السياق غسل صلاة المغرب والعشاء وقد عرفت الحال ) (١).

قوله : وعن الرواية الثانية أنّها قاصرة من حيث السند بالإضمار. ( ٢ : ٣٣ ).

هذا الاعتراض منه في غاية السقوط ، لتصريحه رحمه‌الله غير مرّة بأنّ أمثال هذه الإضمارات لا ضير فيها أصلا (٢).

على أنّ هذا الحديث على ما وجدت في التهذيب لا إضمار فيه ، بل قال : عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : النفساء. الحديث ، وليس عندي غير التهذيب. ويحتمل أن يكون زرارة روى هذا الحديث عن الباقر عليه‌السلام أيضا ، لأنّ الشيخ نبّه في موضع آخر على ما ذكرنا ، لأنّه قال بعد ذلك بصفحة تقريبا : وقد مضى حديث زرارة (٣).

__________________

(١) لم يرد ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) انظر المدارك ١ : ١٠٦ و ٨ : ٤٠٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٥.

٢٢

ولم يتقدم ما يصلح لذلك سوى الخبر المذكور. مع أنّ الشارح رحمه‌الله سيذكر عن قريب صحيحة زرارة (١) مريدا هذا الخبر ، وكيف كان ، لا وجه لهذا الطعن أصلا ( سيّما بعد انجبارها بالشهرة بين الأصحاب ) (٢).

قوله : ومن حيث المتن بأنّها لا تدل على ما ذكروه نصّا. ( ٢ : ٣٣ ).

فيه تنبيه على وجود دلالة بحسب الظاهر ، وهو كذلك ، فإنّ الظاهر كون الغسل الواحد غير غسل النفاس ، بل كالصريح ، لأنّه أمر أوّلا بغسل النفاس فقال لها بعد ما اغتسلت للنفاس : إن جاز دمها تغتسل ثلاثة أغسال ، وإن لم يجز صلّت بغسل واحد ، ولو كان المراد غسل النفاس لكان يقول : صلّت بذلك الغسل ، بل قد لا يحتاج إلى ذكر هذه العبارة بعد ما ذكر بأنّها تغتسل للنفاس وتفعل كذا وكذا.

مع أنّ ما ذكرنا متأيّد بأنّ القسمين المتردد بينهما مذكوران بكلمة الفاء الدالة على التعقيب ، فيكون كلاهما عقيب غسل النفاس وما بعده ، وأيضا متأيّد بقرينة المقابلة وتقييد الغسل بالوحدة ، وظهور أنّ المراد من الصلاة في قوله : « صلّت بغسل واحد » هي الصلوات الخمس المذكورة لا مطلق الصلوات. مع انّه لم يعهد تعليق الصلاة بغسل الحيض أو النفاس وإضافتها ونسبتها إليهما.

مع أنّ تنكير لفظ الغسل يشهد على كون هذا الغسل غير غسل النفاس المذكور.

وأيضا تقييده بالوحدة شاهد آخر ، فإنّ غسل النفاس المذكور لا شبهة‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

٢٣

في كونه واحدا.

وتؤيّد الظهور عبارة الفقه الرضوي التي أشرنا إليها (١) ، وصحيحة الحسين المذكورة ( وغير ذلك ممّا ذكرناه في صدر المبحث ، وكذا ) (٢) الشهرة بين الأصحاب وفهمهم حيث استدلوا بها لمطلوبهم ، فتأمّل.

هذا ، ولا يخفى أنّ الظهور كاف للاستدلال ولا يحتاج إلى النصّية.

على أنّا نقول : موضع الدلالة هو قوله عليه‌السلام : « فإن جاز. » حيث شرط للأغسال الثلاثة جواز الدم عن الكرسف ، وفرق بينه وبين ثقب الكرسف ، فإنّ الجواز هو التعدي عن الشي‌ء والوصول إلى شي‌ء آخر.

والجواب عن قوله : فإنّ الغسل. كما مرّ ، مضافا إلى أنّ إيجاد الصلاة بغسل ، ظاهر في كون الغسل قبلها ، فالصلوات الخمس بغسل ظاهر في كون الغسل قبل الجميع ، فيظهر كونه قبل صلاة الفجر ، فتدبّر.

وأمّا عدم ذكر الوضوءات فمشترك الورود ، بل ضرره على الشارح رحمه‌الله أزيد. والجواب أنّ المقام فيه مقام إجمال ، والاحتياط واضح بحمد الله.

قوله : تمسكا بعموم قوله تعالى. ( ٢ : ٣٤ ).

شموله لما نحن فيه محل تأمّل ، لكونه من الأفراد التي لا ينساق الذهن إليها عند الإطلاق ، ولا عموم لغة ، مع أنّ شموله للنساء من الإجماع ولم يتحقّق في المقام ، فتأمّل.

قوله : مضافا إلى العمومات الدالة على ذلك. ( ٢ : ٣٥ ).

صحيحة معاوية بن عمار ونظائرها كالنص في عدم الوضوء لصلاة العصر والعشاء ، وصدرها ذكرها الشارح ، وفي ذيلها : « وإن كان الدم‌

__________________

(١) راجع ص ١٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من « ب » و « ج » و « د ».

٢٤

لا يثقب الكرسف توضأت ( ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء » (١) وبقرينة المقابلة يظهر أنّ الكثيرة لا تتوضأ ) (٢) لكل صلاة وأمّا الوضوء مع الغسل فقد مرّ الكلام والتحقيق فيه (٣).

قوله : والثاني : لا ، للأصل. ( ٢ : ٣٦ ).

والأقوى هو الأوّل ، لأنّ هذا الدم حدث عندهم ، ولأنّ الظاهر من الأخبار أيضا ذلك ، فيظهر من هذا تعقيب الصلاة له ، وإن لم يذكر صريحا في الأخبار ، كما لم يذكر بالنسبة إلى الغسل أيضا ، لأنّه يفهم من الأخبار كذلك.

قوله : والأظهر جواز دخولها المساجد. ( ٢ : ٣٧ ).

لعل نظر من منع دخولها إلى بعض الروايات ، مثل صحيحة معاوية ابن عمار السابقة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وفي السند ضعف وفي المتن احتمال. ( ٢ : ٣٨ ).

قد ذكرنا في مسألة بيان أقسام الاستحاضة رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٤) ، وهي كالصحيحة ، بل صحيحة ، في آخرها : « وكل شي‌ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها » ، ولا يتمشى فيها التوجيه الذي ذكره الشارح ، فيمكن الحمل على الاستحباب أو تقييد الأدلة السابقة بها ، والأحوط الثاني ، ويؤيده الخبران المذكوران ، لأنّ ما ذكره الشارح رحمه‌الله لا يخلو عن مخالفة ما للظاهر.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٨ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٦ / ٢٧٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) راجع ج ١ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٤) راجع ص ١٣.

٢٥

وروى الشيخ والكليني ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : قال : « المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ، فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرّة ، والوضوء لكل صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل » (١).

بل نقول : في دلالة الآية والصحيحتين تأمّل ، أمّا الآية فلأنّ الظاهر منها رفع الحظر الذي كان من جهة الحيض ، والغالب عدم حظر آخر ، وأمّا الرواية فلأنّ المعصومين عليهما‌السلام أمرا فيهما بأن تعمل المستحاضة عمل الاستحاضة من الأغسال الثلاثة ، ثم بعد ذلك ذكرا ما ذكره الشارح رحمه‌الله من قوله : ويأتيها زوجها إن شاء. فتأمّل. وبالجملة : الدلالة في غاية الضعف بالقياس إلى دلالة ما ذكرناه ، فتأمّل.

ومرّت عبارة الفقه الرضوي (٢) فإنّها صريحة في أنّ شرط الحلية العمل بالأغسال ، ويظهر منها عدم الاشتراط بالوضوء في القليلة.

( وروى الكليني بسنده إلى أبي عبيدة وفيه سهل ، سأل (٣) عن الصادق عليه‌السلام عن الحائض ترى الطهر في السفر ، وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها ـ إلى أن قال ـ : فيأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال : « نعم ، إذا غسلت فرجها وتيممت فلا بأس » (٤) (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٩ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٥ ، الوسائل ٢ : ٣٧٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦.

(٢) راجع ص ١٢.

(٣) أثبتناه من « و».

(٤) الكافي ٣ : ٨٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٠ / ١٢٥٠ ، الوسائل ٢ : ٣١٢ أبواب الحيض ب ٢١ ح ١.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ا ».

٢٦

قوله (١) : والأصل فيه. ( ٢ : ٣٨ ).

الكلام فيه ما ذكرناه في صدر الكتاب (٢).

قوله : مدفوع بعموم الإذن. ( ٢ : ٤٢ ).

في العموم نظر ، لأنّ فرض العلم بالانقطاع فرض نادر.

قوله : قال المصنف في المعتبر. ( ٢ : ٤٣ ).

لكن ظاهره عدم كون الدم الخارج مع الولد ـ أي مع ظهور شي‌ء منه ـ نفاسا ، فتأمّل.

قوله : وقال في الذكرى :. ( ٢ : ٤٣ ).

ولعلّ نظرهم في ذلك وفي ما سبق إلى ما يظهر من الأخبار ـ مضافا إلى الاعتبار ـ : أنّ دم الحيض يحبس لتكوّن الولد ولغذائه ، وربما يزيد فيهراق ، فإذا علم أنّه مبدأ نشوء الآدمي علم أنّ هذا الدم هو المحبوس لتكوّن الولد وغذائه وخرج ، فعلم شرعا وعرفا أنّه النفاس ، وظهر أنّه لا دم سوى الحيض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو العذرة ، أو القروح. لكن لا يخلو بعد من تأمّل في كونه مسمّى بالنفاس عرفا وشرعا بحيث ينصرف الإطلاق إلى مثله أيضا ، فتأمّل. وسيجي‌ء عن الشارح أنّ النفاس حيض في المعنى ، ولذا قال : أقصاه عشرة للمبتدئة (٣).

قوله : ولما رواه علي بن يقطين. ( ٢ : ٤٤ ). في الاستدلال بها تأمّل.

قوله : وفي اشتراط تخلّل أقل الطهر بينه وبين النفاس قولان ،

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) راجع ج ١ : ٣٢.

(٣) المدارك ٢ : ٤٨.

٢٧

أظهرهما العدم. ( ٢ : ٤٤ ).

الأخبار كادت تبلغ حدّ التواتر في أنّ النفساء بعد نفاسها تصير مستحاضة تعمل عملها وتصلي (١) ، من دون تفصيل أصلا ، نعم في بعض الأخبار أنّ الدم إن كان أصفر تعمل عمل الاستحاضة (٢) ، لكن ليس عملهم عليه.

وفي الموثق كالصحيح عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في امرأة نفست وتركت الصلاة ثلاثين يوما ، ثم تطهرت ، ثم رأت الدم بعد ذلك ، قال : « تدع الصلاة لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام نفاسها » (٣).

ويؤيّده ما سيجي‌ء من اشتراك النفاس مع الحيض في جميع الأحكام إلاّ ثلاثة ، ولعل ( مراد العلاّمة ) (٤) خصوص الحيض المتقدم على النفاس مع النفاس ، لا المتأخر أيضا ، (٥) تأمّل فيه.

قوله : وأكثر النفاس عشرة. ( ٢ : ٤٥ ).

في الفقه الرضوي : « والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيّام حيضها ، وهي عشرة أيّام ، وتستظهر بثلاثة أيّام ثم تغتسل ، وقد روي ثمانية عشر يوما ، وروي ثلاثة وعشرين ، وبأيّ هذه الأحاديث أخذ جاز » (٦) انتهى.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب النفاس ب ٣.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٣٨٧ أبواب النفاس ب ٣ ح ١٦ ، وب ٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٠ / ١ ، التهذيب ١ : ٤٠٢ / ١٢٦٠ ، الوسائل ٢ : ٣٩٣ أبواب النفاس ب ٥ ح ١.

(٤) في « ا » : مراده.

(٥) في « ج » و « د » زيادة : لا.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩١ ، المستدرك ٢ : ٤٧ أبواب النفاس ب ١ ح ١ ، وفيهما بتفاوت يسير.

٢٨

قوله : وذهب جماعة. ( ٢ : ٤٦ ).

لا يخفى أنّ الظاهر أنّ مذهب المفيد رحمه‌الله أيضا كذلك ، كما أنّ مذهب الشيخ كذلك ، لأنّهما قالا : أقصى مدّة النفاس عشرة أيّام ، يعني لا يزيد عن ذلك ، وأمّا أنّه أقل من ذلك يصير أم لا فهو كلام آخر ، ولا شك أنّ المبتدئة على هذا يكون نفاسها عشرة ، وأمّا ذات العادة فهي أيضا كذلك ، لأنّ عادتها أمّا العشرة وإمّا دونها ، وعلى التقديرين يكون الأقصى عشرة ، أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنّ أقصى ما يمكن كونه حيضا عشرة أيضا البتة ، مع أنّ الاستظهار إلى العشرة ، والاستظهار لا يكون إلاّ مع احتمال العشرة للنفاس ، مع أنّه يظهر من الأخبار أنّه مثل الحيض في الأحوال ، سيّما في ما نحن فيه.

وممّا يشير إلى أنّ مراد المفيد والشيخ رحمهما الله ما ذكر : أنّ المفيد صرّح بأنّ الأخبار المعتمدة دعته إلى ما ذكر ، ولا يخفى أنّها ليست إلاّ هذه الأخبار الواردة في الكتب الأربعة ، والشيخ أيضا استدل بهذه الأخبار للمفيد ، والتأليف كان في حياة المفيد ، حيث كان يقول : أيّده الله ، ولم يتعرض لغاية له أصلا. وبالجملة ما ذكرنا واضح على الملاحظ.

قوله (١) : بأنّها لا تصلح لمعارضة الاخبار. ( ٢ : ٤٨ ).

في نسخة أخرى : والجمع بين هذه الأخبار يتحقق بوجوه :

أحدها : حمل أخبار الثمانية عشر على غير المعتادة ، وإبقاء الأخبار المتضمّنة للرجوع إلى العادة على ظاهرها.

وثانيها : الحمل على التخيير بين الأعداد.

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

٢٩

وثالثها : حمل أخبار الثمانية عشر على ما إذا بقي الدم بصفة دم النفاس إلى تلك الغاية ، وأخبار الرجوع إلى العادة على ما إذا تغير عن تلك الصفة.

والأوّل متّجه إلاّ أنّه مستلزم لحمل الأخبار المتضمّنة للثمانية عشر مطلقا على الفرد النادر ، وهو مشكل.

والثاني ليس ببعيد من الصواب ، ولا ينافيه استلزام التخيير بين فعل الصلاة وتركها وثبوت مثله من أيّام الاستظهار ، على ما سبق تحقيقه ، وقد ورد حينئذ. إلى آخر ما قال فيها ، فتأمّل فيها.

قوله (١) : وإنّما يحصل التردد في المبتدئة خاصّة. ( ٢ : ٤٨ ).

لا يخفى وضوح دلالتها في الشمول للمبتدئة أيضا : لأنّ مضامينها أنّ النفساء تكفّ عن الصلاة مقدار ما كانت تكفّ عنها في حيضها ، والمبتدئة كانت تكفّ قدرا معينا لا أزيد ولا أنقص ، حسب ما مرّ في الحيض.

قوله : ومن أنّ مقتضى رجوع المعتادة إلى العادة. ( ٢ : ٤٨ ).

هذا أقوى ، لأنّ الروايات محمولة على التقية البتة ، لأنّ أحدا من العامة لم يذهب إلى الرجوع إلى عادة الحيض ، كما صرّح به الشيخ (٢) ، وذهبوا إلى الثمانية عشر ، ولأنّ حمل تلك الأخبار على خصوص المبتدئة فاسد قطعا ، لاستلزام حملها على خصوص الأفراد النادرة ، وهو غير جائز قطعا ، مع كثرتها وغاية شهرتها ، وظاهر ما رواه الشيخ عن ابن سنان بقوله : روينا. (٣) أنّ المبتدئة أيضا عددها عدد الحيض ، مع أنّ عبارة الفقه‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٢) التهذيب ١ : ١٧٨.

(٣) المدارك ٢ : ٤٧.

٣٠

الرضوي تدل على ذلك (١).

قوله : ويحرم على النفساء ما يحرم على الحائض ( ٢ : ٥٠ ).

ربما يدل على اتحاد حكمهما بعض الروايات ، مثل ما رواه الشيخ في كتاب الحج في الصحيح عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تسعى بين الصفا والمروة؟ فقال : « إي لعمري ، لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس فاستثفرت وطافت بين الصفا والمروة » (٢). ووجه الدلالة أنّ أسماء كانت نفساء ، فلو لم يكن حكمهما واحدا لما صحّ الاستناد إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء ، وهو ظاهر.

قوله : لاستحضاره عقله. ( ٢ : ٥٢ ).

حال الاحتضار ليس بمستحضر لعقله ، بل هو قبله ، فلا يناسب كونه مبدأ الاشتقاق ، فتأمّل.

قوله : ويمكن المناقشة. ( ٢ : ٥٣ ).

هذه المناقشة ليست في مكانها ، سيّما بالنسبة إلى سليمان ، لمسلّميّة كونه ثقة عندهم ، حتى الشارح رحمه‌الله ، ولم يتأمّل فيه أصلا.

قوله : أنّ التسجية تجاه القبلة. ( ٢ : ٥٣ ).

التسجية غير التوجيه ، وظاهرها أنّ التسجية متأخّرة عنه مترتّبة عليه ، والفقهاء وجميع المسلمين في الأعصار والأمصار بناؤهم في الفتوى والعمل على الفعل قبل حال الاحتضار ، لا بعد الموت ، ولم يفت أحد به ولا عمل ،

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩١ ، المستدرك ٢ : ٤٧ أبواب النفاس ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٩٦ / ١٣٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٦ / ١١١٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٦٠ أبواب الطواف ب ٨٩ ح ٣.

٣١

فهو قرينة على إرادة كونه في شرف الموت ، ويقربه قوله : « إذا غسل. » ، لأنّ السياق واحد ، وليس المراد بعد تحقّق الغسل قطعا ، وتؤيّده أيضا مرسلة الصدوق في الفقيه ـ مع حكمه بصحة جميع ما فيه ، وكونه حجة بينه وبين الله تعالى ـ عن عليّ عليه‌السلام : « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من ولد عبد المطلب ، وهو في السوق وقد وجّه لغير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض » (١). ويؤيّده أيضا أنّه استرحام واستجلاب للرحمة ، فوقته حال الاحتضار البتّة ، وإن كان بعده أيضا وقت ، لما ستعرف.

قوله : والثاني لإطلاق رواية. ( ٢ : ٥٤ ).

مضافا إلى الاستصحاب.

قوله : ولم أقف على ما ذكره. ( ٢ : ٥٤ ).

في المرسلة التي ذكرناها ربما كان إشعار بذلك.

قوله : وربما قيل بسقوطه. ( ٢ : ٥٥ ).

لكن الطريقة المستمرة في الأعصار والأمصار الاكتفاء بالظن ، وبناء أمور المسلمين وأفعالهم على الصحّة. ( خصوصا على ) (٢) الظن بقيامهم ( سيّما إذا كان قويّا ) (٣) وما كانوا يقتصرون على اليقين ، وبشهادة العدلين.

مع أنّ كون الثاني حجّة في المقام لا دليل عليه عند الشارح وموافقيه ، بل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٢ ، علل الشرائع : ٢٩٧ ، الباب ٢٣٤ ، الوسائل ٢ : ٤٥٣ أبواب الاحتضار ب ٣٥ ح ٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في « أ » و « و» : مضافا إلى.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

٣٢

ربما كان مشكلا واقعا.

قوله : وإنّما يستحبّ ذلك إذا تعسّر عليه الموت. ( ٢ : ٥٦ ).

لم يشترط الأصحاب التعسر ، ولعل وجهه أنّه يظهر من الأخبار ـ مضافا إلى الاعتبار ـ أنّ نفس الكون في المصلّى سبب لجلب الرحمة ، ولهذا ينفعه في شدّة النزع ، لا أنّه لا يصير سببا لجلب الرحمة إلاّ في صورة شدّة النزع ، فإذا خيف وقوع الاشتداد لا يحمل إليه ولا ينفع حتى يتحقّق الاشتداد ويذوق مرارته ، فتأمّل.

قوله : يندرج فيه المدّعى. ( ٢ : ٥٧ ).

بعيد ، فتأمّل ، لأنّ موته عليه‌السلام إن كان ليلا يقتضي أن يكون خاليا عن السراج إلى أن وقع الموت ، إذ ظاهر أنّ بعد القبض أمر بالسراج ، ولا شكّ في أنّه ما كان كذلك ، مع أنّ التعبير بالبيت الذي كان يسكنه فيه ما فيه ، فتأمّل.

قوله : وقد ذكر من علاماته. ( ٢ : ٥٨ ).

في الاكتفاء بأمثالها إشكال ، لأنّها مظنّة للموت ، فالأصوب الصبر إلى أن يتيقّن الموت.

قوله : إنّما تتناول من يمكن وقوع الغسل منه. ( ٢ : ٦٠ ).

يظهر من اتفاق الأصحاب وبعض الأخبار ـ مثل كون الزوج أحق ، مع أنّ الأولى اجتنابه ـ أنّ المراد ليس المباشرة بنفسه ، بل يجوز التوكيل وكون آخر نائبا عنه ، وفعل النائب فعل المنوب عنه شرعا ، فتأمّل.

قوله : وإلاّ أمكن المناقشة فيها. ( ٢ : ٦١ ).

هذه المناقشة غير واردة على الشيخ وغيره من القدماء ، كما لا يخفى على المطلع بطريقتهم ، وأمّا المتأخرون فمن قال بحجّية الموثق فكذلك ،

٣٣

لكونه حجّة ومفتى به عند الفقهاء بخلاف الصحيحة ، وأمّا من لم يقل بها فاشتهار الفتوى والعمل جابر ، وعدم الفتوى والعمل بالصحيحة مضعف لها ، سيّما إذا وافقت مذهب العامة ، فمثل هذه الصحيحة لا يقاوم ما ذكر ، سيّما إذا انضمّ بها ما ذكر ، فكم من ضعيف معمول به قدّمه المتقدمون والمتأخرون على الصحيح غير المعمول به في الأحكام الفقيه ، فضلا عن أن يكون من الموثقات والصحيح موافقا للعامة ، ومسلّم ذلك عندهم بلا تأمّل ولا تزلزل من أحد منهم ، وقد أثبتنا حقيّته في الرجال ( وغيره ، مع وضوحها ) (١) والشاذّ ليس بحجة نصّا وإجماعا ، فكيف يصير معارضا للحجة وراجحا عليها؟!

قوله (٢) : وهو إنّما يتمّ مع التكافؤ في السند. ( ٢ : ٦١ ).

فيه ما قد عرفت.

قوله : ويدلّ على أنّ الأفضل كونه من وراء الثياب. ( ٢ : ٦٢ ).

ربما يظهر منها عدم الأفضلية إذا كان الميت رجلا ، فلا يمكن التمسك بعدم القول بالفصل ، لأنّه يصير منشأ للوهن فيها ، إلاّ أن يحمل على تفاوت مراتب الاستحباب ، ويؤيّده ما قال : إنّ الأفضل في مطلق التغسيل ذلك.

قوله : لأنّ الغسل مفتقر إلى النيّة. ( ٢ : ٦٤ ).

لأنّه لا يعتقد شرعية هذا الغسل وكونه مقرّبا إلى الله تعالى ، أو كونه امتثالا لأمره ، والرواية تدلّ على طهارة النصارى ، كسائر الروايات الدالة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) هذه الحاشية أثبتناها من « و».

٣٤

عليها ، ولمّا ثبت كون النجاسة مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وطريقة الشيعة ، كما سيجي‌ء (١) ، وأنّ الطهارة شعار العامّة تعيّن حمل هذه الرواية على التقيّة ، كحمل نظائرها. وأمّا توقف الغسل على النيّة فقد مضى الكلام فيه (٢).

وعلى تقدير تسليم العمل بالرواية فموردها أهل الذمّة ، لا أيّ كافر يكون ، كما هو ظاهر عبارة المصنف ، إلاّ أن يتمسك بعدم القول بالفصل ، أو عدم تعقل فرق عند من يقول بنجاسة الكل ، وأنّ بناء المحقق ومن وافقه على أنّ الحكم في صورة لا يباشر الكافر الماء ، وأمّا النيّة فالحال في الكل واحد ، بأنّ الكافر من قبيل الآلة ، فينوي الآمر ، أو أنّه لا يشترط في هذا الغسل النيّة ، كما نقل عن السيّد (٣) ، فتأمّل.

قوله : لاعتضادهما بالأصل. ( ٢ : ٦٨ ).

لم نجد لهذا الأصل أصلا ، لأنّ العبادة لا تصير مشروعة ولا صحيحة بمجرّد الأصل.

قوله : بأنّ المخالف لأهل الحق كافر. ( ٢ : ٦٩ ).

مراده أنّ أصول الدين خمسة ، وهم أنكروا الإمامة ، وبعضهم أنكر العدل أيضا ، والمخالف في أصول الدين ـ وإن كان في اصطلاحنا ـ كافر بالكفر المقابل للإيمان لا الإسلام ، والكافر لا حرمة له إلاّ ما خرج بالدليل (٤) ، وحرمة غسل الكافر إجماعي فكذا المخالف.

__________________

(١) في ص ١٩٩.

(٢) المدارك ١ : ٢٨٩.

(٣) انظر المدارك ٢ : ٨١.

(٤) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : فهؤلاء لا حرمة لهم إلاّ ما خرج بالدليل.

٣٥

والحاصل : أنّه لا يجب علينا تكريم بالنسبة إلى مخالف الحق إلاّ ما خرج بالدليل ، ولم يخرج التغسيل ، لأنّ الأدلة الدالة على وجوبه لا يظهر منها عموم بحيث يشمل المخالف.

واستشكال الشارح رحمه‌الله من إطلاقات الأخبار الدالة على تغسيل الميّت ، وأنّ الإطلاق ربما كان منصرفا إلى المؤمنين ، كما ورد في بعض الأخبار : « من غسل مؤمنا. » (١) وأنّه في أكثر الأخبار قرائن على إرادة المؤمن.

والأظهر عدم الوجوب ، لعدم الثبوت ، ويؤيّده ( ما يظهر من ) (٢) بعض الأخبار أنّ التغسيل وأمثاله لحرمة الميت (٣) ، وأنّه إذا لم تكن له حرمة فلا يجب ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فقد يجب الجهاد وإن لم يكن الإمام عليه‌السلام موجودا. ( ٢ : ٧١ ).

المشهور بل كاد أن يكون إجماعا أنّ الجهاد ( يشترط في وجوبه الإمام أو من نصبه ، لروايات رووها وإن لم تبلغ درجة الصحة ، لانجبارها بالشهرة ، سيما مثل تلك الشهرة كادت أن تكون شعار الشيعة ) (٤) إلاّ أنّ الوارد في الروايات هنا المقتول في سبيل الله ، أو بين الصفّين ، وغير ذلك ، ممّا يشبههما ، إلاّ أن يقال : هذه الإطلاقات تنصرف إلى الجهاد ، لأنّه‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٤٩٤ أبواب غسل الميت ب ٧.

(٢) بدل ما بين القوسين في « أ » و « و» : ما في.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٤٧٧ أبواب غسل الميت ب ١.

(٤) بدل ما بين القوسين في « أ » و « و» : مشروط بوجود الإمام عليه‌السلام أو من نصبه لروايات كثيرة ، وإن لم تبلغ درجة الصحة ، إذ الانجبار بعملهم يكفي ، بل كاد أن يكون شعار الشيعة.

٣٦

الفرد الكامل ، إذ ليس هنا عموم لغوي ، فتأمّل.

قوله : وإنّه لا يعلم فيه للأصحاب خلافا. ( ٢ : ٧٢ ).

هذا يكفي جبرا لضعف السند ، فتأمّل.

قوله : وهو مناف لما صرّح به. ( ٢ : ٧٤ ).

لا يخفى أنّ الشارح رحمه‌الله مداره على التمسك بالإجماع ، ومع ذلك كثيرا مّا يطعن بنحو لا يمكن معه التمسك به ، ولا شبهة في أنّه لا بدّ من توجيه كلامه في مقام الطعن ، فما وجه كلامه يمكن أن يكون مراد الشهيد ، وإذا كان التوجيه لا يتمشّى للبعد أو غاية البعد فكلام الشارح أولى بهذا ثم أولى ، فتأمّل.

مع أنّ طعن الشهيد رحمه‌الله يكون في بعض الإجماعات المنقولة بخبر الواحد ، لعروض شبهة وريبة في كونه إجماعا ، وأمّا كلام الشارح فمقتضاه عدم إمكان العلم بالإجماع في أمثال زمان الشيخ ومن تقدم عليه إلى زمان الكليني والصدوق ـ رحمهم‌الله ـ مطلقا.

قوله : وفيه ما فيه. ( ٢ : ٧٦ ).

لا مناقشة فيه أصلا ورأسا.

قوله : أنّ الحكم في الرواية الثانية وقع معلّقا على استواء الخلقة. ( ٢ : ٧٦ ).

لكن في الرواية الأولى وقع معلّقا على كمال أربعة أشهر ، فيظهر أنّه استواء الخلقة ، وأخبارهم يفسّر بعضها بعضا ، ويدل عليه أيضا ما قد ورد في الأخبار من أنّ الرجل له أن يدعو أن يجعل الله ما في بطن الحبلى ذكرا‌

٣٧

سويّا ما بينها وبين أربعة أشهر (١) ، والظاهر أنّ الأطبّاء أيضا يقولون : إنّه بكمال أربعة أشهر يتم خلقته. وفي بعض الأخبار أنّه يتردد النطفة في الرحم أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ، ثم مضغة أربعين ، ثم بعد ذلك يبعث الله ملكين خلاّقين ينفخان فيه الروح والحياة ويشقّان له السمع والبصر وجميع الجوارح (٢) ، الحديث.

قوله : إلى قول أهل الخبرة. ( ٢ : ٧٦ ).

لا يخفى أنّ مراد المصنف أنّه لا يكون له أربعة أشهر كملا ، وعبّر عنه بوقت عدم ولوج الروح تنبيها على أنّ الولوج يتحقّق بكمال أربعة أشهر لا أقلّ منه ، وقد أشرنا إلى الأخبار الدالة على ذلك ، وأنّ الحق ما قاله المصنّف ، لدلالة الأخبار المنجبرة بعمل الأصحاب ، التي لا شبهة في حجّيتها ، كما حقق في محله. وأيضا نبّه على أنّ الغسل للميت ولأجل الموت ، ولا يتحقق إلاّ بعد ولوج الروح ، فلا حاجة إلى الرجوع إلى أهل الخبرة ، ولا تأمّل في الدليل ، ولا غبار عليه.

قوله : بل الظاهر أنّه يدفن مجرّدا. ( ٢ : ٧٧ ).

لا يخفى أنّ استدلاله إنّما هو لأجل عدم وجوب الغسل خاصة.

قوله : وقد يناقش في هذا الحكم بأنّ اللازم منه. ( ٢ : ٧٨ ).

ويمكن أن يقال : ليس المراد تحصيل الطهارة الشرعية ، بل إزالة النجاسة الخارجية الأجنبية ، لئلاّ ينجس ماء الغسل بملاقاته ، كما ذكره في المعتبر ، بل لعل الظاهر هو هذا.

قوله : ومقتضاه أنّه لا يجب تقديم الإزالة. ( ٢ : ٧٩ ).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٤٠ أبواب الدعاء ب ٦٤.

(٢) انظر الكافي ٦ : ١٣ / ٤ ، البحار ٥٧ : ٣٤٤ / ٣١.

٣٨

لا يخفى أنّ الإشكال المنفي بقوله : هذا الإشكال منتف ، ليس إلاّ أنّ اللازم منه طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة ، لا أنّه لم يقدّم الإزالة على الشروع في الغسل ، إذا لا إشكال فيه بعد ورود النص ، ولم يستشكل أحد لا في المقام ولا في غسل الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة ، إذ غسل الفرج في الكل مقدم على الشروع بحسب الرواية ، بل والفقهاء في كتبهم نقلوا وأمروا كذلك.

مع أنّ ما ذكره من قوله : أو يقال. وجعله أولى ، مقتضاه أنّه لا يجب تقديم الإزالة على الشروع ، بل يكفي طهارة كلّ جزء قبل غسله.

قوله : وتغسل رأسه. ( ٢ : ٧٩ ).

الأمر إنّما ورد بغسل الرأس ثلاث مرّات ، ولم يقولوا بوجوبه ، وأيضا قوله عليه‌السلام : « بماء وكافور وشي‌ء من حنوط » فيه شي‌ء. والرواية الثانية أيضا ضعيفة الدلالة ، والعمدة فهم الفقهاء ، وورد ذلك في كثير من الأخبار.

قوله : والأخبار في ذلك كثيرة جدّا. ( ٢ : ٨٠ ).

لا يخفى أنّ الإثبات على طريقة الشارح رحمه‌الله ممّا لا يمكن أصلا (١) ، وقد نبّهنا في الحاشية السابقة إلى عدم إمكانه.

نعم يمكن الاستدلال بصحيحة سليمان بن خالد أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن غسل الميت كيف يغسل؟ قال : « بماء وسدر ، واغسل جسده كله ، واغسله أخرى بماء وكافور ، ثم اغسله أخرى بماء » قلت : ثلاث مرّات؟ قال : « نعم » قلت : فما يكون عليه حين يغسله؟ قال : « إن استطعت أن يكون عليه قميص فتغسل من تحته » (٢).

__________________

(١) في « أ » و « و» : أيضا.

(٢) التهذيب ١ : ٤٤٦ / ١٤٤٣ ، الوسائل ٢ : ٤٨٣ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٦.

٣٩

وبأخبار أخر غير صحيحة ، مثل ما رواه الكليني وغيره عن سهل ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « يغسل الميت ثلاث غسلات : مرّة بالسدر ومرّة بالكافور ، ومرّة أخرى بالماء القراح ، ثم يكفّن » (١) ، الحديث ، وما ماثل هذه الرواية.

والضعف منجبر بالشهرة ، وأنّ الأخبار الكثيرة متوافقة في ذكر الكل على السواء ، وأنّ كثيرا منها يذكر الثلاثة في مقام البيان ، وبعضها يذكر فيه وجوب الغسل على الإطلاق ، والغسل عبادة توقيفيّة ، فإذا قالوا : يجب غسل الميت ، وأمثال هذه العبارة ، فلا بدّ من بيان هذه العبادة.

قوله : « يغسل غسلا واحدا ». ( ٢ : ٨٠ ).

الدلالة لا تخلو عن الظهور ، إذ لو لا المعارض لم يفهم إلاّ وحدة الغسل ويؤيّدها قوله عليه‌السلام بعد ذلك : « ثم اغتسل أنت » (٢) والسند كالصحيح ، وفي حسنة أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام في الجنب إذا مات : « ليس عليه إلاّ غسلة واحدة » (٣).

قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٢ : ٨١ ).

ليست بضعيفة ، بل الظاهر أنّها حسنة ، ويؤيّدها أخبار كثيرة منقولة في علّة غسل الميت.

قوله : وتردّد فيه في المعتبر ، وهو في محله. ( ٢ : ٨١ ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤٠ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦ ، الوسائل ٢ : ٤٨١ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٣٣ / ١٣٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٩٥ / ٦٨٥ ، الوسائل ٢ : ٥٤٠ أبواب غسل الميت ب ٣١ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٣٢ / ١٣٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٤ / ٦٨١ ، الوسائل ٢ : ٥٤٠ أبواب غسل الميت ب ٣١ ح ٤.

٤٠