بحوث في علم الأصول - ج ٥

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

به أيضا قطعا للقطع بعدم إناطته بالعلم به.

ولنا حول هذه الشبهة كلامان :

الأول ـ اننا نستظهر ان الرفع في الحديث ظاهري لا واقعي وذلك على أساس إحدى نكتتين :

الأولي ـ ان العناية التي أبرزت في الشبهة امر لا بد منه على كل حال سواء أريد من الرفع الواقعي أو الظاهري ، لأن الرفع الواقعي يستلزم أيضا تقيد التكليف الواقعي بالعلم به وهو مستحيل الا بان يراد أخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول ومعه لا يكون المرفوع بالحديث هو المجعول الّذي لا يعلمونه بل المرفوع فعلية الحكم وما لا يعلمون هو الجعل فلم يسند الرفع إلى ما لا يعلمونه فإذا كانت هذه العناية واقعة على كل حال فنعين إرادة الرفع الظاهري على أساس مناسبات الحكم والموضوع والتي منها مناسبة أخذ الشك وعدم العلم في لسان الدليل لكون النّظر إلى الحكم الظاهري لا الواقعي وقد استشهد المحقق العراقي ( قده ) على ذلك بسياق الامتنان الا ان الإنصاف ان أصل الامتنان حاصل حتى بالرفع الواقعي وان كان الامتنان يكفي فيه رفع إيجاب الاحتياط فقط.

الثانية ان ظاهر الحديث ان المرفوع لو لا هذا الحديث كان موضوعا على الأمة وهذا لا يناسب الا الرفع الظاهري فانه لولاه كان إيجاب الاحتياط موضوعا على الأمة ، واما الواقعي فليس كذلك إذ قد لا يكون ما لا يعلمونه من التكاليف ثابتا في الواقع.

وهذا انما يتم لو أريد بما لا يعلمون أي بالموصول عنوان التكليف الّذي لا يعلمونه لا واقع التكليف والا كان مقدر الوجود وكان المعنى أن التكليف الواقعي لو لم يعلم به المكلف رفعناه عنه فلا يلزم الإشكال المذكور ، الا انه لا يبعد ان يكون الظاهر هو الأول فان عنوان مالا يعلمون يصدق على نفس الشك في التكليف سواء كان تكليف في الواقع أم لا.

الثاني ـ انه لو بقي الحديث مجملا مرددا بين الرفع الواقعي والظاهري فالنتيجة بصالح الاستدلال ، وذلك تمسكا بإطلاقه لموارد الشك في التكليف الّذي يعلم بعدم اختصاصه بالعلم لأنه من الشك في التخصيص بالنسبة إليه وبذلك يثبت ان الرفع

٤١

ظاهري لا محالة (١).

المقام الثاني ـ في جريان البراءة المستفادة من حديث الرفع في الشبهات الحكمية والموضوعية جميعا ، والكلام عن ذلك يقع في جهتين :

الأولى ـ في إمكان تصوير جامع بينهما ثبوتا.

الثانية ـ في عموم مفاد الحديث إثباتا.

اما الجهة الأولى ـ فالإشكال في العموم انما ينشأ من ناحية ان المشكوك وما لا يعلمونه في الشبهة الحكمية غير المشكوك في الشبهة الموضوعية فانه في الأول هو الحكم وفي الثاني الموضوع الخارجي فكيف نتصور الجامع بينهما.

وقد أفاد صاحب الكفاية ( قده ) : بان الحديث ورد بعنوان ما لا يعلمون واسم الموصول مدلوله يساوق الشيء وهو جامع بين التكليف والموضوع الخارجي لأن كلا منهما شيء لا يعلمونه فيكون مشمولا للحديث إذا كان قابلا للرفع الشرعي.

ثم اعترض عليه : بان الموصول إذا أخذ بمعنى الشيء الجامع بين التكليف والموضوع الخارجي وأسند الرفع إليه يلزم الجمع في الإسناد بين الإسناد الحقيقي والمجازي لأن اسناد الرفع إلى الشيء بمعنى الحكم والتكليف حقيقي ولكن اسناده إليه بمعنى الموضوع الخارجي مجازي عنائي إذ لا يرتفع الموضوع الخارجي حقيقة والجمع بين الأمرين غير معقول.

وقد أجيب على هذا الاعتراض بوجوه :

الأول ـ ما ذكره المحقق الأصفهاني ( قده ) من انه لا بأس بان يكون اسناد واحد من ناحية حقيقيا ومن ناحية أخرى مجازيا لأن التقابل بين الحقيقة والمجاز ليس تقابلا حقيقيا كالأضداد بل بالاعتبار فلا مانع من صدقهما معا في اسناد واحد باعتبارين فإسناد الرفع في الحديث إلى الشيء أي الموصول من حيث انطباقه على التكليف

__________________

(١) لا وجه لهذا الاستظهار بل الظاهر من الموصول ثبوت أمر لا يعلم به المكلف وهو يكفي في الترخيصي له فانه يعلم اما بعدم وجود تكليف واقعا أو انه مرفوع عنه على تقدير وجوده.

كما ان الإطلاق ومقدمات الحكمة كما يكون في طول تحديد مفهوم اللفظ كذلك يكون في طول تحديد متعلق اللفظ وهو الرفع في المقام وانه التكليف الواقعي أو إيجاب الاحتياط بلحاظه فلا يمكن إثبات ذلك بالإطلاق. نعم لو فرض ان الرفع متعلق بالعقوبة والتبعة ولكن احتملنا مع ذلك ان يكون رفعها باعتبار رفع منشئها وهو الحكم الواقعي صح التمسك بالإطلاق المذكور لإثبات ظاهرية الرفع.

٤٢

يكون حقيقيا ومن حيث انطباقه على الموضوع الخارجي يكون عنائيا.

وهذا الجواب غير تام ، إذ ليس المقصود ـ بحسب الظاهر ـ ان هذا الإسناد في عالم التطبيق والانحلال بلحاظ مصداقه الّذي هو التكليف يكون حقيقيا وبلحاظ الموضوع الخارجي يكون عنائيا ليتجه ما ذكر بل الملحوظ مرحلة الاستعمال والإسناد الكلامي التي هي مرتبة أسبق من مرحلة انحلال المعنى على مصاديقه خارجا حيث يقال في هذه المرتبة بان الهيئة المستعملة في النسبة الإسنادية اما ان تكون مستعملة فيما هو له فيكون حقيقة أو في غير ما هو له فيكون إسنادا عنائيا واستعمالا مجازيا لأن النسبة إلى ما هو له غير النسبة إلى غير ما هو له سنخا فلا يمكن الاستعمال فيهما معا لأنه من الاستعمال في أكثر من معنى والجامع بينها غير موجود لتباين النسبتين سنخا فلا بد من الاستعمال في إحداهما وطرف النسبة إلى ما هو له يستحيل ان يكون له إطلاق لغير التكليف كما هو واضح.

الثاني ـ ما ذكره من ان الشيء إذا شمل الحكم والموضوع الخارجي معا فقد أسند الرفع إلى المركب مما له الرفع وما ليس له الرفع والمركب مما له وما ليس له الرفع ليس له الرفع كما ان المركب من الذاتي والعرضي ليس بذاتي.

وفيه : أولا ـ ما تقدم في مناقشة الكلام السابق من ان النسبتين متغايرتان سنخا فلا يكفي مجرد توسيع نطاق طرف النسبة للتعميم ، فان هذا انما يفيد في سنخ نسبة واحدة لا نسبتين متغايرتين بالهوية كالتغاير بين النسبة الابتدائية والظرفية فانهما لا يمكن جمعهما في واحد مهما وسعنا الطرف.

وثانيا ـ ان الصياغة المذكورة غير سليمة ، لأن المركب مما يقبل الرفع وما لا يقبل لو أريد به العالم المجموعي ـ كما هو ظاهر كلمة المركب ـ قابل للرفع حقيقة برفع الجزء القابل منه فان المركب ينتفي حقيقة بانتفاء جزئه ولهذا لا بد من تعديله والتعبير عنه بالجامع بين ما يقبل وما لا يقبل فانه لا يقبل الرفع حقيقة لأن رفع الجامع لا يكون الا برفع تمام مصاديقه فإذا كان فيها ما لا يقبل الرفع فالجامع أيضا لا يقبله (١)

__________________

(١) الا ان رفع الجامع بمعنى صرف الوجود خلف الانحلالية المطلوبة ولازمه انه لو ثبت التخصيص في مورد فلا يمكن إثبات الرفع في غيره.

٤٣

الثالث ـ ما ذكره المحقق العراقي ( قده ) من إرادة التكليف الأعم من الحكم الكلي والجزئي ويكون الإسناد إليه حقيقيا لا محالة.

وهذا الجواب وان كان يحل المشكلة بلحاظ فقرة ما لا يعلمون وعمومها للشبهتين الا انه يبقى الإشكال بلحاظ الفقرات الثمان الأخرى ، فان المراد من الموصول فيها لا يكون الا الفعل الخارجي لأن ما يضطر إليه أو ما لا يطيقونه هو الفعل لا الحكم الشرعي فيبقى الإشكال في كيفية الجمع بين اسناد الرفع إليها الّذي لا يكون الا مجازيا واسناده إلى ما لا يعلمون بمعنى الحكم الّذي يكون حقيقيا.

الرابع ـ ان الرفع في الحديث عنائي على كل حال ، إذ ليس المقصود منه الرفع الحقيقي الواقعي بل الظاهري وهو رفع بالعناية والمجاز على كل حال سواء أسند إلى التكليف أو إلى الموضوع الخارجي فالهيئة مستعملة في اسناد مجازي والمعنى ان الكلفة والتبعة المترتبة على ما لا يعلمونه أو لا يطيقونه مرفوع سواء كان حكما أو فعلا وموضوعا خارجيا (١).

الجهة الثانية ـ مقتضى الأصل إطلاق الموصول للشبهتين معا بعد ان تم تصوير الجامع في الجهة السابقة فلا بد لمدعي التقييد من إبراز مقيد وهنا دعويان متقابلان :

الأولى ـ دعوى الاختصاص بالشبهة الموضوعية بقرينة السياق في الفقرات الثمانية الأخرى حيث انها جميعا يراد بالموصول أو غيره فيها الموضوع الخارجي فبظهور السياق في وحده المراد يحمل الموصول في ما لا يعلمون على الفعل.

وفيه : ان الاختلاف في الدالين الواقعين في السياق الواحد تارة يكون بلحاظ مدلوليهما الاستعمالي كما إذا قال زر الإمام وصل خلف الإمام فيراد بالأول المعصوم

__________________

(١) هذا يتم على فرض أخذ التقدير في اسناد الرفع واما إذا فرض اسناده إلى نفس الأمور التسعة ويكون المرفوع الوجود لتشريعي والتحميلي أو الخارجي لها فمن الواضح ان الرفع التشريعي للموضوع المجهول رفع عنائي بخلاف الرفع التشريعي للحكم المجهول وان كان الرفع ظاهريا على كل تقدير فلا يمكن الجمع بينهما في نسبة واحدة ويمكن الجواب : بافتراض ان الرفع مسند في تمام الفقرات إلى ما ارتكبه المكلف خطا أو نسيانا أو اضطرارا أو جهلا سواء كان من جهة الجهل بالموضوع أو بالحكم فشرب التتن الّذي ارتكبه المكلف لعدم علمه بحرمته مرفوع عنه وبهذا النّظر العرفي يكون مالا يعلمون منطبقا على نفس الفعل الصادر خارجا حتى في الشبهات الحكمية فلا يلزم كون المرفوع غير ما لا يعلم به نعم تأتي على هذا التفسير شبهة اختصاص الرفع بموارد صدور الفعل عن المكلف في مورد الجهل غفلة أو لكون الجهل جهلا مركبا وهذا غير البراءة المبحوث عنها فيكون وزان حديث الرفع وزان قوله عليه‌السلام ( من ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه ) فتأمل جيدا.

٤٤

وبالثاني امام الجماعة ، وأخرى في مدلوليهما الجدي كما في أكرم العلماء وقلد العلماء وأريد الإطلاق في الأول دون الثاني والإطلاق مدلول جدي ، وثالثة يكون الاختلاف في مجرد مصاديق المدلولين كما في لا تغصب ما تأكله ولا ما تلبسه حيث يكون مصداق ما يوكل غير ما يلبس. وما هو خلاف الظاهر انما هو الأول فقط دون الأخيرين خصوصا الثالث وما نحن فيه من قبيل الثالث لأن المراد بالموصول استعمالا مفهوم واحد وهو الشيء أو ما يساوقه وهو المراد جدا أيضا وانما الاختلاف في مصداقه كما لا يخفى.

الثانية ـ ما أبرزه المحقق العراقي ( قده ) من دعوى الاختصاص بالشبهة الحكمية لأن ما لا يعلمون لا ينطبق على الموضوع الخارجي لأن الموضوع الخارجي ذاته معلومة وانما الشك في وصفه وعنوانه وهذا بخلاف الحكم.

وفيه : أولا ـ يكفي الجهل بالعنوان لصحة تطبيق الموصول على العنوان الخارجي كشرب الخمر فيقال انه مما لا يعلمونه وثانيا ـ في جملة من الموارد تكون الذات الخارجية أيضا مشكوكة كما إذ شك في ذات نزول المطر وعدمه كان موضوعا لحكم. فالصحيح هو عموم الحديث للشبهتين.

المقام الثالث ـ في فقه الحديث وذلك ضمن جهات عديدة.

الجهة الأولى ـ انه ورد في الحديث فقرات عديدة لا تقبل الرفع من الشارع بما هو شارع ومولى فنحتاج إلى عناية وإعمال تصرف في الرفع أو المرفوع وتلك الفقرات هي جميع فقرات الحديث عدا ما لا يعلمون. من هنا ينفتح أمامنا احتمالات ثلاثة :

الأول ـ ان يلتزم بالتقدير فيقال بان المرفوع هو الآثار المترتبة على الموضوعات الخارجية.

الثاني ـ ان يكون الرفع مسندا حقيقة إلى الفعل بلا تقدير ولكنه بما هو موجود في عالم التشريع موضوعا للأحكام الشرعية فيكون نظير ( لا رهبانية في الإسلام ) الّذي هو نفي لوجودها في عالم التشريع (١)

__________________

(١) بل الظاهر في المقام رفع هذه الأمور بما هي أمور ثقيلة توضع على عاتق المكلف وفي ذمتهم من خلال التكليف فيكون المعنى رفع تسجيل تلك الأمور على المكلف فترتفع العقوبة وما يشابههما من الآثار التحميلة التي تكون بحسب مناسباتها العرفية تبعات تسجيل الفعل على المكلف فليس المرفوع الوجود التشريعي المطلق ولا الوجود الاستساغي التشريعي كما في ( لا رهبانية في.

٤٥

الثالث ـ ان يكون الرفع مسندا إلى الفعل حقيقة الا ان هناك عناية في الرفع نفسه فانه يراد به الرفع التنزيلي التعبدي نظير لا ربا بين الوالد والولد وعبائر الميرزا ( قده ) مرددة بين الاحتمالين الأخيرين.

وعلى جميع هذه الاحتمالات يكون الحديث حاكما على الدلالة الأحكام المترتبة على الأفعال المضطر إليها أو الواقعية خطا أو نسيانا أو غير ذلك لأنه ناظر إليها وهو ملاك الحكومة وجوهرها الا انه بناء على الأولين تكون حكومته بلحاظ النّظر إلى عقد الحمل من أدلة تلك الأحكام وبناء على الأولين تكون الحكومة بلحاظ عقد الوضع فيها. وبهذا يظهر ان الميزان في تشخيص ان الحكومة بلحاظ عقد الوضع أو الحمل هو انه ان أبقي المرفوع على حقيقته وكان التصرف في الرفع وانه تنزيلي فالحكومة بلحاظ عقد الوضع وان كان المرفوع هو الأثر أو موضوعية المرفوع له الّذي يعني ترتب الأثر عليه فالحكومة بلحاظ عقد الحمل لا محالة. كما ظهر بذلك وجه الضعف فيما أفاده المشهور في المقام من ان العنوان الّذي تعلق به الرفع أي المرفوع ان كان عنوانا أوليا وهو نفس عناوين الأفعال المضطر إليها أو الصادرة نسيانا أو خطأ فالحكومة بلحاظ عقد الوضع كلا ربا وان كان المرفوع عنوانا ثانويا أي عنوان الاضطرار والنسيان والخطأ فالحكومة بلحاظ عقد الحمل بدعوى ان المرفوع على الأول لا محالة هو الموضوع والفعل الخارجي الّذي يكون موضوعا للحكم لا محالة وعلى الثاني فحيث ان العنوان الثانوي المذكور ليس هو موضوع الحكم فلا يكون النفي والرفع بلحاظه بل لا يعقل ذلك لأنه خلف المقصود إذ معناه رفع أثر الاضطرار أو الإكراه فيتعين ان تكون الحكومة بلحاظ الحكم وعقد الحمل ، وحديث الرفع من قبيل الثاني لأن الرفع قد تعلق فيه بالعنوان الثانوي كعنوان ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والخطأ والنسيان فحينئذ ان كان يراد رفع العنوان الأولى وهو ذات الفعل الّذي وقع الاضطرار إليه فهو خلاف ظاهر تقييدية كل عنوان يؤخذ في موضوع حكم وان كان يراد رفعه بعنوانه الثانوي فهو خلف المقصود لأن المراد رفع حكم الفعل في نفسه لا حكم الاضطرار الّذي هو الرفع والعذر.

__________________

الإسلام ) ومما يؤيد هذا المعنى الّذي استظهرناه ورود التعبير بـ ( وضع عن أمتي ) في بعض الأحاديث بدلا عن ( رفع ) وهو أوضح في الدلالة على ما بيناه. ولعل مقصود سيدنا الأستاذ ـ قدس‌سره ـ ذلك أيضا.

٤٦

وفيه : ما عرفت من انه قد يتعلق الرفع بالعنوان الأولى وتكون الحكومة مع ذلك بلحاظ عقد الحمل وذلك فيما لو أريد نفي الوجود التشريعي للموضوع لا الخارجي كما انه إذا تعلق النفي بالعنوان الثانوي لا يتعين ان تكون الحكومة بلحاظ عقد الحمل. وما ذكر في الإشكال جوابه ان حيثية العنوان الثانوي حيثية تقييدية للرفع نفسه لا للمرفوع فالمرفوع هو الفعل الّذي اضطر إليه والاضطرار موضوع للرفع الّذي هو الحكم في الجملة فليس إرادة رفع الفعل بالعنوان الأولي مخالفا لظهور كل عنوان أخذ في موضوع الدليل في التقييدية وهذا هو المفهوم من مثل هذه الجمل ولو على أساس مناسبات الحكم والموضوع العرفية (١) وان شئت قلت : ان رفع العنوان الأولي هو رفع للعنوان الثانوي أيضا ولكنها على نحو السالبة بانتفاء الموضوع لا المحمول ولو لا هذا لم يكن مجرد جعل النفي نفيا للحكم لا للموضوع دافعا للإشكال المذكور إذ يقال بان المنفي هل هو حكم العنوان الأولي أو الثانوي فالأوّل خلاف الظهور المذكور والثاني خلف المقصود. فالصحيح في ميزان كون الحكومة بلحاظ عقد الوضع أو الحمل ما ذكرناه آنفا. بقيت نقطتان :

١ ـ ترجيح بعض الاحتمالات الثلاثة. لا إشكال في سقوط الاحتمال الثالث لأن رفع الوجود الخارجي تنزيلا ان صح في بعض فقرات الحديث فلا يصح في فقرة ( ما لا يطيقون ) لأنه ليس له وجود في الخارج لكي يعقل رفعه تنزيلا وتعبدا والرفع في الجميع واحد كما هو واضح فيدور الأمر بين الاحتمالين الأول والثاني ، وقد يقال حينئذ بوقوع التعارض بين ظهورين في الحديث كل منهما يعين أحد الاحتمالين وينفي الاخر وهما ظهور الكلام في عدم التقدير النافي للاحتمال الأول والمثبت للاحتمال الثاني وظهور أخذ العناوين المذكورة في انها ملحوظة بما هي فانية في وجوداتها الخارجية لا التشريعية أو التحميلية النافي للاحتمال الثاني والمعين للاحتمال الأول.

الا ان الصحيح جريان أصالة عدم التقدير دون الظهور الاخر فانه المتعين عرفا في

__________________

(١) لا بد من التمييز بين نفي عنوان كالربا أو الاضطرار فيقال لا ربا أو لا اضطرار أو رفع الاضطرار بين قولنا رفع ما يضطر إليه فانه في الأول يكون النفي سلبا لوجود ذلك العنوان استطراقا إلى سلب حكمه فلا بد من ان يكون الحكم المسلوب حكم نفس ذلك العنوان ويكون ذلك العنوان حيثية تقييدية فيه واما في الثاني فالرفع أسند إلى الفعل الّذي فرغ عن الاضطرار إليه فلا يمكن أن يكون الرفع متوجها إليه بل إلى الفعل ويكون الاضطرار حيثية دخيلة في الرفع.

٤٧

دوران من هذا القبيل إذ لا ينبغي الإشكال في ان العرف يرى في التقدير عناية فائقة بخلاف المعنى الثاني فظاهر السياق هو الاحتمال الثاني عرفا.

وإذا أردنا ان نبين ذلك صناعيا أمكن القول بان أصالة الظهور في العناوين التسعة التي يراد بها إثبات ان المقصود منها وجوداتها الخارجية يعلم بعدم مطابقتها للمراد الجدي بمعنى انا نعلم بان المراد الجدي هو نفي الحكم عن هذه العناوين لا نفيها أنفسها وانما الشك في المراد الاستعمالي لألفاظها وقد تقرر في محله ان أصالة الظهور انما تجري لتشخيص المراد ، واما إذا كان المراد معلوما وكان الشك في الاستعمال فلا تجري أصالة الظهور ولهذا لا تجري أصالة العموم لإثبات التخصص.

لا يقال ـ كما لا تجري أصالة الظهور المذكور كذلك لا تجري أصالة عدم التقدير لكون المراد معلوما وانما الشك في كيفية الاستعمال.

فانه يقال : حيث ان أصالة عدم التقدير يثبت بحسب النتيجة ان المنفي تمام الآثار بينما بناء على التقدير لا يمكن إثبات ذلك ـ على ما سوف يقع البحث عنه أيضا ـ أمكن إجراء الأصل المذكور لوقوعه في طريق إثبات إطلاق المراد الجدي لا محالة هذا مضافا إلى ان عناية الاحتمال الثاني يقتضيها نفس ظهور حال الشارع في ان الرفع صادر منه بما هو شارع وبما هو إنشاء لا اخبار بخلاف عناية التقدير فانها خلاف الأصل حتى في كلام الشارع بما هو مستعمل.

٢ ـ في ثمرات الاحتمالات المتقدمة. اما الثمرة المترتبة على الأول دون الأخيرين :

انه بناء على الأول يكون الحديث مجملا من حيث ان المنفي تمام الآثار أو خصوص المؤاخذة ولا يمكن رفع الإجمال لا على أساس قرينية مناسبة عرفية كما في بعض المقدرات مثل ( حرمت عليكم الميتة أو حرمت أمهاتكم ) إذ كلا التقديرين يكون مناسبا ، ولا على أساس حذف المتعلق واستفادة الإطلاق منه لما تقدم منا مرارا من ان موضوع الإطلاق انما يتم حيث يكون هناك مفهوم معين يشك في المراد منه لا ما إذا شك في المفهوم المقدر وانه الأعم أو الأخص. فان مقدمات الحكمة لا تعين المفهوم وانما تثبت عدم القيد فيه ، وعليه فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو رفع المؤاخذة بينما على الأخيرين يكون مقتضى إطلاق رفع الوجود التحميلي أو الخارجي لتلك الموضوعات نفي تمام التحميلات التشريعية أو رفع الوجود الخارجي بلحاظ تمام

٤٨

تلك الآثار. واما الثمرة بين الأخيرين فقد تظهر في موردين :

المورد الأول ـ ويتوقف على ان نبين مقدمة حاصلها : ان هناك بحثا في شمول حديث الرفع لما إذا اضطر إلى الترك بدلا عن الفعل كما إذا اضطر إلى ترك الواجب من أجل نفي أثر تحميلي مترتب على الترك كوجوب صوم اليوم الثاني مثلا لمن ترك صلاة العشاء وعدمه.

وقد ناقش المحقق النائيني ( قده ) في شموله لذلك بدعوى : ان الحديث بلسان النفي والرفع ونفي الترك عبارة عن الوضع عرفا لا الرفع فالتقابل الارتكازي عرفا بين الوضع والرفع يمنع من إطلاقه للاضطرار إلى الترك من أجل نفي آثاره التحميلية. وهذا المطلب ان تم فسوف يبرز فرقا وثمرة بين الاحتمالين الأخيرين إذ هذا البيان انما يتم بناء على الاحتمال الثالث الّذي يكون النّظر فيه إلى العالم الخارجي لا الاحتمال الثاني الّذي يكون النّظر فيه إلى عالم التشريع لأن التقابل بين الرفع والوضع انما يكون لو كان النّظر إلى الخارج إذ لا واسطة بين الوجود خارجا وعدمه كذلك واما بلحاظ عالم التشريع فرفع موضوعية الترك لا يعني وضع موضوعية الفعل لأن الوجود التشريعي أمر ثبوتي ويعني وقوعه موضوعا للحكم والتشريع وتطبيق الحديث على الترك في هذا العالم لا يعني الا نفي وقوعه موضوعا له وهو غير وقوع الفعل موضوعا. وهذا أحد الموارد التي ذكرنا سابقا بأنها تدل على تذبذب كلمات الميرزا ( قده ) بين الاحتمالين الثاني والثالث أضعف إلى ذلك عدم تمامية البيان المتقدم حتى على احتمال الثالث لأنه يكفي في إشباع التقابل الارتكازي المذكور بين الوضع والرفع ان الرفع منصب ولو عنوانا على أمر ثبوتي وهو عنوان ما اضطروا إليه سواء كان فعلا أو تركا.

المورد الثاني ـ انه بناء على الاحتمال الثالث وهو ان يكون الرفع منصبا على الوجود الخارجي تعبدا وتنزيلا فكما يرتفع الأثر التحميلي المترتب على الفعل المضطر إليه لارتفاع موضوعه تنزيلا كذلك تترتب الآثار غير التحميلية المترتبة على ارتفاع المضطر إليه ، لأن التعبد برفع أحد النقيضين تعبد بالنقيضين الاخر لا محالة للتقابل بينهما ، بينهما على الاحتمال الثاني لا تترتب تلك الآثار غير التحميلية لما تقدم من عدم التقابل بين رفع الوجود التشريعي لموضوع ووضع موضوعية نقيضه للتشريع.

ثم لو قلنا في المورد الأول بان الحديث لا يشمل الاضطرار إلى الترك فسوف تختص

٤٩

الثمرة في هذا المورد بما إذا اضطر إلى الفعل لترتيب آثار الترك غير التحميلية ، وان قلنا بشموله لذلك أيضا عمت الثمرة لما إذا اضطر إلى الترك أيضا في ترتيب آثار الفعل غير التحميلية.

الجهة الثانية ـ في إمكان استفادة انحفاظ الملاك والمقتضي للحكم المرفوع في موارد هذه العناوين التسعة ، وثمرته انه لو أوقع المكلف مثلا ما لا يطيقه أو اضطر إلى تركه عرفا لا عقلا كان صحيحا لكفاية انحفاظ الملاك في الصحة بينما لو لم يمكن استفادة ذلك من الحديث فلا كاشف عن الملاك حينئذ ومعه لا طريق إلى إثبات الصحة.

ويمكن تقريب هذه الاستفادة بأحد تقريبين.

١ ـ ان مساق الحديث هو الامتنان والتلطف على الأمة ، وهذا انما يكون مع فرض وجود الملاك والمقتضي للحكم واما عدم الحكم لعدم ملاكه ومقتضية فلا يكون فيه امتنان أو تفضل ، وهل هذا الا من قبيل ان يقول الأب لابنه إنني امتن عليك بعدم طلبي للماء منك لعدم كوني عطشان مثلا؟.

وفيه : ان هذا انما يتم في حق الموالي العرفية لا المولى الحقيقي الّذي تكون أحكامه لمصالح راجعة إلى العباد أنفسهم فانه في مثله لا معنى لافتراض ان رفع الحكم مع وجود ملاكه ومصلحته امتنان عليهم. فالظاهر ان حيثية الامتنان الملحوظة في الحديث انما هو باعتبار ما يكشف عنه الحديث من ان الشريعة كاملة وافية بتمام شئون الإنسان وتلحظ تمام حالاته من حالات القوة والضعف والشدة والرخاء وتنظر إلى حاجاته التسهيلية كما تنظر إلى حاجاته الإلزامية ومثل هذا المعنى لا يتوقف على فرض وجود المقتضيات للأحكام الإلزامية في موارد رفعها.

٢ ـ ان يستفاد ذلك من كلمة الرفع فانها تستعمل في موارد النفي بعد الوجود فلا بد من افتراض نحو وجود للمرفوع وهو الوجود الشأني والاقتضائي.

وهذا الوجه غير تام أيضا ، اما على الاحتمال الثالث فواضح لأن مناسبة الرفع انما يكون بناء عليه باعتبار وجود المرفوع خارجا وان الرفع تنزيلي. واما على الاحتمالين الأولين فلعدم انحصار مناسبة الرفع بما ذكر بل يمكن ان يكون باعتبار ثبوت تلك الأحكام في موارد العناوين التسعة في أول الشريعة أو في الشرائع السابقة كما يمكن ان تكون مناسبة الرفع إثباتا لا ثبوتا بمعنى ان الأحكام المرفوعة كانت ثابتة

٥٠

بإطلاق أدلتها لو لا الرفع.

الجهة الثالثة ـ يمكن تصنيف الآثار المترتبة على الشيء إلى ثلاثة :

١ ـ ما هو ثابت أو يترقب ثبوته على العنوان الأولي للفعل بحسب لسان دليله من دون ان تكون العناوين التسعة وجودا أو عدما دخيلة في ترتبها كحرمة شرب المسكر.

٢ ـ الآثار المترتبة على الشيء مقيدا بعدم طرو أحد تلك العناوين كما في ترتب الكفارة مثلا المقيد موضوعها بالإفطار العمدي.

٣ ـ الآثار المترتبة على الشيء مقيدا بأحد تلك العناوين كوجوب سجدتي السهو لمن سها في صلاته.

والأول هو المقدر المتيقن من الآثار المرفوعة بهذا الحديث ، كما ان النوع الثاني لا إشكال في خروجه عن الحديث تخصصا لأنه بطرو أحد العناوين التسعة يرتفع موضوع هذا النوع من الآثار. واما القسم الثالث فمن الواضح انه إذا دل دليل على ثبوته فسوف يكون مقدما على الحديث سواء قيل بشموله لنفي هذا القسم أم لا لأنه شمول إطلاقي فيخصص بذلك الدليل. ولو احتمل ثبوته بلا دليل عليه فبناء على شمول الحديث لنفيه يتمسك به فينفي بالدليل والا فينفي بالأصل النافي ان تم موضوعه.

واما شمول الحديث لمثل ذلك وعدمه فقد ذهب المحققون إلى العدم مستدلين عليه بأنه لو جرى الحديث لنفي هذا القسم من الآثار لزم منه كون العناوين التسعة مقتضية لحكم ومانعة عنه في آن واحد وهو محال.

الا ان هذا المقدار من البيان يمكن ان يجاب عنه : بأنه على تقدير شمول الحديث لهذا القسم لا يبقى دليل على وجود مقتض لثبوته لكي يقال بان هذه العناوين مقتضية ومانعة في نفس الوقت.

ومن هنا قد يطور هذا الكلام بأنا نثبت الاقتضاء بالبيان المتقدم في الجهة السابقة. الا انه مع ذلك لا يتم ، لأنه انما يصح فيما لو فرض ان العناوين المذكورة بذاتها تقتضي وضع ذلك الأثر ورفعه لا ما إذا كان فيها خصوصيتان وحيثيتان تكون بإحداهما مقتضية للوضع وبالأخرى للرفع نظير ما يستفاد من مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( لو لا أن

٥١

أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ) (١).

والصحيح ان يقال : في توجيه عدم شمول الحديث لهذا الصنف من الآثار ان هذه العناوين تارة تؤخذ كمعرف للعنوان الأولي فيكون المرفوع هو العنوان الأولي والحيثيات التسعة الثانوية حيثيات في الرفع كما هو الصحيح ـ ، وأخرى تؤخذ موضوعا وقيدا في المرفوع ، فعلى الأول لا معنى لأن يطبق الحديث على القسم الثالث إذ ليس الحكم فيه مرتبا على العنوان الأولي ، وعلى الثاني يختص الحديث بالقسم الثالث ولا يشمل الأول ـ فالجمع بين الأمرين غير تام وبما ان الثاني غير محتمل ولا مناسب عرفا مع الظاهر من الحديث يتعين الأول.

الجهة الرابعة ـ ان هناك قرينتين على امتنانية الحديث لفظية وسياقية ، اما القرينة اللفظية فهي كلمة ( عن ) الظاهر في رفع الشيء الثقيل وذي التبعة ، واما السياقية فإضافة الرفع إلى الأمة فان هذا لسان التحبب والتلطف ، والقرينتان وان أفادتا معنى واحدا وهو عدم انطباق الحديث في مورد لا امتنان للرفع فيه الا ان هناك فرقا بينهما من حيث مقدار التقييد والتحديد الّذي يحصل على أساس كل منهما لا طلاق الحديث ، فالقرينة اللفظية لا تقتضي التقييد بأكثر من ان يكون في رفع التكليف امتنانا لمن رفع عنه سواء كان فيه ما يخالف الامتنان للآخرين أم لا ، بينما القرينة السياقية تمنع عن إطلاق الرفع لما إذا كان فيه ما يخالف الامتنان ولو بالنسبة إلى الآخرين وقد فرع الفقهاء على هذا موردين :

١ ـ انهم فرقوا بين معاملة المضطر والمكره ، ففي بيع المضطر مثلا إلى البيع حكموا بصحته وعدم شمول الحديث له بخلاف بيع المكره لأن نفي صحة الأول خلاف الامتنان عليه والحديث مقيد بصورة الامتنان.

٢ ـ لو أكرهه على ان يضرب شخصا آخر والا ضربه ، فانهم قالوا بعدم شمول رفع ما استكرهوا عليه لنفي حرمة الضرب لأنه على خلاف الامتنان للأمة ، وان كان على وفق الامتنان في حق المكره وكلا التفريعين صحيح.

والمحقق العراقي ( قده ) أضاف على التفريعين امرا ثالثا حاصله : انه يترتب على

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، ح ١ ، باب السواك ، ح ١٦.

٥٢

ورود الحديث مساق الامتنان عدم شموله لما إذا كان الاضطرار بسوء الاختيار إذ عدم رفع الحكم في حق من يلقي بنفسه في الاضطرار ليس على خلاف الامتنان.

وهذا الكلام بهذا البيان لا يخلو من غموض ، لوضوح ان رفع الحكم الإلزامي عمن ألقى نفسه في الاضطرار امتنان على كل حال كيف ورفع المؤاخذة حتى من العاصي امتنان عليه.

نعم لا بأس بدعوى ان الحديث ليس له إطلاق لموارد الاضطرار بسوء الاختيار ، لأن مثل هذا الإنسان لا يستحق الامتنان بحسب المرتكزات العرفية التي قد تكون بمثابة القرينة المتصلة بالخطاب.

ويمكن ان يقال : بان حديث الرفع لا إطلاق له في نفسه لموارد الاضطرار بسوء الاختيار ، لأن المراد بالاضطرار فيه الاضطرار إلى ما هو محظور شرعا في تمام عمر وزمان التكليف لا خصوص زمان الأداء والارتكاب وهذا غير صادق في موارد الاضطرار بسوء الاختيار. هذا مضافا إلى انه بحسب الحقيقة في موارد الاضطرار بسوء الاختيار تكون المؤاخذة على الإيقاع في الاضطرار كمن يسقط نفسه من شاهق مثلا إذ يسقط التكليف من حينه ويكون عصيانا للمولى وخروجا عن قانون العبودية (١) والحديث يرفع المؤاخذة على ما ينطبق على عنوان الاضطرار لا ما لا ينطبق عليه وهو الإلقاء في الاضطرار.

وان شئت قلت : ان الحديث انما يجري في مورد يترقب فيه ان تكون المؤاخذة على الفعل المضطر إليه لو لا الرفع وهو انما يكون في الاضطرار لا بسوء الاختيار واما فيه فالعقاب على نفس الإيقاع في الاضطرار إلى المخالفة.

الجهة الخامسة ـ أفاد الميرزا ( قده ) انه شذ عنوانان ـ وهما الخطأ والنسيان ـ عن العناوين الأخرى في السياق فلم يقل ما نسي أو أخطأ فيه مما قد يشعر بان المقصود رفع آثار نفس الخطأ والنسيان. وقد أفاد ( قده ) بان الصحيح ان المراد بهما المنسي وما

__________________

(١) سقوط التكليف من حين الإقدام انما يكون بملاك عدم محركيته لو كان باقيا لا من باب ان نفس الإقدام مبغوض للمولى نفسيا ، فالمؤاخذة على الفعل الصادر منه دائما فلو فرض التسليم بصدق الاضطرار عليه كان مرفوعا لا محالة ، نعم لا بأس بدعوى ان مفهوم الاضطرار مطعم أيضا بعدم اختيارية أصل صدور الفعل من المكلف بحيث يكون ملجأ عليه وهذا لا يصدق مع سوء الاختيار وهذا رجوع إلى المناقشة السابقة.

٥٣

وقع فيه الخطأ أيضا فالمرفوع هو الفعل بعنوانه الأولي كما هو في العناوين الأخرى ، إذ لو أريد رفع نفس النسيان والخطأ لكان حال المكلف الناسي والمخطئ أسوأ مما إذا لم يرفع عنه الخطأ والنسيان إذ رفع النسيان عنه يعني افتراضه غير ناس فيكون معاقبا عليه ، وكأن هذا الكلام منه ( قده ) يناسب مع تصورات الاحتمال الثالث الّذي كان الرفع فيه رفعا للوجود الخارجي تعبدا وتنزيله منزلة نقيضه ، إذ بناء على الاحتمال الثاني لا يلزم من نفي موضوعية الخطأ أو النسيان في عالم التشريع تنزيله منزلة الموضوع في دليل العمد كما تقدم. الا انه مع ذلك يتم ما قصده الميرزا ( قده ) من ان المراد رفع آثار العنوان الأولي في الخطأ والنسيان أيضا وذلك لأمرين :

١ ـ ان نبني على ان الرفع في الحديث بنكتة مقتضي الوضع الإثباتي لو لا الرفع وهو ثبوت الأحكام بعموم دلالتها الأولية فان هذه المناسبة تقتضي ان يكون النّظر في الرفع إلى الأحكام التابعة للعناوين الأولية لا الثانوية وان هذه العناوين حيثيات في الرفع لا المرفوع كما هو واضح.

٢ ـ وحدة السياق فان العناوين الثانوية الأخرى حيث انها أخذت كلها معرفة ومشيرة إلى العنوان الأولي المرفوع وجعلت هي حيثية للرفع فكذلك يفهم ان عنوان الخطأ والنسيان كذلك ولا ينقض بالحسد والطيرة فانها عناوين أولية وليست كالخطإ والنسيان عناوين ثانوية فسياقها سياق منفصل.

نعم يبقى التساؤل عن وجه تغيير التعبير في الخطأ أو النسيان عن سائر التسعة وقد يكون الوجه ان المرفوع في الخطأ والنسيان بحسب الحقيقة أثر النسيان وما يترتب عليه من الأفعال لا المنسي وما له من حكم فإذا نسي بيع خبزه مثلا للغير فأكله فالمرفوع انما هو الأكل المترتب على النسيان لا البيع المنسي إذ لا يناسب جعل النسيان معرفا ومشيرا إلى البيع المنسي لرفع صحته مثلا بل يجعل معرفا إلى رفع أثر الأفعال المترتبة خارجا نتيجة النسيان أو الخطأ.

الجهة السادسة ـ ان هناك موارد لا إشكال في عدم شمول حديث الرفع لها كنجاسة شيء بالملاقاة مثلا ولا إشكال في عدم ارتفاعها سواء كانت الملاقاة مصداقا لأحد العناوين التسعة أم لا ، وكذلك الجنابة إذا تحقق موجبها. وقد حاول بعض المحققين تصوير خروجها عن الحديث تخصصا. وحاصل ما ذكره في هذا المجال : ان

٥٤

الحديث ناظر إلى افعال المكلفين فيرفع آثارها وأحكامها إذا انطبق عليها أحد العناوين التسعة واما ما لا يكون بما هو فعل للمكلف وصادر عنه موضوعا لحكم بل هو موضوع له كيف ما اتفق كالملاقاة مع النجس مثلا فلا يرفع اثره بالحديث وان وقع بفعل المكلف لأن الحديث ناظر إلى رفع أثر افعال المكلفين.

وهذا الجواب لا بأس به لو لا انه لا يرفع الإشكال نهائيا ، فانه يفيد في مثال الملاقاة مع ان هناك ما يكون فعلا للمكلف وموضوعا لآثار تحميلية ومع ذلك لا ترتفع تلك الآثار بالحديث كالإتلاف نسيانا لمال الغير في مورد لا يكون تلفه موجبا للضمان فانه فعل للمكلف وبما هو كذلك يقع موضوعا للضمان ، وكمس الميت فانه فعل للمكلف وليس كالملاقاة التي قد تقع بين شيئين بلا نسبة إلى المكلف فهل يقال بشمول الحديث لرفع الضمان في الأول ووجوب الغسل في الثاني إذا وقعا بأحد العناوين التسعة والّذي ينبغي ان يقال : ان المعذرية المستفادة من الحديث للعناوين المذكورة فيها طعم إمضاء المعذرية العرفية العقلائية المركوزة في مثل هذه العناوين فليست تأسيسية محضة بل ملاكها مركوز لدى العرف ، ومن الواضح ان تلك المعذرية انما هو فيما إذا كان الحكم التحميلي المرتب على الموضوع مما يكون للاختيار والعمد دخل في ترتيبه سواء كان فعلا مباشرا للمكلف أو تسبيبيا ـ وكون الاختيار والعمد دخيلا في ترتب الحكم يستفاد اما من كون الفعل متعلقا للحكم الشرعي التكليفي حيث يشترط فيه الاختيار لا محالة ومن هنا متى ما انطبق أحد العناوين المذكورة على متعلق حكم تكليفي تحميلي ارتفع واما من وقوعه موضوعا لا متعلقا الا انه بنفسه يكون متضمنا للقصد والاختيار كما في الأفعال الإنشائية كالمعاملات. واما من وقوعه موضوعا لحكم تكليفي تحميلي يستظهر من دليل ترتيبه انه انما رتب عقوبة ومجازاة مما يكون ظاهرا في دخل الاختيار والعمد في ترتيبه كما في ترتيب الكفارة على الإفطار فيرتفع بالإكراه مثلا وشيء من ذلك غير صادق على مثل النجاسة بالملاقاة أو الجنابة بموجبها أو الضمان بالإتلاف أو الغسل بمس الميت.

الجهة السابعة ـ في نظرة إجمالية لتطبيق حديث الرفع على أقسام الحكم ، ذلك ان الحكم تارة يكون تكليفيا وأخرى وضعيا والأول تارة يكون استقلاليا وأخرى ضمنيا. اما التكليف الاستقلالي فقد اتضح مما سبق بعض الضوابط لتطبيق الحديث

٥٥

عليه ، ونضيف هنا انه إذا فرض ان الحكم الاستقلالي كان على نحو مطلق الوجود فلا إشكال في شمول الحديث إذا انطبق أحد العناوين التسعة الواردة فيه على ترك فرد من الافراد التي انحل إليها التكليف هذا أذل كان الإكراه أو الاضطرار إلى المخالفة ، واما إذا أكره إلى فعل التكليف بان أكره مثلا على إكرام عالم في مقام امتثال أكرم العلماء فلا يشمله الحديث لنفي وجوب إكرامه حتى على الاحتمال الثالث لعدم الامتنان في رفع وجوبه ، واما إذا كان التكليف بنحو صرف الوجود فان أكره أو اضطر إلى ترك صرف الوجود الواجب فهذا لا إشكال في شمول الحديث له واما إذا أكره على ترك فرد من أفراد الطبيعة الواجب صرف وجودها فلا يشمله حديث الرفع لأن ما هو متعلق الحكم في عالم التشريع لا إكراه ولا اضطرار إلى تركه. نعم بناء على الاحتمال الثالث من تنزيل الترك أو الفعل الخارجي إذا انطبق عليه أحد العناوين منزلة نقيضه قد يقال بان هذا تنزيل للترك منزلة الفعل فيكون تعبدا بالفعل وهو امتثال تعبدي فلا يجب على المكلف الإتيان بصرف الوجود ضمن فرد آخر (١) الا انك عرفت بطلان هذا الاحتمال.

اما التكليف الضمني فلو اضطر إلى تركه أو أكره عليه في جزء من الوقت فلا إشكال في عدم انطباق الحديث عليه لأن ما صار مصبا للعنوان ليس بنفسه متعلقا للحكم بل مصداق له واما إذا كان مستوعبا في تمام الوقت فيشمله الحديث. ودعوى : ان الواجب هو الفعل والاضطرار وقع على الترك وهو لم يكن متعلقا للحكم لكي يكون له وجود تشريعي فيرفع. جوابها : انه بحسب نظر العرف له وجود تشريعي لأن طلب الفعل نهي عن الترك ولو عرفا.

ثم هل يحكم بصحة العمل بحيث لا يجب عليه القضاء بمقتضى حديث الرفع؟ الصحيح انه لا يمكن استفادة الصحة في المقام لأن مفاد الحديث نفي الوجوب النفسيّ بنفي الوجوب الاستقلالي عن المركب فهو لا يثبت الأمر بالباقي لتثبت صحته. وبهذا يختلف حديث الرفع عن الأدلة المخصصة للجزئية أو الشرطية فانها ناظرة إلى الجزئية

__________________

(١) بل لا يتم حتى على الاحتمال الثالث لأنه تعبد بفعل الفرد لا صرف الوجود الّذي هو موضوع الأثر ، والمستفاد من الحديث التعبد فيما هو موضوع الأثر نفيا وإثباتا.

٥٦

والشرطية فتقيدها وبذلك يرجع إلى عموم الأمر بأصل المركب.

لا يقال : لنطبق الحديث على الجزئية أو الشرطية فانها شرعية أيضا لأنها بالتبع قد أوجدها الشرع ولو بإيجاد منشأ الانتزاع فتكون قابلة للرفع والوضع.

فانه يقال : ان الثقل ليس في وضع الجزئية أو الشرطية بل في وضع التكليف بالجزء أو الشرط بل ثبوت الجزئية المستلزم لسقوط الأمر هو الموافق مع المنة على العبد لا العكس.

نعم هناك بيانان يمكن على أساسهما تخريج الصحة :

١ ـ ان نجري وفق الاحتمال الثالث في تفسير الرفع أي انه رفع للوجود الخارجي تنزيلا وتنزيله منزلة نقيضه فيكون تعبدا بإتيان الجزء والمركب كاملا ولكنك عرفت بطلان هذا الاحتمال.

٢ ـ ان وجوب القضاء حكم تحميلي مترتب على ترك الواجب في الوقت وقد وقع هذا الترك عن اضطرار أو إكراه فيرتفع اثره التحميلي لا محالة حتى على الاحتمال الثاني أول الأول.

وفيه ـ أولا ـ انه انما يتم لو كان الموضوع لوجوب القضاء هو الترك لا الفوت الّذي هو مسبب عن الترك ونتيجته بناء على استظهار اختصاص الحديث بما يكون فعلا مباشرا للمكلف سلبا أو إيجابا لا مترتبا عليه وكذلك لو كان الموضوع عدم الإتيان المحمولي لو قيل باختصاص الحديث بما يكون موضوعا للحكم بما هو مستند إلى المكلف لا الأعم منه ومن العدم المحمولي الصادق مع السالبة بانتفاء الموضوع ـ وهو المكلف ـ كما في عدم الإتيان.

وثانيا ـ ان ترتب وجوب القضاء لا نكتة في دليله يقتضي الدلالة على ان الاختيار والعمد دخيل فيه إذ ليس هو عقوبة بل استيفاء لما بقي من الملاك كما انه ليس متعلقا للتكليف بل موضوعا وليس مستبطنا بذاته للقصد والاختيار كالمعاملات.

واما الأحكام الوضعيّة كما في الإكراه على البيع أو الاضطرار إليه فلا يوجد فيها مزيد كلام على ما تقدم في مجموع ما سبق. الا انه إذا كان الإكراه إلى ترك معاملة كان يقصدها كمن قصد طلاق زوجته فأكره على تركه فقد يتخيل إجراء الحديث لا ثبات وقوع النتيجة المطلوبة بأحد تقريبين :

٥٧

١ ـ البناء على الاحتمال الثالث الّذي كان ينتج التعبد بوقوع الفعل وترتب اثره كما تقدم وتقدم ضعفه.

٢ ـ ان بقاء الزوجية أثر شرعي مترتب على ترك الطلاق بقاء وقد أكره على ذلك فيرتفع وجوده التشريعي برفع حكمه وهو الزوجية.

وفيه : ما تقدم من عدم شمول الحديث لما إذا كان الأثر مترتبا على العدم المحمولي فان عدم الطلاق بهذا النحو موضوع لبقاء الزوجية ، وما تقدم أيضا من عدم شموله لما إذا لم يكن للاختيار والمقصد دخل في ترتبه والإنصاف ان جملة من التشويشات في تطبيق الحديث فقهيا يرتفع بالالتفات إلى هذه النقطة.

ويستخلص مما سبق شرائط أربعة لتطبيق حديث الرفع على مورد :

١ ـ ان يكون موضوعا أو متعلقا لحكم شرعي لكي يكون له وجود تشريعي.

٢ ـ ان يكون رفعه موافقا للامتنان على الأمة.

٣ ـ ان يكون فعلا من افعال المكلف أو تروكه لا مجرد وجود شيء أو عدمه المحمولي.

٤ ـ ان يكون الاختيار والقصد والالتفات دخيلا في ترتبه.

المقام الرابع ـ في سند الحديث. ولا إشكال في الجملة في صحة حديث الرفع الا ان الاستشكال في صحة النقل المتضمن لفقرة الاستدلال على البراءة الشرعية ، أعني فقرة ( ما لا يعلمون ) رغم وقوع التعبير عنه بالصحّة.

فقد نقل صاحب الوسائل ( قده ) في كتاب الجهاد (١) الحديث المشتمل على هذه الفقرة عن كتابي الخصال والتوحيد للصدوق ( قده ) عن أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع عن أمتي تسعة ... إلخ ، وأحد التسعة ما لا يعلمون. ونقطة الضعف في هذا السند هو أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، فبالرغم من انه شيخ الصدوق لم يثبت توثيقه. وقد نقل الصدوق في كتاب الوضوء ممن لا يحضره الفقيه نفس المتن بعنوان قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وضع عن أمتي ) (٢).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ٥٦ من أبواب جهاد النّفس وما يناسبه ، ح ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ، باب فيمن ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه ، ح ٤.

٥٨

ولعل نظره إلى السند الّذي يذكره في الخصال الا انه مرسل على كل حال ولا يمكن الاعتماد عليه (١).

ونقل صاحب الوسائل في كتاب الإيمان بسنده إلى كتاب أحمد بن محمد بن عيسى عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (٢). وهذا السند بهذا المقدار صحيح على إشكال تأتي الإشارة إليه ، الا ان هذا النقل غير مشتمل على فقرة الاستدلال ـ ومثله نقل آخر نقله صاحب الوسائل في كتاب الإيمان عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ربعي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وضع عن أمتي ثلاث ، الخطأ والنسيان والاستكراه ، وقال عليه‌السلام وهنا رابعة وهو ما لا يطيقون ) (٣).

وهناك نقل آخر في الوسائل عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول ( وضع عن هذه الأمة ستة خصال ، الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه ) (٤).

وطريق الوسائل إلى النوادر هو طريقه إلى الشيخ الطوسي ( قده ) إلى نوادر أحمد بن محمد بن عيسى لأنه قد بين طرقه إلى هذه الكتب في آخر الوسائل وكلها تنتهي إلى الشيخ الطوسي ( قده ) وطريقه إليه وطريق الشيخ إلى أحمد صحيح. الا ان الكلام يقع في نقطتين :

الأولى ـ محاولة تصحيح رواية الخصال ، وأهم ما يمكن ان يذكر بهذا الصدد تطبيق

__________________

(١) قد يمكن تصحيح هذا السند عن طريق استظهار ان ذكر الصدوق للحديث في الفقيه مرسلا عن الإمام عليه‌السلام مع ذكره لنفس الحديث في الخصال والتوحيد بسند تفصيلي ناظر إلى نفس الرواية لا رواية أخرى فإذا ضممنا إلى ذلك ان الشيخ الصدوق يذكر في أول الفقيه ان كل ما ينقله في هذا الكتاب من الروايات يأخذه من الأصول وكتب الأصحاب المشهورة والمعتمد عليها وهذه شهادة مطلقة تشمل ما إذا كانت الرواية مبدوءة بصاحب الكتاب أو مرفوعة إلى الإمام عليه‌السلام فنستنتج ان شخص هذه الرواية أيضا مما وجده الشيخ الصدوق في أصل من أصول الرّواة لها الواقعين في السند المذكور ومن الواضح ان أحمد بن محمد بن يحيى لم يكن صاحب كتاب وأصل وانما من له أصل وكتاب من الرّواة الواقعين في السند هو سعد بن عبد الله ويعقوب بن يزيد وحماد وللشيخ الصدوق في مشيخته طريق صحيحة إلى كتب وروايات كل واحد من هؤلاء ، فنعوض عن أحمد بن محمد بن يحيى بأحد الطرق الصحيحة إلى كتب هؤلاء.

(٢) الوسائل ، كتاب الإيمان ، باب ١٦ ، حديث ٥.

(٣) نفس المصدر السابق ، ح ٤.

(٤) نفس المصدر ، ح ٣.

٥٩

نظرية التعويض على سند الخصال ، فان الشيخ قد نقل الحديث عن الخصال بالسند المتقدم ثم انه له طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات سعد بن عبد الله ذكره في الفهرست. وسعد واقع في هذا السند بعد أحمد بن محمد بن يحيى فيمكن تعويض هذه القطعة من السند بطريق الشيخ المذكور.

وفيه : ان نظرية التعويض بهذا العرض العريض غير مقبول عندنا ، إذ ليس معنى أخبرنا بكل رواياته وكتبه كل ما ينسب إليه أو يقع الشخص في سنده من الروايات ولا أقل من الإجمال ، والمتيقن انه يقصد كل ما هو يراه رواية له بان يسنده وينسبه في كتبه إليه كما لو بدأ السند به فانه حينئذ يمكن تطبيق نظرية التعويض على كلام متروك إلى محله وهذا الحديث ليس كذلك كما هو واضح.

الثانية ـ المناقشة في سند رواية الجعفي ، والإشكال فيه من ناحية إسماعيل بن جابر الجعفي فانه مردد بين عدة عناوين ، فانه قد ذكر النجاشي في فهرسته عنوان إسماعيل بن جابر الجعفي من دون ان يذكر توثيقا بشأنه غير انه ذكر ان له كتابا وذكر طريقا إليه صحيحا ينقل عنه صفوان بن يحيى. وذكر الشيخ في الفهرست عنوان إسماعيل بن جابر من دون لقب وقال ان له كتابا ، ولم يوثقه وذكر في رجاله عنوان جابر بن إسماعيل الخثعمي الكوفي وشهد بوثاقته. وحينئذ يقال باحتمال التعدد ، والرواية لم يقع في سندها عنوان الخثعمي الموثق في رجال الشيخ ( قده ).

وهناك طريقتان للتخلص عن الإشكال :

إحداهما ـ توثيق الآخرين على إجمالهما لنقل صفوان عنهما كما ذكر النجاشي في عنوان الجعفي وذكر الشيخ أيضا في عنوان إسماعيل بن جابر نقل صفوان عنه والطريق صحيح فيثبت وثاقتها حتى على تقدير تعدد هما بنقل صفوان بناء على المختار في مشايخ الثلاثة.

الثانية ـ محاولة التوحيد بين الثلاثة بمجموع قرائن ، من قبيل انه لو فرض التعدد لزم ما هو بعيد جدا من افتراض وجود ثلاثة اشخاص ومع ذلك يقتصر كل من الشيخ والنجاشي ( قدهما ) على ذكر أحدهم خصوصا وان الفهرست للشيخ مخصص لذكر أصحاب الكتب والأصول وقد ذكر الشيخ في الرّجال ان الخثعمي الثقة له كتب وروايات وله طريق إليه فلو كان هو غير المذكور في الفهرست بعنوان إسماعيل بن جابر

٦٠