بحوث في علم الأصول - ج ٦

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

الشرعي كما نتعامل مع المسبب التكويني من حيث افتراض سببه حيثية تعليلية ، لأنَّ مصب الحكمين واحد على التقديرين كما تقدمت الإشارة إليه فيما سبق ، فلا إشكال في تمامية أركان الاستصحاب في المقام ، وانما البحث في حكومة استصحاب عدم الفرد الطويل عليه أعني استصحاب عدم الملاقاة مع البول ، لكون الشك في بقاء النجاسة بعد الغسلة الأولى وارتفاعها مسبباً عن الشك في الملاقاة مع البول فيكون من موارد حكومة استصحاب عدم الفرد الطويل على استصحاب الكلي.

والبحث تارة في أصل جريان الاستصحاب الحاكم وهو استصحاب عدم الفرد الطويل في المقام ، وأخرى في معارضته مع أصل آخر في عرضه.

امّا الاستصحاب الحاكم فالصحيح جريانه ، لأنَّ المفروض ثبوت مطهرية الغسلة الأولى لكل متنجس ملاق مع النجس إلاّ البول ، وهذا يعني انَّ موضوع الحكم الشرعي بالمطهرية مركب من جزءين بأحد نحوين :

الأول ـ أَن يكون ملاقياً مع النجس وَأَن لا يكون ملاقياً مع البول فيكون الحاكم استصحاب عدم الملاقاة مع البول ، وهذا من استصحاب العدم غير الأزلي.

الثاني ـ أَن يكون ملاقياً مع النجس وأَن لا يكون النجس بولاً فيكون الحاكم استصحاب عدم كون الملاقي بولاً ، وهذا من استصحاب العدم الأزلي.

والصحيح فقهياً هو التركيب بالنحو الثاني بناءً على القاعدة العامة من إرجاع الموضوعات المقيدة إلى المركبة بحسب الارتكاز العرفي ، فيكون مفاد دليل التعدد في البول المخصص لأدلة المطهرية مركباً من جزءين ان يلاقي شيئاً وأَن يكون الملاقي بولاً فيتقيد موضوع المطهرية بنقيض الجزء الثاني لا محالة ، ومنه يعرف أَنَّ من لا يقول بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية كالمحقق النائيني ( قده ) لا يتم لديه الاستصحاب الحاكم في المقام.

وامّا توهم وجود المعارض للاستصحاب الحاكم فقد ذكر المحقق الأصفهاني ( قده ) بأنّا نعلم إجمالاً اما بوجوب غسلة يجوز الاقتصار عليها أو وجوب غسلة لا يجوز الاقتصار عليها ، واستصحاب عدم الملاقاة مع البول ينفي الأثر الثاني كما انَّ استصحاب عدم الملاقاة مع الدم ينفي الأثر الأول فيتعارضان ويتساقطان للعلم إجمالاً بأحد الوجوبين

٢٦١

فيرجع بعد ذلك إلى استصحاب بقاء جامع النجاسة بعد الغسلة الأولى (١).

ويلاحظ عليه : انَّ استصحاب عدم الملاقاة مع الدم لا يجري ، لأنه لو أريد به التأمين عن أصل النجاسة ووجوب الغسل ولو مرة واحدة فهو مقطوع العدم تفصيلاً للعلم بأصل النجاسة ووجوب الغسل كذلك على كل حال ، وان أُريد به نفي جواز الاقتصار على غسلة واحدة فهذا حكم ترخيصي لا إلزاميّ فلا يتشكل منه ومن وجوب الغسل مرة أخرى علم إجمالي بالتكليف ليوجب تساقط الأصول النافية في أطرافه ، كما انَّ استصحاب عدم الملاقاة مع الدم لا ينفي مطلق الترخيص ليثبت الإلزام إلاّ بنحو الأصل المثبت.

وبهذا نختم البحث عن هذا القسم من استصحاب الكلي.

القسم الرابع ـ أَن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة الشك في حدوث الفرد مع كون حدوث الكلي معلوماً ضمن فرد تفصيلي علم بارتفاعه أيضاً ، كما إذا علم بوجوده ضمن زيد في المسجد وعلم بخروجه ولكن احتمل بقاء الكلي لاحتمال حدوث فرد آخر مقارناً مع خروج الأول أو قبله في المسجد وهو باق ، وقد اصطلح عليه باستصحاب القسم الثالث للكلي لأنه قد وقع في كلام الشيخ الأعظم ( قده ) قسماً ثالثاً بحسب الترقيم.

والصحيح : عدم جريان استصحاب هذا القسم من الكلي إلاّ على مبنى ، الرّجل الهمداني المرفوض ، حيث يكون بناءً عليه للكلي وجود وحداني مستقل في الخارج مسبب عن وجود الافراد فتتم أركان الاستصحاب فيه لا محالة ، وامّا بناء على إرجاع استصحاب الكلي إلى استصحاب الحصة الخارجية ـ كما عن المحقق العراقي ( قده ) ـ أو استصحاب الخارج بمقدار مرآتية العنوان الكلي فلا يجري الاستصحاب في المقام لعدم تمامية أركانه.

امّا على الأول فواضح ، فانَّ الحصة من الكلي التي علم بحدوثها علم بارتفاعها أيضاً ، والحصة المحتملة لا يقين بحدوثها.

وامّا على الثاني ، فقد يقال بناء على التصور المشهور من انَّ الكلي والجامع له وجود

__________________

(١) نهاية الدراية ، المجلد الثالث ، ص ٧٦

٢٦٢

ضمني بوجود الفرد فكأنّه يوجد في الخارج بوجود الفرد امران المفهوم الجزئي وهو زيد وكلي الإنسانية المتضمنة فيه ، بجريان الاستصحاب في المقام لأنَّ الّذي علم بانتفائه في الخارج انما هو وجود الإنسان الجزئي وهو زيد وامّا الإنسانية العامة الموجودة ضمناً فيحتمل بقاؤها ولو ضمن فرد آخر بنفس العنوان والمفهوم العام فتتم فيه أركان الاستصحاب.

وإن شئت قلت : انَّ لنا علمين علم بالفرد وعلم بالجامع ضمناً ، والّذي علم بارتفاعه انما هو العلم الأول ، واما العلم الثاني فلا علم بانتقاضه فيستصحب ، وهذا الكلام لا جواب عليه إلاّ أَن ندعي ما ذكره المحقق العراقي ( قده ) من اشتراط وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة في الوجود الخارجي ولا تكفي الوحدة الذاتيّة والمفهومية بينهما ، وهذا الاستظهار وإن كان صحيحاً إلاّ انه لنكتة يرتفع على أساسها أصل الإشكال كما سوف يظهر.

إلاّ انَّ أصل هذا التصور لوجود الكلي في الخارج غير تام ، وانما الصحيح ما تقدم من انَّ الموجود في الخارج ليس إلاّ إنسانية واحدة وانما يختلف نحو تلقي الذهن لها فتارة يشير إليها بالمفهوم المجرد فيسمى بالكلي ، وأخرى يشير إليها بمفهوم متعين فيسمى بالجزئي ، وبناءً عليه فليس في المقام إلاّ يقين واحد من خلال المفهوم المتعين وقد علم بانتقاضه فلا معنى للاستصحاب ، إذ لو أُريد إجراؤه في المفهوم المشار به إلى الخارج فقد علم بانتقاضه فلا يكون من نقض اليقين بالشك بل باليقين ، وان أُريد إجراؤه في المفهوم المجرد فلم يكن العلم والإشارة إلى الواقع الخارجي من خلاله بل من خلال المفهوم المتعين الّذي علم بزواله.

وقد يقال : انَّ الإشارة بالمفهوم الجزئي تتضمن الإشارة بالمفهوم المجرد العام ضمناً فليكتفي بذلك في جريان الاستصحاب في المفهوم الكلي ، إذ لم يؤخذ في موضوع الاستصحاب أكثر من اليقين بحدوث شيء ولو ضمن خصوصية زائدة فأركان الاستصحاب تامة في الكلي على هذا المسلك أيضاً ، بل يمكن افتراض انَّ العلم بالحدوث كان من خلال العنوان العام ابتداءً كما إذا علم بتحقق الجامع ضمن فرد من الإنسان إجمالاً وعلم بخروج ذلك الفرد على إجماله أيضاً ولكن احتملنا بقاء الجامع ضمن فرد آخر كان مقارناً مع الأول أو حدث بعده فانَّ العنوان الكلي المجرد

٢٦٣

هنا هو متعلق العلم واليقين حدوثاً كما انه هو متعلق الشك بقاءً ، فلا بدَّ من القول بجريان الاستصحاب في هذا القسم من الكلي.

والجواب عنه يتضح من خلال بيان أمور :

الأول ـ انَّ الكلية والجزئية في باب المفاهيم ليست بملاك الإطلاق والتخصيص فيها بأَن يكون الكلي عبارة عن المفهوم المجرد من القيود والجزئي عبارة عن المفهوم المقيد بمجموعة خصوصيات ببرهان انَّ إضافة مفهوم إلى مفهوم وتحصيصه به يستحيل أَن يجعله جزئياً حقيقياً بمعنى امتناع الصدق على كثيرين ولو فرض انتفاء مصداقه خارجاً بل يبقى المفهوم مهما ضيق وحصص بمفهوم آخر صالحاً للانطباق على كثيرين فلا يصبح بذلك جزئياً حقيقياً ، وانما الكلية والجزئية تنشأ من كيفية ملاحظة الذهن واستخدامه للمفهوم المنطبع فيه ، فانه تارة يلحظه بما هو ومن دون إضافة له إلى حصة فيكون كلياً صالحاً للانطباق على كثيرين ، وأخرى يلحظه بما هو مضاف إلى حصته ـ مع قطع النّظر عن وجودها وعدمها في الخارج ـ فيكون جزئياً يمتنع صدقه على كثيرين ، وهذا يعني ان النسبة بين الكلي والجزئي ليست نسبة الأقل إلى الأكثر والمطلق إلى المقيد كما هو الانطباع الساذج والأولي في الأذهان ، وقد تقدم شرح ذلك في بعض البحوث السابقة.

الثاني ـ انَّ الفرق بين التصور والتصديق ليس في الصورة الذهنية بل في امر وراءها وهو الإشارة الفعلية بالصورة إلى خارج الذهن وعدمه ، فانَّ الذهن تارة لا يستطيع أَن يشير بالصورة الذهنية إلى واقع موضوعي خارج الذهن فيكون مجرد تصور ، وأخرى يستطيع أَن يشير به إلى واقع موضوعي خارج الذهن ويكشف به عنه فيكون تصديقاً ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في بعض البحوث السابقة أيضاً.

الثالث ـ يظهر مما تقدم انَّ تعدد العلوم والتصديقات يكون بحسب الدقة بتعدد الإشارة الفعلية بالصور الذهنية إلى الخارج ، فكلما كانت هناك إشارات فعلية متعددة إلى الخارج كانت المعلوم متعددة وكلما كانت الإشارة الفعلية إلى الخارج واحدة فالعلم واحد مهما تركب الصورة التي بها الإشارة إلى الخارج بحيث يزول ذلك العلم بزوال تلك الإشارة ولا يبقى إلاّ التصور المحض. وبناءً على ذلك يتضح انه في المقام حيث انَّ الإشارة والعلم بوجود الإنسان في المسجد كان من خلال إشارة فعلية واحدة

٢٦٤

إلى الفرد المعلوم تحققه في المسجد تفصيلاً أو إجمالاً والمفروض زوال تلك الإشارة الواحدة بقاءً فلا يمكن إجراء الاستصحاب ، إذ لو أُريد تطبيقه على اليقين بوجود زيد فالمفروض اليقين بانتقاضه أيضاً ، ولو أُريد تطبيقه على اليقين بوجود الإنسان الكلي ضمن زيد فالإنسان الكلي لم يكن موجوداً آخر وراء زيد ولا الإشارة به إلى الخارج إشارة أخرى غير تلك الإشارة الواحدة المحققة لليقين بالحدوث والمفروض انتفاؤها فليس بعد انتفائها إلاّ ذات مفهوم الإنسان وصورته الذهنية وهو تصور لا تصديق ، فلا تتم أركان الاستصحاب في المقام ، وهذا التحليل تعبيره العرفي المسامحي ما تقدم من انَّ الكلي الّذي يعلم به ضمن زيد علم بانتفائه وهو ضمن فرد آخر لا يقين بحدوثه فلا يجري الاستصحاب ، وهذا هو فذلكة ما استظهره المحقق العراقي ( قده ) من شرطية وحدة الوجود الحقيقي للمتيقن والمشكوك وعدم كفاية الوحدة المفهومية والذاتيّة بينهما في صدق نقض اليقين بالشك ، فانَّ متعلق الشك لا بدَّ وأَن يكون هو متعلق اليقين واليقين قوامه بالإشارة الفعلية إلى واقع موضوعي خارجي فلا بد وأَن يكون الشك في بقاء هذه الإشارة أي بقاء طرفها الموضوعي ، واما مع العلم بانتفائها ولو مع تعلق الشك بنفس المفهوم والصورة الذهنية فيكون من نقض اليقين باليقين لا الشك لانتقاض ذلك اليقين بزوال الإشارة كما ذكرنا.

وهكذا يتضح عدم جريان استصحاب هذا القسم من الكلي. ويوجد استثناء ان عن ذلك كلاهما من باب التخصص لا التخصيص.

الأول ـ ما إذا احتملنا بقاء الكلي ضمن فرد يعتبر مرتبة كانت مندكة في الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، وهذا يكون في التشكيكيات كما إذا علم بياض الجسم بمرتبة شديدة مثلاً وعلم بزوالها بتلك المرتبة ولكن احتمل بقاء ذات البياض ولو ضمن المرتبة الضعيفة فيجري استصحاب كلي البياض.

إلاّ انَّ الجاري هنا استصحاب الشخص أيضا ، لأنَّ المعلوم زواله انما هو حد البياض لا ذاته فشخص المرتبة الضعيفة للبياض يحتمل بقاؤها أيضاً فيستصحب لا محالة وليس ذلك فرداً آخر لذات البياض فهذا ملحق بالقسم الأول بحسب الحقيقة.

الثاني ـ أَن يكون المستصحب حالة وصفة للنوع والطبيعة وكانت لها حالة سابقة متيقنة وحالة لا حقة مشكوكة كما إذا افترضنا انَّ سواد بشرة الأفريقي كان من

٢٦٥

اقتضاءات نوع الإنسان الأفريقي وشك في بقاء ذلك في هذا الجيل منهم مثلاً فانه يمكن إجراء استصحاب سواد بشرة الإنسان الأفريقي رغم انه لو لوحظت الافراد المتيقنة فهي يعلم زوالها والافراد المشكوك سواد بشرتهم من هذا الجليل يشك في حدوث السواد لهم من أول الأمر إلاّ انه مع ذلك يجري الاستصحاب بلحاظ النوع والطبيعة ، وسوف يأتي انَّ النظرة العرفية ترى وحدة القضيتين في المقام وانَّ منشأ الشك لو كان هو مرور الزمان بحيث لو كان الفرد موجوداً سابقاً كان أسود البشرة جرى الاستصحاب بلحاظ القضية الكلية لصدق أركانه فيها بحسب النّظر العرفي فيكون بهذا المنظار من استصحاب الشخص لا الكلي على تفصيل يأتي في بحث قادم.

ثم انَّ السيد الأستاذ أفاد انَّ هنا قسماً آخر لاستصحاب الكلي سمّاه بالقسم الرابع غير الأقسام الثلاثة التي جرى عليها اصطلاح الشيخ الأعظم ( قده ) وقد مثل له بما إذا علمنا بجنابة يوم الخميس وعلمنا بالاغتسال منها يقيناً ثم وجدنا يوم الجمعة جنابة على الثوب مثلاً بحيث علم بتحقق جنابة بها إجمالاً ولكن شك في انَّ الجنابة الحاصلة بها هل هي نفس الجنابة التي كانت يوم الخميس وقد ارتفعت يقيناً أو انها جنابة أخرى ، وهذا بحسب الحقيقة على عكس القسم الثاني الّذي كان العلم فيه متعلقاً بجامع مردد بين فردين حيث يعلم في المقام بفردين أحدهما بعنوان تفصيلي والآخر بعنوان إجمالي يحتمل انطباقه على نفس الفرد الأول ، وفرقه عن القسم الثالث انه لا يوجد في القسم الثالث إلاّ علم واحد بفرد واحد مع احتمال بقاء الكلي ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث واما في هذا القسم فيوجد علمان بفردين بعنوانين تفصيلي وإجمالي يمكن انطباقه على الفرد التفصيليّ. وقد حكم فيه بجريان استصحاب الجنابة المعلومة إجمالا لتمامية أركان الاستصحاب فيه من اليقين بتحقق جنابة مرددة واحتمال بقائها من جهة عدم العلم بكونها هي الجنابة التفصيلية المعلوم ارتفاعها ، نعم هذا الاستصحاب يكون معارضاً مع استصحاب الطهارة المتيقنة يوم الخميس بعد الاغتسال فيتعارضان ويتساقطان ويرجع إلى أصالة الاشتغال في تحصيل الطهارة المشترطة في العبادة (١).

__________________

(١) مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ١١٨

٢٦٦

والتحقيق : اننا لو لاحظنا كلي الجنابة بلا إضافتها إلى العنوان الانتزاعي وهو الحادث من ذلك الأثر فالعلم بكلي الجنابة يكون من القسم الثالث حيث يعلم بتحققها ضمن فرد تفصيلاً كما يعلم بارتفاع ذلك الفرد ويشك في بقائها ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث. وإذا لاحظنا الكلي بالعنوان الانتزاعي كعنوان الجنابة الحادثة من ذلك الأثر كان من القسم الثاني ، لأنَّ هذا من العلم الإجمالي بعنوان انتزاعي يمكن أَن ينطبق على الفرد المعلوم تفصيلاً ، وفرقه عمّا تقدم في القسم الثاني انه هناك لم يكن يعلم بتحقق أحد الفردين امّا هنا فيعلم بتحقق أحد الفردين تفصيلاً وحيث انَّ العنوان المعلوم بالإجمال فيه خصوصية ولو انتزاعية فلا يكون منحلاً بالعلم التفصيليّ بأحد الفردين ، وعلى كل حال فهذه الفرضية تندرج حسب تقسيمنا الفني المتقدم في العلم بالجامع والشك في بقائه من ناحية الشك في حدوث الفرد هذا من ناحية الموضوع والتحاق هذه الفرضية بالقسم الثاني أو الثالث من الكلي ، وامّا من ناحية الحكم فالصحيح عدم جريان استصحاب الجامع فيها وذلك :

أولا ـ للنقض بموارد الشك البدوي ، فانه يمكن تشكيل علم إجمالي انتزاعي كالعلم المذكور فيها كما إذا تيقن البول فتوضأ ثم شك بخروج البول منه ثانية فانه يمكنه أَن يشكل علماً إجمالياً بعنوان انتزاعي هو عنوان الحدث عند آخر بول خرج منه فانه لو كان آخر بول خرج منه البول الأول فالحدث الحاصل به مرتفع جزماً ، وان كان آخر بول خرج منه بعد الوضوء فالحدث الحادث به باق لا محالة فعنوان آخر بول بما هو آخر مردد بين الفردين المعلوم أحدهما تفصيلاً كما يعلم بارتفاعه والمشكوك أصل حدوث الآخر فلا بدَّ من القول بجريان استصحاب كلي الحدث في المقام ، وهذا ما لا يمكن الالتزام به بل هو خلاف مورد أدلة الاستصحاب.

وثانياً ـ النقض أيضا بموارد الكلي من القسم الثالث ، فانه يمكن تصوير جامع انتزاعي غير منحل فيه أيضاً كعنوان الفرد الّذي لم يدخل بعده غيره ، أو لا يكون بعد فرد آخر ، أو عنوان الفرد الّذي ليس معه فرد آخر غير متيقن ، فانَّ هذا العنوان الإجمالي مردد بين زيد المعلوم انتفائه إذا لم يكن غيره فرد أو غيره إذا كان فرد آخر حيث انه لا ينطبق هذا العنوان مع وجود فرد آخر إلاّ عليه لا على زيد فلا بدَّ من القول بجريان استصحاب هذا الكلي الانتزاعي المعلوم بالإجمال.

٢٦٧

وثالثاً ـ الحل ؛ وحاصله : انه لو أُريد إجراء الاستصحاب في العنوان الّذي هو موضوع الأثر الشرعي وهو الحدث أو الجنابة فقد عرفت انَّ هذا العنوان علم بتحققه ضمن فرد وزواله ويشك في بقائه ضمن فرد آخر لا يقين بأصل حدوثه ، وان أُريد إجراؤه في العنوان الإجمالي الانتزاعي كعنوان الجنابة الحادثة بذلك الأثر أو الحدث الحاصل بآخر موجب أو الفرد الّذي لا يكون بعده فرد آخر فهذا العنوان ليس موضوعاً للأثر الشرعي ليكون هو مركب الاستصحاب هذا إن أُريد جعله محط الاستصحاب حقيقة ، وان أُريد اتخاذه مشيراً إلى الواقع لجعله محط الاستصحاب أو بتعبير آخر التعبد ببقاء نفس العلم الإجمالي بلحاظ منجزيته فقد عرفت انَّ هذا من استصحاب الفرد المردد ومن العلم الإجمالي غير المنجز للعلم تفصيلاً بارتفاع أحد طرفيه. وهكذا يتضح انَّ ما أفاده السيد الأستاذ من وجود قسم رابع يجري فيه استصحاب الكلي غير تام لا موضوعاً ولا حكماً.

٤ ـ استصحاب الزمان والأمور التدريجية :

المستصحب تارة يكون وجوداً قاراً لم يؤخذ فيه التدرج والحركة لا ذاتاً ولا عرضاً كما في استصحاب بقاء الإنسان ، وأخرى يكون امراً تدريجياً امّا بذاته كالزمان والحركة أو باعتبار إضافته إلى ذلك وتقيده به كالجلوس في النهار مثلاً. وقد وقع البحث والإشكال في جريان الاستصحاب في هذا النوع من الأمور للتشكيك في تمامية أركان الاستصحاب وتوهم عدم وحدة المتيقن والمشكوك فيها. وفيما يلي نورد البحث في مقامين :

المقام الأول ـ في استصحاب الزمان والزمانيات أي الأمور التي تكون متحركة وغير قارة بطبيعتها. ولنبدأ البحث عن استصحاب الزمان كاستصحاب بقاء النهار فنقول تارة يراد استصحاب الزمان بنحو مفاد كان التامة كاستصحاب بقاء النهار أو بقاء الشهر ، وأخرى يراد استصحاب الزمان بنحو مفاد كان الناقصة أي استصحاب كون هذا الآن نهاراً أو هذا اليوم من رمضان.

امّا النحو الأول من استصحاب الزمان فقد يستشكل فيه بأنَّ الزمان يحدث شيئاً فشيئاً وكلما حدث جزء منه انصرم وقضى ، بل ليس إلاّ عبارة عن التجدد والحدوث

٢٦٨

بعد الحدوث فلا يكون قابلاً للاستصحاب ، لأنَّ الجزء المشكوك منه غير الجزء المتيقن والّذي انصرم يقيناً فلم تتحد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة. وهذا هو أساس الإشكال في استصحاب الزمان والزمانيات لا عدم كون الشك شكاً في البقاء ليمكن ان يقال في جوابه بعدم اشتراط كون الشك في البقاء في جريان الاستصحاب.

وأيّاً ما كان فهذا الإشكال غير تام لا عقلاً ولا عرفاً ، امّا عقلاً فلما يبرهن عليه في الحكمة من استحالة أَن يكون الزمان مجموعة تجددات وحدوث بعد حدوث فانه يلزم منه امّا القول بالجزء الّذي لا يتجزأ أو القول بانحصار ما لا نهاية له بين حاصرين وكلاهما محال.

وامّا عرفاً ـ والّذي هو المهم في المقام ـ فباعتبار انَّ العرف يرى الزمان امراً واحداً له حدوث وبقاء وزوال ، فالنهار مثلاً الّذي هو اسم لقطعة معينة من الزمان يفهمه العرف بما انه أمر يتحقق منذ تحقق أول آن من آناته ويبقى إلى أَن ينصرم آخر اجزائه وهو يرى الاتصال بين هذه الآنات بحيث يعتبرها ويراها شيئاً واحداً يوجد بهذا النحو من الوجود فلا يكون كل آن جزئيا وفرداً مستقلاً للنهار ليكون من القسم الثالث للكلي ولا كل آن جزء في مجموعة كلها تسمى بالنهار لكي لا يصدق النهار إلاّ بعد تحققها جميعا. بل نسبة الزمان إلى الآنات نسبة الشيء إلى اجزائه ولكن بنحو يختلف عن الكل والجزء في الأمور القارة والتي لا يوجد الكل إلاّ اجزائه بعد تحقق جميع الأجزاء لأنَّ هذا الوجود متحرك ومرن بطبعه فهو يوجد حقيقة بالجزء الأول ويبقى واحداً ومتصلاً وممتداً حتى ينتهي آخر الأجزاء ، وبهذا الاعتبار يكون استصحاب الزمان جارياً لانحفاظ الوحدة المعتبرة في صدق نقض اليقين بالشك فانَّ الميزان في ذلك بالمتفاهم العرفي فحتى إذا قلنا بعدم الوحدة والاتصال عقلاً ـ ولا نقول به ـ كفانا الوحدة بحسب النّظر العرفي ، والدليل على الوحدة عرفا ما نلاحظه من تسمية العرف وتقطيعه للزمان إلى قطعات متعددة لكل قطعة منها وجودا وبقاء وانقضاء على حد الأمور القارة.

والمحقق الخراسانيّ ( قده ) حاول تفادي الإشكال ببيان آخر حاصله : انَّ الحركة إذا كانت حركة توسطية لا قطعية أي حركة صادقة بين المبدأ والمنتهى ونسبة الشيء إلى ما يتحقق بين المبدأ والمنتهى نسبة الكلي إلى افراده جرى الاستصحاب بخلاف ما إذا كانت الحركة قطعية.

إلاّ انَّ هذا البيان لا يكفي لدفع الإشكال ، فانَّ مجرد توسطية الحركية بمعنى كون

٢٦٩

المتحرك نسبته إلى اجزائه نسبة الكلي إلى افراده لا يصحح جريان الاستصحاب إذا لم يفرض وحدة الاجزاء واتصالها وكونها وجوداً واحداً ممتداً للمتحرك سواء كانت الحركة توسطية أو قطعية وإلاّ كان من استصحاب القسم الثالث للكلي الّذي علم بوجوده ضمن فرد ويشك في بقائه ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث.

ثم إنا لو فرضنا قيام البرهان على وحدة اجزاء الحركة والزمان واتصالها فهل يكفي ذلك في جريان الاستصحاب في الزمان ولو لم يكن العرف يدرك الوحدة أم لا؟

الصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان عدم درك العرف للوحدة من جهة تشكيكه أو عدم اعترافه بالوحدة وما إذا كان ذلك من جهة عدم إدراكه لوجود الواحد بحيث انه على تقدير إدراكه لوجود تلك الاجزاء يعترف بوحدته. فعلى الأول لا يجري الاستصحاب لعدم صدق نقض اليقين بالشك بخلاف الثاني فانه يكون من باب جهل العرف بالمصداق مع اعترافه بصدق مفهوم النقض على تقدير وجود المصداق.

ثم انَّ منا شيء الوحدة في الموضوع بالنحو المعتبر في الاستصحاب يمكن أَن يكون أحد أمور.

١ ـ الثبات والقرار في الوجود ومن هنا تكون الموجودات القارة واحدة حدوثاً وبقاء وعقلاً وعرفاً.

٢ ـ الاتصال والتلاصق بين اجزاء الوجود حقيقة كما هو كذلك في الحركة فانه بذلك يكون وجوداً واحداً عقلاً وعرفاً.

٣ ـ الاتصال بالنظر العرفي المسامحي وإن لم يكن متصلاً عقلاً ودقة كما في حركة عقرب الساعة التي بالدقة تتكون من مجموعة حركات متقطعة تفصل بينها وقفات ضئيلة ولكنها لا تلحظ عرفاً وهذا وان كان من باب خطأ العرف في تشخيص الوحدة ولهذا لا يكون مفهوم الواحد منطبقاً حقيقةً إلاّ انَّ اشتراط الوحدة في الاستصحاب ليس من جهة ورود هذا المفهوم في لسان دليله ، بل من جهة مفهوم النقض وحذف متعلق اليقين والشك وهذا لا يقتضي أكثر من اعتبار الوحدة العرفية على ما تقدم مزيد شرح وتفصيل له.

٤ ـ الاتصال العنائي الناشئ من توسعة مفهوم الشيء بنحو بحيث يشتمل الفواصل المتخللة ويحتويها كما في المفهوم الكلام والخطابة ، فانه يشمل الفجوات

٢٧٠

والفواصل المتخللة بين كلمات المتكلم أو جمله ولكنها عرفاً وعناية تعتبر من شئون. الكلام ويكون مفهوم الكلام أو الخطاب منتزعاً بلحاظ أصل تلبس الإنسان بهذه الهيئة فلو شك في بقاءه جرى استصحاب بقاء الكلام رغم الفواصل الحقيقية المتخللة في البين.

٥ ـ التكرر المتواصل المستمر كما إذا شك مثلاً في بقاء الدراسة مثلاً في الحوزة أو الجامعة بمعنى بقاء الأستاذ يلقي الدرس كل يوم فانه هنا أيضاً يجري استصحاب بقاء الدراسة رغم انَّ الدرس في كل يوم ليس متصلاً بالدرس في اليوم الآخر لا عقلاً ولا عرفاً وليست الفاصلة بينهما خفية أو قليلة لا يراها العرف ولكنه مع ذلك يرى العرف للدراسة حدوثاً وبقاءً وامتدادا كالأمور القارة بحيث عند الشك في انتقاضها يعيش العرف نفس نكتة الاستصحاب المرتكزة لديه في الأمور القارة تماماً وليس ذلك إلاّ من جهة حالة التكرر المقتضية للاستمرار.

ولا يقال ـ بأنَّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم الدرس مثلاً الثابت قبل ساعة الدرس كحالة ثابتة واضحة عقلاً وعرفاً.

فانه يقال ـ ما تقدم نظيره في بعض البحوث السابقة من انَّ العرف هنا بحسب النظرة التي أشرنا إليها يرى صدق البقاء والامتداد لأنه يرى كأن لحالة العدم الثابت قبل ساعة الدرس حالة سابقة أخرى هي حالة الانتقاض بالدرس فكأن هنا حالة سابقة مركبة لا بسيطة فالاستصحاب يقتضي بقاء الانتقاض للعدم بالوجود واستمرار الدرس في موعده لأنه البقاء للحالة السابقة ومقتضياتها بحيث يكون رفع اليد عنها نقضاً لليقين بالشك ، نعم إذا انتقضت العادة المتكررة وشك في عودها من جديد جرى استصحاب العدم عندئذ ، وهكذا يتضح ان منا شيء الوحدة المعتبرة في صدق نقض اليقين بالشك عديدة ومتنوعة كما اتضح انَّ هذه المسألة بحسب الحقيقة من تطبيقات شرطية وحدة القضية المتيقنة والقضية المشكوكة الّذي هو أحد أركان قاعدة الاستصحاب التعبدية.

هذا كله في استصحاب الزمان بنحو مفاد كان التامة.

وامّا استصحابه بنحو مفاد كان الناقصة لإثبات انَّ هذا الآن نهار أو ليل أو من شهر رمضان ونحو ذلك فقد ذهب فيه المحققون ما عدى المحقق العراقي ( قده ) في

٢٧١

تقريراته (١) إلى عدم جريانه لأنَّ الزمان المشكوك لم يكن قد وجد نهاراً فيما سبق لتستصحب هذه الصفة له وإثبات نهاريته باستصحاب بقاء النهار يكون من الأصل المثبت نظير إثبات كرية هذا الماء باستصحاب بقاء الكر.

والتحقيق : جريان استصحاب الزمان بنحو مفاد كان الناقصة أيضاً بنفس نكتة جريانه في مفاد كان التامة. توضيح ذلك : انَّ المفروض اتصال آنات الزمان ووحدتها عقلاً وعرفاً وهذا يعني أنَّ هذا الآن متصل ومتحد مع الآن السابق المفروض اتصافه بكونه نهاراً أو ليلاً فنستصحب صفة النهارية أو الليلية له ، إذ يكون رفع اليد عنه نقضاً لليقين بالشك في صفة شيء واحد.

فالحاصل : إذا فرضنا انَّ العرف يرى آنات الزمان في النهار أو الليل متصلة بحيث يعد كلها شيئاً واحداً فكما يجري استصحاب بقاء النهار بنحو مفاد كان التامة لصدق نقض اليقين بالشك فيه كذلك يجري استصحاب بقاء نهارية الزمان بنحو مفاد كان الناقصة ، وإذا فرضنا انَّ العرف يقطع هذا الآن عن الآنات السابقة ويلحظها كموضوع مستقل حادث فكما لا يجري استصحاب النهارية بنحو مفاد كان الناقصة كذلك لا يجري استصحاب بقاء النهار بنحو مفاد كان التامة لأنَّ هذا الحادث غير النهار المتيقن سابقاً.

وان شئت قلت : ـ اننا نلحظ الزمان بالمفهوم الأوسع من قطعة الفجر أو النهار أو الليل والّذي هو أيضاً وجود زماني متصل وواحد ، فنقول انَّ الزمان كان فجراً أو نهاراً أو ليلاً فالآن كذلك وهو مفاد كان الناقصة فتكون أركان الاستصحاب تامة فيه بهذا الاعتبار.

امّا ترتيب آثار مفاد كان الناقصة فيتوقف على أخذه بنحو التركيب جزءً لموضوع الأثر الشرعي الملحوظ لا بنحو التقييد وإلاّ لم يثبت إلاّ بنحو الأصل المثبت ، وسوف يأتي مزيد توضيح لهذه النقطة في المقام القادم. هذا كله في استصحاب الزمان.

وامّا استصحاب الزماني أي الحركات كالجريان والدوران وغيرهما فقد اتّضح حاله ممّا تقدم في استصحاب الزمان ، لأنَّ الإشكال فيه انما هو من ناحية توهم عدم

__________________

(١) راجع النهاية الأفكار ، القسم الأول من ج ٤ ، ص ١٤٨

٢٧٢

انحفاظ الوحدة لحالة التجدد والانصرام الثابتة لاجزاء الحركة الواحدة وقد عرفت انها لا تضر بالوحدة المعتبرة في الاستصحاب عقلاً فضلاً عنه عرفاً ، فلا وجه للتشكيك في صدق نقض اليقين بالشك وجريان الاستصحاب.

المقام الثاني ـ في استصحاب الأمور المقيدة بالزمان كالجلوس في النهار مثلاً ،

فلو شك في بقاء النهار ليكون الجلوس فيه نهارياً وعدمه جرى استصحاب بقاء المقياس الجلوس النهاري أو بقاء التقييد بالنهارية لانحفاظ الوحدة والاتصال المعتبر في الاستصحاب في كل من القيد والمقيد بالبيان المتقدم.

إلاّ انَّ جريان مثل هذا الاستصحاب موقوف على تمامية أمرين :

١ ـ أَن يكون للمقيد بما هو مقيد حالة سابقة بأَن كان الجلوس النهاري ثابتاً قبل الآن المشكوك ، وامّا إذا لم يكن ثابتاً وأُريد إثبات نهارية الجلوس الآن فلا يتم بالاستصحاب لعدم الحالة السابقة للتقيد أو المقيد بما هو مقيد ، واستصحاب بقاء القيد لا يثبت التقيد إلاّ بنحو الأصل المثبت.

والغريب ما جاء في تقريرات المحقق العراقي ( قده ) من محاولة تصحيح ذلك باستصحاب تعليقي مفاده انَّ الجلوس لو كان واقعاً قبل الآن كان نهارياً فالآن كذلك (١) ، مع وضوح انَّ هذا من الاستصحاب التعليقي في الموضوعات والأمور التكوينية وهي من أوضح أنحاء الأصل المثبت والملازمات العقلية على ما سوف يأتي في بحث الاستصحاب التعليقي.

٢ ـ أَن لا يؤخذ كل آن آن من ذلك الزمان قيداً مستقلاً وإلاّ كانت هنا لك تقييدات عديدة فيتعدد المقيد لا محالة وهذا واضح.

ثم انه ينبغي البحث عن مدى جدوى استصحاب الزمان في التكاليف الموقتة والمقيدة بالزمان وعدم الاكتفاء بالكبريات المذكورة في استصحاب الزمان أو الزمانيات ليرى مدى إمكان الاستفادة منها في الفقه.

فنقول : انَّ الزمان تارة يكون مأخوذاً في طرف موضوع التكليف فيكون من قيود الوجوب ، وأخرى في متعلقه فيكون من قيود الواجب ، وعلى كل من التقديرين تارة

__________________

(١) نهاية الأفكار ، القسم الأول من الجزء الرابع ، ص ١٥٠

٢٧٣

يؤخذ بنحو مفاد كان التامة ، وأخرى بنحو مفاد كان الناقصة ، وعلى جميع التقادير قد تكون الشبهة الموضوعية ، وقد تكون حكمية ، والبحث أساساً في الشبهة الموضوعية التي يراد فيها استصحاب الموضوع وهو الزمان أو الزماني لا الشبهة الحكمية إلاّ انهم أضافوها هنا أيضاً وذكروا فيها أموراً لا ترتبط بصميم هذا البحث على ما سوف نشير إليه.

فإذا كان الزمان مأخوذاً في موضوع التكليف أي قيداً للوجوب لا للواجب بنحو مفاد كان التامة كأن يقول إن كان النهار فتصدَّق أو إن كان الجلوس في النهار فتصدَّق أو بنحو مفاد كان الناقصة (١) بأَن يقول إن كان الجلوس في زمان يكون نهاراً أو كان الزمان نهاراً فتصدَّق فشك في بقاء النهار وعدمه ، فهنا حالتان :

الحالة الأولى ـ أَن يكون الزمان مأخوذاً في موضوع الحكم بنحو التركيب ، فموضوع الحكم هو أَن يكون جلوس في زمان ويكون ذلك الزمان نهاراً.

الحالة الثانية ـ أَن يكون مأخوذاً في موضوع الحكم بنحو التقييد ، فالجلوس النهاري بما هو جلوس مضاف إلى النهار يكون موضوعا للحكم.

ففي الحالة الأولى يثبت الموضوع باستصحاب الزمان ويكون من باب تتميم الموضوع بضمّ التعبد إلى الوجدان. وامّا في الحالة الثانية فلا يمكن إثبات الموضوع بالاستصحاب إلاّ على القول بالأصل المثبت ، لوضوح انَّ إثبات نهارية هذا الآن لا يثبت نهارية الجلوس إلاّ بالملازمة العقلية وهذه المثبتية لا ربط لها بالمثبتية التي تقدمت عن المحققين في أصل استصحاب الزمان بنحو مفاد كان الناقصة كما توهمه في تقريرات المحقق النائيني ( قده ).

فالحاصل : إذا أخذ في موضوع الحكم إضافة الجلوس مثلاً إلى صفة النهارية ـ سواء كانت مأخوذة بنحو مفاد كان التامة أو الناقصة ـ لم يجر استصحاب بقاء النهار أو نهارية هذا الآن لأنه لا يثبت الإضافة المذكورة ، نعم إذا كان المقيد بما هو مقيد له حالة

__________________

(١) جاء في كلمات المحقق النائيني ( قده ) الإشكال في معقولية أخذ الزمان بنحو مفاد كان الناقصة في موضوع الحكم بدعوى لزوم تحصيل الحاصل لأنَّ معناه أَن يكون الشرط في الأمر بالصلاة النهارية مثلاً أَن تكون الصلاة نهارية وهذا من أخذ الواجب قيداً في الوجوب وهو محال ، وهذا الإشكال غريب في بابه ولعل نظره إلى انَّ أخذ النهار قيدا في الوجوب يستلزم أخذه قيداً في الواجب أيضاً تبعاً ، فان قيود الوجوب تحصص الواجب أيضاً إلاّ انَّ هذا لا يعني أخذ تحقق الواجب قيداً في الوجوب ليلزم المحال كما هو واضح.

٢٧٤

سابقة بأَن كان الجلوس النهاري ثابتاً سابقاً واحتمل بقاؤه جرى الاستصحاب فيه وأثبت الموضوع للحكم لا محالة.

وهذا الإشكال لا دافع له إلاّ برفع موضوعه فقهياً بأَن يستظهر من أدلة الموضوعات المقيدة التركيب ولو بقرينة عرفية عامة ، وبذلك يكون موضوع الحكم مركباً دائماً ما لم تقم قرينة خاصة تقتضي أخذ الإضافة التقييدية في موضوع الحكم.

وبهذا ظهر انَّ ما جاء في الكفاية من انَّ الزمان لو كان دخيلاً في الوجوب جرى استصحاب الزمان واستصحاب المقيد بما هو مقيد فساق كلا الاستصحابين مساقاً واحداً غير فني ، فانه إذا كان النهار أو الليل مأخوذاً في موضوع الوجوب بنحو التقييد فالجاري هو استصحاب المقيد إذا كانت له حالة سابقة دون استصحاب القيد وهو النهار ، وان كان مأخوذاً بنحو التركيب فالجاري استصحاب القيد ولو لم يكن للمقيد بما هو مقيد حالة سابقة ولا معنى لاستصحاب المقيد فيه لعدم كونه الموضوع للحكم وانما الموضوع المجموع المركب من ذات المقيد المحرز وجداناً وذات القيد المحرز بالتعبد ، هذا كله في أخذ الزمان دخيلاً في الوجوب.

وامّا إذا أخذ دخيلاً في الواجب كما إذا وجب صوم النهار ، أو صوم الزمان النهاري فشك في بقاء النهار وعدمه ، فالصحيح : انه لا يجري استصحاب النهار ولا استصحاب الصوم النهاري في هذا القسم خلافاً لمشهور المحققين.

توضيح ذلك : انه لو أُريد استصحاب الصوم النهاري فتارة يراد به إثبات انَّ الصوم في هذا الآن لو وقع كان نهارياً فيجب ، وأخرى يراد به إثبات انَّ صومه النهاري باق ولا ينقطع. امّا الأول فهو من الاستصحاب التعليقي في الموضوعات التكوينية كما تقدم في مناقشة مع المحقق العراقي ( قده ). واما الثاني فلأنَّ الشك في بقاء الصوم النهاري بنحو القضية التنجزية أمر بيد المكلف رفعه وليس موضوعاً للأثر والمنجزية وانما الّذي يتنجز ويوجب الإمساك ثبوت القضية التعليقية.

وإن أريد استصحاب النهار فهو لا يثبت تقيد الصوم واتصافه بكونه في النهار ، نعم إذا كان دخالة الزمان في الواجب على نحو التركيب بأَن يكون الواجب الصوم في زمان وكون ذلك الزمان نهاراً أمكن إحراز ذلك بالاستصحاب كما هو في سائر قيود الواجب المأخوذة فيه بنحو التركيب ، إلاّ انَّ هنا إشكالاً في معقولية التركيب في قبال التقييد

٢٧٥

فانَّ لازمه أَن ينبسط الأمر والوجوب على مجموع جزءين الصوم في زمان وكون ذلك الزمان نهاراً ، وواضح انَّ الجزء الثاني وهو كون الزمان نهاراً امر غير اختياري وخارج عن قدرة المكلف فلا يعقل الأمر به عقلاً ولا عرفاً وانما المعقول والاختياري تقيد الصوم بكونه في النهار فهذه النكتة تجعل أخذ الزمان في الواجب بنحو التركيب غير عرفي على الأقل (١).

وهذا الإشكال لا يندفع بما ذكره المحققون في المقام لتخريج استصحاب الزمان فمدرسة المحقق النائيني ( قده ) أفادت بأنَّ الأثر إذا كان لمجموع شيئين فان كانا من قبيل العرض ومحله رجع إلى التقييد وإلاّ رجع إلى التركيب وبما انَّ الزمان والصوم عرضان لمعروضين وليسا من قبيل العرض ومحله فلا محالة يكون الربط بينهما بنحو التركيب لا التقييد فيجري فيه الاستصحاب.

وفيه : انَّ هذا انما يصحح التركيب في مورد يعقل فيه ذلك ، وقد عرفت انَّ المقام فيه محذور آخر يلزم من التركيب وهو التكليف بغير المقدور.

والمحقق العراقي ( قده ) ذكر كلامين ، أحدهما يرجع بحسب الروح إلى مقالة المحقق النائيني ( قده ) حيث أفاد بأنَّ التقيد بالزمان ينحل بحسب نظر العرف إلى التركيب بين جزءين.

والآخر : انَّ أخذ النهار قيداً بنحو الظرفية للصوم فيه مئونة زائدة منفية بالإطلاق ، وانما الأمر منصب على نفس الصوم في شهر رمضان مجتمعاً مع النهار.

وهذا البيان غير تام لا ثبوتاً ولا إثباتاً.

امّا إثباتاً ، فلأنَّ المئونة المدعاة ثابتة ، فان كلمة ( في ) تدل بنفسها على أخذ الظرفية قيداً في متعلق الأمر بحيث يحتاج إلغاء خصوصية التقييد إلى قرينة ، ولهذا ذكرنا فيما سبق انَّ رفع اليد عن التقييد يكون على أساس قرينة ارتكازية عرفية وإلاّ فظاهر الخطاب هو التقييد ، وتلك القرينة لا تتم في المقام كما أشرنا.

وامّا ثبوتاً ـ فلأنَّ تغيير قيد الظرفية إلى قيد المعية أو الاجتماع أو المصاحبة لا يدفع المحذور ، فان هذا التقييد لا يمكن إثباته بالاستصحاب ، ورفع اليد عنه يعني الأمر بجعل

__________________

(١) مرجع هذا التركيب إلى لزوم جعل الزمان الّذي يقع فيه الصوم بهذا العنوان الكلي نهاراً ، وهذا امر اختياري وانما غير الاختياري جعل الزمان الحقيقي الّذي ليس بنهار نهاراً فلا محذور في التركيب لا عقلاً ولا عرفاً.

٢٧٦

والزمان نهاراً وهو غير اختياري.

والمحقق الأصفهاني ( قده ) ذكر في المقام انه تارة يفرض انَّ الواجب تحصيل العنوان الانتزاعي الّذي يحصل من مجموع الصوم والنهار وتقيد أحدهما بالآخر ، وأخرى يفرض انه لا يطلب شيء غير منشأ الانتزاع ، فان فرض الأول لم يجر الاستصحاب إلاّ بناءً على القول بالأصل المثبت لأنَّ ترتب العنوان الانتزاعي على منشأ الانتزاع يكون بالملازمة العقلية ، وان فرض الثاني جرى الاستصحاب وترتبت النتيجة حيث يكون ذات التقيد والقيد ثابتين ولا يقصد امر وراءهما ، واما تقيد الصوم بالنهار وظرفيته له فهذا ثابت بالوجدان لأننا باستصحاب الزمان كما نثبت الزمان الواقعي تعبداً كذلك نثبت الزمان التعبدي واقعاً ووجدانا فيثبت كون الصوم في الزمان التعبدي بالوجدان (١).

ويلاحظ عليه : أولا ـ هذا موقوف على كفاية ترتب الأثر على نفس الاستصحاب في جريانه ، إذ المفروض ثبوت الظرفية للزمان التعبدي الّذي هو في طول الاستصحاب لا للزمان الواقعي.

وثانياً ـ لو فرض ثبوت نسبة الظرفية بين الصوم وبين الزمان التعبدي واقعاً ووجداناً فلما ذا التفصيل بين أخذ العنوان الانتزاعي أو منشأ الانتزاع ، فانه على التقديرين تثبت العلاقة مع الزمان الثابت تعبداً وجداناً وواقعاً سواءً أُريد العلاقة الانتزاعية أو الظرفية.

وثالثاً ـ انَّ إثبات الزمان بالتعبد لا يثبت بملاكه الظرفية بين الصوم والزمان ، لوضوح انَّ الزمان التعبدي ليس زماناً حقيقياً ليتعقل أَن يكون ظرفاً للصوم ، فكأنه وقع وهم نتيجة الألفاظ والتعبير عن المستصحب بالزمان التعبدي وإلاّ فحقيقة الأمر انَّ الزمان التعبدي ليس إلاّ عبارة عن الحكم والاعتبار الشرعي ولا معنى لافتراضه ظرفاً للصوم كما هو واضح ، نعم يعقل أَن يجعل القيد للواجب هو الأعم من الزمان الواقعي والاعتبار الشرعي الظاهري للزمان إلاّ انَّ هذا غير الظرفية.

ورابعاً ـ لو فرضنا ان القيد هو الأعم من الزمان والتعبد به لزم من ذلك صحة العمل واقعاً في موارد الاستصحاب لا ظاهراً فقط وهذا ما لا يلتزم به أحد.

__________________

(١) نهاية الدراية المجلد الثالث ، ص ٨١

٢٧٧

وهكذا يتضح انَّ استصحاب الزمان بلحاظ قيود الواجب لا يمكن إجراؤه لإحراز تحقق الواجب به وتنجيزه إلاّ بنحو الأصل المثبت ، وجميع المحاولات المذكورة من قبل الأصحاب لا تدفع الإشكال في خصوص المقام.

نعم يمكن الانتهاء إلى تنجيز نفس الأثر والوجوب الشرعي الّذي كان يقصد تنجيزه من استصحاب الزمان بنحو آخر وتوضيحه :

انَّ الزمان المأخوذ قيداً في الواجب تارة يكون بنحو صرف الوجود كما في الصلاة بين الزوال والغروب ، وأخرى يكون بنحو مطلق الوجود أي يجب الفعل في تمام آنات ذلك الزمان كالصوم الواجب في النهار.

ففي الفرض الأول تارة يفرض انَّ الصلاة وجبت على المكلف ولكنه أخرها إلى حين الشك في بقاء الوقت ، وأخرى يفرض انه لم تجب عليه الصلاة إلاّ من حين الشك في بقاء الوقت كما إذا لم يكن بالغاً قبله مثلاً.

ففي التقدير الأول تجري قاعدة الاشتغال ، لأنَّ الشك بحسب الحقيقة في الفراغ عن التكليف من ناحية الشك في القدرة عليه بعد اليقين بأصل التكليف واشتغال الذّمّة به ، والشك في القدرة مجرى لقاعدة الاشتغال (١).

وفي التقدير الثاني يجري استصحاب بقاء الوقت لإثبات فعلية الوجوب ، فانَّ الوقت إذا أخذ قيداً في الواجب أصبح قيداً في الوجوب أيضاً لا محالة لكونه غير اختياري فيستصحب بقاءه ، وبذلك يحرز فعلية الوجوب عليه واشتغال الذّمّة به غاية الأمر يشك في القدرة على تحققه وقد عرفت انه مورد للاشتغال وهذا الاستصحاب لم نحتج إليه في التقدير السابق لثبوت الاشتغال فيه وجداناً ابتداءً بلا حاجة إلى التعبد الاستصحابي (٢)

__________________

(١) الأثر المطلوب في هذا التقدير ليس هو تنجز الوجوب ليقال بأنه ثابت بقاعدة الاشتغال ، بل هناك أثر آخر مهم هو إحراز تحقق الامتثال بما يأتي به لكونه صلاة بالوجدان وفي الوقت بالتعبد فإذا لم يمكن إثبات ذلك كما هو المفروض كان من الشك في تحقق الامتثال والأصل عدمه فيترتب عليه آثاره من لزوم القضاء لو قيل به.

(٢) قد يقال : أخذ قيد غير اختياري في الواجب لا يجعله قيداً في الوجوب بحسب الدقة وانما القيد هو القدرة عليه المعبر عنها بقضية شرطية هي انه لو صلى كان في الوقت فلو فرض محالاً انه إذا صلى كان في الوقت مع عدم تحقق الوقت بالفعل كان الوجوب فعلياً في حقه ، ومن الواضح انَّ هذه القضية الشرطية لا يمكن إحرازها باستصحاب الوقت سواء كان الزمان مأخوذاً في الواجب بنحو صرف الوجود أو مطلق الوجود.

والجواب : لو فرض ذلك وعدم استظهار أخذ نفس الزمان قيداً في الوجوب مع ذلك أمكن إجراء استصحاب القدرة أو القضية الشرطية فانها كانت صادقة سابقاً ويشك في صدقها فيستصحب.

٢٧٨

لا يقال : قاعدة الاشتغال في المقام محكومة لأصالة البراءة ، حيث انه في هذه الفرضية يشك المكلف في أصل تكليفه بالفعل في هذا الآن بالصلاة فتجري البراءة الشرعية في حقه وتكون حاكمة على الاشتغال العقلي.

فانه يقال : البراءة تنفي في حقه تكليفاً في هذا الآن بعنوانه واما تكليفه بالصلاة ما بين الحدين لمن أدرك الوقت فالمفروض ثبوته بالاستصحاب الموضوعي الحاكم على البراءة فلا يمكن نفيه بالبراءة بل يثبت هذا الوجوب بالاستصحاب ويجب الخروج عنه بقاعدة الاشتغال.

واما في الفرض الثاني الّذي يكون الزمان قيداً في الواجب بنحو مطلق الوجود كالصوم في النهار ـ مع فعلية الوجوب من أول الأمر بحسب الفرض ـ. فتارة يكون الشك في سعة النهار وضيقه كما إذا شك في انه اثنتا عشرة ساعة أم أكثر ، وأخرى يحرز مقداره ولكن يشك في انتهائه وعدمه ففي التقدير الثاني يكون أيضاً من الشك في الفراغ بعد العلم باشتغال الذّمّة بالصوم في تلك المدة المعينة فيجب الصوم.

وفي التقدير الأول وان كان يشك في وجوب صوم المدة المشكوكة وهو مجرى للبراءة في نفسها إلاّ انَّ استصحاب بقاء النهار ينقح موضوع وجوب الصوم لأنَّ النهار إذا أخذ قيداً في الواجب بنحو مطلق الوجود كان معنى ذلك اشتراط وجوب صوم كل آن بكونه نهاراً ـ سواء كان صوم كل النهار الواجب مركباً استقلالياً أم ارتباطياً ـ فباستصحاب نهارية الزمن المشكوك ننقح موضوع وجوب صومه هذا إذا لم تأخذ إضافة الصوم إلى نهارية ذلك الآن بنحو التقييد وإلاّ بأَن كان الواجب صوم ذلك الآن بما هو نهار كان من موارد الشك في القدرة على الامتثال الّذي هو مجرى للاشتغال العقلي فيكون الاستصحاب منقحاً لموضوع الاشتغال كما تقدم في الفرضية الأولى.

هذا تمام الكلام في الشك في الزمان المأخوذ في التكاليف بنحو الشبهة الموضوعية ، وامّا الشبهة الحكمية في التكاليف الموقتة ، فقد ذكر المحققون تحت هذا العنوان أبحاثاً في المقام كلها لا ترتبط بمسألة استصحاب الزمان أو الزماني وانما ترجع إلى تردد مفهوم الزمان بين الفترة القصيرة أو الطويلة ، أو تردد الموضوع مع وضوح المفهوم أو العلم بكون الموضوع هو الفترة القصيرة والشك في تحقق موضوع آخر للحكم

٢٧٩

باق في الزمن الثاني ، وكل هذه الأبحاث لا تختص بالزمان بل يرد في القيود الأخرى فلا خصوصية للبحث عنها في المقام ، كما انهم بحثوا عن انَّ مضي الزمان هل يغير الموضوع ويعدده أم لا ، وهذا أيضاً بحث راجع إلى مبحث الشك في بقاء الموضوع ، وبحثوا عن معارضة استصحاب بقاء الوجوب في الزمن الثاني المشكوك باستصحاب عدم جعل الوجوب الزائد فيه ، وهذا أيضاً لا يختص بباب الزمان ، وقد تقدم البحث عن كبرى هذه المعارضة فيما سبق ، وعليه فلا موجب للدخول في تلك الأبحاث التي تقدم أو يأتي تنقيح نكاتها في مظانها.

٥ ـ الاستصحاب التعليقي :

الشك في الحكم تارة ينشأ من الشك في تحقق موضوعه وصغراه خارجاً وهذه هي الشبهة الموضوعية ، وأخرى ينشأ من الشك في نفس الحكم وكبراه وهذه هي الشبهة الحكمية وهي تارة تكون بمعنى الشك في بقاء الجعل والتشريع أو انتفائه وهذا هو المسمى بالشك في النسخ ، وأخرى يكون الجعل معلوماً ولكن يشك في سعة المجعول به وضيقه لاحتمال أخذ قيد فيه وهذا هو المصطلح عليه بالشبهة الحكمية في قبال الشك في النسخ.

وهذا النحو من الشبهة الحكمية أعني الشك في سعة الحكم المجعول وضيقه تارة يشك في بقاء الحكم المجعول فيها بلحاظ ظرف مسبوق بفعلية الحكم المجعول قبله كما في مثال الشك في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره وهذا هو الاستصحاب التنجيزي ، وأخرى يشك في فعلية مجعولة في ظرف مسبوق بظرف آخر لو كان يتحقق ما يتحقق في الظرف اللاحق من قيود الحكم فيه لكان فعلياً وهذا هو الاستصحاب التعليقي المبحوث عنه ، وبتعبير آخر قد نحرز كون الحكم منوطاً في مقام جعله بخصوصيتين وهناك خصوصية ثالثة يحتمل دخلها في الحكم أيضاً وفي هذه الحالة يمكن أَن يفترض انَّ إحدى الخصوصيّتين معلومة الثبوت والثانية معلومة الانتفاء واما الثالثة المحتمل دخلها فهي ثابتة وهذا يعني انَّ الحكم ليس فعلياً ولكنه يعلم بثبوته على تقدير تحقق الخصوصية الثانية فالمعلوم هو الحكم المعلق والقضية الشرطية فإذا افترضنا انَّ الخصوصية الثانية وجدت بعد ذلك ولكن بعد ان زالت الخصوصية الثالثة

٢٨٠