جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

منه بعد ما يملكه » وصحيح منصور بن حازم (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل أمر رجلا أن يشترى له متاعا ، فيشتريه منه؟ قال : لا بأس بذلك ، انما البيع بعد ما يشتريه » والنصوص (٢) المتضمنة لكون مال العبد للمشتري مطلقا ، أو مع الشرط وعلم البائع من دون تقييد بانقضاء الخيار ، والنبوي (٣) « الخراج بالضمان » الذي معناه أن الربح في مقابلة الخسران ، فإن الخراج اسم للفائدة الحاصلة في المبيع ، والمراد أنها للمشتري ، كما ان الضرر الحاصل بالتلف عليه ، فهو دال على المطلوب ، وإن كان مورد الحديث خيار العيب ، والحكم ثابت فيه بلا خلاف كما قيل ؛ بل لا يبعد أن يكون الخلاف في خصوص خيار الحيوان ، والمجلس والشرط الذي لم يسبق بلزوم العقد ، وأما هو فقد عرفت الحال فيه سابقا.

كل ذلك مع عدم دليل معتبر للمخالف ، خصوصا التفصيل ، عدا دعوى قصور العقد فلا يفيد الملك وهو كما ترى. نعم قد يستدل له بصحيح ابن سنان (٤) « سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الدابة أو العبد يشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة ، أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك؟ فقال : على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشترى ، شرط له البائع أو لم يشترط ، قال : وإن كان بينهما شرط أيام معدودة ، فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع » وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٥) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين ، فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب بيع الحيوان.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٣.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار الحديث ١.

٨١

الضمان؟ فقال : ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضى شرطه » ومرسلة ابن رباط (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع » الا أنها لا تصلح لمعارضة الروايات المتقدمة ، لرجحانها بالكثرة والمطابقة للأصول ، والإجماع المنقول ، وظاهر الكتاب ، والشهرة بين الأصحاب ومخالفة أكثر الجمهور ، فتعين التأويل في هذه ، بحمل الصيرورة فيها على اللزوم جمعا بين الاخبار.

وأما ضمان البائع وهو وإن كان على خلاف الأصل الا أنه قد ثبت بالدليل في صورة اختصاص المشتري بالخيار كضمان البائع المبيع قبل القبض ، وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لو تجدد له اى المبيع نماء بين العقد وانقضاء الخيار كان للمشتري لأنه نماء ملكه وحينئذ فـ ( لو فسخ ) المشتري العقد مثلا رجع على البائع بالثمن ولم يرجع البائع عليه بالنماء الذي هو له على المختار.

نعم هو للبائع على القول الأخر إن فسخ ، بل وان لم يفسخ ، بناء على الملك من حين الانقضاء كما هو ظاهر القول المحكي في المتن وغيره. أما على احتمال ارادة الكشف في كلام الشيخ فهو للمشتري أيضا ، واحتمله الشهيد في كلام الشيخ في الخلاف ، ولعله أخذه من قوله بالعقد الأول ، ويمكن ارادة حصوله به بحمل السببية على الناقصة ، وحينئذ يشكل تبعية النماء فيما إذا كان الخيار للمشترى خاصة على كلام الشيخ ، لعدم ملكية الأصل عنده لأحد المتعاقدين ؛ ولعله يلتزم دخوله في ملك المشتري إن لم يفسخ ، والبائع إن فسخ كالأصل.

وعلى كل حال فهذا من فائدة الخلاف في المسألة كالأخذ بالشفعة ، وابتياع الزوجة ، وبيع من ينعتق على المشتري وجريان المبيع في حول الزكاة إن كان زكويا ، وغير ذلك ، والثمن في ذلك كله كالمبيع ، إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا ، لاستحالة انتقال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار الحديث ٥.

٨٢

أحد العوضين دون الأخر ، بخروجه عن حقيقة المعاوضة واستلزامه الجمع بين العوض والمعوض. والله أعلم.

المسألة الخامسة إذا تلف المبيع الشخصي قبل قبضه بآفة سماوية في غير الثلاثة في تأخير الثمن فهو من مال بائعه إجماعا بقسميه. إذا لم يكن بامتناع من المشتري أو برضا منه بالبقاء في يد البائع ، بعد تمكينه منه وعرضه عليه ، للنبوي (١) المنجبر بعمل الأصحاب كافة « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه » المعتضد مع ذلك بخبر عقبة بن خالد (٢) المتقدم في خيار تأخير الثمن.

أما التلف في الثلاثة فقد عرفت البحث فيه سابقا ، وأن الأقوى فيه ذلك ، كما أن الظاهر كونه من مال المشتري إذا كان عدم القبض لامتناع منه ، بلا خلاف أجده فيه ، للأصل السالم عن معارضة القاعدة المزبورة بعد انصرافها إلى غيره ، بل قد يقال : بذلك أيضا فيما إذا كان التأخير بالتماس منه بعد العرض عليه والتمكين منه ، وفاقا لجماعة ، إما لأن مثله يسمى قبضا ، أو لأن المراد من النبوي غيره ، بل في الغنية والمحكي عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، لكن دعوى صدق اسم القبض بذلك فيما لا يكفى فيه التخلية ممنوعة ، كمنع قيام ذلك مقام القبض الرافع للضمان الذي هو مقتضي الاستصحاب مطلقا أو في بعض الأحوال ، وخبر عقبة الظاهر في أن المشتري هو الذي تركه في يد البائع ، فالقول بالضمان لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا ، ولم نقل بأن مثله قبض.

نعم يمكن دعوى انسياق التلف بالآفة السماوية ، فلو أتلفه أجنبي لم يضمنه البائع ، واستحق المشتري عليه المثل أو القيمة ، وقيل : بالتخيير بين ذلك والفسخ والرجوع بالثمن ، بل هو المشهور بينهم ، بل لا خلاف أجده بينهم ، لكن لا دليل عليه ،

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٣.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الخيار الحديث ١.

٨٣

بل لعل مقتضى الدليل خلافه ، بل لعله كذلك إن أتلفه البائع أيضا ، لأصالة اللزوم ، لكن قد يظهر من خبر عقبة بن خالد أنه من ضمان البائع مطلقا حتى يقبضه المشتري الا أنه محتاج الى الجابر في تخصيص القاعدة ، لتعبير أكثر الأصحاب أو جميعهم بمضمون النبوي الظاهر فيما عرفت ، ويمكن حمل السرقة في خبر عقبة على الآفة السماوية ؛ باعتبار عدم تعين من يرجع اليه بالمثل أو القيمة ، ولو أتلفه المشتري فالظاهر أنه بمنزلة القبض ، ونظر فيه في الرياض ، ولعله لظهور خبر عقبة فيما عرفت ، فينفسخ العقد ويرجع البائع عليه بالمثل أو القيمة ، وستسمع لهذا البحث تتمة إنشاء الله تعالى في باب القبض وفي باب بيع الثمار ، بل قد يقال : إن الانصاف شمول النبوي لجميع صور التلف. بآفة أو بغيرها ، الا أن يكون إجماع على البعض ، أو شهرة عليه بحيث يضعف الظن بإرادته منه.

وكيف كان فالنماء بعد العقد قبل التلف للمشتري كما في المسالك وغيرها ، بل قيل انه يظهر منه دعوى الوفاق عليه ؛ لأنه نماء ملكه فالقاعدة واستصحاب الحالة السابقة يقضيان بأن الفسخ من حينه فاحتمال كون الفسخ من الأصل ـ كما عن التذكرة حكايته ـ ضعيف.

لكن في الرياض « أنه ينافي الفسخ من حينه ظاهر النص وفتوى الجماعة ، فيحتاج الى تقدير دخوله في ملك البائع آنا ما ويكون التلف كاشفا ، مثل دخول الدية في ملك الميت ، والعبد المأمور بعتقه في ملك المعتق عنه » قلت : قد لا يحتاج الى هذا التقدير ، ويكون المراد من النص والفتوى أن حكم هذا التالف حكم ما لو كان ما لا للبائع ، أي لا يستحق بالعقد ثمنا على المشتري ، بمعنى أنه يبطل أثر العقد بالنسبة الى ذلك وإن كان قد تلف وهو على ملك المشتري ، وأقصاه تحكيم النبوي المنجبر بعمل الأصحاب على غيره مما يقتضي خلافه ، وكان مقصود المقدر مراعاة رجحان الجمع على الطرح. والأمر سهل.

٨٤

ثم إن مقتضى الأصل بعد اختصاص النص والفتوى بالمبيع ، كون تلف الثمن من البائع ، لكن عن ظاهر بعض الأصحاب إلحاقه بالأول مشعرا بدعوى الوفاق عليه وعلى ارادته من المبيع وارادة المشتري من البائع ، التفاتا الى صدقهما عليهما لغة ، وفي الرياض « إن تم والا فالمسألة محل إشكال لكن ظاهر الخبر الثاني أي خبر عقبة العموم فلا بأس به » قلت : لا إجماع قطعا ، وارادته من النبوي كما ترى ، وخبر عقبة إنما يدل بعد القبض ، ويمكن حمله على كون الثمن كليا كما هو الغالب ، والضمان فيه أعم من الانفساخ الحاصل بتلف المبيع ، على أنه لا جابر له بالنسبة الى ذلك فتأمل جيدا.

وتلف بعض المبيع من مال بايعه كتلف الجميع ، والظاهر ثبوت الخيار في الباقي لتبعض الصفقة ، ولو كان المبيع كليا وتصور تشخصه بغير القبض ، لحقه الحكم مع صدق اسم المبيع عليه ، ولو كان كليا من جهة ، شخصيا من أخرى ، كصاع من صبرة وقد تلفت اجمع فهو كالشخصي والله اعلم.

وإن كان قد تلف المبيع بعد قبضه بآفة أو بغيرها وبعد انقضاء مدة الخيار فهو من مال المشتري بلا خلاف ولا إشكال ، ويرجع على من له الرجوع عليه بالمثل أو القيمة وإن كان تلفه بعد القبض بآفة في زمن الخيار من غير تفريط من المشتري وكان الخيار للبائع خاصة فالتلف من مال المشتري أيضا لأنه ملكه على المختار ، وللنصوص السابقة (١) في بحث خيار رد الثمن بناء علي أنها من مدة الخيار.

وإن كان الخيار للمشتري خاصة فالتلف من مال البائع إجماعا بقسميه ، للنصوص المتقدمة (٢) في دليل القائل بعدم الملك حتى ينقضي الخيار ، والصحيح منها صريح (٣) في خيار الشرط والحيوان ، ولعلهما المراد ان من المتن و‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار.

(٣) الوسائل الباب ٨ و ٥ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٣.

٨٥

غيره ، بقرينة ذكر المدة والزمن ونحوهما ، لعدم ضبط مدة معلومة لغيرهما من الخيارات كما أشار إليه العلامة الطباطبائي في مصابيحه في خيار تأخير الثمن ؛ حتى خيار المجلس ، على أن الخيار فيه لهما معا ، وستعرف أن الحكم على القواعد مع اشتراك الخيار ، فلا ريب في عدم ارادة غيرهما من المتن ونحوه ، سيما على القول بالفورية في كثير منها ، فيقتصر فيما خالف الضوابط كالصورة الأخيرة عليهما خاصة ، فيحكم حينئذ بانفساخ العقد فيها ورجوع الثمن إلى المشتري ، كالتلف قبل القبض.

نعم لا فرق فيها بين كون الخيار للمشتري خاصة ، أوله مع الأجنبي من طرفه كما صرح به غير واحد ، بل كأنه إجماع عملا بالإطلاق ، بل قد يظهر من تعليق الإرشاد أن الخيار للأجنبي من طرف المشتري كخياره ، ومقتضاه أن التلف من البائع أيضا لو كان للأجنبي من طرفه خاصة ، وفيه أنه بعد البناء على أنه تحكيم لا توكيل ـ لا يشمله الصحيح المزبور ، فيشكل الحكم المذكور المخالف للقواعد من وجوه فيه ، بل إن لم ينعقد إجماع على إلحاق خيار الأجنبي معه بخياره خاصة ـ كان المتجه حينئذ الاقتصار على المتيقن من الصحيح وهو ما إذا كان الخيار للمشتري خاصة ، سيما مع عدم سوق إطلاقه ، لتناول مثل الفرض الذي ليس له في النصوص أثر بالخصوص ، وإنما سوغه الأصحاب لعموم دليل جواز الشرط وإلا لشمل الإطلاق المزبور ما إذا كان الخيار للبائع معه أيضا ، مع أنه لا خلاف بينهم على ما قيل : في كون تلف المبيع فيه من المشتري وأن الثمن من البائع كما هو مقتضى القواعد ، بناء على الملك بالعقد ، بل لم يذكر احد منهم كون التلف فيه من البائع فيه احتمالا ، مع أنه اولى بتناول الإطلاق المزبور ، فالوجه الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى.

نعم لا بأس بضم الأجنبي في الصورة الأولى التي كون تلف المبيع فيها من المشتري على القواعد كما هو واضح. وعلى كل حال فقد ظهر لك أن المراد في المتن وغيره بل‌

٨٦

والنص بكون التلف من البائع في الصورة الأخيرة ، انفساخ العقد ورجوع الثمن إلى المشتري نحو التلف قبل القبض ، ويقابله ما فيها من كون التلف من المشتري في الصورة الأولى أي لا ينفسخ العقد بذلك ، بل يكون التالف من مال المشتري نعم لا ينافي ذلك بقاء الخيار للبائع فيها كما صرح به جماعة منهم الفاضل والكركي بل لا خلاف أجده فيه ، للأصل وعدم ثبوت اشتراط بقاء الخيار ببقاء العين ، بل الثابت خلافه ، فله الفسخ حينئذ والمطالبة بالمثل أو القيمة ، لأن يد المشتري يد ضمان بالثمن لا مجانا ، وكون التلف بالآفة لا ينافي الاستحقاق بالفسخ الجديد المقتضى رجوع كل عوض بعينه أو بدله الى صاحبه ، بل لو تلف الثمن بالآفة في يد البائع لم يسقط خياره ، فله الفسخ أيضا مع رد المثل أو القيمة والمطالبة بالمبيع أو بدله كما هو واضح ؛ وإن تقدم في الغبن ما عساه يتوهم منه المنافاة لذلك ؛ الا أن العمدة الإجماع هناك ظاهرا.

وقول الأصحاب ـ إن تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له ، بعد تنزيله على خيار الشرط والحيوان ـ لا ينافي شيئا مما ذكرناه ، والدليل عليه واضح ، إذ مع فرض أن الخيار للمشتري خاصة كان تلفه من البائع ، للنصوص السابقة (١) الدالة بصريحها على ذلك والمراد به كما صرح به في جامع المقاصد انفساخ العقد به كالتلف قبل القبض ، لاتحادهما في لفظ الدليل المفهوم منه ذلك بعد القول بالملك بالعقد ، فما عساه يظهر مما ستسمعه من الدروس ـ من الفرق بينهما في ذلك ، فيبطل في التلف قبل القبض ، دون محل البحث ـ واضح الضعف ، ومع فرض ان الخيار للبائع خاصة كان التلف من المشتري ، أي لا ينفسخ العقد كما هو مقتضي القواعد ، لانه ملكه وقد تلف في يده الا أنه يبقى مع ذلك خيار البائع على حسب ما ذكرناه.

ومن ذلك يظهر لك خطاء بعض الأعلام الناشي من الوهم في المراد من قاعدة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار.

٨٧

« التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له » وأنها أعم من الثمن والمثمن ، وخيار الشرط والحيوان وغيرهما ، قال : « ولو تلف المبيع أو الثمن بالآفة الإلهية بعد قبضه. وقبل انقضاء خيار المشتري أو البائع ؛ فالتالف ممن لا خيار له بلا خلاف أجده ، لما مر في كل من خياري الشرط والحيوان من المعتبرة المستفيضة (١) وأخصيتها من المدعى مندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة ، مع أن هذا الحكم غير محتاج إلى دلالة من كتاب أو إجماع أو سنة على حدة في بعض صور المسألة ، وهو على المشهور ما إذا تلف المبيع بعد القبض والخيار للبائع وبالعكس ، لكون المتلف مال من لا خيار له ، المنتقل اليه بمجرد العقد ، فيكون الحكم في الصورتين موافقا للقاعدة ، مع تأيد أولهما بأخبار خيار الشرط ، (٢) وإنما المحتاج إلى الدلالة ما إذا تلف المبيع بعده والخيار للمشتري وبالعكس لمخالفة الحكم فيهما للقاعدة المتقدمة جدا ولا إشكال فيه أصلا بعد قيام النص والفتوى بإثباته فيهما ، فيكون كل منهما بهما عن القاعدة مستثنى ».

وهو من غرائب الكلام ضرورة كون النص والفتوى في خصوص المبيع دون الثمن ، بل ظاهر خبر معاوية بن ميسرة (٣) من أخبار اشتراط الخيار برد الثمن ، أن تلف الثمن من البائع وأنه ملكه وإن كان الخيار له. فمن العجيب دعوى أن النص والفتوى على كون الثمن من المشتري إذا كان الخيار للبائع خاصة ؛ ومقتضاه الانفساخ كتلف المبيع إذا كان الخيار للمشتري خاصة الذي قد عرفت أنه مدلول النص والفتاوى. وأغرب من ذلك كله إن أراد تعميم هذا الحكم لسائر الخيارات في الثمن والمثمن ، هذا كله على المختار من الملك بالعقد.

أما على القول الآخر فالصورة المخالفة عندنا للضوابط التي دلت عليها النصوص في الحيوان والشرط ، موافقة للضوابط ، لعدم انتقال المبيع حينئذ إلى المشتري ، فتلفه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ و ٨ من أبواب الخيار.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ٣.

٨٨

حينئذ من البائع وإن كان الخيار للمشتري ، بل هو كذلك وإن كان الخيار للبائع ، ولم يعلم منهم أنه على هذا التقدير من المشتري ، كي يحتاج إلى دليل خاص من إجماع أو غيره ، كما أنه لم يعلم منهم كون تلف الثمن من البائع إذا كان الخيار للمشتري خاصة ليحتاجوا فيه إلى الدليل الخاص ، إذ لعله عندهم من المشتري كما هو مقتضي قاعدتهم.

ومن العجيب ما وقع في الرياض هنا من الخبط والخلط ، الناشي من توهم عموم قاعدة المزبورة ، مع انا لم نجدها في شي‌ء من كتب المتقدمين ولا الأساطين من المتأخرين ، بل هم بين مصرح في خصوص خيار الحيوان والشرط للمشتري أن تلف المبيع من البائع ، كما هو مضمون النصوص ، وبين من زاد على ذلك بأنه من المشتري إذا كان الخيار للبائع ، كما هو مقتضى القواعد بناء علي الملك بالعقد فلاحظ وتأمل لتعرف حقيقة الحال : وقد ظهر مما ذكرنا أنه لا يسقط الخيار مطلقا بعد القبض في التلف بالآفة في غير الصورة المنصوصة بل يفسخ ويرجع العين أو البدل كما أنه يرجع بذلك.

أما الإتلاف فإن كان ممن له الخيار لما هو ملكه ، فهو مسقط لخياره خاصة دون خيار الآخر ، وإن كان لغير ملكه المنتقل اليه ، فهو فسخ للعقد ويسقط خيار الأخر حينئذ بالانفساخ ، وإن كان ممن ليس له الخيار ، فلا يسقط خيار من له الخيار مطلقا ، بل له الفسخ والرجوع بالمثل أو القيمة ، وهل يتعين حقه في ذمة المتلف دون من كانت في يده العين ، أوله الرجوع عليه ، أو يتعين وهو يرجع على المتلف وجوه ، أصحها الأول لأن فسخ العقد يقتضي عود ملك العين أو بدلها ، فهي كما لو كانت العين في يد شخص آخر غير من انتقلت إليه ، فإن الظاهر عدم تكليفه بتحصيلها منه مع الفسخ ، مع احتماله فتأمل جيدا.

ولا فرق في ذلك بين سائر أقسام الخيار ، لكن في القواعد في باب المرابحة « أن في سقوط خيار المشتري فيما لو أكذبه بالإخبار برأس المال مع التلف نظر » و‌

٨٩

في جامع المقاصد « وفي بقاء خيار الغبن بعد التلف تردد ، سواء كان التلف من البائع ، أم من أجنبي ، أم بآفة ، الا أن يكون بالآفة قبل القبض ، فإنه من ضمان البائع ، وعلى إطلاق كثير منهم ينبغي أن يكون بعد القبض كذلك ، لاختصاص الخيار بالمشتري ، فينفسخ العقد في الموضعين ، الا أن التردد فيما سبق له في المرابحة ، ينافي الحكم بانفساخ العقد لانه من المشتري أيضا ».

قلت : لا ريب في ضعف التردد المزبور المبني على احتمال تعلق حق الخيار بالعين خاصة وهو واضح الضعف ، بل يمكن القطع بعدمه ، بملاحظة كلام معظم الأصحاب ، كما أنه لا ريب في عدم ارادة خيار الغبن ونحوه من إطلاق الأكثر كون التلف في يد المشتري إذا كان الخيار له من البائع ، لما عرفت من أنه لا دليل عليه وانما خاص بالشرط والحيوان ، فتأمل جيدا ؛ فإنه قد وقع خبط في المقام لجملة من الأعلام في عدة من الأمور ، والتحقيق ما عرفت أنه لا انفساخ إلا في صورتين إحداهما التلف للمبيع قبل القبض ـ والأخرى بعد إذا كان الخيار للمشتري في الحيوان والشرط خاصة ، ولا ينفسخ في غيرهما.

نعم يبقى الخيار لصاحبه على حسب ما سمعته ، وقد يظهر من الدروس الخلاف في الصورة الثانية ، وأن الحكم فيها بقاء الخيار كغيرها ، قال : « لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع والخيار ، وبعده لا يبطل الخيار وإن كان التلف من البائع ، كما إذا اختص المشتري بالخيار فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه ، ولو فسخ المشتري رجع بالثمن وغرم البدل في صورة ضمانه ، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع المثل أو القيمة ، وفي انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر » وهو غريب.

وأغرب منه احتماله أخيرا عدم الرجوع بالمثل أو القيمة لو أوجب العقد ولم يفسخه ، فيكون معنى كونه من مال البائع عنده فيما لو فسخ خاصة فإنه يرجع بالثمن حينئذ ويذهب المبيع من البائع ، ولم أجد شيئا من ذلك لغيره ، وإن كان قد يؤيده استصحاب بقاء العقد ونحوه. والتحقيق ما قلناه ، والله اعلم.

٩٠

فرعان‌ الأول قال الشيخ في المحكي عن مبسوطة وخلافه وابنا زهرة وإدريس على ما حكي عن الثاني منهما : أن خيار الشرط يثبت من حين التفرق لنحو ما سمعته في خيار الحيوان وقيل من حين العقد وهو أشبه وأشهر بل هو المشهور ، لنحو ما سمعته هناك أيضا وتزيد هنا ، أن البحث في المقام راجع الى قصد المشترط وما يظهر من عبارته ولا ريب في انسياق الاتصال منها كما في غير المقام ، مما نذكر فيه أحد المتعاقدين مدة ، بل لا يبعد البطلان لو كان القصد من حين التفرق ، للجهالة نحو ما لو صرح به ، بل ربما حكي عن الشيخ الاعتراف به ، كما أنه والحلي اعترفا في المحكي عنهما بالصحة مع التصريح بالاتصال ، بل في التذكرة صح عندنا ، خلافا لبعض العامة ، وبه تسقط حججهم القاضية بالامتناع ، إذ الممتنع لا ينقلب بالشرط الى الجواز.

بل قد يشكل تصور أصل نزاعهم في المسألة ، لما عرفت من الصحة مع قصد الاتصال ، والبطلان مع قصد التفرق ، اللهم إلا أن يفرض خلوه عن القصد الخاص ، ويكون الابتداء من حين التفرق شرعيا حينئذ ، نحو ما قيل في خيار الحيوان ، لا أنه من قصد المتعاقدين وإن كان المنع عليه مع هذا الفرض واضحا أيضا ، لعدم الدليل الصالح لإثبات ذلك ، بل ما ذكروه من الأدلة ظاهر في عدم بناء المسألة على الفرض المزبور ، كما أنه ظاهر في اقتضاء التأخير بعد الثلاثة في خيار الحيوان ، وهو بعيد من قصد المتعاقدين ، بل صحيح ابن سنان (١) السابق شاهد على خلافه ، بناء على ظهوره في دخول ما شرطه من اليوم واليومين في الثلاثة وأظهر منه خبر عبد الرحمن (٢) بل منهما يعلم بناء على ذلك فساد ما وقع من بعض الاعلام من أنه يشكل الحكم بالاتصال مع العلم بالخيار وتساوى المدتين أو قصور مدة الشرط ، بل لعل الظاهر التأخر عملا بشاهد الحال ، أما لو زاد الشرط احتمل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار الحديث ٣.

٩١

التأخر مطلقا والاتصال كذلك ، والتفصيل بمقتضى العرف فيتأخر في مثل الأربعة والخمسة ، ويتصل في نحو الشهر والسنة ولا بأس به ، وفيه منع اقتضاء العرف ذلك ثم قال : ولو أطلق الخيار فالقول في الثلاثة كالمدة المشترطة والصحيح الشاهد بصحته ، يشهد باتصاله ، قلت : كأنه أراد الصحيح المتقدم سابقا (١) في البحث عما لو اشترط الخيار وأطلق ، ومنه يعلم حينئذ زيادة تأييد لما قلناه من ظهور الاتصال ولو كانت المدة المشترطة مساوية للمدة المضروبة من الشارع فتأمل جيدا والله أعلم.

الثاني لا اشكال ولا خلاف في أنه إذا اشترى شيئين وشرط الخيار له أو لغيره في أحدهما على التعيين صح فله الفسخ فيه حينئذ وليس للبائع ذلك بالتبعض الذي قد أقدم عليه وأنه إن أبهم بطل للغرر ، كالإبهام فيمن له الخيار كما هو واضح والله اعلم.

ويلحق بذلك خيار الرؤية إذ هو قسم من أقسام الخيار ولكن هو لا يثبت إلا في بيع الأعيان الشخصية من غير مشاهدة رافعة للغرر والجهالة ، فإنه لا ريب في صحة البيع كذلك ، نصا وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه ، وما في‌ مرسل عبد الأعلى (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه كره شراء ما لم يره » لا بد من حمله ـ بعد إرادة الحرمة من الكراهة فيه ـ على عدم الوصف مع ذلك أو على ما لا يمكن رفع جهالته به ، كبعض الليالي أو غير ذلك ؛ ضرورة أن ما نحن فيه أولى بالصحة من السلم وإن كان يفتقر ذلك حينئذ إلى ذكر الجنس ونريد به هنا النوع المصطلح كما في المسالك أى اللفظ الدال على القدر الذي تشترك فيه افراد الحقيقة النوعية كالحنطة مثلا أو الأرز أو الإبريسم لا الجنس المصطلح والى ذكر الوصف ، وهو اللفظ الفارق بين أفراد ذلك الجنس كالصرافة في الحنطة أي خلوها من الخليط‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب الخيار الحديث ١.

٩٢

والحدارة ، أو الدقة مقابلة للحدارة ويجب أن يذكر كل وصف تثبت الجهالة في ذلك المبيع عند ارتفاعه وهو مختلف ولا يلزم الاستقصاء ، بل قيل إنه ربما يكون مخلا في بعض الأحوال ، والا بطل إجماعا بقسميه ، للنواهى عن بيع الغرر (١) والجهالة المقتضية للفساد كما هو معلوم في محله.

نعم لا يبعد جوازه بعد الإناطة بالوصف ، وإن لم يوثق بوجوده ، لارتفاعه به على كل حال ، وجبر الخلاف بالخيار ، وضبط ذلك بعضهم بما صح فيه السلم ، بل قيل ربما ادعى الإجماع على اشتراط جميع شروط السلم ، وفيه أن الجهل في الموجود قد يرتفع عرفا بما لا يرتفع في المعدوم ؛ وربما افضى فيه الى عزة الوجود ، فيبطل لذلك ، بخلاف ما نحن فيه المرتفع عنه هذا المحذور بوجوده ، فالأولى الإناطة بما عرفت من أنه لا بد من ذكر كل وصف تتفاوت الرغبة بثبوته ، وانتفائه ؛ وتتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهر الا يتسامح بمثله ، ولو زاد على ذلك أمكن ثبوت الخيار بفقده أيضا وإن كان لا يتوقف صحة البيع عليه.

وعلى كل حال فـ ( يبطل العقد مع الإخلال بذينك أو أحدهما ) أي الجنس والوصف ما لم تكن رؤية قديمة يستغنى بها عن الذكر ، وإن كان حكم الخيار ثابتا أيضا مع البيع على تلك الرؤية ، فاتفق أنه قد تغير بزيادة أو نقصان أو بهما من جهتين ولا ريب في أنه يصح مع ذكرهما ، سواء كان البائع رآه دون المشتري ، أو بالعكس ، أو لم يرياه جميعا ، بأن وصفه لهما ثالث لكن قد يتوقف في البطلان مع رؤية المشتري له ، وجهل البائع به ، للأصل بعد تنزيل أدلة الغرر على ما لا تشمل ذلك ، فان لم يقم إجماع عليه ، فللنظر فيه مجال ، وإن كان الأصح البطلان ، لعموم ما دل على اعتبار المعلومية في البائع والمشتري (٢) وعلى كل حال فلا إشكال في أنه يثبت له الخيار أيضا مع ذكر الوصف ، وإناطة البيع به.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب التجارة الحديث ٣ الدعائم ج ٢ ص ١٩.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب البيع وشروطه.

٩٣

وكيف كان فان كان المبيع على ما ذكر ، فالبيع لازم كتابا وسنة وإجماعا بقسميه والا كان المشتري خاصة بالخيار بين فسخ البيع وبين التزامه إذا كان ناقصا عن الوصف ، إن اختص البائع بالرؤية دونه وبالعكس ؛ ان كان المشتري رآه دون البائع كان الخيار للبائع دونه مع الزيادة في الوصف إذا فرض ملاحظة عدمها والا فلا خيار للأصل وإن لم يكونا رأياه كان الخيار لكل واحد منهما إذا كان ناقصا من جهة زائدا من اخرى ؛ كما لو وصف بهما الثوب بأن طوله عشرون ذراعا وعرضه ذراع فظهر خمسة عشر طولا ، في عرض ذراع ونصف مثلا ، أو العبد بأنه كاتب خاصة فظهر خياطا خاصة ، بلا خلاف في المشتري ، كما في الرياض ومحكي مجمع البرهان ، بل في الحدائق أنه موضع وفاق فيهما ، وفي شرح شيخنا المعتبر ، الإجماع بقسميه عليهما لكن قد يناقش في ذلك أولا بأنه قد يظهر من إطلاق جماعة كالمصنف وغيره ، تخير المشتري حتى مع الزيادة ، بل قيل أنه كصريح إيضاح النافع ، وان كان هو في غاية الضعف لعدم ما يصلح حينئذ لقطع ما دل علي اللزوم من الكتاب والسنة ، إلا ما عساه يتوهم من إطلاق الخبر الآتي (١) الذي يقطع بعدم ارادة مثل ذلك منه ، وكذا الكلام في العكس ، ونحو ذلك الوصف بغير المقصود الذي لم يرد منه القيدية ، فظهر الخلاف ، كالبسط في الشعر ، فبانت الجعودة أو الجهل فبانت المعرفة فيتخير البائع دون المشتري ، مع فرض إرادة القيدية من ذلك ، لا ما يتعارف من ارادة البراءة من الالتزام بها.

وثانيا بما في المقنعة والنهاية من البطلان مع ظهور خلاف الوصف ، لا الخيار كالمحكي عن المراسم في خصوص الأعدال المحزومة وعن الأردبيلي التأمل فيه ، وان كان هو ضعيفا كالأول أيضا ضرورة ابتنائه على عدم الفرق بين وصف المعين والوصف المعين وبين الذاتي والعرضي.

وأضعف منه ما عن ابن إدريس من تخيير المشتري بين الرد والأخذ بالأرش ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ و ٤.

٩٤

الدليل عليه فيما لم يعد فقده عيبا ، فتعين كون التحقيق الخيار لحديث نفى الضرار (١) وللصحيح « عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلما أن نقد المال وصار الى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه ، فلم يقله فقال عليه‌السلام : لو أنه قلب منها أو نظر الى تسعة وتسعين قطعة ، ثم بقي قطعة ولم يرها ، لكان له في ذلك خيار الرؤية.

ومنه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من انه لو اشترى ضيعة رأى بعضها ووصف له سائرها أي ما فيها ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف إذا الظاهر ارادة المجموع من اسم الإشارة في الصحيح لا خصوص من لم يرها الذي يحصل التضرر فيه ، بتبعض الصفقة على البائع ، مع احتماله وانجباره بثبوت الخيار له بذلك ، لكن عن بعضهم الإجماع علي الأول ولا بأس به ، بل لا ينافيه لو جعل اسم الإشارة لخصوص غير المرئي إذ أقصاه ثبوت الخيار فيه الذي هو أعم من الاقتصار على فسخه خاصة. فتأمل

وفي فورية هذا الخيار وتراخيه وجهان ، بل قولان أشهرهما الأول ، بل ربما أسند إلى ظاهر الأصحاب ، للأصل ، ولزوم الضرر لولاه ، والاستصحاب لا يحكم علي العموم الزماني ، المستفاد من لزوم العقد ، إلا أنك قد عرفت المناقشة في جميع ذلك ، مما مر من نظير المسألة ، على أن إطلاق النص في المقام كاف. اللهم الا أن ينكر ظهوره في إرادة الإطلاق المفيد في المقام ، والضرر مندفع بأنه يلزم بالاختيار حينئذ معه ، على الفورية لو أخر لعذر ، من حصول مانع أو نسيان للعقد أو للصفقة السابقة ، أو عدم ظهور اللاحقة ، أو زعم صدور الفسخ منه ، أو جهل بحكم الخيار ؛ ففي شرح الأستاد بقي خياره قال : « وجهل حكم الفورية ليس بعذر » وفيه ـ بعد الإغضاء عن وجه الفرق بين حكم الخيار والفورية ـ أنه قد يشكل عدم السقوط في بعض ما ذكره أو جميعه بناء على التوقيت في الفورية كما هو الظاهر من القائل بها هنا ، وإن قال : بغيره في نحو الأوامر ، لوضوح الفرق بين المقامين فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الخيار الحديث ١.

٩٥

ولا ريب في صحة إسقاط هذا الخيار بعد تحققه كما في غيره من الحقوق ، بل وبعد العقد قبل التحقق ، خلافا للمحكي عن التذكرة وغيرها للاكتفاء في صحة الإسقاط بوجود السبب ، فإنه حق أيضا يسقط بالإسقاط ، وقد يقال : بأنه إن صادف المخالفة في الواقع أثر ، لعدم اعتبار العلم بذلك قطعا ، والا كان العقد لازما بدونه. ودعوى ـ أن الحق لا يثبت الا بظهور المخالفة لا بوجودها في نفس الأمر ـ يمكن منعها ، كما سمعت نحوه في خيار الغبن ، وحينئذ فلا ريب في صحة اشتراط سقوطه بالعقد كخيار المجلس ، ونحوه ، بل لا يبعد ذلك وإن قلنا بعدم ثبوته الا بعد ظهور المخالفة ، خلافا لجماعة منهم الكركي فإنه ـ بعد ان استظهر الصحة في غيره حتى الغبن والتأخير ـ قال : « فان شرط رفعه بطل الشرط والعقد ، للزوم الغرر ، لأن الوصف قام مقام الرؤية ، فإذا شرط عدم الاعتداد به ، كان غير مرئي ولا موصوف » واليه يرجع ما في الدروس من التعليل بالغرر ، لكن قال : « وكذا خيار الغبن ثم احتمل الفرق بينهما » قلت : يمكن منع عدم صدق التوصيف معه ؛ وليس لثبوت الخيار مدخل في رفع الغرر ، وإنما الذي رفعه نفس الوصف ، ضرورة عدم كون المدار على مطابقة الواقع ، إذ قد تخطى المشاهدة بل المدار على صدق الاقدام على معلوم غير مجهول.

نعم قد يقال : بعدم صحة اشتراط الاسقاط فيما لو اشترى مثلا مع عدم الاطمئنان بالوصف ، فإن ثبوت الخيار فيه له دخل في رفع الغرر الذي هو الخطر ، مع ان الأقوى الصحة فيه أيضا ، لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول ، ولو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار ، وإلا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار ، وهو معلوم العدم ، وإقدامه على الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال للغرر عليه من قبله ، ولا يسقط الخيار بالإبدال قطعا ولا ببذل التفاوت ولو شرط الأول في العقد إن ظهر الخلاف فسد كما في الدروس للجهالة والغرر ، والظاهر أن شرط الثاني كذلك ، وسقوطه بالتصرف قبل العلم به نحو ما سمعته في الغبن وبعده يسقط إن دل على الرضا ، والا فلا ، حتى في الناقل والمتلف منه ، الأعلى‌

٩٦

احتمال ذكرناه في خيار الغبن.

ولو اشتري ما على صفة نساج على أن ينسج الباقي مثله بطل في الأشهر ، ويمكن الصحة وفاقا للمختلف ، للأصل وعدم ثبوت بطلان البيع المتحد المتعلق بشخصي وكلي في الذمة ، بعد فرض ضبطه بالوصف ، ودعوى عدم الضبط بذلك ممنوعة ، على أن الفرض حصول الضبط ، وثبوت خيار الرؤية في غير المنسوج دون ما شاهده بعد التسليم غير مانع ؛ على أن الظاهر منع الخيار من هذه الجهة وإن قلنا بثبوته بناء على الصحة من حيث فوات الشرط ، والظاهر أن ذا ليس من الكلي الذي يجب فيه الابدال.

نعم يمكن القول ببطلان البيع فيه ، وثبوت الشركة في القيمة بالنسبة ، كما أنه يمكن القول بالخيار للتبعض ، أو لأن ذلك من الشرط أو الوصف في المرئي أيضا.

وكيف كان فلا يقصر ذلك عن بيع ما في البيت الذي قد رأى أنموذجا منه مع إدخال الأنموذج معه في البيع ، بل قد يقال بالصحة فيه وإن لم يدخله معه ، لأنه لا يقصر عن الوصف في رفع الجهالة ، خلافا لأول الشهيدين وثاني المحققين ، واستشكل فيه الفاضل في القواعد ، والظاهر ثبوت خيار الرؤية في غير البيع مما يعتبر فيه المشاهدة أو الوصف كالإجارة ونحوها ، لأن العمدة فيه حديث الضرار ، بل يمكن القول بثبوته فيما لا يعتبر فيه ذلك كالصلح تنزيلا للخيار في خلاف الوصف في المعين منزلة الإبدال في الوصف المعين فتأمل جيدا والله اعلم‌

( الفصل الرابع في أحكام العقود )

والنظر في أمور ستة‌ الأول في النقد اي الحال باعتبار كونه منقودا ولو بالقوة ويقابله النسيئة التي هي اسم مصدر بمعنى التأخير ، يقال : أنسأت الشي‌ء إنساء ،

٩٧

وينقسم البيع باعتبار وجودهما في كل من الثمن والمثمن ، والتفريق ، إلى أربعة أقسام ، فالأول النقد ؛ والثاني الكالي بالكالي ، اسم فاعل أو مفعول من المراقبة ، لمراقبة كل من الغريمين صاحبه لأجل دينه ، ومع حلول المثمن وتأجيل الثمن ، النسيئة ، وبالعكس ، السلف ، وكلها صحيحة ، عدا الثاني ، فقد ورد النهي عنه بلفظ‌ « بيع الدين بالدين » (١) وانعقد الإجماع بقسميه على فساده كما ستعرفه أنشأ الله تعالي في محله.

وكيف كان فـ ( من ابتاع شيئا مطلقا ) من دون تقييد بالتأجيل للثمن وخلافه أو اشترط عليه التعجيل منه كان الثمن حالا وكذا المثمن ، أما الإطلاق فللانصراف عرفا وقال الصادق عليه‌السلام في‌ الموثق (٢) « في رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم افترقا : وجب البيع والثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد » ومنه يعلم حينئذ ما ذكره بعضهم وغيره من أن اشتراط التعجيل مؤكد ، بل في الروضة أنه المشهور ، وفي الدروس « وأفاد التسلط على الفسخ إذا عين زمان النقد فأخل المشتري به مثلا » واحتمل في المسالك قويا ذلك مع الإطلاق أيضا ، وفي الروضة « لو قيل بثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا لو أخل به عن أول وقته كان حسنا ».

قلت : قد يمنع أولا التأكيد بناء على أن الإطلاق يفيد استحقاق المطالبة في كل وقت ، كما هو مقتضى الحلول في كل دين ، أما وجوب الدفع فعلى المطالبة فعلا ؛ وحينئذ فاشتراط التعجيل يفيد وجوب الدفع بدونها ، فهو أمر غير ما يقتضيه العقد ، اللهم الا ان يمنع ذلك ويقال : باقتضاء العقد التقابض من دون مطالبة كما تعرفه إنشاء الله في النظر الثالث. وثانيا قد يناقش في صحة الشرط باعتبار تعدد افراد التعجيل واختلافها ، فلا يصح مع الشرط عدم التعيين للجهالة ، وعلى تقدير الصحة ، فدعوى التسلط على الخيار بالإخلال به في أول وقته يمكن منعها ، لعدم صدق الإخلال بالشرط حتى تنتفي سائر الأفراد ، نحو التكليف بالمطلق.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الدين الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

٩٨

وثالثا لا بد من تقييد الخيار بعدم إمكان الإجبار كما في المسالك « وإلا أجبر على الوفاء به » وقد يحتمل الإطلاق كما ستسمع البحث في ذلك وفي أصل ثبوت الخيار في الشرط في محله نعم لو قال : إن لم تعجله في كذا فلي الخيار صح ، كما في القواعد لما عرفته من اشتراطه برد الثمن ، بل في التحرير في أحكام الخيار « إذا قال بعتك على أن تنقدني الثمن بعد شهر والا فلا بيع بيننا صح البيع » وفي القواعد « وفي صحة البيع نظر فان قلنا به بطل الشرط على اشكال ».

وفي جامع المقاصد كما عن الإيضاح « الأصح بطلان الشرط والعقد ، للتعليق على المجهول ، وامتناع اقتضاء صحة الشي‌ء بطلانه ، فهو شرط مناف لمقتضى صحة العقد لأنه يقتضي ارتفاعه بعد وقوعه ، وفرق واضح بينه وبين الخيار ، لا مكان انفكاك اللزوم عن الصحة ويمتنع انفكاك الصحة عن نفسها ، ويمكن الصحة للعموم ، ولأنه يجري مجرى الخيار ، لان دفع المشتري الثمن وعدمه من أفعال المشتري الاختيارية ، فهو تخيير له في فعل الممضى والفاسخ » لكنه كما ترى وحينئذ لا ينبغي الإشكال في بطلان الشرط ضرورة عدم صحته مع فساد العقد ، كما أنه لا إشكال في فساد العقد مع بطلان الشرط ، بناء على أن بطلانه يقتضي بطلان العقد والله اعلم.

وأما ان اشترط التأجيل للثمن جميعه أو بعضه ولو نجوما متعددة صح إجماعا بقسميه ونصوصا عموما وخصوصا (١) في البعض وهو المسمى بالنسيئة ، من غير فرق بين طول المدة وقصرها ، خلافا للإسكافي فمنع فيما حكى عنه أكثر من ثلاث سنين في السلف وغيره ، وهو مع مخالفته للأدلة لا شاهد له ، نعم‌ قال أحمد بن محمد لأبي الحسن عليه‌السلام (٢) « إنى أريد الخروج إلى بعض الجبال إلى أن قال : إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح فقال : بعهم بتأخير سنة ، فقلت : بتأخير سنتين؟ قال : نعم قلت ؛ ثلاث؟ قال : لا » وهو غير ما سمعته منه ، اللهم إلا أن يريد ثلاث فصاعدا كما عساه يومي إليه‌ المروي عن قرب الاسناد عن أحمد أيضا (٣) قال لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام « إن هذا الجبل قد فتح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العقود.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

٩٩

على الناس منه باب رزق فقال : إذا أردت الخروج فاخرج ، فإنها سنة مضطربة ، وليس للناس بد من معاشهم ، فلا تدع الطلب ، قلت : إنهم قوم ملاء ، ونحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال : بعهم قلت : سنتين ، قال : بعهم قلت : ثلاث؟ قال : لا يكون لك شي‌ء أكثر من ثلاث سنين » بناء على إرادة المنع من بيعه ثلاثا بذلك ، إلا أنهما كما ترى مع قصورهما عن المعارضة من وجوه ، يمكن حملهما ـ بل لعله الظاهر ـ على إرادة الإرشاد بذلك ، وبذل النصيحة ، لا النهي المترتب عليه الإثم أو الفساد كما هو واضح.

فلا ريب في الجواز حينئذ ، بل لا يبعد جواز ذكر المدة التي يعلم المتعاقدان ، عدم إدراكها عادة ، كالتأخير إلى ألف سنة مثلا ، وإن نظر فيه في الدروس أولا ، ثم استقرب الجواز بعده ، لوجود المقتضى ، وارتفاع المانع ، والحلول بموت من عليه الدين غير مانع ، إذ هو بعد أن كان حكما شرعيا لا يورث جهالة ، بخلاف ما لو جعل الأجل إلى أن يموت وعدم انتفاع صاحب الدين به مدفوع بقيام الوارث مقامه ، بل الظاهر عدم تسلط الوارث للمشترى بذلك على الخيار ، وإن احتمله في المسالك تبعا للتذكرة ، لأصالة اللزوم مع عدم التقصير من البائع في فوات الأجل الذي له قسط من الثمن ، فهو كفوات المدة المحتملة بالموت ، وإن كان قد يقال : بجريان الاحتمال فيه ، إلا أنه ضعيف جدا.

نعم قد يقال في محل البحث : إنه إن لم يتسلط بذلك على الخيار ، أو ينقص من الثمن بنسبة ما فات من الأجل ، كان اشتراطه ممن عليه الدين لا فائدة به ، بل هو كالسفه ، إذ الفرض حلوله بالموت فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ ( لا بد أن يكون مدة الأجل ) المضروبة للثمن. أو المثمن ، أو لهما معينة لا يتطرق إليها احتمال الزيادة والنقيصة بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الإجماع عليه وأن المسامحات العرفية في بعض الافراد لا عبرة بها ، فـ ( لو اشترط التأجيل ) حينئذ ولم يعين أجلا أو عين أجلا مجهولا كقدوم الحاج ونحوه مما هو محتمل للزيادة والنقيصة كان البيع باطلا قطعا ، بل ربما أدى ذلك إلى الجهالة في‌

١٠٠