جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جملة أفراد خيار التأخير ، فيشترط فيه ، ما يشترط فيه من الأمور الثلاثة ، ويجرى فيه أيضا كثير من الفروغ السابقة. والله أعلم هذا تمام الكلام في الخيارات الخمسة‌ وأما خيار العيب فـ ( يأتي ) البحث فيه في بابه إنشاء الله تعالى لكثرة فروعه‌ وأما أحكامه أي الخيار.

فتشتمل على مسائل‌

الأولى المشهور أن خيار المجلس لا يثبت في شي‌ء من العقود عدا البيع بل في الغنية ومحكي الخلاف الإجماع عليه للأصل السالم عن المعارض خلافا للمحكي عن المبسوط والقاضي والحلي فأثبتوه في نحو الوديعة والعارية والقراض والوكالة والجعالة ، وهو ضعيف لما عرفت ، مؤيدا بأن الخيار فيها عام أيضا لا يقبل السقوط ، فلا تأثير للمجلس ، إلا أن يقصد منع التصرف فيه معه ، كما احتمله في الدروس ولا دليل عليه ، ولا يصح في الوديعة لامتناعه فيها مطلقا بل ولا في غيرها ، لوجود الاذن المسوغ كذلك ومنع في المختلف إجماع الخلاف ، لان ثبوت الخيار مطلقا يستلزم ثبوته في المجلس ، وفيه أن الممنوع خيار المجلس دون الخيار فيه ، فان أراد الثاني كان النزاع لفظيا. وكيف كان فلا دليل على ثبوت حق فيها مغاير لحق الجواز الثابت بأصل الشرع.

وأما خيار الشرط فيثبت في كل بيع لا يستعقب العتق ، سلما كان أو صرفا أو غيرهما ، لعموم المقتضى ، خلافا للفاضل في موضع من التذكرة فيهما ، وللغنية ومحكي المبسوط والخلاف والسرائر في الثاني ، لاقتضاء اعتبار القبض في المجلس فيهما ، الافتراق بلا علقة ، واشتراط الخيار علقة ؛ وهو كما ترى ، ودعوى الإجماع من الثلاثة‌

٦١

على الثاني ـ التي منعها غير واحد من الأصحاب ـ على مدعيها ، بل في المسالك « أطبق المتأخرون على منعها ، مؤيدا ذلك ، بأن من عدا المدعي ممن تقدم عليه ؛ أو تأخر عنه ، بين مطلق ثبوته في البيع ، وبين مصرح به » بل في موضع آخر من التذكرة التصريح بثبوته لكن على إشكال.

نعم قد يظهر من اقتصار الدروس على حكاية الشيخ الإجماع ، ومنعه من الفاضل نوع توقف فيه ، بل في التحرير والقواعد في ثبوته إشكال ، إلا أن ذلك لا يقدح في دعوى منع الإجماع ، خصوصا مع شهرة الصحيح المثبت بعمومه الخيار ، بين الفقهاء والمحدثين ، وقد رواه أئمة الحديث (١) والأقدمون من فقهاء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، ولا راد له ولا معارض له يخصصه ، بل لعل مبنى الإجماع المدعى ، على الإجماع على اشتراط القبض الذي ظن المدعي منافاته لاشتراط الخيار ، فيكفي في رفعه حينئذ وضوح عدم التنافي.

وكذا يثبت في كل عقد لازم ، معاوضة كان أولا ، عدا النكاح والوقف بلا خلاف أجده في المستثنى منه ، إلا في الضمان من الفاضل في أحد قوليه ، والصلح مطلقا من المحكي عن المبسوط والخلاف ، وخصوص ما يفيد منه فائدة الإبراء من الكركي ، تبعا للفاضل في التحرير ، وخصوص الصلح عن المجهول ، والدعوى الغير الثابتة بالإقرار من المحكي عن الصيمري ، والكل شاذ ضعيف ، لعموم المقتضى ، وعدم ثبوت أن ما في الذمة إذا انتقل لا يعود ، بل هو ينتقض بجملة من المقامات.

وكذا دعوى إسقاط الحق ، أو أن الصلح لا يقبل الخيار ، فان ذلك كله لا مانع من حصوله على جهة التزلزل ، وبلا خلاف أيضا في الأول من المستثنى ، بل في جامع المقاصد والمسالك والمحكي عن الخلاف والمبسوط والسرائر الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تأيده بمشاكلته العبارة ، وابتنائه علي الاحتياط التام وسبق التروي فيه وتوقفه على رافع مخصوص ، فلا يرتفع بغيره.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار.

٦٢

أما اشتراطه في الصداق فلا بأس به ، كما صرح به الفاضل والكركي ، للعموم ، وفي المتعة اشكال إن لم تكن مندرجة في النكاح الذي هو معقد الإجماع. وعلى المشهور في الثاني بل في المسالك أنه موضع وفاق ، وهو الحجة ، وإن كان فيه أنه نبه في الدروس وغيرها على أنه موضع خلاف. نعم هو لا يقدح في الإجماع الكاشف فان تم كان هو الحجة ، والا كان للنظر فيه مجال ، وان كان قد علل باشتراط القربة فيه ، وهو مناف لاشتراط الخيار ، وبأنه فك لا الى عوض ، فلا يقبله كالعتق ، لكن فيهما معا منع.

ومنه ينقدح النظر في إلحاق العمرى والحبس وما في معناهما به في جامع المقاصد للاشتراك في المعنى المذكور ، بل وينقدح أيضا في عدم دخوله في الهبة قربة الى الله تعالى ، مع أنه قال في التذكرة : « وأما الهبة فان كانت لأجنبي غير معوض عنها ولا قصد بها القربة ولا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها. وإن اختل أحد القيود لزمت ،.

وهل يدخلها خيار الشرط الأقرب ذلك » وظاهره تناولها خصوصا وقد نفى الباس عما ذهب إليه الشافعي من عدم دخوله في الوكالة والقراض والشركة والوديعة والجعالة ، قال : « لأنها عقود جائزة لكل منهما فسخها سواء كان هناك شرط خيار أولا » فحمل كلامه هنا على الهبة الجائزة لا يخلوا من منافاة له ، فالأولى بناء دخوله في ذات القربة على التنافي بينهما ، وعدمه ، والحكم بجواز الدخول في اللازمة منها للعوض أو القربة ؛ كما هو مقتضى تعميم المصنف وغيره للعموم ، وبناؤه في غير ذلك على دخوله في العقود الجائزة وعدمه.

فعن الشيخ والقاضي والحلي : دخوله فيما سمعته عن الشافعي استنادا إلى العموم المقتضى اطراده في كل عقد جائز ، ويقتضيه إطلاق المتن والغنية والإرشاد والقواعد والدروس ، ومنعه العلامة في المختلف والتحرير والكركي والشهيد الثاني ، وقد سمعت نفي الباس عنه في التذكرة لعدم تأثير الشرط في الجائز بالأصل ، ويضعف بعدم اشتراط التأثير في الشروط ، فان منها ما يؤكد مقتضى العقد ، فإن أريد خصوص المؤثر هنا عاد النزاع الى اللفظ ، على أنه قد يؤثر فيهما لو لزم الجائز كالهبة بالتصرف مثلا ، فان له الفسخ حينئذ بالشرط ، وكذا‌

٦٣

المعاطاة لو كان التصرف من ذي الخيار. فتأمل هذا. وقد علم مما ذكر ، حكم الشرط فيما اختلف في لزومه وجوازه كالسبق والرماية ، أو يلزم من أحد الطرفين دون الأخر كالرهن ، واستشكل في التحرير جوازه من الراهن وإن لزم العقد من جهته ، لان الرهن وثيقة الدين ، والخيار ينافي الاستيثاق ، ورد يمنع المنافاة ، فإن الاستيثاق في المشروط بحسب الشرط ، فتحصل من جميع ذلك أنه لا يثبت في النكاح والوقف خاصة من العقود.

وكذا لا يثبت في الإبراء والطلاق وفي الإقالة ما ستعرف والعتق من الإيقاعات إلا على رواية شاذة (١) لا يلتفت إليها كالقول بها بعد الإجماع في المحكي عن المبسوط على الأخيرين ، وفي المسالك على الأولين ، وعن الحلي نفى الخلاف في الثالث الذي ينافي اشتراط الخيار فيه اعتبار القربة أيضا بناء على المنافاة ، كما أنه ينافيه في الثلاثة ، انها من الإيقاعات لا العقود ، ولذا احتج ـ في المحكي عن السرائر ـ على عدمه في الثاني بخروجه عن العقود ، ومقتضاه اطراد الحكم في الجميع ، وعدم اختصاصه بالثلاثة ، كما يوهمه الاقتصار في المتن وغيره عليها ، ولعلها كذلك ، لابتناء الإيقاع على النفوذ بمجرد الصيغة فلا يدخله الخيار ، والمفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه‌ الصحيح « من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز وجل فلا يجوز على الذي اشترط عليه » فلا يتأتى في الإيقاع المتقوم بالواحد ،

وقد يلحق بالطلاق الإقالة بناء على عدم تعقل العود بعد الفسخ من غير سببه وفيه بحث ، سيما بعد إطلاقهم دخوله في العقود بناء على أنها منها ، وسيما بعد حكمهم في الشفعة ، بقابلية الإقالة للفسخ ، كالبحث في إلحاق الكتابة المطلقة به في التحرير ؛ وعن التذكرة وان كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسختها ، ودعوى أن الحر لا يعود رقا لا دليل عليها على الإطلاق ، بحيث يشمل الحرية المتزلزلة كما في جملة من المقامات المذكورة في كتاب العتق وغيره وحينئذ ، فتفرع على ذلك فروع جليلة لا تخفى بأدنى تأمل.

منها ـ حكم المال الحاصل له في زمن الحرية إذا عاد إلى الرقية ، أما المشروطة ففي جامع المقاصد دخوله بالنسبة للمولى قال : « وفي العبد قولان اختار الثبوت الشيخ ،

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٣.

٦٤

والعدم المصنف في التحرير ، نعم قد يلحق بالطلاق الخلع والمباراة » وفي التذكرة وجامع المقاصد دخوله في القسمة سواء كان فيها ردا أولا ، وفيه بحث أيضا. ثم إن الظاهر دخول خيار الشرط بجميع أقسامه كخيار المؤامرة ورد الثمن ونحوهما ، لكن فيما يتصور فيه ذلك كعقود المعاوضة ، للعموم المقتضى عدم الفرق فيه بين البيع وغيره ، واحتمال قصرهما على البيع ـ للدليل والا فلا يجوز للجهالة ـ ضعيف جدا كما هو واضح. وأما الغبن فثبوته في سائر عقود المعاوضة بناء على أن مدركه حديث الضرار (١) ـ متجه.

المسألة الثانية التصرف من المشتري في المبيع يسقط خيار الشرط له كما يسقط خيار الثلاثة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل في الغنية وجامع المقاصد ومحكي الخلاف وكنز الفوائد الإجماع عليه ، وهو ـ بعد شهادة التتبع له ـ الحجة مضافا الى ما عن الشيخ والقاضي من ورود الأخبار من طريق الأصحاب بذلك محتجين بها عليه ، وكفي بهما ناقلين ، والى دعوى الأولوية ، فإنه متى سقط به الخيار الأصلي كالحيوان ، فالشرط أولي ، وإن كان فيها ما فيها ، كدعوى العموم من العلة المنصوصة في الصحيح (٢) في خيار الحيوان ، ضرورة أن الفاء فيه رابطة ، لا تعليلية ، نعم بعد تعذر إرادة الحقيقة من الحمل فيه ، وجب حمله على ارادة دلالته على الرضا ، وحينئذ لا تفاوت بين الحيوان وغيره ، ضرورة اعتبار ما دل عليه من الافعال والأقوال ، والمناقشة فيما لم يصل الى حد العلم في الأول ، يدفعها حينئذ هذا الصحيح وغيره ، واحتمال قصره على خصوص الحيوان كما ترى.

وعلى ذلك عول من قيد السقوط بالتصرف بما إذا لم يكن للاختبار ونحوه فيما علم عدم ارادة الالتزام به ، بل المتجه حينئذ أن ما كان ظاهره ذلك كذلك أيضا بل ينبغي عدم السقوط بالمشكوك فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار. الحديث ١.

٦٥

ومن هنا وقع خبط في كلام بعض المتأخرين ، وربما مال بعض متأخريهم إلى دعوى ما سمعته في الحيوان من أصالة الدلالة في التصرف حتى يعلم العدم ، جمعا بين ما دل على السقوط به وبين خبر الأمداد (١) ونحوه مما يقضى بعدم السقوط به ، إلا أن الجميع كما ترى ، مناف لإطلاق الفتاوى ومعقد بعض الإجماعات السابقة ، وما ذكروه في مسقطات الخيار من عد التصرف قسما آخر مقابلا للرضا ، وليس في‌ قوله عليه‌السلام « فذلك رضا منه » ظهور في أن السقوط بالتصرف للدلالة ، خصوصا مع ملاحظة كون الفاء فيه رابطة للشرط لا تعليلية ؛ وأن بيان الدلالة ليس وظيفة الشارع ، لاختلافه باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال ، فيمكن ارادة قيامه مقام الرضا في الإسقاط ، بل يمكن دعوى أنه المنساق من أمثاله ، أو إرادة أنه بعد إقدامه على المسقط شرعا وفعله فهو رضا منه بالالتزام إذا كان عالما بأنه مسقط متنبه له ، وكان الإطلاق لغلبة العلم بالحكم الشرعي ، وعدم معذورية الجاهل وندرة الغفلة والسهو ، فالقول بأنه مسقط تعبدا مطلقا لا يخلو من قوة ، وتعديته لغير الحيوان بالإجماع المحكي عن الخلاف ان لم يكن المحصل ، وظهور عدم ارادة خصوص المورد في الصحيح (٢) وغيره وحينئذ لا ينبغي التوقف فيه هنا ، بل ولا في سقوط خيار البائع بالتصرف في الثمن كما صرح به جماعة وعلم من رأى الباقين لذلك ، ولعدم الفرق بين العوضين ، وخبر ابى الجارود (٣) ـ القاضي بعدم سقوط خيار البائع في التصرف بالثمن في خيار الرد ـ محمول على ما عرفت سابقا من كون التصرف فيه قبل تحقق الخيار ، لأنه إنما يحصل بعد الرد كما عرفته سابقا ، والمدار حينئذ على صدق الحدث فيه ناقلا كان أو غير ناقل.

نعم قد يتوقف في الحدث فيه خطا ـ بل أو غفلة أو نسيانا أن فيه الخيار أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ٣.

٦٦

لظن أنه الخالي منه ـ من صدق اسم الحدث فيه ، ومن أن المنساق من قوله « أحدث فيه حدثا » قصد الأحداث فيه ، خصوصا بعد ان لم يكن عمومه لغويا ، وقد يؤيده في الجملة عدم سقوط خيار الغبن بالتصرف غير الناقل إذا لم يعلم بالغبن ، ولكن لا يخفى عليك الفرق عرفا بين الحدث خطأ وبين الغفلة والنسيان ، فهو من ذي الخيار مسقط لخياره ، من غير فرق بين الاختيار وغيره ، وخبر رد الأمداد مع الشاة (١) القاضي بعدم سقوط الخيار بالحلب ، مع الطعن في سنده وشذوذه ، وعدم ظهوره في الرد بالخيار بل قد يظهر منه عدمه ، ومنافاته لما دل على أن النماء في زمن الخيار للمشترى ، ـ يمكن القول بأن استخراج الحليب الذي هو ملكه ليس إحداثا فيها ، كما أن اشتراط بيع ما فيه الخيار بالإيجاب قبل البيع في خبري الحلبي والسكوني الآتيين (٢) من الشواذ التي لم يعمل بهما احد فيما اعلم.

ومن ذلك كله يظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك والرياض وغيرها ، فلاحظ وتأمل. نعم قد يتوقف فيما ذكره غير واحد ـ بل نسبه بعض الأساطين إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، بل في الغنية نفى الخلاف عنه ـ من الفسخ بتصرف كل منهما فيما انتقل عنه ، إذا لم يكن دالا على ارادة الفسخ فضلا عما علم منه عدم الدلالة أو كان ظاهرا لعدم الدليل إن لم يكن إجماعا على الحاقه بالتصرف الملزم بناء على السقوط به تعبدا ، ودعوى الدلالة عليه ـ كدلالته في المنتقل اليه على الإمضاء ـ يدفعها ما عرفت من عدم دوران السقوط في المقيس عليه على الدلالة ، وليس في الأدلة ، ما يقتضي التعبد هنا ، بل ليس فيها ما يقضى باعتبار غير مقطوع الدلالة عليه من الأفعال ، إلا فحوى ما دل عليه في الإمضاء ، ويمكن منعها إن لم ترجع الى التنقيح ومنعه لعدم المنقح إن لم يكن إجماعا كما هو مفروض المسألة.

وأما الاستدلال عليه ـ بأن هذا التصرف لو لم يكن فسخا لكان ممنوعا منه شرعا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢.

٦٧

لمصادقته ملك الغير على المشهور من الانتقال بنفس العقد ، والأصل في تصرفات المسلمين وقوعها على الوجه السائغ الصحيح فيكون فسخا ـ كما ترى ، ضرورة عدم انحصار وجه الصحة في ذلك ، ولا يتم في إجراء العقد خاصة عليها ، وكون الفضولي على خلاف الأصل ، لا ينافي قدحه في الدلالة على أن المراد الفسخ به تعبدا كالامضاء ، فلا تتنقح دلالته على ارادة عدم الفسخ به.

نعم لا بأس بذكر هذا الأمور مؤيدة بعد دعوى الإجماع على الفسخ بكل ما لو وقع في المنتقل اليه كان اجازة ويكون هو العمدة حينئذ ، لكن في فساد التصرف لو كان بيعا ونحوه ، وصحته وجهان ، بل قولان ينشأن من حصول الملك به ، فلا يحصل شرط الصحة الذي هو سبق الملك ، ومن أن الفسخ يحصل بالقصد المقارن للتصرف ، فيتقدم ويحصل الشرط ، وهو الذي اختاره الكركي وعليه فرع جواز الوطء له ، وفيه أنه حصل بالقصد لا بالفعل كما هو المفروض ، بل لا بد من الالتزام في البيع ونحوه ، كون وقوع تمام الصيغة الذي يحصل به مسمى التصرف ، شرطا كاشفا عن حصول الانفساخ قبله آنا ما ، وهذا وان ارتكبناه في غير المقام ، الا أنه لمكان الدليل المخصوص الدال على الصحة ، والحصر طريق الجمع بينه وبين ما دل على اعتبار سبق الملك بدعوى التقدم الذاتي ، بخلاف المقام الذي لا يتوقف الحكم بالفسخ على صحة التصرف ، بل يكفى ولو كان فاسدا اى لم يترتب عليه أثره ، هذا إذا كان التصرف بالبيع ونحوه.

أما إذا كان بالانتفاع كاللمس والتقبيل والوطي ونحوهما ، فيمكن القول بحصول الفسخ بها ، وأنه مقارن للدخول في الملك من غير اثم ، تحكيما لما دل على أن له الفسخ بأي فاسخ ، يكون المستفاد من نفس ثبوت الخيار له على ما دل على حرمة التصرف في مال الغير ، بحمله على ما لا يقارنه الملك من التصرف ، خصوصا مع خفاء اندراج هذا الفرد ، فزمان الفسخ حينئذ والدخول في الملك واللمس واحد. ولا بأس به. فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

٦٨

وربما ظهر من الدروس التردد في الجواز ، بل صريح التحرير الحرمة ، وهو ضعيف لما عرفت ، بل يمكن القول به في البيع ونحوه ، بناء على منع اعتبار سبق الملك فيه ونحوه لعدم الدليل ، بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه ، وقوله عليه‌السلام « لا بيع إلا في ملك » (١) لا يقتضي أزيد من اعتبار أصل الملك في البيع ، على وجه يشمل المقارن في مثل الفرض لا أقل من الشك ، وقد عرفت أن مقتضى الإطلاق الصحة في مثل الفرض الذي هو من باب ترتب المعلولات الغير المتنافية بعللها ، وان كانت العلة في وجود الجميع واحدة ، فيترتب حينئذ علي التصرف الفسخ ، المقتضى لعود الملك للفاسخ المقتضى لانتقاله عنه إلى المشتري ، المقتضى للانعتاق لو فرض كونه أبا له.

وربما يؤيده ما ذكروه في الوكالة ، من حصول عقدها بالقبول فعلا من الوكيل ، بأن يفعل ما وكل فيه من تزويج أو بيع أو نحوهما ، فإن الوكالة والبيع حصلا بعلة واحدة ، والظاهر عدم زيادة اعتبار الملك في مضى البيع على اعتبار الوكالة فيه ، فان بيع الوكيل والمالك سواء في ذلك ، وبالجملة لا مانع من تسلسل العلل المترتب على كل منها معلولها ، وإن اتحد العلة الأولى معها ، نعم لا يعقل حصول المعلولات المتنافية لعلة واحدة كما هو واضح ، ومما يؤكد المقام ظهور إرادة القائل بكون البيع مثلا فاسخا الصحيح منه ، لا الفاسد الذي يكون فسخه من الدلالة على ارادته ، لا أنه فسخ بالتصرف ، بل هو صريح استدلالهم على الفسخ بأصالة الصحة في العقد. والله العالم.

ولو كان الخيار لهما وتصرف أحدهما فيما انتقل اليه من المبيع أو الثمن سقط خياره بائعا كان أو مشتريا وسواء كان التصرف جائزا كالانتفاع بغير الوطي أو غيره كالوطي ونحوه ، إذ لا تلازم بين حصول الالتزام وحلية التصرف ، إذ لا ريب في صدق اسم الأحداث في العين وان كان حراما ، لأن الإثم حكم شرعي لا مدخلية له في صدق الاسم كما صرح به في الدروس.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١.

٦٩

نعم قد يتوقف في صدق الأحداث بالبيع ونحوه ، بناء على عدم نفوذه على الخيار للآخر ، بل لعل صدق عدم الأحداث عليه اولى ، خصوصا بعد تفسير الأحداث في الصحيح (١) بمثل التقبيل واللمس ، واحتمال كون التهيأ للصحة ولو بالإجازة إحداثا بعيد.

ولكن التحقيق الجواز في الجمع من غير فرق بين العتق وغيره « لأن‌ « الناس مسلطون على أموالهم » (٢) ولم يثبت مانعية تعلق حق الخيار ، وليس فيه إبطال لحق صاحبه ، لانتقاله إلى القيمة حينئذ أو المثل ، أو أن له التسلط علي فسخ العقد الأخر علي اختلاف الوجهين أو القولين الذين أقواهما الأول ، لإطلاق ما دل على اللزوم ، وانقطاع الملك الحاصل له بالعقد الأول بما وقع له من العقد الثاني ، فيقع الفسخ من ذي الخيار على ما ليس بملك له ، إلا أنه لما كان الحق متعلقا بالعقد الذي وقع على العين التي نقلها الشارع إلى القيمة أو المثل ، فالفسخ يفيد انتقالها إليه كما لو تلف ، ولا فرق بين الوطي وغيره من الانتفاعات كما هو ظاهر المحكي عن المبسوط وصريح التحرير ، واحتمال الحبل ـ فتكون أم ولد فيمتنع رد عينها بعد تسليم امتناع الرد به كما هو الأصح ـ غير صالح لتخصيص ما دل على تسلط الناس على أموالهم ، وإلا لامتنع الانتفاع بها في غيره ، لاحتمال التلف به أيضا ، كما أنه لا فرق بين العتق وغيره ، وبناؤه على التغليب غير صالح للفرق هنا بعد ما عرفت.

ومن ذلك كله ظهر لك ما في كلام الفاضل في القواعد فإنه جزم بعدم نفوذ بيع المشتري ووقفه وهبته إذا كان الخيار لهما أو للبائع إلا بإذن البائع ، واستشكل فيه في العتق وجزم بجواز الوطي له ، كباقي وجوه الانتفاع تارة ، وتردد فيه بالخصوص من بينها أخرى ، بل والشهيد في الدروس حيث أطلق التردد في جواز تصرف المشتري إذا كان الخيار مختصا بالبائع ، وفي تصرفه أيضا ، والبائع مع اشتراك الخيار بينهما ، إذ لا إشكال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١ و ٣.

(٢) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ الطبع الحديث.

٧٠

في جواز تصرف المشتري إذا لم يكن وطيا ولا ناقلا.

وكيف كان فالتحقيق ما عرفت ، ويؤيده في الجملة ما سلف لهم في الغبن من صحة التصرف ، وانتقال ذي الخيار إلى المثل أو القيمة ، واحتمال الفرق ـ بفرض كلامهم هناك في التصرف مع الجهل بالخيار ـ غير مجد ، لان الظاهر تعلق الخيار فيه حال العقد وإن لم يكن معلوما ، فلو كان حق الخيار مانعا ، أبطل التصرف وإن كان المتصرف جاهلا وهو واضح.

ثم إنه على كل حال يسقط خيار المشتري بالوطي وإن أثم كما عرفت ؛ ولو فسخ البائع بعد الاستيلاد انتقل إلى القيمة عندنا ، وعن الشيخ والقاضي أنه يرجع بقيمة الولد والعقر ، وهو جيد بناء على عدم الانتقال إلا بعد انقضاء الخيار وكان الوطي شبهة ، لكن ستعرف ما في المبني عليه.

ولا فرق فيما ذكرنا بين اشتراك الخيار بينهما واختصاصه بأحدهما ، فللبائع التصرف في ثمنه وإن كان الخيار مختصا بالمشتري كالعكس ، ولو تصرف كل منهما أو أحدهما فيما انتقل عنه كان فسخا كما عرفت ، ولو كان الخيار لأحدهما ونقلهما معا دفعة ببيع ونحوه بطل ، للتدافع بين الفاسخ والملزم من الشخص الواحد ، والظاهر البقاء على أصل الخيار ، واحتمال تقديم الأول أو الثاني هنا ضعيفان ، وان جزم بالأول في التحرير ولو كان التصرف فيهما من غير ذي الخيار وقف على الإجازة ، بناء على جريانها في نحو حق الخيار ومع حصولها لهما معا يسقط الخيار ، وله ـ على اشكال ـ إبطال التصرف في المنتقل اليه واجازة الأخر مع إبقاء حق الخيار والرجوع بالقيمة حينئذ ، وليس له إبقاؤه مع اجازة التصرف في ماله ، ولو كان الخيار مشتركا بينهما فتصرف المشتري مثلا فيهما ففي القواعد « صح ما تضمن الفسخ من التصرف ، بخلاف الأخر الذي فيه ابطال حق البائع » وفيه أولا أنه لا يتم على المختار ، وثانيا ـ أنه وإن كان باطلا بناء علي منع حق خيار البائع الا ـ أنه يحصل به الالتزام وسقوط الخيار ، كما صرح به في التحرير وجامع المقاصد في غير المقام فيتدافع حينئذ مع ما يقتضي الفسخ المتوقف صحته على عدم الالتزام ؛ فالأقوى اتحاد‌

٧١

الحكم فيها مع الاولى. والله اعلم ، ولو أذن أحدهما بالتصرف فيما انتقل اليه وتصرف الأخر فيما انتقل إليه أيضا سقط خيارهما قال في الشرح : « أما خيار المتصرف فواضح ، واما الاذن فوجه سقوط خياره دلالة الإذن على الرضا ، فيكون التزاما من البائع بالبيع ، واما من المشتري فلان تصرف البائع يبطل البيع ؛ فلا يبقى لخيار المشتري أثر ، ولو لم يتصرف المأذون لم يبطل خياره.

وفي بطلان خيار الآذن نظر من دلالته علي الرضا المزيل لحقه ، ومن عدم منافاة الرضا بزوال الخيار ، لان غايته قبل وقوعه أن تكون الإزالة بيده ، وهي لا تقتضي الزوال بالفعل ، وأطلق جماعة كونه مبطلا ، وعدم البطلان أوضح. ولو كان التصرف غير ناقل للملك ، ففي إبطاله الخيار الآذن نظر ، لعين ما ذكر » وفيه ـ بعد تسليم ارادة كون التصرف والإذن في المبيع من كل منهما من العبارة وما ضاهاها ـ أن الإذن فيما إذا كان المتصرف البائع لا مدخلية لها ، ضرورة استناد الفسخ حينئذ إلى تصرف البائع ، أذن له المشتري أو لم يأذن ؛ أما الثاني فواضح ، كالأول مع فعل المأذون ، بل لعله كذلك وإن لم يفعل ، لدلالة الإذن بفعل الملزم ، على إرادة الالتزام وإسقاط الخيار ، بل لعل نفس الاذن بالتصرف من الإحداث فيه ، ويحتمل العدم ، لمنع الدلالة في الأول ، للفرق بين إنشاء الالتزام ، وبين ارادة ما يحصل به الالتزام ، وصحة السلب في الثاني ، وكأنه لا يخلو من قوة خصوصا مع ملاحظة استصحاب الخيار.

وفي تعليق الإرشاد « واعلم أن مجرد الإذن في هذه التصرفات من دون فعل لا يكون اجازة ولا فسخا كما هو مصرح به في كلامهم » قلت : ومن ذلك ينقدح الإشكال في الالتزام بالعرض على البيع ، إذ هو أعم من إنشاء الالتزام ، لإمكان حصوله مع التردد في الفسخ والإجازة ، ودعوى الظهور في الالتزام ممنوعة ، على انه ـ بعد التسليم ـ مبنى على حجية ظواهر الافعال في مثل ذلك ، وإن كان قد يؤيد القول بها‌

٧٢

هنا الإجماع على سقوطه بالتصرف الذي هو غير قاطع ، لكنه لا يتم بناء على أن السقوط به تعبدي ، لا من حيث الدلالة كما سمعت قوله فيما تقدم.

نعم يمكن الاستدلال على الالتزام بالعرض بخبر السكوني (١) « فيمن اشترى ثوبا بشرط ، فعرض له ربح فأراد بيعه؟ قال : فليشهد أنه قد رضيه واستوجبه ، ثم ليبعه إن شاء ، فان اقامه بالسوق ولم يبعه فقد وجب عليه البيع » وهو ـ مع اشتماله على ما لا يقول به ، من اشتراط بيع ذي الخيار ، بالاستيجاب قبل البيع ـ يمكن منع دلالته ، لاحتمال إرادة إقامة المستوجب في السوق منه ، فيكون حاصله أنه مع الاستيجاب يسقط الخيار إن لم يبعه ، ومتى قام الاحتمال ، بطل الاستدلال ، بعد منع الظهور فلاحظ وتأمل.

ثم لا يخفى عليك أن ذلك كله يجري في الاذن بما يقتضي الفسخ ، والعرض الذي يقتضيه أيضا ، ولو أذن أحدهما للآخر في نقل ما انتقل اليه ـ بناء على عدم الجواز مع تعلق حق الخيار ، وفعل المأذون ـ سقط خيار المتصرف قطعا ، وأما الإذن فقد جزم الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما بالسقوط أيضا بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه ، وعلله في الجامع بعدم إمكان فسخ العقد الواقع باذنه ، قال : « أما إذا لم يبع ففي كون مجرد الإذن إجازة إشكال ، ومثله الإذن في سائر التصرفات الغير الناقلة للملك »

قلت : يظهر وجه الإشكال في الأول مما ذكرناه أولا ، لأن مرجعه إلى أن الاذن في الملزم ملزم أولا ، وقد سمعت الكلام فيه ، إلا أنه غير جار فيما ذكره من التصرفات الغير الناقلة التي هي إذا وقعت إنما تلزم بالنسبة إلى المتصرف ، فالإذن فيه لا يستفاد منه التزام الآذن بوجه من الوجوه ، إلا إذا كان المراد من الإذن رفع ما حصل بسببه المنع اى الخيار ، وحينئذ لا ينبغي التوقف في السقوط. وإن لم يفعل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

٧٣

المأذون ، الا أن في دلالة الإذن بالتصرف ـ خصوصا إذا كان خاصا على ذلك ـ منعا واضحا.

اللهم الا أن يدعى أن حجر الخيار لا يرتفع شرعا مع بقائه ، فالإذن في أي تصرف تستلزم رفعه ، وهو أوضح منعا ، وكان الوجه ـ في الالتزام بالإذن بالتصرف الناقل مع وقوعه ـ أن حق الخيار متعلق بالعين وهو الذي أذن في نقلها ، والأصل برأيه الذمة من الانتقال الى المثل أو القيمة ، وينبغي أن يلحق به الإذن بالوطي المتعقب للاستيلاد ، بل كل تصرف يمنع من الرد ، وفي إلحاق الاذن في النقل المتزلزل كالبيع بالخيار والهبة إشكال ، قد يظهر من التذكرة الأول وأنه متفق عليه بيننا.

ومن ذلك كله يظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما فلاحظ وتأمل. كما أن منه يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة الطباطبائي في مصابيحه من وجوه قال : « وكما يسقط الخيار بالتصرف فكذا بالإذن فيه كما في الشرائع والتذكرة والقواعد والإرشاد والتنقيح لدلالته على الالتزام في المنقول عنه ، والفسخ في المنقول إليه ، فإن تصرف المأذون سقط خيارهما والا فخيار الآذن ، واستشكله المحقق الكركي والشهيد الثاني وغيرهما ، لعدم ظهور الدلالة ، ولان التمكن من الإزالة غير الزوال بالفعل ؛ ويضعف بأن مقتضى الاذن رفع الحجر من قبل الآذن ، ولا مانع غير الخيار فيرتفع بالإذن ، ولا يتوقف على وجود التصرف ، وإلا لكان السقوط بالتصرف المأذون فيه ، دون الاذن ، كما اعترفوا به ، فان الآذن لم يوجد منه سوى الإذن ، فان لم يسقط الخيار به لم يسقط بالتصرف الذي هو فعل غيره » فتأمل جيدا.

والظاهر ان التصرف من المتعاقدين لا يسقط خيار الأجنبي ، بل ولا خيار المؤامرة قبل الأمر بالفسخ ، للأصل ، ولا خيار تأخير الثمن قبل الثلاثة إذا فرض إمكانه قبل القبض على اشكال.

المسألة الثالثة : إذا مات من له الخيار انتقل الى الوارث من أي أنواع الخيار‌

٧٤

كان بلا خلاف معتد به ، بل ظاهر هم الإجماع ، بل عن بعضهم دعواه صريحا ، للنبوي (١) المنجبر بالعمل « ما ترك ميت من حق فهو لوارثه » المؤيد بعموم غيره كتابا (٢) وسنة (٣) وما في القواعد من احتمال سقوط خيار المجلس بالموت ـ فيما لو مات أحدهما ، لأولوية مفارقة الدنيا من مفارقة المجلس ـ ليس خلافا في المسألة عند التأمل ، على أنه في غاية الضعف ، ضرورة إرادة التباعد بالمكان الظاهر في الجسم من الافتراق ، لا في الروح التي لم يعلم مفارقتها للمجلس ، فلا ريب حينئذ في انتقاله الى الوارث.

نعم في القواعد « إن كان الوارث حاضرا في المجلس امتد الخيار ما دام الميت والآخر في المجلس ، وإن كان غائبا امتد الى أن يصل اليه الخبر إن أسقطنا اعتبار الميت ، وهل يمتد بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر؟ نظر » وفيه أنه إذا سقط اعتبار الميت امتنع الحكم ببقاء الخيار ، لانتفاء متعلقة ، وهو عدم تفرق المتبايعين ، بل الحكم ببقائه دعوى لا مستند لها ، وأبعد من ذلك امتداده بامتداد المجلس الذي وصل فيه الخبر الذي هو ليس مجلس البيع ، خصوصا مع تعدد الوارث القاضي بمراعاة مجلس كل واحد منهم ، بل إما أن يجعل على الفور أو على التراخي ، ومن ذلك يعلم ما في المسالك قال : « ولو كان الوارث غائبا عن المجلس ، ففي ثبوته له حين بلوغه الخبر فوريا ، أو امتداده بامتداد مجلس الخبر ، أو سقوط الخيار بالنسبة إلى الميت ، أوجه »

نعم ما فيها أيضا من أنه لو قيل بثبوت الخيار للوارث إذا بلغه الخبر وامتداده الى أن يتفرق الميت ومبايعة كان وجها جيدا ، بناء على اعتبار الميت حال حضور الوارث في المجلس ، وأقرب من ذلك كله ـ وإن لم أجد من ذكره ـ ثبوته للوارث مطلقا ، للأصل‌

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية في كتب الأحاديث من العامة والخاصة بعد الفحص عنها في مضانها وان استدلوا بها في الكتب الفقهية كالرياض ومفتاح الكرامة وغيرها.

(٢) سورة البقرة الآية ١٨٠ وسورة النساء الآية ٧.

(٣) الوسائل الباب من موجبات الإرث.

٧٥

بعد تعذر حصول الافتراق الاختياري بين البيعين ، كما عرفته مفصلا فيما لو أكره أحدهما على الافتراق ، وأنه لا يسقط خيار المكره والآخر أيضا وإن فارقه اختيارا فلاحظ وتأمل ، فلا حاجة حينئذ إلى اعتبار تفرق الوارث ، وأنه على تقديره لو فارق أحد الورثة لم يؤثر ، لعدم صدق افتراق المتبايعين ، نظرا الى قيام الجميع مقام الموروث ، مع احتماله أيضا نظرا إلى ثبوت الخيار لكل من الوارث على جهة الاستقلال ، فافتراقه يؤثر في سقوط خياره ، الا انه لو فسخ الآخر مضى عليه ، كما لو تعدد ذو الخيار ، ولا ينزل على حصته لعدم إشاعة حق الخيار في العين ؛ ولذا لم يجز للمورث أن يفسخ في البعض ، وليس للوارث ، إلا ما كان للمورث.

ومن ذلك يتضح لك الحال في كل خيار ورثه متعددون ، وأنه يقدم الفاسخ منهم على الملزم ، لانه لما علم عدم قابلية الخيار للتوزيع في نفسه ـ ضرورة عدم معقولية نصف الخيار وربعه مثلا ، وعدم تبعيته أيضا قسمة العين ، لما عرفت من عدم الإشاعة ، وكان يمكن إبقاء النبوي وغيره مما دل على انتقال الحق كان لكل واحد من ورثته على ظاهره لتعقل تعدد من لهم الخيار ، بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل نحو ذلك فيه على ارادة الاشتراك ، لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث ـ اتجه القول بثبوته حينئذ لكل واحد منهم ، وأنه يقدم الفاسخ منهم على الملزم ، كذوي الخيار فتأمل جيدا فإنه دقيق.

ثم لا يخفى أنه لا فرق في إرث الخيار بين حصوله فعلا للميت ، وبين حصول سببه ، فينتقل خيار التأخير ، وإن مات البائع في الثلاثة ، كخيار رد الثمن وخيار الشرط بعد شهر مثلا ونحو ذلك ، إذ هو حق أيضا ينتقل بالإرث كخيار المؤامرة ، فإذا مات المستأمر بالكسر انتقل حقه لورثته ، اما المستأمر بالفتح فالظاهر عدمه ، لظهور إرادة المباشرة من اشتراط استئماره ، ولانه لا حق له عند التأمل ، إذ لزوم العقد عند أمره بالالتزام لأصالة اللزوم في العقد ، ولا يجب اتباع أمره بالفسخ ، وإن كان للمستأمر بالكسر الفسخ‌

٧٦

عنده ، إلا أن ذلك يقضى بكونه حقا له ، لا للمستأمر بالفتح كما هو واضح.

بل لا يبعد ذلك في المشترط له الخيار إذا كان الشرط على جهة المباشرة ، فإذا مات لم ينتقل لورثته ، لسقوط الحق بعد فرض اشتراطها بموته ، وليس ذا شرطا لعدم الإرث كي يكون باطلا ، بل يمكن رد اشتراط عدم الإرث إليه في بعض الأحوال فيصح.

أما اشتراط الخيار للأجنبي لا على جهة المباشرة ، فقد يقوى انتقاله أيضا الى وارثه لإطلاق النص والفتوى وبه صرح الفاضل في التحرير خلافا له في القواعد ، ودعوى أنه انما يورث تبعا للمال لا شاهد عليها ، بل يكفى فيه تعلقه بالمال كالشفعة ، بل قد يورث ما لا تعلق له بالمال ؛ كحق القذف ويقرب منه حق القصاص.

ومن ذلك يظهر لك قوة القول بإرث الزوجة غير ذات الولد ، للخيار فيما إذا اشترى أرضا وله الخيار ، أو باعها كذلك ، وإن استشكل في أحدهما الفاضل في القواعد على أن حق الخيار في الثاني منهما قد تعلق بالثمن الذي انتقل إليها بالإرث ، فيتبعه الخيار ، وإن كان لو فسخت حرمت ، الا أن ذلك لم يثبت مانعيته من الإرث ، كعدم ثبوت اشتراط إرثه بالتبعية لعين ، فلها أن تفسخ في الأول أيضا وترث من الثمن. والله أعلم بحقيقة الحال.

ولو جن ذو الخيار قام وليه مقامه كما في غيره من أمواله وحقوقه ويجري في خيار المجلس ما يقرب مما سمعته في الموت ، وفي المسالك ومثله ما لو خرس ولم يمكنه الإشارة المفهمة والا اعتبرت إشارته كاللفظ وعلى كل حال فـ ( لو زال العذر لم ينقض تصرف الولي ) الجامع لشرائط الصحة التي منها مراعاة الغبطة والمصلحة ، أو عدم المفسدة على ما هو محرر في محله.

ولو كان الميت الذي له الخيار مملوكا مأذونا ثبت الخيار لمولاه إذا كان البيع أو الشراء للمولى ، إذ ذلك له قبل موته ضرورة تبعيته للمال.

أما لو فرض ثبوته للعبد نفسه ، كما لو اشترط مثلا فالأقرب عدم انتقاله‌

٧٧

للمولى كما سمعته في الأجنبي ولو كان ذلك في ماله ، ولو كان البيع لأجنبي وشرط الخيار للعبد ففي التحرير هو للمولى أيضا على اشكال ، قلت : لعله من عدم الدليل على ثبوت كل ما للعبد حتى الفرض للمولى ، وفيه أن الآية (١) وغيرها مما استدل به على ذلك يشمل الأموال والحقوق ، فلا يبعد حينئذ انتقاله للمولى حال الحيوة ، فضلا عن الموت ، بل لعل ذلك هو المدار في الانتقال بالموت ، ومنه حينئذ يظهر أنه لا مدخلية للموت في ذلك ، إذ في مصابيح العلامة الطباطبائي الإجماع على أن الحر لا يرث العبد ، وفي‌ الصحيح المروي (٢) بطرق متعددة عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام « أنه لا يتوارث الحر والعبد » كما أن منه يظهر ما في القواعد أيضا قال : « ولو كان الميت مملوكا مأذونا فالخيار لمولاه ولو شرط المتعاقدان الخيار لعبد أحدهما ملك المولى الخيار ، ولو كان لأجنبي لم يملك مولاه ، ولا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حق المولى ، ولو مات لم ينتقل الى مولاه » فتأمل والله أعلم.

المسألة الرابعة المشهور نقلا وتحصيلا بل في التذكرة الإجماع على أن المبيع يملك ه‍ المشتري في زمن الخيار بالعقد كالمحكي عن ابن إدريس نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ويؤيده تعريف الفقهاء البيع بنقل الملك ؛ أو انتقاله ، أو الإيجاب والقبول الناقلين للملك ، واتفاقهم على كونه من الأسباب المملكة ، وثبوت الخيار الظاهر في التملك وجواز التصرف بالمستلزم له. وقيل والقائل ابن الجنيد في المحكي عن ظاهره وابن سعيد في جامعه به وبانقضاء مدة الخيار مع عدم الفسخ ، وجعل الشيخ الافتراق في كتابي الأخبار شرطا في استباحة الملك. بل صرح في الاستبصار منهما باشتراطه في صحة العقد ، وكلامه في النهاية لا يأبى التنزيل على المشهور كالمقنعة ، بل عن الشهيد احتماله أيضا في كلامه في الخلاف ، إلا‌

__________________

(١) سورة النحل الآية ٧٥.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب موانع الإرث الحديث ١ و ٥.

٧٨

أنه بعيد ، قال فيه : « العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول ، فان كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان ، وإن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط. فان كان الشرط لهما أو البائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم ، وإن كان الخيار للمشترى وحده زال ملك البائع بنفس العقد. لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار ، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول » وذكر اللزوم أولا ، ومعروفية بقاء الملك بلا مالك ، لأبي حنيفة ، ومالك ، لا يقتضي بإرادة اللزوم من الملك المستلزمة لبطلان التفصيل حينئذ.

نعم كلامه في بيع المبسوط لا يأبى التنزيل عليه ، بل ما ذكره في كتاب الفلس منه ظاهر في ذلك إن لم يكن صريحا. وسلار وإن كان قد جعل تفرق المتبايعين شرطا ، لكنه قال : « ولو تقابضا ولم يفترقا بالأبدان كان البيع موقوفا ، كما أن أبا الصلاح نص في المحكي عنه على أنه شرط في الصحة » ثم قال : « واعتبرنا الافتراق بالأبدان لتوقف مضيه عليه »

وكيف كان فالذي تحصل من كلام الأصحاب أقوال ثلاثة ، المشهور ، والتوقف على انقضاء الخيار ، والتفصيل بين خيار المشتري وحده ؛ وغيره فيخرج عن ملك البائع في الأول دون غيره ، ولا ريب في أن الأول أظهر وأصح لصدق التجارة عن تراض قبله ، وعدم معقولية غير ترتب الأثر من التحليل للبيع الصادق عليه قبل انقضاء الخيار قطعا ولأن المقصود للمتعاقدين والذي وقع التراضي عليه بينهما انتقال كل من الثمن والمثمن حال العقد ، فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك عند الشارع ويثبت المطلوب ، أو باطلة من أصلها ، لا أنها صحيحة على غير ما قصداه وتراضيا عليه ، وإثبات الخيار منهما أو من الشارع إن لم يؤكد ذلك لا ينافيه ، فالمقتضي للملك حينئذ موجود والمانع منه مفقود.

٧٩

وموثق إسحاق بن عمار (١) وخبر معاوية بن ميسرة (٢) المتقدمين في خيار تأخير الثمن ، المصرحين بكون المبيع ملكا للمشتري والثمن ملكا للبائع في السنة التي اشترط فيها الرد برد الثمن ، بناء على أن ذلك مدة الخيار وقد عرفت الحال فيه سابقا ويمكن تنزيلهما على ارادة اشتراط سلطنة الفسخ بالطريق المخصوص الذي هو رد الثمن ، فيكون حينئذ ذلك كله مدة خيار ولا يحتاج إلى فسخ زائد على الرد كما هو ظاهر هما ، الا أنه ينافيه ما ذكرناه سابقا. فلاحظ وتأمل.

وموثق غياث بن إبراهيم (٣) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا » وموافقة ذيله للتقية غير مانع من الاستدلال بإطلاقه ، وخبر عقبة بن خالد (٤) المتقدم في خيار تأخير الثمن وصحيح بشار بن يسار (٥) « سئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يبيع المتاع ، ويشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟ قال : نعم لا بأس به ، قلت ؛ أشترى متاعي؟ فقال : ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك »

وحسنة الحسين بن منذر (٦) قال للصادق عليه‌السلام : « يجيئني الرجل فيطلب العينة ، فأشتري له المتاع من أجله ، ثم أبيعه إياه ، ثم أشتريه مكاني؟ فقال : إذا كان له الخيار إنشاء باع وإن شاء لم يبع ، وكنت أنت أيضا بالخيار ، إن شئت اشتريت وان شئت لم تشتر فلا بأس » وصحيح محمد بن مسلم (٧) « سئل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتاه رجل فقال : ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية ، فابتاعه الرجل من أجله قال : ليس به بأس إنما تشتريه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٧) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث ٨.

٨٠