بحوث في علم الأصول - ج ٦

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨

النفسانيّ فلا مانع من ان يبرز حكمين طوليين بمبرز واحد (١).

وكل من التعليق والمعلق عليه مما لا يمكن المساعدة عليه.

اما التعليق فلأن قوله ( كل شيء نظيف أو حلال ) تارة يفرض جملة خبرية بمعنى الاخبار عن جعل اخر للطهارة أو الحلية وأخرى يفرض انه بنفسه دليل هذا الجعل فعلى التقدير الأول كما يرتفع الإشكال بناء على مسلكه يرتفع على مسلك صاحب الكفاية أيضا وهو تقدير على خلاف ظاهر الخطاب على كل حال.

وعلى التقدير الثاني فكما يقال بعدم صحة إيجاد إنشاءين طوليين بإيجاد واحد كذلك يقال بعدم صحة إبراز اعتبارين نفسانيين طوليين بإبراز واحد فانه نظير استعمال اللفظ في معنيين.

واما المعلق عليه فلان هذه الطولية لا تمنع عن إمكان جعل الترخيصين الواقعي والظاهري بخطاب واحد ، وذلك :

أولا ـ لأن الحكم الظاهري ليس في طول واقع الحكم الظاهري بل في طول عنوانه لأن منشأ هذه الطولية أخذ الشك في الواقع في موضوع الظاهر ومن الواضح ان أخذ الشك في الحكم الواقعي موضوعا للحكم الظاهري لا يتوقف على فرض وجود الحكم الواقعي بل مجرد لحاظه فلا طولية بين نفس الجعلين.

وثانيا ـ لو فرضت الطولية بينهما فليس كل طوليين لا يمكن وجودهما بإيجاد واحد فالكل والاجزاء بينهما طولية رغم انهما يوجدان بوجود واحد ، نعم لو كان ملاك الطولية العلية والتأثير استحال وجودهما بإيجاد واحد. هذا كله لو كان المنظور إليه عالم الجعل كما هو الظاهر واما إذا كان النّظر إلى عالم المجعول اتجه عليه مضافا إلى ما ذكر :

ان غاية ما يلزم في المقام وحدة الجعلين لا المجعولين فان فعلية المجعول يتبع مرحلة الانحلال وتعدد الموضوع خارجا سواء كانا طوليين أم لا.

البيان الثاني ـ ان الجعل واحد في المقام وهو اما ان يؤخذ في موضوعه الشك أم لا فعلى الأول يكون المستفاد حكما ظاهريا فقط وعلى الثاني يكون واقعيا فحسب فلا يعقل الجمع بينهما.

__________________

(١) مصباح الأصول ، ج ٣ ، ص ٧١

١٠١

وهذا البيان يكون اعتراضا جديدا على فرض كون المناقشة الأولى المتقدمة من ان الإطلاق ليس جمعا للقيود إثباتيا فقط حيث يقال بأنا حتى لو فرضنا الإطلاق جمعا بين القيود إثباتا مع ذلك لا يمكن استفادة الحكمين الواقعي والظاهري من الإطلاق لأن الجعل المنكشف ثبوتا واحد على كل حال وهو اما ان يؤخذ فيه الشك أم لا ولا شق ثالث وعلى كل منهما لا يثبت الا أحد الحكمين لا كلاهما ، واما إذا فرضت تلك المناقشة ثبوتية أيضا كما هو الصحيح ـ فيرجع هذا البيان إلى تلك المناقشة وان الجمع بين القيود بالنحو المطلوب في المقام يؤدي إلى تعدد موضوع الجعل ثبوتا والجمع بين تعدد الموضوع بهذا المعنى ووحدة الجعل والحكم تهافت كما انها لا ترد هذه المناقشة بناء على التطوير المتقدم منا لكلام صاحب الكفاية ( قده ) لأن المأخوذ في الجعل الواحد ان لا يكون الشيء خمرا معلوم النجاسة مثلا فإذا لم يكن خمرا كانت طهارته واقعية لا ترتفع بالشك وان كان خمرا مشكوك النجاسة كانت طهارته ظاهرية (١).

البيان الثالث ـ لزوم التهافت بحسب عالم الجعل واللحاظ لأن جعل الحكم الظاهري يستدعي لحاظ الحكم الواقعي مفروغا عنه ليفرض الشك فيه بينما جعل الحكم الواقعي يستلزم لحاظه غير مفروغ عنه ليوجد بنفس هذا الجعل فلو أريد استفادة الحكمين من دليل جعل واحد لزم التهافت في كيفية لحاظ الحكم الواقعي حيث لا بد من تصوره في لحاظ واحد بنحوين تارة بما هو شيء لإثبات طهارته واقعا وأخرى بما هو مشكوك طهارته الواقعية لإثبات طهارته ظاهرا وهذا تهافت محال.

وهذا البيان انما يرد بناء على تقريب صاحب الكفاية ( قده ) حيث كان يرى شمول الحديث لكل شيء مرتين مرة بعنوان كونه شيئا لإثبات حكمه الواقعي وأخرى

__________________

(١) الإنصاف انه يمكن إرجاع هذا البيان إلى مناقشة جديدة غير ما تقدم وحاصلها : أنه لا يمكن الجمع بين الحكمين الظاهري والواقعي في خطاب واحد حتى إذا افترضنا الإطلاق جمعا بين القيود لأن الخطاب الواحد سواء كان مطلقا أو عاما لا يتكفل الا جعلا واحدا. وحينئذ ان أريد استفادة الحكمين الواقعي والظاهري على أساس ان هناك جعلين مستقلين ثبوتا قد أبرزا بخطاب واحد فهذا خلف ما افترضناه من أن الخطاب الواحد لا يتكفل الا جعلا واحدا وان أريد استفادة ذلك على أساس تصوير جعل واحد جامع بين المطلبين ولو بعنوان طهارة ما لا يكون معلوم النجاسة ـ كما في الصيغة المطورة لكلام صاحب الكفاية ـ ويكون هذا الجعل الواحد في مورد غير الخمر الواقعي طهارة واقعية وفي مورد الخمر الواقعي المشكوك طهارة ظاهرية فمثل هذا الجعل الواحد تكون وحدته في عالم الصياغة والتلفيق فقط والا فروح الحكم في مورده متعدد لتباين روح الحكم الواقعي عن الحكم الظاهري فلا يمكن استفادتهما معا من خطاب واحد عرفا فانه أشبه باستعمال اللفظ الواحد في معنيين بلحاظ مرحلة المدلول الجدي.

١٠٢

بعنوان كونه مشكوكا لإثبات حكمه الظاهري وأما بناء على التقريب المتقدم منا لتطوير كلامه فلا يلزم أي تهافت لأن الجعل مقيد بما لا يكون خمرا معلوم النجاسة وهذا في مورد عدم الخمرية له إطلاق واحد يثبت طهارة واقعية لا غير وفي مورد الخمر المشكوك أيضا له إطلاق واحد يثبت طهارة ظاهرية لا غير وكونها أخذ في موضوعها الشك في الحكم الواقعي لا ينبغي توقفها على جعل ذلك الحكم الواقعي بل على لحاظه وتصوره ولو لم يكن مجعولا أصلا.

المناقشة الرابعة ـ ما أفاده المحقق النائيني ( قده ) من لزوم التهافت بلحاظ الغاية أي قوله ( حتى تعلم انه قذر أو حرام ) فانه بناء على استفادة الجعل الواقعي للطهارة والحلية لا بد وان تحمل الغاية على الطريقية وبناء على استفادة الجعل الظاهري لا بد وان تحمل على الموضوعية لأن عدم العلم مأخوذ في موضوع الحكم الظاهري دائما فاستفادة الحكمين معا يلزم منه الجمع بين اللحاظين المتهافتين في طرف الغاية.

وهذا الاعتراض انما يتجه لو جعلت الغاية راجعة إلى الصدر لا إلى حكم ثالث هو الاستصحاب كما هو مرام صاحب الكفاية في حاشيته على الرسائل ، نعم إرجاعها إلى ذلك لا إلى الحكم المبين في الصدر في نفسه خلاف الظاهر على ما سوف يأتي.

ثم ان هنا مناقشة أخرى قد تثار وهي دعوى لزوم استعمال لفظ طاهر أو حلال في معنيين أحدهما الطهارة الواقعية الحقيقية والأخرى الظاهرية الاعتبارية وهما مختلفان حتى إذا فرضنا الطهارة الواقعية امرا اعتباريا كالحلية الواقعية لأنه يختلف على كل حال عن الحكم الظاهري الّذي هو مجرد تعبد وتنزيل.

الا ان هذا الاعتراض غير متجه لأن المدلول اللفظي للكلمة واحد على كل حال مهما فسرنا واقع المعنى وحقيقته الخارجية فلا يلزم استعمال اللفظ في غير معنى واحد كما لا يخفى.

وهكذا يتضح في الجهة الأولى عدم إمكان استفادة الترخيص الواقعي والظاهري معا من المغيا في هذه الأحاديث.

الجهة الثانية ـ في استفادة الاستصحاب من ذيلها وقد أفاد المحقق الخراسانيّ ( قده ) في وجهه : ان كلمة ( حتى ) تدل على الاستمرار فكأنه قال كل شيء طاهر وطهارته مستمرة إلى العلم بالقذارة وحيث ان الغاية هي العلم فتدل على ان الاستمرار المذكور

١٠٣

تعبدي لا واقعي.

ولنا حول هذا الكلام تعليقات عديدة :

التعليق الأول ـ إنكار أصل دلالة حتى على مفهوم الاستمرار وانما تدل على غائية ما بعدها المستلزمة عقلا للاستمرار وهذا يعني ان الاستمرار يستفاد كلازم عقلي منتزع عما هو مدلول اللفظ وليس مفادا مطابقيا له ليقال بان الشارع قد جعل هذا الاستمرار وارجع إليه القيد فيأتي احتمال إرادة الاستصحاب منه الّذي هو نحو استمرار تعبدي.

التعليق الثاني ـ لو سلمنا دلالة ( حتى ) على الاستمرار لغة كمدلول مطابقي للكلام فلا ينبغي الشك في ان الاستمرار المفاد بها هو الاستمرار بنحو المعنى الحرفي النسبي الناقص لا بنحو المعنى الاسمي الملحوظ استقلالا وهذا ما يمنع عن إمكان إرادة الاستصحاب منه لعدة محاذير ثبوتية :

منها ـ ان الاستمرار الحرفي مدلول غير مستقل وجزء تحليلي ونسبة ناقصة بين الغاية والمغيا فيستحيل إرجاع قيد عدم العلم إليه ليكون بمعنى التعبد بالاستمرار والاستصحاب ما دام لم يعلم لأن رجوع القيد إلى معنى فرع ان يكون ذلك المعنى ملحوظا لحاظا استقلاليا نعم لو كانت النسبة الاستمرارية تامة كالنسبة التامة في طرف الجزاء أمكن تقييدها بالشرط كما في الجملة الشرطية وقد نقحنا ذلك مفصلا في مباحث الألفاظ.

ومنها ـ ان الاستمرار بنحو المعنى الحرفي بعد ان كان نسبة ناقصة تكون لا محالة استمرارا حقيقيا للمغيا وحدا له وهذا يناقض إرادة الاستمرار الاستصحابي لأنه استمرار عنائي وتعبدي للمستصحب وهذا أيضا من نتائج كون الاستمرار المفاد بحتى مدلولا ناقصا آليا.

ومنها ـ ان الاستمرار الاستصحابي العنائي لا بد من أخذ الشك في الحكم الواقعي في موضوعه فيستحيل ان يفاد ذلك بما يدل على جزء تحليلي وحد للحكم الواقعي نفسه فان هذا يحتاج إلى لحاظ مستقل للاستمرار.

التعليق الثالث ـ لو فرضنا استفادة الاستمرار بنحو المعنى الاسمي المستقل من الأداة في المقام كما إذا قال ( كل شيء طاهر طهارة مستمرة إلى ان تعلم بالقذارة ) مع ذلك لا يمكن استفادة الاستصحاب مع الحكم الواقعي منه إذ لو أريد استفادتهما معا

١٠٤

ضمن جعل واحد فهذا فيه المحاذير المتقدمة في استفادة القاعدة والطهارة الواقعية لأن الجعل الاستصحابي مأخوذ في موضوعه الشك في بقاء المستصحب والفراغ عنه فيستحيل ان يكون جعله بنفس جعل المستصحب وإيجاده بل لا بد من وجود جعلين مستقلين ثبوتا ، ولو أريد استفادته ضمن جعلين من دليل واحد كما إذا قال ( كل شيء طاهر وهذه الطهارة مستمرة إلى ان تعلم انه قذر ) فهذا وان كان معقولا في نفسه الا انه يتوقف على ان يتضمن الكلام نسبتين تامتين ويكون هناك حذف في الجملة كما في التعبير المذكور مع انه لا إشكال في ان جملة ( كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر ) لا تشتمل الا على نسبة تامة واحدة لا نسبتين ، وافتراض الحذف المذكور وإرجاع القيد إليه خلاف الظاهر جدا ، وحينئذ اما ان تكون هذه النسبة بإزاء المستصحب أي الطهارة المجعولة لكل شيء أو بإزاء الاستصحاب ، ولا إشكال عرفا ولغة في ان المستفاد منها جعلها بإزاء الطهارة المجعولة لكل شيء وكون الغاية قيدا لها على ما سوف يأتي مزيد شرح لذلك.

لا يقال ـ هذه التعليقات الثلاث انما ترد إذا أريد استفادة الاستصحاب من كلمة ( حتى ) واما إذا أريد استفادته من إطلاق طاهر أو حلال الأحوالي في ( كل شيء طاهر أو حلال ) الشامل لحال الشك في البقاء أو بقرينة الغاية فيكون الإطلاق في غير مورد الشك منتجا لحكم واقعي وفي مورد الشك في البقاء منتجا لحكم استصحابي فلا يرد شيء من الكلمات الثلاث.

فانه يقال ـ بل ترد التعليقات الثلاث على هذا التقريب أيضا لأن الإطلاق ليس مدلولا لفظيا مطابقيا للكلام على ما نقح في محله بل هو مدلول تصديقي يكشف عن عدم أخذ قيد ثبوتا زائدا على ما ذكر إثباتا ولهذا كان الإطلاق رفضا للقيود لا جمعها ولحاظها ، فلا يمكن ان يستفاد من الإطلاق إفادة الاستمرار إثباتا ليرجع القيد إليه كما انه استمرار حقيقي للمستصحب بنحو المعنى الحرفي غير الملحوظ استقلالا فلا يمكن استفادة الاستمرار التعبدي الّذي يحتاج إلى اللحاظ الاستقلالي منه كما انه لا يجدي في إثبات تعدد الجعل الّذي لا يمكن استفادة الاستصحاب الا على أساسه.

ثم انه يرد على صاحب الكفاية في هذا الاتجاه الّذي اختاره في الحاشية ما سوف نورده على اتجاه صاحب الفصول ( قده ) من لزوم إرجاع الغاية قيدا لكل من الاستمرار

١٠٥

الاستصحابي والحكم بالطهارة لكل شيء أي للاستمرار والمستمر معا لكي يمكن استفادة الطهارة الظاهرية من الصدر أيضا وهذا بنفسه محذور اخر سوف يأتي الحديث عنه.

كما ان لازم استفادة الحكم الواقعي والظاهري معا في طرف المغيا إرجاع الاستمرار التعبدي الاستصحابي إليهما معا فكما يجري استصحاب الطهارة الواقعية عند الشك في بقائها يجري استصحاب الطهارة الظاهرية عند الشك في بقائها ، ولكن الشك في بقاء الطهارة الظاهرية لا يتعقل الا بنحو الشك في النسخ أو الشك في وجود حاكم على الطهارة الظاهرية بنحو الشبهة الحكمية ـ كما لو شك في حجية مطلق الظن بالنجاسة وافترض ان الثابت الطهارة الظاهرية بنحو القضية المهملة ـ أو بنحو الشبهة الموضوعية كما لو شك في قيام خبر الثقة على ذلك ، وكل الصور الثلاثة لا يناسب إرادة شيء منها في المقام.

اما الشك في نسخ الطهارة الظاهرية فلان الغاية لها عندئذ ليس هو العلم بالقذارة بل بالنسخ واما الشك في جعل حكم ظاهري على خلافها بنحو الشبهة الحكمية فائضا يكون المناسب حينئذ جعل العلم بالنجاسة الظاهرة التعبدية أي بالحجة على النجاسة غاية لا العلم بالنجاسة الواقعية على ان المغيا بنفسه بصدد بيان الحكم الظاهري بالطهارة أو الحلية فلا يناسب ان يبين حكم الشك في حدودها بنحو الشبهة الحكمية.

واما الشك في قيام أمارة بنحو الشبهة الموضوعية فمضافا إلى لزوم جعل الغاية العلم بقيام الحجة على القذارة ، ان هذا بنفسه يستبطن افتراض وجود قيد للطهارة الظاهرية ترتفع به وهو خلاف إطلاق المغيا في إثبات الطهارة الظاهرية وعدم كونها مهملة من هذه الناحية.

وعندئذ يقال : لو أريد إرجاع الاستمرار الاستصحابي إلى الطهارة الواقعية المستفادة من المغيا فقط كان خلاف الظاهر إذ معناه رجوع الغاية إلى جزء مدلول المغيا وان أريد إرجاعه إلى الطهارة الظاهرية المستفادة منه أيضا ، فقد عرفت انه لا توجد صورة مناسبة للشك في بقاء الطهارة الظاهرية يمكن ان يكون العلم بالقذارة غاية لها وان أريد إرجاعه إلى الجامع بين الطهارتين وان كلي الطهارة ثابتة مستمرة

١٠٦

عند الشك حتى يعلم بالقذارة بدعوى ان عمر الجامع الاستصحابي أطول لا محالة فحتى مع العلم بارتفاع الطهارة الظاهرية يبقى مجال لاستصحاب الطهارة الواقعية ما لم يعلم بالنجاسة ، فهذا مضافا إلى عدم جدواه في مورد احتمال النجاسة من أول الأمر ، خلاف الظاهر أيضا فان ظاهر الغاية رجوعها إلى تمام المغيا لا صرف الوجود منه ، وان أريد إرجاع الغاية وهي العلم بالنجاسة إلى الطهارة الواقعية لإفادة الاستمرار الحقيقي وبيان حد الطهارة الظاهرية وانها لا ترتفع الا بالعلم بالنجاسة ، فهذا أيضا خلاف الظاهر إذ يشبه استعمال اللفظ في معنيين لأن الاستمرار العنائي غير الاستمرار الحقيقي (١).

وهكذا يظهر ان الاتجاه الأول والّذي كان يهدف استفادة الطهارة أو الحلية الواقعية والظاهرية والاستصحاب من هذه الأدلة غير تام.

واما الاتجاه الثاني الّذي كان يهدف استفادة امرين من الأمور الثلاثة المتقدمة في الاتجاه السابق ففيه قولان :

أحدهما ـ للمحقق الخراسانيّ ( قده ) في الكفاية وهو دعوى استفادة الحكم الواقعي والاستصحاب.

والاخر ـ استفادة الحكم الظاهري والاستصحاب وقد نسبه الشيخ ( قده ) إلى صاحب الفصول.

اما القول الأول فقد اتضحت نكاته ووجه الاستدلال فيه عند البحث عن الاتجاه الأول حيث عرفت ان استفادة الاستصحاب من الذيل بحاجة إلى افتراض دلالة ( حتى ) أو الإطلاق في المغيا بلحاظ الغاية أو فرض تقدير وحذف في الجملة على إرادة الاستمرار الاستصحابي ، وكل هذه الوجوه غير تامة كما لا يساعد عليه مقام الإثبات.

واما القول الثاني المنسوب إلى صاحب الفصول فيرد عليه : مضافا إلى ما تقدم من محاذير الجمع بين جعلين في خطاب واحد ونسبة تامة واحدة وعدم معقولية الشك في

__________________

(١) ظهور الغاية في الرجوع إلى تمام المغيا لا جزؤه انما يصح إذا كانت النسبة التامة في الجملة واحدة واما بناء على افتراض تعددها واستفادة جعلين فلا موضوع لأصل هذا الإشكال بل يكون الجعل الثاني حينئذ ان الطهارة ـ سواء كانت واقعية أم ظاهرية ـ كلما تحقق الشك في بقائها فهي مستمرة وهي قضية مستقلة مجعولة على نهج القضية الحقيقية الشرطية.

١٠٧

بقاء الحكم الظاهري بنحو يكون العلم بالقذارة غاية له. ان الغاية وهي عدم العلم بالقذارة لا بد من إرجاعها على هذا القول تارة كحد مأخوذ في موضوع المغيا ليدل على الحكم الظاهري فيكون الاستمرار له حقيقيا ، وأخرى إلى نفس الاستصحاب عند الشك في بقاء ذلك الحكم الظاهري وهذا بنفسه يتضمن محذورا جديدا زائدا على ما تقدم ، إذ مضافا إلى انه أشبه باستعمال اللفظ في معنيين مختلفين للتباين بين الاستمرارين يلزم التهافت في اللحاظ ، لأن الغاية لا بد من إرجاعها مرة إلى المغيا لاستفادة الحكم الظاهري منه ، ومرة أخرى وفي طول ذلك لاستفادة الاستمرار الاستصحابي عند الشك في بقاء ذلك الحكم الظاهري.

نعم لو أريد استفادة الاستمرار الاستصحابي من إطلاق الحكم بالطهارة أو الحلية لمرحلة الشك في البقاء مع افتراض رجوع الغاية إلى موضوع الحكم الظاهري المستفاد من المغيا لم يرد هذا المحذور الا انه في نفسه تقريب غير صحيح كما تقدم وجهه.

واما الاتجاه الثالث والصحيح الّذي كان يهدف استفادة مطلب واحد من هذه الروايات ففيه أقوال ثلاثة :

القول الأول ـ استفادة الطهارة الواقعية وحدها من قوله ( كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر ) وقد ذهب إلى ذلك صاحب الحدائق ( قده ) (١) وقد يقرب هذا المدعى بأن التقابل في الحديث بين كلمتي نظيف وقذر يقتضي إرادة معنى واحد منهما وحيث انه لا إشكال في إرادة القذارة الواقعية من الذيل فيراد بكلمة نظيف النظيف الواقعي أيضا.

ويلاحظ على هذا القول : إن فرض العلم بالقذارة طريقيا بان كانت الغاية نفس القذارة فهذا مضافا إلى كونه خلاف الظاهر الأولى في الموارد التي يمكن ان يكون اليقين والشك مأخوذا فيها على نحو الموضوعية كما في المقام ، غير معقول ثبوتا ولغو عرفا لأن معناه أخذ عدم أحد الضدين أو النقيضين في موضوع الاخر اللهم الا مع تأويلات وتكلفات غير عرفية.

وان فرض العلم بالقذارة موضوعا في الحكم بالطهارة الواقعية فهو غير معقول ثبوتا وغير عرفي إثباتا.

__________________

(١) الحدائق الناظرة ، ج ١ ، ص ١٣٦

١٠٨

اما وجه عدم معقوليته فباعتبار لزوم أخذ العلم بالنجاسة في موضوعها وهو محال ، اما إذا قلنا بان النجاسة امر تكويني كشف عنه الشارع فواضح ، واما على القول بكونها مجعولا اعتباريا فلاستحالة أخذ العلم بالحكم بمعنى المجعول في موضوع نفسه على ما حقق في محله ، نعم أخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول معقول في نفسه كما حققناه ولكنه خلاف ظاهر الدليل فان ظاهره أخذ العلم بالقذارة المجعولة غاية للحكم بالطهارة لا أخذ العلم بجعل النجاسة وتشريعها ، واما وجه عدم العرفية فلان المرتكز لدى العرف ان النجاسة والطهارة الواقعيتين امران مطلقان لا يختلفان من شخص إلى آخر ـ كما في الأحكام الظاهرية ـ وأخذ بالعلم بالقذارة موضوعا للطهارة الواقعية يجعلها كذلك وهو غير عرفي في الأحكام الواقعية.

القول الثاني ـ استفادة الاستصحاب وحده ، وقد احتمله الشيخ في مثل الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر ، وهذا يستلزم ان يفرض طهارة الشيء في نفسه مفروغا عنها ويراد الحكم ببقائها واستمرارها عند الشك.

وفيه : انه خلاف الظاهر لوضوح ان قوله ( كل شيء نظيف ) بل وهكذا ( الماء كله طاهر ) قد جعل فيه الحكم بالطهارة محمولا وطرفا للنسبة التامة فيراد جعله بنفس هذا الجعل لا انه فرض مفروغا عنها ليجعل استمرارها.

هذا مضافا إلى ان النّظر لو كان إلى جعل الاستمرار التعبدي عند الشك في البقاء كان ينبغي افتراض الشك في ذلك مع اليقين بالحالة السابقة أو الإشارة إلى الفراغ عن ثبوتها لدى المكلف للإحالة عليه وجعله مرجعا عند الشك ، وكل ذلك لا عين له ولا أثر في لسان الحديث ، بل ظاهره كفاية نفس الشك وعدم العلم بالقذارة في الحكم بالطهارة كما صرح بذلك في ذيل الحديث ( فإذا علمت انه قذر فليس عليك شيء ) فحمل الحديث على الاستصحاب بعيد غاية البعد.

القول الثالث ـ استفادة قاعدة الطهارة والحلية الظاهريتين فقط. وهذا هو الصحيح سواء جعلنا الغاية ( حتى تعلم ) قيدا للموضوع أو للمحمول بان يكون المجعول هو الطهارة أو الحلية المغياة بذلك ، فانه بعد ما اتضح بطلان الأقوال والاحتمالات السابقة يتعين هذا القول في مفاد هذه الروايات. بل وتدل عليه ما ورد في ذيلها ( فإذا علمت أنه قذر فليس عليك شيء ) و ( حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه ) فان هذه

١٠٩

الجمل كالصريحة في الدلالة على ان النّظر إلى بيان الوظيفة العملية عند الشك وتردد الحكم الواقعي فيكون المستفاد منها القاعدة الظاهرية (١). ولو فرض إجمال الحديث وعدم وضوح دلالتها على الحكم الظاهري أمكننا ان نعين ذلك بضم إطلاق أدلة الأحكام الواقعية الّذي يقتضي انحفاظها حال الشك فينتج بالملازمة ان الحكم المفاد بهذه الروايات طهارة وحلية ظاهريتين لا واقعيتين.

وبهذا ينتهي استعراض الأدلة المتنوعة على الاستصحاب وقد ظهر تمامية الدليل على حجيته كبرويا.

__________________

(١) هذا في مثل كل شيء نظيف أو حلال واضح لا غبار عليه واما قوله ( الماء كله طاهر ) فحيث أسند فيه الحكم إلى الماء الّذي هو عنوان واقعي خاص فقد يقال بظهور صدره في بيان الحكم الواقعي لطهارة الماء لا الظاهري لأن الطهارة الظاهرية موضوعها الشيء المشكوك لا الماء بالخصوص فظهور الصدر في موضوعية الماء بعنوانه في الحكم بالطهارة المستلزم لكون الطهارة المجعولة فيه واقعية لا ظاهرية لا وجه لرفع اليد عنها ولعله لهذا اختار الشيخ دلالته على الاستصحاب بحمل الصدر على الإشارة إلى الطهارة الواقعية للماء والفراغ عنها وبذيلها على التعبد باستمرار الطهارة حتى العلم بالقذارة.

هذا ولكن الصحيح عدم تمامية هذا الاستظهار أيضا لأن من المحتمل ان المراد جعل طهارة ظاهرية في خصوص باب المياه لأهمية المصالح الترخيصية فيها بالخصوص وأولويتها على المصالح الإلزامية وهذا الحكم الظاهري بالطهارة يكون الماء بخصوصية موضوعا له وبهذا يحافظ على ظهور أخذ العنوان في الموضوعية وظهور الذيل المغيا بالعلم في ان المجعول هو الطهارة الظاهرية لا الواقعية.

على أنه لو سلم ما ذكر فالنتيجة نفس النتيجة أيضا لأن الصدر لا بد وان يكون مجرد إشارة إلى الطهارة الواقعية المفروغ عنها ولا يمكن أن يكون بصدد جعلها للزوم محذور الجمع بين الجعلين الطوليين كما تقدم فما يكون بصدد جعله هو الطهارة المغياة بالعلم بالقذارة وهي الطهارة الظاهرية واما الاستصحاب والاستمرار فلا دال عليه في هذه الألسنة فلا وجه لاستفادته منها.

١١٠

أركان الاستصحاب :

يستفاد من كلامهم عادة ان للاستصحاب أربعة أركان هي اليقين بالحدوث ، والشك في البقاء ، ووحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، وكون الحالة السابقة في مرحلة البقاء ذات أثر عملي مصحح للتعبد بها. وينبغي تمحيص حال هذه الأركان.

اما بالنسبة إلى اليقين بالحدوث فالمشهور ركنيته في قاعدة الاستصحاب ومعنى ذلك ان المجرد ثبوت الحالة السابقة لا يكفي لجريان الاستصحاب وانما يجري الاستصحاب إذا كانت الحالة السابقة متيقنة ، ووجه ركنية هذا الركن أخذ اليقين في ألسنة الروايات الظاهر في موضوعيته للتعبد الاستصحابي لا طريقيته.

وهذا الكلام لئن كان صحيحا بالنسبة إلى صحاح زرارة المتقدمة فهو غير تام بالنسبة إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة كما أشرنا إلى ذلك آنفا ، لأن التعبد الاستصحابي بناء على استفادته منها قد جعل موضوعه نفس الحالة السابقة حيث قال الإمام عليه‌السلام فيها ( لأنك أعرته إياه وهو طاهر ) وظاهره ركنية ذات المتيقن لا اليقين ، وحينئذ تصلح لأن تكون قرينة على حمل اليقين في سائر الروايات على الطريقية الّذي هو أمر عرفي أيضا في نفسه لأن اليقين والعلم والظن من العناوين التي تصلح في نفسها لأخذها على نحو الطريقية وان كان في باب الأحكام الظاهرية يصلح أخذها على نحو الموضوعية أيضا. وقد ذكرنا ان من آثار أخذ المتيقن موضوعا لا اليقين جريان الاستصحاب في موارد ثبوت الحالة السابقة بالأمارة وسوف يأتي تفصيل البحث عن

١١١

ذلك في موضعه.

واما الركن الثاني وهو الشك في البقاء فيمكن ان يستند في ركنيته إلى أحد وجهين :

١ ـ ان الاستصحاب حكم ظاهري وهو متقوم بالشك فان فرض الشك في الحدوث كان موردا لقاعدة اليقين فلا بد وان يفرض الشك في البقاء لا محالة.

٢ ـ استظهار ذلك من ألسنة الروايات المتقدمة.

هذا ، والتحقيق ، ان بين المستندين فرقا من ناحية ان الوجه الأول لا يقتضي أكثر من ركنية الشك بنحو لا يكون ساريا إلى اليقين سواء كان شكا في البقاء أم لا ، وهذا بخلاف الوجه الثاني فانه يثبت لزوم كون الشك في البقاء ، ويترتب على ذلك ثمرتان :

إحداهما ـ ان الاستصحاب لا يجري في الفرد المردد كما إذا علمنا بوجود زيد أو عمر في المسجد ونشك في بقائه من جهة انا رأينا زيدا خارج المسجد بالفعل فانه هنا تارة يكون الأثر مترتبا على وجود طبيعي الإنسان في المسجد فيجري استصحاب الكلي وهو من القسم الثاني ويترتب عليه الأثر ، وأخرى يفرض ان الأثر مرتب على الافراد بما هي افراد لا الجامع فقد وقع البحث في إمكان إجراء استصحاب واقع ذاك الفرد الّذي علم إجمالا دخوله إلى المسجد حيث انه بهذا العنوان الإجمالي يحتمل بقاؤه فيه وهذا هو المراد باستصحاب الفرد المردد ، والصحيح عدم جريانه لانثلام هذا الركن فيه لأننا حينما نلحظ الافراد بعناوينها التفصيلية لا نجد شكا في البقاء على كل تقدير إذ لا يحتمل بقاء زيد بحسب الفرض ، وإذا لاحظناها بعنوان إجمالي كالإنسان أو أي عنوان إجمالي آخر فالشك في البقاء محفوظ فيه الا ان المفروض عدم ترتب الأثر على هذا العنوان الإجمالي فالركن الرابع غير متوفر ، وسوف يأتي مزيد توضيح لذلك في بحوث قادمة ، والّذي نريد توضيحه هنا : ان عدم جريان استصحاب الفرد المردد انما هو من نتائج ركنية الشك في البقاء بالوجه الثاني أي استنادا إلى ظهور الدليل ولا يكفي فيه الوجه الأول إذ لا يأبى العقل عن تعبد الشارع ببقاء الفرد الواقعي مع احتمال قطعنا بخروجه فمجال جعل الحكم الظاهري محفوظ فيه.

الثانية ـ ان زمان المتيقن قد لا يكون متصلا بزمان المشكوك وسابقا عليه بل يكون

١١٢

مرددا بين ان يكون نفس زمان المشكوك أو الزمان الّذي قبله كما إذا حصل العلم إجمالا بأن هذا الثوب اما تنجس الآن أو كان قد تنجس قبل ساعة وطهر ، فالنجاسة معلومة التحقق في هذا الثوب أساسا ولكنها مشكوكة فعلا وزمان المشكوك اللحظة الحاضرة وزمان النجاسة المتيقنة لعله نفس زمان المشكوك ولعله قبله فلا يكون زمان المتيقن متصلا بزمان المشكوك وسابقا عليه على كل تقدير ، وفي مثل ذلك قد يستشكل في جريان الاستصحاب لأن من المحتمل وحدة زماني المشكوك والمتيقن وعلى هذا التقدير لا يكون أحدهما بقاء للآخر فلا يحرز كون الشك فيه شكا في البقاء وبذلك يختل هذا الركن من أركان الاستصحاب فلا يجري الاستصحاب في كل الحالات التي يكون زمان المتيقن فيها مرددا بين زمان المشكوك وما قبله ، وهذا أيضا من نتائج أخذ الشك في البقاء في الاستصحاب بالوجه الثاني لا الأول.

ولكن الصحيح ان الشك في البقاء لو كان مأخوذا بهذا العنوان صريحا في ألسنة الروايات صح ما ذكر ولكنه ليس مأخوذا كذلك وانما يستفاد ذلك من أخذ الشك بعد اليقين فيها وهو يلائم كل شك متعلق بما يفرغ عن كونه متيقنا سواء صدق عليه الشك في البقاء بعنوانه أم لا. وبهذا البيان سوف يظهر جريان الاستصحاب في موارد توارد الحالتين في نفسه غاية الأمر سقوطه بالتعارض وسيأتي الحديث عنه مفصلا.

ثم انه قد يصاغ الركن الثاني بصياغة أخرى فيقال : ان الاستصحاب متقوم بان يكون رفع اليد عن الحالة السابقة نقضا لليقين بالشك ، ويفرع على ذلك بأنه متى ما لم يحرز ذلك واحتمل كونه نقضا لليقين باليقين فلا يشمله النهي في عموم دليل الاستصحاب ، وقد مثل ذلك بما إذا علم بطهارة الإناءين ثم علم بنجاسة أحدهما فان المعلوم بالعلم الإجمالي لما كان مرددا بين تلك الأشياء فكل واحد منهما يحتمل ان يكون معلوم النجاسة وبالتالي يحتمل ان يكون رفع اليد عن الحالة السابقة فيه نقضا لليقين باليقين فلا يجري الاستصحاب في نفسه بقطع النّظر عن المعارضة.

ونلاحظ على ذلك أولا ـ ما تقدم مرارا من ان العلم الإجمالي لا يتعلق بالواقع بل بالجامع فلا يحتمل ان يكون أي واحد منهما معلوم النجاسة.

وثانيا ـ لو سلمنا ان العلم الإجمالي يتعلق بالواقع فهو يتعلق به على نحو يلائم مع

١١٣

الشك فيه ويجتمع معه ودليل الاستصحاب مفاده انه لا يرفع اليد عن الحالة السابقة في كل مورد يكون بقاؤها فيه مشكوكا وهذا يشمل محل الكلام حتى لو انطبق العلم الإجمالي بالنجاسة على نفس المورد أيضا.

فان قيل : بل لا يشمل لأننا حينئذ لا ننقض اليقين بالشك بل باليقين.

كان الجواب : ان الباء هنا لا يراد بها النهي عن النقض لسبب الشك والا للزم إمكان النقض بالقرعة أو الاستخارة بل يراد بذلك انه لا نقض في حالة الشك وهي محفوظة في المقام.

واما الركن الثالث وهو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة فالوجه فيه انه مع تغاير القضيتين لا يكون الشك شكا في البقاء بل في حدوث قضية جديدة ، الا ان هذا بحسب الحقيقة ليس ركنا جديدا مضافا إلى الركن السابق بل هو مستنبط منه وتعبير اخر عنه. وقد طبق هذا الركن على الاستصحاب في كل من الشبهات الموضوعية والحكمية وواجه في كل من المجالين بعض المشاكل والصعوبات كما نرى فيما يلي.

أولا ـ تطبيقه في الشبهات الموضوعية.

جاء في إفادات الشيخ الأنصاري ( قدس الله روحه ) التعبير عن هذا الركن بالصياغة التالية : انه يعتبر في جريان الاستصحاب إحراز بقاء الموضوع إذ مع تبدل الموضوع لا يكون الشك شكا في البقاء فلا يمكنك مثلا ان تستصحب نجاسة الخشب بعد استحالته وصيرورته رمادا لأن موضوع النجاسة المتيقنة لم يبق ، وهذه الصياغة سببت الإشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان المشكوك أصل وجود الشيء بقاء لأن موضوع الوجود الماهية ولا بقاء للماهية الا بالوجود فمع الشك في وجودها بقاء لا يمكن إحراز بقاء الموضوع فكيف يجري الاستصحاب؟

وكذلك سببت الاستشكال أحيانا فيما إذا كان المشكوك من الصفات والمحمولات الثانوية المتأخرة عن وجود الشيء كعدالة زيد ، وذلك لأن زيدا العادل تارة يشك في بقاء عدالته مع العلم ببقائه حيا ففي مثل ذلك يجري استصحاب العدالة بلا إشكال لأن موضوعها وهو حياة زيد معلوم البقاء ، وأخرى يشك في بقاء زيد حيا ويشك أيضا في بقاء عدالته على تقدير حياته وفي مثل ذلك كيف يجري استصحاب

١١٤

بقاء العدالة مع ان موضوعها غير محرز؟

وهذه الاستشكالات نشأت من الصياغة المذكورة وهي لا مبرر لها ومن هنا عدل صاحب الكفاية عنها إلى القول بان المعتبر في الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة وهي محفوظة في موارد الإشكال الآنفة الذّكر ، واما افتراض المستصحب عرضا وافتراض موضوع له واشتراط إحراز بقائه فلا موجب لذلك ، وما ورد في تعبيرات الشيخ ( قده ) من استحالة قيام العرض في الخارج بلا موضوع ، واضح الجواب فان الاستصحاب ليس الا تعبدا ببقاء المستصحب حتى إذا كان عرضا حقيقيا فضلا عما إذا كان امرا اعتباريا ولا يشترط في هذا التعبد عدى ترتب الأثر على المتعبد به بقاء فإذا فرض ترتبه على ثبوت قضية ( زيد عادل ) المتيقنة سابقا أمكن التعبد الاستصحابي ببقائه سواء كان تمام الموضوع في ثبوت هذا الأثر عدالة زيد أي وجود تلك العدالة أو كان الموضوع مركبا من وجود زيد وعدالته ، فالميزان على كل حال وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة المبرر لصدق نقض اليقين بالشك.

وثانيا ـ تطبيقه في الشبهات الحكمية.

وعند تطبيق هذا الركن على الاستصحاب في الشبهات الحكمية نشأت بعض المشاكل أيضا إذ لوحظ انا حين نأخذ بالصياغة الثانية له التي اختارها صاحب الكفاية ( قده ) نجد ان وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة لا يمكن افتراضها في الشبهة الحكمية الا في حالات الشك في النسخ بمعنى إلغاء الجعل ـ أي النسخ بمعناه الحقيقي ـ واما حيث لا يحتمل النسخ فلا يمكن ان ينشأ شك في نفس القضية المتيقنة وانما يشك في بقاء حكمها حينئذ إذا تغيرت بعض القيود والخصوصيات المأخوذة فيها وذلك بأحد وجهين : اما بان تكون خصوصية ما دخيلة يقينا في حدوث الحكم ويشك في إناطة بقائه ببقائها فترتفع الخصوصية ويشك حينئذ في بقاء الحكم كالشك في نجاسة الماء بعد زوال تغيره ، واما بان تكون خصوصية ما مشكوكة الدخل من أول الأمر في ثبوت الحكم فيفرض وجودها في القضية المتيقنة إذ لا يقين بالحكم بدونها ثم ترتفع فيحصل الشك في بقاء الحكم ، وفي كل من هذين الوجهين لا وحدة بين القضية المشكوكة والمتيقنة.

١١٥

كما أنا حين نأخذ بالصياغة الأولى لهذا الركن نلاحظ ان موضوع الحكم عبارة عن مجموع ما أخذ مفروض الوجود في مقام جعله والموضوع بهذا المعنى غير محرز البقاء في الشبهات الحكمية لأن الشك في بقاء الحكم ينشأ من الشك في انحفاظ تمام الخصوصيات المفروضة الوجود في مقام جعله والا لم يقع شك في الحكم.

وللإجابة عن هذه الشبهة طريقان :

الطريق الأول ـ ان يقال بان اشتراط بقاء الموضوع أو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ليس معناه إحراز ان المشكوك على تقدير وجوده في الواقع عين المتيقن على كل حال ليقال بان النجاسة وانما تكون بقاء لو كان موضوعها الماء المتغير فثبوتها بعد زوال التغير لا يكون بقاء لتلك النجاسة وانما تكون بقاء لو كان موضوعها الماء الّذي حدث فيه التغير ولو آنا ما ، اذن فلا يكون المستصحب بقاء للمتيقن على كل حال ، وانما معناه شرطية احتمال بقاء المتيقن فكلما احتملنا بقاء نفس المتيقن صدق حرمة نقض اليقين بالشك ، ومن الواضح اننا في الشبهات الحكمية نحتمل بقاء المتيقن لاحتمال كون الخصوصية بحدوثها دخيلة لا ببقائها فيكون الحكم بشخصه باقيا.

بل لو اشترط إحراز كون المشكوك بقاء للمتيقن على كل تقدير ـ أي المعنى الأول للبقاء ـ لزم عدم جريان الاستصحاب حتى فيما يسميه الأصحاب بتبدل الحيثيات التعليلية ـ على ما سوف يأتي شرحها ـ لأن هذه الحيثية التعليلية على تقدير دخلها حتى بقاء في الحكم يكون جعل النجاسة بعد زوال التغير لا محالة جعلا اخر غير جعلها للمتغير فيتعدد الحكم ومع تعدده لا يمكن فرض وحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة حتى بالمسامحة العرفية.

فالحاصل : الصحيح كفاية احتمال بقاء المتيقن في صدق حرمة نقض اليقين بالشك وهذا حاصل في المقام بل على هذا الوضوء يعرف ان مقتضى القاعدة جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية حتى إذا كانت الحيثية تقييدية بحسب المصطلح الّذي سوف يأتي شرحه لأن تلك الحيثية التقييدية انما يحتمل دخالتها في الحكم ولا يقطع بذلك وهو يساوق دائما مع احتمال عدم دخالتها وبقاء شخص الحكم حقيقة ودقة فلا بد وان يجري الاستصحاب ، وهذا يعني اننا لا بد ان نسير على عكس ما صنعه الأصحاب فنفتش عن وجه للمنع عن جريان الاستصحاب في موارد الحيثيات

١١٦

التقييدية المحتمل دخالتها في الحكم.

لا يقال ـ ان الاستصحاب موضوعه الشك في البقاء ومحمولة التعبد بالبقاء بنحو مفاد كان التامة بعد الفراغ عن كونه بقاء بنحو مفاد كان الناقصة فما يكون بقاء يعبدنا دليل الاستصحاب بثبوته فلا بد وان يحرز ان المتعبد به على تقدير ثبوته بقاء للمتيقن على كل تقدير لكي يشمله دليل الاستصحاب ومع الشك فيه تكون الشبهة مصداقية له فلا يمكن التمسك به.

فانه يقال : التعبد ببقاء المتيقن بنحو مفاد كان التامة يتوقف على صدق القضية الشرطية في مفاد كان الناقصة أي لو كان المتيقن موجودا كان بقاء لا القضية الفعلية وهذه القضية الشرطية لمفاد كان الناقصة صادقة في المقام أيضا فان شخص الحكم المتيقن لو كان موجودا في الآن الثاني كان بقاء لا محالة وانما الشك في معقولية بقائه أي إمكان بقائه واستحالته فانه إذا كان ثابتا للمتصف بتلك الخصوصية حدوثا وبقاء استحال بقاء شخصه ومن الواضح ان احتمال استحالة البقاء لا ينافي التعبد به (١).

الطريق الثاني ـ انه هذا الإشكال ينشأ من الخلط بين عالم الجعل والمجعول أي لحاظ الحكم بالحمل الشائع ولحاظه بالحمل الأولي ونوضح هذا المطلب من خلال مقدمتين :

الأولى ـ اننا لو لاحظنا عالم المفاهيم فمفهوم الماء والماء المتغير والماء الفاقد للتغير مفاهيم ثلاثة متباينة ليس شيء منها بقاء وامتداد للآخر ، واما إذا لاحظنا عالم المصاديق والوجودات الخارجية فمصداق الماء والماء المتغير متحدان كما ان الماء الفاقد للتغير امتداد وبقاء للماء المتغير ، والميزان في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية ـ على ما سوف يأتي في محله مفصلا ـ ملاحظة الحكم بالحمل الأولي أي بما هو صفة

__________________

(١) الإنصاف ان هذا الطريق للجواب غير كاف لأنه لو أريد استصحاب الحكم الثابت سابقا كحكم شخصي ثابت لذات الموضوع فهو غير صحيح إذ لا يحرز ان موضوعه ذات الشيء لا الشيء المتصف بالخصوصية فليست القضية المتيقنة والمشكوكة واحدة وان أريد استصحاب جامع الحكم فهذا مضافا إلى كونه من استصحاب كلي الحكم المردد بين الفرد القصير والطويل وهو غير منجز في الأحكام التكليفية أكثر إشكالا من استصحاب الكلي من القسم الثاني لأن التردد بحسب الحقيقة فيما هو معروض الحكم كالنجاسة مثلا فلا يمكن ان يشار إلى هذا الماء ويقال ان كلي النجاسة كان ثابتا له لأن موضوعها لو كان هو المتغير بما هو متغير وكانت الحيثية تقييدية لم تكن النجاسة ثابتة لنفس الماء الّذي زال عنه تغيره.

١١٧

وعرض لموضوعه الخارجي لا بما هو مفهوم وجعل بالحمل الشائع والا لم يجر الاستصحاب في الشبهة الحكمية رأسا.

الثانية ـ كما ان الاعراض الخارجية كالحرارة مثلا لها معروض هو الجسم وعلة هي النار أو الشمس وهي تتعدد بتعدد الجسم المعروض لها فحرارة الخشب غير حرارة الماء ولا تتعدد بتعدد الأسباب والحيثيات التعليلية فحرارة الماء سواء كانت بالنار حدوثا وبالشمس بقاء أو بغير ذلك فهي حرارة واحدة لها حدوث وبقاء ، كذلك الأحكام الشرعية كالنجاسة مثلا فان لها معروض وهو الماء وعلة هي التغير وتعددها يكون بتعدد معروضها لا تعدد الحيثيات التعليلية ، وهذا يعني ان الخصوصية التي سبب زوالها الشك في بقاء الحكم إذا كانت على فرض دخالتها بمثابة العلة والشرط فلا يضر زوالها بوحدة الحكم ولا تستوجب دخالتها كحيثية تعليلية مباينة الحكم بقاء للحكم حدوثا ، واما إذا كانت الخصوصية الزائلة مقومة لمعروض الحكم كخصوصية البولية الزائلة عند تحول البول بخارا فهي توجب التغاير بين الحكم المذكور والحكم الثابت بعد زوالها.

وهكذا نستنتج على ضوء المقدمتين انه كلما كانت الخصوصية غير المحفوظة في الموضوع أو في القضية المتيقنة حيثية تعليلية فلا ينافي ذلك وحدة الحكم حدوثا وبقاء ومعه يجري الاستصحاب ، وكلما كانت الخصوصية مقومة للمعروض كان انتفاؤها موجبا لتعذر جريان الاستصحاب لأن المشكوك حينئذ مباين للمتيقن.

ان قلت : ان مصداق الماء الّذي هو موضوع للنجاسة الخارجية وان لم يتبدل الا ان حكمه وهو النجاسة يحتمل تبدله بقاء كما إذا كانت النجاسة السابقة مجعولة للماء المتغير بالفعل فتكون النجاسة بعد زوال تغير الماء جعلا آخر وتعدد الجعل يوجب تعدد الحكم لا محالة.

قلنا : مع فرض كون النّظر إلى عالم المجعولة الخارجي وبالحمل الأولي فسوف تكون النجاسة الخارجية موضوعها ذات الماء المتغير المحفوظة بقاء أيضا وتكون كل الحيثيات التقييدية للجعل تعليلية للمجعول فالنجاسة السابقة ولو فرضت بجعل اخر تكون من قبيل حرارة الماء بالنار وحرارته بالشمس بقاء لشخص النجاسة السابقة فيجري

١١٨

الاستصحاب فيها (١).

ثم انه يبقى السؤال عن كيفية التمييز بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية المقومة لمعروض الحكم وان المعيار في ذلك النّظر العقلي أو العرفي أو بحسب ما يستفاد من الدليل الشرعي.

فقد يقال : بان مرجع ذلك هو الدليل الشرعي لأن أخذ الحيثية في الحكم وكيفية هذا الأخذ تحت سلطان الشارع فالدليل الشرعي هو الكاشف عن ذلك فإذا وورد بلسان ( الماء إذا تغير تنجس ) فمنها ان التغير اتخذ حيثية تعليلية وإذا ورد بلسان ( الماء المتغير متنجس ) فهمنا ان التغير حيثية تقييدية وعلى وزان ذلك ( قلد العالم ) أو ( قلده ان كان عالما ) وهكذا.

والصحيح : ان أخذ الحيثية في الحكم وكذلك كيفية أخذها انما يكون بيد الشارع في عالم الجعل إذ في عالم الجعل يستحضر المولى مفاهيم معينة كمفهوم الماء والتغير والنجاسة فبإمكانه ان يجعل التغير قيدا للماء وبإمكانه ان يجعله شرطا في ثبوت النجاسة تبعا لكيفية تنظيمه لهذه المفاهيم في عالم الجعل غير ان استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية لا يجري بلحاظ عالم الجعل بل بلحاظ عالم المجعول فينظر إلى الحكم بما هو صفة للأمر الخارجي لكي يكون له حدوث وبقاء كما تقدم ، وعليه فالمعروض محدد واقعا وما هو داخل فيه وما هو خارج عنه لا يتبع في دخوله وخروجه كيفية أخذه في عالم الجعل بل مدى قابليته للاتصاف بالحكم خارجا فالتغير مثلا لا يتصف بالنجاسة والقذارة في الخارج بل الّذي يوصف بذلك ذات الماء والتغير سبب الاتصاف بينما التقليد وأخذ الفتوى يكون

__________________

(١) يلزم من ذلك جريان الاستصحاب حتى إذا علم بدخالة الحيثية الزائلة في الحكم ولكن احتمل ثبوت حكم آخر من سنخه من حين زوال الحكم الأول مع انه لا إشكال في عدم جريانه وكونه من القسم الثالث للكلي حيث يقال بأن النجاسة التي كانت ثابتة باعتبار التغير قد زالت قطعا واحتمال نجاسة أخرى مجعولة من حين زوال التغير منفي بالأصل.

مع انه يرد هنا نفس البيان المصحح لجريان الاستصحاب الشخصي فان النجاسة المجعولة كعرض خارجي لذات الماء واحدة حدوثا وبقاء وتعدد الجعل تعدد في العلة وهو لا يوجب تعدد المستصحب وكون الجعلين المتردد بينهما طوليين في عمود الزمان أو عرضيين لا يمكن ان يكون سببا لصيرورة تعدد الجعل حيثية تقييدية في الأول وتعليلية في الثاني.

ولعل هذا الإشكال نشأ من ملاحظة المجعول على طريقة مدرسة الميرزا ( قده ) أي بما هو أمر جزئي في الخارج واما إذا أخذناه بما هو جعل ملحوظ بالحمل الأولي حينئذ قلنا ان تعدد الجعل يوجب تعدد المستصحب عرفا وعقلا الا ان المستصحب في الشبهة الحكمية نفس الجعل الشخصي المشكوك في سعته بمنظار الحمل الأولي فتأمل جيدا.

١١٩

من العالم بما هو عالم أو من علمه بحسب الحقيقة ، وهذا يعني ان التغير حيثية تعليلية للنجاسة ولو أخذت تقييدية جعلا ودليلا والعلم حيثية تقييدية لوجوب التقليد ولو أخذ شرطا وعلة جعلا ودليلا.

فيبقى الترديد بين النّظر العقلي والعرفي أي ان المعروض واقعا بأي نظر نشخصه هل بالنظر الدّقيق العقلي أو بالنظر المسامحي العرفي؟ فإذا أردنا مثلا في الشبهة الحكمية ان نستصحب اعتصام الكر بعد زوال جزء يسير منه فيما إذا احتملنا كبرويا بقاء الاعتصام وعدم انثلامه بزوال ذلك الجزء فكيف نشخص معروض الاعتصام فاننا إذا أخذنا بالنظر الدّقيق العقلي وجدنا ان المعروض غير محرز بقاء لأن الجزء اليسير الّذي زوال من الماء يشكل جزءا من المعروض بهذا النّظر وإذا أخذنا بالنظر العرفي وجدنا ان المعروض لا يزال باقيا ببقاء معظم الماء لأن العرف يرى انه نفس الماء السابق ، والشيء نفسه نواجهه عند استصحاب الكرية بعد زوال الجزء اليسير من الماء في الشبهة الموضوعية.

والجواب : ان المتبع هو النّظر العرفي لا العقلي لأن دليل الاستصحاب خطاب عرفي منزل على الأنظار العرفية.

وقد يقال : ان المفروض في محله عدم حجية النّظر العرفي في تشخيص المصاديق وانما يتبع العرف في مجال تحديد أصل المفهوم ونحن لا شك لنا في مفهوم الوحدة وانما الشك والمسامحة العرفية في مجال التطبيق فقط فكيف يكون نظر العرف حجة فيه؟

والجواب : يمكن ان يكون بعدة تقريبات وتعبيرات :

منها ـ ان دليل الاستصحاب لم يؤخذ فيه مفهوم الوحدة لكي يقال ان مسامحة العرف في تطبيق هذا المفهوم ليست بحجة وانما الوارد في أدلة الاستصحاب النهي عن نقض اليقين بالشك وصدق النقض يتوقف على توارد اليقين والشك على موضوع واحد من دون ان يكون مفهوم الوحدة واردا في الدليل فلا بد وان يلاحظ صدق عنوان النقض ومفهومه ، ومن الواضح انه مع انحفاظ الموضوع بحسب الأنظار العرفية يكون مفهوم نقض اليقين بالشك شاملا للمورد فيرجع هذا النّظر إلى باب المفاهيم وسعة انطباق المفهوم في دليل الاستصحاب.

١٢٠