الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

قوله : ويمكن حملهما على الاستحباب. ( ٢ : ٢١٠ ).

لعل مراده الجدل ، وإلاّ فهو رحمه‌الله كثيرا ما يستدل بأمثالهما ويصرّح بعدم الضرر. وكذا الكلام في قوله : متروكة الظاهر ، لتصريحه بأنّ الخبر الصحيح حجّة ، وإن لم يكن بمضمونه قائل ، إلاّ أن يكون مراده أنّ الفقهاء قالوا بخلافه ، لكن المحقق مال إليه ، وطريقة الشارح رحمه‌الله العمل بمثله أيضا.

فالأولى أن يتمسك ـ لأجل الحمل على الاستحباب ـ بملاحظة معارضة ظاهرهما لظواهر كثير من الأدلة ومقاومته لها ، فلا بد من الملاحظة والتأمّل في المعارضات.

وممّا ذكر ظهر الكلام في عبارة الفقه الرضوي أيضا ، فإنّها هكذا : « وليس للمتيمم أن يتيمم إلاّ آخر الوقت » (١) ولعل هذه العبارة مستند القائلين بالتأخير مطلقا ، ويمكن أن يكون المراد فيها أيضا أنّه مع الرجاء يتأخر ، لأنّه الغالب ، ويقربه ملاحظة هذين الخبرين وأمثالهما ، حيث أمر فيها بالتأخير مطلقا ، وعلّل بأنّه إن فاته الماء لم تفته الأرض.

قوله : حجّة القول الثاني. ( ٢ : ٢١٠ ).

يدل على هذا القول عمومات وإطلاقات كثيرة في أنّ الوقت يدخل بمجرّد الزوال ، وأنّه وقت إلى الغروب مثلا ، وفي أنّ فاقد الماء والعاجز عن استعماله يتيمم ويصلي ، مضافا إلى ما ذكره الشارح.

ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن حمران وجميل بن دراج ، عن الصادق عليه‌السلام ، في إمام قوم أصابته جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل ،

__________________

(١) راجع ص ١١٩.

١٢١

أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم؟ قال : « لا ، ولكن يتيمم الجنب ـ الإمام ـ ويصلّي بهم ، إنّ الله قد جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (١) ، فإنّ الظاهر عدم إيجابه عليه‌السلام على المأمومين والإمام تأخيرهم الصلاة إلى ضيق الوقت ، وإلاّ لكان أمرهم في المقام ، لشدّة الحاجة ، ونهاية بعد أن يكون على المأمومين (٢) التأخير إلى ذلك الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضّئ.

مع أنّ تأخير الصلاة إلى هذا الحدّ في غاية الشدة من الكراهة وكمال المرجوحية ، كما يظهر من كثير من الأخبار ، وأمّا على القول بالاختيار والاضطرار فالأمر أشدّ. هذا مضافا إلى كراهة اقتداء غير المتيمم بالمتيمم ، فتأمّل.

قوله (٣) : وموثقة يعقوب بن سالم. ( ٢ : ٢١١ ).

ولقائل أن يقول : كما يدل على عدم وجوب التأخير كذا يدل على عدم وجوب الطلب وغيره من شرائط التيمم المسلّمة ، والبناء على أنّ المراد أنّه إذا تيمم تيمما صحيحا مستجمعا لجميع الشرائط لا يجب عليه ، يوجب انسداد باب استدلالهم ، لأنّ التيمم في أوّل الوقت من أين ظهر صحته؟ مع نقل الإجماعات وورود الأخبار الكثيرة المانعة إمّا مطلقا أو مع رجاء ارتفاع العذر للمائية ، فإنّ الضيق المعتبر عند معتبرة إنّما هو بحسب الظن والتخمين ، ومع عدم مداقة ومضايقة في الأجزاء الواجبة وكيفية أدائها ، ولا مانع من وجدان الماء بعد الصلاة بالتيمم الصحيح ، وبقاء شي‌ء‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢.

(٢) في « ج » و « د » : المؤمنين.

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

١٢٢

من الوقت ، ولو بقدر ركعة من الفريضة.

قوله : لا يتناول المتيمم. ( ٢ : ٢١٢ ).

هذا على القول بوجوب التأخير مطلقا وجيه ، لكن القائل بالثاني إنّما يقول به بناء على اختياره القول بالتفصيل ، كما هو صريح كلامه ، ومعلوم على القول بالتفصيل أنّ الأمر بتأخير التيمم ليس إلاّ لرجاء حصول الماء وحصول الصلاة بالطهور الاختياري مهما أمكن ، وأنّ التيمم طهور اضطراري لا يرتكب إلاّ أن يضطر إليه ، ومع الرجاء ما حصل الاضطرار ، وقد أشرنا إلى أنّهم عليهم‌السلام نهوا عن المسافرة إلى بلد ربما يتحقّق في المسافرة إليه الصلاة بالتيمم ، وحكموا بأنّ في ذلك هلاك الدين ، ومعلوم أيضا أنّ الطهور إذا كان لأجل الصلاة لا يكون حينئذ مطلوبا لنفسه ، بل مطلوبيته حينئذ منحصرة في كونها لأجل الصلاة خاصّة ، وممّا ذكرنا ظهر أنّ تضعيفه لا يخلو عن الضعف.

فإن قلت : تيممه صحيح البتّة ، ولا معنى لصحته إلاّ جواز الدخول به في الصلاة.

قلت : لا نسلم أن يكون المعنى جواز الدخول في أوّل الوقت ، بل جواز الدخول في الجملة ، لأنّ معنى الصحة هو ترتّب الأثر في الجملة.

فإن قلت : الحين حدثه مرفوع بالتيمم ، والحدث هو الحالة المانعة من الصلاة.

قلت : سيجي‌ء الكلام في كونه رافعا للحدث ، وعلى تقدير كونه رافعا لم يعلم أنّه رفع مطلقا ، فإنّه أوّل الكلام ، بل رفع في الجملة ، وهو أنّه إن حصل اليأس فتجوز الصلاة حينئذ ، وإلاّ فعند حصول اليأس أو ضيق الوقت.

١٢٣

وبالجملة : على القول بوجوب تأخير التيمم عند رجاء المائية لا يخلو ما ذكره عن الإشكال ، ويؤيّد هذا الإشكال ما سنذكر في قوله : وعلى هذا فينتفي اعتبار فائدة التضييق. فتدبّر.

قوله : وتشهد له صحيحة زرارة. ( ٢ : ٢١٢ ).

في الشهادة إشكال.

قوله : لعموم قوله عليه‌السلام. ( ٢ : ٢١٣ ).

شموله لحالة العذر من المائية لا يخلو عن تأمّل.

قوله : فينتفي اعتبار فائدة التضييق. ( ٢ : ٢١٣ ).

والانتفاء خلاف مدلول الأخبار وضدّ مقتضاه ، لأنّ الأوقات صالحة للنافلة ، والتيمم صحيح لها متى أرادها ، على ما ذكر ، والصلاة الفريضة تصح بالتيمم السابق في أوّل الوقت ، كما اختاره الشارح أيضا ، فلأيّ جهة أمروا بالتأخير إلى آخر الوقت؟!

لا يقال : ما ذكره مبني على ترجيحه كون التأخير على سبيل الاستحباب. لانّه على هذا لا يبقى لقوله : وعلى هذا فينتفي. معنى ، لأنّه على أيّ تقدير كان اعتبارها منتفيا.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه على القول باعتبار التضييق إمّا لا يصح التيمم للنافلة متى أرادها ، أو يصح لكن لا يمكن أداء الفريضة بالتيمم السابق في غير وقت الضيق. ولا يخفى أنّ الظاهر من الأخبار صحة التيمم للنافلة متى أرادها ولا يوجد مانع من ذلك من قبلها أصلا ، فظهر أنّ المانع هو الثاني ، كما أشرنا وظهر لك في الحاشية السابقة ، فتأمّل.

قوله : فمتى زالت تلك الحالة. ( ٢ : ٢١٥ ).

لا يخفى أنّ تلك الحالة إذا زالت فلا جرم أنّها بوجود الماء لا بدّ أن‌

١٢٤

تحدث وتعود ، ويصير غير الجنب جنبا ، وغير الحائض حائضا ، وهكذا ، وغير خفي أنّ وجود الماء ليس من موجبات تلك الحالة ، وليس هو من الأحداث ، لأنّ موجبها هو الجنابة ، أعني التقاء الختانين أو نزول المني ، أو الحيض ، أو الاستحاضة ، أو النفاس ، أو مسّ الميت إذا كان ، ليس إلاّ ، مثلا.

( مع أنّ المحقق نقل الإجماع على أنّ وجود الماء ليس بحدث (١) ، وسيجي‌ء عن الشارح أيضا ادعاء الإجماع عليه (٢) ، وحين وجود الماء أو رفع المرض لا يقال : إنّه أجنب الآن ، أو أنّها حاضت ، أو أنّهما أحدثا ) (٣) ، والأخبار دالة على هذا المعنى من غير خفاء.

وأيضا إنّ التيمم يبيح ما تبيحه المائية في حال الاضطرار لا مطلقا ، فعدم الإباحة في الجملة باق لم يرفع منه ، إنّما المرفوع هو عدم الإباحة حال الاضطرار.

وأيضا قد عرفت في الحاشية السابقة المكتوبة على قوله : وهو لا يتناول المتيمم. (٤) أنّ رفع الحدث يكون في الجملة لا مطلقا ، فغير المرتفع من الحالة لم يرتفع مطلقا ، والمرتفع منها ارتفع مطلقا ، والحدث موجب لحدوثها ، ووجدان الماء ليس موجبا لحدوث هذا المرتفع ، بل المانع هو الحالة الباقية ، لأنّ المكلف حينئذ مختار لا مضطر ، فتأمّل.

وبالجملة : ما ذكره على تقدير تمامه يجعل النزاع لفظيا ، كما اعترف‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٤.

(٢) المدارك ٢ : ٢٥٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

(٤) راجع ص ١٢٣.

١٢٥

به ، فلا ثمرة فيه أصلا.

وممّا يشهد على أن التيمم لا يرفع الحدث ما ورد في الأخبار المتعددة من إطلاق لفظ الجنب على المتيمم بعد تيممه ، وكراهة الإمامة عليه ( بل بعض الأمور الأخر ، مثل الأكل والشرب والجماع وأمثال ذلك ، بل ولعل منع بعض الأمور يكون باقيا ، فتأمّل ) (١).

وورد في العوالي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال لبعض أصحابه : « أتصلّي بالناس وأنت جنب؟ » فسمّاه جنبا بعد التيمم (٢) ، انتهى ، وسيجي‌ء تمام الكلام عند شرح قول المصنّف : السابع : إذا تيمم الجنب بدلا (٣). ، فلاحظ.

قوله (٤) : وهو مشكل. ( ٢ : ٢١٦ ).

لكن يظهر من بعض الأخبار كونه خارجا عن التيمم ، لأنّهم عليهم‌السلام قالوا : « يضرب بيده ويتيمم » أو : « فيتيمم » أو : « ثم يتيمم » (٥) ، وليس ببالي.

قوله : بخلاف مسح الأعضاء. ( ٢ : ٢١٦ ).

لا يخفى أنّه اعتبر كون المسح بالكف ، إلاّ أنّه جعل الضرب بمنزلة أخذ الماء ، فعدم إجزاء ما ذكره ليس لكون أوّل أجزاء التيمم هو الضرب ، بل لعدم المسح المعتبر ، فتأمّل.

قوله : وضع اليدين معا. ( ٢ : ٢١٧ ).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) عوالي اللآلئ ٢ : ٢٠٩ / ١٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٩٢ / ٣٣٤ ، بتفاوت يسير.

(٣) المدارك ٢ : ٢٥٢.

(٤) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٥) انظر الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٥.

١٢٦

أي لا يتقدم أحدهما على الآخر ، بأن يكون وضعهما دفعة واحدة ، ويدل عليه بعد الإجماع المنقول ظواهر الأخبار ، مثل « تضرب بيديك » و « ضربة للوجه » و « ضربة للكفين » ، وأمثال ذلك ، ولتوقّف الوظائف الشرعية على النقل ، والقدر الثابت منه هو الوضع معا ، فتأمّل.

قوله : فلو استقبل في العواصف. ( ٢ : ٢١٧ ).

لا يخفى ما فيه ، فإنّ المسح في هذه منتف ، فكان عليه أن يقول : لو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها ببطن كفيه فمسح به لم يجز ، لتوقف. ، لكن لا يخفى أنّه رحمه‌الله كثيرا ما يمنع ثبوت وجوب شي‌ء بمجرّد نقله في كيفية التيمم ، مثل البدأة بالأعلى ، والموالاة ، وغير ذلك ، كما ارتكب في الوضوء أيضا كذلك.

إلاّ أن يكون مراده من النقل هنا أعم من القول ، لكن فيه : أنّ بعض العمومات مثل آية التيمم يقتضي صحة هذه الصورة.

إلاّ أن يكون مراده أنّه ورد في الأخبار لفظ الضربة والوضع ، فيكون مخصصا ، لكن لا يخفى أنّ هذا كلام آخر وليس ذلك الاستدلال. ومع ذلك نقول : لأحد (١) أن يناقش في ثبوت التخصيص بمجرّد هذا ، إمّا لوروده مورد الغالب ، أو لبنائه على الاستحباب ، لكنه خلاف الظاهر والإنصاف ، فتدبّر ، وهو رحمه‌الله استدل في المسألة السابقة بورود الأمر بالضرب.

وقوله : أجمع الأصحاب. ( ٢ : ٢١٧ ).

ربما يخدشه ما نقله عن العلاّمة فيها ، فتأمّل.

قوله : لتوقف الوظائف الشرعية. ( ٢ : ٢١٧ ).

__________________

(١) في « و» زيادة : ليس.

١٢٧

لعلّ (١) هذا التعليل بناء على عدم اعتماده على ما ادعاه من الإجماع ، بأنّ المراد مجرّد الاتفاق ، أو أنّه مستند إجماعهم ، أو أنّه دليل آخر ، كما أنّ الأمر بالضرب أيضا دليل آخر. ثم إنّ هذا التعليل مبني على ثبوت التكليف بالمجمل ، وأنّ البيان منحصر في فعل الشارع.

قوله : في صحيحة زرارة. ( ٢ : ٢١٧ ).

ربما يناقش الشارح في دلالة الجملة الخبرية على الأمر ، سيّما مع انضمام قوله عليه‌السلام : « ثم تنفضهما » لأنّه مستحب قطعا ، فربما كان نفس الضرب أيضا مستحبا بناء على ذلك.

قوله : وهو حاصل بالوضع. ( ٢ : ٢١٨ ).

أشار به إلى ظاهر الآية ، بأنّ الضرب لو كان واجبا في التيمم لما اكتفى سبحانه بمجرّد القصد ، فظاهرها أنّ قصد الصعيد الذي يحصل به مسح الوجه واليد يكفي كيف كان ، إلاّ أن يثبت من إجماع أو نص زائد على ذلك ، كما ثبت منهما وجوب الوضع معا.

قوله : فإنّا نمنع حصول الغرض. ( ٢ : ٢١٨ ).

يظهر من هذا أنّ الشارح رحمه‌الله سلم كون الظاهر من الآية حصول الغرض من قصد الصعيد كيف كان ، إلاّ أنّ الأخبار تقيد وتخصص ، وهذا لا يوافق ما ذكر سابقا في المقام من أنّ الوظائف الشرعية تتوقف على النقل. ، فتأمّل.

ومع ذلك يتوقف ما ذكره على كون دلالة الأخبار على وجوب الضرب أقوى من دلالة الآية والأخبار الموافقة لها ، ولعله كذلك.

__________________

(١) ليس في « و».

١٢٨

قوله : والمنقول خلافه. ( ٢ : ٢١٨ ).

إن أراد أنّه لم يصل إلينا منهم عليهم‌السلام تيمم بهذه الكيفية ، ففيه : أنّه لم يصل أيضا ما ذكره من الضرب على تراب بدنه أو بدن غيره ، وأمثال ذلك ، وإن أراد أنّه بملاحظة التيممات الواردة يظهر أنّه لا فرق بينها وبين هذه التيممات سوى التيمم بتراب الوجه. ففيه أيضا تأمّل.

قوله : لانتفاء الدليل عليه. ( ٢ : ٢١٨ ).

فيه : أنّ العبادة تتوقف على النقل. وأيضا الطهور شرط للصلاة مثلا ، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط. وأيضا الأصل عدم الصحة حتى تثبت الصحة بدليل شرعي ، فعدم الدليل لا يكفي ، بل لا بدّ من الدليل على عدم الاشتراط ولو كان إطلاقا يرجع إلى العموم ، والمطلقات مثل قوله عليه‌السلام : « جعل التراب طهورا ، كما جعل الماء طهورا » وقوله عليه‌السلام : « هو بمنزلة الماء » وقوله عليه‌السلام : « ضربة للوجه وضربة للكفين » وقوله عليه‌السلام : « فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه » وغير ذلك ، لو لم يفهم منها العلوق وكون المسح به لم يفهم منها عدم العلوق وكون المسح بمجرّد اليد الخالي عن الغبار أصلا والمعرّى عن أثر مطلقا ، ولعل الراجح بحسب فهم العرف هو الأوّل ، وعلى تقدير تسليم عدمه ففهم الثاني محلّ نظر.

هذا مع قطع النظر عمّا أشرنا إليه في بحث ما يجوز به التيمم من وجود الدليل من الآية والصحيح من الحديث على اشتراط العلوق (١) ، فتأمّل.

قوله : ما كان عرضة لزواله. ( ٢ : ٢١٩ ).

__________________

(١) راجع ص ١٠٠.

١٢٩

كونه في عرضة الزوال ممنوع ، لأنّ مجرّد النفض لا يزيل العلوق بالتمام البتّة ، بل وإن بولغ فيه ، إلاّ أن يمسح اليدين بشي‌ء أو يمسح أحدهما بالآخر ويبالغ في المسح إلى أن يزول الأثر ، وهذا غير النفض وخلافه. بل لا يظهر من الأخبار المبالغة في النفض ، بل ربما يظهر منها كون النفض مرّة واحدة كالضرب ، والظاهر أنّه لقلّة التشويه. على أنّه يلزم على ما ذكره أن يكون عدم العلوق واجبا أو مستحبا شرعا ، وأنّه إن كان المسح بالعلوق يكون حراما باطلا أو مرجوحا ، وفيه ما فيه.

قوله : ولأنّا بيّنّا أنّ الصعيد وجه الأرض. ( ٢ : ٢١٩ ).

وقد مرّ الكلام فيه (١).

قوله : إذ الغالب عدم بقاء الغبار. ( ٢ : ٢١٩ ).

فيه نظر ، بل الغالب البقاء. على أنّه لعلّه لهذا أمروا بالضربتين ، لأنّه ربما يقلّ العلوق فيستحب الضرب الثاني ، أو ينعدم نادرا فيجب ، هذا على تقدير تسليم ما ذكره من الكفاية.

قوله (٢) : ونقل عن ظاهر ابن الجنيد. ( ٢ : ٢١٩ ).

يظهر من هذا أنّ ابن الجنيد منفرد بهذا ، وليس كذلك ، بل ظاهر جماعة كذلك ، كما صرّح به بعض المتأخرين (٣) ، بل ظاهر الكل كذلك ، لحكمهم باستحباب النفض مطلقا ، بل ربما يظهر من بعضهم الأمر به مطلقا (٤) ، موافقا لما هو الظاهر من الأخبار ، لتضمّنها الأمر بالنفض مطلقا ، لا أنّه إن اتفق العلوق يستحب أو يؤمر به ، وإلاّ فلا ، ومعلوم أنّ النفض فرع‌

__________________

(١) راجع ص ٩٨ ـ ١٠٤.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) انظر المفاتيح ١ : ٦٢.

(٤) المقنع : ٩ ، الهداية : ١٨.

١٣٠

العلوق وهو شرطه ، إذ يتوقّف عليه ، فيظهر أنّ العلوق عند من قال بالنفض مطلق ، إلاّ أن يظهر من كلامه عدم اشتراط العلوق ، فيصير قرينة على عدم الإطلاق.

وملاحظة كلام الفقهاء في كيفية التيمم في الوحل ونحوه يكشف عن اعتبارهم العلوق مطلقا ، لعدم القول بالفصل جزما.

ومنشأ نسبة الاشتراط إلى خصوص ابن الجنيد أنّ العلاّمة في المختلف قال : من قال باستحباب [ النفض ] (١) ناف للاشتراط البتّة ، لعدم اجتماعه مع الاشتراط ، ولم يتأمّل رحمه‌الله أنّه لا منافاة أصلا ، بل يلزمه البتّة ، فدلالته على الاشتراط أولى ، كما صرّح به بعض المتأخرين (٢) ، مع أنّ القائل بالاشتراط قائل باستحباب النفض ، أو آمر به ، ولذا ادعي الإجماع على النفض ، فافهم.

قوله : والجواب المنع من عود الضمير. ( ٢ : ٢١٩ ).

ظاهر الآية عود الضمير إلى الصعيد ، وأمّا الحديث فعلى تقدير تسليم تأويل الآية بمثله وارتكاب خلاف ظاهرها بسببه لا يظهر منه ما يخالف ظاهرها ، فإنّ الظاهر منه أنّ المراد من التيمم المتيمّم بقرينة قوله عليه‌السلام : « لأنّه علم أنّ جميع ذلك ».

مع أنّ هذا الحديث ينادي باشتراط العلوق ، وأنّه السبب في جعله تعالى المسح ببعض الوجه واليدين ، وإذا كان الحديث تفسيرا بالنسبة إلى الآية يظهر منه اعتبار العلوق في الآية أيضا وإن أبقينا التيمم على مقتضى ظاهر نفس اللفظ ، فتأمّل.

__________________

(١) في النسخ : العلوق ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) انظر الحبل المتين : ٨٩.

١٣١

( وعرفت أيضا أنّ صحيحة ابن سنان وصحيحة الحلبي تدلاّن على العلوق ، لقوله عليه‌السلام فيهما : « يمسح من الأرض » (١) ، ويؤيّده أيضا صحيحة زرارة ، لقوله عليه‌السلام فيها : « ولم يمسح الذراعين بشي‌ء » (٢) ، وكذا ما ورد من أنّ التراب طهور ، أو طهور مثل الماء ، وغيرهما ممّا دل على عموم البدلية وعموم المنزلة. مضافا إلى أنّ الظاهر من طهورية التراب أنّه طهور الوجه واليدين فيكون طهورا مطلقا ، لا أنّ جلد باطن الكف طهور بسبب ملاقاته التراب ، فتأمّل ) (٣).

قوله : أو على أنّ المراد بمسح الوجه مسح بعضه. ( ٢ : ٢٢١ ).

هو الأظهر بملاحظة أنّ الروايات المتضمّنة لحكاية عمّار حكاية قضية واحدة ، ففي صحيحة زرارة أنّه عليه‌السلام مسح جبينه فقط ، وهذا نصّ في عدم الاستيعاب ، ومع ذلك عبّروا عن تلك الحكاية بعينها أنّه عليه‌السلام مسح الوجه على ما هو الظاهر.

ويؤيّد ذلك أنّهم عليهم‌السلام في اليد كثيرا ما يقولون : امسح بيديك ، ومسح يده ، وأمثال هذه العبارة على سبيل الإطلاق ، مع أنّ المسح ببعض اليد قطعا.

ويؤيّده أيضا أنّه ورد مرّة للوجه ومرّة لليدين أيضا على سبيل الإطلاق ، فيظهر أنّهم عليهم‌السلام كانوا يسامحون في التعبير في حكاية مسح الوجه. مع أنّ مسح جبينيه أظهر دلالة في عدم الاستيعاب من مسح وجهه في الاستيعاب ، فيرجّح.

__________________

(١) راجع ص ١٠٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٨ / ٦٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٥٩ أبواب التيمم ب ١١ ح ٥.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

١٣٢

وبالجملة التخيير بعيد ، سيّما بعد ملاحظة فتوى قدمائنا ، قال الصدوق في أماليه : وعليه ـ أي على مسح الجبينين وظاهر الكفين ـ مضى مشايخنا رضي الله عنهم (١) ، فربما يظهر أنّ والده أيضا ما كان قائلا بمسح كل الوجه ، ولعله كان مراده من الوجه الوجه الوارد في الأخبار على حسب ما ورد فيها ، وهذا غير بعيد عن طريقة القدماء ، فإنّهم ربما كانوا يفتون بمتن ما ورد في الخبر ( وذكر في أماليه : أنّ من دين الإمامية مسح الجبينين وظهر الكف ، وهذا أيضا صريح في أنّ مذهب علي بن بابويه لم يكن مسح الوجه وكل اليد ، فتأمّل ) (٢). وسنذكر عبارة الأمالي في بحث عدد الضربات (٣) ، فلاحظ ، ومنها أيضا يظهر ذلك ، بل هي أظهر فيه ، فتأمّل.

قوله : وضعفهما ظاهر. ( ٢ : ٢٢٢ ).

لعل تضعيفه هنا وأمثال الموضع ـ مع قوله في كثير من المواضع من أنّ العبادة تتوقف على النقل فما وصل إلينا يقتصر عليه ـ مبني على أن المسح معلوم معناه يعرفه كل من يفهم كلام العرب ، فهو ظاهر في كونه بأيّ وجه حصل ، بخلاف الموضع الذي لم يرد فيه مثل هذا الكلام.

وفيه : أنّ سائر المواضع يمكن الاستناد إلى الإطلاقات والعمومات ، وأيضا ظهور ما نحن فيه وأمثاله بحيث يطمأنّ إليه لا يخلو من ضعف.

ولذا ورد في الأخبار كثيرا أنّهم كانوا يسألون عن كيفية التيمم مطلقا من غير تخصيص بجزء دون جزء ، وهم عليهم‌السلام أيضا في مقام الجواب ما كانوا يخصّصون ، بل وما كانوا يجيبون بالقول ـ في غالب الأوقات ، بل‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٣) يأتي في ص ١٣٩.

١٣٣

وجميع أوقاتهم ـ سؤالهم عن كيفية نفس التيمم ، بل كانوا يأتون بالفعل في مقام البيان.

ولعل ذلك لأنّ أصحابهم ما كانوا يطمئنّون في الفهم الظاهري ، لكون المقام عبادة غريبة عجيبة خارجة عن قانون اعتبارهم ، أو كان وصل إليهم أنّ ظاهر الآية ليست باقية على حالها ، بحيث إنّه ما اعتبر شرعا زائدا عمّا ذكر أمور وشرائط أو أجزاء آخر ، وهم عليهم‌السلام ما قالوا قط في الجواب : أنتم عرب ، فما وجه سؤالكم عن كيفية التيمم ، بل كانوا يأتون بالكيفية مطلقا.

وظاهر أنّ الأصحاب كانوا يسألون عن التيمم المأمور به الذي أوجبه الله تعالى ، وهم ما كانوا يشيرون قط إلى أنّ هذا الجزء أو الكيفية واجب وهذا مستحب أو ليس بواجب ، ولا يخفى أنّ السائلين أيضا ما سألوا عن أمثال ذلك. وكونهم يفهمون ذلك من الخارج ومع ذلك كانوا يسألون عن كيفية التيمم بعيد.

وما ذكر يقتضي الاقتصار على نفس ما فعلوا من دون دخل وتصرف وجعل ، وهم عليهم‌السلام إن بدؤوا بالأعلى يثبت المطلوب ، وإلاّ يلزم عدم البدأة بالأعلى ، وهو فاسد البتّة ، وبالجملة المخالفة والاكتفاء بعدم البدأة في غاية الإشكال ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله تعالى ( فَامْسَحُوا ). ( ٢ : ٢٢٣ ).

لا دلالة فيه ، أمّا على القول المشهور من أنّ اليد حقيقة في ما هو طرفه متصل بالمنكب ، والطرف الآخر رؤوس الأصابع ، وكذا على القول بالاشتراك اللفظي بينه وبين أبعاضه فظاهر.

وأمّا على ما سيذكره من أنّ اليد هي الكف ولا يتناول ما فوق الرسغ حقيقة فيضرّه فضلا عن أن ينفعه ، لأنّه يقتضي أن يكون المسح ببعض‌

١٣٤

الكف ، إلاّ أنّه يريد من البعض خصوص ظهر الكف ، لكن على هذا لا يكون الدلالة على مطلوبه من جهة الباء ، بل من جهة كون اليد هي الكف. وبالجملة بين استدلاليه تدافع ظاهر ، مع قطع النظر عن عدم التمامية ، فتدبّر.

قوله : وما ذاك إلاّ لعدم تناول. ( ٢ : ٢٢٣ ).

فيه منع ظاهر ، مع أنّ من لاحظ كلام فقهائنا وفقهاء العامة في الأصول والفروع لا يبقى له تأمّل في عدم اتفاقهم على كون اليد غير متناول لما فوق الرسغ ، بل القول بكون مجموع ما بين المنكب ورؤوس الأصابع معنى حقيقيا ، والقول بالاشتراك بينه وبين الأبعاض مشهوران معروفان. مع أنّ الحق هو الأوّل ، للتبادر عند الإطلاق ، ويشهد عليه قوله تعالى : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) ، فتدبّر.

قوله : وفهم العلاّمة في المختلف. ( ٢ : ٢٢٣ ).

العلاّمة حمل لفظ « فوق الكف » على ظهر الكف ، فحمل « قليلا » على أنّه لا يجب.

قوله : وأجاب الشيخ. ( ٢ : ٢٢٥ ).

نسب في الاستبصار هذا التوجيه إلى القيل (١).

قوله : مع أنّه لا يجري في صحيحة. ( ٢ : ٢٢٥ ).

لا يخفى أنّ الغسل في هذه الصحيحة بفتح الغين لا بضمّها ، والمراد : العضو الذي فيه الغسل في الوضوء يتيمم ، لا الموضع الذي فيه المسح فيه ، فتأمّل. هذا على النسخة التي لا تكون كلمة واو ما بين لفظ الغسل وكلمة‌

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٧١.

١٣٥

« في » في الوضوء (١) ، فتأمّل.

قوله : ويمكن حملها. ( ٢ : ٢٢٥ ).

بعيد ، بل الظاهر حمل هذه الروايات على التقيّة ، كما فعله في الاستبصار.

قوله : الدالة على وجوب مسح الكف. ( ٢ : ٢٢٥ ).

مضافا إلى أنّ ظاهرها يقتضي عدم كون الباء للتبعيض ، وعلى تقدير الصحة فالظاهر أنّه عليه‌السلام كان في مقام الجدل مع العامة وإثبات الحق على طريقتهم ، فتدبّر.

قوله : مجمع عليه. ( ٢ : ٢٢٦ ).

فيمكن الاستدلال بعدم القول بالفصل والإجماع المركب.

قوله : إذ لا دلالة. ( ٢ : ٢٢٦ ).

ظاهرها الاستيعاب لو لم يكن مانع من الخارج ، مثل فهم الفقهاء ، والإجماع المركب ، وحسنة الكاهلي المنجبرة بعمل الأصحاب ، ومضمونها نص فلا تقاومه الظواهر ، سيّما بعد اعتضاده بما ذكر.

قوله : لمساواة الوضوء. ( ٢ : ٢٢٦ ).

مضى الكلام فيه في بحث البدأة بالأعلى (٢).

قوله : وربما كان في صحيحة. ( ٢ : ٢٢٦ ).

في التمسك به إشكال ظاهر. ومضى في مثل ما نحن فيه في بحث البدأة بالأعلى.

قوله : ودلت عليه ظواهر النصوص. ( ٢ : ٢٢٧ ).

__________________

(١) انظر الوافي ٦ : ٥٨٥ ، والحبل المتين : ٨٧.

(٢) راجع ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

١٣٦

لم نجد إلاّ حسنة الكاهلي ، ومع ذلك لا يظهر منه جميع الترتيب ، ومضى الكلام في بحث البدأة بالأعلى ، وورد عنهم عليهم‌السلام أنّهم قالوا : « ابدؤوا بما بدأ الله به » (١) والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحلّ ، فتأمّل.

( ويشهد عليه أيضا عموم المنزلة ، وتوقيفية العبادة ، وقاعدة البدلية ، لأنّ أهل العرف إذا علموا بهيئة وكيفية في المائية ثم سمعوا أنّه إذا لم يوجد الماء فالتراب ، أو بدله التراب عند العذر ، وأمثال هذه العبارات لا يفهمون منها إلاّ أنّ الترابية بهيئة المائية ، إلاّ أن تثبت المخالفة من الخارج.

ومن هذا ترى عمارا مع كونه مدنيا مطيعا من أهل الفهم جزما فعل في مقام إطاعة الواجب من [ الله ] (٢) تعالى ما فعل وليس ذلك إلاّ من الجهة التي ذكر ، ولذا لم يشنّع عليه بأنّ هذا الخيال من أين؟ وبأيّ جهة؟ ، بل مازح معه بما مازح.

ومن هذه الجهة أيضا قال في بحث التيمم في التذكرة : يجب فيه تقديم اليمنى على اليسرى بإجماعنا ، لأنّه بدل مما يجب فيه التقديم (٣) ، إذ يظهر منه أنّ جميع المجمعين استندوا إلى قاعدة البدلية [ في ] (٤) الحكم المجمع عليه ، واستندوا أيضا في وجوب البدأة بالأعلى في الوجه والكفين بهذه القاعدة.

وكذا الحال في أحكام آخر في المقام وغيره ، مثل الخطبتين في الجمعة ، والتسبيح في الركعتين الأخيرتين ، وغير ذلك ممّا لا يحصى‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣١ / ١ ، التهذيب ١ : ٩٦ / ٢٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٢ أبواب السعي ب ٦ ح ٣ و ٧.

(٢) في النسخ : أنّه ، والظاهر ما أثبتناه.

(٣) المدارك ٢ : ٢٢٦ ، وانظر التذكرة ٢ : ١٩٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ب » : لا ، وفي « ج » و « د » : إلى ، والظاهر ما أثبتناه.

١٣٧

كثرة.

[ ولذا ] (١) اتفق أفهام الكل في قول الفقهاء : إن لم يوجد التراب فالغبار ، وإن لم يوجد فالطين ، إلى غير ذلك. وكذا في ما ورد في الأخبار ، بل في بعضها : فتيمم بالطين ، أو تيمم بالغبار ، أو ما يؤدّي ما ذكرت من العبارة ، وإن كان بتفاوت في التعبير.

وبالجملة : أيّ فرق بين أن يقال : إن لم تجدوا ماء فبالتراب ، وإن لم تجدوا ترابا فبالغبار ، وأمثال ذلك ، كما ورد في الأخبار ، وأمّا في الغبار والطين يفهم اتحاد الهيئة على اليقين من دون شك ، وليس ذلك من الاطلاع عن الخارج ، إذ لو عرض هذه العبارة على أهل العرف يفهمون كذلك البتّة ، حتى لو وجدوا من الفقهاء مخالفة في ذلك كلا أو بعضا لحكموا بثبوت مانع ، أي دليل شرعي يمنع من الإطلاق [ أو ] العموم ، أو يمنع عموما. كما أنّ الحال في الماء كذلك ، مثل قوله : إن لم يكن ماء فجمدا وثلجا ، يفهم أنّ الوضوء أو الغسل من الجمد والثلج مثل الماء ، فتأمّل جدّا ) (٢).

قوله : وفيه نظر. ( ٢ : ٢٢٨ ).

لم يستدل بوجوب التأسّي بفعله عليه‌السلام حتى يقال : لا يجب حتى يعلم وجوبه ، كما هو أحد المذاهب في التأسي ، بل استدلاله ليس إلاّ بالتيمم البياني الوارد في مقام بيان الواجب الذي هو عبادة توقيفية ، فلو كان جواب له فهو أنّ البيان غير منحصر بالفعل ، بل إطلاق قوله تعالى ـ مثلا ـ بيان ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

١٣٨

لكن مرّ الكلام في هذا الجواب في بحث البدأة بالأعلى (١).

قوله : والصحة لصدق التيمم المأمور به. ( ٢ : ٢٢٨ ).

على تقدير ثبوت الوجوب من وجوب التأخير لعله يتعين الاحتمال الثاني ، لأنّ الوجوب حينئذ لأجل عدم فوت الصلاة ، وهو أمر خارج عن التيمم ، فتأمّل.

قوله (٢) : قياس محض. ( ٢ : ٢٢٨ ).

ليس كذلك ، بل نظره إلى عموم البدلية وعموم المنزلة وقد اعترف بذلك في ما سبق ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ويجزيه في الوضوء ضربة. ( ٢ : ٢٢٩ ).

في الموثق عن عمار أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن التيمم ، من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال : « نعم » (٣). وقد بيّنّا أنّ الموثق حجّة ، سيّما إذا وافق الأخبار.

لكن الصدوق في أماليه عدّ ما اختاره في الفقيه هو والمشهور من جملة دين الإمامية ، حيث قال : من دين الإمامية الإقرار بأنّ من لم يجد الماء ـ إلى قوله ـ : ضرب على الأرض ضربة للوضوء ويمسح بها وجهه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى ، ثم يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثم يمسح اليسرى كذلك ، ويضرب بدل غسل الجنابة ضربتين ضربة يمسح بها‌

__________________

(١) راجع ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) الفقيه ١ : ٥٨ / ٢١٥ ، التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٦٢ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٦.

١٣٩

وجهه ، واخرى ظهر كفيه (١) ، انتهى. ويظهر من الشيخ في التهذيب أيضا أنّ هذا مذهب الشيعة (٢) ، فلاحظ.

( وقال في التبيان : صفة التيمم ثلاثة : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، ذهب إليه أكثر فقهاء العامة وقوم من أصحابنا. الثانية : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى الزندين ، ذهب إليه عمار بن ياسر ، ومكحول والطبري ، وهو مذهبنا إذا كان التيمم بدلا من الجنابة ، وإن كان بدلا من الوضوء فكيفيته ضربة واحدة يمسح بها الوجه إلى طرف انفه واليدين إلى الزندين. الثالثة : إلى الإبطين ، قاله أبو اليقظان والزهري (٣). وكذلك قاله الطبرسي في مجمع البيان (٤).

ويظهر منهما إجماع الشيعة على التفصيل ، وأنّ القول بالضربتين مطلقا رأي العامة ، ويظهر منهما ومن غيرهما أنّ أحدا من العامة لم يذهب إلى التفصيل ، بل ذهبوا إلى الضربتين. ونقل أنّ عليا وعمارا وابن عباس وجمعا من التابعين قالوا بالضربة الواحدة مطلقا (٥) ، فالأخبار الدالة على الضربتين محمولة على التقية ، وما دل على الضربة مطلقا إمّا مجملة أو محمولة على التقيّة أيضا أو كليهما ، بأنّهم عليهم‌السلام من جهة أنّ جماعة من التابعين كانوا يقولون بالضربة سكتوا عن التعرض لذكر الضربة الثانية في الغسل واكتفوا بالإجمال ، فتأمّل.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥ ، بتفاوت.

(٢) التهذيب ١ : ٢١١.

(٣) التبيان ٣ : ٢٠٨.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٥٢.

(٥) انظر البحار ٧٨ : ١٥٠.

١٤٠