جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أما التزويج والإحرام والصيام والحجامة والحياكة والاعتداد ومعرفة الغناء والنوح والقمار ونحوها ، وعدم معرفة الصنائع والطبخ والخبز ونحوها فليس عيبا ، ولو ظهر تحريم إلا أنه على المشتري بنسب أو رضاع أو مصاهرة ففي الدروس « في كونه عيبا نظر ؛ من نقص انتفاعه ، وعدم صدق الحد عليه مع بقاء القيمة السوقية ولو كانت الأمة مستحاضة قيل إنه عيب أيضا ، وقيل منه أيضا الحمق البين ، ونجاسة ما يحتاج تطهيره إلى مئونة أو كان منقصا للعين وكثرة السهو والنسيان ».

وبذلك كله وغيره يظهر لك الاحتياج إلى مراعاة العرف ، وصعوبة الاكتفاء بالخبر المزبور (١) اللهم إلا أن يقال لا بأس بالتعويل عليه وخروج بعض الأمور التي لا تنطبق عليه بالإجماع ونحوه ، واحتمال أن له موضوعا شرعيا ، أو مرادا كذلك وأنه لا عبرة بالعرف كما ترى ، هذا. وقد يقال : بعد ملاحظة اتفاقهم ظاهرا على جعل مضمون الخبر المزبور ضابطا للعيب وعدمه ، وملاحظة عدم اندراج جملة مما ذكروا فيه الخيار للعيب فيه ، وملاحظة جملة مما سمعته من كلماتهم المشوشة التي في بعضها ثبوت الخيار مع نفى المعيبية ، أن الضابط المزبور للعيب الذي يثبت به الخيار ، وإن لم ينقص به قيمة المال ، كالجب والخصاء وعدم الشعر على الركب ، وغير ذلك مما هو نقص في الخلقة أو بزيادة فيها ، بمعنى الخروج عن مستوي الخلقة بنقصان أو زيادة ، فإنه عيب يثبت به الرد وإن زادت قيمة المال.

وأما الزيادة التي يزداد بها حسنا كشعر الأهداب ونحوها ، فهي من الكمال في مستوي الخلقة لا الخروج عنها ، فلا يرد على الضابط المزبور ، أما غير ذلك من العيوب التي لا تندرج في الضابط المزبور نحو كون القرية ثقيلة الخراج ومنزل الجنود ، وكون العبد قاتلا أو سارقا أو نحو ذلك مما يوجب الحد والقصاص ، فمدار الخيار فيه على نقص المالية الموجب للتضرر ، ولعل إطلاق اسم العيب عليه باعتبار اللغة ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

٢٦١

بها لمطلق الوصمة ، أو لأنه عيب في المعاملة باعتبار اشتمالها على الضرر ، أو غير ذلك ، بل قد يناقش في ثبوت الأرش لجملة منها كما يفصح عنه حكمهم بثبوت الخيار في العبد الجاني ، وفي الدار المستأجرة لو بيعت من دون ذكر أرش ، وبذلك يتم الأمر ، ويظهر لك ما في جملة من الكلمات ، والله الهادي هذا كله فيما يعد عيبا.

وأما فوات ما لم يكن كذلك فقد عرفت في بحث الشرائط أن كل ما مشترطه المشتري على البائع مما يسوغ ، فأخل به أو لم يحصل يثبت به الخيار وإن لم يكن فواته عيبا ؛ كاشتراط الجعودة في الشعر والتأشير بالشين المعجمة في الأسنان ، والزجج في الحواجب والإسلام ؛ والبكارة ومعرفة الطبخ أو غيره ، وكونها ذات لبن ، أو كون الفهد صيودا ، ولو شرط غير المقصود ، وظهر الخلاف ولم يكن غرض يعتد به ، فلا خيار على الأقوى ، وليس منه شرط الكفر أو الثيوبة أو كون الدابة حائلا فبانت حاملا لتعلق الأغراض بذلك ، ولو شرطها حاملا صح ولو شرط الحلب كل يوم شيئا معلوما ، أو طحن الدابة قدرا معينا ، ففي القواعد لم يصح.

وكيف كان فالمراد من الخيار المزبور الرد والالتزام بلا أرش إذا لم يكن فواته عيبا كما عرفت البحث فيه فيما تقدم ، كما أنك عرفت كون المقصود من اشتراط هذه الصفات التي لا ترجع إلى فعل المشترط تعريض العقد للجواز إذا لم تحصل فلاحظ وتأمل جيدا كي يظهر لك جملة مما له تعلق بالمقام. والله أعلم.

( وها هنا مسائل‌ )

الأولى : التصرية تدليس إذ المراد بها جمع اللبن في الضرع أياما ليظن الجاهل بذلك أنها حلوب ، وفي المحكي عن نهاية الأثيرية المصراة : الناقة أو البقرة‌

٢٦٢

أو الشاة يصري اللبن في ضرعها أى يجمع ويحبس ، ثم قال : أيضا قد تكررت هذه اللفظة في الأحاديث منها‌ قوله عليه‌السلام (١) « لا تصروا الإبل والغنم » فان كان من الصر فهو بفتح التاء وضم الصاد وإن كان من الصري فيكون بضم التاء وفتح الصاد وروي أيضا (٢) من اشتري مصراة فهو بخير النظرين » والمصباح المنير « صريت الناقة ، فهي صرية من باب تعب إذا اجتمع لبنها في ضرعها ، ويتعدى بالحركة والتضعيف مبالغة وتكثيرا فيقال : صريتها تصرية إذا تركت حلبها » والصحاح « صريت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أياما ؛ والشاة مصراة فلم يذكر غير الشاة » والقاموس « ناقة صريا محفلة والصري : كربى المصراة والشاة المحفلة » انتهى وحفلت الشاة بالتثقيل ، تركت حلبها حتى اجتمع اللبن في ضرعها فهي محفلة ، وكان الأصل حفلت لبن الشاة ، لأنه هو المجموع فهو محفل هذا.

ولكن لم أجد هذه اللفظة في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص ، إلا‌ ما عن الصدوق في معاني الأخبار (٣) « عن محمد بن هارون الزنجاني عن على بن عبد العزيز عن ابى عبد الله عليه‌السلام رفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تصروا الإبل والغنم ، فإنه خداع ، ومن اشترى مصراة فإنه يتخير بأحد النظرين ، إن شاء ردها ورد معها صاعا » وقد قيل : الظاهر أن الصدوق نقل هذا الخبر من طريق الجمهور ، لعدم وجوده في كتب الأخبار ، بل وكذا ما عن هداية الحر لا تصروا الإبل والغنم من اشترى مصراة فهو بأخرى النظرين إن شاء ردها ورد معها صاعا تمرا وروي أيضا (٤) « من اشترى محفلة فليرد معها صاعا‌ بل لم أعثر في النصوص على‌

__________________

(١) النهاية الأثيرية ج ٣ ص ـ ٢٨٤ الطبعة الخيرية بمصر.

(٢) النهاية الأثيرية ج ٣ ص ـ ٢٨٤ الطبعة الخيرية بمصر.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ـ ٢ مع اختلاف يسير.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ـ ٣.

٢٦٣

ما يفيد معناها وإن لم يكن بهذا اللفظ ، سوى‌ حسن الحلبي (١) عن ابى عبد الله عليه‌السلام « في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، قال : إن كان في تلك الأيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد ؛ وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء » ولا دلالة فيه على أنها كانت مصراة ؛ وبذلك يظهر أن استناد بعض الأصحاب في بعض أحكام التصرية إلى إطلاق النصوص انما يراد به النصوص العامية (٢) المروية في كتب فروع الأصحاب التي قد سمعت بعضها ، وتسمع فيما يأتي الباقي.

لكن يهون الخطب أنه لا إشكال في كونه تدليسا محرما إجماعا محصلا ومحكيا في المسالك وو غيرها كما أنه لا إشكال في كونه في الشاة يثبت به الخيار بين الرد والإمساك بل الإجماع محصله ومحكيه مستفيصا جدا إن لم يكن متواترا عليه ، بل في محكي الخلاف. أن أخبار الفرقة عليه أيضا ، فذلك مضافا إلى خبر الضرار (٣) الذي هو مستند أصل الخيار في التدليس ، بعد اتفاق الأصحاب ظاهرا كاف فيه ، ولا أرش فيه كما صرح به بعضهم ، بل الإجماع إن لم يكن محصلا فهو محكي عليه ، مضافا إلى الأصل بعد ان لم يكن عيبا ، واندفاع الضرر بالخيار.

نعم لو كان المدلس عيبا اتجه الأرش فيه من حيث العيب ، كما أن المتجه حينئذ تعدد جهة الخيار كما هو واضح ، وأما أنه إذا رد الشاة يرد معها لبنها الموجود حال العقد فهو على مقتضى الضوابط لكونه بعض المبيع ، ولذا نفى الخلاف عنه في المحكي عن كشف الرموز ، بل فخر الإسلام الإجماع عليه ، لكن عن المبسوط « أنه إذا كان لبن التصرية باقيا لم يشرب منه شيئا ، فإن أراد رده مع الشاة لم يجبر البائع عليه ، وإن قلنا أنه يجبر عليه لأنه عين ماله كان قويا » بل في المختلف « عن ابن البراج الجزم بأنه لا يجبر على أخذه ، وأن له أخذ الصاع من التمر أو البر ، فإن تعذر فقيمته‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٥.

٢٦٤

وإن بلغت قيمة الشاة ، بل عن المهذب البارع أن فيه أقوالا ثلاثة ، الأول رده ، والثاني رده ورد صاع معه من حنطة أو تمر ، ونسبه إلى أبى على ، الثالث أنه يرد صاعا من بر ونسبه إلى القاضي في المهذب وإن كان فيه أن المحكي‌ عن أبى علي في المختلف (١) أنه قال : حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المصراة إذا أكرهها المشتري فردها بأن يرد معها عوضا عما حلب منها صاعا من حنطة أو تمر ، وقد سمعت ما حكاه فيه عن ابن البراج ، وتنزيل هذه على صورة التعذر لا يخلو من بعد ، ولعل مستندها إطلاق النصوص العامية ، وفيه ـ مع أنه لا تعرض فيها للبن الموجود حال العقد ، بل يمكن بناء إطلاقها على الغالب من تلفه ، وأن الصاع عوضا كما سمعته من مرسل أبى على (٢) ـ لا جابر لها بالنسبة إلى ذلك فالقول حينئذ برد الصاع عوضا عنه وإن كان موجودا أو رده معه ، كما ترى ، بل المتجه رد اللبن نفسه من دون شي‌ء لأصالة البراءة ، وليس للبائع حينئذ عدم قبوله والمطالبة بالصاع كما هو واضح.

أما لو تلف فقد قال المصنف : إنه يرد معها مثل لبنها ، أو قيمته مع التعذر وهو المشهور بين المتأخرين ، بل عن ظاهر مجمع البرهان الإجماع عليه ، لأن اللبن من المثلي فمع تلفه ووجوب رده يضمن بمثله ، كما في غيره ، ومع تعذر المثل ينتقل إلى القيمة ، لأنها أقرب حينئذ إلى العين ؛ وبالجملة فحكمه حكم المثليات ، فلا ينبغي إطالة الكلام في ذكر أحكامها هنا ، خلافا للإسكافي والشيخ والقاضي وأبى المكارم وابن سعيد على ما حكي عن بعضهم ، فيرد صاعا من تمر أو بر ، بل عن الخلاف أن عليه إجماع الفرقة وأخبارهم ، كما في الغنية الإجماع عليه أيضا.

وقيل كما عن الشيخ بل في التحرير أنه نسبه إلى جماعة ولم نجد واحدا منهم ، ولعله من العامة يرد ثلاثة أمداد من طعام إلا أنه لم نجد له شاهدا سوى حسن الحلبي (٣) المتقدم الذي قد عرفت عدم الدلالة فيه على التصرية ، مع أنه معارض بأدلة‌

__________________

(١) المختلف الجزء الثاني ص ١٩٤.

(٢) المختلف الجزء الثاني ص ١٩٤.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أبواب الخيار الحديث ـ ١.

٢٦٥

الطرفين كما أنه لم نجد لسابقه شاهدا بعد الإجماعين الموهونين ، بخلاف المتأخرين ، بل قيل والشيخ في النهاية سوى الجمع بين خبري أبي هريرة (١) وعبد الله بن عمر (٢) اللذين مع في إطلاقهما من المخالفة كما عرفت لا جابر لهما في المقام سوى الإجماع المزبور الذي قد عرفت حاله ، ويمكن حملهما على التراضي بكون ذلك قيمة له. هذا كله في اللبن الموجود حال العقد.

أما المتجدد فقد يظهر من المتن مساواة حكمه للموجود ، بل قيل إنه ظاهر المقنعة والنهاية والسرائر والتحرير والمفاتيح أو صريحهما وصريح اللمعة وإيضاح النافع ، بل عن الفخر نسبته إلى إطلاق الأصحاب كما عن الأردبيلي أنه ظاهر عبارات المتون ، وقد استشكل فيه جماعة ، لكن لم أجد ما يقتضي مخالفة قاعدة كون النماء للمالك التي قد عرفت عدم الكلام فيها في سائر مباحث الخيار وغيره ، سوى دعوى إطلاق الأخبار العامية التي ليس في شي‌ء منها تعرض للبن الموجود والمتجدد ودعوى أن الفسخ رافع للعقد من أصله المخالفة للقواعد أيضا ولما عليه الأصحاب في غير المقام أيضا.

فقد ظهر لك من ذلك أن المشهور أقوى فحينئذ ، إذا امتزج مع الموجود حال العقد ، اشتركا بالسوية إذا لم يعلم زيادة أحدهما على الآخر ، وإلا اصطلحا ولو تعيب اللبن المبيع عنده ، وجب رده مع الأرش كما في القواعد والدروس وجامع المقاصد والروضة والمسالك ، لكونه مضمونا عليه ، إذ هو جزء المبيع ، وربما احتمل رده مجانا والانتقال إلى البدل وهما معا ضعيفان.

نعم قد يتجه أولهما إذا كان لا من قبل المشتري ، باعتبار أن العيب في مدة الخيار مضمون على البائع إذا فرض بقاء خيار الحيوان في الشاة المصراة ، وأنه لا يسقط بالاختيار ، ومثله يجري في التلف الذي قد ذكرنا ضمانه بالمثل ومع التعذر بالقيمة. فينبغي تقييده بما إذا كان من قبل المشتري ، وإلا فلا ضمان عليه كغيره مما تلف في‌

__________________

(١) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣١٨.

(٢) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣١٩.

٢٦٦

زمن الخيار ، ولو اتخذ اللبن جبنا أو سمنا ففي الدروس « الظاهر أنه كالتالف » وفيه أن عين المال موجودة ، فالمتجه حينئذ ردها إليه ، وإن استحق المشتري عليه الأجرة.

لكن فيها أيضا إنه على تقدير الرد له ما زاد بالعمل ، ووافقه ثاني الشهيدين مصرحا بصيرورته معه شريكا بنسبة الزيادة ، ولعل ما ذكرناه أولى ، ضرورة احتياج ما ذكره إلى الدليل وليس ، بل لعل الدليل على خلافه قائم ، ولو تحفلت الشاة بنفسها لنسيان المالك حلبها أو غيره ففي القواعد وغيرها أنه لا خيار له ؛ ولعله لانتفاء التدليس ، والأصل اللزوم ، وقد يقوى ثبوته ، لأن ضرر المشتري لا يختلف ، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( تختبر المصراة للعلم بتصريتها ) التي لم يقربها البائع ولا قامت بها البينة بثلاثة أيام كما في القواعد والتذكرة واللمعة والإرشاد ، فإنها غالبا بها ينكشف حالها وأنها مصراة أو لا؟ بل أغلب أحوال عيوب الحيوان تنكشف فيها ، فضلا عن التصرية ، ولذا وضع الشارع إرفاقا بالمشتري ثلاثة أيام للخيار فيه ؛ ولعل إطلاق المصنف ومن عبر كعبارته ظاهر في عدم تحديد الاختيار فيها بحد مخصوص ؛ فربما كانت معرفتها مصراة ، متوقفة على النقصان عن الحلبة الاولى في تمام الثلاثة ، وربما كانت بأقل من ذلك ، كما أن معرفة عدم تصريتها تارة يحصل بمساواة حلبها في الثلاثة للأولى أو زيادته ، وأخرى بأقل من ذلك ، فالمراد أن الثلاثة حينئذ غالبا بها ينكشف الحال ، ويرتفع الإجمال ، وإلا فقد تعرف التصرية أو عدمها قبل الثلاثة. وإليه أومى الشهيد في المحكي عن غاية المراد قال : « إن التحديد بالثلاثة في النص لمصلحته ، لتجويز أن تحلب في اليومين حلبا متساويا ثم تنقص عنه في الثالث ، فإنه يثبت له الخيار » وقال في المسالك : « إن اتفقت الحلبات في الثلاثة ، أو كان ما عدا الأولى أزيد لم تكن مصراة ، وإلا بأن كانت ما عدا الأولى أقل فهي مصراة ، وكذا لو‌

٢٦٧

كان يعضها ناقصا والآخر زائدا » وقال في الدروس : « وتثبت باعتراف البائع ونقص حلبها في الثلاثة عن الحلب الأول ، فلو تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار ، ولو زادت بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار » فإنه مع تعليق الظرف الأخير فيه بزادت يكون ظاهرا في ثبوتها قبل انقضاء الثلاثة ، بل هو ظاهر ما تسمعه من عبارة المصنف والقواعد وغيرهما ، إذ حملهما على خصوص الإقرار أو البينة خلاف الظاهر.

بل لعله على ذلك يحمل ما في التذكرة قال : « وتختبر التصرية بثلاثة أيام ، ويمتد الخيار بامتدادها ، كما في الحيوانات للخبر ، لأن الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية ، فإنه لا يعرف ذلك قبل مضيها لجواز استناد كثرة اللبن إلى الأمكنة فإنها تتغير ، أو إلى اختلاف العلف ، فإذا مضت ثلاثة أيام ظهر ذلك ، فيثبت الخيار حينئذ على الفور ، ولا يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها ، لعدم العلم بالتصرية.

لكن في جامع المقاصد استظهر من نحو عبارة الكتاب اعتبار استمرار النقصان إلى الثالث بل جعله صريح التذكرة ، ثم قال : « وهل يعتبر نقصان اليوم وحده؟ أى عند العلامة في التذكرة تعليله بإمكان زيادة اللبن حيث زاد لاختلاف الأمكنة والمرعي يقضى بعدم اعتباره ، لأن ظاهر هذه أنه لا بد من التكرار ، ليوثق بكون النقصان لا لأمر عارض ، وقوله بعدم الثبوت قبلها لأنها هي المدة المضروبة ، وقد يقتضي الثبوت بالنقصان في اليوم الثالث ».

قلت : قد عرفت أن التحقيق عدم انضباط ذلك ، إلا أن الغالب انكشاف حالها في ضمن الثلاثة ، ومنه يعلم ما في جامع المقاصد من الميل إلى النقصان في الثلاثة مطلقا مثبت للتصرية ، مدعيا أن المفهوم من النص وإطلاق كلامهم أن نقصان اللبن في جزء من الثلاثة موجب للخيار ، إذ هو واضح المنع ، بل لا يبعد عدم انحصار معرفتها بالثلاثة ، إذ ربما عرض لها فيها ما يمتنع معه معرفة التصرية ، ولعل إطلاق كلام الأصحاب مبني على الغالب ، قال في التذكرة « لو عرفت التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها ، فالأقرب ثبوت‌

٢٦٨

الخيار ، لانه عيب سابق ، والتنصيص على الثلاثة لمكان الغالب ، بل قيل : إن ظاهر المقنعة والنهاية والسرائر والغنية والمفاتيح عدم اعتبار الثلاثة ، لعدم ذكرهم لها فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد قيل : إنه ـ بناء على عدم اشتراط استمرار النقصان ـ ينحصر معرفة التصرية بالاختبار ، إذ لا أثر للبينة والإقرار ما لم يتحقق النقصان ، لأنه هو الموجب للتخيير ، ضرورة سقوط الخيار لو رد اللبن بعد التصرية هبة من الله تعالى على وجه صار لها عادة مثلا ، وإذا تحقق النقصان لم يكن لهما أثر ، للاكتفاء به حينئذ عنهما في ثبوته.

أما على اشتراط الاستمرار ، فيمكن القول بثبوتها بهما إذا اقترن بنقصان ما ، وإن كان بدونهما لا بد من الاستمرار ، وفيه أنه يمكن القول بثبوتها بهما على الأول من غير حاجة إلى تحقق نقصان ، فيفسخ حينئذ بذلك ، بناء على أصالة عدم تغير حالها ، وان كان ينكشف عدم اثر الفسخ لو أنفق صيرورة ذلك عادة لها ، فإنه حينئذ مانع من صحة الفسخ ، لا أن النقصان شرط له ، وفرق واضح بين الأمرين ، على أنه يمكن المناقشة في الاكتفاء بنقصان ما ، بثبوتهما بعد ان كان ذلك غير مثبت لها بنفسه ، لاحتمال كونه من عارض العلف ونحوه ، فهو أعم منه ، وربما كان ما في التحرير مبنيا على ما ذكرنا قال : « لو علم بالتصرية قبل حلبها ، إما بالإقرار أو بالبينة ردها من غير شي‌ء » إذ لم يقيده باشتراط النقصان ، ونحوه ما تسمعه من عبارة التذكرة. فتأمل جيدا ، فإنه بذلك يظهر لك ما في كلام بعض الأساطين ، منهم الشهيد الثاني في المسالك ، وإن كان يمكن تنزيله بتكلف على ما ذكرنا. والأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في أمور بها ينكشف جملة من كلمات الأصحاب ، الأول أن المصراة التي أريد معرفة تصريتها بالاختبار يبقى فيها خيار الحيوان لكونها أحد أفراده ، أو أنه يسقط بالتصرف الذي هو اختبار التصرية ، قد يظهر من عبارة التذكرة السابقة الأول ، بل هو أيضا ظاهر التحرير ، قال « فيه مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوان ، ويثبت على الفور ولا يسقط بالتصرف ، ولا يثبت قبل انقضاء الثلاثة على إشكال » بل وكذا ما عن المبسوط والخلاف من أن مدة الخيار فيها ثلاثة أيام مثلها في سائر الحيوان ، مستدلا في الثاني‌

٢٦٩

منهما على ذلك بإجماع الفرقة على ثبوت الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط وهذا داخل في ذلك.

قال : وخبر أبي هريرة (١) وابن عمر (٢) صريح في ذلك مشيرا به إلى‌ ما رووه من قوله عليه‌السلام (٣) من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ؛ وصاعا من تمر وفي الآخر أو بر‌ بل قد يظهر منهما من الكتابين الأخيرين أنه لا خيار من حيث التصرية ، وإنما هو خيار الحيوان ، ـ وخصوصية التصرية حينئذ عدم سقوط خيار الحيوان باختبارها ، ولعله إليه أومى في الدروس بقوله « يتقيد الخيار بالثلاثة لمكان خيار الحيوان » صرح به الشيخ ومن هنا احتاج بعض متأخر الأصحاب إلى ذكر الفرق هنا بين خيار الحيوان والتصرية ، فقال إن خيارها بعد الثلاثة إذا كان ثبوتها بالاختبار بخلافه ، فإنها فيها وان ثبتت قبل ثلاثة بالإقرار مثلا وقلنا بفوريته كان هو الفارق حينئذ بينهما ، وإلا لم يتقيد بالثلاثة ، على أنه لا مانع من تعدد الأسباب ، وتظهر الثمرة حينئذ بالإسقاط ونحوه ، وهو جيد ، إذا احتمال عدم الخيار بالتصرية بعد ما سمعت من الإجماعات السابقة وأنه تدليس وغير ذلك مما دل على الخيار من هذه الحيثية كما ترى بل ينافيه إطلاق الاختبار ثلاثة ، ضرورة أنه لا يجامعها حيث لا تثبت بدونه ، والحكم بكونه يتخير في آخر جزء منها يوجب المجاز في الثلاثة ، بل قد يقال : بسقوط خيار الحيوان إن لم ينعقد إجماع علي خلافه ، وبقاؤه من حيث التصرية ، بناء على سقوطه بمثل هذا التصرف ، إذ استثناؤه من بين التصرفات لا دليل معتد به عليه ، خصوصا مع شرب اللبن الموجود حال العقد الذي هو بعض المبيع ، خلافا لجامع المقاصد حيث قال : « والذي ينبغي علمه هنا هو امتداد الخيار بامتداد الثلاثة ، لأنه خيار الحيوان كما صرح به الشيخ ، وتصرف الاختبار مستثنى دون غيره فمتى علم بالتصرية فشرط بقاء الخيار عدم التصرف ، فإذا انقضت الثلاثة فالخيار على الفور » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة‌

__________________

(١) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣١٨ و ٣١٩.

(٢) ) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣١٨ و ٣١٩.

(٣) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣١٨ و ٣١٩.

٢٧٠

بما مضى ويأتي.

نعم لا يسقط خيار التصرية باختبارها بشرب اللبن ، للإجماع وغيره ، لا مطلق الخيار ، ولذا لو كان فيها عيب واختبر تصريتها لم يكن له الرد بذلك العيب ، وكان له الأرش خاصة ، ومن هنا قال في الدروس « لو رضي بالتصرية فوجد بها عيبا قبل الحلب فله ردها ، عند الشيخ مع الصاع ، ولو حلبها غير مصراة ثم اطلع على العيب فله ردها عنده ، إن كان اللبن باقيا والا فلا ، لتلف بعض المبيع ، أما اللبن الحادث فله ، ولا يمنع حلبه من الرد ، ومنع الفاضل من الرد في الصورة الأخيرة ، لمكان التصرف ويحتمل المنع في الأول أيضا لأن الحلب إنما يغتفر في الرد بالتصرية وعلي كل حال فالمتجه حينئذ استقلال خيار التصرية عن خيار الحيوان.

الثاني ـ الظاهر عدم مدة مخصوصة لهذا الخيار للأصل السالم عن المعارض ، إلا الخبر العامي (١) السابق الذي لم يجمع شرائط الحجية بالنسبة إلى ذلك ، لكن في التذكرة لو عرف التصرية قبل الثلاثة أيام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود ثبت به الخيار إلى تمام الثلاثة لأنه كغيره من الحيوان ، أما لو أسقط خيار الحيوان فإن خيار التصرية لا يسقط ، وهل يمتد إلى الثلاثة أو يكون على الفور إشكال ، وللشافعية وجهان ، وفيه ما عرفت وإليه أومى في الدروس « فإنه قال بعد العبارة السابقة آنفا : وروى العامة الثلاثة ؛ لمكان التصرية ، ويظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان.

نعم يتجه في هذا الخيار البحث في أنه على الفور أو التراخي كغيره من الخيارات التي لم يظهر من الأدلة المخصوصة توسعته بالخصوص ، وقد قدمنا سابقا أن القول بالتراخي ما لم يؤد إلى الضرر على البائع ، لا يخلو من قوة ، وقد يظهر من عبارة التذكرة السابقة وغيرها التفصيل هنا بين ثبوته في ثلاثة الحيوان أو ثبوته بعدها ، ففي الأول يمتد إلى انتهائه ، وفي الثاني على الفور ، واليه أومى في الدروس بقوله « هذا الخيار على الفور‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣١٨.

٢٧١

إذا علم به ، والظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إن كانت ثابتة ، وإلا فمن حين العلم وكأنه بناه على أن منشأ الفور الاقتصار على المتيقن في مخالفة ما يقتضي لزوم العقد ، أما إذا كان جائزا كما في الفرض فلا مقتضى للفور ، وفيه أن التوسعة من جهة أخرى لا تقتضي التوسعة من غير تلك الجهة كما هو واضح ، فالمتجه حينئذ فوريته بناء عليها وإن كان في الثلاثة ، فان لم يفعل سقط ، وإن بقي الخيار من الجهة الأخرى وستسمع ما في القواعد.

الثالث : قد ظهر لك مما ذكرنا أنه تثبت الخيار متى تثبت التصرية ، ولا يتوقف على مضي الثلاثة ، وما في التحرير من أنه لا تثبت قبل انقضاء الثلاثة علي إشكال ، يمكن أن يكون مبنيا على إمكان ثبوت التصرية قبلها وعدمه ، لا أنه يشترط مضى الثلاثة ، وإن عرف التصرية ، ولذا صرح فيه قبل ذلك بأنه لو علم بالتصرية قبل الحلب بالإقرار أو البينة ردها من غير شي‌ء وقال في القواعد « ولو كان المشتري عالما بالتصرية فلا خيار ، ولو علم بها قبل الثلاثة تخير على الفور.

لكن في الدروس « لو علم المشتري بالتصرية فلا خيار بها ، ولو علم بها بعد العقد قبل الحلب تخير ، قاله الفاضل مع توقفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلبها » قلت لعل وجهه ما عرفت ، وقد تلخص من جميع ما ذكرناه ان خيار التصرية يستقل عن خيار الحيوان ، ولا مدة له ، بل هو على البحث في نظائره أنه على الفور أو التراخي ، من غير فرق بين الثلاثة وما بعده ، وأن الاختبار المذكور لا دليل شرعا عليه حتى يترتب الحكم على إطلاقه ، بل هو يبين على نحو غيره من الموضوعات العرفية ، فلا يتقيد بالثلاثة ، وخصوصا مع إرادة النقصان في جزء منها المحتمل كونه للمكان أو للمرعى أو غيرهما ، وبذلك مضافا إلى ما سمعته في مطاوي البحث ، يظهر لك النظر في جملة من كلمات الأصحاب كالشيخ والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فقد ظهر أن الخيار في التصرية مخالف لقاعدة السقوط بالتصرف‌

٢٧٢

المتلف لبعض المبيع وغير ذلك ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، ومن هنا قال المصنف وتثبت التصرية في الشاة قطعا وإجماعا بقسميه ونصوصا (١) منجبرة بالعمل وإن كانت عامية وأما في الناقة والبقرة فـ ( على تردد ) لما عرفت من الاقتصار على المتيقن حيث لا نص من طرقنا يشملها ، إلا أن المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا إلحاقهما بها ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه ، بل قيل أن الإجماع يلوح أيضا من السرائر والتذكرة ، بل قد سمعت ما يدل عليه في الإبل من النصوص العامية (٢) المتجه بعدم القول بالفصل بينها وبين البقر ، مضافا إلى دعوى المساواة لها في العلة الموجبة للخيار ، وهي كون اللبن مقصودا مع التدليس ، وإلى التعليل في الخبر بأنه خداع (٣) والى خبر الضرار (٤) إلا أن الانصاف إن لم يتم الإجماع ، عدم خلو الإلحاق بعد ، بحيث يثبت لهما ما سمعته من أحكام التصرية من إشكال ، لعدم اقتضاء جملة مما ذكرنا ذلك نعم ينبغي الجزم به من حيث التدليس إذا كان اللبن هو المقصود ، أو بعضه بل ومع الإطلاق ، لأن لبنهما مما يقصد.

ولو صرى أمة لم يثبت الخيار مع إطلاق العقد لعدم النص مضافا إلى شهرة الأصحاب ، بل عن كشف الرموز وظاهر السرائر والتذكرة وغيرهما الإجماع على عدم ثبوت التصرية في غير الثلاثة.

نعم له الخيار مع الشرط كما في المسالك لكن قال « إن لم يتصرف ولو بالحلب وإلا فالأرش » وفيه انه لا أرش للشرط إذا لم يكن فقده عيبا ، كما أن الخيار لفقد الشرط لا يسقط بالتصرف ، كما هو ظاهر المتن هنا ، على ما اعترف به في المسالك ، كما أن‌

__________________

(١) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣١٨.

(٢) سنن بيهقى ج ٥ ص ٣٢١.

(٣) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٤.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ و ٥.

٢٧٣

القول بثبوت الخيار فيها للتدليس حيث يكون المقصود لبنها متجه وإن لم يثبت لها أحكام التصرية ، وإليه يرجع ما عن تعليق الإرشاد ، من أنه ان أريد بثبوت الخيار فيها لو ثبت تصريتها فهو متجه ، وان أريد ثبوت الخيار مع التصرف وكون الثلاثة محلا لثبوته بنقصان اللبن فيها فهو خلاف الأصل ، ولم يثبت بنص ولا إجماع ، بل وما في الدروس قال « ومن التدليس التصرية في الشاة والناقة والبقرة على الأصح ، ونقل فيه الشيخ الإجماع ، وطرد ابن الجنيد الحكم في الحيوان الآدمي وغيره » وليس بذلك البعيد ، للتدليس إذ الظاهر إرادة ثبوت الخيار بذلك ، لا ثبوت الأحكام التصرية ومن هنا قال بعد ذلك : « لو قلنا بقول ابن الجنيد في تصرية الآدمية ، والأتان وفقد اللبن لم يجب البر والتمر ولو أوجبناه في الشاة والبقرة لعدم النص ، وعدم الانتفاع به فيما ينتفع بلبن المنصوص ، فمراده ثبوت حكم التدليس على الظاهر ، وإلا كان محلا للنظر ؛ بل لا يبعد إلحاق حبس ماء القناة والرحى وإرساله عند البيع والإجارة حتى تخيل المشتري كثرته بالتصرية من حيث الخيار ، كما صرح به في الدروس ومحكي التذكرة ضرورة كونه تدليسا موجبا له كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده ، وإرسال الزنبور في وجهها فيظنها للمشترى أنها سمينة وكذا البحث فيما لو صرى البائع أتانا بفتح الهمزة أى حماره لاشتراكها مع الأمة في جميع ما ذكرناه حتى في الإجماع المحكي على نفى التصرية فيها.

ولو زالت تصرية الشاة الثابتة بالإقرار أو البينة أو بالاختبار بناء على ما قد مناه من إمكان ثبوته وصار ذلك عادة قبل انقضاء ثلاثة أيام هبة من الله تعالى بحيث علم صيرورة ذلك عادة لها سقط الخيار لانتفاء الضرر الذي أوجبه ، وإطلاق الخيار بها في النصوص العامية منزل على الغالب ، فالقول به حينئذ ضعيف جدا إذ هو حينئذ من قبيل بعض العيوب السريعة الزوال.

٢٧٤

وأما لو زالت بعد ذلك أي الثلاثة لم يسقط الخيار لحصول موجبه فيستصحب ، والمراد ببقائه حينئذ بناء على فوريته استمرار صحة الفسخ ، وإن تحقق الزوال بعد ذلك ، بمعنى أن الزيادة المتجددة لا تكون كاشفة عن بطلانه ، ولا مبطلة له ، إذ المراد بالنسبة إلى خصوص جاهل الفورية ، والخيار بناء على عدم سقوطه معه هذا ، وقد أشكل على بعضهم إطلاق العبارة وما ماثلها زوال التصرية قبل ثلثة ، بناء على عدم معرفتها إلا بمضي الثلاثة ، فحمل العبارة على خصوص معرفتها بالإقرار والبينة ، فإنه يتصور حينئذ فيها ثبوت التصرية وزوالها ، وإن قلنا بتوقف الثبوت بهما ، أي الإقرار والبينة على نقصان ما إذ يكفي حينئذ نقصان الحلبة الأولى ، لكن بناء على الفورية فيه حتى في الثلاثة يجب إرادة عدم استمرار صحته من السقوط في المتن ، بمعنى أنه ينكشف بذلك عدم الخيار ، أو أنه يبطل به ، أو أن المراد علم بهما بعد زوالها ، فإنه يسقط حينئذ كما يسقط الخيار بالعيب القديم ، إذا علم به بعد زواله ، وكذا لو لم تعلم الأمة بالعتق حتى عتق زوجها.

لكن لا يخفى عليك ما في حمل العبارة على ذلك من الخفاء ، بل حملها على ما ذكرنا من أنه يمكن ثبوت التصرية وزوالها في الثلاثة بالاختبار أيضا أولى ، إلا أنه قد يشكل بأنه لا دليل حينئذ على سقوط الخيار ، الثابت سببه بمجرد الزوال في الثلاثة بخلاف ما بعد وإن قل ، ويمكن حمل العبارة علي إرادة زوال التصرية بأن صار ذلك عادة لها أى صريت فلم تنقص أبدا ، ويكون المراد حينئذ بسقوط الخيار عدم ثبوته من أصله ، وكيف كان فالأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحكم مما ذكرناه سابقا على كل تقدير.

ولو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة ففي القواعد وعن غيرها فلا شي‌ء له لامتناع الرد بالموت والأرش بعدم العيب ، وقد يشكل بإمكان الفسخ ودفع القيمة خصوصا بعد ما ذكره هو من بقاء الخيار فالمبيع الذي كذب في الإخبار عن رأس ماله ،

٢٧٥

إذ لا فرق بين المقامين على الظاهر ، وقد تقدم في الأبحاث السابقة في الخيار ما يؤكد ذلك فلاحظ وتأمل فإنه قد تقدم لنا في خيار الغبن ما يقتضي أن الأصل اعتبار وجود العين في الخيار ، إلا ما خرج ، ولعله لظهور التخيير بين الرد والإمساك في ذلك.

لكن قد يقال هنا أن الخيار إنما هو في العقد ورد العين ، إنما هو من توابعه ، وحكمها في كل مقام يراد منه الرد ، الانتقال للمثل أو القيمة ، وأولى من ذلك ما لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس ، لكنه قال في القواعد : « إنه لا شي‌ء له أيضا ». وعلله في جامع المقاصد بالاقتصار على موضوع الوفاق ، وبأن هذا العيب من ضمان المشتري ، بل قال : « إن التقييد بقبلية علمه غير ظاهر ، لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك ، إلا أن يقال إنه غير مضمون عليه ، الآن لثبوت خياره » قلت : التعليلان الأولان معا كما ترى ، إذ لا دليل على أن حدوث العيب مانع من الرد في غير المعيب.

نعم ما ذكره من التعليل أخيرا جيد وإن كان هو غير موافق لما أسلفناه سابقا ، لكن منه ينقدح أن عدم سقوط خيار التصرية بالاختبار لتقدمه على حصول سببه ، فلا ينافي حينئذ ما دل على سقوط الخيار بالتصرف ، ضرورة ظهوره فيما كان منه بعد ثبوت الخيار ، خصوصا إذا قلنا بذلك لدلالته على الرضا ، بل قد ينقدح من ذلك أن أحكام التصرية على القاعدة ، وأنها فرد من خيار التدليس والله أعلم.

المسألة الثانية : الثيبوبة ليست عيبا في الإماء كما هو صريح جماعة ، ومقتضى نفى الخيار به وحصر العيوب في غيره من آخرين ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن كشف الرموز لا خلاف ، بين الأصحاب في أن الثيبوبة ليست عيبا يوجب الرد ، وإنما اختلفت عباراتهم في اشتراط البكارة ، وفي التحرير لا نعلم خلافا في أن الثيبوبة ليست عيبا ؛ وعن إيضاح النافع أن عليه الفتوى ، لأن البكارة صفة كمال بالنسبة الى غير العاجز وليست عيبا ، ونسبه أيضا إلى الأصحاب ، وفي المسالك أطلق الأصحاب ، والأكثر من غيرهم أن الثيبوبة ليست عيبا ولعله لأصالة اللزوم بعد غلبة ذلك فيهن ، وصيرورته‌

٢٧٦

بمنزلة الخلقة الأصلية ، وإن كانت عارضة إذ قل ما يوجد فيهن الأبكار ، فلا اغترار بأصالة السلامة التي هي بمعنى الغلبة ، بل قد عرفت أن خبر محمد بن مسلم (١) المشتمل على تعريف العيب مداره الزيادة والنقيصة على أصل خلقة أغلب ذلك النوع ، لا أقل من الشك ، مع انه لا جابر له في خصوص المقام ، مضافا إلى‌ خبر سماعة (٢) « سألته عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك ، قال : لا ترد عليه ، ولا يجب عليه ، شي‌ء إنه قد يكون تذهب في حال مرض أوامر يصيبها » المنجبر بما سمعت.

لكن قد يقال : بمنع عدم صدق العيب عرفا بعد إن كانت البكارة مقتضى الطبيعة والخلقة الأصلية ، في جميع النوع ، وغلبة العروض في خصوص المجلوب منها لا ينافي ذلك ، كما أن خبر سماعة ـ مع أنه ظاهر في الشرط الذي ستسمع شهرة الأصحاب إن لم يكن إجماعهم على ثبوت الخيار له ؛ ولذا حملوه على الجهل بكونها عند البائع ؛ لغلبة زوالها بالعوارض ، بل ربما كان التعليل فيه ألصق بهذا من غيره ، ومعارض لخبر يونس (٣) ومحتمل لكون عدم الرد للتصرف فيكون المنفي فيه عدم شي‌ء مخصوص من العشر ونحوه ، لا الأرش ـ لا دلالة فيه على عدم العيب ، ضرورة إمكان كون عدم الرد به للغلبة التي تصيره كالعيب الذي أقدم عليه المشتري أو تبرأ منه البائع ؛ وأنه بها يرتفع الاغترار بأصل السلامة ؛ ولا ينزل إطلاق العقد على السالم فيبقى حينئذ أصل اللزوم بحاله.

ويمكن تنزيل كلام الأصحاب على ذلك ، بإرادة نفى العيب الموجب للرد والأرش ، كما سمعته من معقد نفى خلاف كشف الرموز ، ويؤيده ما تسمعه من أن المشهور ثبوت الأرش مع الشرط ، ولو لا أنه عيب ، لم يتجه ذلك ، بناء على ما عرفت من عدم توزيع الثمن على الشرائط ، واحتمال أنه لخبر يونس الاتى (٤) لا لأنه عيب كما ترى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١ ـ.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

٢٧٧

ومنه حينئذ ينقدح دلالة خبر يونس الاتى على المطلوب ، كما أنه ينقدح مما ذكرنا كون المدار حينئذ في عدم ترتب حكم العيب عليه الغلبة المزبورة ، فمع فرض انتفائها كما في الصغيرة والإماء المستولدة في بلاد الإسلام ونحو ذلك ، يتجه حينئذ ترتب حكم العيب عليه بل المتجه بناء على ما ذكرنا أيضا لزوم البيع لو عرض الثيبوبة عند المشتري بغير تصرف منه ، لأنه من حدوث العيب المانع من الرد المعين ، للأرش إلى غير ذلك.

بل قد يظهر لك مما عن مهذب القاضي كونه عيبا مطلقا ، قال : « إذا لم يشترط الثيبوبة ولا البكارة فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار ، وكان له الأرش إذا الأرش لا يكون إلا للعيب » ولعل عدم الخيار حينئذ لتصرفه بها ، إذا الغالب معرفة ذلك بالوطي فيكون حينئذ عنده عيبا ، ومال إليه المقداد مطلقا ، واحتمله الشهيدان ، بل مال إليه ثانيهما وبعض من تأخر عنه في الصغيرة ، والتحقيق ما عرفت من أن المدار على الغلبة المزبورة.

نعم لو شرط البكارة فكانت ثيبا كان له الرد مطلقا ان ثبت أنها كانت ثيبا عند البائع كما هو مقتضى تخلف كل شرط ، مضافا إلى ما عرفت من أنه عيب عندنا ، إلا أنه منع من ترتب مقتضاه حال عدم الشرط ، الغلبة المزبورة ، أما معه فيترتب عليه حكمه مع أنه لا أجد خلافا بين الأصحاب في الخيار مع الشرط ، إلا ما يحكى عن النهاية من اشترى جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ، ولا الرجوع على البائع بشي‌ء من الأرش ، لأن ذلك قد يذهب من العلة والتروه ونحوه عن الكامل ويمكن إرادتهما غير صورة الشرط على معنى شرائها بتخيل البكارة ، وأظهر من ذلك إرادتهما ما لو جهل بكونها عند البائع ، كما يومي إليه التعليل.

والخلاف إذا اشترى جارية على أنها بكر فكانت ثيبا ، روى أصحابنا أنه ليس له الرد وهو مع أنه غير مخالف ، يمكن ارادته غير صورة الشرط ، وأنه تصرف فيها ، والمبسوط إن شرط أن تكون بكرا فخرجت ثيبا روى أصحابنا أن ليس له الخيار وله الأرش ، ونحوه‌

٢٧٨

عن مهذب القاضي والاستبصار بل قيل : أنه اختاره ابن إدريس أولا ثم عدل عنه ، وقد يريدون حال التصرف.

والتذكرة قال : أصحابنا إذا اشتراها على أنها بكر فكانت ثيبا لم يكن له الرد ، لما رواه سماعة (١) وساق الخبر المتقدم ، وقد يحتمل أيضا ما عرفت.

وعلى كل حال فلا إشكال في ثبوت الخيار بل لا إشكال في أن له الأرش إذا اختار الإمساك كما نسبه في الدروس والمسالك إلى المشهور ، بل لعل عدم ذكره في المتن ونحوه لا لعدم ثبوته ، بل لأنه في معرض ثبوت أصل الخيار.

ولا يشكل بأن الثمن لا يوزع على الشرائط ، لما عرفت من أن الأرش من حيث كونه عيبا لا من حيث أنه شرط ، مضافا إلى‌ خبر يونس (٢) « في رحل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال : يرد عليه فضل القيمة ، إذا علم أنه صادق » بناء على حمله على صورة الشرط وعلم سبق ذلك قبل البيع بالبينة ، أو الإقرار أو قرب زمان الاختبار لزمن البيع ، أو كونه بعده في زمن ضمان البائع ، ضرورة ، أنه لا أرش لو علم تأخره عن زمان ضمان البائع ، بل إن جهل ذلك لم يكن له الرد لأن ذلك قد تذهب بالخطوة ونحوها ، فيحتمل كونه في زمن ضمان المشتري ، لا لأصالة تأخر الحادث لما تقرر فيها من الإشكال حتى بالنسبة إلى معلوم التاريخ ، بل لأصالة لزوم العقد وبراءة ذمة البائع ، بعد التسليم الظاهر في أنه تمام الحق ، كما هو واضح.

ولو شرط كونها ثيبا فبانت بكرا كان له الخيار بين الرد والإمساك مجانا على الأقوى ، وفاقا لجماعة عملا بقاعدة الشرط ، ضرورة كون ذلك منه ، إذ قد يتعلق له غرض به لعجزه عن افتضاض البكر ، أو غيره خلافا لما عن المبسوط والتحرير ، فلا خيار ، لكون الضد صفة كمال ؛ وفيه ما عرفت نعم لا أرش من هذه الجهة والله أعلم.

المسألة الثالثة لا خلاف ولا إشكال في أن الإباق الحادث عند المشتري‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

٢٧٩

الذي لم يكن مضمونا على البائع لا يرد به العبد ولا يستحق به أرش كما في سائر العيوب الحادثة كذلك من غير فرق بين الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ؛ للأصل وقول أبى جعفر عليه‌السلام في مرسل ابن أبي حمزة (١) « ليس في الإباق عهدة » وقال‌ في خبر محمد بن قيس (٢) « إنه ليس في إباق العبد عهدة إلا أن يشترط المبتاع » أما لو أبق عند البائع كان للمشترى رده وإن لم يكن أبق عنده ، بلا خلاف أجده كما اعترف به في التحرير قال : « الإباق عيب لا نعلم فيه خلافا في الأمة والعبد ، والصغير والكبير » ، بل عن المبسوط الإجماع على أن بالخيار ، ومقتضاه أنه عيب ، بل لعل العرف كذلك أيضا ضرورة كونه بحكم التالف بل هو أبلغ من السرقة لغيره ، لأنه سرقة لنفسه ، بل لعل خبر محمد بن مسلم (٣) شامل له ، بناء على إرادة ما يشمل نقص الصفات الغالبة في النوع منه ؛ وفي خبر أبى همام (٤) « أن محمد بن على قال للرضا عليه‌السلام : الإباق من أحداث السنة؟ فقال : ليس الإباق من هذا إلا أن يقيم البينة أنه كان أبق عنده ».

وقد يظهر منه كالمتن وغيره ، بل هو صريح التذكرة وجامع المقاصد الاكتفاء بالمرة الواحدة عند البائع ، لأن الإقدام ولو مرة يوجب الجرية عليه ، ويصير للشيطان عليه سبيل ، ولتحقق صدق العيب بها عرفا ؛ خلافا لما عن بعض الأصحاب من اشتراط الاعتياد ، وإن قال بعض مشايخنا إنا لم نتحققه ، وربما لاح مما عن المبسوط واختاره ثاني الشهيدين وقال : أقل ما يتحقق بمرتين.

وعلى كل حال ففيه بحث وإن كان يشهد له أصالة اللزوم ولو للشك في كونه عيبا بها.

نعم ينبغي تقييد الرد به بالمرة الواحدة ، بما إذا لم يظهر بعدها التوبة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٢ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٢.

٢٨٠