الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

تكليف بما لا يطاق ، ويقول أعصي عصيانا واحدا وأخلّص نفسي عن التكاليف الكثيرة والمتاعب الوافرة ، وجهاد النفس في كل ساعة ودقيقة ، ومن العقوبات التي لا تعدّ ولا تحصى ، وجلّ الناس مبتلون بها ، إذ بعد ملاحظة النفس ومراقبتها ومحاسبتها بالحذاقة التامة يظهر عليه أنّه في كل دقيقة مرتكب لموبقة إلاّ من عصمه الله تعالى.

مع أنّه لا شك في أنّ إرسال الرسل لتكميل النفوس الأمّارة ، وتخليصها عن الهلكات الردية والشقاوة الأبدية ، وتحصيل السعادة السرمدية ، ورفعها عن رتبة البهيمية والشيطانية ، ولذا يجب وجود الحجّة من الله تعالى في كل زمان وساعة ودقيقة ، وكان الحجج يتعبون في الإبلاغ ويسعون غاية السعي ، حتى أنّهم كانوا يقتلون ويقتلون ويأسرون ويؤسرون ، كما فعل بالحسين عليه‌السلام وغيره ، وكان يحصل بذلك الفتن وخراب البلاد وهلاك العباد وغير ذلك ، بل لا شبهة في أنّ خلق الإنسان للعبادة والطاعة ، بل الدنيا جميعها مخلوقة لحصول المعرفة والعبادة. مع أنّ الحسن والقبح عندنا [ عقليان أو ذاتيان ] (١) فتأمّل.

قوله : لا بترك ذلك المجهول. ( ٢ : ٣٤٥ ).

إن كان جاهلا بأنّ الله أوجب عليه شيئا وأنّه يطلب منه شي‌ء فكيف يتأتّى منه البحث والفحص؟ لأنّ طلب المجهول مطلقا محال ، وتكليف الغافل بالبحث عمّا هو غافل عنه محال. وإن علم أنّه يطلب منه شي‌ء وأوجب الله عليه أمرا وتيسّر له معرفته أو تحصيله فكيف يعدّه غافلا وتكليفه تكليف الغافل؟!

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « أ » و « و» : عقليين أو ذاتية ، وفي « ب » و « ج » و « د » : عقلية أو ذاتية ، والأنسب ما أثبتناه.

٢٤١

وهذا عجيب ، فتأمّل.

قوله : وابن إدريس. ( ٢ : ٣٤٥ ).

والعلاّمة في قواعده (١).

قوله : وهذه الرواية مع صحة سندها. ( ٢ : ٣٤٥ ).

حملها الشيخ على الشذوذ (٢) ، ولعل وجهه ما سنشير إليه في الحاشية الآتية ، ولعله لما ذكره الشيخ ذكر المحقق : أنّها حسنة (٣) ، فتأمّل.

قوله : والأصول تطابقها. ( ٢ : ٣٤٦ ).

لم نجد الأصول ، بل الأصل عدم الصحة وعدم الخروج عن العهدة ، والأخبار الدالة على وجوب الإعادة من الكثرة بمكان ، وكذا جلّها صحيحة ومعتبرة ، مع أنّ الضعيفة مطابقة لفتوى الأصحاب ، مضافا إلى الإجماع ، والإطلاقات الواردة في وجوب غسل النجاسة للصلاة.

وغفران الخطأ والنسيان ليس دليلا على صحة الفعل ، كما أنّ من نسي عن فعل نفس الصلاة أو ركعاتها أو أركانها أو شرائطها أو غير ذلك فإنّ نسيانه لا مؤاخذة فيه ، لا أنّ صلاته صحيحة ، أو أنّه تعالى لا يريد منه ما أوجب عليه. وأمّا أنّه صلّى صلاة مأمورا بها فهو مصادرة ، إذ كونها مأمورا بها لا دليل عليه سوى ما ذكره.

نعم ورد روايات آخر دالة على عدم وجوب الإعادة ، منها : صحيحة علي بن جعفر ، وسنذكرها عند قول المصنّف : ولو رأى النجاسة وهو في الصلاة.

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٠.

(٣) المعتبر ١ : ٤٤١.

٢٤٢

ومنها حسنة المثنى الحناط ، عن عمرو بن أبي نصر ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صلّيت ، أفأعيد؟ قال : « لا » (١).

وفي الموثق عن عمار بن موسى عن الصادق عليه‌السلام يقول : « لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّي لم يعد الصلاة » (٢) ، وورد في الضعيف بأحمد بن هلال (٣) أيضا ، إلاّ أن يقال بالفرق بين ترك الاستنجاء وغسل النجاسة ، لكن عند المشهور ليس فرق ، إلاّ أنّ الأخبار الدالة على وجوب الإعادة أكثر ممّا ذكر بمراتب ، وحمل هذه الأخبار على محامل (٤).

قوله : أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء. ( ٢ : ٣٤٧ ).

لعل الباء سببية ، والظرف متعلق بقوله : « تعيد الصلوات » ، أو بقوله : « حقيقا » ، والمراد أنّه يجب إعادة الصلاة ما كان في وقتها وما خرج وقتها معا بسبب ذلك الوضوء بعينه ، أي من غير مدخلية نجاسة ثوبه الذي تنجّس من التمسّح بالدهن ، وكذا بدنه ، لأنّه حكمه حكم الثوب ، ولذا في الغالب في بحث النجاسات لا يذكرون سوى الثوب ، وإن كان المقام في غاية الخصوصية لذكر البدن ، فكأنّ الأصل في الاعتبار هو الثوب ، والبدن حاله حال الثوب ، ومتفرّع حكمه عليه ، ويظهر ذلك من تتبّع الأخبار في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥١ / ١٤٨ ، الوسائل ١ : ٢٩٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٣ ، الوسائل ١ : ٣١٨ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤٨ / ١٤٠ ، الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٢.

(٤) انظر التهذيب ١ : ٤٨ ، ٤٩ ، ٥١ ، وملاذ الأخيار ١ : ٢١٤.

٢٤٣

هذا المبحث فالمراد : أنّ إشكالك من جهة الثوب النجس والوضوء ، أعني الحدث والخبث ، فعليك إعادة جميع ما كان في الوقت وما فات وقتها من جهة الحدث لا الخبث ، فلا إعادة عليك من قبل أنّ ثوبك نجس ، فإنّ الثوب النجس لا يعيد الصلاة من قبله إلاّ ما كان في وقت ، فقوله : « وما فات وقتها » عطف على ما تقدم لا استيناف كلام ، وقوله : « لا إعادة عليك » ابتداء كلام وتفريع على ما تقدّم ، أي فلا إعادة عليك من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت ، والحاصل : أنّ الراوي ما كان عليه إعادة الصلاة من جهة النجاسة ، لأنّ الظاهر من القرينة الحاصلة من جواب المعصوم عليه‌السلام أنّ التفطّن بالمفسدة كان بعد خروج وقت الصلاة ، فالإعادة عليه من جهة الوضوء.

ويمكن أن يكون المراد من جهة ذلك الوضوء بعينه ، لأنّ الظاهر من حال الراوي أنّه بعد ما تفطّن ، طهّر مواضع الطهارة وغيّر ثوبه ، وإشكاله كان من جهة الصلاة الفائتة.

ويمكن أن يكون المراد بذلك الوضوء أي بهذا النحو من الوضوء ، فيكون الإشارة إلى نوعه ، يعني : ما كان من الصلوات بهذا النحو ، من الوضوء تجب إعادته ، لا بغير هذا النحو ، مثل أن صار جنبا فاغتسل ، أو اتفق أنّه غسل أعضاءه من جهة غسل آخر أو جهة أخرى ، فإنّ الوضوء الذي يكون بعد هذا صحيح لا تعاد الصلاة من جهته ، وأمّا الثوب وإن لم يتغيّر لا يحتاج إلى الإعادة إلاّ ما كان في وقت.

ويمكن أن يكون قوله عليه‌السلام : « من قبل » ظرفا محذوف الإضافة ، أي من قبل أن يتحقّق ويجزم به ، فيكون هذا مرتبطا بما تقدم ، أي ما توهمت ليس بشي‌ء إلاّ أن يتحقّق ويحصل لك اليقين به ، فقبل التحقّق لا إعادة‌

٢٤٤

عليك أصلا ، وبعده تعيد ما كان في الوقت وخارجه ما كان بذلك الوضوء بعينه ، أي بنحوه بعينه ، كما ذكرنا ، أو بذلك الوضوء الذي تحقّق على سبيل القطع بأنّ موضعه نجس ، لا الوضوء الذي توهم كون موضعه نجسا.

وقوله عليه‌السلام : « إنّ الرجل. » على هذا ابتداء كلام وتحقيق في الفرق بين الثوب والجسد ، وتعليل للحكم السابق ، وتأكيد له ، فتأمّل.

قوله (١) : « بذلك الوضوء بعينه ». ( ٢ : ٣٤٧ ).

تأكيد لدفع توهم الوضوء الذي توهم نجاسة موضعه.

قوله : « من قبل إنّ الرجل ». ( ٢ : ٣٤٧ ).

أي من قبل أن تكون تحقّقت ، و « إنّ الرجل » ابتداء كلام وتحقيق.

قوله : لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء. ( ٢ : ٣٤٩ ).

فيه ما عرفت في مسألة جاهل العلم بحكم النجاسة ، وأنّه أيّ فرق بين هذا الجهل وذلك عند الشارح ، حيث حكم في ذلك بما حكم وقال هنا بما قال؟

ويمكن أن يقال أيضا على طريقة الشارح : إنّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف ، غاية ما يثبت من الإجماع والأخبار عدم جواز الصلاة مع العلم بالنجاسة وعدم صحتها حينئذ ، وأمّا مع الجهل فلا دليل ، لكن هذا بناء على كون الصلاة اسما لمجرّد الأركان ، وأمّا على القول بأنّها اسم للصحيحة فلا ، إذ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، إلاّ أن يقال بجريان الأصل في العبادات ، فتأمّل.

قوله : لو غسلته لأزلت النجاسة فلم يكن عليك إعادة. ( ٢ : ٣٥٠ ).

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ب » و « ج » و « د ».

٢٤٥

لعله لا يخلو عن بعد ، لكن يمكن أن تكون المسألة خارجة عمّا نحن فيه ، لأنّ المصلّي كان عالما بالنجاسة قطعا ، لكن كان ظنّه أنّها زالت ، ومقتضى الاستصحاب تحصيل اليقين بالزوال ، أو الظنّ الذي يكون حجّة شرعا ، والظاهر أنّ الجارية سامحت في الإزالة ، والمصلّي أيضا سامح حيث لم يلاحظ أنّها زالت بغسلها أم لا ، وصلّى مع هاتين المسامحتين ، وفي الرواية : ثم يوجد وهو يابس ، ومثل ذلك (١) يكون مبرءا للذمّة عند جميع القائلين بعدم إعادة الجاهل بالنجاسة يحتاج إلى الثبوت والظهور ، فتأمّل.

ويمكن الاستدلال للشهيد بما رواه الشيخ رحمه‌الله عن ميمون الصيقل ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن الرجل أصابته جنابة في الليل فاغتسل ، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : « الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلاّ وله حدّ ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة » (٢).

ويؤيّده أنّ الأخبار الدالة على عدم الإعادة على الجاهل شمولها لما نحن فيه ـ وهو ما إذا تحقق أمارة موجبة لاحتمال الوقوع وتحقق مسامحة مّا ومساهلة ـ ربما يكون محلّ مناقشة.

قوله : ولا يبعد أن يكون لا يعيد إذا لم يكن علم. ( ٢ : ٣٥٠ ).

أو يكون استفهاما إنكاريا بملاحظة قوله : إذا لم يكن علم ، فتأمّل.

نعم روى بسنده عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : « علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم » (٣) ، لكنها لا تقاوم أصلا ما دل على عدم الوجوب ، فالحمل فيها‌

__________________

(١) في « و» زيادة : لا.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٢ / ٧٩١ ، الوسائل ٣ : ٤٧٨ أبواب النجاسات ب ٤١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٢ / ٧٩٢ ، الوسائل ٣ : ٤٧٦ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٩.

٢٤٦

متعين إمّا على الاستحباب ، أو على العلم وعدم العلم حال الصلاة لا قبلها.

قوله : قال في المعتبر : وعلى قول الشيخ الثاني يستأنف. ( ٢ : ٣٥١ ).

يظهر من هذا أنّه لو كان ناسي النجاسة وتذكّر في أثناء الصلاة يكون عليه الإعادة عندهم ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن الكاظم عليه‌السلام ، عن رجل ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : « ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأته ذلك ولا إعادة عليه » (١).

وفي الموثق عن سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلّي ، قال : « يعيد صلاته كي يهتمّ بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه » (٢). والمنصوص العلة حجّة.

ويدل عليه بعض الإطلاقات في الأمر بالإعادة الشامل لما رأى في الصلاة وبعدها. على أنّه إذا كان جاهلا وعلم في الأثناء تجب عليه الإعادة بالنصوص الصحيحة الخالية عن المعارض ، ففي صورة النسيان بطريق أولى. بل يجيئان في صورة وقوع النجاسة.

قوله (٣) : ويشكل بمنع الملازمة. ( ٢ : ٣٥١ ).

لا يخفى ما فيه ، لأنّه نقل آنفا أنّ الشيخ في المبسوط احتجّ على قوله بإعادة الجاهل بأنّه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة ، وكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ ، فالشيخ مصرّح بالملازمة ، بل جعل‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٥ ، الوسائل ١ : ٣١٨ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٨ ، الوسائل ٣ : ٤٨٠ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٥.

(٣) هذه الحاشية والتي بعدها ليست في « أ » و « و».

٢٤٧

وجوب الإعادة على العالم في الأثناء أصلا مسلّما مفروغا عنه ، وفرّع عليه وجوب الإعادة في الوقت على الجاهل العالم بعد الفراغ.

قوله : وبأنّ الشيخ قطع في المبسوط. مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في الوقت. ( ٢ : ٣٥١ ).

قد عرفت أنّه صرّح في المبسوط بوجوب الإعادة على الجاهل بالنجاسة العالم بها في أثناء الصلاة بحيث كونه مسلما مفروغا عنه لا تأمّل فيه ، وجعل ذلك علة لوجوب الإعادة على الجاهل العالم بعد الفراغ في الوقت ، فكيف يجتمع هذا مع ما صرّح به؟ فيجوز أن يكون مراده ممّا ذكر هنا وجوبه على غير الجاهل الذي علم النجاسة في أثناء الصلاة من دون علم بسبقها ، إذ الأصل عدم السبق وعدم النجاسة إلاّ القدر الذي علم.

قوله : ومقتضى هاتين الروايتين وجوب المضي في الصلاة. ( ٢ : ٣٥٢ ).

ليس في الروايتين دلالة واضحة على ما ذكره بحيث تقاوم الروايتين الأوّلتين ، سيّما مع كون مدلولهما لم يعلم أنّ أحدا قال به ، وسيجي‌ء عن الشارح في المسألة الثانية أنّه يقول : إلاّ أنّي لا أعلم قائلا به. أمّا عدم وضوح الدلالة فإنّ فيها تتمّة حيث قال : « لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء ، رأيته أو لم تره ، وإذا رأيته وهو أكثر من درهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه » (١) هكذا في الكافي ، وهو أمتن وأصحّ ممّا في التهذيب والاستبصار ، مع أنّ الذي فيهما أيضا ربما يمنع عن الدلالة. وأمّا الرواية‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ / ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

٢٤٨

الثانية فلاحتمال رجوع الاستثناء إلى الحكمين والشقّين معا.

مع أنّ الروايتين الأولتين في أعلى درجة من الصحة والاعتبار ، وموافقتان لغيرهما من الأخبار ، مثل صحيحة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة. ركعتين ، ثم علم به ، قال : « عليه أن يبتدئ الصلاة » قال : وسألته عن رجل صلّى في ثوب فيه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم ، قال : « قد مضت صلاته ولا شي‌ء عليه » (١) ويعضدهما بعض الإطلاقات المتضمّنة للإعادة ، فليلاحظ.

قوله : وإلاّ استأنف. ( ٢ : ٣٥٣ ).

حكمه بوجوب الاستئناف هنا وعدم الوجوب في المسألة السابقة لا يخلو عن غرابة ، فإنّه في قوة أن يقول : إن كان مجموع صلاته مع النجاسة فصحيحة ، وإن كان بعضها مع النجاسة فباطلة ، وأنّه يجوز الأوّل دون الثاني!

قوله (٢) : لنا على وجوب الاستمرار. ( ٢ : ٣٥٣ ).

فيه ما عرفت ممّا ذكرنا في السابق.

قوله : مع إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة. ( ٢ : ٣٥٤ ).

لا يخفى أنّ المتبادر منها هو الاستئناف في الوقت ، لظهور لفظ الإعادة ، ولكون ما نحن فيه من الفروض النادرة ، وشمول الإطلاقات لها محلّ نظر وتأمّل ، والشارح لا يرضى بالشمول في غير ما نحن فيه ، كما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٨٩ ، الوسائل ٣ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٢.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

٢٤٩

صرّح به مرارا. وعلى تقدير الشمول فمقاومته (١) لما اعترف به ـ من أنّ وجوب الصلوات الخمس في الأوقات المعيّنة قطعي ـ فيه ما فيه ، سيّما بعد ورود الأخبار الدالة على أنّ من كان ثوبه أو جسده نجسا ولا يمكنه التطهير في ذلك يجب عليه الصلاة قطعا ، ولا يجوز له التأخير والقضاء (٢) ، وهو مفتى به عند العلماء ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في مسألة التيمم (٣).

قوله : عملا بالأصلين : الصحة وعدم النجاسة. ( ٢ : ٣٥٤ ).

أصالة الصحة في مثل المقام لم نجد لها أصلا ، إلاّ أن يكون المستند أصالة عدم التكليف بالإعادة ، وكون الامتثال يقتضي الإجزاء ، وأمثال ذلك.

قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٢ : ٣٥٥ ).

وإن كانت ضعيفة ، إلاّ أنّها منجبرة بعمل المتأخّرين الذين يشترطون العدالة في الراوي.

قوله : اقتصارا في ما خالف الأصل على مورد النص. ( ٢ : ٣٥٥ ).

فيه : أنّ تحقّق البول خاصّة من الصبي دون الغائط من خرق العادة ، إلاّ أن يبنى على أنّها كانت تتحرّز عن الغائط ولا تخلّية يصل إلى ثوبها ، وما كان يمكنها التحرّز عن البول. لكن بعيد ، بل ربما شاع استعمال لفظ البول في البول والغائط في مثل قولهم : يبول كذا ، وتعارف ، إلاّ أن يبنى على أنّها يجب عليها غسل الغائط بخصوصه كلما وقع وإن وقع مع البول ، كما هو الغالب ، ولا يغسل ثوبها من جهة البول في اليوم إلاّ مرّة.

__________________

(١) في « ج » و « د » : فمعارضته.

(٢) انظر الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥.

(٣) راجع ص ١٥٠ ـ ١٥١.

٢٥٠

وفيه : أنّه في غاية البعد من ظاهر الرواية ونهاية الخروج عنه ، ولعله لهذا حكم المصنّف ـ بل وغيره أيضا (١) ـ بالإطلاق ، فليلاحظ وليتأمّل ، ومع ذلك لا يخلو عن تأمّل.

قوله : كون الصلاة واجبة وجه يقع عليه الصلاة فلا يؤثر فيه ما يتأخّر. ( ٢ : ٣٥٧ ).

هذا وارد في الصلاة عريانا أيضا ، إذ قصد الوجوب فرع العلم ( بالوجوب ) (٢) ، وبمجرّد عدم تأتّي العلم هنا لا يثبت العلم بالوجوب في الصلاة عريانا ، فتأمّل.

قوله : قال في المختلف بعد حكمه بوجوب الصلاتين من باب المقدّمة. ( ٢ : ٣٥٧ ).

ظاهره أنّه مبتن وفرع على المسألة الأصولية ، وهي أن مقدّمة الواجب واجبة شرعا ، كما هو المشهور ، مع احتمال كون المراد من الوجوب هنا مطلق اللزوم ، وأنّه كاف في نيّة الوجوب ، فتأمّل.

ويمكن الاستدلال على وجوبها شرعا بالاستصحاب ، بأنّ شغل الذمّة يقيني فلا بدّ من البراءة اليقينية ، ولا تتحقّق إلاّ بفعلهما معا ، إذ بفعل أحدهما لا تتحقّق إلاّ البراءة الاحتمالية ، بأنّه يحتمل أن يكون مبرء الذمّة ، ومقتضى الاستصحاب ـ بل والإجماع أيضا ـ عدم الاكتفاء بالبراءة الاحتمالية ، لأنّهم عليهم‌السلام ما كانوا يرضون بمخالفة الاستصحاب إلاّ فيما ثبت الخلاف شرعا ، وقالوا أيضا : « لا تنقض اليقين بالشك أبدا » (٣) إلى غير ذلك‌

__________________

(١) المصنف في الشرائع ١ : ٥٤ ، المعتبر ١ : ٤٤٤ ، الشهيد في الدروس ١ : ١٢٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) انظر الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ١.

٢٥١

ممّا ذكرنا في رسالتنا في الاستصحاب (١).

ويمكن أن يستدل أيضا بأنّا مأمورون بالإطاعة والامتثال يقينا ، والمرجع فيهما إلى العرف ككثير من الألفاظ الأخر ، بل وغالبها ، ومعلوم أنّ في العرف لا يقال لمن احتمل أن يكون أتى بما كلّف به أنّه ممتثل مع أنّه يحتمل أنّه ما أتى بما كلّف به ، وبالجملة : بمجرّد احتمال أنّه أتى بما طلب منه وأنّه لم يأت به لا يعدّ ممتثلا قطعا ، فتأمّل.

وأيضا قد ظهر من حسنة صفوان المذكورة في المقام وجوب الصلاة في كل واحد من الثوبين معا ، والأصحاب أفتوا كذلك ، إلاّ أنّ هذا الأخير غير متوجه على ابن إدريس.

قوله : ونحن نقول : إن اشترطت القطع بعدم النجاسة فهو غير متحقّق. ( ٢ : ٣٥٧ ).

فيه : أنّ الشرط هو الطهارة الشرعية وليست بمتحقّقة بمجرّد عدم القطع بالنجاسة الواقعية ، وإلاّ لكان اللازم الاكتفاء بصلاة واحدة في الثوب الواحد ، بل ومع وجود الثوب الطاهر أيضا ، وهو رحمه‌الله مع وجود الطاهر لا يجوز الصلاتين في الثوبين ، بل يوجب فعلها في الطاهر ، كما سيذكر في الفرع الأوّل.

قوله : ومن هنا ينقدح الاكتفاء بصلاة واحدة في أحد الثوبين. ( ٢ : ٣٥٨ ).

قد مرّ في مسألة الإنائين المشتبهين اللذين وقع في أحدهما نجاسة ما يظهر منه اندفاع هذا القدح.

__________________

(١) الرسائل الأصولية : ٤٣٢.

٢٥٢

قوله : قال في المنتهى. ( ٢ : ٣٥٨ ).

حكمه بالوجوب بناء على اشتراطه قصد الوجه ، ولمّا كان في صورة عدم الثوب الطاهر يكون الصلاتان معا واجبتين ـ على ما ظهر وجهه ـ يتأتّى قصد الوجه ، وفي هذه الصورة لا يمكن الحكم بوجوب الصلاتين ، وأيضا يظهر من الأخبار وجوب كون الصلاة في الثوب الطاهر ، وعدم جوازها في الثوب النجس اختيارا ومهما أمكن ، سيّما على رأي الأكثر من الصلاة عريانا في من ليس له إلاّ ثوب نجس وتعذّر تطهيره ، كما سيجي‌ء.

قوله : احتمل التخيير للحرج. ( ٢ : ٣٥٨ ).

لو لم يكن ظنّ أصلا ، ويحتمل القرعة في هذه الصورة أو التعدّد بقدر لا يتحقّق الحرج.

قوله : قيل : صلّى في الآخر وعاريا. ( ٢ : ٣٥٨ ).

هذا بناء على جواز الصلاة عريانا إذا كان الثوب نجسا يقينا وتعذّر غسله.

قوله : لم أستبعد جوازه. ( ٢ : ٣٥٩ ).

يؤذن هذا بتحقّق إشكال فيه ، ولعل وجهه أنّ فعل الصلاة الأخرى من باب المقدّمة تحصيلا للبراءة اليقينية والإتيان بالمأمور به ، والظهر مقدّمة على العصر يقينا ، فلا بدّ من إكمالها ثم الإتيان بالعصر ، والإكمال والامتثال يتوقّف على الصلاة الأخرى ، فتأمّل.

قوله : احتجّ الشيخ رحمه‌الله بما رواه عن سماعة. ( ٢ : ٣٦٠ ).

احتجّ بإجماع الفرقة ، وأنّ النجاسة ممنوع عن الصلاة فيها ، ثم بما رواه سماعة.

قوله : قصور من حيث السند. ( ٢ : ٣٦٠ ).

٢٥٣

لعله ينجبر بأنّه لا رادّ لهما ، وادعى الشيخ والعلاّمة الإجماع ، كما سنذكر.

قوله (١) : كصحيحة محمد بن علي الحلبي. ( ٢ : ٣٦٠ ).

الحكم بصحته من الخلاصة ، وفيها حكم بصحة أحاديث في طريقها محمد بن عبد الحميد ، منها طريق الصدوق إلى منصور بن حازم (٢).

قوله : وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله. ( ٢ : ٣٦١ ).

في طريقها أبان بن عثمان الناووسي على المشهور (٣) ، وعلي بن الحكم المشترك عندهم (٤).

قوله : ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والخروج عن مقتضى الظاهر. ( ٢ : ٣٦١ ).

الأمر كذلك ، إلاّ أنّ إجماع الفرقة الذي ادعاه لعله دعاه إلى ذلك ، وهو الظاهر. ويمكن تقوية الجمع الأوسط الذي هو خير ـ يعني ما ذكره من أنّه إذا لم يتمكن من نزعه ـ بأنّ أكثر الأوقات لا يمكن النزع بسبب البرد ، أو الحرّ ، أو الناظر المحترم ، أو المرض ، أو خوف حدوث المرض ، أو شدته ، أو بطؤ برئه ، أو عسر علاجه. وأمّا ما ورد في الروايتين فإنّما هو في الفلاة ، ومع ذلك لا شبهة في أنّه محمول على ما إذا لم يكن مانع من النزع.

وجمع الشارح وإن كان أقرب من حيث اللفظ إلاّ أنّه ربما يأباه الإجماع الذي ادعاه الشيخ ، وذهب الأكثر إلى خلافه ، وأنّ الظاهر من كل‌

__________________

(١) هذه الحاشية والتي بعدها ليست في « ا ».

(٢) الخلاصة : ٢٧٧.

(٣) انظر رجال الكشي ٢ : ٦٤٠ ، والخلاصة : ٢١.

(٤) انظر المسالك ١ : ٤٣٨ ، وهداية المحدّثين : ٢١٦.

٢٥٤

أخبار الطرفين تحتّم الفعل ، والاحتياط الصلاة في ذلك الثوب وعريانا معا.

ويعضد المشهور أنّ القائلين بعدم حجّية الخبر الواحد قالوا بقولهم (١) ، والعلاّمة في المنتهى ادعى الإجماع على جواز الصلاة عريانا (٢).

قوله : إلاّ أنّ ذلك موقوف على تكافؤ السند. ( ٢ : ٣٦١ ).

الروايتان الأوّلتان يجبرهما الشهرة بل الإجماع الذي ادعاه الشيخ (٣) ، وغير ذلك ممّا ذكر.

قوله : والأصح عدم الإعادة ، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والأمر يقتضي الإجزاء. ( ٢ : ٣٦٢ ).

الشيخ قائل بكونها مأمورا بها ، وأنّ امتثالها يقتضي الإجزاء ، لكن يقول بوجوب صلاة أخرى أيضا ، فالأولى التمسّك بأصل البراءة وإطلاقات الأخبار الصحيحة المتضمّنة للصلاة في الثوب من غير تعرض للإعادة (٤).

قوله (٥) : فقال المفيد رحمه‌الله في المقنعة. ( ٢ : ٣٦٢ ).

هذا مضمون عبارة الفقه الرضوي مع زيادة فيها ، وهي قوله عليه‌السلام بعد ذلك : « وأمّا الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل » (٦).

قوله : وربما كان في كلام ابن الجنيد إشعار به. ( ٢ : ٣٦٣ ).

لا إشعار فيه ، بل ظاهر في المشهور.

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ١٨٦.

(٢) المنتهى ١ : ١٨٢.

(٣) الخلاف ١ : ٤٧٤.

(٤) في « ج » و « د » زيادة : قطّ.

(٥) هذه التعليقة ليست في « أ » و « و».

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٠٤ ، المستدرك ٢ : ٥٧٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

٢٥٥

قوله (١) : احتجّ الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة. ( ٢ : ٣٦٣ ).

واعلم أيضا : من مقتضى الملة السمحة مطهّرية الشمس ، إذ لو لم تطهّر لزم الحرج والعسر.

لا يقال : إنّهما يتقدران بقدرهما.

لأنّا نقول : ربما يتردّد في المقامات كونه حرجا أم لا ، وينجر هذا إلى الحرج ، ومع ذلك أيضا في الغالب ينجرّ النجاسة وحال الحرج إلى وجوب الاحتراز حال عدم الحرج أيضا ، فيلزم منه الحرج أيضا ، وكذا الحال في نجاسة شخص يكون الاحتراز حرجا عليه يجرّ الاحتراز إلى غيره أيضا ، للاحتياج إلى المساورة في المعاشرة ، فقلّما يتحقّق عدم الحرج. وربما يتحقّق الضرر أيضا بالاجتناب عن مساورة المساجد ونحوها ، ومع ذلك لم يقل أحد بهذا الفعل ، لأنّ القائل بالنجاسة يكون المقام عنده مثل سائر النجاسات يوجب الإضرار مطلقا ، فتأمّل.

قوله : إذا جفّت من غير أن تغسل. ( ٢ : ٣٦٤ ).

هذا وإن كان مطلقا إلاّ أنّه مقيد بكون الجفاف من الشمس أو الريح ، لما دل على ذلك ، كما هو الطريقة في حمل المطلق على المقيد ، مع أنّ الغالب كون جفاف البارية بهما.

قوله : ويمكن أن يستدل بما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه‌السلام. ( ٢ : ٣٦٤ ).

ويمكن أن يستدل أيضا بما رواه الكليني بسنده عن الكاظم عليه‌السلام أنّه‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ا ».

٢٥٦

قال : « حق على الله تعالى أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها بالشمس لتطهّرها » (١) فإنّ فيها شهادة واضحة على كون الشمس من المطهّرات واشتهارها فيها ، إذ لو لم تكن مطهّرة لكان مثل أن يقال : يطهّرها نجم الجدي ، أو نظر الإنسان وأمثال ذلك ، فتأمّل.

ويمكن أن يستدل برواية زرارة وحديد بن حكيم (٢) التي سنذكرها لمذهب الشيخ.

ويمكن أن يستدل أيضا بصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر ، هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال : « إذا يبست فلا بأس » (٣).

وفي الموثق ، عن عمّار : عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر ، هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال : « إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها » (٤) والتقريب في هذين الخبرين هو ما ذكر في صحيحة علي بن جعفر المذكورة في المتن.

قوله (٥) : فلأنّها ضعيفة السند. ( ٢ : ٣٦٤ ).

الموثق حجّة ، سيّما مع الانجبار بعمل الأصحاب.

قوله : جواز الصلاة في ذلك المحلّ مع اليبوسة. ( ٢ : ٣٦٤ ).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٧٢ / ١٨ ، الوسائل ١٥ : ٣٠٦ أبواب جهاد النفس ب ٤١ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٢.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٣٢ / ١٢٢ ، قرب الإسناد : ٢١٢ / ٨٣٠ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٨ / ٧٣٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٠ / ١٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٤ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٥.

(٥) هذه الحاشية ليست في « أ » و « ب » و « ج » و « د ».

٢٥٧

إن أردت مع اليبوسة من حيث هي هي من غير مدخلية الشمس ، ففيه : أنّ المستفاد من الرواية وغيرها أنّ جواز الصلاة مشروط بكون الجفاف من الشمس ، سيّما صدر هذه الرواية حيث قال : سئل عليه‌السلام عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : « لا يصلّى عليه وأعلم الموضع حتى تغسله » هذا يدل على عدم مطهّرية الريح أيضا ، لأنّه عليه‌السلام لم يستفصل في سؤاله وحكم بالمنع مطلقا ، وقوله عليه‌السلام في آخر الخبر : « وإن كان غير الشمس. » يدل أيضا عليه.

والحاصل أنّ الصور ثلاثة : الأولى : الجفاف من غير إصابة شي‌ء بل بنفسها وطول المدّة. الثانية : بإصابة الشمس. الثالثة : بإصابة غير الشمس ، وظهر حكم الكل من الحديث : وعن الشمس هل تطهّر. ويؤيّده أنّ السؤال كان عن التطهير فالظاهر المطابقة له. وبالجملة المستفاد من هذه الرواية وغيرها أنّ الجفاف إذا لم يكن من الشمس لا يجوز الصلاة.

وإن أردت أنّ الجواز واللاجواز حينئذ ليسا دليلين على الطهارة والنجاسة لجواز كونهما من جهة أخرى ، ففساده ظاهر ، لمخالفته الإجماع ، لو لم نقل ضروري الدين ، وكذا مخالفته للطريقة المسلّمة المعهودة في إثبات نجاسة الأشياء وعدم نجاستها ، كما لا يخفى على المطلع على مواضعه ، وكذا مخالفته للمستفاد من هذه الرواية وغيرها من الروايات ، إذ غير خفي أنّ عدم الجواز من جهة النجاسة الباقية التي لم تزل من جفاف غير الشمس ، فيستفاد أنّ موضع السجود لا بدّ أن يكون خاليا من تلك النجاسة ، فيستفاد اعتبار طهارته ، ويستفاد من جواز الصلاة ارتفاع ذلك المانع ، فالظاهر منه الطهارة ، كما لا يخفى.

٢٥٨

وممّا ينبّه أنّ الظاهر أنّ السائل سأل عن حكم الموضع القذر اليابس من غير الشمس مطلقا ، فأجيب بالمنع عن الصلاة ولزوم غسله ، ثم سأل عن حكمه ما إذا أشرقت عليه الشمس ، وأنّه هل يكون ذلك سببا لطهارته أم لا؟ فأجيب بأنّ الإشراق إذا صار بحيث جفّ به الموضع جاز الصلاة عليه ولا حاجة إلى غسله ، كما هو الظاهر من سكوته عنه في هذه الصورة ، إذ لو كان باقيا على النجاسة كان الغسل أولى بالذكر فيها منه في الصورة الأولى ، لأنّ توهم الطهارة في هذه الصورة في غاية الشدّة ، بل لا يفهم الراوي فيها إلاّ الطهارة ، من حيث إنّ جواز الصلاة فيها بإزاء عدم جوازها في الصورة الاولى ، ولا خفاء في أنّه فهم منه بقاء النجاسة ، كما أنّه فهم منه في الصورتين الأخيرتين أيضا كذلك ، لسكوته عن الغسل فيها بإزاء إيجابه في الصورة الأولى ، وسكوته في الصورتين من جهة أنّه علم أنّ البقاء على النجاسة يقتضي الغسل لو أريد الطهارة ، مضافا إلى عدم خفائه في نفسه.

فإن قلت : الأمر على ما ذكرت لو لم يكن الإشعار ببقاء النجاسة في آخر الرواية.

قلت : أولا : أنّه خلاف ما ذكرت.

وثانيا : لو سلّم الاشعار لا بدّ من عدم اعتباره ، لما ذكرنا ، ولمخالفته الإجماع الذي نقله جمع من الأصحاب في اشتراط طهارة المسجد (١) ، ( مضافا إلى ظهور ذلك من غير واحد من الأخبار ) (٢) ولم يظهر من الراوندي وشريكه المخالفة ، بل الظاهر منهم اعتبار طهارته ، إلاّ أنّهم يقولون بأنّ الأرض والبارية والحصير حسب إذا جفّفت بالشمس لا غيرها‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٥ ، المعتبر ١ : ٤٣٣ ، المختلف ٢ : ١٣٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « أ ».

٢٥٩

يكون حكمها حكم الطاهر في جواز السجود ، مع أنّ مخالفتهم غير مضرّة ، كما هو المحقق.

مضافا إلى ظهور أنّها اجتهاد منهم ، لفهمهم ذلك من رواية عمّار ، وأنّهم مخطئون.

على أنّ المحقّق اختار في النافع وفي هذا الكتاب خلاف ذلك (١) ، وفي المعتبر وإن رجّح مختار الراوندي وشريكه (٢) ، إلاّ أنّه ادعى الإجماع على اشتراط طهارة المسجد (٣) ، بل وصرّح في هذا الموضع باشتراط طهارة المسجد ، فتأمّل ، وهو ناظر إلى ما ذكرنا.

وأمّا صاحب الوسيلة فربما نقل منه المنع من السجود ، إلاّ أنّه يجوز الصلاة (٤) ، فلعله يعتبر طهارة مكان المصلّي ، وهو أحد الأقوال ، لكنه يكتفي في غير المسجد بتجفيف خصوص الشمس خصوص الثلاثة ، فتأمّل كلامه.

وأيضا لا بدّ من عدم اعتبار الإشعار ، للإجماع الذي نقله الشيخ ، مضافا إلى ظهور ذلك من رواية زرارة وأبي بكر وغيرهما. مع أنّ البقاء على النجاسة وتأثير الطهارة في خصوص الصلاة عليه من خصوص الشمس في خصوص المحلّ مخالف للاعتبار وما يظهر من تضاعيف أحكام الطهارة والنجاسة ، بل هو أمر غريب بالنسبة إليها ، ولذا لو يعرض جواز الصلاة عليه على عرف أمّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفهم إلاّ الطهارة ، ولا يذهب‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٧ ، الشرائع ١ : ٧٣.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٥.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٣.

(٤) حكاه عنه في الذخيرة : ١٧٠ ، وانظر الوسيلة : ٧٩.

٢٦٠