جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

تخير بين الضرب بجميع ماله وبين أخذ الموجود بحصته من الثمن وضرب بالباقي مع الغرماء بلا خلاف أجده فيه عندنا مطلقا كما في المسالك ، لصدق عين المال على الموجود ، فيثبت التخيير فيه ، بخلاف التالف الباقي على مقتضى أصالة لزوم العقد فيه وتبعض الصفقة هنا لا أثر له ، لعدم ما يقتضي شمول هذا الفرد منه بالنسبة إلى كل منهما ، لكن في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : إن وجد بعض متاعه أخذه بالقيمة يوم يسترده ، وضرب بما يبقى من الثمن مع الغرماء فيما وجده للمفلس ، قال : وقد خالف الشيخ في موضعين الأول ـ إطلاق الضرب بالنقص ، الثاني احتساب المأخوذ بالقيمة ، والتالف بها ، والشيخ نسبهما إلى الثمن ، وهو لا يخلو من قوة.

وفي جامع المقاصد في شرح ما في القواعد « ولو كان للتالف قسط من الثمن كعبد من عبدين فللبائع أخذ الباقي بحصته من الثمن ، والضرب بثمن التالف » قال : « ان فيه نظرا من وجوه ، الأول : ان أخذ الباقي بحصته من الثمن إن كان على طريق المعاوضة توقف علي رضا المستحقين ، وصدور العقد على الوجه المعتبر شرعا ولا يقوله أحد ، وإن كان على جهة الفسخ فلا معنى لأخذه بحصته من الثمن ، بل يفسخ ويأخذه ، الثاني : ان الفسخ فيه وحده يقتضي تبعيض الصفقة وذلك غير جائز الثالث :أنه أطلق الضرب بحصته من الثمن ، وذلك لا يستقيم على أصله ، بل يجب أن يقيده بما إذا كانت القيمة أزيد من الثمن ، هربا من المحذور السابق ، فإن ساوت أو نقصت فيجب عنده الضرب بنقصانها كما سبق » ( إلى أن قال ) : « والذي يقتضيه النظر أنه يفسخ المعاوضة مطلقا ، أو يتركه مطلقا حذرا من لزوم تبعيض الصفقة ، أو يقال : ينظر حيث يكون على المفلس ضرر ، يفسخ في الموجود فيأخذه ، ويسقط حصته من الثمن ، ويبقى البيع في الأخر بحاله ، فيضرب بحصته من الثمن ، وذلك حيث تكون القيمة أزيد من الثمن ، أما إذا كانت أنقص أو مساوية فإنه يأخذ حصته من القيمة ، ولا يمنع ذلك كون العبدين بمنزلة مبيعين ، نظرا إلى أن لكل منهما قسطا من الثمن ، وان كان في الثاني مناقشة ، لأن المنع من تبعيض الصفقة لحق كلا منهما ، وإطلاق كلام ابن الجنيد يقتضي الفسخ في الجميع ، وأخذ الباقي بقيمته ، ويضرب بقيمة التالف ،

٣٠١

وقواه المصنف في المختلف ، وقوته بينة ».

وهو كما ترى ضرورة تعين الوجه الثاني في النظر الأول وقوله « لا معنى » إلى أخره لا معنى له ، إذ ذلك لازم للفسخ فيه وحده ، وإن كان مراده أنه لا معنى للتعبير عن ذلك بالأخذ بالحصة ، وفيه أنه متعارف في إرادة الفسخ فيما يقابله من الثمن ، كما أن النظر الثاني يدفعه ما أومأنا إليه من اشتراك التبعيض بالنسبة إليهما ، وأنه لا مانع منه بعد قضاء الدليل به ، واما الثالث فالفرق بين المقام وبين الأرش واضح ، ضرورة حصول فسخ العقد من أصله ، وكان مقتضى الضابطة الرجوع بالأرش على مقتضى القيمة ، لأنه ليس أرش معاوضة ، إلا أنه لما منع عنه قاعدة عدم اجتماع العوض والمعوض ، وجب التقييد فيه بذلك ، بخلاف المقام الذي هو فسخ للعقد بالنسبة إلى الموجود ، دون التالف ، فليس حينئذ إلا ما يخصه من الثمن بالنسبة ، ولا مدخلية للقيمة هنا أصلا ، ومن ذلك يعلم ما في كلامه الأخير ، بل وما في كلام ابن الجنيد الذي قواه في المختلف ، واستظهر منه في جامع المقاصد الفسخ في الجميع ، مع أن ما فيه من أخذ الموجود بالقيمة ينافي ذلك ، وعلى كل حال فكلام الأصحاب هنا في محله ، وليس فيه إلا تبعيض مقتضى العقد ، ولا بأس به بعد قضاء الدليل. فتأمل جيدا والله أعلم.

نعم إنما الإشكال في قول المصنف وغيره من الأصحاب ، بل لعله المشهور وكذا لو وجده معيبا بعيب قد استحق أرشه لكون الجاني أجنبيا ولو البائع ضرب مع الغرماء بأرش النقصان وإن زاد على الثمن فإنه ليس جمعا بين العوض والمعوض عنه ، كما سمعته من جامع المقاصد ، ويحتمل أن يريد بالأرش جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة النقصان إلى القيمة إن كان الثمن أنقص عن القيمة ، وإلا فنقصان القيمة ، كما صرح به في القواعد ، قال : « وإن كان بجناية أجنبي أخذه البائع ، وضرب بجزء من الثمن علي نسبة نقصان القيمة لا بأرش الجناية ، إذ قد تكون كل الثمن ، كما إذا اشترى عبدا بمائة تساوي مائتين فقطعت يده ، فيأخذ العبد والثمن ، وهو باطل ، هذا إن نقص الثمن عن القيمة ، وإلا فنقصان القيمة وعلى كل حال فهذا كله لو كانت الجناية توجب أرشا.

٣٠٢

أما لو عاب بشي‌ء من قبل الله سبحانه وتعالى أو جناية من المالك كان مخيرا بين أخذه بالثمن مجانا وبين تركه والضرب مع الغرماء بالثمن ، فإن المعلوم من قاعدة فسخ المعاوضة إيجاب رجوع كل مال إلى صاحبه عينا أو بدلا ، وكون العين في يد المشتري غير مضمونة للبائع ، معارض بماله قسط من الثمن ، مع أنا لا نقول أنها مضمونة مطلقا ، بل بمعنى أن الفائت في يد المشتري يكون من ماله ، لأن ذلك هو مقتضى عقود المعاوضات المضمونة ، فإذا ارتفع رجع كل من العوضين إلى مالكه أو بدله ، وأما كون اليد لا قسط لها من الثمن ، فإن أرادوا أن الثمن لم يبذل في مقابلتها منه شي‌ء ففساده ظاهر ، إذ لولاها لم يبذل جميعه قطعا ، وإن أرادوا أن الثمن لا يتقسط عليها وعلى باقي الاجزاء على نسبة الكثرة والقلة ، كالعشر في متساوي الأجزاء فهو لا يدل على مطلوبهم.

كل ذلك مع منافاة تعليلهم لما حكموا به من الأرش في جناية الأجنبي ، وإن كان قد أخذه المشتري ، ضرورة أنه أخذه والعين ملك له ، ولم تكن مضمونه عليه للبائع ، وكون الأرش جزءا من المبيع وقد أخذه المشتري ـ فلا يضيع على البائع بخلاف التعيب بالافة السماوية التي لم يكن لها عوض ـ لا يجدى بعد عدم كون العين مضمونة ، ومن هنا كان خيرة المحقق الثاني الرجوع بالأرش مطلقا ، بعد أن حكاه عن ابن الجنيد ، وأن المصنف في المختلف قواه ، واستحسنه الشهيد الثاني ، وقد عرفت أن كلام ابن الجنيد أجنبي عن ذلك ، وأن ظاهره عدم الفسخ مطلقا ، وانما يأخذ الموجود بالقيمة ، وفاء عن دينه ، فإن بقي له من الثمن شي‌ء ضرب مع الغرماء.

وأما ما سمعته من الأصحاب فقد يقال : إن الموافق للضوابط عدم استحقاق الأرش أصلا ، إذ هو كنماء الملك يستحقه المشتري ، والشارع إنما جعل له الفسخ في الموجود من ماله ، ففسخ العقد يوجب رجوع هذا المال إليه ، لأنه الموجود دون غيره ، والفرض أن التالف ليس مما يمكن بناء العقد بالنسبة إليه ، حتى يستحق ما يقابله من الثمن ، بل قد عرفت أن صفة الصحة والعيب ليست هي إلا كصفة الكتابة والعلم ونحوهما مما لا تقابل بأجزاء الثمن ، وإن زاد بسببها ، فان زيادته بها أعم من مقابلته‌

٣٠٣

لها ، كما هو واضح ، ولذا لم ينفسخ العقد قهرا فيما قابلها من الثمن عند فقدها ، فحينئذ إذا فسخ ليس له إلا الموجود الذي حصل فيه سبب الفسخ دون غيره الذي لا قسط له من الثمن ، وليس من قاعدة « كون التلف ممن لا خيار له » ضرورة تجدد الخيار ، وعدم حصوله من أول العقد. اللهم إلا أن تفرض المسألة فيما بعد الحجر لكنه خلاف ظاهر كلامهم ، ضرورة ظهوره في أنه حال تعلق الخيار وجد العين ناقصة ، ولا يكون ذلك إلا قبل الحجر فتأمل جيدا.

فظهر من ذلك أن الموافق لمقتضى الضوابط ، عدم استحقاق الأرش أصلا ، إلا انه حيث يكون مستحقا على الأجنبي حكموا بالرجوع به ، باعتبار كونه قائما مقام الجزء التالف ، وأنه ليس في الحقيقة تضمين للمالك ، ولكن التعليل كما ترى ، ولعل المتجه عليه رجوعه به مع وجوده ، أما مع فرض تلفه من المالك ، أو من قبل الله تعالى ، فهو كالجزء بل هو أولى منه في عدم الرجوع ، كما أن المتجه عليه الرجوع بمقداره لا بأزيد ، لو فرض تفاوت القيمة ، بحيث لو كان الجاني البائع فقد يبقى له ويضرب به ، وقد ينقص ويبقى مشغول الذمة به للمفلس ، وقد يتساويان فيأخذ منه ما عليه ويضرب بماله.

والإنصاف أن العمدة في إثبات ذلك من أصله حينئذ الإجماع إن تم ، وإلا فلا ، وحينئذ فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو أقل الأمرين من تفاوت القيمة ، ومن النسبة إلى الثمن ، كما سمعته من الفاضل في القواعد ملاحظا فيه أرش المعاوضة من جهة ، وأرش الجناية من أخرى ، فرارا من عدم جواز الجمع بين العوض والمعوض ، وأطلق في المسالك ملاحظة الأرش بنسبة الثمن ، معللا له بأن السبب في ذلك الهرب من الجمع بين العوض والمعوض ، فلم يلاحظ فيه الا أرش المعاوضة ، وهو لا يخلو من وجه ، لكن في جامع المقاصد « أن المتجه الرجوع بتفاوت القيمة مطلقا وان زاد على الثمن » وليس فيه جمعا بين العوض والمعوض ، إذ لم يأخذ ذلك على أنه ثمن ، بل على أنه عوض الفائت الذي استحق بالفسخ عينا أو قيمة ، فلاحظ فيه نحو أرش الجناية على كل حال ، والمتجه على ما ذكرنا الاقتصار على المتيقن ، وهو ما عرفت‌

٣٠٤

فتأمل جيدا.

ولو قبض نصف الثمن مثلا وتساوى العبدان قيمة وتلف أحدهما ، فعن ابن الجنيد أنه يجعل المقبوض في مقابلة التالف ، ويتخير بين الضرب بالباقي ، وبين أخذ العبد الموجود به ، لتناول الخبر له.

وفيه أن مقابلة المقبوض للتالف لا مقتضى له ، فإن جملة الثمن في مقابلة المبيع ، ولا أولوية لكون المقبوض مقابل التالف على كونه في مقابل الموجود ؛ ومن هنا كان المحكي عن ابن البراج مراعاة التوزيع بمعنى أن له الرجوع بنصف الموجود ، ويضرب حينئذ بربع الثمن مع الغرماء ، وله عدم الفسخ والضرب بما بقي له من الثمن ؛ لكن فيه مضافا الى التضرر بالشركة أن هذا الخيار على خلاف الأصل ، والمتيقن منه ما إذا لم يقبض من الثمن شيئا فيبقى غيره على قاعدة اللزوم ، خصوصا بعد النبوي (١) « وإن كان قد قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء » والله أعلم هذا كله إذا وجد المبيع ناقصا.

وأما إذا كان زائدا كما لو حصل منه نماء منفصل كالولد واللبن ونحوهما كان النماء للمشتري ، وكان له أي البائع أخذ الأصل بالثمن بلا خلاف بيننا ولا إشكال ، بل في المسالك أنه موضع وفاق ، بل لا فرق في الولد بين الحمل والمنفصل ، ولا في اللبن بين المحلوب وغيره ، لكون الجميع نماء ملك المشتري.

ولو كان النماء متصلا كالسمن والطول مثلا فزادت لذلك قيمته قيل والقائل الشيخ فيما حكى عنه وعن جماعة له أي البائع أخذه ، لأن هذا النماء يتبع الأصل لأنه محض صفة ، وليس من فعل المفلس فلا يعد مالا له ، ولأنه يصدق عليه أنه وجد عين ماله ، بل الظاهر عدم صدق أن معها غيرها ، ولأن الفسخ هنا كالفسخ بالخيار الذي لا إشكال في كون هذه الزيادة فيه لمن عادت العين له به ، وما في جامع المقاصد من الفرق بينهما بثبوت استحقاق الرجوع بأصل العقد في الخيار ، بخلافه هنا ، فإنه طار بعد الحجر ـ غير مجد ، بعد اشتراكهما في أن الفسخ من حينه ، وبعد

__________________

(١) سنن البيهقي ـ ج ٦ ص ٤٧.

٣٠٥

عدم رجوع غيره من النماء بفسخ الخيار ، وإن كان ثابتا بأصل العقد.

ولكن مع ذلك قال المصنف فيه تردد مما ذكرنا ، ومن أنها زيادة عينية قد وقعت في ملك المشتري ، وان لم تكن من فعله ، فهي في الحقيقة عين مال البائع مع شي‌ء آخر ، ومن هنا كان خيرة جماعة منهم الفاضل في المختلف وابن الجنيد والمحقق الثاني أن الزيادة للمفلس ، لكنها لا تمنع من رجوع البائع ، لعدم سلبها صدق اسم وجدان العين ، فإذا رجع كان شريكا معه بالنسبة ، لكن ظاهر ما عن التذكرة أو صريحها عدم جواز الفسخ من أصله ، لأنه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على المتيقن الذي هذا ليس منه ، وفيه مالا يخفى ، بل لعل القول الثاني. الذي هو مراد المصنف من تردده على الظاهر لا يخلو من ضعف أيضا على ما عرفت والله أعلم.

وكذا الكلام لو باعه نخلا وثمرتها قبل بلوغها وبلغت بعد التفليس فزادت قيمتها لزيادة في نفس الثمرة ، أما إذا كانت الزيادة في القيمة خاصة ، مع بقاء الثمرة على قدرها ، ففي المسالك في إلحاقها بالمسألة وجهان ، من كون الزيادة القيمية حصلت في ملك المفلس فلا يؤخذ منه مجانا ، ومن بقاء عين مال البائع من غير تغيير ، فيدخل في عموم الخبر ، ثم قال : واستقرب في التذكرة عدم جواز الرجوع في العين مطلقا متى زادت قيمتها لزيادة السوق ، وألحق به ما لو اشتراها المفلس بدون ثمن المثل ».

قلت : لا إشكال في ضعف ما في التذكرة ، ضرورة اندفاعه بإطلاق النص ، إنما الكلام في أن زيادة السوق لأوصاف حصلت في ملك المفلس ، كزيادته بالسمن والطول ونحوهما ، أولا ، الظاهر الثاني ، وإن قلنا به في الأول ، لعدم كونها نماء في كل مقام تنفسخ فيه المعاوضة ، وعدم صحة سلب عدم وجدان عين المال بها ، بل ولا صدق وجدان غيرها معها كما هو واضح. والله أعلم.

أما لو اشترى حبا مثلا فزرعه وأحصد ، أو بيضة فأحضنها وصار منها فرخ لم يكن له أي البائع أخذه لأنه ليس عين ماله كي يصح له الفسخ فيه ،

٣٠٦

ضرورة استحالته في ملك المشتري ، وليس المدار في الرجوع بالمغصوب على كونه عين المال حال الغصب ، ومن هنا صح الرجوع فيه وإن استحال في يد الغاصب إلى حقيقة أخرى ، إذ هو مال المالك على أي حال يكون ، ومنه زرع المرتهن للحب المرهون ، بل قد يقال : ليس للبائع الفسخ في العصير إذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل ، لكنه لا يخلو من اشكال. نعم في المسالك « لو قلنا بالمنع من الرد في الزيادة المتصلة ، فهنا أولى » وقد عرفت أن المختار عندنا عدم المنع من الرد فتأمل.

ولو باعه نخلا حائلا فأطلع وفسخ البائع أو أخذ النخل قبل تأبيره لم يتبعها الطلع فضلا عن غيره من الأشجار ، لأنه من النماء الذي قد سمعت الحكم فيه ، ودخوله في البيع للدليل لا يقتضي دخوله هنا ، بعد حرمة القياس عندنا ، فما عن الشيخ رحمه‌الله من الدخول كما عن أحد قولي الشافعي ضعيف ، أما إذا أبر فلا يتبعه قولا واحدا ، والظاهر عدم استحقاق المالك الأجرة حينئذ لو أراد المشتري الإبقاء إلى الجذاذ ، كما صرح به الفاضل في القواعد ، والمحقق الثاني والشهيد الثاني ، وكذا الحمل والزرع في الأرض ، ونحو ذلك ، بل في المسالك أنه يستحق بقاؤه إلى حصاده بلا أجرة قولا واحدا ، ولعله لأن الثابت له الفسخ في العين ، وردها إلى ملكه وقد حصل ، وليس له رد المنفعة التي قد استحقها المفلس ، بل هو بمنزلة من استوفاها ، كما انه ليس له إدخال الضرر عليه بإتلاف ماله لو أراد قلعه ، وهذا بخلاف ما لو آجر أرضا فزرع المستأجر وأفلس ، ففسخ المؤجر ، فإنه يستحق أجرة المثل حينئذ على الإبقاء إلى وقت الحصاد ، لان مورد المعاوضة هنا المنفعة وقد فسخ ، ولم تعد إليه باعتبار استحقاق الإبقاء عليه ، فله عوضها حينئذ ، خصوصا والمفلس لم يكن يستحقها مجانا قبل الفسخ ، فكيف يستحقها كذلك بعده.

وبالجملة الفرق بين المسألتين واضح ، ولكن لا يقتضي عدم استحقاق الأجرة في المسألة الأولى ، إذ قد يقال بذلك مراعاة للجمع بين الحقين ، إذ المشتري كان له الإبقاء من حيث أنه مالك لا مطلقا ، بل قد يفرق بين المقام ، وبين بيع الأرض المزروعة ،

٣٠٧

باعتبار ظهور العقد الحاصل برضاهما في البقاء ، بخلاف الفسخ الحاصل قهرا على المشتري ، ومن هنا كانت المسألة لا تخلو من إشكال ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا إشكال في استحقاق البقاء على البائع ، لأنه ليس بظالم ، ولتوقف تمام ماليته على ذلك ، والأجرة إن كان يستحقها المالك عليه من جهة شغل ملكه فهي من الشرع ، لا أن استحقاق البقاء مشروط ببذلها ، فهي حينئذ تكليف مستقل مع الشك ينفى بالأصل ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق. والله أعلم.

وكذا لو باع أمة حائلا فحملت ، ثم فلس وأخذها البائع لم يتبعها الحمل لو فسخ البائع ، إذ هو كغيره من الحمل والنماء ولعل عود ( ذكره ) بالخصوص تنبيها على أن مقتضى قول الشيخ ـ في تبعية الحمل للأم في البيع لكونه كالجزء منها ـ القول بالتبعية هنا ، بناء على عدم منع النماء المتصل نحو السمن والطول ، كما سمعته من الشيخ سابقا ، لكن قد عرفت ضعفه في محله ؛ والله أعلم.

ولو باع شقصا وفلس المشتري كان للشريك المطالبة بالشفعة ، ويكون البائع أسوة مع الغرماء في الثمن بلا خلاف أجده بين أصحابنا في الحكمين ، الواضح وجه ثانيهما ، وأما وجه أولهما فقوة حق الشفعة ، بدليل ثبوتها مع انتقال العين عن المشتري حتى لو جعلها مسجدا ، بل لو تقايل المتبايعان كان للشفيع ابطال التقايل ، والأخذ بالشفعة ، بل لو فسخ البائع بعيب في الثمن كان للشفيع فسخ الفسخ ، والأخذ بالشفعة في أحد الوجوه ، أو أصحها ، وكذا المشتري إلى غير ذلك مما يستفاد منه قوة حق الشفعة ، بخلاف خيار البائع الذي لم يثبته الشارع إلا مع وجود العين ، ولان تعلقها هنا في العين أسبق ، ضرورة حصولها بالعقد ، بخلاف الخيار المتوقف على فلس المشتري ، فهي حينئذ أرجح منها بالسبق ، ولأنها لاحقة للبيع بذاته والخيار لاحق له بواسطة الحجر ، وما بالذات أولى مما بالعرض.

وإن كان الأخير كما ترى ، لا محصل له بحيث يصلح مدركا لحكم شرعي ، بل وسابقه ، إذ السبق باعتبار سبق السبب لا يقتضي ترجيحا على المتأخر الذي تأخر‌

٣٠٨

سببه ، كما هو واضح ، فانحصر الوجه في الأول الذي لولاه لكان المتجه ثبوت حقهما معا ، فأيهما سبق كان الحق له ، ومع الاقتران يبطلان ويبقى للمفلس ، أو يستخرج أحدهما بالقرعة ، مع القطع بتأثير أحدهما في الواقع ، والاحتمال في الظاهر بناء على اعتبار ذلك في القرعة ، إذ لا ظهور في دليل كل منهما في نفى ثبوت حق لغيره ، بل مقتضى عموم دليلهما الثبوت لهما ، فهو كما لو قال الشارع بالخصوص لهذا الشريك الشفعة ، ولهذا البائع الخيار.

بل قد يظهر لك مما ذكرنا وجه في أصل المسألة إن لم يقم إجماع على خلافه ، وهو القول بأن الحق للسابق منهما ، ومع الاقتران ترجح الشفعة بما ذكر مرجحا لها من القوة وغيرها ، بل لعل هذا أولى مما ذكره في القواعد وغيرها من احتمال تقديم حق البائع ، لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر بالشركة التي لا يختارها الشريك ، والضرر هنا يزول عن الشفيع ، لأن البائع إذا رجع في الشقص عاد الأمر كما كان قبل البيع ، ولم يتجدد شركة غيره ، واحتمال تقديم حق الشفيع بالعين ، والبائع بالثمن على سائر الغرماء ، حيث تعذر أخذه العين ، وحيث إنه عوض ماله الذي قد وجده في حال الحجر بعينه ، وقد كان حقه التقديم به لولا عروض مانع سابق ، فيرجع إلى بدله جمعا بين الحقين ، إذ الأخير واضح الفساد ، لعدم حق بعد للبائع ، بعد تقديم الشفيع في العين لكون الثمن حينئذ من أموال المشتري ، فهو وغيره من الغرماء سواء فيه ، بل والأول لكون الضرر حكمة في الشفعة ، لا علة تدور مدارها ، فلا ريب في أن ما ذكرناه أولى منهما والله أعلم.

ولو فلس المستأجر قبل تمام استيفاء المنفعة كان للمؤجر فسخ الإجارة إن شاء من غير خلاف أجد فيه ، إلحاقا للمنافع بالأعيان ، وتنقيحا للمناط ، بل ربما تكلف إدراج المنفعة في بعض نصوص الخيار وحينئذ ف لا يجب عليه إمضاؤها ولو بذل الغرماء الأجرة من مال المفلس أو من مالهم ، ولو بالإباحة للمفلس على حسب ما عرفته في بذل ثمن المبيع ، ولو كان قد استوفى المستأجر بعض المنفعة قبل الفلس ،

٣٠٩

فسخ المؤجر فيما بقي وضرب بما يقتضيه التقسيط بالنسبة إلى الماضي مع الغرماء ، إذ هو كتلف بعض المبيع الذي يسقط عليه الثمن ، إذ المنفعة قليلها وكثيرها يمكن إفرادها بالإجارة ، بل وكذا لو استوفى بعد الفلس ، ولو كانت العين المستأجرة أرضا قد زرعها المفلس ، أو غرس فيها ، أو بنى كان له الفسخ أيضا ، واستحق أجرة المثل على الإبقاء ، لما عرفت سابقا من الفرق بين الإجارة والبيع في ذلك.

بل صرح في المسالك هنا « أن لها الأجرة مقدمة على الغرماء ، لما فيها من مصلحتهم بحفظ الزرع ، كأجرة الكيال والوزان » وإن كان لا يخلو من تأمل ، بناء على استحقاق البقاء عليه ، وإن وجبت الأجرة شرعا جمعا بين الحقين ، ولو كانت الإجارة على عين كلية في ذمة المؤجر ، ولم يكن قد أقبضها المستأجر ، فالظاهر أن له الفسخ أيضا ، بل لعله أولى من الفسخ في العين المشخصة التي سلمها المؤجر ، وفي المسالك « إن اختار المؤجر الإمضاء أمره الحاكم بتعيينها ليؤجرها » وهو كذلك ، بل قد يقال : إن له الفسخ لو كانت الإجارة على عمل في ذمته ، وقد فلس المستأجر قبل أن يعمل العمل كله ، أو بعضه ، فإنه أولى من العين.

ومنه ينقدح الخيار للبائع لو كان قد باعه شيئا في ذمته وقد فلس المشتري قبل أن يقبضه ، لكون المناط في الجميع واحدا ، ولو فسخ مؤجر العين وقد وجد عينه مشغولة بحمل مال للمفلس ، وجب الإبقاء بالأجرة إلى المأمن ، مقدما بها على الغرماء ، وكذا لو كان المفلس راكبا لها ، دفعا للضرر على نفسه الذي هو أولى من حفظ ماله ، كما صرح بذلك كله في المسالك ، وإن كان لا يخلو التقدم في الأخير من بحث ، إلا أن يدخل تحت النفقة.

والظاهر أن له الفسخ وإن كان المأمن في صوب المقصد ، لوجود السبب ، وعدم الفائدة في بعض الافراد غير قادح بعد وجود السبب ، مع أنه يمكن تصوير الفائدة في كثير من الأفراد ، بل له الفسخ وإن كان المأمن منتهى المسافة المستأجرة عليها ، وكذا له الفسخ وإن كان النقل إلى المأمن يحصل بإجارة مساوية للنقل إلى‌

٣١٠

المقصد ، أو أكثر ، لكن في التذكرة أن الأولى وجوب النقل إلى المقصد ، وعدم تخيره في الفسخ ، بل يجب عليه إمضاء العقد ، ثم قال : وهل يقدم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمى اشكال ، وهو كما ترى حتى في إشكاله ، فإن المتجه بناء على عدم الفسخ عدم التقدم ، كما هو واضح.

نعم ما فيها من أنه لو كان المأمن في صوب المقصد ، وصوب مبدء المسافة أو تعددت مواضع الأمن وتساوت قربا وبعدا ففي التذكرة فإن كان اجرة الجميع واحدة نظر إلى المصلحة ، فإن تساوت كان له سلوك أيها شاء ، لكن الأولى سلوك ما يلى المقصد ، لأنه مستحق عليه في أصل العقد ، وان اختلفت الأجرة سلك أقلها أجرة ، وإن تفاوتت المصلحة ، فإن اتفقت مصلحة المفلس والغرماء في شي‌ء واحد تعين المصير اليه ، وإن اختلفت ، فالأولى تقديم مصلحة المفلس ، ولا بأس به ، ولو أفلس المؤجر بعد تعين الدابة فلا فسخ ، بل يقدم المستأجر بالمنفعة ، كما يقدم المرتهن ، لأصالة اللزوم ، وسبق الاستحقاق.

نعم للغرماء البيع مستحقة المنفعة ، ولهم الصبر إلى انقضاء الإجارة إذا لم يوجد راغب ، لكن هل يبقى الحجر مستمرا عليه إلى انقضائها احتمال. ولعل الأقوى عدمه ، ولو كانت الإجارة على الذمة ، فله الرجوع إلى الأجرة إن كانت باقية ، للوجدان ، وله الضرب بقيمة المنفعة ، كما أنه يتعين له ذلك لو وجدها تالفة ، وليس له الفسخ والضرب بالأجرة ، لأنه ليس كالسلم كما هو واضح والله أعلم.

ولو اشترى أرضا فغرس المشتري فيها أو بنى ، ثم أفلس كان صاحب الأرض أحق بها قطعا ، بل لا خلاف أجده فيه ، لصدق وجود العين وليس له إزالة الغروس ولا الأبنية مع عدم بذل الأرش قطعا. وهل له ذلك مع بذل الأرش ، قيل : والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة نعم لظهور ما دل على أن له الرجوع في العين في استحقاق منافعها ، وحيث وضع بحق جمع بين الحقين ببذل الأرش والوجه المنع لأنها قد وضعت بحق خالص للمالك ، فليس لأحد إزالتها‌

٣١١

لاحترامها ، والأرش مع عدم الرضا به لا يسقط احترامها ، بخلاف الأرض التي كانت ملكا للمفلس ، وقد انتفع بها بذلك ، ولم يكن لأحد فيها حق أصلا. وإنما تجدد له الرجوع بالعين خاصة ، بل المتجه عدم استحقاق الأجرة على البقاء ، كما صرح به في جامع المقاصد ، للأصل الذي قد سمعته في الزرع.

بل في المسالك « أنه يلزم على قول الشيخ أن له الإبقاء بالأجرة لا مجانا ، لأن ذلك هو مقتضى تعليله ، ولكن لم يذكر احد استحقاقه الأجرة لو أبقاها ، نعم هو وجه لبعض الشافعية » وربما يستفاد منه عدم الخلاف في عدم استحقاق الأجرة مع اختيار البقاء ، بل لعل الشيخ أيضا لا يقول بها. وإن جوز له القلع بالأرش ضرورة عدم تلازمهما.

وحينئذ فطريق معرفة الأرش على قول الشيخ تقويم الغرس والبناء قائمين بلا أجرة ومقلوعين ، فالتفاوت بينهما هو الأرش. ولكن التحقيق مساواة الغرس للزرع في استحقاق البقاء بلا أجرة ، وعدم جواز القلع بالأرش إلا مع التراضي ، واحتمال الفرق بينهما بأن له أمدا ينتظر ، بخلاف الغرس والبناء ، فيحصل الضرر عليه اعتبار لا يصلح معارضا لما يقتضيه الضوابط ، خصوصا بعد أن كان الفسخ اختياريا له ، لا قهريا عليه. فتأمل جيدا.

نعم لو أفلس بثمن الغرس أيضا ففسخ صاحبه ، لعدم عوده زيادة على ما كان ، أو قلنا أن مثله يتبع العين كالسمن ـ لم يكن له استحقاق بقاء على صاحب الأرض بل له قلعه من دون أرش لأنه دفعه إلى المشتري مقلوعا ، بل لو قلعه صاحبه كان عليه طم الحفر ، لأنه احداث في ملك الغير لتخليص ماله ، ومصلحة بسبب فعل غير مضمون ، إذا لم يكن الغرس في الأرض عدوانا ، ومن هنا كان الظاهر أنه ليس لأحدهما مطالبة الآخر بتخليص ماله من مال الأخر ، لان الغرس لم يقع من واحد منهما بغير حق ، وإنما فعله المفلس حين كان مالكا للعين والانتفاع.

نعم لكل واحد منهما تولي ذلك ، والأولى استيذان الحاكم. والظاهر أن‌

٣١٢

صاحب الأرض له قلة ، وان كان هو حين القلع لم يكن صالحا بعد للغرس ، لأن منفعة الأرض لبائعها بعد الفسخ ، ولم يكن الغرس للمفلس ، حتى يستحق إبقاؤه. لأن الفرض أن صاحبه قد فسخ أيضا ، وقد يحتمل في المقام من جهة خبر « الضرر والضرار (١) » أن لصاحب الغرس أرش النقص على المفلس ، أو يقال : إن له الإبقاء بالأجرة أو يقال إن لصاحب الأرض القلع بالأرش. والله أعلم.

وكيف كان فمفروض مسألة المتن أن الغرس للمفلس ، وقد عرفت أن الحكم فيها الفسخ ، فتكون الأرض للبائع ، والغرس للمفلس ، ثم يباعان ويكون له أي البائع ما قابل الأرض بأن يقوما معا ثم تقوم الأرض مشغولة به مجانا ما بقي على ما عرفت ، وينسب قيمتها كذلك إلى قيمة المجموع ، ويؤخذ لها من الثمن بنسبة ذلك ، والباقي للمفلس. هذا إن رضي صاحبها بالبيع ، فإن امتنع بقيت له الأرض ، وبيعت الغروس والأبنية منفردة باقية في الأرض من غير أجرة ، ولا يجبر على بيع الأرض ، وإن استلزم نقصانا عليه في بيعهما منفردين ، لأن الذي له ذلك ، فإذا بيعت كذلك كان للمشتري الدخول ، والسقي وغيرهما من الاحكام ، نحو ما تقدم فيمن باع بستانا واستثنى منها شجرات أو نخلات. كما هو واضح والله أعلم.

ولو اشترى زيتا فخلطه بمثله لم يبطل حق البائع من العين لوجودها وإن كانت غير متميزة ، إذ هو لا يستلزم عدمها ، بعد أن لم تكن واسطة بين الموجود والمعدوم ، فيقسم حينئذ بينه وبين المفلس ، لان الفرض التساوي في الزيت ، وكذا لو خلطه بدونه في عدم بطلان حقه من العين ، بل وفي القسمة عند المصنف وغيره لانه بفسخه رضي بما دون حقه وفيه أنه أعم من ذلك ، ولعل الأوجه أن له التوصل إلى حقه بالبيع ، ويكون له من الثمن بنسبة ما يخصه من القيمة ، كما جزم به في محكي التحرير ، لأنهما كالمالين لشخصين لو بيعا صفقة ، وإن كانا مستقلين.

واحتمال الشركة في العين على هذه النسبة ، يدفعه ـ مضافا إلى لزوم الربا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٤ ـ ٥.

٣١٣

بناء على عمومه لكل معاوضة ولو القهرية ـ أنه لا معاملة بينهما على ذلك ، والامتزاج لا يستلزمه قهرا ، وإنما يستلزم الشركة قهرا في المالين على نسبة قدرهما ، على معنى استحقاق كل منهما النصف مع فرض التساوي ، وبحيث لو تلف منه يكون بالنسبة ، أما لو بيعا لو حظ في ثمنهما ملاحظة المالين المستقلين ، ضرورة تفاوت الثمن بالنسبة إليهما ، ولا تلازم بينه وبين الاشتراك بالعين ، وللبائع الامتناع من العين هنا إذا رضي بدون حقه ، لأنه يكون حينئذ شريكا.

لكن في جامع المقاصد « فان قيل : إنه هل يجاب البائع لو طلب القسمة بعد الرجوع والمخلوط به المثل والأردى؟ قلت : يحتمل أن لا يجاب ، لأن الخلط لم يكن على طريق الشركة ، وإنما وقع ذلك من المفلس حين كان مالكا لكل منهما ، فلو أجبناه إلى القسمة لزم تملكه بعض مال المفلس ، لامتناع فصل ملكه ، وهو باطل ، ولأن القائلين باستحقاق القيمة بالبيع بعد الرجوع لم يفصلوا ، وظاهرهم إطلاق الحكم في الحالات كلها » وفي التحرير أثبت له المطالبة بالبيع في الخلط بالمثل والأردى.

قلت : ظاهر الأصحاب في غير المقام وقوع الشركة قهرا في الممتزج بالمساوي ، وكذا الأردى إذا رضى صاحب الجيد ، ولعله لأن الامتزاج موجب لذلك حتى في صورة الاختيار الذي يكون الفائدة فيه حينئذ الرضا بإيجاد السبب المقتضي للشركة في نفسه ، وحينئذ فطلب القسمة في محله ، أما لو كان بالأردى فمع رضاه يعمل السبب حينئذ عمله من الاشتراك قهرا ، فلو بيعا حينئذ لم يكن له الأعلى حسب الشركة ، ولا يستحق من الثمن بمقدار قيمة ماله ، لأن الفرض حصول الشركة.

نعم له أن لا يرضى ويطالب بالبيع ، فيخصه من الثمن على نسبة القيمة ، لكن الإنصاف أن ذلك كله محتاج إلى الدليل ، وإلا فالذي تقتضيه الضابطة بقاء كل مال على ملك صاحبه حينئذ حتى في المتساوي ، لتوقف ملك كل منهما شيئا من مال الأخر على الترضي ، والفرض عدم حصوله منهما ، أو من أحدهما ، وربما كان هو ظاهر المحكي عن ابن الجنيد الذي اختاره في المختلف فلاحظ وتأمل.

٣١٤

وإن كان قد خلطه بما هو أجود قيل والقائل الشيخ والفاضل في بعض كتبه يبطل حقه من العين ، ويضرب بالقيمة التي يطلب بها المفلس ، مع الغرماء لكونها حينئذ كالتالفة بالاختلاط ، وعدم التمكن من القسمة ، للإضرار بالمفلس ، وفيه أنه يمكن التوصل إلى حقه بالبيع ، ويكون من الثمن على نسبة القيمة ، ولو أثر مثل هذا الاختلاط في ذهاب العين ، لزم مثله في القسمين الأولين ، ومن هنا كان مختار الفاضل وثاني الشهيدين ذلك ، فعليه لو كانت قيمة زيته درهما ، والممزوج به درهمين ، أخذ ثلث الثمن ، وهكذا ، وليس له الامتناع من البيع هنا ، وإن احتمله بعضهم ، لانحصار التوصل الى حقه فيه ، نعم للغرماء والمفلس الامتناع من البيع إذا رضوا بالقسمة معه على قدر المالين ، بناء على ما ذكرنا سابقا لانحصار الحق فيهم ، فمع رضاهم بدون حقهم لم يكن لأحد منعهم ، هذا.

وعن الشيخ أنه حكى هنا قولا آخر ، وهو الشركة في العين على نسبة القيمة فإذا خلط جرة تساوي دينارا بجرة تساوى دينارين فللبائع قيمة ثلث الجميع ، فيعطى ثلث الزيت ، وغلطه باستلزامه الربا ، وفي المسالك « أنه يتم على القول بثبوته في كل معاوضة ، ولو خصصناه بالبيع لم يكن القول بعيدا » قلت : هو بعيد أيضا ضرورة عدم المعاملة بينهما ، والامتزاج لا يستلزم ذلك ، فلا ريب في أن المتجه ما عرفت.

نعم قد يحتمل الرجوع إلى الصلح القهري ، بل وفي المسالك في باب الغبن في نحو المقام ، أنه لا يخلو من قوة بل فيها وفي الروضة هناك ما فيه نوع منافاة في الجملة ، فلاحظ وتأمل والله أعلم.

ولو نسج المشتري الغزل أو قصر الثوب أو خبز الدقيق أو عمل نحو ذلك مما يفيد المبيع صفة محضة لم يبطل حق البائع من العين قطعا لعدم خروجها بذلك عن الوجود ، بل ان لم تزد قيمة المبيع بهذه الصفات لم يكن للمفلس شي‌ء سواء غرم عليه شيئا أولا ، واحترام عمله ـ بعد أن كان في ماله ـ لا يقتضي استحقاق شي‌ء على البائع ، كما انه إن نقصت قيمته لم يكن شي‌ء للبائع ، بناء على ما عرفت‌

٣١٥

سابقا من عدم استحقاق البائع الأرش بجناية البائع المقتضي للعدم في المقام بطريق أولى.

إنما الكلام فيما لو زاد بعمله ومقتضى قول المصنف كان للغرماء ما زاد بالعمل القطع بذلك ، وهو أحد القولين في المسألة ، فلو كان الثوب غير مقصور يساوي مائة ومقصورا يساوي مائة وعشرين كان للمفلس سدس الثمن ، ووجهه أن هذه الزيادة بسبب فعل للمفلس ، وفيه أن المتجه بناء على ما ذكرنا من عدم استحقاق المشتري السمن ونحوه ، العدم هنا ، كما في القواعد ، بل هو أولى ضرورة عدم كون الحاصل هنا إلا صفة محضة لا يعقل ملكها مستقلا ، فهي من توابع المملوك.

ودعوى ـ أن الفرق بينها وبين السمن حتى أنه يمكن القول بالعدم هناك ، بخلافه هنا ، بأن السمن ونحوه من الله ، وإن كان سببه من فعل المكلف ، كالعلف والسقي مع أنه قد يتخلف عنهما ، بخلاف المقام الذي هو من فعله أو في حكمه ، كما لو استأجر على العمل مثلا ، ولذا لم يجز الاستيجار على الأول دونه ـ يدفعها أنها بعد التسليم ، لا تجدي ، إذ الفعل بعد أن كان في ملكه لم يكن له ضمان على أحد ، وإنما استحق البائع العين التي يلزمها تبعية مثل هذه الأوصاف ، كما هو واضح ، ولا فرق بين كون الصفة من فعله ، أو فعل غيره ، بعد أن كانت نماء ملكه ، وزيادة قيمة العين سببها له ، فليس السبب إلا ما ذكرنا ، وبذلك قد استرحنا عن تحقيق حال الزيادة أنها وقت الفسخ ، كما هو ظاهر المسالك ، أو ولو تجددت ، كما هو مقتضى التعليل السابق.

وعلى كل حال فقد ظهر لك عدم لحوق هذه الصفات بالأعيان المتولدة من العين المحكوم بكونها للمفلس ، لأنها نماء ملكه ، ولو ألحقنا الصفة بالعين ، كان للأجير على الطحن والقصارة ، حبس الدقيق والثوب لاستيفاء الأجرة ، كما أن للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن ، بل لو تلف الثوب أو الدقيق بيده لم يستحق الأجرة قبل التسليم فإنه حينئذ كالمبيع التالف قبل قبضه ، أما على عدم الإلحاق استحق ، لانه صار مسلما بالفراغ ، ولو أفلس قبل إيفاء الأجير أجره القصارة مثلا ، ففي القواعد إن لم يزد بها‌

٣١٦

فلا شي‌ء للأجير في ثمن العين وإن زاد وألحقنا هذه الصفة بالأعيان ، فإن لكل من البائع والأجير الرجوع إلى عين ماله ، فلو ساوى قبل القصارة عشرة ، والقصر خمسة ، والأجرة درهما قدم الأجر بدرهم والبائع بعشرة وأربعة للغرماء والمراد أن للأجير حبس العين حتى يستوفي أجره ، وليس له عين مال قطعا ، بل له الحبس ، وإن لم يزد الثوب بقصارته كما سمعته سابقا ، والله أعلم. فتأمل جيدا.

ولو كان قد صبغ الثوب فإن لم تزد قيمته بالصبغ لم يكن للمفلس شي‌ء بلا خلاف أجده ، بل في المسالك قولا واحدا ، فيختص البائع حينئذ بالعين ، لكونها قائمة بخلاف عين مال المفلس ، فإنها ذاهبة ، والفرض أن الصفة لا أثر لها ، ولو زادت قيمته بقدر قيمة الصبغ كان شريكا للبائع في الثمن ، بقدر قيمة الصبغ فلو فرض ان قيمة الثوب غير مصبوغ أربعة ، والصبغ درهمان ، والمصبوغ ستة ، فللمفلس ثلث الثمن ، ولو زادت قيمته بأقل من قيمته ، كما لو فرض قيمته مصبوغا في المثال خمسة ، فالنقصان على الصبغ ، لان الصبغ تتفرق أجزاؤه في الثوب ويهلك ، والثوب قائم بحاله ، فكانت نسبة النقصان إليه أولى ، وبه جزم في القواعد لكن لا يخلو من نظر ، وشرطه في المسالك بأن لا يعلم استناد النقصان أو بعضه في الثوب وإلا لحقه بسببه ، بل قد يظن من إطلاق المصنف الشركة بمقدار الصبغ ، وقوع النقصان عليهما بالنسبة ، فتأمل.

ولو زادت قيمة الثوب مصبوغا على قيمة الصبغ ، كما لو فرض كون الثوب في المثال يساوى ثمانية ، فالمتجه بناء على ما ذكرناه اختصاص البائع بالزيادة ، لأنها صفة محضة ، وقد عرفت تبعيتها للعين ، ويجي‌ء على ما سلف سابقا احتمال اختصاص المفلس بها ، لأنها كالأعيان ، فيكون الثمن حينئذ في الفرض بينهما نصفين ، وقد يحتمل هنا بسطها على قيمة الثوب والصبغ ، فيكون الثمن أثلاثا ، بل لا محيص عنه إذا فرض كون الزيادة للثوب والصبغ ، هذا كله حكم ما إذا لم تنقص قيمة الثوب به أي الصبغ ، فإن نقص لم يكن للمفلس شي‌ء ، بل هو أولى مما إذا لم يزد به الذي عرفته‌

٣١٧

فيما تقدم. والله أعلم.

وكذا البحث فيما لو عمل المفلس فيه عملا بنفسه ضرورة عدم الفرق بينه وبين الاستيجار عليه ، بل وكذا لو تبرع متبرع به باذن المالك ، فإن الجميع عند المصنف متى زاد المتاع به كان المفلس شريكا للبائع معه في الثمن بقدر العمل على حسب ما عرفت ، وقد تقدم أن التحقيق عندنا عدم استحقاقه شيئا إذا لم يكن العمل صبغا ونحوه مما هو أجزاء مالية أو كالأجزاء بل ينبغي الجزم فيما لو كان العمل عمل غاصب ونحوه ، مما لم يعمله المفلس بنفسه ، ولا أذن فيه ، ولا غرم عليه أجرة كما هو واضح. والله أعلم.

ولو أسلم في متاع وقد حل الأجل ثم أفلس المسلم اليه قيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة ، وتبعه الفاضل في التذكرة إن وجد رأس ماله أخذه إنشاء وإلا بأن وجده تالفا قبل الحجر أو موجودا ولم يجز الفسخ ضرب مع الغرماء بالقيمة بل لا خلاف أجده في الحكم الأول لاندراجه في النصوص (١) أو استفادته من فحواها ، وإنما الكلام في الحكم في الثاني ، فإن ظاهره تعين ذلك عليه ، وأنه ليس له الفسخ حينئذ ، بل صرح به ، قال : وإن لم يجد عين ماله فإنه يضرب مع الغرماء بقدر ماله عليه من الحنطة ، وقيل أيضا أنه إن أراد فسخ العقد والضرب مع الغرماء برأس المال كان له ذلك ، والأول أصح. وكيفية الضرب بالطعام أن يقوم الطعام الذي يستحقه بعقد السلم ، فإذا ذكرت قيمته ضرب مع الغرماء بما يخصه منها فيه ، فإن كان في مال المفلس طعام أعطي منه بقدر ما خصه من الثمن ، وإن لم يكن في ماله طعام اشترى له بالقدر الذي خصه من القيمة طعاما مثل الطعام الذي يستحقه ، ويسلم إليه ، ولا يجوز أن يأخذ بدل الطعام بالقيمة التي تخصه ، لانه لا يجوز صرف المسلم فيه إلى غيره قبل قبضه.

وقيل والقائل الفاضل في بعض كتبه وغيره ، بل في المسالك نسبته إلى

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الحجر.

٣١٨

الأكثر له الخيار مع التلف أيضا بين الفسخ والضرب بالثمن أو بين اللزوم والضرب بحقه ، لكن إذا أريد معرفة ما يخصه من مال المفلس اعتبر قيمة المتاع حينئذ لذلك ، وربما أطلق على ذلك الضرب بها مجازا وكيف كان ف هو أقوى عند المصنف ، والفاضل في بعض كتبه ، بل لم يستبعده في التذكرة أيضا وثاني الشهيدين ، لكنه قيده في المسالك والمحكي عن غيرهما بما إذا لم يكن مال المفلس من جنس المسلم فيه أو يشتمل عليه ، بحيث لا يمكن وفاؤه منه.

قال : « ولو فرض ذلك لم يكن له الفسخ ، إذ لا انقطاع للمسلم فيه ولا تعذر ، ومن الممكن أن يصل إلى جميع حقه ، بأن يفرض عدم قصور المال حين القسمة ، وإن كان قاصرا كما مر فلا بد من ملاحظة هذا القيد ، وعلى تقدير وصول البعض فلا وجه للفسخ فيه أيضا ».

وهو من غرائب الكلام ، ضرورة أن محل البحث عدم وفاء تمام المسلم فيه للإعسار لا للانقطاع ، وحينئذ فلا فرق بين كون مال المفلس من جنس المسلم فيه ، وعدمه ، كما أنه لا معنى لفرض وفاء جميع حقه ، لمعلومية خروجه عن محل النزاع ، وكذا لا معنى لقوله لا وجه للفسخ في بعض ، إذ لعل وجهه تبعض الصفقة ، بل هو لازم لكل من قال بالخيار هنا ضرورة أنه لا بد من وصول بعض حقه اليه مما يخصه من مال المفلس ، كما هو واضح.

فالتحقيق في المقام ما سمعته عن الشيخ ، لأصالة لزوم العقد ، واختصاص ما دل على الخيار فيما إذا تعذر المسلم فيه للانقطاع ، دون غيره ، فيضرب حينئذ بماله من المسلم فيه ، ويؤخذ له بما يخصه من مال المفلس بعض حقه ، وجوبا أو ندبا على ما تقدم في السلف من جواز أخذ غير الحق وفاء عنه قبل قبضه ، وعدمه ، ويبقى له الباقي في ذمة المفلس ، بل لو كان المسلم فيه ثوبا أو عبدا أو نحوهما مما هو غير متساوي الأجزاء لم يكن له الفسخ ، بل يعزل ما يخصه من الحصة ، وينتظر إتمامها من المفلس‌

٣١٩

بعد ذلك.

خلافا للتذكرة قال : فيشترى بحصة المسلم شقص ، فإن لم يوجد فللمسلم الفسخ » وفيه بحث ، كما أن ما فيها أيضا من أنه لو قوم المسلم فيه فكانت قيمته مثلا عشرين ، فأفرزنا له من المال عشرة لكون الديون ضعف المال ، ثم رخص السعر قبل الشراء بحيث كانت العشرة تفي بثمن جميع المسلم فيه ، فالأقرب أنه يشترى به جميع حقه ، ويسلم إليه لأن الاعتبار إنما هو يوم القسمة ، والموقوف وإن لم يملكه المسلم ، لكنه صار كالمرهون بحقه ، وانقطع حقه عن غيره من الحصص ، حتى لو تلف قبل التسليم اليه لم يتعلق له حق بما عند الغرماء ، وكان حقه في ذمة المفلس كذلك أيضا ، إذ المتجه بناء على عدم ملك المسلم الموقوف ، لأن حقه في الحنطة لحوق الغرماء له بذلك ، لبقاء المال على ملك المفلس ، والأصل عدم حكم الرهانة فتصرف له في المثال حينئذ خمسة وتوزع الخمسة الباقية عليه وعلى الغرماء ، كما أنه يلحق الغرماء لو زاد السعر قبل الشراء له بما وقف له من الدراهم. وهو واضح.

ولو أولد الجارية ثم فلس جاز لصاحبها انتزاعها وبيعها فيه وفي غيره لصدق وجدان عين المال فسلط على الفسخ والاستيلاد غير مانع بعد أن لو طالب بثمنها ولم يفسخ جاز بيعها في ثمن رقبتها فأخذها حينئذ بمنزلته ، وليس للغرماء المنع ، وإن قلنا بتعلق حقهم بالمنفعة ، لو لم تبع لأولوية حقه منهم ، ولا يشاركونه في الثمن ، لأن الذي تعلق بها حقه دون غيره ، فيتعلق حقه بثمنها القائم مقامها دون غيره ، وإن كان هو ملكا للمفلس ، إلا أنه كالمرهون يتعلق حق البائع به.

وعلى كل حال فالحكم خاص فيها دون ولدها لأنه حر باعتبار تولده ، وهو في ملك سيدها ، وإن لم يكن لأحد معه حقه ، فلا سبيل حينئذ عليها ، ولو وفي بعضها بثمن رقبتها أشكل الفسخ فيها مطلقا وإذا جنى عليه أو على عبده أو على مورثه خطأ تعلق حق الغرماء بالدية لأنها مال متجدد للمفلس ، ولا يصح العفو‌

٣٢٠