الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

الدلالة لا بدّ أن تكون مطابقة أو تضمّنا أو التزاما ، وقد عرفت أنّه أجنبي بالنسبة إلى هذه العبارة ، وأين اللزوم؟.

مع أنّه لا وجه للتخصيص بالطعام ، ولا بعبارة الحلّية ، بل اللازم التعميم ، والمناسب عبارة الطهارة. بل التخصيص بتلك العبارة يمنع من الدلالة على الطهارة ، بل الشراب أولى من الطعام بذلك ، بل التخصيص بهما يكون ظاهرا في نجاسة غيرهما ، كما يظهر من تفسير أهل البيت عليهم‌السلام في أخبار صحاح كثيرة وأخرى معتبرة (١).

قوله : وتخصيصه بالحبوب. ( ٢ : ٢٩٧ ).

لا يخفى أنّ الوارد في غير واحد من الأخبار أنّ المراد منه الحبوب وأشباهها (٢). وهذه الأخبار أيضا ممّا يدلّ على نجاستهم.

ويظهر من أهل اللغة أنّ الطعام اسم للحنطة ، كما يظهر من الصحاح والمغرب وغيرهما (٣) ، ويظهر من عبارة بعضهم ضمّ دقيقها أيضا (٤).

فإنّ قلت : الحبوب وأشباهها كانت داخلة في الطيّبات في قوله تعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) وعطف الخاصّ على العامّ إنّما يجوز لنكتة ، والنكتة أنّ تعليق التحليل بالطيّبات يؤذن بأنّ طعام أهل الكتاب ليس محلّلا على الإطلاق ، إذ المائع لا ينفكّ عن النجاسة غالبا ، مع أنّ هذا لا يناسب العموم ، لأنّ أكثر الأفراد من الطيّبات على ما ذكرت ، بل الكل من الطيّبات بحسب الذات. والنجاسة ـ لو عرضت ـ فعارض خارجي ، فحسن إفراده بالذكر.

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢٠٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥١.

(٢) الوسائل ٢٤ : ٢٠٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥١.

(٣) الصحاح ٥ : ١٩٧٤ ، المغرب ٢ : ١٤ ، القاموس ٤ : ١٤٥.

(٤) حكاه عن الأقطع في الذخيرة : ١٥١.

٢٠١

قلت : قوله تعالى ( وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) يأبى عن هذه النكتة ، كما لا يخفى على الفطن. مع أنّ هذه النكتة فرع نجاستهم ، إلاّ أن يكون المراد النجاسات العارضيّة مثل البول ، فعلى هذا يمكن اعتبار هذه النكتة على تقدير الاختصاص بالحبوب أيضا ، إذ لا يؤمن ملاقاتها مع الرطوبة المنجّسة. وبالجملة : النكتة ليس إظهار عدم النجاسة وعدم المنع من جهة توهم النجاسة ، لإباء قوله تعالى ( وَطَعامُكُمْ ) عنه.

على أنّ النكتة لعلّها شي‌ء آخر ، على طريقة ما يقولون في منع حجّية مفهوم الوصف.

على أنّ النكتة يمكن أن تكون إظهار دخول طعامهم في الطيّبات وإن كان يابسا ، لأنّ معنى الطيّب ليس بديهيا ، ألا ترى أنّه تعالى قال ( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ )؟ لو قال مثل ذلك في طعامهم وطعامنا لكان يظهر أنّ حكاية الطعام حكاية المزاوجة من دون غرابة. لكن لمّا لم يقل هذا وظهر لدينا الآن عدم الحرمة نستغرب ونتعجّب من توهّم الحرمة ، وإلاّ فحكاية الطعام وحكاية المزاوجة لا يوجد فرق بينهما إلاّ من جهة الشرع ، فلا مانع من أن يكون سبحانه أظهر أنّ الطعام ليس مثل المزاوجة ، لا أنّه أظهر طهارتهم ، إذ قد عرفت فساده.

ووجه التخصيص ، لأنّ أهل المدينة كانوا أهل الكتاب ، أو غير ذلك من الوجوه التي تعتبر في مقام منع حجّية مفهوم الوصف.

وأيضا يمكن أن يكون الفائدة استثناء هذا المعنى من بين الموادّة المنهي عنها على وجه العموم ، بأنّه وإن استلزم الموادّة في الجملة إلاّ أنّه لا مانع منه ، لاحتمال حصول الإلف والإنس المؤدّي إلى الإسلام.

ويمكن أن يكون المراد إظهار أنّ أكلكم من طعامهم وأكلهم من‌

٢٠٢

طعامكم ليس فيه من حيث هو هو موادّة ، فلا مانع منه ، إلاّ أن يتحقّق فيه موادّة فيمنع عنه (١) ، لا لأجل أكل الطعام ، فتأمّل.

قوله (٢) : لاندراجها في الطيبات. ( ٢ : ٢٩٧ ).

لم يعلم الاندراج ، لوجوه : الأوّل : عدم العلم بمشروعية التحصيل والتكسّب لأنّهم لا يتشرّعون بشرع الإسلام.

الثاني : مع احتمال مباشرتهم رطبا ، سيّما على طريقة المستدل من كون المراد من الطعام المطبوخ أو ما يشمله ، فإنّ الظنّ حاصل بالمباشرة ، وإن كان طاهرا عند الفقهاء ، لعدم اليقين بالنجاسة.

الثالث : كونه ملك الإمام ومن يجاهد معه ، ولذا سمّي الغنيمة [ فيئا ] (٣).

الرابع : كونه مورثا للموادّة المنهي عنها.

على أنّه على تقدير الظنّ أو العلم بالاندراج [ لا نسلّم ] (٤) كونه بديهيا حتى لا يحتاج إلى الإعلام. مع أن البديهي أيضا ربما يتوقّف على التنبيه ، فتدبّر.

قوله : لا بأس إذا كان. ( ٢ : ٢٩٧ ).

لا دلالة فيها ، لو لم نقل بالإشارة إلى خلاف مرادك.

قوله : إمّا حمل هذه على التقيّة. ( ٢ : ٢٩٨ ).

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : لأجل الموادة.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : فيها ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٢٠٣

لا يخفى أنّ الإجماع المنقول يرجح الحمل على التقية ، سيّما مع كونه بالنحو الذي أشرت ، فإنّه يعيّن الحمل عليها ، سيّما بملاحظة أنّ العامّة شعارهم القول بطهارة هؤلاء. وورد عنهم عليهم‌السلام أخبار كثيرة في أنّ الرشد في ما خالف العامّة ، لا الخبر الذي وافقهم ، وورد منهم الأمر بترك ما وافقهم والأخذ بما خالفهم (١) ، مع أنّه ورد منهم : أن من أسباب اختلاف الأخبار منهم ـ بل وعمدتها ـ التقية (٢) ، والاعتبار أيضا شاهد على ذلك.

وأيضا ديدن الشيعة في الأعصار والأمصار ترك ما وافق العامّة ، والأخذ بما خالفهم في المسائل الشرعية ، حتى أنّهم لو كانوا يرون من حديث ما يومئ (٣) إلى التقية قالوا : أعطاك من جراب النورة (٤).

وأيضا صحيحة إسماعيل بن جابر فيها شهادة واضحة على التقية ، لأنه منع عن الأكل بعبارة دالة على التحريم ، ثم سكت هنيئة ، وهو هيئة من تأمّل في أنّه ما ذا يصنع ويقول ، ثم منع بالعبارة الدالة عليه ، ثم سكت بالهيئة المذكورة ، ثم منع بالنحو السابق ، ثم قال : لا يقال : إنّه حرام ، ولكن تتركه تنزّها عنه من جهة الخمر والخنزير في آنيتهم. وهذا هو المناسب لمذهب العامّة ، وما سبق منه يشهد على أنّ المقام مقام اضطراب ، فتأمّل.

وأيضا صحيحة علي بن جعفر فيها شهادة واضحة على التقية ، لأنّه منع عن الوضوء بعبارة تكون حقيقة في الحرمة ، ثم استثنى صورة الاضطرار ـ ليس إلاّ ـ والضرورات ، هي التي تبيح المحظورات ، ولو كان طاهرا لما فعل كذا قطعا ، والظاهر أنّ الاضطرار هنا من جهة التقية.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ، والبحار ٢ : ٢١٩.

(٢) انظر الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩ ، والبحار ٢ : ٢١٩.

(٣) في « ج » و « د » : يؤدّي.

(٤) انظر الضعفاء لأبي جعفر العقيلي ٢ : ٩٧.

٢٠٤

وإطلاق النهي في صحيحة علي ، لا يكون شاهدا أصلا على الطهارة ، إذ على تقدير أن يكون إطلاق الحرمة غير صحيح ، غايته أنّ النهي محمول على طلب الترك لا خصوص الكراهة.

وبالجملة : القرائن والمرجّحات للنجاسة كثيرة ، فمع ذلك كيف يتمسّك بالأصل؟! لأنّه حجّة ومرجّح في مقام لا يكون دليل ولا مرجّح أصلا ، إذ لو تشبّث به مطلقا فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على موت الشرع واستيصال الفقه ، لأنّ الإجماع لا يرضى به ، وبناؤه على أنّه غير ثابت ، والآية الشريفة لا تنفع المقامات إلاّ نادرا غاية الندرة لو كان ، والاستصحاب أيضا ليس بحجّة. بقي الخبر ، وغير الصحيح منه ليس بحجّة عند الشارح ، وأمّا الصحيح فلا يكاد يتحقّق بدون التعارض مع الآخر أو حجّة أخرى ، ومع ذلك يكون الأصل عند الشارح عدم التكليف ، فلا يبقى على هذا تكليف وحكم شرعي!

قوله : والمراد منه ما يعمّ عرقه حال الفعل وبعده. ( ٢ : ٢٩٩ ).

وخصّصه بعض الفقهاء بما هو في حالة الفعل (١).

قوله : قال : سألت أبا عبد الله. ( ٢ : ٢٩٩ ).

في استدلاله بهذه تأمّل لا يخفى ، لأنّ الجنابة من الحرام من الأفراد التي لا ينساق الذهن إليها عند الإطلاق ، مضافا إلى أنّ الأصل في فعل المسلم الصحة ، فتأمّل.

قوله : احتجّ الشيخ في التهذيب. ( ٢ : ٢٩٩ ).

__________________

(١) حكاه في جامع المقاصد ١ : ١٦٥. وكشف اللثام ١ : ٤٩ ، ولم نعثر على قائله.

٢٠٥

احتجاجه بهذه الرواية غفلة منه ، وإلاّ فقد روى الكليني ـ في الحمّام ـ عن الرضا عليه‌السلام قال : « من أخذ آجرّة (١). » إلى أن قال : « يغتسل فيه الجنب من حرام والزاني والناصب » الحديث (٢). وعن أبي الحسن عليه‌السلام : « لا تغتسل من غسالته فإنّه يغتسل فيه من الزنا » (٣).

وروى محمد بن همام بإسناده إلى إدريس الكفرثوثي أنّه كان يقول بالوقف ، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن عليه‌السلام ، وأراد أن يسأله عن الثوب يعرق فيه الجنب ، أيصلّى فيه؟ فبينا هو واقف في طاق باب لانتظاره عليه‌السلام إذ حرّكه أبو الحسن عليه‌السلام بمقرعة وقال : « إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه ».

وهذه الرواية مذكورة في الكتب المعتمدة المصنّفة في الإمامة وظهور معجزتهم عليهم‌السلام ، مثل كشف الغمّة وغيره (٤) ، وليس الآن ببالي ، ولها ظهور. والروايتان الأوليان ربما تصلحان لتأييدها وتقويتها. وبمضمونها أفتى الصدوق رحمه‌الله في الفقيه (٥) ، وجعله المفيد احتياطا (٦) ، وبالجملة : لا خفاء في أنّ مستند الصدوق إنّما هو هذه الرواية.

وأمّا الشيخ رحمه‌الله فلعلّ مستنده أيضا هذه الرواية ، إلاّ أنّه حين تأليفه التهذيب في هذا المقام ربما غفل عن نفس المستند ، لكثرة علمه وغزارته‌

__________________

(١) في المصدر : خزفة.

(٢) الكافي ٦ : ٥٠٣ / ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٤٩٨ / ١٠ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٣.

(٤) إثبات الوصية : ٢٠١ ، الذكرى : ١٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٧ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٢ ، ولم نعثر عليها في كشف الغمّة.

(٥) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٣.

(٦) المقنعة : ٧١.

٢٠٦

ووفور اشتغاله ، فتشبّث بأمر آخر ، وقد اتفق أمثال ذلك منه ، وظهر في موضع آخر أنّ مستنده ليس ذلك ، بل وأظهر نفس مستنده ، كما لا يخفى على المتتبع.

منها : ما فعله في صلاة الجمعة وكون وجوبها تخييريا ، فقد ذكر في المصباح دليله وذكر أنّه الدليل (١) ، فلاحظ وتأمّل.

فإن قلت : المنع من الصلاة فيه من أين ظهر كونه للنجاسة؟

قلت : النجاسات تثبت غالبا بالأمر بالغسل ، ومعلوم أنّه لأجل الصلاة وأمثالها ، مثل أن يقول : اغسل ثوبك منه وصلّ ، أو مطلقا ، وأي عاقل يفرق بين هذا وبين : لا تصلّ فيه؟ ومعلوم أنّه إذا غسله وزوال العرق بالمرّة بالماء في طريق التطهير الشرعي أنّه يجوز الصلاة حينئذ ، فتدبّر.

وفي الفقه الرضوي : « وإن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال فيجوز الصلاة فيه ، وإن كانت حراما فلا يجوز الصلاة فيه حتى تغتسل » (٢).

والصدوق في أماليه نسبه إلى عقائد الإمامية (٣) ، فظهر أنّه لم يكن أحد من القدماء قائلا بخلافه ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلاّ كان ما دلّ على الحكم ضعفه منجبرا ، لو كان فيه ضعف. مع أنّ الشيخ رحمه‌الله في الخلاف ادعى الإجماع (٤).

قوله (٥) : لصحيحة هشام بن سالم. ( ٢ : ٣٠٠ ).

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٣٢٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١٦.

(٤) الخلاف ١ : ٤٨٣.

(٥) هذه التعليقة ليست في « أ » و « و».

٢٠٧

وروى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ونهى عليه‌السلام عن ركوب الجلاّلات وشرب ألبانها ، فقال : « إن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله » الحديث ، رواه في المطاعم والمشارب (١).

قوله : ومثلها روى حفص. ( ٢ : ٣٠٠ ).

في رواية حفص هكذا : « لا تشرب ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله ». فالظاهر أنّها مستند الشيخين. وأمّا صحيحة هشام فربما تحمل على كون المراد من الجلاّل هو الإبل ، فتأمّل.

قوله : فقال : لا بأس به. ( ٢ : ٣٠١ ).

ويدلّ عليه أيضا أصالة البراءة واستصحاب الحالة السابقة ، وأصالة طهارة الأشياء ، ولزوم العسر بل والحرج بالنسبة إلى المكارين وأمثالهم ممّن هو مبتلى بها ، وأنّها لو كانت نجسة لاقتضى ذلك شيوع الحكم بالنجاسة ، وذيوع الاحتراز عنها في الأعصار والأمصار ، لعموم الوجود ، بل والحاجة أيضا بالنسبة إلى مثل المكاري. بل كثير من البيوت غير خالية من (٢) واحد منها ، بل الغالب في الأسفار الابتلاء ، فلو كانت نجسة لكانت مثل سائر النجاسات تشيع وتذيع نجاستها في الأعصار والأمصار والقرى والدساكر (٣) والخانات ، مع أنّ الأمر بالعكس في مقام العمل بالنسبة إلى المسلمين ، وفي مقام الفتوى بالنسبة إلى المعظم والجلّ ، بل الظاهر عدم مخالف سوى ابن الجنيد (٤) الذي خالف القوم كثيرا ، وخرج عمّا هم عليه‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢١٤ / ٩٩١ ، الوسائل ٢٤ : ١٦٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢٧ ح ٦.

(٢) في « و» زيادة : غير.

(٣) الدسكرة : بناء على هيئة القصر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم ، النهاية لابن الأثير ٢ : ١١٧ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٠٢.

(٤) انظر المعتبر ١ : ٤١٣.

٢٠٨

مكررا ، بل وفي ما هو ضروري مذهبهم أيضا. وأمّا الشيخ فقد رجع عنه (١).

وممّا يدل عليه أيضا ما رواه الشيخ ـ في القوي بقاسم بن عروة ـ عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام في أبوال الدوابّ تصيب الثوب : فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالا؟ قال : « بلى ، ولكن ليس ممّا جعله الله للأكل » (٢) إذ الدلالة على القول بثبوت الحقيقة الشرعية في أمثال هذه العبارات أيضا بالنسبة إلى زمان الصادقين عليهما‌السلام ومن بعدهما واضحة.

ولو قلنا بعدم الثبوت فغير خفي أنّ الظاهر منها الكراهة ، إذ النجاسة لا يعبّر عنها بهذه العبارة الرخوة التي لا دلالة فيها على النجاسة ، فكيف يكتفى بها عنها؟! وذلك ظاهر.

ويمكن الاستدلال للطهارة بجميع الأخبار الدالة على طهارة الروث ، لعدم القائل بالفصل ، فيكون الأمر بغسل البول محمولا على الاستحباب. وعلى تقدير الإغماض عن حجّيته فلا شكّ في كونه من جملة المؤيّدات للطهارة والمرجّحات لدليلها والجابرات لضعف السند.

وممّا يرجّح : كون هذه الروايات مخالفة لمذهب العامّة جميعا ، بخلاف ما دل على النجاسة ، فإنّها تحمل على التقية ، لموافقتها لمذهب بعض العامّة (٣) ، ولعلّه المذهب الشائع في وقت صدور الأخبار في البلد الذي صدر عنه الخبر ، أو بلد الراوي ، فإنّ ذلك هو المعتبر في الحمل على‌

__________________

(١) انظر التهذيب ١ : ٤٢٢ ، والاستبصار ١ : ١٧٩ ، والمبسوط ١ : ٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٢ ، الوسائل ٣ : ٤٠٨ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٧.

(٣) انظر بداية المجتهد ١ : ٨٠ ، والمجموع ٢ : ٥٤٨.

٢٠٩

التقية. ويقرّب الحمل على التقية أنّ من العامّة من يقول بحرمة لحوم هذه الحيوانات (١) ، فتأمّل.

وممّا يعضد هذه الأخبار عموم حسنة زرارة.

( ويدلّ على الطهارة دلالة واضحة موثقة ابن بكير الآتية في كتاب الصلاة في بحث لباس المصلي (٢) ، فلاحظ الموثّقة من أوّلها إلى آخرها.

و [ تتمّة ] (٣) الرواية لم يذكرها في المدارك ) (٤).

قوله : وأجيب عن الروايتين. ( ٢ : ٣٠٢ ).

لا يخفى أنّ الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون اتفاق الكل ـ على ما أشرنا إليه في الحاشية السابقة ـ تجبر ضعفها ، بل ربما كانت أقوى من بعض التوثيقات ، بل ومن كثير منها ، كما لا يخفى على المطّلع على الرجال ، فإنّ المدار فيها على الظنون ، وترجيحاتها على الظنون الضعيفة ، وبسطنا الكلام في الرجال ( من أراد الاطّلاع فليرجع إلى تعليقتنا على رجال ) الميرزا محمّد رحمه‌الله (٥) ) (٦). مع أنّ الحكم بن مسكين قوي ، بل ربما حكموا بصحة حديثه. وإسحاق بن عمّار قد بسطنا الكلام فيه في الرجال (٧).

__________________

(١) انظر بداية المجتهد ١ : ٤٦٩ ، والمغني ١١ : ٦٦.

(٢) المدارك ٣ : ١٦٢ ، الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الوسائل ٣ : ٤٠٨ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : يعمّه ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٥) انظر تعليقات الوحيد ( منهج المقال ) : ٤.

(٦) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٧) انظر تعليقات الوحيد ( منهج المقال ) : ٥٢ ، ١٢٢.

٢١٠

وأمّا رواية أبي الأغر ، فقد رواها الصدوق في الفقيه (١) ، مع أنّه قال في أوّل الفقيه ما قال ، ورواه الكليني أيضا (٢) ، مع أنّه قال في أوّل كتابه ما قال. وأبو الأغر يروي عنه صفوان وابن أبي عمير ، وهما ممّن قال الشيخ : إنّهما لا يرويان إلاّ عن الثقات (٣) ، مع أنّهما ممّن أجمعت العصابة ، هذا ، مضافا إلى ما ذكرت في الحاشية السابقة ، فإنّه يعيّن العمل بهذين الحديثين.

قوله : وهو لا يصلح معارضا. ( ٢ : ٣٠٢ ).

عدم الصلاحية إنّما يكون إذا لم يكن يوافقه أخبار خاصّة أخر ، سيّما مع انضمام تلك الأخبار بما مرّ.

قوله : بمقتضى الأصل السالم. ( ٢ : ٣٠٣ ).

ويدلّ على طهارة الروث ما ورد من المنع عن الاستنجاء بالروث (٤) ، فإنّه كالصريح في الطهارة.

قوله : ولم نقف له في ذلك على مستند ( ٢ : ٣٠٤ ).

بل إطلاقات الأخبار وصريح بعضها حجّة عليه.

قوله : واستدلوا على ذلك. ( ٢ : ٣٠٥ ).

وادعى ابن إدريس الإجماع (٥).

قوله : « جنّبوا مساجدكم ». ( ٢ : ٣٠٥ ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٨ / ١٠.

(٣) عدّة الأصول ١ : ٣٨٦.

(٤) الفقيه ٤ : ٣ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٥٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥ ح ٥.

(٥) السرائر ١ : ١٦٣.

٢١١

ويؤيّده الأمر بتعاهد النعل (١) ، ومنع الكفّار عن دخوله في الأعصار والأمصار ، والأمر بتعظيم شعائر الله ، والمنع عن تمكين الصبيان والمجانين (٢) ، والنهي عن دخولها إلاّ طاهرا (٣) ، وعن البصاق فيها (٤) ، والأمر بجعل المطاهر على أبوابها (٥). وأمّا حرمة تنجيسها فإجماعي ، بل ربما كان بديهي الدين.

قوله (٦) : ويتوجه على الأوّل. ( ٢ : ٣٠٥ ).

فيه ما عرفت.

قوله : يحتاج إلى الدليل. ( ٢ : ٣٠٥ ).

الدليل هو عدم القول بالفصل ، إلاّ أن يقال : الإجماع واقع على منع الكفّار مطلقا ، مع الخلاف في أنّ الحرام هو إدخال المسري أو مطلقا ، ومع هذا لا يتأتّى التمسّك بعدم القائل بالفصل ، فتأمّل. ولكن تفريع عدم قربهم للمسجد على النجاسة دليل على أنّ نجاستهم من حيث هي هي مانعة ، فهذا من باب منصوص العلّة ، لأنّ المعنى : أنّهم لا يقربوا المسجد الحرام لأنّهم نجسون ، فتأمّل.

قوله : وعدم الظفر بالقائل. ( ٢ : ٣٠٥ ).

لو تمّ ما ذكره هنا امتنع استناده بعدم القول بالفرق في المواضع التي استند فيها ، وقد مرّ كثيرا ، وسيجي‌ء أيضا ، وما نحن فيه ليس بأدون من تلك‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٥ / ٧٠٩ ، الوسائل ٥ : ٢٢٩ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٣٣ أبواب أحكام المساجد ب ٢٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٣ / ٧٤٣ ، الوسائل ١ : ٣٨٠ أبواب الوضوء ب ١٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٢٢١ أبواب أحكام المساجد ب ١٩ ، ٢٠.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٥٤ / ٧٠٢ ، الوسائل ٥ : ٢٣١ أبواب أحكام المساجد ب ٢٥ ح ٣.

(٦) هذه الحاشية ليست في « ا ».

٢١٢

المواضع ، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله : فيحصل به الامتثال. ( ٢ : ٣٠٥ ).

هذا ربما كان بعيدا ، نعم بعد ملاحظة المعارض يقرب هذا الاحتمال ، ويحتمل أن يراد من المساجد موضع الجبهة في السجود.

قوله : ما نقله الشيخ في الخلاف من الإجماع. ( ٢ : ٣٠٦ ).

بل ما دل على جواز الجنب أيضا ، وعدم حرمة تمكين المجانين والصبيان ، والإجماع الذي نقله الشهيد على جواز دخول الحيّض من النساء ، وكذا الصبيان (١) ، والأخبار الدالّة على جواز اجتيازهنّ والجنب (٢).

ويؤيّده أيضا ، العمومات الدالّة على الحثّ والتحريض على الصلاة في المساجد ، وخلف الإمام جماعة ، الشاملة لمن به القروح والجروح الدامية وأمثاله. وكذا عدم استثناء هؤلاء في من استثني من وجوب الحضور إلى صلاة الجمعة ، مثل المريض والأعرج والمرأة وغيرهم ، مع أنّ المعهود والمتعارف وقوع صلاة الجمعة في المساجد ، بل كان المتعين في مكّة والمدينة والكوفة صلاة الجمعة في مساجدها المعهودة ، وكذا الحال في صلاة العيدين في مكة المشرّفة.

وبالجملة : لو كان إدخال مطلق النجاسة حراما لتوجه الشارع إلى حال من به القروح والجروح وأمثاله في صلاة الجمعة والعيدين ، بل والجماعة أيضا ، بأن يصدر منه استثناء هؤلاء ، أو يأمر بأن تقع الصلاة خارج المسجد ، كي يتأتّى لأمثال هؤلاء الحضور ، ولو فعل أحد الأمرين لاشتهر في الأعصار والأمصار ، مع أنّ المشهور بين المسلمين خلاف ذلك. مضافا‌

__________________

(١) الذكرى : ١٥٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٢٠٥ أبواب الجنابة ب ١٥.

٢١٣

إلى الأخبار الحاصرة للاستثناء في الجماعة المذكورين فيها (١) ، وكذلك فتاوى الفقهاء.

إلاّ أن يقال باستثناء هؤلاء في إدخال النجاسة ، بأنّ هؤلاء لا يحرم عليهم الدخول ، أو يقال بأنّ حرمة دخولهم المساجد كانت في الظهور بحيث لم يتحقّق الاحتياج إلى التعرض للاستثناء ، وإنّ استثناءهم كان بحيث لم يحتج إلى مراعاة حالهم ، بأنّ يفعل الجماعة والصلاة خارجا عن المسجد ، لكنّه بعيد ، فتأمّل.

قوله : وفيه توقّف. ( ٢ : ٣٠٦ ).

الأمر كما ذكروه ، بالنظر إلى الظاهر من الإجماع وغيره من الأدلة ، وقد أشير إليه ، بل التوقّف إن كان لعموم الخطاب ـ كما هو الظاهر من كلامه ـ فلم نجد له وجها ، لعموم « جنّبوا » ، والأصحاب عملوا به ، وبناؤهم على العمل به. وكون من أدخلها يتعين عليه الإخراج لا يمنع وجوب الكفاية.

قوله : لا امتناع في أن يقول الشارع. ( ٢ : ٣٠٧ ).

لقائل أن يقول : فرق بين التصريح والإطلاق ، إذ لعلّه عند الإطلاق يظهر من حال الآمر أنّه كاره للضد والمانع ـ كما سيذكر وإن كان يجيب عنه ـ هذا بخلاف التصريح ، فإنّه لا مجال للقول بالكراهة. نعم لمّا كان يظهر من كلام القائل وأدلته أنّه يدّعي استحالة عدم النهي عن الضدّ يتوجه عليه ما ذكره رحمه‌الله.

وممّا يشير إلى بطلان رأيهم أنّه لو كان الأمر كما يقولون لزم بطلان‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة ب ١.

٢١٤

صلاة عامّة الناس ، وعدم جوازها إلاّ في آخر الوقت بمقدار أدائها ، وكذا الحال في أمثال الصلاة ، إذ لا يكاد يتحقّق من لا يكون عليه واجب مضيّق ، مثل معرفة أصول الدين بالدليل ، وفروعه ممّا يتعلق بالتكاليف التي يجب عليه امتثالها بالأخذ عن المجتهد ، والتوبة بأداء حقوق الناس وإرضائهم ، وطلب العفو والحلّية ، وغير ذلك. ويلزم أيضا عدم جواز القصر في الصوم والصلاة إلاّ لأوحديّ الناس ، وأمثال ما ذكر. وكل ذلك خلاف المستفاد من الآيات والأخبار ، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، فتأمّل.

قوله : كما في الضدّ العام. ( ٢ : ٣٠٧ ).

لقائل أن يقول : إنّ قصد الجزء متحقّق في ضمن قصد الجميع ، أو المجموع ، غاية الأمر أنّه ليس على حدّة ، بل عدم تجويز الترك إنّما هو فصل ومقوّم لا يكون له وجود مغاير ولا امتياز ، بل وجوده عين وجود الكل ، كما هو الحال في الأجزاء العقلية ، فإنّ الكل موجود واحد بسيط ، إنّما الأجزاء في ظرف تحليل العقل ، وإلاّ حين ما يسمع اللفظ لا يخطر في الذهن إلاّ صورة واحدة بسيطة ، فقصد الجزء عين قصد الكل ، فتأمّل.

قوله : ومع امتناع ذلك الواجب. ( ٢ : ٣٠٨ ).

لا يخفى أنّ وجود الصارف وانتفاء الداعي إنما هما من أفعاله الاختيارية ، وهو قادر على إزالة الصارف وإيجاد الداعي ، ويجب عليه أن يجعل المقدّمة وسيلة إلى المطلوب ، بل كل واحد من إزالة الصارف وإيجاد الداعي أيضا من مقدّمات الواجب المطلق ومقدور المكلف ، فيجب ، ويجب التوصّل بكل واحد منهما إلى ذي المقدّمة من دون فرق بين المقدّمات ، مع أنّ القائل بوجوب المقدّمة يقول بوجوبها مطلقا من غير قيد ، فكذا دليله يقتضي الوجوب كذلك. فتأمّل.

٢١٥

قوله : من باب المقدّمة. ( ٢ : ٣٠٨ ).

أي السبب ، في ما ذكره رحمه‌الله رجوع عن القول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به إلى القول بوجوب خصوص السبب منها ، والمشهور من المنكرين عدم إنكار هذا ، فهو رجوع إلى قول المنكرين ، فتأمّل.

قوله (١) : يمكن اختيار الشق الثاني. ( ٢ : ٣٠٨ ).

الأولى اختيار الشقّ الأوّل ، ومنع استحالة التكليف بالضدّين إذا كان التكليف بأحدهما موسّعا ، إذ محلّ النزاع ليس إلاّ هذا ، فكما لا يستحيل التكليف بالضدّين إذا كان التكليف بأحدهما موسّعا إجماعا فكذا في ما نحن فيه.

قوله : ولا إعادة عليك. ( ٢ : ٣١٣ ).

في الكافي : « لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء » الحديث (٢). وهو الصواب.

قوله : لاعتضاد الثاني. ( ٢ : ٣١٣ ).

لكن يعضد الأوّل العمومات.

قوله : وأمّا الأوّل فلما أشرنا. ( ٢ : ٣١٣ ).

لا يخفى أنّ الأمر وإن كان كما يقول من أنّ الظاهر أنّ ابن مسلم لا يروي عن غير المعصوم ، لكن الظاهر لا يقاوم النص. وأيضا رواية ابن مسلم حسنة فلا تقاوم الصحيح.

وأيضا ، مقتضاها العموم سيّما وقدر الدرهم من أفراده النادرة غاية الندرة ، فلا يكون داخلا فيه ، فتأمّل ، والعموم لا يعارض الخصوص‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٢) الكافي ٣ : ٥٩ / ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

٢١٦

والمنصوص ، حيث صرّح في صحيحة ابن أبي يعفور بالغسل وإعادة الصلاة إن كان قدر الدرهم ، وأيضا صحيحة ابن أبي يعفور معتضدة بالعمومات وبرواية جميل التي هي أيضا صريحة ، بخلاف رواية إسماعيل فإنّه لا دلالة فيها أصلا ، فضلا عن الصراحة ، لأنّ الظاهر منها عدم تحقّق مقدار الدرهم بحسب التعارف ، وهو كذلك ، إذ وقوع الدم بحيث لا يزيد عن قدر الدرهم أصلا ولا ينقص ، من الفروض النادرة جدّا ، وكذا الحال في ضرب الدرهم وتحقّق السعة منه ، فما في بعض الأخبار من لفظ الدرهم وقدره فإنّما هو بحسب التخمين ، وما في البعض الآخر من التعرض لخصوص الأقل أو الأكثر فإنّما هو بالنظر إلى التحقّق بحسب الواقع ونفس الأمر.

ويحتمل أن يكون الأوقات كانت مختلفة في تحقّق السعة في الضرب ، كما هو المشاهد في أمثال زماننا ، ولهذا اختلفت الأخبار ، بأن كان في بعض الأوقات لم يتحقّق انضباط غالب ، فحكموا بالأقل والأكثر فقط ، وفي بعض الأوقات كان يتحقّق ، أما بسعة زائدة فحكموا بوجوب الغسل والإعادة ، أو بسعة ناقصة فحكموا بوجوب غسل ما زاد والإعادة منه.

ويمكن أن يكون الدرهم في ما دل على وجوب إزالته هو الوافي ، وما دل على عدم الإزالة هو الدرهم المتداول في زمانهم عليهم‌السلام ، أعني غير الوافي على ما سنشير ، فتأمّل.

قوله : وذكر الصدوق. ( ٢ : ٣١٤ ).

ما ذكره الصدوق والمفيد إنّما أخذاه من الفقه الرضوي (١).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٦٥ أبواب النجاسات ب ١٥ ح ١.

٢١٧

قوله : وهو متقدّم على زمن الصادق عليه‌السلام. ( ٢ : ٣١٥ ).

لا يخفى أنّ العامّة أيضا رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحكم ، وأنّه لو كان أقل فلا بأس ، وإذا كان درهما أو أكثر يجب غسله (١) ، فلعلّ هذا كان مشهورا معروفا منه ، فلذا قال الصادق عليه‌السلام أيضا كذلك ، مع أنّه غير معلوم هذا الذي ذكره. والظاهر أنّ الدرهم الوافي كان له منشأ ، كما ذكرنا ، فليحمل عليه.

قوله : باستثناء دم الحيض. ( ٢ : ٣١٥ ).

وفي الفقه الرضوي أيضا أنّه قال عليه‌السلام : « إلاّ أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ، ومن البول والمني قلّ أو كثر » (٢).

قوله : من دم لم تبصره. ( ٢ : ٣١٦ ).

لعل المراد من : لم يبصر ، أنّه لم يبصر من جهة القلّة ، بشهادة قوله عليه‌السلام : « فإن قليله وكثيره. » ولأنّ الجهل لا خصوصية له بالدم ، فتأمّل ، ولأنّ أحدا من الأصحاب لم يقل بأنّ الجهل في دم الحيض يوجب إعادة الصلاة ، وفي غيره من الدماء لا إعادة فيه ، فهذا الحديث مع ما نقلناه من الفقه الرضوي وما سنذكره أيضا دليل ، مضافا إلى عدم عموم لغوي في الدم الذي عفي عن أقل الدرهم منه.

وما ورد في عدّة أخبار من أنّ الحائض تصلّي في ثيابها ما لم يصبها دمها (٣) ، وما ورد في الأخبار من الأمر بالصبغ بمشق إذا بقي أثره (٤) ، ربما‌

__________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ٤٠١ ح ١ و ٢.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٦٦ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٤٩ أبواب النجاسات ب ٢٨.

(٤) الوسائل ٢ : ٣٦٩ أبواب الحيض ب ٥٢.

٢١٨

يكون فيه تأييد ، فتأمّل.

قوله : وهي مع ضعف سندها ( ٢ : ٣١٦ ).

الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، وكذا الوقف ، فإنّ الظاهر أنّه ما رواه إلاّ عن المعصوم عليه‌السلام ، فتأمّل ، مع أنّه ورد في بعض النسخ زيادة قول : عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا. الحديث (١).

قوله : وألحق به الشيخ رحمه‌الله دم الاستحاضة. ( ٢ : ٣١٦ ).

يمكن الاستدلال على إثباته بما مرّ في مبحث الاستحاضة من دعوى الإجماع على وجوب تغيير القطنة والخرقة إذا وصل الدم إليها (٢) ، والأخبار المستفيضة الدالة على ذلك (٣).

ومنه يظهر وجوب غسل دم الحيض والنفاس بطريق أولى ، مع أنّه مرّ في مبحث النفاس ما يشير إلى اتحاد حكم النفاس مع الحيض ، بل وكونه حيضا في المعنى (٤).

قوله : يجري مجرى النطق به. ( ٢ : ٣١٦ ).

فيه تأمل ، لأنّ مع النطق لا يمكن التخصيص والبناء على عدم الشمول ، وهو رحمه‌الله ربما يقول بعدم شمول العام للأفراد النادرة ، مع أنّ ملاحظة ما دل على أنّ الدم المعفوّ إذا لاقاه نجاسة خارجة لم يكن معفوّا عنه ربما يمنعنا عن الحكم بدخول هذا الدم في العموم المقتضي للعفو ، بل جعله مثل دم الحيض والاستحاضة والنفاس أيضا محل نظر ، لما عرفت ،

__________________

(١) انظر التهذيب ١ : ٢٥٧ / ٧٤٥.

(٢) انظر المدارك ٢ : ٣٠.

(٣) راجع ص ١٢ ـ ١٧.

(٤) راجع ص ٢٩ ـ ٣١.

٢١٩

ولعدم كونها مثل دم نجس العين في الشذوذ والندرة وعدم انصراف الذهن إليه ، فتأمّل.

قوله : واسمها ضمير يعود إلى نقط الدم. ( ٢ : ٣١٩ ).

الظاهر من الحديث هو هذا الاحتمال ، لأنّ ضمير « يكون » راجع إلى نقط (١) الدم ، فيكون « مجتمعا » على هذا حالا مقدّرة ، لأن هذا هو الظاهر ، لأنّ النقط المتفرّقة لا تكون مجتمعة إلاّ على التقدير ، فالحديث حجّة على المحقّق لا له.

نعم رواية جميل المتقدّمة ربما كانت ظاهرة في ما ذكره ، فتأمّل ، لكنها لا تقاوم الصحيحة سندا ولا دلالة ، ولا بحسب المؤيّدات الخارجية ، مثل العمومات الدالة على وجوب طهارة الثوب ، والإطلاقات في الدم الذي يجب إزالته ، وإطلاق قدر الدرهم ، والاستقراء الذي ذكره.

قوله : ممّا لا يدل عليه اللفظ. ( ٢ : ٣١٩ ).

قد عرفت وجه الدلالة ، وأنّ هذا هو الظاهر.

قوله : مختصّا بما قدّر فيه. ( ٢ : ٣١٩ ).

لا يخفى أنّ السؤال لم يكن إلاّ عن حال النقط المتفرّقة ، فالجواب إنّما هو جواب عمّا سئل ، مع أنّه يظهر حال ما حقّق بطريق أولى ، فتأمّل ، ويظهر من الرواية وجوب الإعادة في صورة النسيان ، وسيجي‌ء الكلام فيه (٢).

قوله : لا يتفاوت الحال. ( ٢ : ٣١٩ ).

الظاهر أنّ نظره في هذا إلى الاستقراء ، فتأمّل.

__________________

(١) في « ا » : لفظ.

(٢) يأتي في ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

٢٢٠