الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

هذا (١) مع اتفاق المتشرّعة على كونه طهارة ، لأنّ الطهارة عندهم عن الحدث الأصغر وهو الوضوء ، أو الأكبر وهو الغسل ، ويجعلونه ستّة :

الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، والموت ، ومسّ الميت ، من دون فرق منهم بين الأمور المذكورة في نصوص عباراتهم وظواهرها ، ولا يطلقون لفظ الطهارة على وضوء الحائض ، كما لا يطلق عليه في الأخبار أيضا ، مثل ما رواه ابن مسلم عن [ الصادق ] (٢) عليه‌السلام أنّه قال له : الحائض تتطهّر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى؟ فقال عليه‌السلام : « أمّا الطهر فلا ، ولكن تتوضّأ وقت كلّ صلاة ، وتستقبل القبلة وتذكر الله تعالى » (٣) وذكر بعض الفقهاء (٤) مثله في مبحث الطهارات استطراد وتقريب. ( وأمّا الطهارات المستحبة قبل دخول وقت الصلاة والواجبة بعد دخوله فكلها واجبة لغيرها قطعا ، بل عند المشهور أنّ جميع الطهارات كذلك ) (٥).

وأمّا الطهارات المستحبة مطلقا ـ مثل غسل الإحرام وغيره ـ فمن جهة عدم وجوبها أصلا ورأسا لا يمكن أن تصير واجبة لغيرها. فعلى هذا كل ما ورد في الأخبار من اشتراط الصلاة أو غيرها ـ مثل مسّ كتابة القرآن وغيره ـ على الطهارة أو الطهور يشمل غسل مسّ الميت أيضا ، كما يشمل غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس أيضا ، من دون تفاوت.

وكذا ما ورد في الأخبار من أنّ الطهور لا يجب إلاّ بعد دخول وقت‌

__________________

(١) من هنا إلى نهاية التعليقة ليس في « أ ».

(٢) في النسخ : الباقر عليه‌السلام ، والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٣) الكافي ٣ : ١٠٠ / ١ ، الوسائل ٢ : ٣١٤ أبواب الحيض ب ٢٢ ح ٣.

(٤) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٠.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

١٨١

الصلاة (١) ، يشمل غسل المسّ أيضا من دون تفاوت ، ولذا اتفق أفهام الفقهاء على ذلك ، وأطبق فتاواهم عليه. فما صدر عن الشارح من قوله : لم أقف على ما يقتضي وجوب غسل المسّ للصلاة مثلا واشتراط الصلاة به (٢) ، لا وجه له بعد كون النصوص المقتضية لاشتراط الطهور عامّة شاملة لجميع أفراد الطهور الواجبة ، وكذا النصّ المقتضي لعدم وجوب الطهور إلاّ بعد دخول وقت الصلاة ، وغير ذلك.

وإنّما قلنا بشمول الكل لغسل المسّ أيضا ، لما عرفت من الأخبار أنّه طهارة ، وكذا من اتفاق المتشرّعة. ومعلوم أنّه إذا كان في الحديث قرينة صارفة عن إرادة المعنى اللغوي ، يكون المراد هو المعنى الذي عند المتشرّعة حقيقة ، كما هو مسلّم ومحقّق ، فبعد ثبوت كونه طهارة من الأخبار وغيرها ، يكون هذا الغسل أيضا داخلا في العمومات مثل قولهم : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٣) إذ ليس فيه تخصيص بطهور دون طهور.

فيظهر منه أنّ اشتراط الصلاة وتوقّفها على الطهور ، نسبته إلى جميع أفراد الطهور على السواء ، والترجيح تحكّم ، لعدم مرجّح في الحديث أصلا ، سيّما مع قبول توقّف الصلاة على جميع الطهارات الواجبة ، والتأمّل في فرد واحد منها بأنّي لم أقف على نصّ يقتضي اشتراط الصلاة به. أليس هذا نصّا وظاهرا في التوقف؟! وأمثال هذه المطلقات ترجع إلى العموم ، كما هو مسلّم من الشارح وسائر الفقهاء.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٢) المدارك ١ : ١٦.

(٣) الفقيه ١ : ٣٥ / ١٢٩ ، الوسائل ١ : ٣٦٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ٦.

١٨٢

وممّا يشمل هذا الغسل ، ممّا دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة : قوله عليه‌السلام : « مفتاح الصلاة الطهور » (١). وقول الباقر عليه‌السلام في الصحاح : « إنّ الفرض في الصلاة : الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والركوع ، والسجود » (٢). وأنّه « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت » الحديث (٣). وقوله عليه‌السلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع » الحديث (٤). إلى غير ذلك من أمثالها ، مع أنّ المفرد المحلّى باللام في أمثال المقام يفيد العموم بلا كلام ، وبناء الشارح عليه ، كسائر الفقهاء.

ويشمله أيضا ما ورد ، من أنّ من صلّى بغير طهور أو نسيها يقضيها في أيّ ساعة تكون (٥). إلى غير ذلك ممّا دلّ على بطلان الصلاة بترك الطهارة.

وأيضا يشمل قوله : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ». ممّا دلّ على أنّ الطهور لا يجب لنفسه ، بل يجب بعد دخول وقت الصلاة. والحكم الشرعي معلّق على الطهور الواجب ، فيدور معه ، ومسلّم أيضا العموم. والمناقشة في عدم الدلالة على الوجوب للغير ، قد عرفت غاية وضوح فسادها. والقول بالنسبة إلى بعض دون بعض تحكّم لا يرضى به‌

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٦ / ٦١ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٢ / ٥ ، الخصال : ٦٠٤ ، التهذيب ٢ : ٢٤١ / ٩٥٥ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ١ : ٣٧١ أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٦ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٤ ، الوسائل ١ : ٣٦٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٥ ، الوسائل ٨ : ٢٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

١٨٣

الشارح ، سيّما مع القبول في الكلّ إلاّ نادرا منه.

ويدلّ عليه أيضا قوله : « مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ». والتقريب كما تقدّم.

ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١).

قوله : وضعف الوجهين ظاهر. ( ٢ : ٢٧٩ ).

لكن ما دل على وجوب الغسل ، شموله لما نحن فيه لعلّه لا يخلو عن تأمّل ، سيّما أن يكون قد تمّ غسل جميع أعضائه ، ولم يبق إلاّ قدر رأس إبرة ، وأمثاله ممّا لم يتمّ الغسل بغير غسله ، وهو في غاية الصغر ، لكونه من الأفراد التي لا ينصرف الذهن إليها بمجرّد سماع ما دل عليه ، لعدم كونه من الفروض الشائعة.

مضافا إلى أنّه ورد في غسل الجنابة : أنّه « ما جرى عليه الماء فقد طهر » (٢). وورد : أنّ « غسل الميت مثل غسل الجنابة » (٣). وإن كان ما ذكره الشارح أيضا لا يخلو عن قوّة ، والاحتياط واضح ، فتأمّل.

قوله : والعمل بها قليل. ( ٢ : ٢٨٠ ).

الظاهر أنّ المراد [ أنّ ] العمل بالمقطوعة من حيث هي هي قليل ، لكن لا يخفى أنّ الضعف منجبر بعمل الأصحاب ، ودعوى الشيخ على تقدير عدم الثبوت ثبوت الشهرة منها لا أقلّ منه ، فتنجبر الرواية بها.

مع أنّ الإجماع المنقول حجّة عند جمع من المحققين (٤) ، بناء على‌

__________________

(١) الواقعة : ٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣ / ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ / ٣٦٥ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٤٧ / ١٤٤٧ ، الوسائل ٢ : ٤٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣ ح ١.

(٤) منهم الشهيد في الذكرى : ٤ ، والشيخ حسن في المعالم : ١٨٢ ، والشيخ البهائي في الزبدة : ٧١.

١٨٤

أنّ ما دلّ على حجّية خبر الواحد ـ بحيث يكون تامّا خالصا من إشكالات الإيرادات ـ شامل للإجماع المنقول أيضا ، فليلاحظ.

ويعضد الرواية والإجماع ما سيذكره الشهيد ، فتأمّل.

قوله : ويتوجّه على الأوّل أنّ كون هذه القطعة. ( ٢ : ٢٨٠ ).

لا يخفى أنّه استدلّ على نجاسة جميع أجزاء الكلب ولو كانت ممّا لا تحلّه الحياة بما ورد أنّه : « رجس نجس » (١) ، ولم يورد على نفسه بمثل ما أورده في المقام ، فتأمّل.

قوله : وهذا المعنى مفقود مع الانفصال. ( ٢ : ٢٨٠ ).

لا يخفى أنّ الاستصحاب حجّة وجار في أمثال ما نحن فيه ، مثل : نجاسة الماء بالتغيّر بالنجاسة ، وقد مرّ الكلام في مبحثها (٢) ، فليلاحظ.

قوله (٣) : منع بطلان اللازم. ( ٢ : ٢٨٠ ).

هذا المنع في غاية البعد.

قوله : إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله. ( ٢ : ٢٨٢ ).

الظاهر أنّه قدر حمّصة وزنا أو جثّة فيمكن الحمل على ما إذا وقع شائعا ، والشائع يجي‌ء بقدر الدرهم. وفي بعض نسخ الفقيه : الخمصة ـ بالخاء المعجمة ـ أي أخمص الراحة ، فيكون المراد قدر الدرهم ، بناء على أنّ هذا قدره ، فلا إشكال حينئذ.

قوله : ونقل الشيخ في المبسوط. ( ٢ : ٢٨٤ ).

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٧٦.

(٢) راجع ج ١ : ٥٧ و ٩١.

(٣) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

١٨٥

يمكن أن يكون استناده إلى ما رواه في الكافي والتهذيب والاستبصار بسند قريب من الصحّة ، عن الصادق عليه‌السلام : « إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض » (١) ، فتأمّل.

قوله (٢) : لو اشتبه الدم المرئي. ( ٢ : ٢٨٤ ).

لكن الظاهر من إطلاقات الأخبار كون الأصل في الدم النجاسة وعدم العفو ، كما صرّح به بعض (٣) ، وهو الظاهر من الشيخ (٤) وغيره ، حيث وجّه الموثّق الدالّ على عدم البأس برؤية الدم في أثناء الصلاة : بأنّ المراد الأقلّ من الدرهم ، ولم يعترض عليه ، فتأمل جدّا.

قوله : والإطلاق أعمّ من الحقيقة. ( ٢ : ٢٨٩ ).

لا حاجة إلى هذا ، لأنّ الاشتراك أيضا لا ينفع المستدل ، إلاّ أن يقول بجواز الجمع بين المعاني فيه ، وكونه عند الإطلاق ظاهرا في الجميع ، وهذا قول سخيف مردود ، ومسلّم عند الفقهاء والمحقّقين المشهورين فساده.

وإن أراد من الاشتراك الاشتراك المعنوي ، فهو خير من المجاز ، ومراد المستدل هو الاشتراك المعنوي ، كما هو الظاهر من كلامه ، بل لا بدّ من حمل كلامه عليه لو لم يكن ظاهرا فيه ، فضلا عن أن يكون ظاهرا.

هذا بالنظر إلى الدليل الأوّل. والجواب عنه هو الذي ذكره من أنّ اللغة لا تثبت بالاستدلال ، بل تثبت إمّا بنصّ الواضع ، أو أمارات الحقيقة ، أو الاستعمال بناء على أنّ الأصل فيه هو الحقيقة ، كما قال بعض (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٠ ، التهذيب ١ : ١٥ / ٣١ ، الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٧٠ ، الوسائل ١ : ٢٦٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٢.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) المعتبر ١ : ٤٢٨ ، ٤٣٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٣.

(٥) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٣٢.

١٨٦

والظاهر أنّ الشارح رحمه‌الله أيضا جوابه عن الأوّل هو ما ذكر.

وأمّا قوله : الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، جواب عن الثاني ، لكن لا يخفى أنّ المستدلّ ما أراد إثبات الحقيقة منه ، بل أراد : ما كان فعلها فعل الخمر فحكمه حكم الخمر ، كما يظهر من الحديث حيث قال : « لم يحرّم الخمر لاسمها ».

فظهر أنّ لفظ الخمر حقيقة في الخمر خاصّة. وأمّا غير الخمر ، فحرمته ليست باعتبار كون الخمر اسمه أيضا ، بل باعتبار المشاركة في علّة تحريم الشارع ، وهو السكر.

فظهر أنّ قوله عليه‌السلام : « فهو خمر » ليس المراد إلاّ أنّه مثل الخمر في الحكم الشرعي ، ولم يعيّن الحكم الشرعي ، فيكون المراد جميع الأحكام إلاّ ما أخرجه الدليل.

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر المتبادر منها هو الحرمة ، ولا ينصرف الذهن إلى غيرها ، فتأمّل ، لأنّه ربما يظهر من الأخبار دخول النجاسة أيضا ، مثل رواية أبي جميلة : قال كنت مع يونس ببغداد ، وأنا أمشي معه في السوق ، ففتح صاحب الفقّاع فقاعة فقفز (١) فأصاب ثوب يونس فاغتمّ لذلك حتى زالت الشمس ، فقلت : يا أبا محمد إلا تصلّي؟ فقال : لا ، حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي. فقلت : رأي رأيته أو شي‌ء ترويه؟ فقال : أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق عليه‌السلام عن الفقّاع ، فقال : « لا تشربه فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله » (٢).

__________________

(١) قفز أي : وثب ، المصباح المنير : ٥١١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٣ / ٧ ، التهذيب ١ : ٢٨٢ / ٨٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٥.

١٨٧

والأخبار الدالّة على نجاسة النبيذ أيضا مستفيضة ، كما ستعرف شطرا منها ، وكلها موافقة لفتوى المشهور ، ومنجبرة أيضا بذلك. ولا يمكن الحمل على التقية ، لأنّ العامة يحللونهما ، ويحكمون بطهارتهما أيضا جزما (١) ، ولا يخفى ذلك على من تتبّع الأخبار. فظهر أنّه لا يمكن حمل ما دلّ على نجاسة الخمر على التقية ، كما فعله بعض علمائنا المتأخّرين (٢) ، مضافا إلى ما ستعرفه في الحواشي الآتية.

ويدل أيضا على نجاسة المسكرات المائعة عدم القول بالفصل.

ويدل أيضا أنّ الأمراء والسلاطين في زمانهم عليهم‌السلام ـ وهو يوازي ثلاث مائة سنة تقريبا ـ كانوا مولعين بشرب الخمر ، وسائرهما كانوا مولعين بشرب الفقّاع والنبيذ ، بل وقاطبتهم. فلو كانوا عليهم‌السلام قائلين بالطهارة لاشتهر منهم اشتهار الشمس بمقتضى العادة وتوفّر الدواعي ، مع أنّهم أظهروا الطهارة مكرّرا ، ومع ذلك الأمر وقع بالعكس ، فإنّ القدماء ادّعوا الإجماع على النجاسة ، والمتأخّرين اتفقوا على ذلك.

قوله : الإجماع نقله الشيخ. ( ٢ : ٢٩٠ ).

وكذا ابن زهرة وابن إدريس (٣).

قوله : على ما ذكره بعض أهل اللغة. ( ٢ : ٢٩٠ ).

يومئ إليه رواية خيران الخادم : أنّه كتب إلى الرجل يسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا‌

__________________

(١) المجموع للنووي ٢ : ٥٦٤ ، المبسوط للسرخسي ٢٤ : ١٧ ، وظاهرهما ان الأكثر قائلون بنجاسة النبيذ المسكر وحرمة شربه وفي المجموع ان أبا حنيفة وطائفة قليلة قالوا بطهارته وحلية شربه.

(٢) انظر مشارق الشموس : ٣٣٣ ، والبحار ٧٧ : ٩٨.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ١٧٨.

١٨٨

فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه ، فإن الله إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم لا تصلّ فيه ، فكتب عليه‌السلام : « لا تصلّ فيه فإنه رجس حتى تغسله » (١). وهذه الرواية أيضا من أدلّة المشهور ومرجّحات أخبار المنع على أخبار الجواز ، والضعف منجبر بالشهرة.

وكذا مرسلة يونس عن الصادق عليه‌السلام : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك » (٢).

وكذا رواية زكريّا بن آدم عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : « يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمة ، أو الكلب ، واللحم أغسله وكله » قلت : فخمر أو نبيذ قطرت في عجين أو دم فقال : « فسد » ، قلت : أبيعه من اليهود والنصارى وأبين لهم؟ قال : « نعم فإنهم يستحلّون شربه » قلت : والفقّاع بتلك المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ فقال : « أكره أن آكله إذا قطر في شي‌ء من طعامي » (٣).

وفي الموثّق عن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : عن الدنّ ، يكون فيه خمر ، هل يصلح أن يكون فيه الخلّ ، أو الكامخ (٤) ، أو زيتون؟ قال : « إذا غسل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ / ١٤٨٥ ، الوسائل ٣ : ٤١٨ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٥ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٧٨ / ٨١٨ ، الوسائل ٣ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧٩ / ٨٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٠ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٨.

(٤) ( الكامخ ) بفتح الميم وربما كسرت : الذي يؤتدم به ، معرّب. ( مجمع البحرين ٢ : ٤٤١ ).

١٨٩

فلا بأس » وعن الإبريق فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » (١).

وهذه الأخبار ـ مع كثرتها وموافقتها لما اشتهر بين الفقهاء وانجبارها ـ لا يمكن حملها على الاستحباب ، لنهاية قوّة الدلالة ، وكون المعارض محمولا على التقية ، كما عرفت وستعرف أيضا.

قوله : خذ بقول أبي عبد الله عليه‌السلام. ( ٢ : ٢٩١ ).

هذا الحديث فيه تأكيدات مانعة عن الحمل على الاستحباب ، ومؤيّدة بحمل المخالف على التقية ، فتأمّل.

قوله : بمنع الإجماع. ( ٢ : ٢٩١ ).

الإجماع عندنا ليس اتفاق الكلّ ، فلا يضرّ وجود المنازع ، بل على تقدير كونه اتفاق الكلّ أيضا لا يضرّ وجوده ، لأنّ اتفاق الكلّ في عصر يكفي.

وإن أراد أنّه يحتمل أن لا يكون إجماع ، ففيه : أنّ مع عدم العثور على المنازع أيضا يكون الاحتمال موجودا ، فلا يصحّ الاستناد إلى المنازع في مقام المنع ، مع أنّ العبرة بنقل الفاضل الماهر الفقيه. فإن ثبتت حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد فلا وجه للتمّسك بالاحتمال ، لأنّ معنى الحجّية ليس إلاّ أنّ الاحتمال غير مضرّ أصلا ، ولا خلل من جهته مطلقا ، وإن لم تثبت الحجّية فلا وجه للمنع بأنّه في موضع النزاع.

والحاصل : أنّ بناء الاستدلال على حجّية المنقول ، كما عليه الفقهاء الفحول ، واستندوا في الحجّية إلى أدلة ، بل وقالوا : ما دل على حجّية الخبر‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

١٩٠

الواحد يشمله (١) ، والشارح أيضا في كثير من المواضع يذكر الإجماع المنقول بخبر الواحد على وجه يظهر منه اعتماده عليه ، فتأمّل.

قوله : كما في المسير. ( ٢ : ٢٩١ ).

قال الشيخ الحرّ رحمه‌الله : وفي رواية : جواز الأكل على الخوان الذي أصابته إذا كان يابسا (٢).

قوله : وما رواه الحسن بن أبي سارة في الصحيح. ( ٢ : ٢٩١ ).

الحكم بالصحّة ربما لا يخلو عن خدشة ، لأنّ بعض النسخ الحسين بدل الحسن ، مع أنّ محمد بن خالد فيه كلام ، فتأمّل.

قوله : مع اختلاف الأصحاب والأحاديث. ( ٢ : ٢٩٢ ).

الأحاديث الدالة على النجاسة من الكثرة بمكان لم يذكرها الشارح ، منها مذكورة في كتاب النجاسات ، ومنها في تطهير الأواني والثياب ، ومنها في المطاعم والمشارب وغير ذلك مثل ظروف النبيذ ، فلا يضرّ ضعف اسناد بعضها ، سيّما مع الانجبار بالشهرة العظيمة بين الأصحاب ( على فرض عدم الإجماع ) (٣) بل المظنون كون مضمونها مجمعا عليه بين الأصحاب ، كما يظهر من نقل الجليلين الفقيهين النبيلين ، مع ابن زهرة وابن إدريس (٤).

فعلى هذا لا تقاوم هذه الأخبار والإجماع المنقول ، الأخبار الدالة على‌

__________________

(١) انظر زبدة الأصول : ٧١ ، والمعالم : ١٨٢.

(٢) انظر الوسائل ٢٤ : ٢٣٣ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٦٢ ح ٤.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ١٧٨.

١٩١

الطهارة ، سيّما مع أنّه ورد في الصحيح المذكور الأخذ بقول الصادق عليه‌السلام ، وإن وردت الرواية عنه وعن الباقر عليهما‌السلام ، في أنّها طاهرة.

مع أنّ الفقهاء الخبيرين الماهرين أخبروا بأنّ الدال على الطهارة محمول على التقية (١). مع أنّ المدار في أكثر المرجّحات على أقوالهم ، مثل العدالة والأعدلية والشهرة والشذوذ وغيرها ، لكونهم من أهل الشهود والمهارة.

وكون أكثر العامة قائلين بالنجاسة ، لا يردّ قولهم ، لأنّ المعتبر في التقية حال زمانهم عليهم‌السلام لا حال زماننا ، فلعلهم عليهم‌السلام في زمانهم كانوا عن أهل زمانهم يتقون. مع أنّ أمراءهم وسلاطينهم كانوا مولعين بشرب الخمر ، بل النبيذ والفقاع كان حلالا عند فقهائهم ، فكان طاهرا عندهم البتّة.

ويظهر من تضاعيف الأحاديث أنّ المدار عند أهل السنة والمتداول عندهم الحلّية والطهارة ، ومع ذلك ورد عن أئمّتنا عليهم‌السلام الحكم بالنجاسة والحرمة ، بل ورد : أنّ الميل منه ينجّس حبّا من الماء (٢) ، وأشدّ من ذلك.

وظهر من الأخبار المتواترة ـ مضافا إلى الاعتبار ـ أن جلّ الاختلافات في الأخبار من جهة التقية ، وأمروا عليهم‌السلام بترك ما وافق العامة ، وما يكون حكّام العامة إليه أميل. فما دلّ على نجاسة (٣) النبيذ حق جزما ، وما دل على طهارته باطل جزما ، ولا قائل بالفصل قطعا.

مع أنّ نجاسة النبيذ يقتضي نجاسة الخمر بطريق أولى ، سيّما بعد ملاحظة أنّ حكّامهم أميل إلى الطهارة. مع أنّ الأئمّة عليهم‌السلام لو كانوا قائلين‌

__________________

(١) انظر التهذيب ١ : ٢٧٩ ـ ٢٨١ ، والمختلف ١ : ٣١٣ ، والحبل المتين : ١٠٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤١٣ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٧٠ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٦.

(٣) في « ب » زيادة : مثل.

١٩٢

بالطهارة لاشتهر منهم غاية الاشتهار بحكم العادة ، وكان العامة ينسبونهم إليه ، ( من حيث كون حكمهم على وفق مشتهى الحكّام ومخالفا لحكمهم ) (١). مع أنّ الأمر صار بالعكس.

وبالجملة : إن كان البناء في الفقه على الترجيحات فلا شك في أنّ الرجحان في طرف النجاسة ، وإلاّ قلّما يتحقّق مسألة فقهية ، بل لا يكاد يوجد ، فتأمّل. وسيجي‌ء في بحث نجاسة الكافر ما ينبغي ان يلاحظ (٢).

لا يقال : وجوب الغسل لا يدل على النجاسة إلاّ بضميمة الإجماع ، كما مرّ (٣) ، ولا إجماع هنا.

لأنّا نقول : الإجماع واقع على أنّ ( الغسل إن كان واجبا فبسبب نجاستها ، وإن لم يكن نجسة فلا يجب غسلها ) (٤) البتّة.

قوله : ولا نعلم مأخذه. ( ٢ : ٢٩٣ ).

لعل المأخذ ، هو الأخبار التي رواها في الكافي في باب أصل تحريم الخمر وبدوه (٥) ، ورواه الصدوق في العلل (٦) أيضا ، إذا يظهر من تلك الأخبار أنّ العصير بمجرّد الغليان يدخل في حدّ الخمر حقيقة.

والصدوق في الفقيه ـ في باب حدّ شرب الخمر ـ قال : قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم ، إذا أصابته النار أو غلى من غير‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج ».

(٢) يأتي في ص ١٩٩ ـ ٢٠٢.

(٣) راجع ص ١٨٨.

(٤) ما بين القوسين في « أ » و « و» : وجوب الغسل إن كان فإنّما هو بسبب النجاسة لا غير ، وأنّها إذا لم يكن نجسة لا يكون واجب الغسل.

(٥) الكافي ٦ : ٣٩٣.

(٦) علل الشرائع : ٤٧٧.

١٩٣

أن تمسّه ، فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحلّ شربه ، إلاّ أن يذهب ثلثاه. ثمّ أتى بعبارات أخر صريحة في أنّ مراده الخمر المعهود الحقيقي ، ثم قال : ولها خمسة أسامي : العصير من الكرم (١). والظاهر من الصدوق أيضا ذلك في الفقيه وفي العلل معا ، وهو الظاهر أيضا من الكليني ، فلاحظ الكافي وتأمّل.

وهو الظاهر من البخاري من العامة في صحيحة (٢) ، فلاحظه. ( وسنذكر من فقهاء العامة أيضا أنّ الخمر هو العصير من العنب إذا غلا واشتدّ (٣) ، فلاحظ ) (٤).

وممّا يشير إليه : أنّه سئل الصادق عليه‌السلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي ، فأجاب وقال : « إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو حلال فلا بأس » (٥). وفي خبر آخر عنه عليه‌السلام ، عن بيع العصير قبل أن يغلي ، قال : « لا بأس ، وإن غلا فلا يحل » (٦).

ويؤيّده أنّ شاربه يحدّ حدّ شرب الخمر ، بل وصرّح بعض المتأخّرين (٧). بمساواته للخمر في جميع الأحكام ، وليس في النصوص شي‌ء يشير إلى شي‌ء من الأحكام سوى ما أشرنا.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٤٠.

(٢) صحيح البخاري ٧ : ١٣٩.

(٣) يأتي في ص ١٩٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٥) الكافي ٥ : ٢٣١ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٣٦ / ٦٠٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٢.

(٦) الكافي ٥ : ٢٣٢ / ١٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٦.

(٧) المسالك ٢ : ٤٣٩.

١٩٤

وممّا يؤيّد ، ما ورد في النبيذ والنقيع ، وقد بسطنا الكلام في رسالتنا العصيرية (١) ، ومن أراد البسط فليراجع وليتأمّل. لكن القائل بعدم المأخذ ، بناؤه على أنّه ليس بمسكر فكيف يكون خمرا؟ وأجبنا عن ذلك في الرسالة ، فليراجع وليتأمّل.

قوله : بأنّه لم يقف على دليل. ( ٢ : ٢٩٣ ).

قد أشرنا إلى الدليل والمأخذ ، ويمكن أيضا أن يكون نظرهم إلى أنّ لفظ الخمر أطلق عليه في كثير من الأخبار. فإن كان حقيقة ثبت المطلوب أي حقيقة في القدر المشترك ، أو أنّ استعمال المشترك في معانيه جائز ، وظاهر أيضا إذا كان الجمع ممكنا.

وإن كان مجازا فمعلوم أنّه لا بدّ من علاقة ، والعلاقة في أمثال المقام ليست إلاّ المشابهة والمشاركة في الحكم الشرعي ، فحيث لم يعيّن يحمل على الجميع ، على طريقة حمل المطلق والمفرد والمحلّى باللام على العموم.

لكن يمكن المناقشة بأنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة ، والمجاز خير من الاشتراك ، والعلاقة وإن كانت المشاركة في حكم شرعي ، لكن يمكن أن يكون هو الحرمة خاصّة. والإرجاع إلى العموم فيما إذا تساوى الأحكام في الظهور والخفاء ، وهنا ليس كذلك ، لشيوع الحكم الذي هو الحرمة ، وانسباق الأذهان إليها عند الإطلاق ، لكن لا بدّ من التأمّل في هذه الدعوى ، وأنّها هل تكون صحيحة أم لا. والامتحان والاختبار والمراجعة حتى يتضح الحال.

__________________

(١) رسالة في حكم العصير التمري والزبيبي ( الرسائل الفقهيّة ) : ١٠.

١٩٥

وأمّا حكاية الاشتداد ـ بالمعنى الذي ذكره الشارح ـ فغير ظاهر من الأصحاب ، وغير ظاهر المأخذ مطلقا. ويمكن أن يكون المراد بالاشتداد أن يصير أعلاه أسفله وأسفله أعلاه ، كما أشار إليه كلام والد الصدوق. لكن المأخذ غير ظاهر ، إلاّ أن يدّعى تبادر هذا الغليان من الأخبار ، ولا بدّ من التأمّل.

لكن الفاضلين ذكرا الاشتداد ، وأنّ العصير بعد الاشتداد ينجس البتّة وتأمّلا في نجاسته قبل الاشتداد (١).

وفي فقه العامّة أنّ الأشربة أربعة : الأوّل : الخمر ، وهو عصير العنب إذا غلا واشتدّ وقذف بالزبد. الثاني : العصير إذا طبخ يذهب أقلّ من ثلثه. إلى أن قال : وعصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه حلّ (٢). وفي هذا شهادة أنّ العصير إذا غلا واشتدّ يكون خمرا البتّة ، بل هو الخمر ، بخلاف ما لم يشتدّ وإن كان حراما ) (٣).

قوله : وذكر أنّ المصرّح. ( ٢ : ٢٩٣ ).

ليس كذلك ، كما لا يخفى على من لاحظ المختلف (٤) وغيره ، ومنه قول الشهيد الثاني : إنّ القول بالنجاسة من المشاهير بغير أصل (٥) ، إذ مع اعتقاده بأنّه لا أصل له حكم بأنّه من المشاهير ، فتأمّل.

وأيضا نقل القول بالطهارة عن ابن أبي عقيل خاصة ، وهو قائل‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٤ ، المنتهى ١ : ١٦٧ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٦٥.

(٢) انظر المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٢٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٤) المختلف ١ : ٣١٠.

(٥) المسالك ١ : ١٧ ، الروضة ٧ : ٣٢١ ، روض الجنان : ١٦٤.

١٩٦

بطهارة الخمر أيضا (١). ومنها قول الشارح : إنّه مشهور بين المتأخرين ، وبالجملة : لا شكّ في شهرته.

قوله : وهو عجيب. ( ٢ : ٢٩٣ ).

ما ذكره الشارح عجيب ، إذ لا غرابة في أن يطلع الفقيه على ما لم يطلع قبل ، مع أنّ طريقة الفقهاء تغيّر الرأي ، بل ربما جعلوا عدم تغيّر الرأي قدحا في الاجتهاد ، لأنّه يشير إلى نوع تقليد أو مسامحة ، فتأمّل.

قوله (٢) : والحكم بنجاسته مشهور بين الأصحاب. ( ٢ : ٢٩٣ ).

بل ادّعى الإجماع عليها ابن زهرة وكذلك العلاّمة (٣) ، والشيخ قال : ألحق أصحابنا الفقّاع بالخمر في التنجيس وهذا انفراد الطائفة (٤) ، انتهى. وصرّحوا بأنّ حرمة الفقاع ونجاسته يدوران مع الاسم والغليان لا السكر ، فهو حرام نجس وإن لم يكن مسكرا ، لأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم بالحرمة من دون استفصال في أنّه مسكر أم لا (٥) ، مع أنّه في مقام حكمه بحرمة النبيذ استفصل وقال : « أفيسكر؟ » فقالوا : نعم ، فقال : « إذا أسكر فهو حرام » (٦).

قوله : ضعيفة السند. ( ٢ : ٢٩٣ ).

ضعفها منجبر بالشهرة ( وصريحة في الدلالة ، مضمونها : أنّ يونس بن عبد الرحمن أصاب ثوبه فقّاع فترك الصلاة أوّل وقتها وقال : ما أصلّي حتى‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣١٠.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، المنتهى ١ : ١٦٧.

(٤) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٤٢٤ ، وانظر المبسوط ١ : ٣٦.

(٥) انظر موطّإ مالك ٢ : ٨٤٥ / ١٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ : ٢٩٢ والانتصار : ١٩٩.

(٦) الكافي ٦ : ٤١٧ / ٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٥٥ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٢٤ ح ٦.

١٩٧

أدخل البيت وأغسل هذه الخمرة من ثوبي ، لأنّ هشام بن الحكم سأل الصادق عليه‌السلام عنه فقال : « خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله » (١) ) (٢).

قوله (٣) : وقد نقل المصنف في المعتبر وغيره. ( ٢ : ٢٩٤ ).

وهم المرتضى والشيخ وابن زهرة ، والعلاّمة (٤) رحمهم‌الله.

قوله : وهو غير ثابت. ( ٢ : ٢٩٤ ).

فيه : أنّ القائل بثبوت الحقيقة الشرعية لا يمكنه هذا الاعتراض ، وأمّا المنكر فيقال في جوابه : إن قوله تعالى ( فَلا يَقْرَبُوا ) قرينة على إرادة المعنى الشرعي ، إذ لا وجه لتفريعه على المعنى اللغوي ، ولم نجد معهودا من الإسلام والمسلمين أمرا يقتضي المنع من الدخول في المسجد إلاّ ذلك المنع الشرعي ، فضلا عن أن يكون يعبّر عنه بلفظ النجس.

وأيضا ، المشرك من حيث هو هو كيف يكون قذرا بالمعنى اللغوي؟! لأنّ المعنى اللغوي أمر يعرفه أهل اللغة والعرف.

وأيضا ، كيف يناسب أن يكون الشارع مفيدا معنى لغويا يعرفه أهل اللغة؟! وأيضا ، القذارة اللغوية من حيث هي هي لا مانع من دخولها في المسجد ، وإلاّ لزم أن يكون كثير من المسلمين يمنع عن دخوله المسجد ، وكذلك النخامة وأمثالها.

وإرادة معنى شرعي آخر لا قرينة عليها ، بل القرينة متحقّقة بالنسبة‌

__________________

(١) راجع ص ١٨٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) هذه الحاشية ليست في « ب » « ج » « د ».

(٤) الناصريات : ١٨٠ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١ ، المنتهى ١ : ١٦٨.

١٩٨

إلى النجس الشرعي ، لما عرفت ، ولشيوع الاستعمال فيه إلى أن وقع الخلاف في كونه حقيقيا ، ولأنّ غيره لم يعهد من الشارع استعمال فيه أصلا ، فضلا عن الكثرة.

وفي الكشّي ، في ترجمة فارس ، عنه عليه‌السلام : « توقّوا مساورته » (١).

وأيضا ما دلّ على نجاسة اليهود وغيره ، يدلّ على نجاسة المشرك بطريق أولى ، فتأمّل ، وحمل النجس على المتنجّس بعيد.

قوله : بل ادّعى عليه المرتضى وابن إدريس الإجماع. ( ٢ : ٢٩٥ ).

بل الظاهر أنّ الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم ، بل وينسبونهم إليه بلا تأمّل ، بل وعوامهم يعرفون أيضا أنّ هذا مذهب الشيعة ، بل وربما كان نساؤهم وصبيانهم أيضا يعرفون كذلك وينسبونهم ، بل واليهود والنصارى والمجوس والصابئون وغيرهم من الكفار أيضا يعرفون أنّ ذلك مذهب الشيعة ومسلكهم في العمل ، بل ربما كان نساؤهم وصبيانهم أيضا يعرفون كذلك وينسبون.

وأمّا الشيعة فهم أيضا يعرفون أنّ مذهبهم كذلك ، ومسلكهم في الأعصار والأمصار كان كذلك ، حتى نساؤهم وصبيانهم. فلا يضرّ خروج مثل ابن الجنيد ، سيّما وهو أنكر حرمة القياس مع أنّها من ضروريات مذهبنا ، فلا مانع من خروج ابن أبي عقيل أيضا ، لما ذكرت ، ولما مرّ في نجاسة الخمر (٢).

قوله : ونقل عن ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل. ( ٢ : ٢٩٥ ).

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٠٦ و ٨١٠ ، وفيه وفي « ب » : مشاورته.

(٢) راجع ص ١٨٧ ـ ١٨٩.

١٩٩

لا يخفى أنّه لا يقول بانفعال الماء القليل بالملاقاة ، والمعهود من الفقهاء أنّ السؤر هو الماء القليل الذي لاقاه فم حيوان أو جسم حيوان ، فلا يحسن جعل ابن أبي عقيل من القائلين بعدم نجاسة هؤلاء ، مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم ، فتأمّل.

وأمّا ابن الجنيد فإنّه أنكر حرمة القياس التي هي ضروري المذهب! والكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوي. أو أنّه رجع عن القول بها ، فلا عبرة به ، فتأمّل.

قوله (١) : احتجّ القائلون بالطهارة بوجوه. ( ٢ : ٢٩٧ ).

لم يوجد قائل بالطهارة فضلا عن أن يكونوا محتجّين بما ذكره ، إذ لم ينسب إلى أحد احتجاجه.

قوله : شامل لما باشروه وغيره. ( ٢ : ٢٩٧ ).

إنّ أراد أنّه تعالى أراد بيان حكم ما باشروه برطوبة وما لم يباشروه برطوبة جميعا ، ففيه : أنّ ما لم يباشروه برطوبة مندرج في الطيّبات ، ولانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب.

وأمّا ( طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) فإن كان مخصوصا بأهل الكتاب فهذا القدر يكفي فائدة للتخصيص ، وإلاّ فأيّ فائدة للتخصيص فيه أيضا؟ مع أنّ المراد الطعام من حيث إنّه طعام ، والمباشرة وعدمها أجنبيان. ككونه مغصوبا ، أو مسموما ، أو ممزوجا بهما ، أو فاسدا مضرّا ، أو متنجّسا بنجس العين ، أو غير ذلك ، إذ لا يفهم شي‌ء منها من تلك العبارة.

وإن أراد أنّه تعالى أراد بيان حكم ما باشروه برطوبة خاصّة ، ففيه : أنّ‌

__________________

(١) هذه الحاشية والتي بعدها ليست في « أ » و « و».

٢٠٠