جواهر الكلام

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أن قال ـ : وإن قلنا : إن الرهن صحيح والتدبير بحاله كان قويا » وهما معا كما ترى ، لا تصريح فيهما بذلك ، بل ظاهرهما عدم القول به.

نعم يحكى عن الأردبيلي التصريح به مدعيا عدم المنافاة بينهما ، وكأنه توقف فيه في المسالك : وفي تدبير التحرير « الأقوى أن رهن المدبر ليس إبطالا له ، وعتق بعد الموت ، ويؤخذ من التركة قيمته تكون رهنا ».

وعن الكفاية « أن في المسألة أقوالا ثلاثة ـ القول بصحة الرهن ، وأن رهن رقبته إبطال لتدبيره ، ـ والقول بعدم الصحة ، والقول بأن التدبير مراعى بفكه فيستقر ، أو يأخذه في الدين فيبطل ».

وأنكر عليه في الحدائق وغيرها ، القول الثاني : وفي التذكرة يصح رهن المدبر عند علمائنا ، لكن لعله فهمه من عبارة الخلاف السابقة المقيد ذلك بعدم قصد الفسخ أو أخذه من الدروس ، فإنه حكاه عن النهاية قال ، « ورهن المدبر إبطال لتدبيره عند الفاضلين ، وعلى القول بجواز بيع الخدمة يصح في خدمته » وفي النهاية « يبطل رهن المدبر » وفي المبسوط والخلاف « يصح ويبطل تدبيره » ثم قوى صحتهما فإن بيع بطل التدبير ، وإلا فهو بحاله ، وتبعه ابن إدريس وهو حسن.

وكيف كان فالاحتمالات ـ التي بعضها أقوال ـ ستة ، أو سبعة ، وإن أمكن في بعضها إرجاعه إلى آخر أحدها : صحة الرهن وإبطال التدبير ، ثانيها : الصحة ومراعاة التدبير ، ثالثها : ما سمعته من التحرير ، رابعها : ما سمعته من الخلاف ، خامسها صحتهما معا على أن يكون رهنا إلى موت السيد فينعتق ، وتبطل الرهنية ، فيكون كرهن المال الذي فيه الخيار لغير الراهن ، وكرهن العبد المشروط حريته بناء على صحته ، أو المنذور كذلك في مدة مخصوصة ، أو العبد الجاني عمدا أو خطأ ، والمرتد عن فطرة ، والمريض المأيوس منه ، وكبيع المدبر على رأى المفيد ، القائل بأنه إذا مات سيده تحرر ، وليس للمشترى عليه سبيل ، ولعل هذا هو الذي قواه في السرائر ، بل لعله المحكي عن الأردبيلي.

سادسها ـ ما حكاه في الكفاية من عدم صحة الرهن ، سابعها : عدم الصحة إذا‌

١٢١

كان المقصود رهنه بحيث يستوفى منه الدين ، مع قصد عدم الرجوع بالتدبير ، أما إذا كان مقصوده رهنا باقيا على صفة التدبير فيصحان معا ، والإطلاق منصرف إلى الثاني.

ولعل الأقوى الأول إذا كان التدبير مما يجوز له الرجوع فيه ، لإطلاق أدلة الرهن ، واجتماع الشرائط حال العقد ، ولأن الرهن للتوثق الذي ينافيه ذلك ، فإن لم يكن كذلك بأن كان واجبا عليه بنذر ونحوه فليس حينئذ إلا الخامس أو السادس ، وكأن الأول منهما لا يخلو من قوة ، خصوصا إذا قلنا بجواز بيعه منزلا على الخدمة أولا إلى موت السيد الذي ربما يرجع إليه ما سمعته من المفيد ، بل هو الذي يقضى به التدبير في كلام الدروس أولا.

وقد تلخص من ذلك أنه حيث يكون التدبير مما يجوز الرجوع فيه الأقوى الأول ، سواء صرح بكونه يستوفى منه المال على كل حال إذا لم يؤد الدين ، أو أطلق ، أما صحة الرهن فلوجود المقتضى وارتفاع المانع ، وأما بطلان التدبير فللمنافاة وإلا لصح تدبيره وهو رهن.

وكون التدبير عتقا بصفة ، فينبغي بطلان الرهن لا بطلانه ، ليس من مذهبنا ، للإجماع على جواز الرجوع به كالوصية ، ولا يحتاج إلى سبق فسخ التدبير ، بل ولا إلى قصده على أقوى الوجهين ، أو القولين ، كما تعرفه إن شاء الله في محله ، وتقدم له نظائر في الخيار وغيره ، ويأتي في الوصايا وغيرها ، فهو حينئذ كبيعه وهبته ونحوهما بل كبيع المال الموصى به لشخص أو هبته أو رهنه مما يحصل به الرجوع قهرا لا قصدا.

نعم لو صرح بكونه رهنا باقيا على تدبيره جاء فيه الوجهان السابقان اللذان قد تقدم قوة أولهما ، وأنه يكون كرهن الجاني والمنذور عتقه ، والمريض المأيوس من برئه هذا كله مع إرادة رهن رقبته.

أما لو صرح برهن خدمته ، مع بقاء التدبير ففي المتن قيل : يصح ، التفاتا إلى الرواية المتضمنة لجواز بيع خدمته ، وقيل لا ، لتعذر بيع المنفعة منفردة وهو أشبه لكن لم نعرف القائل بالأول ، وإن حكاه غيره أيضا. نعم ربما نسب‌

١٢٢

إلى الشيخ في النهاية ، إلا أني لم أجده فيها ، لا في الرهن ولا في التدبير ، ولكن قال : « لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره ، إلا أن يعلم المشتري أن البيع للخدمة ، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه ».

وفي الدروس « وتبعه على ذلك جماعة » فيمكن أن يكون وجه النسبة إليه القاعدة التي ذكرها غير واحد ، وهي ـ كل ما جاز بيعه جاز رهنه ـ إلا أن ذلك يقتضي القول به لغيره أيضا ، ولعله لذا قال في الدروس : « ولا يجوز رهن المنفعة لعدم إمكان بيعها ، ولأن المنافع لا بقاء لها ، فلا ينتفع بها المرتهن إلا خدمة المدبر ، وفاقا لجماعة وقد سلف » والذي سلف له في كتاب التدبير جواز البيع ، قال : « وصريح الرجوع رجعت في تدبيره ، أو نقضت ، أو أبطلت وشبهه ، دون إنكار التدبير ، أما لو باعه أو وهبه ولما ينقض التدبير ، فأكثر القدماء على أنه لا ينقض التدبير ، فقال الحسن : « يبيع خدمته ، أو يشترط عتقه على المشتري ، فيكون الولاء له » وقال الصدوق : « لا يصح بيعه إلا أن يشترط على المشتري إعتاقه عند موته ». وقال ابن الجنيد : « تباع خدمته مدة حياة السيد ». وقال المفيد : « إذا باعه ومات تحرر ولا سبيل للمشترى عليه ». وقال الشيخ في النهاية : « لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره ، إلا أن يعلم المشتري بأن البيع للخدمة ». وتبعه جماعه والحليون إلا الشيخ يحيى ، على بطلان التدبير بمجرد البيع ، وحمل ابن إدريس بيع الخدمة على الصلح مدة حياته ، والفاضل على الإجارة مدة فمدة حتى يموت ، وقطع المحقق ببطلان بيع الخدمة ، لأنها منفعة مجهولة ، والروايات مصرحة بها (١) ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باع خدمة المدبر ، ولم يبع رقبة ، وعورضت برواية محمد بن مسلم (٢) ، « هو مملوكه ، إن شاء باعه ، وإن شاء أعتقه » وأجيب بجعل البيع على الرجوع قبله ، توقيفا ، والجهالة في الخدمة غير قادحة ، لجواز استثناء هذا ، على أن المقصود في البيع في جميع الأعيان هو الانتفاع ولا تقدير لأمده ، فالعمل على المشهور ، وتخريجه ـ علي تناول البيع الرقبة ، ويكون

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ١.

١٢٣

كمشروط العتق ـ باطل بتصريح الخبر ، والفتوى بتناول الخدمة دون الرقبة ».

قلت : قد يظهر من المفيد خلافه ، بل يمكن تنزيل بعض عبارات غيره عليه ، على أن يكون إطلاقهم بيع الخدمة منزلا على أنه لا ثمرة معتدا بها لهذا البيع إلا الخدمة ، بل يمكن تنزيل الروايات على ذلك ، محافظة على قاعدة عدم وقوع البيع على المنافع ، واحتمال تخصيصها بذلك موقوف على قابليتها ، إذ هي

خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : « باع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خدمة المدبر ولم يبع رقبة ».

وخبر أبي مريم (٢) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعتق جارية عن دبر أيطأها إنشاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها مدة حيوته؟ فقال : نعم أي ذلك شاء فعل ».

وخبر على (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعتق جارية له عن دبر في حياته قال : إن أراد بيعها باع خدمتها في حياته فإذا مات أعتقت الجارية ، وإن ولدت أولادا فهم بمنزلتها ».

وخبر أبى بصير (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد والأمة يعتقان عن دبر فقال : لمولاه أن يكاتبه إن شاء ، وليس له أن يبيعه إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته ، وله أن يأخذ ماله إن كان له مال ».

والجميع لا صراحة فيها ، بل هي قابلة للتنزيل على ما ذكرنا ، بل خبر أبى بصير منها كالصريح فيه ، وإن كان لا قائل بما فيه من اشتراط مشيئة العبد ، بل نوقش في أسانيدها جميعا بالسكوني ، وأبان ، والقاسم بن محمد ، واشتراك أبي بصير. وإن كان يدفعها عمل من عرفت بها ، وسكون الأصحاب الى اخبار السكوني ، وعدم قدح اشتراك أبي بصير بعد عدالة الجميع ، كما حرر في محله ، بل لعل رواية عاصم عنه هنا يعين أنه « ليث » ، مضافا إلى رواية الجميع في التهذيب والاستبصار ؛ بل خبر أبي مريم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التدبير الحديث ـ ٢.

١٢٤

وأبي بصير منها قد رواه في الفقيه أيضا ، بل الأول منهما قد أرسله الصدوق في الهداية أيضا.

ومن الغريب ما في الحدائق في المقام من أني لم أقف بعد التتبع على رواية جواز بيع الخدمة ، والموجود في كلام جملة منهم إنما هو بهذا العنوان من غير نقل مضمونها ومنه يظهر قوة القول بالعدم ، لما عرفت فيما تقدم من تعليل عدم صحة بيع المنفعة ، مع عدم وجود ما يعارضه ويوجب الخروج عنه ، والرواية المذكورة غير معلومة ، لعلها من روايات العامة.

وأغرب منه ما في مفتاح الكرامة حيث رده بأن هذه الرواية قد اعترف بها المحقق والعلامة وغيرهما ، بل قال الشهيد : والروايات مصرحة بها ، فكان هناك روايات وليس ما يحكونه إلا كما يروونه ، وقد روى في الهداية عن الصادق عليه‌السلام إلى آخر خبر أبى مريم ، ثم قال فلا تصغ إلى ما في الحدائق من احتمال كونها من روايات العامة ، حيث لم يقف عليها بعد التتبع ، إذ هما معا كما ترى.

وكيف كان فبناء على أن ما جاز بيعه جاز رهنه ، لا مناص عن العمل بها ، إن لم يكن المراد منها ما ذكرنا ، المؤيد بموافقة بيعه مدبرا للضوابط في الجملة ، ضرورة عدم خروجه بالتدبير عن الملك المقتضى لجواز سائر التصرفات ، وهذا الذي يعبر عنه ببيع الخدمة ، ويمكن تنزيل تلك العبارات أو أكثرها عليه ، ويبقى قاعدة عدم جواز بيع المنافع على حالها الذي لم يخصصها أحد منهم في كتاب البيع وغيره والله أعلم.

وأما الثاني : وهو اعتبار الملك فلا أجد خلافا في اشتراط كونه مما يملك ، فلا يصح رهن غير المملوك كالحشرات والخمر والخنزير للمسلم ، كما ستعرف ، لعدم إمكان استيفاء الدين منه ، كما أنه لا أجد خلافا في اشتراط كونه مملوكا للراهن أو مأذونا فيه ، لعدم التمكن من استيفاء الدين منه بدون ذلك.

وحينئذ ف لو رهن ما لا يملك لم يمض ووقف على اجازة المالك لأن الظاهر جريان الفضولي فيه ، بناء على موافقته للضوابط ، أو أنه أولى من النكاح الوارد فيه ذلك ، أو لأنه ثابت في البيع ولم يفرق أحد فيه وبين غيره من العقود‌

١٢٥

فتوقف بعض متأخري المتأخرين فيه هنا ـ وإن قلنا به في البيع ـ في غير محله.

واحتمال ـ أنه على غير قياس الفضولي ، لأنه ليس رهنا على دين المالك له بغير إذنه ـ واضح الضعف ، ضرورة عدم الفرق بينهما بعد فرض تأثير الأذن السابقة فيهما معا ، فليس إلا تأخيرها وهو غير قادح فيهما معا ، فهو إن لم يكن على قياس الفضولي فحكمه حكمه بلا خلاف أجده بين من تعرض له ، فلا ينبغي التوقف في القسمين معا.

بل لا يبعد صحة رهن التبرع كالوفاء والضمان ، فلو رهن مال نفسه على دين رجل آخر من غير إذنه بل مع نهيه صح ، كما نص عليه في التذكرة ، لإطلاق الأدلة.

نعم يتوقف على إذن المديون لو رهنه عنه بعنوان الوكالة مثلا ، ولو رهنه متبرعا في أصل الرهنية ، لكن قصده مع ذلك الرجوع على المديون لو بيع بالدين فإن أجاز الديان ذلك احتمل الإلزام به ، وإلا كان رهنا ولا رجوع له عليه ، ولعل مثله يجري في وفاء الدين.

وكذا في التوقف على الإجازة لو رهن ما يملك وما لا يملك في عقد واحد لكن إذا فعل ذلك مضى في ملكه ، ووقف في حصة شريكه إن كان مشتركا بينهما على إجازته وكذا إذا لم يكن مشتركا ، والإشكال في تبعض الصفقة هنا كالبيع واضح الدفع ، كما حرر في محله ، كالإشكال في أصل رهن المشاع من أبى حنيفة محتجا بعدم إمكان قبضه وهو خطأ محض ، وبأنه قد يصير جميع ما رهن بعضه في حصته الشريك ، وهو ـ مع أنه أخص من الدعوى ، إذ لا يجري إلا في رهن الحصة المشاعة من بعض معين في الدار المشتركة مثلا ـ يمكن أن يكون الحكم فيه بناء على صحة إلزام الراهن بالقيمة لأنه كإتلافه ، ويمكن أن يكون كالتلف من الله سبحانه فلا يلزم بشي‌ء ، ويحتمل بناء الحكم فيه على الاختيار والإجبار فالأول كالإتلاف ، والثاني كالتلف ، ولعل القول بالالتزام على كل حال أولى ، لأنه قد حصل له في ذلك الجانب مثل ما رهنه.

١٢٦

إلا أنه قد يقال يكون الرهن ما قابله من حصة الراهن لا القيمة ، كما أن الظاهر توقف صحة القسمة على إذن المرتهن كباقي التصرفات ، لكنه أطلق في الدروس فقال : « لو رهن نصيبه في بيت معين من جملة دار مشتركة صح ، لأن رهن المشاع عندنا جائز ، فإن استقسم الشريك وظهرت القرعة له على ذلك البيت ، فهو كإتلاف الراهن يلزمه قيمته ، ولا يلحق بالتلف من قبل الله تعالى » ونحوه عن التذكرة.

وعلى كل حال فرهن المشاع لا اشكال فيه عندنا ، بل ولا خلاف ، بل قد عرفت أن ظاهر الدروس الإجماع عليه ، بل عن صريح الغنية ذلك ، بل في التذكرة يصح رهن المشاع سواء رهن من شريكه ، أو من غير شريكه ، وسواء كان ذلك مما يقبل القسمة أو لا يقبلها ، وسواء كان الباقي للراهن أو لغيره ، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده ، أو حصة من الدار المشتركة بينه وبين غيره عند علمائنا أجمع ، فذلك كله مع إطلاق الأدلة الحجة على أبى حنيفة.

نعم يعتبر في الرهن أصل الملكية كما عرفت وحينئذ ف لو رهن المسلم خمرا أو خنزيرا أو نحوهما مما لا يملكه المسلم لم يصح بلا خلاف أجده فيه ، ولو كان عند ذمي لعدم ملكية الراهن لها وعدم سلطنة على بيعها ووفاء دينه منها.

ولو رهنها الذمي عند المسلم ، لم يصح أيضا ، ولو وضعها على يد ذمي ، على الأشبه الأشهر بل المشهور شهرة عظيمة ، بل لا خلاف أجده فيه إلا من المحكي عن المبسوط والخلاف في خصوص ما لو وضعه على يد ذمي ، قال : « إذا استقرض ذمي من مسلم مالا ، ورهن بذلك خمرا يكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق فباعها وأتى بثمنها جاز له أخذه ، ولا يجبر عليه » وزاد في الأخير أن له أن يطالب بما لا يكون ثمن محرم ، وقد يقال : بعدم صراحته في الخلاف ، خصوصا الأخير ، بل مراده جواز أخذ الثمن مما جعله الذمي رهنا عند ذمي آخر على هذا الدين ، وإن كان رهنا فاسدا.

والتعليل ـ بأن الحق في وفاء الدين للذمي ، فيصح الرهن كما لو باعها ووفاه‌

١٢٧

ثمنها ، لأن الرهن لا يملك للمرتهن ، وإنما يصير محبوسا عن تصرف الوارث ـ لم نجده له ، وكأنه لغيره ، ذكره له ، ورده بأن يد الذمي الودعي كيد المسلم الذي لا بد من اعتبار تسلطه على البيع ، والاستيفاء من الرهن ، وهو هنا ممتنع ، وإن كان قد يناقش فيه بمنع كون يده ، يده ، ضرورة عدم لزوم كونه وكيلا عنه ، لعدم اشتراط استدامة القبض.

نعم المانع ما أشرنا إليه ، من عدم صحة تعلق حق المسلم في الخمر على الوجه المزبور ، وهو معتبر في المرتهن.

وعلى كل حال فخلافه غير متحقق ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، لعدم صحة تعلق حق المسلم في الخمر المنهي عن قربها على وجه يسلط هو أو الحاكم على بيعها والاستيفاء منها ، بل لعله كذلك فيما لو مات الذمي المديون لمسلم ، أو فلس ولم يكن عنده إلا خمر أو خنزير ، ولا ينافي ذلك جواز أخذ ثمنها منه لو باعها ، إذ ليس هو تعلق بها ، ولذلك ليس له جبره على بيعها ، ولا اشتراط ذلك في عقد لازم ، بل ليس له أن يأمره بذلك ، لكونه محرما على الذمي ، إذ هو مخاطب بالفروع ، وكذا لا ريب في ضعف ما سمعته منه من جواز الامتناع عن قبض ثمنه ، وفاء مع فرض كونه مثل الحق ، ضرورة عدم الفرق بينه وبين غيره بعد جواز تناوله منه كما هو واضح.

ولو رهن أرض الخراج كالمفتوحة عنوة والتي صولح أهلها علي أن تكون ملكا للمسلمين وضرب عليهم الخراج لم يصح عند المصنف والجماعة ، لأنها لم نتعين لواحد من المسلمين نعم يصح رهن ما بها من أبنية وآلات وشجر لكونها مملوكة لصاحبها ، بخلافها هي كما أنه يصح رهنها مع الآثار ، بناء على أنها تملك تبعا لآثار التصرف ، بل لا يبعد حينئذ صحة رهنها نفسها دون الآثار ، لكونها مملوكة ما دامت الآثار ، كما عساه يظهر من الدروس ، خلافا للمسالك فقال : « وإلا صح جواز رهنها تبعا لآثار التصرف من بناء وشجر ونحوهما لا منفردة » إلا أن الأمر سهل.

انما الكلام مع العلامة وغيره ممن جوز بيعها تبعا للآثار ، ومنع من‌

١٢٨

رهنها كذلك ، ضرورة أن المتجه له جواز رهنها تبعا للآثار ، لعدم الفرق ، واحتماله ـ باعتبار أن الآثار قد تزول قبل حلول أجل الدين ، فلا يصح بيع الأرض ، أو باعتبار أن الأخبار هناك دلت بظاهرها على جواز بيعها مطلقا ، فنزلت على ما إذا تصرف فيها بهما ، ولم يرد هنا شي‌ء ـ كما ترى ، خصوصا بناء على قاعدة ما جاز بيعه جاز رهنه ، هذا. وقد قيد جماعة البناء بما إذا لم يكن معمولا من ترابها ، وإلا كان حكمه حكمها ويمكن دعوى كون السيرة في الآجر والأواني وغيرها على خلاف ذلك.

وأما الثالث : فلا ريب في اعتباره بناء على اشتراط القبض في الصحة ف لو لو رهن ما لا يصح ولا يمكن إقباضه كالطير في الهواء غير معتاد العود والسمك في غير المحصور من الماء بحيث يتعذر قبضه عادة لم يصح رهنه ، بل وعلى عدمه لعدم الاستيثاق بمثل ذلك.

لكن في المسالك « أنه يمكن القول بالصحة ، لعدم المانع » وتخيل تعذر استيفاء الحق من ثمنه ، لعدم صحة بيعه ، يندفع بإمكان الصلح عليه ، وكلية ـ ما صح بيعه صح رهنه ، ـ ليست منعكسة عكسا لغويا وقد تقدم مثله في الدين وهو لا يخلو من وجه ، مع فرض إمكان الاستيفاء بصلح ونحوه مما لا يكون نادرا ، وإلا لم يخل من نظر ، كما في الرياض ، فإن مجرد الإمكان مع الندرة غاية غير محصل للمقصود الذاتي بالرهن ، وهو الاستيثاق ومعه لا يحصل ظن بتناول ما دل على لزو العقود لمثله ، ولعله لذا اشترط الشرطين من لم يشترط القبض.

وكيف كان فإذا كان معتاد العود والماء محصورا فالصحة متجهة على التقديرين كما صرح به بعضهم ، وهل العبرة بإمكان الإقباض عند التسليم؟ أو عند العقد؟ فلو رهن ما لا يمكن إقباضه عند العقد فاتفق القدرة عليه فأقبضه ، صح على الأول ، وبطل على الثاني.

ولو رهن ممكن الإقباض عند العقد ، فاتفق تعذره بعده ، صح الرهن إذا تمكن من إقباضه بعد ذلك على التقديرين ، ولعل الأمر في المقام على حسب ما تقدم في البيع‌

١٢٩

بالنسبة إلى اشتراط القدرة على التسليم ، التي هي في المقام أولى بالاعتبار ، بناء على اشتراط القبض فيه ، وإن كان مقتضى الأصل المستفاد من إطلاق الأدلة عدم شرطية كل ما شك فيه ، فتأمل جيدا فإنه يمكن الفرق بين البيع وبين المقام باعتبار عدم الغرر في الأول ، دون الثاني ، الذي لا سفه أيضا في إيقاع عقد الرهن عليه مراعى بالقبض ، بخلاف المعاوضة ، ومن هنا ينقدح الشك في أصل الشرطية إن لم يكن إجماع حتى على القول باعتبار القبض ، والله العالم.

وكذا لو كان مما يصح إقباضه ولكن لم يسلمه بناء على اعتباره في الصحة ، ولم يلزم بناء على اعتباره في اللزوم ، وصح بدون التسليم ، بناء على عدم اعتباره في صحة ، ولا لزوم ، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن المراد من الأول ، بقاء الصحة مراعاة ، إلى أن يحصل ما يقتضي الفسخ من قول أو فعل ، وإلا فعدم التسليم أعم من ذلك ، ضرورة عدم اشتراط مقارنة التسليم للعقد كما هو واضح.

وكذا لو رهن عند الكافر عبدا مسلما أو مصحفا لنفى السبيل في الكتاب العزيز وقيل : والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة يصح رهنه ويوضع على يد مسلم ، وهو أولى عند المصنف ، والفاضل والشهيدين وغيرهم لمنع تحقق السبيل بذلك ، لأنه إذا لم يكن تحت يده لم يستحق الاستيفاء من قيمته إلا ببيع المالك ، أو من يأمره بذلك ، ومع التعذر يرفع أمره إلى الحاكم ليبيع ويوفيه ، ومثل هذا لا يعد سبيلا ، لأن مثله يتحقق بالموت والتفليس ونحوهما.

وفيه : أن ذلك يقتضي جوازه وإن وضع في يده إذ لا تسليط له ، وإن كان في يده إلا بالطريق المزبور ، والفرض أنه غير سبيل ، ولو سلم وكالته عن الراهن أمكن منع كونها سبيلا للكافر ، بل هي من سبيل المؤمن كإيداعه ونحوه ، بل يد المسلم هنا نحو يد الذمي التي قالوا هناك أنها لا تجدي في ارتهان المسلم الخمر ، لكونها يد المرتهن ، فالمتجه بناء المسألة على صحة تعلق حق الرهانة للكافر في المسلم والمصحف ، وعدمها ، من غير فرق بين الوضع على يد المسلم وعدمه ، ولعله لذا أطلق‌

١٣٠

المنع في التذكرة وغيرها ، بل ربما ادعي أنه معقد محكي الإجماع.

لكن الإنصاف عدم خلو القول بالصحة مطلقا من قوة ، إن لم يثبت إجماع على خلافها لمنع كونه سبيلا ، بل هو أسهل من إجارة المسلم نفسه للكافر ، ولا بأس بتعلق حق الكافر بهما كما في الموت والتفليس ، وبه يفرق بينه وبين تعلق حق المسلم في الخمر ، والخنزير ، إلا أنه يمكن دعوى تحقق الإجماع مع الوضع في يد الكافر بخلاف الوضع على يد المسلم والله أعلم.

وأما الرابع : فلا ريب فيه لعدم التمكن من استيفاء الدين منه بدونه ف لو رهن وقفا لم يصح إذ لا يجوز بيعه ، وإن كان مملوكا كالموقوف عليه ، وعلى تقدير جوازه على بعض الوجوه يجب أن يشترى بثمنه ملكا يكون وقفا ، فلا يتجه الاستيفاء منه مطلقا ، وما يبايع للحاجة قد يتطرق إليه في وقت الاحتياج إلى بيعه عدمها ، فلا يكون مقصود الراهن حاصلا ، ولعله لذلك أطلق من تعرض له ، لكن قد يمنع منافاة هذا الاحتمال للرهن ، كما في الجاني والمرتد هذا.

وفي المسالك « لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث يجوز بيعه » ونحوه في غيرها أيضا ، وحينئذ فإطلاق من تعرض هنا ، لعدم جواز ذلك عنده ، أو لعدم وثوق الراهن ، إذ يمكن انتقاله قبل بيعه إلى غير الراهن بموت ونحوه مثلا ، بناء على قدح مثل هذا الإجمال في الرهن ، وتحرير المسألة قد تقدم في كتاب البيع ونماؤه إنما يكون رهنا تبعا ، لا أن عقد الرهن يكون عليه قبل تحققه.

وكذا لا يصح رهن منذور العتق مطلقا أو مقيدا بالتعجيل ، أو بوصف كمجي‌ء وقت ، أو شرط كعافية مريض ، بناء على عدم جواز بيعه. ومن الغريب أن الفاضل في التذكرة مع اشتراطه في الرهن ذلك ، جوز رهن المعلق على الوقت ، أو الوصف ، ثم قال : « وهل يباع لو حل الدين قبل الوصف؟ الأولى المنع ، لأنه وان لم يخرج عن ملكه بنذر ، إلا أنه قد تعلق به حق لله تعالى ، وبيعه مبطل لذلك الحق » ولعله لا يخلو من وجه في الوصف ؛ أي الشرط لأصالة عدم حصوله ، ولذا خص التردد فيه في‌

١٣١

القواعد ، والدروس ثم قال في الأخير : « وعلى الصحة لو وقع الشرط ، أعتق وخرج عن الرهن ، ولا يجب اقامة بدله إذا كان المرتهن عالما بحاله ، وإلا فالأقرب الوجوب هنا ».

وفيه : منع كون ذلك الأقرب ، كما أن الوجه عدم الصحة في أصل المسألة ، لأن ذلك لا يسوغ البيع للمالك. فلا يجدي الراهن ، بخلاف احتمال قتل العبد بالجناية ونحوها ، فان ذلك لا يمنع البيع للمالك ، واحتمال صحة البيع لعدم حصول الشرط غير كاف في صحة الرهانة كما هو واضح ، فتأمل جيدا.

ثم إنه ينبغي أن يكون المراد من البيع مطلق النقل ولو بالصلح ، فلو اجتمع فيه الشرائط المزبورة إلا انه لا يصح خصوص بيعه ، وإن صح الصلح عليه صح رهنه ، ضرورة عدم اختصاص البيع بذلك بعد إمكان الاستيفاء منه ، وحينئذ فلا يجوز رهن كل ما لا يجوز للمالك نقله ، وإن كان عينا مملوكة له يمكن قبضها ، ومنه المكاتب ولو مشروطا ، لأن الكتابة عقد لازم لا يمكن استيفاء الدين معها ، واحتمال العجز في المشروط غير مجد ، وأما أم الولد فتسمع الكلام فيها في آخر المبحث إنشاء الله.

وكيف كان ف يصح الرهن للمشتري في زمن الخيار ، سواء كان للبائع ، أو للمشتري ، أولهما ، لانتقال المبيع بنفس البيع على الأشبه خلافا للشيخ حيث حكم بعدم الانتقال ، لو كان الخيار للبائع أو لهما إلا بعد مضي زمن الخيار ، وقد تقدم ما فيه سابقا ، لكنه أشكل في المسالك الرهن على الأول أيضا ، فيما إذا كان الخيار للبائع أولهما بما فيه من التعرض لإبطال البائع ومثله بيعه ، وما أشبهه من الأمور الناقلة للملك ، قال : « وتحرير المسألة يحتاج إلى تطويل. نعم لو كان الخيار له خاصة فلا إشكال ، ويكون الرهن مبطلا للخيار ، وكذا يجوز للبائع رهنه لو كان الخيار له ، أولهما ، ويكون فسخا للبيع ».

قلت : قد تقدم منا في باب الخيار ما يعلم منه تحرير المسألة ، ونزيد هنا أن الصور ستة ، إذ الخيار إما للبائع ، أو للمشتري ، أولهما ، والراهن البائع ، أو المشتري ، فإن كان الأول : وقد رهنه هو كان فسخا ، ولا يشكل صحة الرهن بعدم‌

١٣٢

الملك قبله ، إذ الظاهر حصوله في مثله في آن ما قبله ، بل لعل القصد المتعقب للرهانة كاف في الفسخ. وإن كان المشتري ، فقد عرفت سابقا أن الاحتمالات في بيعه ثلاثة ، نفوذ البيع ومطالبة ذي الخيار لو فسخ بالمثل أو القيمة ، وبطلان البيع وصحته متزلزلا ، فعلى الأول لا ينبغي التوقف في صحة الرهانة ، كما أنه لا ينبغي التأمل في البطلان على الثاني ، أما الثالث : ففي الصحة وعدمها عليه احتمالان ، أقواهما الصحة.

وإن كان الثاني : والراهن البائع ، فإن أجاز المشتري الخيار والرهانة صح ، وان أجازه دونها بطلت ، وإن فسخ الخيار ففي صحة الرهانة وجهان ، ينشئان من وقوع الرهانة في غير ملك ، ومن أولويته من إجازة المالك ، وأما إذا كان الراهن المشتري فلا ريب في أنه إجازة ، ولا يأتي فيه الإشكال السابق ، ومن ذلك يعلم الحال في باقي الصور.

ورهن الواهب الموهوب الذي يصح له الرجوع فيه فسخ للهبة ، كرهن البائع ذي الخيار المبيع ، بل وكذا رهن غريم المفلس عينه التي له الرجوع فيها ، والإشكال المتقدم سابقا قد عرفت دفعه.

نعم يحتمل جعل المدار على ما دل على جواز تصرف ذي الحق فما ثبت كونه كذلك وجب القول بتقدير الفسخ في آن ما ، وإلا لم يجز حتى يفسخ محافظة علي الضوابط هذا. وفي الدروس « ولو رهن غريم المفلس عينه التي له الرجوع فيها قبله ، فالأجود المنع ، وأولى منه لو رهن الزوج نصف الصداق قبل طلاق غير الممسوسة ، ورهن الموهوب في موضع يصح فيه الرجوع كرهن ذي الخيار » وقد يريد في الأول قبل الفلس ، وإلا لم نجد فرقا بينه وبين رهن الموهوب والله أعلم.

ويصح رهن العبد المرتد لا عن فطرة والأمة والخنثى مطلقا ، بلا خلاف صريح أجده فيه ، للأصل والعمومات في البيع والرهن وغيرهما ، واحتمال عدم التوبة غير مناف لماليته ، كاحتمال عدم برء المريض ، بل قد يقوى الجواز ولو كان عن‌

١٣٣

فطرة لذلك أيضا ، وفاقا للشيخ ، ويحيى بن سعيد والفاضلين والفخر في شرح الإرشاد ، والشهيدين ، وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، للأصل والعموم السابقين ، بل ربما ظهر من بعضهم المفروغية من بيعه ، فينبغي أن يكون رهنه كذلك ، لوجود المقتضى وارتفاع المانع.

ودعوى ـ انه بمنزلة ما لا نفع فيه ، أو غير المملوك ، أو المستحق للغير ، أو نحو ذلك مما يمنع جواز بيعه أيضا ـ واضحة البطلان ، كدعوى الفرق بين البيع والرهن بإمكان الانتفاع به في الأول منفعة حالية ، بخلاف الثاني ، الذي يراد منه الوثوق المفقود في المقام ، لاحتمال قتله ، إذ نمنع اعتبار الوثوق في الرهن بحيث يقدح فيه مثل ذلك ، خصوصا في مثل هذه الأزمنة المتعذر إقامة الحد فيها ، بناء على أنه وظيفة الإمام ، وان منه حد المرتد ، بل لو قلنا بوجوب قتله على سائر المكلفين الذين منهم الراهن والمرتهن ، لم يمنع ذلك تعلق حق الرهانة فيه ما دام غير مقتول.

والحاصل لا ينبغي التأمل في الجواز بناء على جواز بيعه ، كما أنه لا ينبغي التأمل في العدم ، على تقدير العدم ، ولعل الأقوى جوازهما معا ، لإطلاق الأدلة وعمومها ، فما عن أبي على ـ من عدم جواز رهن المرتد ، بل مقتضى إطلاقه وإن لم يكن فطريا ، للخروج عن الملك واضح الضعف خصوصا في غير الفطري ، وإن وافقه الفاضل في التذكرة في الفطري ، واستشكل فيه في القواعد ، قيل : وربما مال إليه في الإيضاح ، ولعله لعدم قبول توبته ظاهرا وباطنا ، فيكون من الأعيان التي لم تقبل التطهير ، فلا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه ، وإن كان قد يمنع العموم للأعيان النجسة بحيث يشمل ذلك المسبوق بالملك ، وليس نفعه بمباشرته ، فتأمل جيدا والله أعلم.

وكذا رهن الجاني خطأ على المشهور ، بل ظاهر تخصيص المصنف التردد في العمد عدم الخلاف فيه. وهو كذلك من غير المحكي عن المبسوط ، لكنه أبطل الرهن فيه ، وفي العمد ، فلا جهة لاختصاصه بالعمد حيث قال وفي العمد تردد بناء على أن المنشأ ذلك.

١٣٤

وكيف كان ف الأشبه بأصول المذهب الجواز فيهما لحصول المقتضي الذي هو استجماع شرائط الرهن حال الرهانة ، وعدم المانع ، إذ لم يثبت مانعية حق الجناية عن البيع ونحوه ، فضلا عن الرهانة ، واحتمال القصاص والاسترقاق للكل أو البعض غير قادح ، كما إذا جنى وهو رهن ، إذ لا يعتبر في الاستيثاق نفي سائر الاحتمالات ، بل قد يقال في مثل الجاني خطأ انه إذا رهنه المولى التزم بفكة لأن الخيار بيده ، فيكون ذلك منه اختيارا للفك ، فلا إشكال حينئذ في الصحة ، ومنه ينقدح وجه اختصاص المصنف التردد في العمد الذي يكون الخيار فيه لغير المولى.

وعلى كل حال فحق الجناية مقدم على حق الرهانة ، تقدم أو تأخر بلا خلاف بل ولا إشكال ، لتعلق حق الجناية بالرقبة ، بحيث يذهب بذهابها ، بخلاف حق الدين الذي وضع الرهن بسببه ، فإن فك منها حيث يمكن الفك بقي حق الرهانة ثابتا وإلا بقي الفاضل عن حق الجناية رهنا إن لم يكن مستوعبا تمام الرقبة.

ولو أقر المرهون بالجناية وصدقه الراهن والمرتهن فكالجاني ، بخلاف ما إذا صدقه الراهن خاصة ، أما لو كان المصدق المرتهن ففي الدروس بطل الرهن ، إلا أن يعفو المجني عليه أو يفديه أحد ، أو يفضل منه فضل عن الجناية ، ويحتمل بقاء الرهن ، لعدم صحة إقرار المرتهن ، واعتراف الراهن بالصحة.

قلت : لا ريب في ضعف الاحتمال حيث يكون للجاني الاسترقاق وقد استرق إذ صحة احتمال الرهن مع علم المرتهن بكونه مال الغير في غاية الضعف ، كضعف احتمال رجوع المجني عليه على الراهن لو بيع الرهن لتكذيب المرتهن ، وإن كان قد أخذ ثمنه عن دين الراهن الذي لم يقصر في الإقرار ، وإن كان لم ينفذ على المرتهن.

نعم له دفعه إليه على جهة المقاصة ، ولو قال الراهن : أعتقته أو غصبته أو جنى على فلان قبل أن أرهنه ، حلف المرتهن على نفي العلم ، وغرم الراهن للمقر له ، للحيلولة ، ولو نكل فالأقرب إحلاف المقر له ، لأن الحق له ، لا للراهن ، لعدم‌

١٣٥

جواز الحلف لإثبات مال الغير ، فإذا حلف المجني عليه ، بيع منه ما قابل الجناية وبقي الفاضل رهنا ، وإن حلف العبد حكم بحريته ، ولو نكل المقر له ، احتمل ضمان المولى للحيلولة ، والعدم للتقصير بالنكول ، والمراد من الضمان للعبد أن يفكه من الرهن ، فإن لم يفعل وقد بيع وجب فكه من المشتري ولو بأضعاف قيمته بل الظاهر ضمانه منافعه التي استوفاها المشتري ، فضلا عما استوفاها هو قبل الرهانة.

نعم لا يضمن ما فات منها لعدم ضمان منافع الحر بالفوات ، ولو جنى العبد بعد الرهانة ، ففكه المرتهن على أن يبقى العبد رهنا على مال الفك والدين جاز مع رضا المولى لأن الحق لا يعدوهما وقد اتفقا عليه ، بل في الدروس « انه لو شرط في الرهن على الدين الثاني فسخ الأول ، ففي اشتراطه هنا بعد ، لأن المشرف على الزوال إذا استدرك كالزائل العائد ، فالزوال ملحوظ فيه ، فيصح الرهن عليه ، وعلى الدين السالف ، ويحتمل المساواة ، لأنه لما لم يزل فهو كالدائم ، والأصحاب لم يشترطوا الفسخ ».

وإن كان لا يخفى عليك ضعف الوجه الأول ، إلا أن الذي يسهل الخطب ما ستعرفه فيما يأتي من أنه لا يشترط في الرهن على الثاني فسخ الأول بلا خلاف ، ولو كانت الجناية على المولى فان كانت عمدا اقتص منه ، وإن كانت خطأ أو عمدا ولم يرد القصاص ، لم يكن له أخذ المال من المرتهن ، لعدم ثبوت مال له على ماله ، وإلا لزم تحصيل الحاصل ، فيبقى الرهن بحاله حينئذ.

نعم لو دفع المرتهن له مالا من نفسه لإسقاط حق القصاص ، محافظة على إبقاء الرهن جاز ، إذ ليس هو إثبات مال على ماله ، لكن أطلق في الدروس فقال : « لا يجوز أخذ المال من المرتهن في الخطأ والعمد ، ولا افتكاكه ».

ولعله لا يريد ما ذكرنا ، فإن المتجه فيه الجواز ، كما أن المتجه فيما لو جنى على مورث مولاه ثبوت ما كان للمورث من القصاص والافتكاك للمولى ، على ما صرح به في الدروس ، لأنه باسترقاقه يكون بحكم مال المورث الذي يتعلق به وصاياه وديونه‌

١٣٦

ومنه ينتقل إلى الوارث ، أما لو جنى على عبد مولاه فله القصاص قطعا إلا أن يكون أبا للمقتول ، وفي الدروس « وليس له العفو على مال إلا أن يكون مرهونا عند غير المرتهن المجني عليه ، أو عنده واختلف الدينان ، فيجوز نقل ما قابل الجناية بدلا من المجني عليه ، إلى مرتهنه » ولا يخلو من نظر ، وتسمع إنشاء الله تمام الكلام في هذه الأحكام عند تعرض المصنف لها.

وكيف كان فان كان المرتهن غير عالم بردة العبد ، أو جنايته وقد اشترط رهنه في بيع تخير في فسخ البيع ، لان الشرط اقتضاه سليما. نعم لو كان عالما بهما لم يكن له خيار ، وكذا لو تاب أو فداء مولاه ثم علم ، وإن اختار الإمساك في الأول فليس له المطالبة بأرش يكون رهنا ، للأصل كما لو قتل قبل علمه. والله أعلم.

ولو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل ولكن كان يمكن إصلاحه بتجفيف ونحوه صح بلا خلاف ، بل في المسالك قولا واحدا ، بل ولا إشكال ، ضرورة وجود المقتضي وارتفاع المانع ، ف يجب حينئذ على الراهن الإصلاح ، لأن ذلك من مؤنة حفظه ، كنفقة الحيوان.

وكذا إن شرط بيعه ، جاز وإن لم يمكن إصلاحه بلا خلاف ولا إشكال لحصول المقصود بالرهن بهذا الشرط ، فيبيعه الراهن حينئذ ، ويجعل ثمنه رهنا ، فإن امتنع جبره الحاكم ، فان تعذر باعه المرتهن ، أو الحاكم دفعا للضرر ، وجمعا بين الحقين.

وكذا لو كان مما لا يفسد إلا بعد الأجل ، بحيث يمكن بيعه قبله ، أو كان الدين حالا لحصول المقصود بالرهن مع ذلك كله وأما إن لا يمكن شي‌ء من ذلك ، وقد شرط الراهن فيما يفسد قبل الأجل عدم البيع قبل الأجل بطل الرهن كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا لمنافاته مقصود الرهن حينئذ ، بل المراد من الشرط الرابع إمكان الاستيفاء من الرهن عند ارادته.

لكن في المسالك احتمال الصحة ، كما لو أطلق قال : « وشرط عدم البيع لا يمنع صحة الرهن ، لأن الشارع يحكم عليه به بعد ذلك صيانة للمال » وفيه أنه‌

١٣٧

لا معنى لحكم الشارع مع صحة الشرط ، وإن كان باطلا بطل الرهن المشترط فيه ، بناء على بطلان العقد بمثله.

نعم لو أطلق اتجه القول بالصحة ، وفاقا للفاضل ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، والمحكي عن غيرهم فيبيعه المالك عند خوف الفساد ، ويجعل ثمنه رهنا ، فإن امتنع جبره الحاكم جمعا بين الحقين ، ولتوقف صحة الرهانة المحمول عليها فعل المسلم على ذلك ، وخلافا للمحكي عن الشيخ ، وظاهر ابني زهرة ، وإدريس ، لعدم اقتضاء عقد الرهن بيع الرهن قبل حلول الأجل ، فلا يجبر عليه الراهن ، وحينئذ فلا يملك المرتهن استيفاء الدين منه عند حلول الأجل ، بل يكون كرهن المقطوع بعدم بقائه إلى الأجل ، وفيه منع عدم اقتضاء عقد الرهن ذلك في مثل الفرض كما هو واضح.

ومن ذلك ظهر لك قوة ما أشار إليه المصنف بقوله وقيل : يصح ويجبر مالكه على بيعه في صورة الإطلاق التي هي محل هذا القول بحسب الظاهر ، كما عن المبسوط حكايته كذلك ، لا الأعم منها ومن صورة الشرط التي قد عرفت قوة البطلان فيها ، هذا كله في المعلوم فساده قبل الأجل حال الرهانة ، أما إذا طرء ما يقتضي فساده قبل الأجل بعدها ، فلا ينبغي التأمل في بقاء الصحة حينئذ والبيع وجعل الثمن رهنا جمعا بين الحقين.

والفرق بينه وبين ما سبق واضح ، بل الظاهر كون الحكم هنا كذلك ، وإن قلنا بالبطلان مع الإطلاق ومن هنا قال في الدروس : « وإن طرء الفساد بعد القبض لم ينفسخ العقد ، ولو قلنا ببطلان رهنه مع عدم شرط البيع ، لأن الطاري لا يساوى المقارن » ومن ثم يتعلق الرهن بالقيمة لو أتلف الرهن متلف وهي دين ، ولا يجوز رهن الدين ابتداء فحينئذ يباع ويتعلق بثمنه ، بل هو كذلك أيضا وإن كان قد اشترط عليه عدم البيع قبل الأجل على جهة التأكيد ، إذ لم يكن المقصود من الشرط ما ينافي الرهانة نعم لو فرض تصريح المشترط بعدم البيع حتى مع طرو المفسد ، أمكن القول بالبطلان فتأمل جيدا. ثم ان الظن بالفساد الذي ينافي الوثوق عرفا كالعلم ، بخلاف الاحتمال‌

١٣٨

بل والشك ، بل وبعض أفراد الظن.

وكيف كان فما يتفرع على الشرط الرابع مما تركه المصنف عدم جواز رهن أم الولد ، فإنها وإن كانت عينا مملوكة يمكن قبضها ، لكن لا يجوز بيعها ، ومن هنا نسب المنع في المحكي عن الإيضاح. وحواشي الشهيد إلى الأصحاب.

لكن فيه أن المحكي عن أبي على الجواز ، بل لم يستبعده في المختلف ، وفي جامع المقاصد فيه قوة ، بل قيل : إنه قد يظهر من موضعين من المبسوط ، وكذا الغنية ، بل هو الأقوى إذا كان في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها ، وفاقا للتحرير ، والدروس ، لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، واحتمال ـ يسار المولى قبل حلول الأجل فلا يجوز بيعها ، فينتفى المقصود من الرهن ـ غير قادح بعد أن كان الإعسار مستصحبا مع أنه يمكن القول بأن له الحبس حينئذ ، حتى يفيه المولى ، بل قد يتجدد إعساره فلا تنتفي فائدة الرهانة أصلا.

قال في الدروس : « لو رهنها فتجدد له اليسار انفسخ الرهن ، ووجب الوفاء ويحتمل بقاؤه حتى يوفي ، لجواز تجدد إعساره قبل الإيفاء ، ولعله أقرب » فظهر من ذلك أن الإشكال في رهنها في الفرض كما في القواعد ضعيف ، نعم يتجه المنع مع اليسار إذ احتمال كفاية حبس المال عن المالك في صحة الرهن وإن لم يجز بيعه خلاف المفهوم من الأدلة ، وإلا لجاز رهن الوقف ونحوه ، كاحتمال الاكتفاء باحتمال تجدد الإعسار المجوز للبيع ، بعد فرض اقتضاء الأصل عدمه ، وفقد الشرط حال العقد ، فما في القواعد عن احتمال الجواز فيه في غاية الضعف ، وأضعف منه احتماله في غير ثمن رقبتها ، اكتفاء في الرهن بالحبس المزبور الذي قد عرفت ضعفه.

نعم قد يقال بجواز رهنها في بعض المواضع المستثناة من حرمة بيعها ، إذا تصور إمكان رهنها فيه ، لكونه حينئذ رهنا فيما يجوز بيعها فيه.

ثم إنه لا يتوهم اقتضاء الشرط الرابع عدم جواز رهن الجارية بدون ولدها الصغير ، بناء على حرمة التفرقة بينها وبينه ، لعدم كون الرهن تفرقة ، ولذا ادعى الإجماع على جوازه في محكي التذكرة والإيضاح.

١٣٩

وعن السرائر « يجوز رهن الجارية وإن كان لها ولد صغير إجماعا » بل الظاهر ذلك وإن قلنا بجواز بيعها منفردة في الرهن ، لعدم لزوم الرهن للتفرقة فلا يحرم ، مع أن الأقوى وجوب بيع الولد معها لو أريد بيعها في الرهن ، لتوقف صحة البيع الذي اقتضاه الرهن على بيعه معها ، فيجب حينئذ مقدمة.

وما في القواعد ـ من احتمال جواز بيعها منفردة ، ويقال : إنها تفرقة اضطرارية ـ واضح الضعف ، ضرورة عدم اقتضاء عقد الرهن بيعها منفردة ، وإن كانت قد رهنت كذلك ، فيضم ولدها حينئذ معها ، سواء باعها المالك أو بيعت جبرا عليه ، ولذا ترك الاحتمال في الدروس وغيرها ، فيباعان حينئذ ، ثم يختص المرتهن بقيمة الأم وان نقصت بضمه إليها ، أما لو زادت فقيل : تقسم الزيادة على نسبة ثمن الجارية والولد فيختص المرتهن على النسبة فلو قومت مع ولدها بمأة وعشرين ، ومفردة بمأة ، وولدها مفردا بعشرة ، كان الزائد بالاجتماع عشرة ، فيقسم أحد عشر حصة ، يختص المرتهن منها بعشرة ، والمالك بواحدة.

وقد يشكل ـ بعدم استحقاق المرتهن هذه الزيادة الحاصلة بانضمام غير المرهون من مال المالك ، فينبغي اختصاصه بها أجمع ، ولم يكن للمرتهن إلا قيمة الجارية منفردة ـ ويدفع بإمكان دعوى استحقاق المرتهن الاجتماع بعد فرض تعلق الرهانة بها وهي ذات ولد ، بل قد يحتمل اختصاصه بها ، وأنه ليس للمالك إلا قيمة الولد منفردا ، لكن العدل ، ملاحظة تتساويهما في الزيادة.

وفي القواعد « تقوم منفردة ، ومنضمة ، ثم ملاحظة النسبة ، فلو قومت منفردة مثلا بماءة ومنضمة بماءة وعشرين ، كان قيمة الولد السدس ، قال : ويحتمل تقدير قيمة الولد منفردا حتى تقل قيمته ، فإذا قيل عشرة فهو جزء من أحد عشر لو كانت قيمة الأم مائة ».

وفي الدروس « إما أن يقوما جميعا ثم يقوم الولد وحده ، أو يقوم الأم وحدها ، ومع الولد ، أو كل منهما وحده ، لأن الأم تنقص قيمتها إذا ضمت إليه لمكان اشتغالها بالحضانة ، والولد تنقص قيمته منفردا لضياعه ، ووجه تقويم الأم وحدها أن الرهن‌

١٤٠