الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

ذهنه إلى ما ذكرت ، اللهم إلاّ بعد أن يسمع ذلك الاحتمال منكم ، وأيضا هذا مخالف لظاهر صحيحة ابن بزيع ، كما لا يخفى ، فتأمّل.

وثالثا (١) : الكلام في الإشعار ، وفي ادعائه تأمّل ظاهر ، لمكان الاختلالات في آخر الخبر وتعدّد الاحتمالات ، سيّما وبعضها ظاهر في طهارة المحلّ ، مثل أن يكون قوله عليه‌السلام : « وإن كان غير الشمس » بالغين المعجمة والراء ، كما وجدناه في أكثر نسخ التهذيب ، موافقا للاستبصار ، ويكون كلمة « إن » وصيلة في الموضعين ، ولا يخفى رجحانه على الشرطية بعد إمعان النظر.

أو يكون شرطية ويكون قوله عليه‌السلام : « وإن كانت رجلك. » مرتبطا باليبس بغير الشمس بعد إصابة الشمس ، بأنّ يكون المراد من قوله : « وإن أصابته الشمس » ذلك لا اليبس بالشمس ، فيكون عليه‌السلام حكم بالطهارة به ، وبجواز الصلاة مع بقاء المحلّ على النجاسة بالأوّل ، وعدم الجواز مطلقا مع عدم إصابتها مطلقا والجفاف بغيرها.

وهذا الاحتمال أظهر بحسب العبارة ، لخلوّها عن التكرار والتأكيد الذي هو خلاف الأصل. وعدم ظهور القائل به غير مضرّ بعد القول بالتوقّف في اشتراط طهارة محل السجود ، من جهة عدم ثبوتها من الخبر ، إذ لو سلّمنا عدم ثبوت الإجماع لكن لا شك في عدم ظهور قائل بعدم الاشتراط ، فتدبّر.

وعلى تقدير أن يكون « عين الشمس » بالعين المهملة والنون ، يحتمل أن يكون قوله بعد ذلك : « حتى ييبس » متعلقا بقوله : « فلا تصلّ » ويكون المراد اليبس بالشمس على قياس ما مرّ ، وما يقتضيه سياق العبارة. ومقرّب‌

__________________

(١) في النسخ زيادة : في.

٢٦١

هذا الاحتمال أنّ الشيخ في باب الزيادات ذكر هذه الرواية خالية عن عبارة : « وإن كان عين الشمس أصابته » (١) ولا شك أنّه حينئذ يكون « حتى ييبس » متعلقا بقوله : « فلا تصلّ » ، والجمع مهما أمكن لازم ، وهذا أيضا من مرجّحات كون كلمة « إن » وصلية مطلقا ، ويقرّبه أنّ الوصل مزية في الكلام لا حاجة إلى ذكرها في إفادة أصل المطلوب ، فتدبّر.

فهذه (٢) احتمالات ثلاثة ظاهرة في طهارة المحلّ متأيّدة بالمؤيّدات والمقرّبات.

وممّا يؤيّد أيضا خلوّ الخبر عن مخالفة ظاهر آخره لظاهر أوّله ، وغير ذلك ، على ما أشرنا إليه سابقا. على أنّه عليه‌السلام في مقام جواب السؤال صرّح بالمنع في النجس الرطب ، وكذا مع رطوبة ملاقيه وفصّل وطوّل ، فكيف يكتفي في ما هو الأصل في الجواب والعمدة في البيان بمجرّد الإشعار؟! سيّما مع غرابة نفس الحكم ومخالفتها لكل من أحكام الطهارة والنجاسة والمعهود بين المسلمين والمتعارف بينهم فيهما ، على حسب ما أشرنا إليه ، فتأمّل.

على أنّ متن الرواية إنّما هو من عمّار كسائر متون رواياته ، فإشعاره لا اعتداد به كما لا يخفى على الممارس ، فتأمّل.

وممّا لا يلائم الاحتمال الذي فيه الإشعار أنّه كان المناسب حينئذ ذكر الجبهة خاصّة في قوله عليه‌السلام : « وإن كانت رجلك. » وعدم ضمّ الرجل وغيره إليه ، بعد ما أطلق اشتراط جواز الصلاة في الموضع بكون التجفيف من الشمس ، وربط هذا القول به ، إذ يشعر حينئذ باشتراط طهارة سائر‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨.

(٢) من هنا إلى آخر الحاشية ليس في « ا ».

٢٦٢

المواضع أيضا ، فليتأمّل. ولو سلّمنا الإشعار فلعله من غرائب روايات عمّار ، وقد مرّ ما يشير إلى ( الوجه ) (١) فتأمّل.

وبالجملة : هذه الموثقة واضحة الدلالة على أمور :

الأوّل : كون جفاف غير الشمس لا يطهّر ولا ينفع.

الثاني : اشتراط طهارة المسجد حيث صرّح بأنّه لا يصلّى عليه إذا يبس لغير الشمس ، وشرط في الصلاة عليه كون اليبس بالشمس.

الثالث : أنّ جفاف الشمس ليس مثل جفاف غير الشمس قطعا ، لأنّ الراوي بعد ما سأل عن حال جفاف غير الشمس وسمع الجواب عن حكمه سأل عن الشمس هل تطهّر؟ فأجيب بجواب آخر قطعا (٢) ، وصرّح بأنّ حكمه ليس حكم جفاف غير الشمس ، فلو كان حكمهما واحدا لاجيب بأنّ حكمهما واحد ، وأنّه مثل الأوّل من دون حاجة إلى تغيير وتبديل وتفصيل في الآخر وتطويل ، ولكان جميع ما ذكره في جوابه لغوا بحتا ، وتطويلا بلا طائل مضرّا بالمقصود ، لأنّه صريح في خلافه.

الرابع : أنّ تجفيف الشمس مطهّر ، لما ذكر من القرائن الواضحة الكثيرة.

وممّا يؤيّد أيضا أنّه عليه‌السلام لم يقل : تجفيف الشمس مطهّر ، بل قال : « إذا كان الموضع قذرا من البول وغيره » ، أي ما يشبه البول في أنّه لا جرم له حتى يمكن تطهيره بالشمس ، وبالجملة : شرط في تطهيرها كون القذارة من مثل البول.

وممّا يؤيّد أيضا أنّه لم يقل في الجواب : إنّه مطهّر ، بل قال : « صلّ‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : المقصود.

(٢) ليس في « د ».

٢٦٣

عليه » حتى لا يتوهم من الطهارة معنى آخر ، كما أنّ في الصورة الأولى قال : « لا تصلّ عليه » ولم يقل : إنّه نجس. وبالجملة : نبّه على اتحاد المراد من الصلاة عليه وعدم الصلاة عليه ، وأنّ في الصورتين ليس المراد إلاّ أمرا واحدا ، وهو الطهارة الشرعية وعدمها ، بأنّه : كما أنّ المراد من عدم الصلاة هو إظهار النجاسة وبقاؤها ، فكذا في الصورة الثانية المراد عدم النجاسة وعدم بقائها ، ونبّه أيضا على أنّ مفهوم النجاسة الشرعية هو عدم جواز الصلاة مثلا ، كما أنّ مفهوم الطهارة الشرعية هو جواز الصلاة.

الخامس : قول الراوي في الصورة الاولى : لا تصيبه الشمس ، وفي الصورة الثانية : الشمس هل تطهّر؟ فيه شهادة واضحة على اشتهار (١) مطهّرية الأرض مثلا بالشمس وكونها مطهّرة لها ، كما يظهر ذلك من الأخبار الأخر أيضا. مضافا إلى ظهور ذلك من الخارج من فتاوى الشيعة وأهل السنّة ، وفيه أيضا شهادة واضحة على أنّ المراد من مطهّرية الشمس وحصول الطهارة بها هو المعنى المعروف المعهود بين المسلمين في هذه الموثقة وغيرها من الأخبار.

وبالجملة : الإشعار يتوقّف على ظهور كون النسخة بالعين المهملة أو كون « أن » شرطية والأوّل قد عرفت حاله ، وأمّا الثاني فبعيد أيضا ، لبعد كون ذلك إشارة إلى ما ذكر في صدر الحديث من جواز الصلاة في خصوص صورة اليبوسة ، مضافا إلى أنّه قد صرّح في الصدر بالمنع ، فيكون هذا تكرارا ، مع أنّه على هذا لا يناسب ذكر كلمة « إنّ » مع الضمير في الجواب ، لمرجوحية كون الضمير راجعا إلى الشأن المقدر ، لأصالة عدم التقدير.

__________________

(١) في « و» : اشتراط.

٢٦٤

وأيضا ظاهر قوله : « فإنّه » عدم كونه جواب الشرط ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فتأمّل.

قوله (١) : لا يقال : إطلاق الإذن في الصلاة. ( ٢ : ٣٦٥ ).

لقائل أن يقول : إطلاق الإذن وعدم اشتراط جفاف الثوب والبدن ممّا يلاقيه ظاهر في الطهارة ، فالإطلاق والعموم وإن كان يشمل ما إذا جفّت بغير الشمس ، لكن خرج ما خرج بالوفاق والدليل ، وبقي الباقي.

قوله (٢) : جواز السجود عليها. ( ٢ : ٣٦٥ ).

بل ظاهر كون الصلاة عليها السجود عليها أيضا.

قوله : فإنّا لم نقف له على مستند سوى الإجماع المنقول. ( ٢ : ٣٦٥ ).

نقله المصنف في المعتبر ، والعلاّمة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، وابن زهرة ، والشهيد في الذكرى (٣).

قوله : فيجوز أن يكون هذا الفرد من النجس ممّا يجوز السجود عليه. ( ٢ : ٣٦٥ ).

بعد تسليم الاشتراط لا يبقى لما ذكره وجه ، إذ لا دليل على استثناء هذا الفرد ، ( بل ظاهر الأدلة يصير هو الطهارة البتّة.

قوله (٤) : لهذه الأدلة. ( ٢ : ٣٦٥ ).

__________________

(١) هذه الحاشية لا توجد في « ب ».

(٢) هذه الحاشية لا توجد في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) المعتبر ١ : ٤٤٥ ، التذكرة ٢ : ٣٩٩ ، المنتهى ١ : ٢٥٣ ، المختلف ٢ : ١٣٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، الذكرى : ١٦٠.

(٤) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

٢٦٥

لم نجد دليلا على بقاء النجاسة ) (١) حتى يثبت خلاف الشرط.

قوله : قد روى عن أخيه عليه‌السلام جواز الصلاة على المحل. ( ٢ : ٣٦٥ ).

( لم يرو كذلك ، بل ورد الصلاة في البيت والدار ، والصلاة في البيت غير الصلاة على البارية ، كما هو ظاهر ) (٢).

قوله : وأمّا رواية أبي بكر فضعيفة السند جدّا. ( ٢ : ٣٦٥ ).

لا يخفى أنّ الضعف منجبر بشهرة العمل ( مع أنّ الراوي عنه أحمد بن محمد بن عيسى ، بقرينة علي بن الحكم ، وأحمد هو الذي أخرج البرقي عن قم بسبب روايته عن المجاهيل (٣) ) (٤).

والمراد هو غير المنقول بالنص والإجماع ، خرج ما خرج بهما وبقي الباقي ، بل يمكن أن يقال : إنّ المعهود عند الشيعة طهارة هذا القسم خاصّة ليس إلاّ ، لو كان واقعا طاهرا.

وبالجملة : المعهود المستأنس من الأخبار وكلام الفقهاء من الشيعة وأهل السنّة ، أنّ السؤال والجواب في مطهّرية الشمس ومثلها ، وكذا الحكم بها ، إنّما هي في غير المنقول ، وأمّا المنقول مثل الثوب والظرف فلا ، بل الأمر بالنسبة إليه التطهير بالماء خاصّة ( وكذا الحال في طهارة النعل والقدم بالمشي ، والكفر بالإسلام ، فتدبّر ) (٥) كما هو الوارد في النصوص ، بل نقول : عدم مدخلية الشمس في المنقول من ضروريات الدين فكان ظاهرا‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) بدل ما بين القوسين في « أ » و « و» : ليس كذلك ، بل الوارد فيها جواز الصلاة في المحلّ المذكور لا على المحل المذكور ، كما سنذكر الرواية. وتأتي الرواية في ص ٥٢٦.

(٣) انظر الخلاصة : ١٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٥) ما بين القوسين ليس في « ا ».

٢٦٦

عند الراوي ، ولم يحتج إلى التقييد والتخصيص ، كما هو ظاهر.

قوله : ومع ذلك فهي متروكة الظاهر. ( ٢ : ٣٦٥ ).

إن وقع إجماع أو دل دليل على متروكية الظاهر فكيف يقول : لا دليل عليه؟! ، وإلاّ فكيف يحكم بكونها متروكة الظاهر؟! وهذا تناقض ظاهر ، فتدبر.

قوله : وتخصيصها بغير المنقول لا دليل عليه. ( ٢ : ٣٦٥ ).

لا يبعد أن يقال : لم يعهد أن يقال للثوب : أشرقت عليه الشمس ، ولا للظرف كذلك ، بل المعهود المأنوس عند الإطلاق من دون قرينة ، أنّ ما أشرقت عليه الشمس شي‌ء من شأنه الموضوعية ، يقال : للجبل : أشرقت عليه الشمس ، وكذا للأرض وأمثالهما ، ولا يقال لمثل الخاتم ، والدرهم والدينار وأمثال ذلك ، فنمنع تبادر مثل الثوب والظرف أيضا ، فتأمّل.

قوله : وقد يناقش في الرواية من حيث المتن بجواز حمل الطاهر على المعنى اللغوي. ( ٢ : ٣٦٥ ).

لا يخفى أنّ النظافة اللغوية ( أمر تعرفها النساء ، فضلا عن الرجال ، فضلا عن مثل زرارة ، فضلا عن أن يسأل عن حصولها عن مثل الباقر عليه‌السلام من أهل الحكم الشرعي ، وخصوصا في هذا المقام ، إذ لا ربط للسؤال عن حصول النظافة اللغوية ) (١) بالنسبة إلى النجس بالنجاسة الشرعية ، ولا ربط لحكاية الصلاة وكونها في مكانها ، وكذا لا ربط لاشتراط التجفيف بالشمس ، ولا لكون الجزاء جواز الصلاة عليه ، ولا للتعليل بكونه نظيفا لغويا ، وبالجملة ما احتمله أمر عجيب.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « أ ».

٢٦٧

فإن قلت : لعل غرضه [ أنّ ] (١) الحمل على المجاز اللغوي وإن كان معنى شرعيا لكنه غير معلوم كونه المعنى المصطلح عليه.

قلت : المدار في جميع مواضع الفقه أنّه بعد وجود القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي يحمل على المصطلح عليه البتة ، ولعل وجهة أنّ الشارع استعمل فيه قطعا وكثر استعماله إلى أن وقع النزاع بين الفحول في صيرورته حقيقة شرعية وقال به الأعاظم ، بل ويظهر ذلك من تتبّع الأحاديث ، ولا شك في صيرورته حقيقة في قرب من الزمان بعد الشارع ، فعلى تقدير عدم الثبوت لم يكن هذا المعنى مثل سائر المعاني المجازية التي لم يظهر بعد استعمال الشارع ، فضلا عن كثرة الاستعمال ، بل وغير مأنوس ولا معهود عند العلماء ، بل ولا معروف أنّه ما ذا؟. ( على أنّ المحققين ) (٢) على أن زمان الباقر والصادق عليهما‌السلام حاله حال زمان المتشرّعة لا الشارع ، وإنّه ليس ذلك محلاّ للنزاع ( كيف؟ وهذا النزاع كان في زمانهما عليهما‌السلام أو من أهل ذلك العصر أو ما قاربه ، فكيف يتصور كونه محلا للنزاع؟ ) (٣) وبالجملة لتحقيق المرام مقام آخر ، فتدبر.

مع أنّ حمل سؤال زرارة على كونه من خصوص الكراهة واستحباب التجنب في غاية البعد ، بل يمكن القطع بفساده ، إذ ظاهر أنّ سؤاله عن حكاية النجاسة وجواز الصلاة وعدمه من جهتها ( والكليني رواها بسنده (٤).

وهذا نص في كون الطهارة بالمعنى المصطلح ، ويؤيّده أيضا اشتهار هذا‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٤) انظر الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٣.

٢٦٨

المعنى بين الشيعة وغيرهم.

وفي الصحيح ، عن علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام : عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة ، يصلى فيهما إذا جفّا؟ قال : « نعم » (١). وفيها شهادة واضحة على اشتهار كون الشمس من المطهرات عند الشيعة. مع أنّه يظهر منها أنّ علي بن جعفر الجليل كان يعتقد مطهّرية الشمس ، وأنّه لما لم تصبهما وقع إشكال عليه ، والمعصوم عليه‌السلام قرّره على اعتقاده.

ويظهر أنّ الصلاة في المكان لا يشترط فيه طهارة المكان إذا كان جافّا ، والصلاة في المكان غير الصلاة على الأرض مثلا ) (٢).

وفي الفقه الرضوي (٣) : « وما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسة مثل البول وغيره طهّرتها ، وأمّا الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل » (٤).

على أنّ المناقشة إنّما يكون إذا كان الاستدلال بخصوص لفظ الطهارة لا بمفهوم الشرط الذي هو حجّة. ومرّ عن الشارح الاعتراف بأنّ النجاسة إنّما تستفاد غالبا من أمر الشارع بالغسل (٥) ، وغير خفي أنّه ليس مراده خصوص الغسل ، بل هو وأمثاله ، لأنّ بعض النجاسات إنّما يستفاد من منع‌

__________________

(١) قرب الاسناد : ١٩٦ / ٧٤٣ ، الفقيه ١ : ١٥٨ / ٧٣٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٣) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : الفقه الرضوي منجبر بعمل القدماء ، سيّما في المقام فإنّه منجبر بعمل الأصحاب.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠٣ ، المستدرك ٢ : ٥٧٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٥) مدارك الأحكام ٢ : ٢٥٩.

٢٦٩

الصلاة ، فيظهر من المقايسة والمقابلة إرادة الطهارة التي هي بإزاء النجاسة وفي مقابلها ، سيّما مع ضمّ قوله : « فهو طاهر » وتفريعه.

ويمكن الاحتجاج بمثل هذه الرواية من جهة أخرى ، وهو الإذن في الصلاة عليها على الإطلاق ، والرخصة ، من دون شرط يبوسة الثوب والبدن وموضع ملاقاتهما ، سيّما وحكم بعده بالطهارة على الإطلاق ، وإن قلنا إنّها بالمعنى اللغوي ، لأنّ الحكم بالنظافة على الإطلاق ـ من غير تنبيه ببقاء كثافة وقذارة ولزوم تنزّه واحتراز عنها في حال من الأحوال ـ دليل على الطهارة الشرعية ، بل هو عينها ، إذ لا نعني بها إلاّ ذلك ، ففي الخبر وجوه متعدّدة من الدلالة يؤكّد بعضها بعضا ويعاضد ، فتدبّر.

قوله : هل تطهّره الشمس من غير ماء؟. ( ٢ : ٣٦٦ ).

فيه شهادة على أنّ الطهارة الاصطلاحية كانت معهودة في السؤال عنها من جهة إشراق الشمس ، وأنّها كانت محل إشكالهم ، ومشهورة ومعهودة بين المسلمين ، لا المعنى الغريب الأجنبي غير المعهود وغير المأنوس ، فتأمّل.

قوله (١) : وأجاب الشيخ عنها في التهذيب. ( ٢ : ٣٦٦ ).

حمل هذه الرواية على التقية ، لموافقتها جماعة من العامة (٢).

قوله : بأنّ المراد به إذا لم يجفّفه الشمس. ( ٢ : ٣٦٦ ).

يعني أنّ « يصيبه » فعل مضارع ، وهو يفيد الاستمرار التجدّدي ، فالمعنى : يصيبه إصابة بعد إصابة على الدوام والاستمرار ، فيكون من قبيل‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ج » و « د ».

(٢) كما في الوسائل ٣ : ٤٥٣ ، وانظر الأم للشافعي ١ : ٥٢ ، والمغني لابن قدامة ١ : ٧٧٥ ، والمجموع للنووي ٢ : ٥٩٦.

٢٧٠

الموضع الذي يتخذ مبالا ، وسيجي‌ء في رواية زرارة وحديد بن حكيم استثناء المتخذ للمبال (١) ، فلاحظ ، وغير خفي أنّه قلّما يتفق في مثل هذه الصورة الجفاف التام من الشمس بالنسبة إلى كل إصابة إصابة ، ومعلوم أنّ مثل هذا لا تطهّره الشمس ، كما هو مضمون رواية زرارة وحديد ، ومجمع عليه بين الأصحاب.

مع أنّ السائل سأل وقال : هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ ولم يقل هل تطهّره الشمس؟ وظاهر أنّ قوله : من غير ماء ، قيد لقوله : هل تطهّره الشمس ، والنفي والإثبات إنّما يرجعان إلى القيد ، كما هو المحقّق ، فالمعنى أنّه هل تطهّره جافّا من غير رطوبة ولا صبّ ماء أم يحتاج تطهيرها إلى التجفيف ونشف الرطوبة؟ فلا بدّ من صبّ الماء لو لم يكن رطوبة ، ويشير إلى ذلك أيضا تنكير لفظ الماء.

وحمل العبارة على أنّ المراد هل تطهره الشمس أم لا تطهره بل المطهّر هو الماء خاصّة ، بعيد وخروج عن مقتضى العبارة ، كما لا يخفى.

فظهر أنّ ما ذكره رحمه‌الله ليس حملا بل هو الظاهر المستفاد من مقتضى العبارة ، ولو سلّم عدم الظهور فلا نسلم المرجوحية ، ولو سلّمت فهو حمل في غاية القرب ، وأين هو من المحامل البعيدة المسلمة عند الشارح في مواضع لا تحصى؟ كما لا يخفى ، بل لا شك أنّه أقرب من حمل الطاهر على المعنى اللغوي ، كما ارتكبه في الحديث ، وبيّنا فساده بما لا مزيد.

ويمكن الحمل على أنّه إذا تراكم الأبوال أو النجاسات ـ على ما‌

__________________

(١) يأتي في ص ٢٧٣.

٢٧١

اقتضاه ظاهر « تصيبه » ـ لا يذهب عين النجاسة بالشمس ، فلا بدّ من إذهابها بالماء حتى يطهّره الشمس ، يعني ذهاب الأثر الذي هو النجاسة بالشمس.

أو يحمل على أنّه في هذه لا يطهر بالشمس بل يطهر بالماء ، أو يكون سؤاله عن طهارة نفس الأرض والسطح لا ظاهرهما ، ولهذا قيّد بالماء الذي هو المسري في الأعماق ، وأرجع الضمير إلى نفس السطح والأرض فقال : كيف يطهر المجموع من كل واحد منهما من غير ماء؟ أو يحمل على الاتّقاء ، لأنّ الراوي وزير الخليفة (١).

وأمّا حكاية الإضمار فلأنّ الظاهر أنّ المسؤول هو الإمام عليه‌السلام ، لكن الظاهر لا يعارض النص ، كما هو ظاهر ، وظاهر أنّ هذا الطعن منهم إنّما هو في مقام الترجيح لا مطلقا عند من يعمل بالظاهر مطلقا ، فتدبّر.

فظهر المرجوحية في هذا الخبر ـ على تقدير تسليم التعارض ـ من وجوه كثيرة : من السند ، والدلالة ، ومخالفة الإجماع أو الشهرة إن لم نقل بتحقّق الإجماع ، وكذا حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد ، والأوفقية بمذهب العامة أو التقية ، فتأمّل ، والشذوذ والندرة بحسب العدد أيضا ، من حيث إنّه معارضه مستفيض ، والأبعدية عن الملّة السمحة السهلة ، بل واقتضاؤه الحرج ، كما هو غير خفي ، والمخالفة لما هو الظاهر من العادة المستمرة في الأعصار والأمصار من عدم غسلهم الحبوب والخضروات والثمرات والبقولات ، وإن عرض لها النجاسة سابقا ، بل منها ما يربّى بالعذرة والنجاسات في جميع الأمصار ، ومنها ما يربّى في أكثر الأمصار ، ومنها ما يربّى في مصر دون مصر ، وكذا الحال في عدم الاحتراز عن‌

__________________

(١) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ ، ورجال النجاشي : ٣٣٠.

٢٧٢

الأبنية ، فإنّها في غالب البلدان لا تتحقّق إلاّ متنجّسة بالنجاسات المشاهدة المحسوسة ، إمّا في مائها ، أو مختلطة مع ترابها ، أو جصّها ، أو صاروجها ، أو اللّبن ، والظاهر أنّ الحال كان كذلك أيضا في الأعصار السابقة ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف.

قوله : وبالجملة فالمسألة محلّ توقّف. ( ٢ : ٣٦٦ ).

فيه ـ مضافا إلى ما عرفت ـ : أنّه مضى عنه وسيجي‌ء في بحث مطهريّة الأرض وغيره أنّ الأصل عدم التكليف بغسل النجاسة عن هذه الأشياء (١).

قوله : فإن جواز الصلاة في المحلّ لا يستلزم الطهارة ، كما بيّنّاه. ( ٢ : ٣٦٦ ).

ولا يخفى أنّ الصلاة فيهما لا يستلزم وضع الجبهة على أرضهما ، والجواب عن أحدهما لا يستلزم الجواب عن الآخر. وعلى تقدير الاستلزام لعله محمول على التقية ، لما مرّ. ولعل حال عدم الطهارة بمجرّد الجفاف وحال طهارة موضع السجدة واحدة بالقياس إلى الإجماع ، فلا وجه للتشبّث به في إثبات عدم اشتراط الطهارة من الرواية ، فتدبّر.

قوله : على أنّ المراد أنّها تطهر. ( ٢ : ٣٦٧ ).

لا يخفى أنّ نظر الشيخ في حكمه في الموضع الآخر إلى ما رواه هو والكافي بسندهما الصحيح إلى زرارة وحديد بن الحكيم ، قالا : قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : السطح يصيبه البول ، أيصلّى في ذلك الموضع؟ فقال : « إن كان يصيبه الشمس والريح وكان جافّا فلا بأس به ، إلاّ أن يتخذ مبالا » (٢) ،

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٢.

٢٧٣

وكلمة الواو بمعنى « أو » ، لأنّ اشتراط التطهير بهما معا مخالف للإجماع والأخبار المستفيضة ، إذ المستفاد من كل منهما أنّ الشمس إمّا مطهّرة مطلقا أو لا مطلقا. ولمّا كان الظاهر منهما أنّها مطهّرة مطلقا ، وهذا الحديث أيضا حجّة بمقتضى الدليل والظاهر ، ويظهر منه أنّ الريح حاله حال الشمس ، ويظهر منه أيضا اشتراط جواز الصلاة بإصابة الشمس والريح ، فيظهر منه كونهما مطهّرين ، وكون حالهما واحدا في التأثير ، هذا.

مع أنّ الجمعية معنى مجازي لكلمة « واو » أعني المعية ، بل معناه الحقيقي مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في ما حكم عليه ، وأيضا العطف في قوة تكرير العامل ، فيصير الحديث هكذا : إن كان تصيبه الشمس وإن كان تصيبه الريح فلا بأس ، فظاهر هذا هو ما أفتى به الشيخ.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ هذا الحديث الصحيح من الشيخين في الكتابين أيضا دليل من الأدلة الدالة على تطهير الشمس ، وحمل على إعانة الريح في الجفاف (١) ، وهو لا ينافي مطهّرية الشمس.

ولا يخفى أنّ الكليني رحمه‌الله ظاهره موافقة الشيخ في هذا الموضع.

والتنافي في كلامي الشيخ باق ، واختلاف الرأي منه ومن غيره من المجتهدين غير عزيز ، بل العزيز عدم الاختلاف ، بل ربما جعل عدمه مانعا لتحقّق الاجتهاد وحصول الرتبة.

ويمكن الاستدلال لهما بروايتي علي بن جعفر المتقدّمتين ، وموثقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : البارية يبلّ قصبها بماء قذر ، هل يجوز الصلاة‌

__________________

(١) انظر مرآة العقول ١٥ : ٢٩٨.

٢٧٤

عليها؟ فقال : « إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها (١) » (٢) بحمل الأخبار على هبوب الريح ، بناء على عدم الانفكاك غالبا عادة ، لكن ما ذكر عن المنتهى في الفرع الأوّل ربما يمنع عن الاعتماد والوثوق ، فليتأمّل.

وبالجملة : إنّ كان مثل ما ذكره حجّة فلا وجه للتأمّل في مطهّرية الشمس ، وإلاّ فلا وجه للتأمّل في ما أفتى به الشيخ ، فتأمّل.

قوله : والمعتمد الطهارة. ( ٢ : ٣٦٨ ).

لعل الأولى أن يجعل الدليلان دليلا واحدا ، بأن يقال : الأصل طهارة الأشياء ، ولا دليل على نجاسته سوى كونه عذرة مثلا ، والآن ليس بعذرة قطعا ، فتأمّل.

قوله (٣) : لأنّها الأصل في الأشياء. ( ٢ : ٣٦٨ ).

ويمكن الاستشهاد بالإطلاقات الواردة في إسراج الدهن النجس (٤) ، فتأمّل.

قوله (٥) : ولأنّ الحكم بالنجاسة معلّق على الاسم فيزول بزواله. ( ٢ : ٣٦٨ ).

لعل مراده من زوال الاسم زوال الحقيقة والماهية ، وإلاّ يشكل الأمر في كثير من المواضع ، مثل صيرورة الطين آجرا ، والعجين خبزا وغير‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٨ / ٧٣٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٠ / ١٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٤ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٥.

(٢) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : بناء هذا الاستدلال على ما ادّعاه الشارح ( الشيخ ) من الملازمة بين الصلاة في المكان وإصابة الجبهة ، فتدبّر.

(٣) هذا الحاشية ليست في « ا ».

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٦.

(٥) هذه الحاشية ليست في « ب ».

٢٧٥

ذلك ، فتأمّل.

قوله : كما يتوقّف عليه ابتداؤه. ( ٢ : ٣٦٨ ).

قد بيّنا في رسالتنا في الاستصحاب أنّه لا يجري في الموضع الذي تتغير ماهيته وتتحقّق استحالته (١) ، فليلاحظ.

قوله (٢) : وعلى هذا يكون إسناد التطهير إلى النار حقيقة. ( ٢ : ٣٦٨ ).

فالضمير يرجع إلى الجصّ الممزوج بالعذرة المحترقة عادة ، وأمّا استناد التطهير إلى الماء فلعله لاحتمال أن يكون الجصّ ينجس بالدسومة الخارجة عن عظام الموتى بالاحتراق ، وورد : رشّ الماء وصبّه على الموضع الذي شك في نجاسته (٣) ، فهذا الصبّ أيضا نوع تطهير ورفع قذارة شرعا.

قوله : وتكون الطهارة الشرعية مستفادة. ( ٢ : ٣٦٨ ).

لكن على هذا لا يظهر أنّ المطهّر ما ذا؟ والمطهّرات محصورة معروفة لم يوجد شي‌ء في المقام ، فتأمّل.

قوله : وخبر الحسن بن محبوب المقدم. ( ٢ : ٣٦٩ ).

وجه الاستدلال به أنّ المعصوم عليه‌السلام لم يفصّل بأنّ العظام كانت رطبة أو يابسة ، وكذا الجصّ ، مع أنّه في الغالب بمجرّد الاحتراق يخرج منها دسومة وتصل الجصّ ، وفي الغالب تكون العظام المذكورة نجسة ، فتأمّل.

__________________

(١) رسالة الاستصحاب ( الرسائل الأصولية ) : ٤٤٣.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢ ، المستدرك ٢ : ٥٨٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٣.

٢٧٦

قوله : جعل الله التراب طهورا. ( ٢ : ٣٦٩ ).

يمكن المناقشة بأنّ المفرد المحلّى باللام ينصرف إلى الأفراد المتعارفة الشائعة.

قوله : أمّا الثانية فبالإرسال. ( ٢ : ٣٧٠ ).

لا طعن فيها ، لما عرفت مرارا.

قوله : ما يدل على نجاسة العجين صريحا. ( ٢ : ٣٧١ ).

الظهور كاف ، والظاهر منها النجاسة ، نعم بعد ما ثبت من الأدلة من أنّ البئر لا ينفعل بالملاقاة ترتفع الدلالة ، فتأمّل.

قوله : فجاز أن تكون طاهرة. ( ٢ : ٣٧١ ).

بعيد ، نعم لا يظهر منها تحقّق العلم بالنجاسة حال الاستعمال ، والأصل الطهارة حتى يستيقن النجاسة ، فتأمّل.

قوله : فلا مانع من جواز بيعه من المسلم. ( ٢ : ٣٧١ ).

المانع من البيع عندهم ليس منحصرا في عدم جواز الانتفاع ، بل الأعيان المتنجّسة التي لا تقبل الطهارة لا يجوز عندهم بيعها ، كما يعلم من موضعه.

قوله : لعدم ثبوت كون ذلك مأثما. ( ٢ : ٣٧١ ).

الكفّار عندنا مكلّفون في الفروع ، فتتحقّق الإعانة في الإثم ، نعم يتوجه هذا على العلاّمة رحمه‌الله أيضا من جهة حكمه بجواز البيع من الحربي ، فتأمّل.

قوله : وكذا الكلام في الحنطة والسمسم إذا انتقعا في الماء النجس. ( ٢ : ٣٧١ ).

فيه ما مرّ عند قول المصنّف : ويعصر الثياب من النجاسات ، عند‌

٢٧٧

قولهم : إنّ ما لا ينفصل الغسالة عنه يطهر بالكثير أو الجاري (١).

قوله : ومقتضى كلامه. ( ٢ : ٣٧٢ ).

في دلالته ضعف وتأمّل.

قوله : وربما ظهر من كلام الشيخ في الخلاف. ( ٢ : ٣٧٢ ).

في الظهور تأمّل ، بل الظاهر أنّ استدلاله فيه غفلة منه ، فتأمّل جدّا.

قوله : قال : « لا بأس إذا كان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلك » ( ٢ : ٣٧٣ ).

لعل التخصيص بخمسة عشر بناء على أنّ الغالب عدم التطهير بأقل من ذلك من النجاسات المتعارفة ، فتأمّل.

قوله : ويعضد هذه الروايات. مع انتفاء الأمر به على الخصوص ( ٢ : ٣٧٤ ).

هذا مبني على منعه حجّية الاستصحاب ، لكنه مخالف لطريقته في كثير من المواضع ، حيث يقول : ثبت نجاسته شرعا ، فلا بدّ من ثبوت طهارته شرعا ، وأيضا حال الأرض حال الشمس ، وقد مرّ منه في الشمس ما مرّ ، وسيجي‌ء في عدم طهارة أسفل العصا والرمح أيضا ما يخالف المقام (٢).

قوله : فما لا جرم له أولى. ( ٢ : ٣٧٤ ).

في القياس بطريق الأولوية هنا نظر ظاهر ، فالعمدة إطلاق النص والفتوى.

__________________

(١) راجع ص ٢٣١.

(٢) انظر المدارك ٢ : ٣٧٥.

٢٧٨

قوله : ويبوستها. ( ٢ : ٣٧٤ ).

لا وجه لاعتبار اليبوسة ، بل اشتراط الطهارة مع يبوستها أيضا محلّ مناقشة ، فتأمّل.

وفي الصحيح عن جميل بن درّاج ، عن المعلّى بن خنيس ، عن الصادق عليه‌السلام : الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء ، وأمّر عليه حافيا ، فقال : « أليس وراءه شي‌ء جافّ؟ » قلت : بلى ، قال : « فلا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا » (١) وربما كان فيها وفي رواية الأحول إيماء إلى طهارة الأرض المطهّر ، فتأمّل ، ولعله أحوط.

قوله : « ما أصابه من الماء أكثر منه ». ( ٢ : ٣٧٥ ).

وبما يظهر من قوله عليه‌السلام : « ما أصابه من الماء أكثر منه » عدم اختصاص هذا الحكم بماء المطر ، بل كون ذلك حكم الماء من حيث هو هو. وقوله : فيكف ، معناه : فيقطر ، وربما كان معناه : يقطر من السقف ، بعنوان غور الماء فيه وخروجه من طرف داخل البيت.

لكن روى الشيخ بإسناده الصحيح ، عن جعفر بن بشير ، عن عمر بن الوليد ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء ، فتقطر عليّ القطرة ، قال : « ليس به بأس » (٢) ويعضد الرواية عمل الأصحاب والشهرة في الفتوى ، ومرسلة الكاهلي.

قوله : ثبوت البأس في أخذ ذلك الماء للوضوء مع عدم الجريان. ( ٢ : ٣٧٦ ).

المتبادر من البأس في مثل المقام هو النجاسة ، ومفهوم الشرط حجّة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٨ ، الوسائل ١ : ١٤٧ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٨.

٢٧٩

ويمكن حمل المطلق على المقيد ، سيّما إذا كان المقيد أغلب ، فتأمّل. ويعضده استصحاب النجاسة حتى يثبت خلافها.

ثم إنّه نقل عدم الخلاف في أنّ ماء المطر لا ينفعل بالملاقاة (١) ، فتأمّل فيه. والظاهر أن ماء المطر لا ينفعل بالملاقاة ، إلاّ أن تطهيره لا يبعد أن يعتبر فيه الجريان ، والله يعلم.

قوله : فلا يتعين كونه جاريا من ميزاب ونحوه. ( ٢ : ٣٧٦ ).

لعل مراد الشيخ مجرّد الجريان ، ويكون مثل الميزاب على سبيل المثال ، وأنّه المعروف (٢) لتحقّق الجريان ، فتأمّل.

قوله : وروى أبو هريرة. ( ٢ : ٣٧٨ ).

قيل : هذه الرواية وردت بمتن آخر أيضا ، وهو أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بنقل التراب النجس ، ثم أمر بذنوب من الماء فأهريق عليه (٣). ولهذا لم يعمل بها بهذا المتن.

قوله : لا بأس به. ( ٢ : ٣٧٨ ).

قد تقدم الكلام منا في ذلك في بحث انفعال الماء القليل بالملاقاة (٤).

قوله : قد روى بعض أصحابنا. ( ٢ : ٣٧٩ ).

فيه شهادة على أنّ المراد من الآنية أعم ممّا هو المتبادر منه ، فتأمّل.

قوله (٥) : فيكون سرفا. ( ٢ : ٣٨٠ ).

__________________

(١) انظر الذخيرة : ١٢١.

(٢) في « ب » و « ج » و « د » : المعرّف.

(٣) انظر المعتبر ١ : ٤٤٩ ، وسنن أبي داود ١ : ١٠٣ / ٣٨١.

(٤) راجع ج ١ : ٦٠ ـ ٦٣.

(٥) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

٢٨٠