الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-169-9
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤١٥
١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين‌

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.

اللهمّ وفّقني لما تحب وترضى ، واهدني الطريقة المثلي ، وأيّدني ، وسدّدني ، وأعنّي على إتمامه ، وانفعني وإخواني المؤمنين منه من بدوه إلى ختامه ، بمحمّد وآله ، صلواتك عليه وعليهم.

قوله : واعلم أن المعروف. ( ١ : ٩ ).

بل نقل جمع من الفقهاء الإجماع ، مثل العلاّمة في التذكرة (١) ، والمحقق الشيخ علي (٢) ، والشهيد الثاني (٣).

ويدل عليه ـ مضافا إلى ما ذكره ـ أصالة عدم التكليف ، واستصحاب الحالة السابقة ، والإجماع المنقول ، على القول بحجية مثله ، كما هو المشهور والمحقق في الأصول.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٤٨.

(٢) نقله عنه في الذخيرة : ٢.

(٣) روض الجنان : ٥١.

٥

بل لا يبعد كونه واقعا ، بملاحظة أن المعهود من فقهاء الشيعة ( بل وغيرهم أيضا ) (١) ، في كل عصر ومصر ، عدم الالتزام والإلزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة ، وعدم أمرهم بالوضوء للمقاربين للاحتضار من المرضى مع المكنة ، والتيمم مع عدمها ، أو أن يوضّأ المحتضرون ، أو ييمّموا. وكذا المشرفون على الغرق أو القتل أو الحرق وأمثال ذلك. وهذه طريقتهم المستمرة المعروفة بحيث لا يشوبها شائبة ريبة.

مضافا إلى عدم إشارة أحد منهم في مبحث الاحتضار إلى وضوء أو تيمم للوفاة ، مع ذكرهم لمثل الوصية ، وذكر الله تعالى ، وحسن الظن ، والتلقين ، وغير ذلك من آداب أخر.

مع أن رفع الحدث لو كان واجبا لكان ذكره أهم ، سيما مع كثرة الحدث المقتضية للاهتمام التامّ والمبالغة في الملاحظة.

بل لم نجد في الأخبار أيضا إشارة ، مع غاية اهتمامهم بالمستحبّات والآداب ، فضلا عن الواجبات.

وأيضا : لم نجد في الأخبار ولا كلام أحد من الفقهاء في مقام ذكر الواجبات ، مثل الصلاة والزكاة وأمثالهما ، ذكرا للوضوء ، بل والغسل أيضا ، فضلا عن التيمم ، بل ادّعي الإجماع على عدم وجوبه بالخصوص أيضا ، كما سيجي‌ء ، فهو مؤيّد لعدم وجوب الوضوء أيضا ، لحكاية عموم البدليّة ، كما سيجي‌ء (٢).

وأيضا : لم نجد إشارة إلى مظنّة الوفاة واعتبارها. وفهمها من مجرّد الأوامر بالوضوء ممّا لا يكاد يتفطّن به الحذّاق الماهرون فضلا عن العوام ، بل‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ه‍ ».

(٢) يأتي في ص ١٧.

٦

سنذكر بطلان الفهم ، فافهم.

قوله : فإنّه مجاز مستفيض. ( ١ : ٩ )

فيه : أنّه على هذا يكون أمره تعالى بالوضوء لأجل خصوص القيام ، دون مثل الركوع والسجود من أجزاء الصلاة.

إلاّ أن يقول : المراد بالقيام نفس الصلاة.

وفيه : أنّه كيف يصير المراد من لفظ القيام تارة إرادته مجازا ، إطلاقا لاسم المسبّب على السبب ، وتارة نفس الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء على الكلّ؟! على تقدير تسليم كون المجموع مركّبا حسّيّا وينتفي بانتفاء القيام ( عرفا ) (١) أيضا ، فتدبّر.

وأيضا : لا بدّ حينئذ من عناية لإدخال صلاة غير القائم.

وأيضا : يلزم أن يكون قوله تعالى ( إِلَى الصَّلاةِ ) (٢) لغوا ، بل لا يتصوّر له حينئذ معنى.

مع أنّ كلامه غير متلائم ، إذ يظهر من قوله : إطلاقا لاسم المسبّب على السبب ، أنّ المجاز مرسل ، ومن قوله : بل المراد. ، أنّ المجاز بالحذف ، فتدبّر.

مع أنّه كيف يكون المراد حينئذ : إذا أردتم القيام إلى الصلاة ، كما ذكره؟! بل يكون المراد : إذا أردتم الصلاة ، وأردتم القيام ، معا من العبارة الواحدة.

على أنّ ما ذكره إنّما يكون إذا كان قوله تعالى هكذا : إذا قمتم في الصلاة ، أو : إذا قمتم للصلاة ، على تأمّل في الأخير أيضا ، ومعلوم أنّه فرق‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من « و ».

(٢) سورة المائدة : ٦.

٧

بين القيام في الشي‌ء ، والقيام إلى الشي‌ء ، والقيام للشي‌ء ، فتدبّر.

قوله : والمشروط عدم. ( ١ : ١٠ ).

هذا مضافا إلى ظهور معنى التجدّد والحدوث في لفظ « وجب » ، لترتّبه على المشروط بكلمة « إذا » ، فتدبر.

قوله : ويتوجه على الأول. ( ١ : ١٠ ).

فيه : أنّ هذا الإيراد مبني على الاشتباه بين القيام إلى الشي‌ء ، والقيام في الشي‌ء ، كما مر ، وغير خفيّ أنّه لا يقام إلى الشي‌ء عادة وعرفا إلاّ بعد التمكّن منه من دخول وقت وغيره ، ولا تطلق هذه العبارة إلاّ في مثل هذه الحالة. مضافا إلى أنّه أقرب إلى الحقيقة.

سلّمنا أنّ المراد من القيام إلى الصلاة القيام في الصلاة ، ويراد به الإرادة ، لكن نقول : المراد أقرب المجازات ، وهي إرادة متى تحقّقت فكأنّه تحقّق نفس القيام. بل نقول : مجاز المشارفة أولى وأقرب ممّا ذكرت ، والوجوب في أول الوقت ـ وإن لم يتحقّق الشرط ـ يثبت بدليل آخر ، ولا يضرّ ، كما أنّ الأدلّة الشرعيّة الفقهيّة غالبا أخصّ من المدّعى ، وهو يثبت من أزيد من واحد.

على أنّ اشتراط وجوب الوضوء للصلاة مدّعى ـ وهو المطلوب في المقام ـ ووجوبه بعد دخول الوقت مدعى آخر ، والأوّل ثبت ، ولا يتضرّر دليلنا هذا بالآخر إلاّ على القول بعموم مفهوم الشرط ، وهو ممنوع عند الشارح ـ رحمه‌الله ـ وغير واحد من المحققين.

ولو سلّم فمعلوم أنّ الأمر بالوضوء إنما هو بعد الأمر بالصلاة ، فكأنّه‌

٨

تعالى قال : أقم الصلاة من الزوال إلى الغروب ، ثمّ قال : إذا قمتم إلى الصلاة فتوضؤوا. فظهر من الأخير أنّ الوضوء يجب للصلاة ، ومن الأول أنّها في جميع الوقت واجبة ، فظهر من المجموع أنّ الوضوء في جميع الوقت واجب للصلاة.

والحاصل أنّه تعالى قال : القيام واجب موسّع ، ويجب له الوضوء إذا فعل ، فيلزم كون الوضوء واجبا لغيره بوجوب موسّع ، فمعنى المفهوم : إذا لم تقوموا من حيث إنّه لم يجب لم يجب عليكم كذا وكذا ، لا أنّه مع وجوب القيام أيضا لم يجب الوضوء إذا لم يفعل القيام.

على أنّ الوضوء واجب للقيام ، فتأمّل.

على أنّ العموم مخصّص بدليل آخر ، ولا يلزم منه رفع اليد عن حجّيّة نفس المفهوم ، فإنّ العامّ المخصص حجة في الباقي ، وعموم المفهوم أضعف من نفسه.

على أنّ « إذا » من أدوات الإهمال ، فلا عموم في الآية يقتضي وجوب الوضوء عند إرادة القيام مهما تحققت حتّى يرد أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، والإهمال لا يضرّ المستدلّ ، لأنّ الفرض كون الوجوب للغير لا غير ، فتدبّر.

سلّمنا ، لكن كلمة « إذا » من أدوات الإهمال كما قلنا ، ومسلّم عند الشارح ـ رحمه‌الله ـ أيضا ، فلا عموم بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب القرينة والفهم العرفي فإنّما هو من حيث عدم رجحان وقت على وقت ، فتأمّل.

سلمنا ، لكن خرج ما خرج بالوفاة ، إذ لم يقل أحد بالوجوب للغير قبل الوقت أيضا. مع أنّ الشارح يدّعي القطع بانتفاء وجوب الشرط قبل وجوب (١) المشروط ، كما سيجي‌ء ، وهو يكفي للتخصيص وعدم الضرر في إطلاق‌

__________________

(١) في « ا » : وجود.

٩

الحكم وتعميم اللفظ.

واعترض أيضا بأنّ حجية المفهوم فيما إذا لم يكن للشرط فائدة سوى تخصيص الحكم بالشرط ، فلعلّها هاهنا بيان أنّه واجب للصلاة وإن كان واجبا لنفسه ، فيكون الغرض نفي الوجوب العارض (١).

ولا يخفى فساده أيضا ، لأنّ هذا الاحتمال يتمشّى في جميع المفاهيم ، فيقتضي عدم الحجّيّة إلاّ أن يظهر انتفاؤه ، وهو بعينه قول منكري الحجّيّة ، إذ لا نزاع في أنّ الفائدة تخصيص الحكم إذا لم تكن فائدة أخرى ، بل لا يتصور النزاع ، إنّما النزاع في أنّ الفائدة هل هي التخصيص إلاّ أن يظهر خلافه أم هو من المحتملات؟ ولا نجد فرقا بين ما نحن فيه وبين قوله : إن جاءك زيد فأكرمه ، وإن جاءكم فاسق بنبإ. ، وغير ذلك.

والحل (٢) أنّ المستفاد من ظاهر العبارة أنّ الإكرام المطلق معلّق على المجي‌ء ، واستفادة كونه لأجله غير مانع.

وأيضا : فرق بين وجوب شي‌ء لأجل شي‌ء ، ووجوب شي‌ء بشرط تحقّق شي‌ء ، وإن كان الثاني يستفاد منه الأول أيضا ، لكن ليس هو هو ، فكيف يجعل الأول فقط مفاد الثاني من دون زيادة مدلول مطلقا؟! فتدبّر.

قوله : وإلاّ لما كان الوضوء. ( ١ : ١٠ ).

فيه أنّ وجوبه ليس لأجل الإرادة حتى يلزم عدم اعتبار المقارنة ، إذ لو لم يرد يكون عليه واجبا أيضا من دون تفاوت ، مضافا إلى ما مر من الجواب عنه مفصّلا.

__________________

(١) كذا في نسخ الحاشية ، لكن في ذخيرة المعاد للمحقّق السبزواري : ٢ فيكون الغرض متعلّقا بالوجوب العارض ، وهو الأنسب.

(٢) في « ب » و « ج » و « د » : والحقّ.

١٠

قوله : وعلى الثاني. ( ١ : ١٠ ).

الواو ليست حقيقة في المعيّة ، فمقتضاها مشاركة الطهور للصلاة في الحكم الشرعي (١) ، بل تعلّق أولا بالطهور ، فالصلاة تابعة له فيه.

على أنّ المقرر عند أهل العربية أنّ العطف في قوة تكرير العامل ، وأنّه لاختصار العبارة ، بل المعطوف عندهم في حكم المعطوف عليه.

مع أنّه يلزم على ما ذكره عدم الدلالة على اشتراط الوقت للصلاة أيضا ، وفيه ما فيه.

وإرجاعه لخصوص الصلاة ـ مع مخالفته لما ذكره ـ مستلزم للفصل بالأجنبي في هذا الحكم. مضافا إلى استلزام الاستدراك فيه. وجعل الفائدة بالنسبة إلى ما هو خارج عن الحكم الذي ليس مفاد العبارة إلاّ هو ، فيه ما فيه.

وربما يقال : المنفي بالنسبة إلى الطهور أهمية الوجوب ، وإلى الصلاة نفسه ، وفيه ما فيه.

أو : الوجوب للغير خاصّة فيه ، ومطلقا فيها ، ولا يخفى بعده ، مع عدم قائل به ، كما يظهر من كلام القائل بالوجوب لنفسه.

ومما ذكر ظهر الفساد على تقدير حمل كلام الشارح على الاستغراق الأفرادي أيضا (٢). مضافا إلى بعده.

قوله : وحكى الشهيد. ( ١ : ١٠ ).

ربما قيل بأنّ القول ليس من علماء الشيعة ، للإجماعات المنقولة (٣) ، بل نقل الشهيد أيضا الإجماع في غير الذكرى (٤) ، مع أنّه سيجي‌ء في‌

__________________

(١) في « ب » و « و » : الشرطي.

(٢) انظر ذخيرة المعاد : ٢.

(٣) راجع ص ٦.

(٤) انظر القواعد والفوائد ٢ : ٦٣.

١١

مبحث التيمم نقل الإجماع فيه بخصوصه (١).

ولا يخفى أنّ مقتضى مذهبه أنّ كلّ واحد واحد من الطهارات عقيب كلّ حدث يكون واجبا ، وأنّ المكلّف لو لم يتطهر من أوّل عمره إلى آخره لم يكن تاركا لواجب أصلا بالنسبة إلى الوجوب النفسي إلاّ في صورة نادرة وهي حصول ظنّ الموت والتمكّن ، فمع الترك في هذه النادرة عليه عقاب واحد ، ومع الفعل لا عقاب أصلا.

ولو تطهر عقيب كل حدث حدث فبنيّة الوجوب ، لوجوبه عليه ، فيتأتّى واجبات لا تعد ولا تحصى ، كل واحد واحد منها واجب ، وليس على ترك واحد منها عقاب أصلا ، ومع ترك الجميع يكون تاركا لواجب واحد في صورة واحدة نادرة ، ومع الفعل فيها خاصة لا يكون تاركا أصلا ، كما قلنا.

وأما الوجوب للصلاة فربما يظهر من عبارته الوجوب الشرطي لا الشرعي ، إلاّ أن يكون قائلا بوجوب مقدمة الواجب مطلقا ، أو الشرط الشرعي ، فيجتمع وجوبان : نفسي وللغير ، ويتأدى أحدهما بالآخر ، ويتضيق الأخير خاصة بتضيق وقت العبادة.

ولا يخفى أنّ هذا المذهب ـ مع ما فيه من الفساد ، من أنّ الواجب ما يكون على ترك نفسه العقاب في الجملة لا على ترك نظيره ، ومع ما فيه من القيود وتعدد طريق الوجوب فيها ، وتأدى أحدهما بالآخر ، وغير ذلك ـ جعله نفس مدلول الأخبار والظاهر منها فيه ما فيه. سيما مع ما فيها من الإيجابات ، وبلوغها غاية الكثرة.

وجعل تلك الإيجابات الكثيرة بالنسبة إلى كل واحد واحد من الأحداث من أول العمر إلى آخره ، بالنسبة إلى كل واحد واحد من‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٢٠٨ و ٢٠٩.

١٢

المكلفين ، بالنسبة إلى أحد الوجوبين خاصة ، وإلى تضيق العبادة بالنسبة إلى الآخر.

وجعل البناء على أنّ جميع هذه الإيجابات التي لا عدّ لها ولا حصر من جهة إثم واحد بترك تكليف واحد في آخر العمر ، على فرض نادر غاية الندرة وهو ظنّ الموت حال التمكن من الفعل من دون إشارة إلى نفس الظنّ ولا إلى اعتباره في خبر من هذه الأخبار ولا غيرها مما أشرنا إليه ، بل وظهور الأخبار وغيرها في خلاف ذلك ، كما عرفت. مع أنّ هذه الاخبار متطابقة على الايجابات على الإطلاق.

وأمّا بالنسبة إلى الوجوب الآخر فلا يكون أيضا على الترك عقاب إلاّ عند تضيّقات على ترك كل واحد واحد عقاب لترك مشروط. هذا مع تأدّي أحدهما بالآخر. لعله لا يخفى فساده. فتأمّل.

وبالجملة : إذا توضّأ محدث للنوم ، أو وطء الحامل ، أو جارية بعد أخرى ، أو مع عزمه على إحداث حدث بعده قبل أن يصلّي وقبل مظنّة الموت ، أو جزمه بوقوع الحدث بعد وضوئه قبل الصلاة ومظنّة الموت ، أو ظنّه بوقوع الحدث كذلك ، أو شكّه ، فجميع هذه الوضوءات لا عقاب على تركه أصلا وبوجه من الوجوه عند القائل ، مع حكمه بوجوبه وأنّه يفعل بقصد الوجوب ، عجيب.

مع أنّه كيف يمكن لعاقل أن يقصد وجوب فعل معيّن مشخّص مع جزمه بأنّه لا عقاب أصلا ورأسا على ترك هذا الفعل ، وأنّه لو تركه لا يكون مؤاخذا بوجه من الوجوه؟!

قوله : ويشهد له إطلاق الآية. ( ١ : ١٠ ).

ظاهر الآية هو الوجوب للغير ، فكيف ينفع إطلاقه له ، لأنّ الأمر فيها‌

١٣

وإن لم يقيّد بوقت ، إلاّ انّه مقيد بإرادة الصلاة ومشروط بها ، وهو في فساد الوجوب النفسي أظهر ، فيكون المراد من المطلق هو الوجوب (١) المشروط لا المطلق.

وأيضا : ذلك الإطلاق نشأ من أنّ الإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، وهو فرع التعليق على الإرادة ومبتن عليه ، فكيف يمكن التمسك بالفرع على فساد الأصل ، وبالمبتني على بطلان المبتني عليه؟!.

وأيضا : عدم الوجوب قبل الوقت مطلب للمشهور ، وكون الوجوب للغير مطلب آخر ، وما نحن فيه هو الثاني ، والإطلاق لو سلّم رجوعه إلى العموم يضر الأول.

والقائل بالوجوب النفسي لم يقل إلاّ أنّ الوضوء واجب بحصول السبب ، ولازم ذلك جواز وجوب الوضوء الذي لأجل حصول السبب قبل الوقت ، لا وجوبه الذي لأجل إرادة الصلاة.

فالآية تدلّ على نفس مذهب المشهور المطلوب في المقام ، ولا دلالة لها على نفس مذهب القائل ولا على لازمه ، فكيف يستدلّ بها على إثبات مذهبه وإبطال مذهبهم؟!.

وأيضا : كما أنّها مطلقة بالنسبة إلى الوقت فكذا بالنسبة إلى حصول السبب.

فإن قلت : لم يقل أحد بهذا الإطلاق.

قلت : لم يقل أحد بالإطلاق الذي ذكرت.

مع أنّ المقامين ناقشوا فيهما : أمّا الأول فسيجي‌ء في بحث وجوب الوضوء مع الأحداث وغيره ، وأمّا الثاني ففي وجوب الغسل للصوم.

__________________

(١) في « ج » و « د » و « ب » : الواجب.

١٤

مع أنّ الفرد الغالب هو الإرادة بعد دخول الوقت ، وأما توطين النفس فعلى القول بالوجوب فمن حين اختيار الإسلام ، وحمل الآية عليه فيه ما فيه ، فيمنع رجوع الإطلاق إلى العموم.

مع أنّ دلالة الآية على أنّ المأمور به هو لأجل الصلاة واضحة.

وعندك (١) أنه لا معنى لوجوب الشرط ولمّا يجب المشروط ، فتدل على عدم الوجوب قبل الوقت بالالتزام. ولئن تنزلنا نمنع الرجوع إلى العموم ، لمكان احتماله أيضا.

هذا مضافا إلى ما مر في الحاشية السابقة بأسرها.

قوله : وكثير من الأخبار. ( ١ : ١٠ ).

لا يخفى أنّ الإطلاق ينصرف إلى الافراد الشائعة ، كما سيصرح الشارح مرارا ، والأفراد الشائعة للوضوء المترتب على الأحداث لا عقاب على تركها بالنسبة إلى الوجوب النفسي عند القائل به ، وليس فيها إلاّ مجرد ترتب الثواب على الفعل ، وهذا بعينه هو الاستحباب ( النفسي ) (٢) الذي يقول به المشهور.

وأمّا العقاب فليس إلاّ على ترك النادر ، وهو ما إذا حصل ظنّ الموت مع التمكن من الوضوء وعدم الظن بحصول حدث بعد الوضوء قبل خروج الروح.

فقضيّة لزوم صرف الإطلاق إلى غير النادر تقتضي حمل الوجوب في الإطلاقات الكثيرة إمّا على الاستحباب النفسي أو الوجوب الغيري ، فلا بدّ من أن يرفع اليد عن الوجوب أو عن كونه نفسيا ، ولا يجتمعان معا.

__________________

(١) في « و » : وعندي.

(٢) ليس في « ج » و « د ».

١٥

فإن قيل : ما ذكر وارد على الوجوب الغيري أيضا بعد دخول الوقت ، قلنا : سيجي‌ء الكلام فيه في بحث وجوب الغسل للصوم.

ثم نقول ـ مع قطع النظر عما ذكرنا ـ : إنّا نمنع تبادر الوجوب لنفسه بالنسبة إلى الأمور التي وجوبها للغير وشرطيتها له معروفة شائعة حاضرة عند الأذهان ، بل نقول : المطلقات في مثلها تنصرف إليه ، كما هو الحال في مثل الأمر بغسل الثياب والبدن والظروف وغيرها.

وهذه الأخبار صادرة بعد مدة مديدة من ظهور الشرع وأحكامه وتأسيسها وانتشارها ، لعموم البلوى وشدة الحاجة. حتى أنّ جميع آحاد المكلفين الكثيرين غاية الكثرة ـ بل وغيرهم أيضا ـ في كل يوم يحتاجون إليه غالبا مرات متعددة للصلاة وغيرها أيضا.

هذا كله مع طول المدة ، وكون الاشتراط للصلاة من ضروريات الدين ، بل وأظهر الضروريات. والرواة كانوا يسألون عن إحداث خاصة وقع في المسلمين شبهة فيها ، وما كانوا يسألون عن كل شي‌ء ، فأجيبوا بأنّه إذا وقع فتوضأ ، أو أنّه إذا وصل إلى هذا الحد ، أو أنّه لا ينقض إلاّ كذا وكذا.

فظهر من الروايات أنهم كانوا عارفين وما كانوا جاهلين قطعا (١) ، إلاّ أنّه إذا وقع شبهة خاصة سألوا عن حالها. وكذا حالهم في سائر الأحكام الفقهية ، كما لا يخفى على من تتبع الأخبار وتأمل.

وبالتأمّل يظهر أنّه ليس مدّ نظرهم وجوب الوضوء لنفسه أو لغيره ، فحمل الإطلاق على أزيد مما يرفع شبهتهم وصرفه إلى العموم ـ مع أنه ليس موضوعا له ـ محل نظر.

على أنّ الإطلاق إنما يرجع إلى العموم حيث يكون الحمل على‌

__________________

(١) في « ه‍ » : مطلقا.

١٦

بعض دون بعض ترجيحا من غير مرجّح ، مع كون المقام مقام إفادة حكم تلك الأفراد ، فبعد التسليم الرجحان ظاهر ، كما عرفت وستعرف.

ومما ينبّه على ذلك حال زماننا وما تقدّمه إلى زمان الصادق (١) عليه‌السلام أيضا بالنسبة إلى المستفتين عن الأمور المذكورة ، بل والمفتين أيضا ، إذ نحن في مقام الجواب لا يخطر ببالنا سوى ما أشرنا ، مع أننا سمعنا القول بالوجوب النفسي ، واشتهر عندنا الخلاف فيه ، بل السائلون أيضا كثير منهم سمعوا ، ومع ذلك لا يخطر ببالنا وبالهم في مقام الجواب والسؤال وغير ذلك من مقامات المحاورات عند الإطلاقات سوى ذلك.

ومما يؤيد ، أنهم عليهم‌السلام في كثير من المواضع ذكروا أنّ أمر كذا ناقض من غير تعرّض لوجوب الوضوء ، وربما يحتمل في الظن أن الأمر بالوضوء إنما هو كناية عن الناقضية ، فتأمّل في الأخبار.

ومما يؤيد أنّهم ربما تعرضوا لذكر الصلاة في السؤال والجواب بأن قالوا : « وليتوضأ لما يستقبل » (٢) ، يعني : الصلاة الآتية ، أو قالوا : « ليتوضأ لصلاة كذا » أو : « يتوضأ » أو : « يصلي » ، إلى غير ذلك ، فتتبع وتأمل.

وأمّا صحيحة عبد الرحمن ونظائرها فمحمولة على الاستحباب قطعا ، للإجماع والأخبار على جواز النوم. مع أنه لو حمل على الوجوب يلزم الفور أو الوجوب للنوم ، وفيه ما فيه.

بل يمكن أن يقال بمثل ذلك في باقي ما أورده من الأخبار ، لمكان الفاء ، بناء على إفادتها الفوريّة ، وعدم تسليم ما ذكرنا سابقا ، إذ الظاهر حينئذ ليس باقيا على حاله ، والحاجة إلى الحمل تمنع عن الاحتجاج. إلاّ‌

__________________

(١) في « و » : المعصوم.

(٢) الوسائل ١ : ٣١٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ١.

١٧

أن يثبت أقربية نافعة له ، وفيه إشكال.

وبعد اللتيا والتي ، حمل هذه الأخبار على ما ذكرنا أولى مما ارتكبه في حجة المشهور قطعا ، سيما مع المرجحات لها والمبعدات لما ذكر ، لو لم نقل بكون الأول حجة مستقلة ، والثاني مانعا معلوما.

ووردت في الخبر في الجنب التي حاضت في المغتسل : « لا تغتسل ، قد جاءها ما يفسد الصلاة » (١).

وفي غير واحد من أخبار الاستحاضة : أنها تغتسل لكل صلاتين وتتوضأ لكل صلاة (٢) ، وغير ذلك.

وفي بحث التيمم : « إذا وجد الماء ( فلا قضاء عليه ) (٣) وليتوضأ لما يستقبل » (٤).

مع أنّ وجوب الغسل لنفسه أشد إشكالا ، بملاحظة ما ذكرنا ، من أنّ وجوبه حينئذ لا يتضيق إلاّ بظن الموت مع التمكن منه ، إذ مع الظن لا يتمكن منه عادة ، ومع عدم الظن لا عقاب على الترك قطعا.

وحكاية تضيّقه بتضيّق وقت العبادة قد عرفت حالها ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّ النزاع إنما هو في الوجوب لنفسه ، أما الرجحان لنفسه فوفاقي منصوص عليه في كلام الفقهاء ، وظاهر من كلام الشارح ـ رحمه‌الله ـ أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨٣ / ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ / ١١٢٨ ، وفي ٣٩٥ / ١٢٢٤ ، الوسائل ٢ : ٣١٤ أبواب الحيض ب ٢٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » و « و » : فلا وضوء عليه.

(٤) الكافي ٣ : ٦٣ / ١ ، التهذيب ١ : ١٩٢ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٨ ، وفي ١٦٥ / ٥٧٤ ، الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤ ح ٣.

١٨

قوله : ويؤيده خلوّ الأخبار. ( ١ : ١١ ).

دعوى الخلوّ بأسرها عن تفصيل القوم ، مع ورود صحيحة زرارة وما يؤدي مؤداها ، والتزامه ـ رحمه‌الله ـ عدم الخلوّ عن تفصيل القائل وقيوده ، مع عدم ظهور توسعة منها فضلا عن توسعته ، وغير ذلك مما عرفت ، فيه ما فيه.

سيما بعد ملاحظة عدم الفرق بحسب الواقع بين الوجوب الموسع الذي يدعيه وما يدعيه القوم من الرجحان النفسي ، فرقا مهما معتدا به في نظر الشرع ، حتى يجعله مناطا للفعل بعنوان الوجوب وعدمه ، وإلزام المكلف بأحدهما ، مع عدم ظهور تنبيه منه بمحطّ الفرق ومعياره ، بل وظهور العدم ، كما مر.

وخصوصا بعد ملاحظة طريقته من الأمر الواجب والمستحب معا بصيغة واحدة ، كما ينبه عليه قوله : إن هذا هو السر. ، فبين قوليه لعله تدافع.

مع أنّ ثمرة التفصيل غير منحصرة في النية ، فكان عليه أن ينبه على موضع الحظر. نعم ربما كان قلة الحاجة صارت منشأ لعدم التنبيه ، فغاية الندرة تصير منشأ لعدم الاعتداد أولى ، فتأمّل.

قوله : وتدل عليه روايات. ( ١ : ١١ ).

الشارح ـ رحمه‌الله ـ ربما يتأمل في إفادة الجملة الخبرية الوجوب.

ومع ذلك غاية ما يثبت شرطيته للطواف الواجب. إلاّ أن يقال : وجوب الوضوء لأجل الإعادة ظاهر في الوجوب. ولعل استناده إلى الإجماع في تتميم الدلالة.

وقوله : ومتنه مجمل. هاهنا قاعدة سيجي‌ء ذكرها والكلام فيها.

قوله : مبني على القول. ( ١ : ١٢ ).

وكذا على القول بأنّ ما لا يتم الواجب إلاّ به واجب مطلقا ، أو إذا كان‌

١٩

شرطا شرعيا ، أما القائل بالعدم مطلقا ـ سوى السبب أو مطلقا ـ فلعلّ مراده من الوجوب في شروط الواجبات وأجزائها هو المطلوبية شرعا ، مع عقاب على تركه في الجملة ، فإن المشروط الخالي عن الشرط ليس مطلوبا ، بل هما مطلوب واحد من قبيل أجزاء الواجب.

ثم المس أعم من أن يكون بالكف أو غيره ، مما تحله الحياة ومما لا تحله الحياة ، مثل الظفر والشعر ، احتياطا إذا صدق عليه اسم المس.

ويجتنب أيضا إذا أتى ببعض الوضوء ، وإن كان بما غسله.

وكذا عن مس أبعاض القرآن في أيّ موضع كان ، لظهور الشمول.

والصبي لا يحرم عليه. مع احتمال عدم حرمة تمكين الولي ومثل الولي. والأحوط منعهم إياه عنه ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الاستحباب. ( ١ : ١٣ ).

الحكم شرعي ، وعقلي ، وعادي. والأخيران لا مانع منهما ، بأن يقال : عقلا كذا ، أو عادة كذا ، ولا مانع من متابعتهما ، سيما العقلي. ولذا ترى الشارح ـ رحمه‌الله ـ مع حكمه بأن الاحتياط ليس بدليل شرعي يأمر به مهما أمكن ، وديدنه ذلك. وبالجملة : لا مانع من متابعتهما ما لم يدخلهما في الشرع ، بل أمر بهما ، ونهي عن خلافهما.

وربما قيل بإدخال العقلي في الشرعي ، بناء على تطابقهما.

ومنّا من أنكر مع القول بالتطابق.

ولا شك في اعتبارهما في موضوع الحكم. نعم لو كان من العبادات فحكمه حكم نفس الحكم.

وهو بعنوان الجزم يتوقف على دليل قطعي ، والظن على الظنيّ ، والاحتمال على أمارة مورثة له ، مثل الخبر الضعيف متنا أو سندا أو دلالة ، أو تعارض الأدلة ، أو قول الفقهاء ـ لا إجماعهم ـ أو فقيه أيضا ، أو حكم العقل‌

٢٠