بحوث في علم الأصول - ج ٦

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

وانما حصل له الشك الساري بعد الصلاة ، فالشك الحاصل بعد الصلاة بلحاظ اليقين بالطهارة المتولد من الفحص حين الصلاة يكون موضوعا لقاعدة اليقين وبلحاظ اليقين بالطهارة الثابت قبل ظن الإصابة يكون موضوعا لقاعدة الاستصحاب.

الثالث ـ ان يفترض عدم حصول العلم له بالطهارة من عدم الرؤية حين الصلاة ولكنه بعد ان وجد النجاسة بعد الصلاة علم بأنها هي التي ظنها من أول الأمر وانها كانت سابقة على الصلاة.

وهنا يصدق في حقه عدم نقض اليقين بالشك بمعنى الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة لأنه كان عالما بالطهارة قبل الصلاة شاكا فيها حين العمل وان انكشف له خلاف ذلك بعد الصلاة واما قاعدة اليقين فلا تصدق في حقه لعدم حصول اليقين بالطهارة حين الصلاة بحسب الفرض.

الرابع ـ ان يفترض عدم حصول العلم بالطهارة حين الصلاة وعدم حصول العلم ـ بعد الصلاة ووجدان النجاسة ـ بأنها كانت السابقة على الصلاة وهنا تجري قاعدة الاستصحاب أيضا بلحاظ حال الصلاة وحال السؤال معا ولا تجري قاعدة اليقين كما هو واضح.

السؤال الرابع ـ لو علم إجمالا بالإصابة ولم يشخص موضعها فما ذا يصنع؟ والجواب : انه لا بد وان يغسل أطراف العلم الإجمالي حتى يحصل اليقين بالطهارة.

السؤال الخامس ـ عند الشك في أصل الإصابة هل يجب الفحص؟ والجواب : عدم وجوبه الا إذا أراد الاحتياط ونفي الشك من نفسه.

السؤال السادس ـ لو رأى النجاسة في أثناء الصلاة؟

وقد أجاب الإمام عليه‌السلام بالتفصيل بين صورتين ( انه إذا كنت قد شككت في موضع منه أولا ثم رأيته تنقض الصلاة وتعيد وإذا لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ولا ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ).

وفي هذا الجواب احتمالان :

الأول ـ ان يراد بالشك الشبهة البدوية ويكون المقصود حينئذ إذا كنت قد شككت في موضع منه ثم رأيته فيه بحيث علمت بأنه من السابق أعدت الصلاة

٤١

واما إذا لم يكن لك شك ثم رأيته فلعله شيء أوقع عليك في الأثناء فيحكم بصحة ما تقدم من صلاتك بمقتضى قاعدة عدم نقض اليقين بالشك وتغسل الثوب لما تبقى من الصلاة وتبني عليها.

الثاني ـ ان يراد بالشك الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي أي الشك في موضع من الثوب بعد فرض العلم بأصل النجاسة فيكون المنفي بقوله وان لم تشك في الشرط الثاني من الجواب أيضا نفي الشبهة المقرونة بالعلم ويفهم على هذا التقدير حكم الشبهة البدوية مع العلم بان ما وجده كان هو المشكوك أولا من مفهوم التعليل في قوله ( لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ) الّذي يعني بطلان الصلاة مع العلم بأنها كانت من أول الأمر.

ويقرب الاحتمال الأول عدة أمور.

منها ـ ظهور الشك في الشبهة البدوية خصوصا في جملة وان لم تشك فانه لم يقيده بموضع منه ليتوهم قرينيته على إرادة العلم الإجمالي.

ومنها ـ ظهور الجملة في دخالة رؤية النجاسة بعد الشك في البطلان ، ومع فرض العلم الإجمالي بالنجاسة تكون الصلاة باطلة به ولا ربط لرؤية النجاسة في ذلك.

ومنها ـ لزوم التكرار إذا أريد من الشك الشبهة المقرونة بالعلم لأنه قد بين في السؤال الرابع حكم العلم الإجمالي بالنجاسة ولزوم الغسل فيه الّذي هو وجوب شرطي لا نفسي أي يرجع إلى بطلان الصلاة مع العلم الإجمالي بنجاسة الثوب ولا فرق بين ان يكون العلم الإجمالي بذلك حاصلا قبل الدخول في الصلاة أو في أثنائها.

وفي قبال ذلك قد يقرب الاحتمال الثاني بإحدى نكتتين :

إحداهما ـ ظهور تقييد الشك بموضع من الثوب في الفراغ عن أصل النجاسة وانما الشك في موضعها.

الثانية ـ ان فرضية الشبهة البدوية لا تساوق بطلان الصلاة لو رأى النجاسة بعد ذلك إذ مجرد ذلك لا يستلزم العلم بالنجاسة من أول الأمر بل يعقل فيه أيضا فرضية الشك وانه شيء أوقع عليه في الأثناء ، فتخصيص الإمام عليه‌السلام ذكر هذه النكتة في الشرط الثاني أعني ما إذا لم يشك بنفسه قرينة على إرادة الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي والفراغ عن أصل النجاسة في الشرط الأول.

٤٢

والإنصاف عدم تمامية شيء من النكتتين.

اما الأولى ـ فلأنه لو كان المذكور ( ان شككت في موضع النجاسة أو في الموضع منه ) كان ظاهره ما ذكر من المفروغية عن أصلها ولكن المذكور ( ان شككت في موضوع منه ). وهذا يناسب الشك البدوي أيضا وتكون نكتة التقييد بموضع منه انه في حال رؤية النجاسة بعد ذلك في نفس الموضع يحصل العلم غالبا بكونها نفس النجاسة المشكوكة من أول الأمر بخلاف ما إذا كان الشك في إصابة النجاسة للثوب إجمالا.

وبهذا ظهر اندفاع النكتة الثانية فان فرض الشك في موضع منه ثم رؤيته فيه مساوق عادة مع العلم بكون المرئي نفس النجاسة السابقة هذا مضافا إلى احتمال ورود السؤال السادس من زرارة في مورد سؤاله الخامس أعني ما إذا شك في انه اصابه شيء وكونه تتمة له فالضمير في قوله : ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة راجع إلى نفس ذلك الشيء الّذي شك في اصابته قبل الصلاة ومعه يكون ظاهره العلم بأنه رأى فيه نفس النجاسة السابقة وهو الشطر الأول الّذي حكم فيه الإمام بالبطلان واما الشرط الثاني فيكون فرعا زائدا تبرع به الإمام عليه‌السلام.

ثم ان الشيخ الأعظم ( قده ) ادعى نحو تهافت بين جواب الإمام عليه‌السلام على السؤال السادس ببطلان الصلاة مع انكشاف وقوع جزء منها مع نجاسة مجهولة في الأثناء وبين ما تقدم في جواب السؤال الثالث بناء على الاحتمال الثالث فيه من الحكم بصحة الصلاة مع وقوع تمامها مع النجاسة فانه لا يمكن ان يكون وقوع بعض الصلاة مع النجاسة المجهولة أسوأ حالا من وقوعها بتمامها كذلك.

وأجاب عليه السيد الأستاذ بأنا لا نعلم ملاكات الأحكام التعبدية فلعل المصلحة الواقعية بنحو تقتضي ذلك.

وهذا الجواب لا يشفي الغليل ولا يدفع الإشكال إذا كان المقصود منه دعوى التهافت العرفي بلحاظ الدلالات المستفادة من الرواية بدعوى ان العرف يتعدى من جواب السؤال الثالث إلى حكم السؤال السادس ويفهم كبرى كلية تعم الصورتين معا بنحو بحيث لا يتعقل التفكيك بينهما وبالتالي يحصل نحو إجمال وتهافت بين الفقرتين من الرواية بحسب مقام الإثبات.

والصحيح في الإجابة على هذا الإشكال إبراز نكتة يحتمل العرف على أساسها

٤٣

الفرق بين الصورتين وفي المقام إذا وجد المصلي نجاسة سابقة في أثناء صلاته تكون له عدة خصوصيات :

الأولى ـ وقوع مقدار من صلاته مع نجاسة مجهولة.

الثانية ـ علمه بهذه النجاسة وتنجزه عليه في الأثناء.

الثالثة ـ حالة كونية للصلاة في الثوب النجس مع العلم به من دون الاشتغال بعمل صلاتي.

الرابعة ـ الإتيان بباقي الصلاة في ثوب طاهر.

ولا إشكال في ان الخصوصية الرابعة لا يعقل دخالتها في البطلان وان يكون حال هذا المصلي أسوأ ممن أتى بكامل صلاته مع النجاسة جهلا.

والخصوصية الثالثة وان كان يحتمل العرف دخالتها في البطلان الا ان الشارع قد حكم بصحة الصلاة في صورة عدم العلم بسبق النجاسة مما يعني ان مجرد نجاسة الثوب في حالة كونية للصلاة لا يكون مانعا.

ودعوى : احتمال كون المانع في الكون الصلاتي النجاسة بوجودها البقائي لا الحدوثي يدفعها : أولا ـ عدم عرفية ذلك فيلزم محذور التهافت إثباتا.

وثانيا ـ انه خلاف ظاهر تعليل الإمام عليه‌السلام الحكم بالصحّة في هذه الصورة بالاستصحاب مما يعني ان المصحح هو نفس عدم النجاسة السابقة لا ما يلزم منه من عدم كون النجاسة الفعلية بقائية حتى إذا قلنا بحجية الأصل المثبت في مورد هذه الصحيحة.

والخصوصية الأولى أيضا لا يحتمل العرف دخالتها في البطلان لأن الأكثر منها حاصل في مورد السؤال الثالث وقد حكم فيه بالصحّة. فيتعين ان تكون الخصوصية الثانية هي الفارق بين الصورتين وهو امر معقول عرفا فان تنجز النجاسة على المكلف في أثناء الصلاة في مورد السؤال السادس وعدم تنجزها وعدم انكشافها الا بعد انتهاء الصلاة في مورد السؤال الثالث يقبل العرف ان يكون له الدخالة في التفصيل المذكور فيكون مقتضى الجمع العرفي بين أدلة مانعية النجاسة وروايات صحة الصلاة مع النجاسة جهلا ـ ومنها الفقرة الثالثة من هذه الصحيحة بناء على نظرها إلى ذلك ـ ان المانع هو النجاسة المتنجزة على المكلف قبل انتهاء الصلاة ولو بوجودها البقائي وحيث

٤٤

ان هذا القيد لم يكن حاصلا في مورد السؤال الثالث حكم الإمام عليه‌السلام بالصحّة فيه وحيث انه كان حاصلا في مورد السؤال السادس فصل الإمام عليه‌السلام بين ما إذا علم بسبق النجاسة فقد تنجزت عليه في الأثناء فتبطل الصلاة وبين ما إذا لم يعلم بذلك فيجري استصحاب عدم النجاسة. وهل يكون الثابت بالاستصحاب حينئذ الصحة الواقعية أو الظاهرية؟ جوابه : ان المانع ان كان هو تنجز النجاسة السابقة ولو بوجودها البقائي بحيث يكون مركبا من جزءين وجود النجاسة سابقا وتنجزها بالعلم ونحوه فالاستصحاب ينفي الجزء الأول ظاهرا فتكون الصحة ظاهرية وان كان المانع هو تنجز نفس النجاسة السابقة ولا يكفي تنجز وجودها البقائي في المانعية فالاستصحاب يرفع هذا التنجز واقعا فتكون الصحة واقعية لا ظاهرية.

وبعد ان اتضح فقه هذه الرواية يقع البحث في كيفية الاستدلال بها على قاعدة الاستصحاب.

الاستدلال بالصحيحة الثانية على الاستصحاب

وقد اتضح ان هناك موضعين فيها يمكن ان يستدل بهما على كبرى الاستصحاب لأن جملة ( فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ) قد ورد في موردين من الصحيحة الأول في جواب السؤال الثالث والثاني في الجواب عن السؤال الأخير.

ولا إشكال في ظهور الصحيحة في إعطاء قاعدة كلية وظهورها في ذلك أوضح وأصرح من الصحيحة الأولى لكونها صريحة في التعليل بهذه القاعدة لأن زرارة سأل صريحا عن علة الحكم وضابطته وكذلك التعبير بقوله ( ليس ينبغي ) أظهر في الدلالة على التعليل بكبرى كلية مركوزة مما تقدم في الصحيحة الأولى. وهذا لا كلام فيه وانما الكلام في ان تلك القاعدة الكلية هل هي الاستصحاب أو قاعدة اليقين وفي كيفية استفادة ذلك.

ولا ينبغي الإشكال في ظهور المورد الثاني من الصحيحة في قاعدة الاستصحاب لا اليقين لأن التعبير بقوله ( وان لم تشك ثم رأيته ) وان كان يمكن حمله على إرادة عدم الشك بمعنى العلم بالطهارة في أثناء الصلاة الا ان هذا لا قرينة عليه ولا موجب لتقييده بذلك فاليقين الّذي هو ركن قاعدة اليقين لم يفرض لا في كلام السائل ولا الإمام عليه‌السلام

٤٥

في هذا المورد بخلاف اليقين الّذي هو ركن الاستصحاب فان المصلي كان عالما بالطهارة قبل الصلاة يقينا بل لعل ارتكازية قاعدة الاستصحاب دون قاعدة اليقين وظهور المورد الأول في ذلك ـ على ما سوف نثبته ـ قرينتان أيضا على إرادة الاستصحاب لا قاعدة اليقين ، فالمورد الثاني لا كلام في دلالته على كبرى الاستصحاب.

وانما البحث في المورد الأول حيث أثير حوله في كلمات المحققين تارة إشكال عدم وضوح دلالته على قاعدة الاستصحاب في قبال قاعدة اليقين وأخرى بان النقض في مورده نقض لليقين لا بالشك للعلم بوقوع الصلاة مع النجاسة فكيف طبق الإمام عليه‌السلام قاعدة نقض اليقين بالشك فيه.

وفيما يلي نتحدث حول هذه الفقرة من الصحيحة ضمن نقاط عديدة :

النقطة الأولى ـ في أصل دلالتها على قاعدة الاستصحاب في قبال قاعدة اليقين ولا ينبغي الإشكال في ذلك لأن أركان الاستصحاب واضحة في فرض السائل بخلاف أركان القاعدة وجواب الإمام عليه‌السلام انما يتطابق مع سؤال الراوي وبلحاظ ما يفترضه من اليقين والشك.

اما استفادة أركان الاستصحاب من فرض السائل فاليقين السابق بالطهارة يستفاد فرضه من قوله ( ظننت انه قد اصابه ) الظاهر في انه كان قبل ذلك عالما بالطهارة بل المفروض ان الثوب قبل إصابة دم الرعاف الّذي محور أسئلة زرارة في هذه الرواية كان طاهرا وانما يجيء المانع من ناحية إصابة الدم المعلومة أو المظنونة حسب اختلاف الفروع التي سأل عنها.

واما الشك اللاحق فهو مفروض على كل تقدير في السؤال ولهذا طبق الإمام عليه‌السلام عليه قاعدة من قواعد الشك ـ مع قطع النّظر عما سوف يأتي في النقطة القادمة ـ.

واما عدم استفادة أركان القاعدة من كلام زرارة فلأن ذلك مبني على افتراض ان زرارة يفترض حصول اليقين له بالطهارة عند ما فحص عن النجاسة ولم يجدها ، وعند ما وجدها بعد الصلاة شك في انها نفس النجاسة أو شيء جديد. وهذا يعني انه لا بد من حمل قوله ( فنظرت ولم أر شيئا ) على حصول اليقين بالطهارة وقوله ( فصليت فرأيت فيه ) على الشك الساري إلى متعلق اليقين.

والجملة الثانية وان أمكن دعوى ظهورها في سريان الشك في النجاسة لحال

٤٦

الصلاة حيث لم يقل ( فرأيته فيه ) ليكون ظاهرا في العلم بسبق النجاسة الا ان الجملة الأولى لا وجه لحملها على ما إذا حصل له اليقين بالطهارة من مجرد النّظر وعدم رؤية النجاسة الا بافتراض إعمال الإمام لعلمه الغيبي.

ودعوى ـ غلبة حصول العلم بالعدم عند الفحص وعدم الرؤية.

مدفوعة ـ مضافا إلى منعها خصوصا مع ظن الإصابة لا يعلم اعتماد السائل على الغلبة المذكورة بنحو بحيث يفهم منه افتراض حصول مثل هذا اليقين وإرادته فالصحيح ان الرواية في هذا المورد أيضا ناظرا إلى قاعدة الاستصحاب لا اليقين.

النقطة الثانية ـ ان الاستصحاب الّذي أجراه الإمام عليه‌السلام في هذا المورد هل يكون بلحاظ حال الصلاة أي بلحاظ الشك الحاصل أثناء الصلاة في نجاسة الثوب وعدمه ولو علم بعد الصلاة ورؤية النجاسة في الثوب انها كانت من أول الأمر أو يكون الاستصحاب بلحاظ ما بعد الصلاة والّذي لا ينسجم الا مع فرض احتمال طرو النجاسة بعد الصلاة؟

لا يبعد تعين الاحتمال الثاني لما تقدم من ان جملة ( فصليت فرأيت فيه ) غير ظاهرة في افتراض العلم بان المرئي نفس النجاسة السابقة المحتملة فافتراض ان مقصوده ذلك وان شكه بلحاظ حال الصلاة لا شاهد عليه من كلام السائل فلو كان نظر الإمام عليه‌السلام إلى ذلك كان من باب إعمال علم الغيب ولا يمكن حمل الخطاب عليه (١).

__________________

(١) لو فرض عدم ظهور السياق في إرادة رؤية نفس النجاسة السابقة فقد يقال : ان مقتضى الإطلاق حينئذ شمول كلا الفرضين أي حالة حصول العلم بسبق النجاسة وحالة الشك كما ان مقتضى الإطلاق في جملة ( فنظرت ولم أر شيئا ) شمول حالتي حصول العلم وعدمه أثناء الصلاة ونتيجة الإطلاق الأخير نظر الحديث إلى قاعدة الاستصحاب دون اليقين ونتيجة الإطلاق الأول ان يكون الاستصحاب بلحاظ الحالتين معا أي حال الصلاة ولو كان عالما بسبق النجاسة وحال ما بعد الصلاة لو كان شاكا فيه.

الا ان التحقيق ان المقام ليس من موارد التمسك بالإطلاق لتعيين المراد لا من جهة ورود الجملتين في كلام السائل دون الإمام عليه‌السلام ليقال بان ظاهر الجواب إمضاء ما افترضه السائل وجعل الحكم عليه فكأنه قد تكرر موضوع السؤال في كلام الإمام عليه‌السلام فيجري فيه الإطلاق ، بل لأن الإمام عليه‌السلام في هذه الصحيحة قد طبق قاعدة عدم النقض على ما افترضه السائل من اليقين والشك فلا بد من تعيين يقين وشك مشخصين للسائل لكي يفهم جواب الإمام عليه‌السلام فلا معنى للإطلاق من ناحيتهما وتعين اليقين والشك المشخصين في المقام انما يكون بلحاظ ما يستظهر من افتراض السائل نفسه من حالتي اليقين والشك فإذا لم يفترض اليقين بالطهارة أثناء الصلاة زائدا على اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة المفروض على كل حال كان المراد من اليقين الّذي طبقه الإمام عليه‌السلام اليقين الّذي هو ركن الاستصحاب وإذا لم يستظهر رؤيته لنفس النجاسة السابقة بل استظهر شكه بعد الصلاة كان المراد من الشك الّذي لاحظه الإمام عليه‌السلام الشك بلحاظ ما بعد الصلاة.

٤٧

بخلاف ما إذا كان نظره إلى الشك بعد الصلاة فان الجملة الثانية صالحة لأن تكون دالة عليه ، بل لعل تغيير السائل لتعبيره الوارد في سؤاله السابق حيث قال فيه ( فوجدته ) وأما هنا فغير التعبير وقال ( فرأيت فيه ) ولم يقل فرأيته فيه بنفسه شاهد على إرادة أصل الرؤية للنجاسة من دون العلم بكونها هي النجاسة السابقة ويؤيده مجيء هذه النكتة في كلام الإمام عليه‌السلام في ذيل الرواية.

ودعوى ـ استبعاد جهل زرارة بحكم المسألة بل استغرابه عنه فيما إذا كان يحتمل وقوع النجاسة عليه بعد الصلاة مدفوعة ـ بعدم معرفة تاريخ سؤال الراوي فلعله كان في بداية امره ـ خصوصا والرواية عن الإمام الباقر عليه‌السلام ـ كما يشهد عليه سؤاله في نفس الرواية عن أحكام أخرى ربما يدعى وضوحها كعدم وجوب الفحص ومنجزية العلم الإجمالي بنجاسة الثوب ، كما يحتمل ان يكون زرارة في مقام التدقيق والتشقيق لأجل مزيد الاستفادة من الإمام عليه‌السلام واستدراجه إلى ذكر القواعد والنكات العامة كما تناسبه كثرة التشقيقات والفروض التي افترضها في نفس الرواية ، ولو أبيت عن كل ذلك أمكن توجيه استغراب زرارة من ناحية انه كان يظن عدم الإصابة وكان يعتمد عليه في دخوله في الصلاة وقد سلب منه ذلك بعد رؤية النجاسة بعد الصلاة ولو للظن بأنها نفس النجاسة السابقة.

وهكذا يظهر ان هذا المورد من الصحيحة يتكفل أيضا قاعدة الاستصحاب وبلحاظ الشك في طهارة الثوب الحاصل بعد الصلاة وبذلك لا يبقى موضوع للإيراد المعروف على الصحيحة بعد حمل جملة ( فرأيت فيه ) على رؤية النجاسة السابقة بان المورد ليس من موارد نقض اليقين بالشك بل باليقين بالنجاسة فكيف طبق الإمام عليه‌السلام الاستصحاب عليه.

النقطة الثالثة ـ في علاج الرواية بناء على التفسير المشهور لها من حصول العلم بعد الرؤية بوقوع الصلاة مع النجاسة. والبحث في هذه النقطة يقع في جهات ثلاث :

الجهة الأولى ـ ان هذه المشكلة لو فرض استعصاؤها على الحل بحيث لم نجد تفسيرا لها فهل يضر ذلك بأصل دلالة هذه الفقرة من الصحيحة على كبرى الاستصحاب أم يمكن التفكيك بين دلالتها على الكبرى وتطبيقها في المورد فتبقى الصحيحة حجة من الناحية الأولى وان فرض إجمالها من الناحية الثانية؟.

٤٨

أفاد صاحب الكفاية ( قده ) ان الإشكال لو لم يكن حله مع ذلك لم يضر باستفادة كبرى الاستصحاب منها لأن هذا الإشكال ليس مختصا بفرض حملها على الاستصحاب ليكون قرينة على حملها على قاعدة اليقين مثلا لأن المفروض حصول العلم بوقوع الصلاة مع النجاسة فكما لأن نقض لليقين بالشك بلحاظ الاستصحاب لا نقض لليقين بالشك بلحاظ القاعدة.

وقد اعترض عليه المحققون بان حمل الرواية على قاعدة اليقين لا يكون الا بإرادة الشك بلحاظ ما بعد الصلاة وعدم العلم بسبق النجاسة ليكون الشك ساريا إلى العلم بالطهارة الحاصل حين الصلاة بناء على استفادته من الجملة الأولى وهذا يعني ان حمل الرواية على القاعدة يساوق ارتفاع موضوع الإشكال رأسا.

وهذا الاعتراض غير سديد لأن المقصود ان هذه المشكلة ليست ناشئة من حمل الرواية على الاستصحاب لتكون قرينة على صرفها إلى قاعدة اليقين بل المشكلة تنشأ من دعوى ظهور جملة ( فصليت فرأيت فيه ) في رؤية نفس النجاسة المظنونة سابقا المساوق مع حصول العلم بعد الصلاة بوقوع الصلاة مع النجاسة فلا يكون نقض اليقين السابق بالشك في النجاسة بل باليقين فهذا الظهور لو سلم به فالإشكال وارد سواء أريد تطبيق الاستصحاب أو القاعدة بل لا يعقل تطبيق القاعدة على هذا التقدير حتى بنحو عنائي وبضم كبرى أخرى ، ولو فرض عدم التحفظ على هذا الظهور بان استظهر إرادة الشك في سبق النجاسة كان التطبيق صحيحا سواء أريد قاعدة الاستصحاب أو اليقين فالإشكال لا ربط له بإرادة الاستصحاب من الصحيحة كما ان رفع اليد عن الظهور المستلزم للإشكال لا يعني إرادة القاعدة في قبال الاستصحاب.

الا انه كان لا بد لصاحب الكفاية ان يبين وجه بقاء دلالة الرواية على الاستصحاب مع عدم انطباقه في المورد.

وهنا ينبغي ان يقال : بان استفادة الاستصحاب من هذه الفقرة ان كان مستندا إلى الظهور المدعى لجملة ( رأيت فيه ) في رؤية النجاسة السابقة ولو من جهة انه على هذا التقدير ينتفي احتمال إرادة قاعدة اليقين من قوله عليه‌السلام ( لا تنقض اليقين بالشك ) بخلاف الاستصحاب إذ يمكن تطبيقه بلحاظ الشك حال الصلاة كان العجز عن حل الإشكال مخلا بالاستدلال لأن الإشكال على نفس هذا الظهور فلو رفعنا اليد عنه

٤٩

كانت نسبة الصحيحة إلى الاستصحاب والقاعدة على حد واحد فتكون مجملة على الأقل.

واما إذا كان الوجه في استفادة الاستصحاب منها ما تقدم منا من ان أركان الاستصحاب مفروضة في كلام السائل بخلاف أركان القاعدة سواء كان المقصود العلم بالنجاسة السابقة أو الشك فيها فبقاء الإشكال لا يضر بظهور الصحيحة في إفادة كبرى الاستصحاب لأن مورد الإشكال ظهور لا ربط له باستفادة الاستصحاب بل سواء كان التطبيق حقيقيا وبلحاظ ما بعد الصلاة برفع اليد عن الظهور المدعى أو كان عنائيا وبلحاظ حال الصلاة فكبرى الاستصحاب مستفادة منها على كل حال.

هذا الا ان الإنصاف مع استفحال الإشكال ووقوع التهافت بين كبرى الاستصحاب المبينة وبين مورد التطبيق يطمئن أو يظن بوجود خلل في الرواية بحيث لو لم يكن ذلك الخلل لعله كان يتغير ظهوره وتختلف دلالاته على الكبرى أيضا ومع هذا الظن بالخلل فضلا عن الاطمئنان لا تكون شهادة الراوي حجة في إثبات الدلالة على الكبرى ـ على ما نقحناه في محله من اشتراط عدم وجود أمارة نوعية على الخلاف في حجية خبر الثقة ـ (١).

الجهة الثانية ـ فيما أجاب به المشهور على الإشكال ، وقد اشتهرت إجابتان عليه بعد الفراغ عن ان التطبيق بلحاظ الشك حال الصلاة ولتصحيح دخول المكلف في الصلاة عند الشك والالتفات إلى احتمال النجاسة حيث لا بد له من مؤمن عنها حال الصلاة.

الأولى ـ ان تعليل عدم الإعادة بذلك انما كان بلحاظ المفروغية عن ان الشرط في الصلاة هو الأعم من الطهارة الواقعية أو الظاهرية كالطهارة الاستصحابية فالطهارة الواقعية وان لم تكن موجودة في المورد للعلم بسبق النجاسة الا ان المكلف حيث كان متيقنا بالطهارة سابقا وشاكا فيها حين الصلاة فتكون له طهارة ظاهرية استصحابية

__________________

(١) لو حصل الاطمئنان بالخلل تم ما ذكر ، واما مجرد الظن فلا يكفي لإسقاط الشهادة بصدور ما ظاهره كبرى الاستصحاب عن الحجية لأن هذا الظن ناشئ من مجرد التهافت الداخليّ في فهم دلالات الحديث وظهور ( فرأيت فيه ) في العلم بسبق النجاسة وليس ناشئا من أمارة نوعية كأعراض المشهور مثلا على خلاف الشهادة فتكون الشهادة حجة وتثبت كبرى الاستصحاب وان لم يعلم كيفية انطباقها على المورد.

٥٠

حين الصلاة ولهذا علل الإمام عليه‌السلام الصحة وعدم لزوم الإعادة بذلك. وهذا ما ذكره المحقق الخراسانيّ ( قده ).

الثانية ـ ان التعليل انما كان بلحاظ اجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي ولو انكشف خلافه وهذا ما أفاده الشيخ ( قده ).

وناقش فيه المحقق الخراسانيّ ( قده ) بان هذا فيه عناية لأن المناسب عندئذ التعليل بقاعدة الاجزاء الا ان يفرض مفروغية بين السائل والإمام عليه‌السلام.

وعلق على ذلك المحقق النائيني ( قده ) بعدم الفرق بين الوجهين من هذه الناحية لأن كبرى الاجزاء أو كبرى توسعة الشرطية وكفاية الطهارة الظاهرية إذا فرض مفروغيتها بين السائل والإمام عليه‌السلام أو فرض حذفها مستساغا عرفا صحت الإجابتان معا والا لم يصح شيء منهما. وقد اختار ( قده ) استساغة ذلك في تمام موارد التعليل كما يقال لا تشرب الخمر لأنه مسكر فان كبرى ـ وكل مسكر حرام ـ مقدر فيه فكذلك في المقام.

وعلق عليه السيد الأستاذ ان هذين الجوابين جواب واحد بحسب الحقيقة إذ لا معنى لكبرى اجزاء الحكم الظاهري في المقام الا توسعة الشرطية والا لم يكن الحكم الظاهري مجزيا بعد انكشاف الخلاف أو يقال بالتصويب المحال (١).

هذا ولكن يرد على ما أفاده الأستاذ : بالفرق لبا وروحا بين الجوابين إذ لا ينحصر وجه اجزاء الحكم الظاهري في توسعة الشرطية ودائرة الواجب والّذي يعني حصول ملاك الواجب بكل من الطهارتين. بل يمكن ان يكون بمعنى تضييق دائرة الوجوب وتقييد وجوب الصلاة مع الطهور الواقعي بمن لم يصل مع الطهارة الظاهرية لكونه مفوتا للملاك ومانعا عن إمكان تحصيله وقد تقدم تفصيل ذلك في بحث الاجزاء.

ويرد على ما أفاده المحقق النائيني ( قده ) من عدم إمكان التفصيل بين الوجهين في الصحة والبطلان بصحة الفرق بناء على مباني المحقق الخراسانيّ ( قده ) في مبحث الاجزاء حيث أفاد هناك بأنه يمكن استفادة التوسعة في دائرة الشرط الواقعي من نفس دليل أصالة الطهارة والحل والاستصحاب في وجه قوي فانه بناء عليه يكون

__________________

(١) مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ٥٧

٥١

التعليل بكبرى الاستصحاب في المقام بيانا لصغرى الطهارة الظاهرية وكبرى التوسعة معا فلا حذف بناء على الجواب الأول بخلافه على الجواب الثاني.

ويرد على أصل الوجهين انهما وان كانا وجهين معقولين ثبوتا الا انهما لا يرفعان التهافت وعدم الانسجام بين ظاهر السؤال وظاهر الجواب في الحديث المستلزم للظن بوقوع خلل فيه لأن ظاهر جواب الإمام عليه‌السلام لا ينسجم مع شيء من الجهتين. وذلك لعدة نكات :

منها ـ ظهوره في التعليل بالحكم الظاهري بما هو حكم ظاهري طريقي لا بما هو موضوع الحكم الواقعي كما هو لازم الوجهين.

ومنها ـ ظهور التعليل في ان الحكم بعدم إعادة الصلاة بنفسه مصداق لعدم نقض اليقين بالشك لا انه مصداق لكبرى أخرى تكون هذه الكبرى توطئة لها.

ومنها ـ ان افتراض كبرى أخرى محذوفة تكون هي العلة سواء كانت كبرى اجزاء الحكم الظاهري أو كبرى التوسعة بناء على غير مبنى المحقق الخراسانيّ ( قده ) بنفسه خلاف الظاهر جدا وما أفاده المحقق النائيني ( قده ) من استساغة ذلك في ساير موارد التعليل كقولنا ( لا تشرب الخمر لأنه مسكر ) غير سديد فان استساغة حذف كبرى كل مسكر حرام لكونه مستفادا من نفس التعليل لأن ذكر كل من الحكم المعلل وهو حرمة الخمر والتعليل أعني ما علل به وهو الإسكار الظاهر في التعميم يدل لا محالة على ان كل مسكر حرام فكأنه لا يوجد محذوف لذكر كل من الحد الأكبر وهو الحرمة والحد الأصغر وهو الخمر والحد الأوسط وهو الإسكار في الكلام مع إفادة التعليل للتعميم والكلية فتفهم تلك الكبرى المقدرة لا محالة ، واما فيما نحن فيه فنحن بحاجة إلى تقدير كبرى أخرى تكون حدا أوسط وعلة للحكم بعدم الإعادة والا لم يتم التعليل لأن مجرد حرمة نقض اليقين بالشك لا يكفي علة لنفي الإعادة كما هو المفروض فالقياس في غير محله.

ومنها ـ ان نظر الإمام عليه‌السلام في نفي الإعادة لو كان إلى كبرى التوسعة أو الاجزاء كان المناسب التعليل بها أو الإشارة إليها لا الاكتفاء بما يحقق صغراها فقط خصوصا مع كونها كبرى تعبدية غير ارتكازية فكيف يذكر الصغرى دون اية إشارة إلى تلك الكبرى؟ بل ظهور الجواب في ان التعليل بأمر ارتكازي لا ينبغي مخالفته بنفسه ينفي

٥٢

كان الجوابين ، فالإنصاف ان هذا الإشكال لا جواب عليه بناء على التفسير المشهور للجملة.

الجهة الثالثة ـ في تحقيق كيفية اعتبار الظهور من الخبث في الصلاة والبحث عن ذلك يقطع ضمن أمور :

الأمر الأول ـ في انه هل يوجد فرق بين اعتبار الطهارة شرطا في الصلاة أو اعتبار النجاسة مانعة عنها أم لا؟

ذكر المحقق الأصفهاني ( قده ) بان الطهارة والنجاسة لو افترضناهما ضدين وجوديين كان هناك فرق بين شرطية الطهارة ومانعية النجاسة إذ الأول يعني شرطية أحد الضدين والثاني يعني شرطية عدم الضد الاخر وأحدهما غير الاخر.

ولكن حيث ان الطهارة ليست الا عبارة عن عدم النجاسة فمانعية النجاسة عبارة أخرى عن شرطية الطهارة لأنها عين عدم النجاسة.

والسيد الأستاذ حاول إنكار الفرق بين شرطية الطهارة ومانعية النجاسة من الناحية العملية لأنه بعد الفراغ عن جريان أصالة الطهارة في موارد الشك والفراغ عن صحة الصلاة مع النجاسة جهلا تترتب نفس النتائج الفقهية على كلا التقديرين.

ويرد على كلام المحقق الأصفهاني ( قده ) :

أولا ـ ان الطهارة وان افترضناها عبارة عن عدم النجاسة الا انه لا تكون عدما تحصيليا بل نعتيا لا محالة أي اتصاف ثوب المصلي أو بدنه بعدم النجاسة والا فالشيء غير الموجود لا يتصف بالطهارة أيضا كما لا يتصف بالنجاسة فإذا كانت النجاسة مانعة كان معنى ذلك تقيد الصلاة بعدمها التحصيلي وإذا كان الطهارة شرطا كان معنى ذلك تقيد الصلاة بعدمها النعتيّ وشرطية العدم النعتيّ غير شرطية العدم التحصيلي كما لا يخفى.

وثانيا ـ ان النجاسة لها إضافة إلى الثوب ولها إضافة إلى الصلاة ـ وان كان طرف التقييد في الواجب هو الصلاة على كل حال ـ وحينئذ قد يفرض المانع الثوب النجس لا نجاسة الثوب ويقابله شرطية الطهارة بمعنى شرطية الثوب الطاهر ويكون أحدهما غير الاخر كما لا يخفى ، وأخرى يفرض ان المانع عن الصلاة نجاسة الثوب فيكون معناه تقيد الصلاة بعدمها فإذا كانت الطهارة عبارة عن عدم النجاسة رجعت شرطيتها إلى ذلك

٥٣

ـ مع قطع النّظر عما تقدم في الاعتراض الأول ـ ، وثالثة يفرض ان النجاسة في ثوب المصلي مانعة في الصلاة ـ ولعل هذا مقصود من قال بان عدم النجاسة شرط في لباس المصلي لا في الصلاة ابتداء ـ ومعنى ذلك مانعية الإضافة الموجودة بين النجاسة وبين ثوب المصلي عن الصلاة ـ سواء لو حظت تلك الإضافة بنحو المعنى الحرفي أو الاسمي المنتزع عنه ـ وبناء على هذا أيضا تختلف شرطية الطهارة عن مانعية النجاسة إذ المانعية تعني شرطية عدم تلك الإضافة بينما شرطية الطهارة تعني شرطية عدم المضاف بتلك الإضافة أي عدم نجاسة الثوب أو تعني شرطية اتصاف الثوب بعدم النجاسة وكلاهما معنيان مباينان مع المعنى الأول كما لا يخفى.

ويرد على ما ذكره الأستاذ من إنكاره الثمرة العملية سواء كانت الطهارة امرا وجوديا أو عدم النجاسة لجريان قاعدة الطهارة في موارد الشك على كل حال ، انه يمكن إبراز الثمرة بين القولين في أحد موضعين :

الأول ـ فيما إذا فرضنا العلم الإجمالي بنجاسة الثوب مثلا أو نجاسة الماء الّذي توضأ به سابقا فان أصالة الطهارة في كل منهما تسقط بالمعارضة وتصل النوبة إلى الأصول الطولية ففي جانب الوضوء والطهور الحدثي تجري أصالة الاشتغال بلحاظ الصلاة لأنه شك في الامتثال واما بالنسبة إلى الثوب فعلى القول بشرطية الطهارة تجري أصالة الاشتغال أيضا (١) لأنه من الشك في الامتثال حيث ان تقيد الواجب بالشرط محرز على

__________________

(١) هذا على فرض كونها امرا وجوديا أو كان الشرط الصلاة في الثوب الطاهر واما بناء على كونها امرا عدميا فشرطيتها تعني شرطية عدم النجاسة والأمر الضمني به فيكون انحلاليا لأن نكتة الانحلالية ذلك على ما نقح في مباحث الألفاظ.

ثم انه قد يقال : على المبنى المتقدم في بحث ملاقي الشبهة المحصورة من فعلية المانعية قبل وجود المانع والنجاسة خارجا ينبغي التفصيل بين ما إذا كان الثوب النجس مانعا وبين ما إذا كانت النجاسة أو كون الثوب نجسا مانعا عن الصلاة فانه في الصورة الأولى يكون الشك في نجاسة الثوب شكا في تكليف زائد لأنه شك في اتصاف الثوب بكونه نجسا ومانعا بنحو مفاد كان الناقصة وهو شرط في فعلية المانعية فيكون مجرى للبراءة واما في الصورتين الثانية والثالثة والثالثة فلا يكون الشك في نجاسة الثوب الا شكا في وجود المانع بنحو مفاد كان التامة وقد تقدم ان ذلك لا يمنع عن فعلية الحرمة والمانعية وتنجزها لأن حرمة الصلاة في نجاسة الثوب معلومة وانما الشك في تحقق المانع والحرام خارجا لا في الحرمة أي يكون لا شك في الامتثال بحسب الحقيقة نظير ما إذا علم بحرمة قتل زيد لكونه مؤمنا وشك في ان إطلاق الرصاص هل يحقق قتله أم لا فانه لا يجوز إطلاقه.

ولكن الصحيح خلاف ذلك لأن فعلية الحرمة والمانعية وان لم تكن موقوفة على وجود المانع ولكنه موقوف على اتصاف الفعل بكونه متعلق الحرمة بنحو مفاد كان الناقصة ولو لم يكن للمتعلق متعلق فحرمة الكذب مشروطة بكون الكلام كذبا بنحو مفاد كان الناقصة والا لم يحرم ـ على ما تقدم في بحث الشبهة الموضوعية من الجزء السابق ـ. وفي المقام أيضا تكون حرمة الصلاة مشروطة باتصافها بكونها على تقدير وجودها صلاة في النجاسة والمفروض الشك في ذلك وباعتبار ان المانعية انحلالية فتجري البراءة.

٥٤

كل حال ، واما على القول بمانعية النجاسة فحيث ان المانعية انحلالية دائما يكون الشك فيها مجرى للبراءة لأنه شك في تكليف ونهي زائد على ما حقق ذلك في محله فتجوز الصلاة فيه.

الثاني ـ إذا شك في النجاسة الذاتيّة لشيء كما إذا شك في نجاسة الحديد مثلا أو شك في ان الثوب مصنوع من جلد حيوان نجس ذاتا وقلنا بعدم جريان قاعدة الطهارة في موارد احتمال النجاسة الذاتيّة ـ كما هو الصحيح فقهيا ـ فسوف يظهر الفرق أيضا بين اعتبار النجاسة مانعة أو الطهارة شرطا لأنه على التقدير الأول يجري استصحاب عدم النجاسة ولو بنحو العدم الأزلي لنفي المانع وتصحيح الصلاة بينما لا يجري ذلك بناء على اشتراط الطهارة لكونه امرا وجوديا أو مطعما به على الأقل ولا حالة سابقة له في مورد احتمال النجاسة الذاتيّة.

الأمر الثاني ـ في صور المانعية أو الشرطية المعقولة ثبوتا بنحو يلائم صحة الصلاة عند الجهل بالنجاسة ، واما البحث الإثباتي عما هو المستظهر من الأدلة ففي ذمة الفقه فنقول يقع البحث تارة في تصوير مانعية النجاسة وأخرى في تصوير شرطية الطهارة فالحديث في مقامين :

المقام الأول ـ في مانعية النجاسة وقد صورها المحقق النائيني ( قده ) بأحد نحوين :

الأول ـ ان تقيد المانعية بوصول النجاسة وكونها معلومة.

الثاني ـ ان تقيد بتنجيز النجاسة.

وفي كلام النحوين يمكن فرض التركيب وان المانع هو النجاسة الواقعية مع الوصول أو التنجز كما يمكن فرض المانع نفس الوصول أو التنجز وثمرته صحة الصلاة على التقدير الأول إذا تحقق قصد القربة من المكلف مع تنجز النجاسة عليه حين العمل ثم انكشف عدمها واقعا بعد العمل ـ كما لعله المشهور والصحيح فقهيا ـ وكلا الوجهين وقع موردا للإشكال.

__________________

لا محالة فلا فرق بين الصور الثلاث بل لا يعقل الفرق بينهما إذ أي فرق بين فرض النجاسة مانعة أو الثوب النجس مانعا الا من ناحية تغير عنوان المانع والميزان في فعلية المانعية والحرمة اتصاف الفعل الخارجي على تقدير وقوعه بكونه حصة من حصص الحرام والممنوع ـ بنحو مفاد كان الناقصة ـ فمع الشك فيه تجري البراءة سواء كان ذلك بلحاظ نفس المتعلق أو متعلق ، المتعلق ، وأما المثال المذكور فهو أجنبي عن المقام إذ ليس الشك في انطباق متعلق الحرمة على نفس الفعل بل الشك في تحققه بهذا الفعل بنحو التسبيب.

٥٥

اما النحو الأول من هذين النحوين فيرد عليه : انه مع الشك في النجاسة سوف يقطع بعدم المانعية فلا معنى لإجراء استصحاب عدم النجاسة سواء أريد باشتراط الوصول العلم الوجداني أو الأعم منه ومن العلم التعبدي بناء على مبناه من كون الأمارات علما تعبديا ، اما على الأول فواضح ، وأما على الثاني فلأنه اما ان يشترط وصول العلم التعبدي بالوجدان ولو بعد توسط عدة علوم تعبدية أو يكتفي بوجود علم تعبدي ـ أي حجة على النجاسة ـ واقعا ولو لم يصل إلى المكلف كما إذا كانت هناك بينة على النجاسة لا يعلم بها المكلف ـ وان كان هذا خلاف مباني المحقق النائيني ( قده ) نفسه ـ فعلى الأول يلزم عند الشك وعدم وصول حجة على النجاسة القطع بعدم المانعية وانتفاء موضوعها فلا معنى للاستصحاب وعلى الثاني يلزم بطلان الصلاة في النجس جهلا مع وجود بينة غير واصلة على نجاستها وهو خلاف ما هو ثابت فقهيا من صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة (١) ..

__________________

(١) قد يمكن تصحيح النحو الأول من النحوين أيضا بافتراض ان المانع هو النجاسة التي لم يصل عدمها إلى المكلف لا بالوصول الوجداني ولا التعبدي فمع الشك في النجاسة لا وصول لعدمها فيكون هذا الجزء محرزا وجدانا فإذا أريد نفي المانعية كان لا بد من انتفاء جزئها الآخر الواقعي فيجري استصحاب عدم النجاسة لنفي المانعية كما انه يجري استصحاب النجاسة لترتيبها ظاهرا إذا كانت الحالة السابقة هي النجاسة فهذا الوجه يعالج الموقف بنحو ينسجم مع الفتاوى الفقهية كما انه ينسجم مع الفتوى بصحة الصلاة في النجاسة الواقعة في حال الغفلة وتأتي القربة من المكلف إذا أردنا بعدم الوصول الاحتمال والشك أي أخذنا الالتفات قيدا الا أن أخذ عدم وصول النجاسة إلى المكلف بالمعنى الأعم من الوصول الوجداني والتعبدي يرجع بحسب الروح إلى أخذ التنجيز أو عدم التأمين في موضوع المانعية وهو النحو الثاني القادم وان اختلف عنه في الصياغة واللفظ ، نعم هنا إشكال آخر يتوجه على جميع الصور المذكورة للشرطية أو المانعية التي يؤخذ الوصول بالمعنى الأعم أو التنجز قيدا فيهما وهو يختص باستصحاب الطهارة وحاصله : انه يلزم في طول جريان استصحاب الطهارة أو عدم النجاسة ارتفاع الجزء الثاني للمانعية أو تحقق فرد من الشرط واقعا وحقيقة فيرتفع الشك الوجداني بلحاظ الأثر التكليفي المراد ترتيبه بالأصل العملي وارتفاع ذلك وان كان في طول جريان الأصل ولكنه يلزم منه ارتفاع موضوع الأصل لأن موضوعه وان كان الشك في النجاسة وهو محفوظ الا ان جريانه يكون بلحاظ الشك في الأثر التكليفي العملي وهو المانعية أو الشرطية فلا يعقل جريانه مع ارتفاعه يقينا.

وان شئت قلت : يلزم منه خروج الأصل في طول جريانه عن كونه حكما ظاهريا طريقيا بالنسبة إلى الأثر الشرعي الّذي يجري بلحاظه وصيرورته حكما واقعيا وهذا مضافا إلى كونه محالا بقانون ان ما يلزم من وجوده عدمه محال لا يمكن استفادته من دليل جعل الحكم الظاهري الطريقي ـ مع قطع النّظر عن ورود الصحيحة في هذا المورد ـ.

لا يقال : التنجز المأخوذ في موضوع المانعية لا يراد به التنجز الفعلي الّذي يرتفع بالاستصحاب بل التنجز التعليقي أي لو لا الاستصحاب ولو من باب الاحتياط العقلي وقاعدة حق الطاعة أو كون الشبهة قبل الفحص أو تمامية موضوع أصل منجز وهذه القضية التعليقية ثابتة بقطع النّظر عن جريان استصحاب الطهارة ولا تنتفي بجريانه لأنه ينفي التنجز الفعلي لا التعليقي فان صدق القضية التعليقية لا يرتبط بصدق طرفها.

فانه يقال : يلزم من ذلك أولا ـ حكومة أي أصل مؤمن عن المانعية ولو البراءة العقلية ـ على القول بها ـ على الاستصحاب لأنه

٥٦

واما النحو الثاني من النحوين فهو وان كان سليما عن الاعتراض المتقدم اما باعتبار منجزية الاحتمال عقلا لو لا الأصل المؤمن ـ كما هو المختار عندنا ـ أو لكون الشك في الامتثال بناء على الشرطية أو لكون جعل الاستصحاب أو القاعدة بنفسه إبراز لعدم شدة اهتمام المولى وعدم تنجيزه للواقع عند الشك دفعا لتوهم التنجز الّذي قد يحصل لدى بعض الناس (١).

ولكنه مع ذلك يمكن ان يورد على هذا النحو من تصوير المانعية بان تقييدها بالتنجيز يوجب المحذور العقلي في جعل الاستصحاب بنحو ما يمكن تقريره في عالم الجعل تارة والتنجز ثانية والتعبد ثالثة. وتوضيح ذلك : انه يلزم من ذلك في عالم الجعل محذور أخذ التنجز الحكم في موضوع شخصه وهو محال كأخذ العلم بالحكم الفعلي في موضوعه إذ لا يراد في المقام من تنجز النجاسة الا تنجز المانعية نفسها لأن النجاسة كحكم وضعي لا معنى لتنجزها ، وتنجز حكم تكليفي آخر مترتب عليها كحرمة الشرب والأكل لو فرض لا يفيد في المقام إذ قد يفترض عدم ترتب حكم كذلك أو عدم تنجزه على تقدير ثبوته فيلزم صحة الصلاة في الثوب النجس مع العلم بالنجاسة حينئذ وهو خلف.

ويلزم في عالم التنجز استحالة منجزية العلم بالنجاسة للمانعية لأن العلم بها ليس علما بتمام الموضوع للمانعية ليتنجز بالعلم سواء على مسلك العلية أو الاقتضاء

__________________

بجريانه يرتفع موضوع المانعية وهو التنجز لو لا الاستصحاب.

وثانيا ـ يلزم عدم الاجزاء إذا صلى معتمدا على استصحاب الطهارة ثم انكشف الخلاف بعد الصلاة لتمامية موضوع المانعية المركب من النجاسة الواقعية والقضية التعليقية المذكورة لأنها لا ترتفع بالاستصحاب بحسب الفرض.

والصحيح في جواب هذه الشبهة ما سوف يأتي في التعليق على النحو الثاني من المانعية من أن المأخوذ في مانعية النجاسة تنجز النجاسة لا تنجز المانعية ولكن بنحو القضية التعليقية أي إذا كانت النجاسة حكما تكليفيا كان منجزا على المكلف ولا مانع من أخذ تنجز حكم في موضوع حكم آخر وصدق هذه القضية التعليقية منوط بتمامية أمرين :

أحدهما ـ تمامية أركان الاستصحاب في النجاسة أو الطهارة إثباتا ونفيا.

والآخر ـ تمامية كبرى الاستصحاب وحجيته في نفسه والا لم تكن النجاسة متنجزة حتى إذا كانت حكما تكليفيا.

وبجريان استصحاب الطهارة بمعنى تمامية أركانه فيها يرتفع موضوع المانعية واقعا لارتفاع القضية التعليقية المذكورة والّذي يكون في طول حجية كبرى الاستصحاب وهذا هو معنى جريان الاستصحاب في الطهارة والنجاسة بلحاظ المانعية إثباتا ونفيا وتكييفه الثبوتي هنا وان كان تعبيره الإثباتي واحدا في جميع المقامات فتأمل جيدا.

(١) هذا الوجه الأخير لا يكفي لدفع إشكال القطع بعدم المانعية في موارد عدم التنجز وانما قد يفيد في دفع إشكال اللغوية وهو مطلب آخر.

٥٧

وبعد تعارض الأصول وتساقطها في الأطراف لأن جريانها في الأطراف يلزم منه ارتفاع موضوع التكليف والمنجزية لا المخالفة القطعية.

ويلزم في مرحلة التعبد الاستصحابي ان الاستصحاب الجاري في جزء الموضوع انما ينجز ذلك الأثر معلقا على تحقق جزئه الاخر وهذا في المقام يعني تنجز المانعية على تقدير تنجزها ومن الواضح انه على تقدير المنجزية لا معنى للمنجزية كما هو واضح.

الا ان كل هذه ـ المحاذير والتي ترجع روحا ولبا إلى محذور واحد باعتبارات متعددة يمكن تفاديها بأخذ المنجزية الثانية قيدا في المانعية لا المنجزية الفعلية أي الموضوع صدق قضية شرطية هي أنه لو كانت النجاسة حكما تكليفيا لتنجز بالاستصحاب وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها فيكون جعل المانعية أو تنجزها أو التعبد الاستصحابي بها متوقفا على صدق هذه القضية الشرطية وصدقها لا تتوقف على فعلية المانعية وتنجزها ليلزم الدور والمحال بل هي صادقة بنفس تمامية أركان الاستصحاب وموضوعه في المقام فيتم كلا جزئي الموضوع من دون محذور في شيء من المراحل الثلاث.

ثم ان تقريري بحث المحقق النائيني ( قده ) اختلفا في ترتب ثمرة فرق بين الوجهين المذكورين لتصوير المانعية وعدمه ففي فوائد الأصول ادعى ترتب الفرق بينهما في موارد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الثوبين فصلى فيهما احتياطا ثم انكشف نجاستهما معا فانه بناء على مانعية وصول النجاسة لا تبطل أكثر من صلاة واحدة لعدم وصول أكثر من نجاسة واحدة وبناء على مانعية النجاسة المنجزة بطلتا معا لسقوط الأصل المؤمن في الطرفين معا وتنجز النجاسة فيهما.

ولكن في أجود التقريرات حكم بطلان إحدى الصلاتين فقط على كلا التقديرين إذ كما لا يكون أكثر من نجاسة واحدة معلومة كذلك لا تنجز لأكثر من مانعية واحدة لأن التنجز بمقدار العلم ، ثم ذكر ان الصلاة الباطلة في المقام تتعين في الأولى منهما لأن المعلوم الإجمالي صرف وجود النجاسة فنعلم بطلان إحدى الصلاتين بنحو صرف الوجود وهو ينطبق على أول الوجود لا محالة.

ويرد على ما ذكره أخيرا : ان هذا كأنه قياس للمقام بموارد الأمر بصرف الوجود الّذي يقال فيه بانطباقه على أول الوجود في مقام الامتثال وهو غير سديد لأن هذا

٥٨

الانطباق القهري هناك كان من ناحية الأمر وسقوطه بتحقق ملاكه فلا يمكن ان يبقى لكي ينطبق على الوجود الثاني ، واما في المقام فالعلم الإجمالي بالجامع نسبته إلى كل من الفردين على حد واحد فلا معنى لأن يقال بانطباق معلومه على أحد الفردين دون الاخر وان كان أول الوجود.

هذا مضافا : إلى ان الكلام في المقام في تعيين المانع عن صحة الصلاة المعلوم إجمالا في أحد الثوبين مع قطع النّظر عن مرحلة الامتثال والمفروض ان نسبة المعلوم إلى كل من الفردين على حد واحد.

واما ما ذكره أولا من عدم وجود أكثر من نجاسة واحدة منجزة فالظاهر ان حاق مقصوده ان الأصل المؤمن وان سقط في كل من الطرفين بعنوانه التفصيليّ من جهة العلم الإجمالي الا انه يجري عن نجاسة غير المعلوم إجمالا على إجماله فيؤمن من ناحيتها فتكون إحدى الصلاتين صحيحة.

وهذا الكلام وان كنا فينا الا انه بحاجة إلى تمحيص ، توضيح ذلك ان النجاسة المعلومة بالإجمال إذا كان لها تعين واقعي كما إذا كانت نجاسة الدم مثلا والأخرى نجاسة البول فهذا الكلام متين واما إذا لم يكن لها أي تعين واقعي كما إذا كان الثوبان معا نجسين بنجاسة الدم ولم يكن قد أخذ في المعلوم الإجمالي خصوصية لها تعين واقعي فسوف نواجه إشكالا فنيا في كل من الحكم الظاهري وإجراء الأصل المؤمن عن النجاسة الأخرى بعنوانها الإجمالي قبل العمل وكذلك الحكم الواقعي بصحة إحدى الصلاتين بعد انكشاف الخلاف.

اما بالنسبة إلى الحكم الظاهري قبل العمل فلان المكلف يحتمل نجاسة الثوب الاخر بحسب الفرض وهي نجاسة على تقدير ثبوتها لا ميز لها عن النجاسة المعلومة بالإجمال ومعه لا تجري الأصول الشرعية المؤمنة فيها لأنها بحاجة إلى موضوع لها متعين في الخارج وليست كالبراءة العقلية التي يكون موضوعها الوجود العملي المتعين على كل حال فالبراءة العقلية في المقام تعني نفي عقاب زائد على ما يعلمه المكلف ـ سواء كان له مطابق خارجي أم لا ـ واما الأصول الشرعية فباعتبارها أحكاما مجعولة من قبل الشارع على الموضوعات الخارجية فلا بد من تعين موضوعها واقعا في الخارج والمفروض عدم تعين النجاسة المشكوكة ، فإذا أريد إجراء الأصل المؤمن في العنوان

٥٩

الإجمالي فهو غير متعين على تقدير وجوده بحسب الفرض وان أريد إجراؤه في كل من الطرفين بعنوانه التفصيليّ ولكن بلحاظ الشك في النجاسة الأخرى غير النجاسة الأولى المعلومة بالإجمال فهو أيضا غير معقول لأن النجاسة المعلومة بعد ان كانت غير معينة فغيرها أيضا لا يكون معينا ليمكن تعيين الشك فيها في كل طرف. وان أريد إجراؤها في كل من الطرفين عن مطلق النجاسة ولكن مشروطا بنجاسة الاخر وحيث يعلم بنجاسة أحدهما فيعلم بتحقق شرط أحد الترخيصين على الأقل ولا محذور من تحقق الترخيصين الظاهريين فيما إذا كانا معا نجسين لاستحالة وصولهما معا إلى المكلف معا فلا يلزم التعارض بينهما ، فهذا يرد عليه ما تقدم في بحوث أصالة الاشتغال من عدم مساعدة الأدلة على استفادة التخيير في جريان الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي والا لتمت شبهة المحقق العراقي ( قده ) من لزوم إجراء الأصل الترخيصي في كل طرف مشروطا بترك الطرف الاخر (١).

واما بلحاظ الحكم الواقعي بصحة إحدى الصلاتين بعد انكشاف الخلاف فلانا وان فرضنا شمول دليل معذورية الجهل بالنجاسة للمقام وتخصيص المانعية فيها سنواجه إشكالا ثبوتيا في كيفية تصوير ذلك فانه لو أريد الحكم بصحة أحدهما المعين فالمفروض ان نسبتهما إلى الدليل على حد واحد وان أريد الحكم بصحة أحدهما المردد فلا وجود خارجي للفرد المردد ، وان أريد الحكم بصحة كل منهما كان معناه ان فرض نجاسة كليهما أحسن حالا من فرض نجاسة أحدهما وهو غير محتمل كما انه مخالف لمنجزية العلم الإجمالي ووصول إحدى النجاستين ودعوى : رجوع ذلك إلى تقييد الأمر

__________________

(١) ببالي ان السيد الأستاذ ( قدس‌سره الشريف ) تراجع عن هذا الإشكال في بحوثه الفقهية وهو الصحيح وذلك :

أولا ـ الصحة جريان الأصل المؤمن في كل من الطرفين مشروطا بكون الآخر نجسا ولا يقاس ذلك بجريان الأصل فيه مشروطا بترك الاخر الّذي لم نقبله فيما سبق فان هذا الأخير ترخيص تخييري بحسب الحقيقة بين الطرفين ومن هنا قلنا انه لا يمكن استفادته من أدلة الترخيص باعتبار ان الملاكات الإلزامية والترخيصية الواقعية تعينية وليست تخييرية واما في المقام فالأصل الترخيصي الجاري في كل من الطرفين تعييني أي يؤمن عن نجاسة ذلك الطرف تعيينا وانما المقدار المحرز جريان أحد الأصلين الترخيصيين التعينيين في الطرفين لا أكثر فالتخييرية في إحرازنا وعلمنا لا في مؤدى الأصل العملي وهذا واضح.

وثانيا ـ لو سلم وجود قصور إثباتي في شمول قاعدة الطهارة الظاهرة في جعل حكم وضعي هو الطهارة وهي صفة للموضوع الخارجي لا العلمي فلا وجه لدعوى القصور في أدلة البراءة الشرعية بل والاستصحاب في شمول غير المعلوم بالإجمال بعنوانه الإجمالي لأن الظاهر منها انها تجعل التأمين الشرعي على وزان التأمين العقلي في هذه الموارد والّذي يكون الميزان فيها الوصول والوجود العلمي إثباتا ونفيا فتأمل جيدا.

٦٠