جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

إلى جابر ، كما أن اقتصار الأكثر على غيره يوهن الآخر ، على أن في خبر كافي (١) منها ما يقضى بأنه الحدبة ، وهو خلاف المعروف بين الفقهاء واللغويين ، إذ هو عندهم شي‌ء كالسن يكون في الفرج يمنع من الجماع ، وعلى ما رواه غيره (٢) يكون الحدبة معطوفا على الأربعة ، إلا أنه لم نعثر على مفت به ولا على نص آخر به ، واحتمال دخولها في القرن باعتبار اشتراكها معه في النشو ، وإن كان هو في الفرج وهي في الصدر كما ترى.

وكيف كان فالظاهر مساواة الخيار بهذه العيوب له في غيرها سقوط الرد بالتصرف وحدوث العيب ونحو هما مما عرفت ، وبالسقوط في الأول فضلا عن غيره صرح الفاضل والشهيدان وغيرهم ، بل لعل من تركه هنا اتكالا على ما ذكروه في حكم العيب ، ولذا قال في الغنية : « يرد بها ما لم يمنع مانع » وقال ابن إدريس فيما حكي من سرائره « إن خطر بالبال وقيل الفرق بين هذه العيوب وغيرها أنه لا يسقط الرد بها بالتصرف بخلاف غيرها ، قلنا له : هذا خلاف إجماع أصحابنا ؛ ومناف لأصول المذهب ، لأن الإجماع حاصل على أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف بينهم ، والأصول مثبتة مستقرة على هذا الحكم » بل ظاهره الإجماع على ذلك إلا أنه أشكله بعضهم بأنه يبعد تنزيل إطلاق الاخبار على عدم التصرف في المملوك الذي يشترى للخدمة في مدة هذه السنة ، فلا يبعد القول بعدم سقوط هذا الخيار بالتصرف كالمصراة ؛ وقد يدفع أولا بأنه لا استبعاد في حمل الإطلاق عليه بعد أن لم يكن جوابا للسؤال عن أمر واقع ، وثانيا أنه قد يقال إن المسقط للرد إنما هو التصرف بعد حصول سبب الخيار لا قبله ، والنصوص لو سلم ظهورها فهو في الثاني ، لا الأول كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

٣٠١

ولعله إليه أومى المصنف بقوله. فرع هذا الحكم يثبت مع عدم الأحداث فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش وسقط الرد وان اعترضه في المسالك بأن مطلق التصرف مانع من الرد كغيرها من العيوب وان لم يوجب تغييرا ، لكن قد يقال ان المصنف أراد أن التصرف إذا لم يكن يقتضي أحد الأمرين ولا مخرجا عن الملك ، لا يسقط الرد بالعيب الحادث بعده ؛ أما هما فيسقط انه وإن حصلا قبله لاشتراط الرد في المعيب بكون العين قائمة ، أي غير متغيرة ولو صفة ، ولذا كان حدوث العيب مانعا من الرد ، بل قد تقدم احتمال توقف حقيقة رد العين عليه ، وكذا يسقطه مطلق التصرف وإن لم يكن مغيرا لو كان بعد حصول سبب الخيار.

وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في ثبوت الأرش هنا مع حصول المانع من الرد ، وإن استشكل فيه في التحرير ، إلا أنه في غير محله ، ضرورة عدم نقصان هذه العيوب عن غيرها بالنسبة إلى ذلك ؛ وعدم التعرض له في نصوص المقام اكتفاء بما تضمنته من بيان زيادة هذا العيوب على غيرها بالرد بها لو حدثت في ضمن سنة ، فالثابت لما عداها ثابت لها بطريق أولى. نعم قد يستشكل في الأرش إذا حدثت هذه العيوب في المملوك في ضمن السنة ، لكن بعد انتقاله إلى غيره على وجه لا يرد بها عليه ، لظهور المراد في نصوص المقام كون المملوك باقيا على الملك ، مضافا إلى الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن.

لكن الأقوى ثبوت الأرش أيضا ، والرد في النصوص محمول على ما إذا كان باقيا على الملك ، وأولى من ذلك ما إذا كان انتقالها بوجه يرد بها عليه ، وأولى منه لو ردت فعلا بها عليه ، فظهر أن المتجه حينئذ مساواة هذه العيوب لغيرها في ذلك كله ، ومنه يعلم أن الرد بها وإن اشترط بحصوله في السنة. إلا أنه لا يتقيد بها كما هو مقتضى إطلاق الأدلة ؛ بل قيل ان خبر على بن أسباط (١) « صريح فيه ، ولا ينافيه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٤ ـ.

٣٠٢

ذيله بعد أن كانت الغاية فيه للإحداث لا إلى الرد ، فيكون المراد من قوله فيه بعد السنة أن له الرد مع حدوثها في السنة ، من حال حدوثها إلى ما بعد السنة ، لا أن المراد اشتراط الرد بما بعدها ، ثم إن الظاهر إرادة مقدار سنة مبدأها يوم الشراء ، لا أن المراد تمام تلك السنة التي مبدأها المحرم حتى أنه لو وقع الشراء مثلا في ذي الحجة كان العهدة من هذه العيوب تمامه ، لأن به تتم السنة ، وإن أوهمه بعضها. نعم قد يظهر منها اعتبارها هلالية لا عددية ؛ وإن وقع الشراء في المنكسر والله اعلم.

( الفصل السادس )

في المرابحة والمواضعة والتولية التي هي بجميعها قسيمة للمساومة لما قيل : من ان البائع ، إما أن يخبر برأس ماله أولا ، والثاني المساومة والأول المرابحة إن باع بربح والمواضعة إن باع بنقص ، والتولية إن انتفيا معا فالمرابحة حينئذ كما في القواعد البيع مع الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه ، ومنه يعلم تعريف البواقي ، وزاد أول الشهيدين « التشريك ، وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله ، بأن يقول شركتك في هذا المتاع نصفه مثلا بنصف ثمنه ، بعد العلم بقدره ، وتبعه ثاني الشهيدين بعد اعترافه بأنه لم يذكره كثير ، قال : وفي بعض الأخبار دلالة عليه.

قلت : ومقتضاه عدم تصور المرابحة فيه ، وهو التشريك بالربح ولا المواضعة ، وفيه نظر ، وعلى تسليمه يمكن اندراجه في التولية ، بدعوى تعميمها حينئذ للجميع والبعض ، فتكون قسمة الأصحاب حينئذ بحالها ، قال : في التذكرة ولو كان المشتري قد اشترى شيئا وأراد ان يشرك غيره فيه ليصير له بعضه بقسطه من الثمن جاز ، بلفظ البيع والتولية والمرابحة والمواضعة ثم إن نص على المناصفة وغيرها فذاك ، وإن أطلق الاشتراك احتمل فساد العقد ـ للجهل بمقدار العوض ، كما لو قال : بعتك بمأة‌

٣٠٣

ذهبا وفصة ـ والصحة وتحمل على المناصفة كما لو أقر بشي‌ء لاثنين ، وللشافعية وجهان كهذين ، والاشتراك في البعض ، كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.

لكن قد يقال : أن المرابحة مثلا البيع بنفس رأس المال مع زيادة كذا‌ قال العلاء (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يريد أن يبيع البيع فقال : أبيعك بده دوازده فقال لا بأس ؛ إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة » وظاهره حصرها في ذلك ، وهو لا يأتي في التشريك ، لان القسط من الثمن ليس ثمنا ولذا لم تحصل المرابحة العرفية في أبعاض المبيع المعينة المقسط عليها الثمن كما ستعرف إنشاء الله.

وكذا الكلام في التولية والمواضعة نعم قد يقال : ينبغي إرادة القصد فيها مع ذلك ، بعدم جريان أحكام المرابحة علي البيع بالزيادة مع قصد عدمها بل وبدون قصدها ؛ إلا أنه لا يخلو من نظر ، فتأمل ولو اختلفا في القصد فالظاهر البطلان ، ولو ادعى المشتري إرادة المرابحة ، فأنكر البائع كان القول قوله بيمينه ، إذا لم يكن ظهور في اللفظ ، لانه كدعوى الشرط على البائع حينئذ ؛ ولعل المفاعلة في المرابحة وو المواضعة لتوقف العقد على الرضا والصيغة من الجانبين ، فكان كلا منهما فاعل للربح وإن اختص بملكية أحدهما.

وعلي كل حال ففي الدروس « قد يتفق المرابحة وقسيماها في مبيع واحد ، كما لو اشترى ثلاثة ثوبا بالسوية لكن ثمن أحدهم عشرون والأخر خمسة عشر والأخر عشرة ثم باعوه بعد الاخبار ، بخمسة وأربعين ، فهو مواضعة بالنسبة إلى الأول ، وتولية بالنسبة إلى الثاني ، ومرابحة بالنسبة إلى الثالث ، وكذا لو باعوه مساومة ولا يقسم على رأس المال ، هذا مع تعدد العقود ، ولو كان العقد واحدا بالخمسة والأربعين ، كان الثمن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ٥.

٣٠٤

مقسوما على رأس المال ، ولو تشخص في العقد الواحد ثمن كل ثلاث فهو كالعقود المتعددة ، والظاهر أن مراده بقوله هذا إلى آخره. بالنسبة إلى الثلاثة الذين اشتروا الثوب بالسوية إذا القسمة على رأس المال متجهة فيهم لو كان العقد واحد ، أو لم يذكر ثمن كل ثلاث ، ولو اشترى خمسة ثوبا بالسوية لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون ، والآخر خمسة عشر ، والثالث عشرة ، والرابع خمسة ، والخامس لم يتبين ، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم بستين ، بعد إخبارهم بالحال ، والرابع شرك في حصته فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة ، وإلى الثاني تولية ، والثالث مرابحة ، والرابع تشريك ، والخامس مساومة ، واجتماع قسمين وثلاثة وأربعة منها على قياس ذلك ، إلا أنه ينبغي مراعاة القصد الذي ذكرناه.

وكيف كان ، فالكلام في المرابحة وتوابعها يقع في مقامين ، أحدهما في العبارة والثاني في الحكم‌ أما العبارة فإن يخبر برأس ماله بما تسمعه من إحدى العبارات الآتية وشبهها إذا لم يكن المشتري عالما ، وإلا كفى الاعتماد على علمه ، كما صرح به في التذكرة ، واحتمال وجوب الذكر تعبدا ليكون قائما مقام ذكره في العقد بعيد ، فالأخبار في المتن وغيره محمول على الغالب من انحصار طريق معرفة المشتري فيه ، ثم يقول بعد الإخبار بعتك أو ما جرى مجراه مما تقدم في الصيغة بربح كذا وجريان المرابحة ولواحقها في غير البيع من عقود المعاوضة كالصلح والإجارة لا يخلو من قوة ، بل صريح بعضهم جريانها في الإجارة ، بل السيرة القطعية على جريانها في المعاطاة ، على أن التحقيق كونها من الإباحة بعوض ، وحينئذ يكون ذكر المرابحة في البيع كذكر النقد والنسيئة ، لا لإرادة اختصاصها به ، هذا كله بالنسبة إلى نقل المال إلى المشتري.

أما انتقاله إلى البائع فلا يعتبر فيه البيع قطعا ، بل يكفي فيه الصلح ونحوه ، بل قد يقال : بكفاية جميع ما يغرمه في تلك الحال ، كإحياء أرض ، أو معدن ، أو نحو‌

٣٠٥

ذلك ، وقد أراد بيعها مرابحة ، جاعلا ما غرمه على ذلك رأس مال مخبرا بتقوم ونحوه فتأمل : ولا يتعين لفظ ربح ، بل يجرى مجراه كل ما أفاد فائدته من لفظ الزيادة وغيرها ، نعم قد يفرق بينه وبينها بصراحته أو ظهوره في نفسه ، في إرادة عقد المرابحة بخلاف لفظ الزيادة فإنه يحتاج معه إلى ضم غيره معه في إرادة المرابحة ، لما عرفت من أعمية البيع بالزيادة منها ، ولعله على هذا ينزل‌ خبر ميسر بياع الزطي (١) الفارق فيه بين اللفظين ، فلاحظ وتأمل ، قال : « قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام إنا نشتري المتاع نظرة ، فيجيئني الرجل ، فيقول : بكم تقوم عليك؟ فأقول : بكذا وكذا ، فأبيعه بربح ، فقال : إذا بعته مرابحة ، كان له من النظرة مثل مالك قال : فاسترجعت ، وقلت : هلكنا ، فقال : مم قلت؟ لأن ما في الأرض من ثوب أبيعه مرابحة ، يشتري مني ، ولو وضعت من رأس المال ، حتى أقول تقوم بكذا وكذا ، قال فلما رآى ما شق ، علي ، قال : أفلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج منه ، قل : قام علي بكذا وأبيعك بزيادة كذا ولا تقل بربح » بل وخبر عبيد بن عبد ربه (٢) قال : « قدم متاع لأبي عبد الله عليه‌السلام من مصر ، فصنع طعاما ودعى له التجار ، فقالوا : نأخذه بده دوازده ، فقال : لهم أبو عبد الله عليه‌السلام وكم يكون ذلك. فقالوا : في كل عشرة آلاف ألفين ، فقال أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا ، فباعهم مساومة » الذي يكشف عن المراد ، بخبر محمد بن مسلم (٣) « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة ، وقال : أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم علي ، فبعته مساومة » بناء على أن المراد إضافة الزيادة مع الأصل ثم بيعه مساومة ، ولا بد أن يكون رأس ماله معلوما ، وقدر الربح معلوما عندهما حال البيع ، بلا خلاف أجده فيه ، بل في التذكرة لو كان المشتري جاهلا برأس المال بطل البيع إجماعا ، وكذا لو كان البائع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

٣٠٦

جاهلا به والمشتري عالم به ، أو كانا جاهلين ، وعن المبسوط لو علما قدر رأس المال وجهلا الربح مثل أن يقول : رأس المال كذا ، والربح ما نتفق عليه بطل ، قلت : لا ريب في البطلان مع هذه الجهالة ، في رأس المال ، أو الربح ضرورة ، رجوعها إلى جهالة الثمن التي هي مانع من صحة البيع من أصله ، فضلا عن خصوص المرابحة منه ، والأول إلى العلم غير كاف فيه قطعا ، نعم في جامع المقاصد والمسالك « أن المراد بذلك وجوب علمهما حالة البيع ، فلا يكفي علم أحدهما ؛ ولا تجدد علمهما بعد العقد ، وإن اقتضاه الحساب المنضبط ، كما لو علما بالثمن وجعلا ربح كل عشرة درهما ، والحال أنهما لا يعلمان ما يتحصل من المجموع حالة البيع ، ولعله كذلك إذا فرض جهلهما أو جهل أحدهما بمقدار الثمن عشرات مثلا ، أما إذا علماه إلا أنهما لم يستحضرا المجموع ، فقد يقال : بصحته خصوصا إذا لم يكن محتاجا إلى طول نظر ، لعدم الجهالة في مثله عرفا فيتناوله العمومات ، بل قد تحتمل الصحة في الأول أيضا ، لأنه وإن كان مجهول الجملة إلا أنه معلوم عند التفصيل.

قال : في المختلف « ولو أخبره برأس المال وزاد في كل عشرة درهما ، ولم يعلما وقت العقد كمية الثمن احتمل البطلان ، للجهالة ، والصحة لإمكان العلم ، فإنه يستخرج بالحساب » وعلل في التذكرة كراهة نسبة الربح إلى الثمن في المرابحة ، بأنه قد لا يعلم قدر الثمن في حالة العقد ؛ ويحتاج في معرفته إلى الحساب ، بل قد عرفت فيما سبق صحة بيع الصبرة كل قفيز بدرهم ، مع أنها مجهولة الجملة ، بل جوز الفاضل في القواعد ، بعتك هذه السلعة بأربعة إلا ما يخص واحدا إذا علماه بالجبر والمقابلة ، كل ذلك مضافا إلى إطلاق النصوص خصوصا المتضمن منها جواز بيع ده بدوازده ، فالقول بالصحة حينئذ في الصورتين خصوصا الأولى لا يخلو من قوة.

نعم قد يقوى البطلان لو فرض عدم علمه بمسمى العشرة مثلا إذ هو غرر محض ؛ وكونها عددا مضبوطا في نفسه وإن لم يعرف مصداقها غير مجد ، ولعل منه الشراء بوزن‌

٣٠٧

بلد مخصوص لا يعلمه أو كيله ، ثم إن الظاهر كون المراد من العلم برأس المال الذي هو شرط في الصحة ، عدم إناطة البيع به ، ثم البحث عنه بعد ذلك ، أما إذا لم يكن كذلك بل فرضا له رأس مال وعينا له ربحا صح مع تراضيهما ، كما أنه يصح لو اقتصر البائع على المتيقن من رأس المال. نعم قد يمنع صدق اسم المرابحة عليه مع أن في ذلك بالنسبة إلى بعض الصور نظر ، فتأمل جيدا والله اعلم.

وكذا لا بد من ذكر الصرف والوزن إن اختلفا مع الاختلاف لحصول الجهالة بدون ذلك إذا فرض تعدد النقود ، واختلف صرفها ووزنها ، بأن كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم ، وبعضها أكثر ، وكذا الوزن لو كان الثمن دراهم مثلا معروفة بالوزن ، أما لو اتخذ النقد لم يفتقر ، كما صرح بذلك كله ، في جامع المقاصد والمسالك ، وزاد في الأول « يمكن أن يراد أنه يجب الجمع بين ذكر صرف الدراهم مع الوزن إن فرض الاختلاف ، بأن يكون صرف الدراهم المختلف وزن أنواعه واحدا ، فإن ذكر الصرف حينئذ لا يغني عن ذكر الوزن » ، قلت : كما أنه لا يغني ذكر الوزن للدراهم المختلف صرفها مع اتحاد وزنها ولو في بلدين إذا كان الشراء في ذات الصرف الزائد.

كما يومي إليه‌ خبر إسماعيل بن عبد الخالق (١) « قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنا نبعث بالدراهم لها صرف إلى الأهواز ، فيشتري لنا بها المتاع ، ثم نلبث فإذا باعه وضع عليه صرفا ، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف الدراهم في المرابحة ويجزينا عن ذلك؟ فقال : لا بل إذا كانت المرابحة فأخبره بذلك ، وإن كانت مساومة ، فلا بأس » وفي الوافي تحرينا عن ذلك بالمهملتين ، اي تعمدنا الاعراض عنه وطلبنا ما هو أحرى ، وفيما حضرني من نسخة الوافي عن التهذيب ، روايته نحو ذلك لكن فيه بدل ثم نلبث ، فإذا باعه ثم يكتب روزنامچه يوزع عليه صرف الدراهم فإذا بعناه فعلينا أن نذكر صرف الدراهم في المرابحة ، وتجزينا عن ذلك؟

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ١.

٣٠٨

قال : إذا كان مرابحة فأخبره » إلى آخره ولعله أصح ، والموجود في نسخة معتبرة من الكافي ، تجزينا « بالجيم والزاء المعجمة » وكذا في نسخة معتبرة من التهذيب عنه ، لكن مع زيادة الواو في قوله تجزينا : ولعل عدمها أولى ، وحينئذ يحتمل أن يكون ابتداء السؤال على جهة الاستفهام من قوله ، كان أو كونه تجزينا عن ذلك ، على معنى ؛ هل يجزينا عن غيره؟ وهو الاقتصار على أصل الثمن ، إذا كان دوانيق ، مثلا ودفعنا عنه في تلك البلد دراهم ، لها صرف أى فضل عن الدراهم في بلد بيع المرابحة قال : لا يجزي إلا أن تخبره بالحال ، فإن الدراهم وإن لم تكن ثمنا لكن لما دفعت عنه صار كأنه متشخص بها ؛ لان النقد يقوم بعضه مقام بعض في عرف التجار ، بخلاف العروض ، ويمكن أن يكون هذا من جملة المراد بقولهم يجب ذكر الصرف ، خصوصا مع ملاحظة إرادة وجوب ذلك من حيث المرابحة ، بخلاف ذكر الصرف في الدراهم المفروض اختلافه وكونها ثمنا ، فإن ذلك مانع من صحة البيع ولو مساومة ، للجهالة ، لا من حيث المرابحة فتأمل جيدا بل لعل مراد من تعرض لاعتبار ذكر الصرف الإشارة إلى ما في الخبر المزبور.

أما الوزن فمع فرض اختلافه لا بد من ذكره ، اختلف الصرف أم اتحد لعدم انحصار الفرض في الصرف ، إذ يكون المراد صوغه حليا ونحوه مما للوزن فيه مدخلية. والله اعلم وكيف كان فـ ( إذا كان البائع لم يحدث في المبيع حدثا ولا غيره ) عما كان عليه عند البائع ، ولا حصل ذلك من غير المشتري ، بل كان المبيع على الحال التي انتقل اليه فيها فالعبارة عن الثمن أن يقول اشتريته بكذا أو رأس ماله كذا أو تقوم علي ، أو هو علي أو نحو ذلك من العبارات المفيدة للمطلوب ، وإن كان قد عمل فيه ما يقتضي الزيادة في قيمته قال : رأس ماله كذا ، وعملت فيه بكذا ونحوه اشتريته أو تقوم علي أو هي علي ، ضرورة عدم الفرق هنا بين الجميع بعد أن ذكر العمل بعبارة مستقلة.

٣٠٩

نعم ظاهر المتن وغيره أنه ليس له تقويم عمله ، وضمه إلى رأس المال ويعبر عنه بإحدى العبارات المزبورة غير مخبر بحقيقة الحال وهو كذلك ، إذ لا ريب في الكذب لو عبر بالأولين وكذا الأخيرين ، ونحوه لو كان العامل غيره بلا أجرة ، كما أن ظاهر المتن جواز بيعه مرابحة مع ذكره العمل بكذا ، سواء كان أريد من قيمته أولا ، بل هو صريح التذكرة ، وقد يشكل بخروجه عن وضع المرابحة الذي يعتبر فيه ذكر ما يغرمه البائع على المبيع من حيث التجارة والفرض عدم الغرامة هنا ، ويدفع بمنع اعتبار الاقتصار على ذلك فيها ، لإطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله للفرض الذي هو زيادة في الربح في الحقيقة عند التحليل ، وإن جعله صورة في مقابل العمل ، كما هو واضح.

لكن قد يقال : بثبوت الخيار للمشتري لو أخطاء البائع أو كذب في تقويم عمله ، إن أراد بقوله عملت فيه بكذا التقويم ، أما لو أراد الاقتراح فلا خيار ، ولو أطلق احتمل قويا تنزيله على الأول وإن كان عمل فيه غيره بأجرة مسماة صح أن يضمها إلى الثمن من غير إخبار ، لكن يقول : تقوم علي أو هو علي ولا يجوز اشتريته ، أما رأس مالي ففي الدروس والمختلف يجوز ، لأنه عبارة عما لزمه عليه ، وعن المبسوط لا يجوز ، وتبعه في التذكرة وجامع المقاصد ، والظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأمكنة والأزمنة ، ففي بعضها لا ينساق منه إلى الثمن ، وفي آخر يراد منه ما غرمه عليه ، ولو كان العمل بأعيان كالصبغ بأشياء اشتراها بثمن معلوم صح ضم ذلك إلى الثمن ، ولو لم يكن قد اشتراها ففي ضم قيمتها مع الاكتفاء بتقوم ، وهو على وجه ، والأولى ذكر ذلك للبائع.

وكذا له مع التعبير بالعبارتين ضم جميع المؤن التي قصد بالتزامها عرفا الاسترباح من الدلالة ، وأجرة البيت والكيال والحارس والحمال والقصار والصباغ ، ولو كان قد غبن فيها لم يجب الإخبار بها ، بناء ، على عدم وجوب الاخبار به لو كان بالنسبة‌

٣١٠

إلى المبيع ، حتى مع علمه به وإقدامه عليه ، أما لو دفع عنها بعد اشتغال ذمته بأجرة المثل ما يزيد على ذلك سماحة ، أو لغرض من الأغراض ، وجب ذكر ذلك للبائع إذا لم يرد الاقتصار على أجرة المثل ، وإلا كان له ضمها وإن أبرأه منها أو بعضها من كانت له ، ولعل منه ما لو صالحه عنها بالأقل ، أما المؤن التي فيها بقاء الملك كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة ، ففي القواعد لا تدخل في العبارتين ، ولعله لأن هذا الأمور من ضروريات بقائه ، وليست مقصودة لغرض الاسترباح ، ولأنها في مقابلة خدمة العبد وركوب الدابة ، بخلاف نحو الأقمشة المذخورة للاسترباح فقط ، وقد يشكل بأن جميع ذلك قد لا يلتزم إلا لغرض الاسترباح.

نعم ربما يفرق بين ما يمكن تحصيل مؤنة بالانتفاع به وما لا يمكن فتعد الأولى مؤنة محضة لتحقيق ما يقابلها بخلاف الثانية ، وعلى كل حال فالظاهر إن هذا في غير الزائد من العلف والنفقة التي لا يقصد بها إلا زيادة القيمة كالعلف للسمن ، وزيادة ترفيه العبد بالمأكل والملبس ، لزيادة قوته وبدنه ، فإن هذه كغيرها من مؤن الاسترباح ، له ضمها إلى الثمن مخبرا بالعبارتين ، بل لعل من ذلك أجرة الطبيب إن كان قد اشتراه مريضا ، لزيادة القيمة بزوال المرض ، ولو عرض المرض عنده فأجرة لطبيب كالنفقة ، والمراد من عدم ضم مؤن البقاء إلى الثمن عدم الاكتفاء بالعبارة المزبورة مع ضمها ، أما لو صرح فلا يبعد الجواز ، لانحلاله إلى إرادة زيادة ربح ولا مانع منه ، لا أنه لا يجوز البيع مرابحة حينئذ ، لاعتبار الاقتصار على الزيادة على رأس المال وما يغرمه للاسترباح فيها ، إذ يمكن منع اعتبار ذلك فيها ، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة ؛ ولو كان من جملة ثمن المبيع عمل قد استأجر عليه البائع غيره صح له ضم ما بذله من الأجرة إلى الثمن ، وقال أحد العبارتين ، ولو عمله هو فالأولى ذكر ذلك للمشتري بما يفرض له من القيمة ، حتى لو كان العمل معروف القيمة ، لعدم صدق إحدى العبارات الأربع على ما يشمله من دون ذكره.

نعم قد يقوي عدم انحصار الأمر فيها ، فإذا عبر عن الثمن بما يشمله صح‌

٣١١

ولو اشترى بثمن معيبا ورجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش وأخبر بالباقي ، بأن يقول رأس مالي فيه كذا أو تقوم علي ، أو هو علي ، ولا يقول اشتريت به أي الباقي للكذب ، إذا المراد به ما وقع في العقد ، وليس هو الباقي.

نعم لا يبعد عدم جريان تسلط المشتري مرابحة على الخيار بنحو هذا الكذب ، كما أن المتجه تسلطه عليه لو باعه مرابحة مخبرا بالثمن الذي وقع في العقد ، ولم يذكر ما رجع إليه من الأرش ، وإن كان صادقا بقوله اشتريته بكذا ، إلا أنه لما كان ظاهرا في انه دفع ما اشترى به ، وأنه لم يرجع إليه منه شي‌ء والفرض أنه ليس كذلك ، اتجه تسلطه على الخيار حتى لو أسقط الأرش عن البائع بعد أن يثبت استحقاقه له ، بل لا يبعد ذلك أيضا لو أسقطه قبل تعينه له ، كما في حال التخيير بينه وبين الرد ، بل لعله كذلك لو أسقط الخيار الذي هو أحد فرديه ، بل لو صالح البائع المشتري عليه بما هو أنقص منه لو رجع به نفسه ، أمكن القول بوجوب ذكره ، هذا وقد يقال بعدم وجوب الاسقاط عليه إذا لم يرجع وان كان مستحقا بل لعله هو ظاهر التقييد بالرجوع في المتن ؛ وكأنه لعدم كون الأرش ما لا يثبت في الذمة ، وإن كان لصاحبه الرجوع به لو اراده ، فمع إسقاطه يسقط الحق ، لا أنه إبراء ، وحينئذ فيتحقق صدق تقوم ، وعلي ، واشتريته بكذا فتأمل ، ولو فرض كونه بزائد لم يجب حط الزيادة من الثمن في وجه قوي ، كما أنه يقوي فيما لو صالحه عنه بشي‌ء مع الجهل بقدر التفاوت ، إسقاط المصالح به من الثمن والإخبار بالباقي ، ولو لم يتمكن المشتري من إثبات سبق العيب احتمل الإخبار بما عدا الأرش في الواقع ، وبالجميع ، لانه هو الثمن ؛ ولم يعد إليه شي‌ء ولو صولح عن إسقاط الدعوى به ، أمكن احتساب ثمن الصلح خاصة من الثمن ، من ذلك كله ينقدح الوجه في كثير من الفروع المتصورة في المقام.

وعلى كل حال فـ ( لو جنى العبد ففداه السيد ، لم يجز له أن يضم الفدية إلى ثمنه ) مخبرا بإحدى العبارات السابقة بلا خلاف بيننا ولا إشكال ، لأنه غرامة‌

٣١٢

متجددة لا مدخلية لها في تقويمه ، نعم لا يبعد جواز ضمها مع التصريح بالحال والبيع مرابحة ، فيكون مرجعه إلى زيادة الربح ، وقد يمنع صدق المرابحة عليه لإمكان دعوى المستفاد من النص والفتوى أنها تؤدي بالعبارات المزبورة ، بل ربما كان ذكرهم لها للإشارة إلى أن الميزان في تحققها صدق أخذتها ، والفدية ونحوها مما لا تندرج فيها ، ضرورة عدم كونها من مؤن الاتجار ، فإذا ذكرها وأراد مع ذلك البيع مرابحة لم يترتب عليها حكمها ، مع فرض أن فيها أحكاما خاصة وإن كان البيع صحيحا في نفسه ، وصورته صورة المرابحة ، وكذا الكلام في نظائر المسألة ولو جني عليه فأخذ أرش الجناية لم يضعها من الثمن ، وكذا لو حصل منه فائدة كنتاج الدابة وثمرة الشجرة وغيرها من النماءات التي لا مدخلية لها في ثمن المبيع بلا خلاف ولا اشكال.

نعم لو تعيب شي‌ء من ذلك وجب الاخبار به كما هو واضح ، وكيف كان فـ ( يكره نسبة الربح إلى ) أجزاء رأس المال وفاقا للمشهور بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، بأن يقول بعتك بماءة وربح كل عشرة ، درهم ، ولو قال بعتك بمأة وعشرة ، أو وربح عشرة لم يكن مكروها ، وعلى كل حال فلا حرمة ولا بطلان للأصل ؛ والإطلاقات سيما إطلاق نصوص المرابحة كخبر على بن سعيد (١) « سأل عن رجل يبتاع ثوبا فطلب منه مرابحة ترى في بيع المرابحة بأسا إذا صدق في المرابحة ، وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم؟ قال : لا بأس » خلافا للمحكي عن المقنعة والنهاية والمراسم والتقى والقاضي ففي الأولين لا يجوز ، وفي الثالث لا يصح ، ولم أجد لهم دليلا صالحا لذلك عدا‌ الصحيح (٢) « الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول أبيعك بده دوازده أو ده يازده فقال : لا بأس به ، إنما هذه المراوضة فإذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود الحديث ٥.

٣١٣

جمع البيع جعله جملة واحدة » لظهوره في وجوب الجمع المزبور ، بان يقول : بعتك هذه السلعة بدوازده أو يازده نحو ما فعله‌ مولانا الباقر عليه‌السلام فيما روى عنه الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) « قال : قدم متاع لأبي من مصر فصنع طعاما ودعي له التجار فقالوا نأخذه منك بده دوازده فقال عليه‌السلام وكم يكون ذلك فقالوا في كل عشرة آلاف ألفين فقال : إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا ، » بل عدوله عليه‌السلام عن إجراء الصيغة بنحو ما ذكروه إلى ما ذكره ، ظاهر في المنع.

وفيه أن الصحيح محتمل لإرادة التخلص عن الكراهة ، على أن الخصم لا يقول بوجوب الجمع جملة واحدة ، فإنه لا بأس كما عرفت ، بأفراد رأس المال عن الربح من دون ملاحظة النسبة ؛ فلا بد حينئذ من إرادة الرجحان منه ، ويرتفع الاستدلال في وجه ، وفعل الباقر عليه‌السلام يمكن أن يكون فرارا من أصل المرابحة إلى المساومة التي هي أفضل ، كما يومي إليه تتمة‌ الصحيح المزبور على ما عن الكافي (٢) « فقال ، لهم إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألف درهم فباعهم مساومة ، » بل‌ في الصحيح أو الموثق كالصحيح (٣) « إنى أكره بيع عشرة بإحدى عشرة وعشرة باثني عشر أو نحو ذلك من البيع ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة » ما يقضي بكراهة المرابحة مطلقا وإن لم أجد قائلا به.

نعم في الرياض « قد ذكر بعض الأجلة أن الظاهر من المعتبرة هنا كراهة المرابحة وأولوية المساومة لا الكراهة ، في موضوع المسألة ، قال : وهو كذلك لو لا المخالفة لفهم الطائفة ، وعلى كل حال فلا دلالة في عدوله عليه‌السلام على الحرمة قطعا ، فيبقى حينئذ ما دل على الجواز بلا معارض ، مضافا إلى الصحيح أو الموثق المزبور ، المشتمل على لفظ الكراهة ؛ وعمومه لغير موضوع المسألة لو قلنا باختصاصه بها غير قادح ، كما أن احتمال إرادة الحرمة من لفظ الكراهة بناء على عدم تعارفها في الصدر الأول بالمعنى المصطلح ـ يدفعه بعد التسليم ـ ترجيح إرادته هنا بالشهرة ، والإجماع المحكي وغيرهما ، وكذا الكلام في الخبر الآخر (٤) أكره بيع ده يازده وده دوازده ، ولكن أبيعك بكذا وكذا وكيف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود الحديث ٢.

٣١٤

كان فلا ريب في عدم الحرمة والبطلان ، كما أنه لا ريب في الكراهة بعد التسامح بها ، للإجماع المحكي وغيره ، إن قصرناها على خصوص موضوع المسألة ، وإلا فمطلق للخبرين لسابقين ، والله اعلم. هذا وربما جعل مدار الكراهة على نسبة الربح للمال في مقابلة نسبته إلى السلعة على معنى عدمها لو قال بعتك بكذا مع ربح للمبيع ده دوازده ولكن الألصق بالنصوص ما ذكرناه والله اعلم. هذا كله في العبارة.

( وأما الحكم ففيه مسائل‌ )

قد تقدم البحث في الأولى منها وهي من باع غيره متاعا جاز أن يشتريه منه بزيادة أو نقيصة حالا ومؤجلا بعد قبضه ، ويكره قبل قبضه إذا كان مما يكال أو يوزن على الأظهر ، وكان المصنف أعادها كالفاضل في القواعد ، لبناء ما بعدها عليها ، إلا أنه كما ترى ، لا مدخلية لها فيه أصلا ولو كان شرط في حال البيع أن يبيعه لم يجز كما سمعت الكلام فيه مفصلا وإن كان ذلك من قصدهما ولم يشترطه لفظا كره كما في القواعد والتحرير والإرشاد والتذكرة ؛ وإن قلنا أن الشرط المضمر كالموجود إلا أنه يمكن تخصيص ذلك بالجائز منه ، لكن فيه منع واضح ، ضرورة اتحادهما في المقتضي ، فيتجه حينئذ بطلان العقد مع قصدهما الاشتراط ، وبناؤهما العقد عليه ؛ وإن لم يذكراه لفظا بناء على فساد العقد بفساد الشرط.

نعم لو لم يكن قصدا الاشتراط بل عزما على التعاكس واستوثق أحدهما من الأخر صح على كراهة عند بعضهم ، وإن كان الدليل عليها لو لا التسامح لا يخلو من إشكال ، والأمر سهل ، بعد أن كان الحكم الصحة ، ولا يرد أن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد ، لان العقود تتبع القصود ، لان من المعلوم عدم اعتبار مثل هذا العزم في العقد ، ضرورة كون العزم فعله خارج العقد ، لكن في المسالك « وأجيب بأن القصد وإن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في ، البطلان ؛ لتوقف البطلان على اللفظ‌

٣١٥

والقصد ، وكذلك الصحة ولم توجد في الفرض » وهو كما ترى غير مستقيم ، بل ليس له محصل يعتد به ، والتحقيق ما سمعت ، ولعل في عبارة المجيب سقطا قبل قوله لتوقف البطلان ، وهو بخلاف المقام ، وحينئذ يكون الفرق بين اعتبار القصد في صحة العقود الذي يكفي في البطلان عدمه ، كما في النائم وغيره بخلاف المقام ، وهو الشرط المعتبر في شرطيته القصد واللفظ سواء كان صحيحا أو مبطلا للعقد ، فإن شرطيته متوقفة على ذلك ، ومنه يظهر عدم توجه ما أورده في المسالك عليه ، فلاحظ وتأمل.

إذا عرفت هذا فلو باع غلامه الحر سلعة ثم اشتراها منه بزيادة جاز أن يخبر بالثمن الثاني إذا لم يكن شرط إعادته من غير تقييد لها بالبيع ولو شرط ها فباعها منه بزيادة للاخبار بها لم يجز قطعا بل لا خلاف أجده فيه لأنه خيانة عرفا ، إذا المشتري لم يترك المماكسة ، إلا اعتمادا على مما كستة لنفسه ، وثوقا باستقصائه في النقيصة لنفسه ، فكان ذلك خيانة ؛ بل لا يبعد ذلك أيضا وإن لم يشترطه ، بل كان القصد الشراء بالزيادة للاخبار بها وفاقا للشهيدين والعليين على ما حكي عن بعضهم إذ هو غش وخديعة وتدليس وخيانة عرفا ، والصدق في قوله اشتريت قد لا ينافي ذلك ؛ بل قد يدعى انصراف الشراء في الفرض إلى غير ذلك.

وفي المسالك « إن قوله ولو شرط لم يجز لأنه خيانة يقتضي التحريم مع عدم الشرط ، إذا كان قصدهما ذلك ؛ لتحقق الخيانة ، ومجرد عدم لزوم بيعه عليه على تقدير عدم شرطه لا يرفع الخيانة مع اتفاقهما عليها بل ينبغي فرض التحريم في صورة عدم شرط الإعادة ، لأن التحريم لا يتحقق إلا مع صحة البيع ، ليمكن فرض الزيادة ، ومع شرط الإعادة يقع البيع باطلا ، كما سلف عن قريب ، فلا يتحقق الزيادة ولا التحريم » قلت : قد يدفعه ما سمعته منافي تفسير العبارة ، ولا حاجة إلى قوله في الجواب عنه و، يمكن أن يقال بالتحريم وإن قلنا بفساد العقد نظرا إلى قصد الغرور والسعي إلى تحصيل المحرم ، كما يقال في النجش والربا أنه حرام ، يفسد العقد مع أنه قد يخدش بأن المراد‌

٣١٦

لم يجز الاخبار بالثمن الثاني ، ومع فرض كون البيع فاسدا بالشرط لا ثمن حتى يخبر عنه فتأمل جيدا. هذا كله مع قصد الحيلة بالشراء بالزيادة ، فلو اشتراه منه ابتداء من غير مواطاة جاز ، ولا فرق في تحريم الحيلة بين الغلام والولد والأجنبي والله أعلم.

المسألة الثانية لو باع مرابحة فبان رأس ماله أقل بالإقرار أو البينة صح البيع بلا خلاف على الظاهر ، للأصل والإطلاقات ، ضرورة أولويته من تخلف الوصف والشرط والجملة ، بل الظاهر ذلك إن لم يكن له رأس مال أصلا ، فضلا عن كونه أقل نعم لأجل الكذب في الإخبار كان المشتري بالخيار بين رده وأخذه بالثمن المسمى في العقد ، ولا تعليق للرضا والقصد ولا الصحة على الصدق في الاخبار قطعا بل هو أشبه شي‌ء بالداعي إلى قصد ما اتفقا عليه ، بل لو لا الإجماع على الخيار في الظاهر هنا لأمكن المناقشة فيه كما في غير المقام مما كان الداعي فيه الكذب بنحو ذلك ، مما لا يرجع إلى العيب ولا إلى التدليس الذي هو بمعنى كتمان صفة وإظهار أحسن منها ، ودعوى أن المراد عندهم بالتدليس ما يشمل المقام لو سلمت لا تجدي ، لعدم تعليق الخيار عليه في شي‌ء من النصوص كي يدور الحكم عليه ، بل دليله فحوى نصوص التصرية ونحوها ، وأما خبر الضرار (١) وقاعدة رجوع المغرور على من غره ، ونحوه فمع احتياج ثبوت الخيار به أيضا إلى الانجبار ، قد يمنع تناوله للمقام ، باعتبار ظهور قاعدة الغرور في الضمان ، وخبر الضرار في العقد الضرري ، لا في مثل المقام الذي ضرره نشأ من اعتماده على خبره ، ولا يبعد ثبوت الخيار في الكذب بكل ما يختلف الثمن به ؛ بل الظاهر ثبوته بعدم الإخبار بما يختلف الثمن به فضلا عن الكذب لما عرفت.

وعلى كل حال فما عن الأردبيلي من التأمل في الصحة في غير محله ، كما أن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٥.

٣١٧

التأمل في ثبوت الخيار له كذلك أيضا ، وكذا الكلام لو بان غلطه في الاخبار ، إلا أنه لا إثم عليه ، وقد ظهر لك مما ذكرنا أن الخيار في مفروض المسألة للإجماع ، وإلا فليس هو مندرجا في أحد الخيارات السابقة ، مع فرض عدم اتحاد بيع المرابحة لصورة تحلف الوصف أو الشرط ، ودعوى أنها لا تكون إلا كذلك ممنوعة ، فإنه يمكن فرضها مجردة عن ذلك ، وإن كان الداعي للمشترى إخبار البائع برأس المال مع إرادة ربح كذا وحينئذ يكون هذا الداعي من بين الدواعي مسلطا على الخيار ، للإجماع ونحوه ، وقيل والقائل أبو على فيما حكى عنه والشيخ ان المشتري يأخذه أي المبيع بإسقاط الزيادة من الثمن مع ربحها ، إلا أن المحكي من خلاف الشيخ في مبسوطة وخلافه النص على ذلك في صورة الغلط ، ولعله لا فرق بينها وبين الكذب ، كما أنه لا فرق في ثبوت ذلك بين الإقرار والبينة ، لكن في محكي المبسوط أنه قيل : إن بان ذلك أى الغلط بقول البائع لزم المشتري الثمن بإسقاط الزيادة وربحها ، وإن قامت به البينة كان المشتري بالخيار.

وكيف كان فلا دليل على شي‌ء من ذلك إذا البيع إنما هو برأس المال الذي أخبر به ، لا بما هو في نفس الأمر ، ومنه يعلم الاستدلال على التفصيل بأنه إن أقر كان مأمونا بخلاف ما إذا قامت به البينة ، فلا ريب في أن الترجيح لما ذكرنا ، خصوصا بعد عدم ما يصلح ملزما للثمن الناقص ، إذ العقد الواقع ان كان صحيحا لزم ما فيه وإلا بطل مطلقا ، وعلى كل حال فلا خيار للبائع عندنا كما عن التحرير ، للأصل وقد يحتمل للضرر في بعض الأحوال ؛ كما أن الظاهر عدم الخيار للمشترى على قول المبسوط ، لارتفاع مقتضية بإسقاط الزيادة مع ربحها ، ولأنه رضي بالأكثر فبالأقل أولى لكن احتمل في مسالك ثبوته له أيضا بالخيانة ، ولانه قد يكون له غرض بالشراء بهذا الثمن لابرار قسم أو إنفاد وصية وهو كما ترى ، نعم يمكن ان يكون ذلك مؤيدا للمختار ضرورة عدم ارتفاع الضرر الناشئ عن الكذب حينئذ بإسقاطه الزيادة فتأمل ،

٣١٨

جيدا ، هذا وفي القواعد « وهل يسقط الخيار بالتلف فيه نظر » وعن المبسوط إسقاطه به وبالتصرف ، وعن الشهيد انه حكاه عن ابن المتوج ، لان الرد انما يتحقق مع بقاء العين ، ولحصول الضرر على البائع بالانتقال الى البدل قهرا لكن قوي ثاني المحققين والشهيدين عدم السقوط لحصول المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس الا التلف ولا يصلح للمانعية ، إذ مع الفسخ يثبت المثل أو القيمة. ولعموم المغرور يرجع على من غره ، والكذب في الاخبار مقتض للخيار ولم يثبت اشتراطه بالعلم بذلك قبل تلف المبيع ، فمع التلف وانتقاله عن ملكه انتقالا لازما أو وجود مانع من رده كالاستيلاد ، يرد على البائع مثله أو قيمته ، ويأخذ هو الثمن أو عوضه مع فقده وقد تقدم في خيار الغبن وغيره ما له نفع في المقام فلاحظ وتأمل ، ولو قال البائع بعد البيع اشتريته بأكثر لم يقبل منه إذا لم يعلم صدقه ولو أقام بينة لانه قد كذبهما بإقراره وحينئذ فـ ( لا يتوجه ) له على المبتاع يمين لعدم سماع دعواه بعد معارضة إقراره السابق لها الا أن يدعى عليه العلم فتقبل حينئذ بينته ويتوجه له عليه اليمين على عدم العلم لعدم منافاة إقراره السابق لها ، بل لو رد اليمين عليه كان له الحلف ، سواء قلنا ان اليمين المردودة كالبينة أو كالإقرار من المنكر ، لأنهما معا هنا مسموعان اما الثاني فواضح ؛ واما الأول فلما عرفت من أن دعواه العلم لا تنافي كذبه بإقراره السابق ، واولى من ذلك لو قلنا انها أصل برأسه ، فما عن بعضهم من ان في رد المشتري اليمين على البائع هنا وجهين يلتفتان إلى انها كالبينة ، أو كإقرار المنكر ، فعلى التأني ترد وعلى الأول لا ترد لا يخلو من نظر ، بل قد يناقش في إطلاق عدم سماع بينته في الأول أيضا إذا أظهر لإقراره الأول تأويلا محتملا ، مثل أن يقول ما كنت اشتريته بل اشتراه وكيلي وأخبرني أن الثمن ماءة فبان خلافه ؛ أو ورد على كتابه فبان مزورا أو كنت راجعت جريدتي فغلطت من متاع الى غيره.

ضرورة رجحان البينة حينئذ على الإقرار الأول بعد فرض ذكر التأويل المزبور‌

٣١٩

له ولعله لذا قيد السماع بذلك جماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه ، والمحقق الثاني وغيرهم ، بل قد يقال يرجحانها أيضا وأن لم يذكر التأويل المزبور بل احتماله له كاف في مرجوحيته بالنسبة إلى البينة ، لقوة البينة وانها بمنزلة العلم بخطئه فلا يصلح الإقرار السابق لمعارضتها بعد تعقيبه بما يقضى بخطاه فتأمل جيدا.

ومن هنا بان لك أن ما عن المبسوط من قوة عدم سماع البينة وان ذكر تأويلا محتملا لا يخلو من نظر ، كما أن إطلاق المصنف والفاضل في بعض كتبه عدم السماع لذلك وكيف كان فإذا علم غلطه بأي طريق كان له الخيار بين الفسخ والإمضاء بالمسمى ، وربما تخرج على قول الشيخ إضافة الزيادة مع ربحها ، ولو كان قد تبين كذبه وأنه تعمد الى ذكر النقصان فلا يبعد عدم الخيار له لانه هو الذي قد ضيع ماله فتأمل جيدا.

هذا وفي التحرير في نحو مفروض المسألة تخير المشتري بين الأخذ بالزيادة على إشكال والفسخ ، ولو قيل أن الزيادة لا تلحق بالعقد فيتخير البائع كان وجها ؛ وهل يلزمه مع القبول نصيب الزيادة من الربح الوجه ذلك إذا نسب الربح الى الثمن ، مثل أن يقول بربح كل عشرة درهم ، ولو قال بربح عشرة لا غير لم يثبت ، ولو أخذها بالزائد ونصيبه من الربح لم يكن للبائع خيار ، وكذا لو أسقط الزيادة عن المشتري انتهى ، وفيه نظر من وجوه والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا حط البائع بعض الثمن جاز للمشتري ان يخبر بالأصل لعدم الخيانة فيه إذا كان ذلك تفضلا منه. لا لدعوى عيب أو غبن أو نحوهما ، من غير فرق في ذلك بين كونه في زمن الخيار وعدمه للصدق في الاخبار على الحالين وقيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة وابن زهرة في ظاهر الغنية أو صريحها إذا كان الحط قبل لزوم العقد صحت الحطيطة وألحق بالثمن وأخبر بما بقي وان كان بعد لزومه كانت هبة مجددة وجاز الاخبار بأصل الثمن قيل وكأنه مبني على ان المبيع انما ينتقل بانقضاء مدة الخيار وفيه أنه لا مدخلية لذلك إذ الثمن ما وقع عليه العقد ولا اثر لوقت انتقال الملك بل الظاهر عدم الفرق في الإخبار بين رأس مالي أو اشتريت أو قام علي أو هو علي أو نحو‌

٣٢٠