جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نعم يتجه جبره بالأرش لو أراد رده لنفى الضرر ، ولعله لذا قال في الغنية : « فان لم يعلم بالعيب حتى حدث فيه عيب آخر كان له أرش العيب المتقدم دون الحادث إن اختار ذلك ، وإن اختار الرد كان له ذلك ما لم يحدث هو فيه حدثا » وظاهره عدم سقوط الرد بذلك وهو جيد على الوجه الذي قلنا ان لم يثبت إجماع على خلافه أو يدعى دلالة مرسل جميل (١) المشتمل على اشتراط الرد بقيام الثوب بعينه ، وأنه متى قطع أو خيط أو صبغ تعين الأرش أو يدعى أن مفهوم الرد لا يتحقق إلا مع عدم تعيب العين ، والجبر بالأرش لا يصيره ردا حقيقة مضافا إلى أصالة لزوم العقد التي يجب الاقتصار في خلافها على المتيقن وهو غير الفرض.

نعم يمكن القول ببقاء الرد بالعيب السابق إذا كان العيب الحادث من البائع ، وإن كان قد يشمله المتن ونحوه ، بل ومن وصف العيب بكونه غير مضمون على البائع ؛ ضرورة كون المراد إخراج صورة الخيار ونحوها مما كان العيب فيه مضمونا عليه ، لا مثل الفرض الذي كان الضمان فيه عليه نحو ضمان الأجنبي لو كان جانيا ، إلا أن المتيقن من إطلاقها وإطلاق معاقد الإجماعات السابقة غير ذلك ، فيبقى على أصالة الرد هذا وفي القواعد لو كان العبد كاتبا أو صائغا فنسيه عند المشتري لم يكن له الرد بالسابق ولعله لأن نسيان الصنعة عيب ، أو أنه مغير للعين تغييرا يمنع من ردها ، ومثله نسيان الدابة الطحن والله أعلم.

وكيف كان فـ ( لو كان العيب الحادث قبل القبض لم يمنع الرد ) بالعيب السابق قطعا ، بل يمكن تحصيل الإجماع فضلا عن محكيه ؛ لكونه مضمونا على البائع ، ولذا كان للمشترى الرد به ، فضلا عن العيب السابق بلا خلاف ، بل حكى الإجماع عليه غير واحد.

نعم اختلفوا في ثبوت الأرش به ، وقد تردد المصنف فيه سابقا ، وذكرنا التحقيق فيه فيما تقدم فلاحظ ، إنما البحث الآن في العيب السابق ولا إشكال في ثبوت الرد والأرش‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب الخيار الحديث ـ ٣.

٢٤١

به معه ، كما عرفت ، ومثله حدوث العيب من غير جهة المشتري في الثلاثة لو كان المبيع حيوانا ، لأنه أيضا مضمون على البائع ، فلا يمنع حكم العيب السابق ، وكذا كل خيار مختص بالمشتري ، بناء على إلحاقه في ثلاثة الحيوان في الضمان لما يحدث فيه ، كما تقدم تحقيق الحال فيه ، والظاهر تعدد سبب استحقاق الرد حينئذ ، وتظهر الثمرة في أمور ، فما عن المصنف ـ من أن له الرد بأصل الخيار ، لا بالعيب الحادث ، وابن نما بالعكس ـ في غير محله ، بل مقتضى الجمع بين الدليلين الحكم بالسببين كما هو واضح ، على أنه لم نتحقق هذه الحكاية عنهما في المقام.

نعم ستسمع كلامهما في حدوث العيب في ثلاثة الحيوان وتحقيق الحال فيه ، وهو غير المقام ، اللهم إلا أن يراد جريان نظيره هنا ، لكنه لا يتم في المحكي عن ابن نما هناك من إيجاب الرد والأرش ، لكن يمكن البحث في المسألة لنفسها ، بفرضها في العيب المتجدد قبل القبض مثلا ، وكان معيبا سابقا ، فهل يتعدد سبب الخيار في الرد بهما لكونهما سببين ، أو يخص بالأول ، لأنه المؤثر ، ولا أثر للثاني لكونه تحصيل الحاصل لأن جنس العيب اتحد أو تعدد هو السبب ، أو يخص بالثاني باعتبار انقطاع حكم الرد بحدوث العيب ، وإن كان مضمونا على البائع لإطلاق دليله ، ويبقى حكم الرد للثاني ، إلا أنه لا يخفى عليك ضعف الأخير ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه كما عرفت.

وأما الثاني فله وجه لو كان دليل الخيار به مستفادا من دليل الخيار بالأول ، ضرورة كونه حينئذ كتعدد القديم في ظهور عدم تعدد الخيار به ، على وجه يصح إسقاطه من جهة واحد دون الآخر ؛ لكون المجموع بعد وجدانها دفعة أو تدريجا سبب واحد.

نعم قد يقال : لو وجد أحدهما ثم رضي به ثم وجد آخر كان له الرد به ؛ لظهور الأدلة في سببية الثاني حينئذ ، ضرورة كونه كما رضي بالعيب قبل العقد فوجد غيره ؛ لكن‌

٢٤٢

من المعلوم عدم ظهور هذه الأدلة في المتجدد ، بل هي كالصريحة في السابق ، وحينئذ يكون السابق صنفا ، والمتجدد آخر فيعمل كل مقتضاه ، وسقوط الرد من أحدهما لا يقتضي سقوطه من آخر ، فتأمل جيدا فإن المسألة محتاجة بعد إلى تنقيح.

فقد تلخص لك من ذلك ما يسقط الرد والأرش ، والأول خاصة ، لكن كان عليه ذكر الانعتاق قهرا من القسم الثاني ، كما لو اشترى أباه ثم وجد به عيبا فإنه يتعين الأرش هنا لعدم التمكن من الرد اللهم إلا أن يتكلف إدراجه في التصرف أو غيره أو يقال بثبوت الرد فيه ، لكن بدفع القيمة عوضا عنه لمعلومية بدليتها ، وإن كان قد يدفع الأخير ما ستعرفه من أن التلف هنا مسقط للرد بالعيب ، ويبقى الأرش ، فالانعتاق قهرا منزل منزلته ، والأمر سهل.

وقد يسقط الأرش ويبقى الرد فيما لو اقتصر على إسقاطه دون الرد ، وفيما لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح أو ساوتها ، كما لو ظهر العبد خصيا ، فإن المشتري يتخير بين الرد والإمساك مجانا ، لعدم الاطلاع على قدر نقص القيمة الذي هو المدار في نقص المالية ، بل أصالة براءة الذمة كافية في نفيه ، بعد ظهور أدلة ثبوته أو صراحتها في غيره من العيوب التي تنقص القيمة ، ولا يجرى مثله في الرد بعد فرض كونه عيبا بلا خلاف أجده فيه.

بل ظاهر التذكرة وجامع المقاصد الإجماع على ثبوت الخيار به ، بل هو مقتضى ما رواه ابن مسلم (١) لابن أبى ليلى في الشعر على الركب ، فالرد به حينئذ لا إشكال فيه ، وإن احتمل بعض متأخري المتأخرين عدمه ، كالأرش للأصل ، وظهور نصوص الرد (٢) في العيب المنقص للقيمة لا ما زاد فيها ، لكن فيه منع واضح بعد ما عرفت ، بل قد يظهر من إطلاق الفتاوى كون العيب ما زاد عن الخلقة أو نقص ، وأن فيه الرد والأرش ثبوته فيه ، ولذا استشكل فيه غير واحد من المحققين ، ولعل طريق تأريشه حينئذ إلغاء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب أحكام الغيوب الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١ ـ ٨ من أبواب أحكام العيوب.

٢٤٣

ما يترتب على الخصاء من المنفعة التي هي بالنسبة إلى بعض أفراد الناس.

كالحكام والسلاطين ، ثم تقويمه فحلا صالحا للنسل ، ولما يقدر عليه الفحول من الأشغال ، ولا ريب في حصول النقص حينئذ وإن كان قد يناقش بأن ذلك إضرارا على البائع خصوصا إذا كان حيوانا يراد منه كثرة لحمه وشحمه ، وحرمة الفعل في الآدمي بل وفي غيره كما عن نهاية الاحكام ؛ نسبته إلى علمائنا ، لا تنافي زيادة المال من جهته ، وربما لا يكون البائع فاعلا له ، بل قيل أن المصرح بجوازه في غير الآدمي كثيرون ، خلافا للقاضي والتقى خاصة فلم يجوزاه.

وكيف كان فالأرش محل نظر ، سيما في شعر الركب ونحوه مما لا طريق الى الفرض المزبور فيه. نعم يمكن القول بعدم سقوط الرد هنا بالتصرف قبل العلم فيه ، وبحدوث عيب لا من جهته للضرر معه ، ومن هنا قال في الدروس : « لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح كما في الخصي احتمل سقوط الأرش ، وبقاء الرد لا غير ؛ وقد يشكل مع حصول مانع من الرد كحدوث عيب أو تصرف ، فإن الصبر على العيب ضرار ، والرد ضرار » ونحوه في المسالك « وزاد ويمكن ترجيح البقاء اعتبارا بالمالية وهي باقية » قلت لا طريق بعد عدم السبيل إلى التاريش لعدم معرفته ، إلا القول بعدم سقوطهما الرد هنا ، بعد جبر العيب الحادث بالأرش من المشتري أو لا التزام كما هو واضح.

ومما يسقط فيه الأرش ، خاصة ما لو اشترى ربويا بجنسه وظهر عيب فله الرد دون الأرش حذرا من الربا ، ومع التصرف أو حدوث عيب ، فيه البحث المذكور ، وقال في الدروس هنا : « لو اشترى ربويا بجنسه وظهر فيه عيب من الجنس ، فله الرد لا الأرش حذرا من الربا ، ومع التصرف فيه الإشكال ، ولو حدث عنده عيب آخر احتمل رده ، وضمان الأرش كالمقبوض بالسوم ، واحتمل الفسخ من المشتري ، أو من الحاكم ويرتجع الثمن ، ويغرم قيمة ما عنده بالعيب القديم ، كالتالف من غير الجنس ، والأول أقوى ، لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل » وهو جيد جدا ، إلا أن الأول يجري في‌

٢٤٤

التصرف ـ وفي الخصي أيضا لا في خصوص حدوث العيب في الربوي كما هو واضح.

واعتبر في المغرم من القيمة كونه من غير الجنس حذرا من الربا ، وقد سبقه في ذكر الاحتمالين ، الفاضل في القواعد « ولو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا ، فوجد المشتري عيبا قديما ، وتجدد عنده آخر لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ، ولا مع الأرش ، ولا يجب الصبر على العيب مجانا ، فالطريق الفسخ وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس ، معيبا بالقديم سليما عن الجديد ، ويحتمل الفسخ مع رضا البائع ، ويرد المشتري العين وأرشها ولا ربا ، فإن الحلي في مقابلة الثمن ، والأرش للعيب المضمون كالمأخوذ للسوم ».

لكن فيه أن الفسخ لا يتقيد برضا البائع ، وإنما المشترط به رد العين مع الأرش ، لإمكان عدم وجوب قبول ذلك عليه ، كما نص عليه بعضهم. نعم قد يقوى الوجوب بعد الفسخ لعود المال إليه ، والعيب يجبر بالأرش الذي قد سمعت عدم الربا بعد الفسخ ، وأنه كأرش عيب المقبوض بالسوم إذا كان ربويا ، ضرورة أن الربا في المعاوضات لا الغرامات.

وقد ينقدح من ذلك وجه آخر حكاه في التذكرة عن بعض الشافعية ، ونفى عنه البأس ، بل عن جامع الشرائع حكايته عن بعض أصحابنا ، وهو رجوع المشتري بأرش العيب ولا ربا ؛ لأن المماثلة في ماله إنما تعتبر في ابتداء العقد ، وقد حصلت ، والأرش حق ثبت بعد ذلك ، ودعوى أن الأرش لفوات مقابلة من المبيع واضحة المنع ، ضرورة اقتضائها انفساخ العقد بالنسبة إلى ذلك ، وأنه يستحق خصوص الثمن ، وأن نماؤه له ، إلى غير ذلك مما لا يمكن التزامه ، بل لا بأس حينئذ بأخذ الأرش من الجنس ، ولا يشترط كونه من غير الجنس فتأمل جيدا والله أعلم.

وو كيف كان فـ ( إذا أراد بيع المعيب ؛ فالأولى ) والأفضل إعلام المشتري بالعيب أو التبري من العيوب مفصلة من غير فرق بين الخفي منه والظاهر ،

٢٤٥

لأصالة براءة الذمة من وجوب الإخبار بعد انجبار الضرر بالخيار ، لكن قيده جماعة من المتأخرين بالظاهر الذي يمكن للمشتري الاطلاع عليه من دون إعلام البائع.

أما الخفي فيجب الإخبار به ، وإلا كان غشا وتدليسا ، بل ينبغي بطلان البيع في نحو شوب اللبن بالماء ، لأن المبيع المقصود غير معلوم القدر للمشتري ، وعليه نزل ما عن الخلاف « من باع شيئا وبه عيب لم يبينه فقد فعل محظورا وكان للمشتري الخيار » والمبسوط وفقه القرآن للراوندي « وجب أن يبين للمشتري عيبه ، أو يتبرأ اليه من العيوب ، والأحوط الأول » والتحرير « وجب الإشعار أو التبري من العيوب » لكن ظاهر الأخيرة أو صريحها سقوط وجوب الإعلام حتى بالخفي إذا تبرئ من العيوب ، كما هو صريح الدروس قال : « يجب على البائع الإعلام بالعيب الخفي على المشتري إن علمه البائع ، لتحريم الغش ، ولو تبرئ من العيب سقط الوجوب » قال الشيخ : « والاعلام أحوط » بل عن إيضاح النافع أنه المشهور ، وكان وجهه الأصل بعد عدم صدق الغش معه.

وعلى كل حال فلا خلاف في عدم وجوب الإخبار بالظاهر بعد تنزيل العبارات المزبورة على ما سمعت ، ولعله لذا قال في الرياض : « ويجوز بيع المعيب وإن لم يذكر عيبه مع عدم الغش بلا خلاف في الظاهر ، بل قد يظهر من إطلاق المتن والقواعد وغيرها عدم وجوبه حتى في الخفي ، ولعله للأصل وعدم كونه غشا بعد ان لم يكن من فعله ، ولا أخبر بسلامته.

نعم هو كذلك في مزج اللبن ، ولعل كلامهم في غيره. ثم على الوجوب فالظاهر صحة البيع ، لأن النهي عن أمر خارج ، بل لا يبعد ذلك حتى في اللبن الممزوج ، كما احتمله في المسالك قال : « ولا جهالة بعد علم مقدار الجملة ، فهو كما لو باع ماله ومال غيره وله الخيار حينئذ » وفيه أنه مناف لما فرضه أولا من كون عنوان المبيع اللبن منه لا ـ

٢٤٦

المشاهد ، ولذا أبطله كالجهالة ، ولا يجدى العلم بالجملة بعد أن كانت مبيعا وغير مبيع ؛ فالوجه الصحة في الفرض إلا أن الظاهر كونه خيار عيب لا تبعض لصدق اسم اللبن على الممزوج ، وإلا كان خارجا عن موضوع المسألة التي هي بيع ذي العيب الخفي المنافي صدق اسم العنوان عليه ، ويتجه فيه البطلان مع فرض جعل العنوان اللبن منه للجهالة ، ولو جعل المشاهد صح للعلم بالجملة حينئذ ولو كان بعنوان أنه لبن.

ولو أجمل في البراءة بأن قال : برئت من عيبه أو من جميع العيوب أو من العيوب ، جاز وكان كالتفصيل في الحكم ، لعموم المقتضي الذي قد عرفته فيما مضى من الإجماع وغيره ، فليسقط به حينئذ الخيار في الرد والأرش ، ويسقط به أيضا وجوب الإخبار بالخفي ، بناء على سقوطه بالبراءة المفصلة ، خلافا لما عن بعض الأصحاب فأوجب التفصيل فلا يبرء حينئذ بالإجمال ولا يسقط به الخيار ، بل قضيته ما استدل له به في المسالك « من أنه بيع مجهول البطلان ، إلا أنه كما ترى ، إذ لا جهل مع المشاهدة ، واعتبار ما يجب اعتباره في صحة البيع ، والعيب الحاصل فيه غير مانع من صحة البيع ولا يشترط معرفة الباطن ، لا أنه يعتبر ويكفى فيه أصل السلامة ، حتى يقال : يذهب الوثوق به بالتبري ، فيكون كبيع المجهول ، على أنه قد عرفت في اشتراط سقوط خيار الروية ما يؤكد ذلك ، فلاحظ وتأمل كل ذا مع ضعف الخلاف المزبور ، وإن حكى عن ابن إدريس إلا أنه غلط قطعا.

نعم حكاه في المختلف عن أبى علي وحكى فيه عن القاضي ما يقتضي ذلك ويمكن دعوى مسبوقيتهما بالإجماع وملحوقيتهما به ، فما في الدروس « من أن في التبري مجملا قولين أشهرهما الاكتفاء سواء علم البائع بالعيب أم لا » مما يوهم أنه قول مشهور في غير محله والله أعلم.

وإذا ابتاع شيئين صفقة من مالك واحد بثمن واحد ثم علم بعيب في‌

٢٤٧

أحدهما ، لم يجز رد المعيب منفردا ولكن له رد هما معا أو أخذ الأرش بلا خلاف أجده فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه ، كما عن الخلاف أن دليله إجماع الفرقة وأخبارهم ، لا لأن رده خاصة موجب للتبعيض الذي يتضرر به البائع ، إذ يمكن جبره بتسلط البائع على الخيار حينئذ ، بل لظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بالمجموع لا في كل جزء منه ، لا أقل من الشك ؛ ضرورة عدم الوثوق بإطلاق فيها على وجه يشمل الفرض والأصل اللزوم ، ومنه يعلم حينئذ عدم الفرق في الحكم المزبور بين ما ينقصه التفريق كمصراعي باب أولا ، ولا بين حصول القبض وعدمه.

نعم لو تصرف فيهما أو في أحدهما مثلا ، سقط الرد وتعين الأرش ؛ لأنهما بمنزلة مبيع واحد ، بالنسبة إلى ذلك ، ولا يقاس الخيار على الشفعة التي قيل انهم صرحوا في بابها فيها لو باع حصة من الدار والبستان صفقة بأن لشريكه فيهما أخذ أحدهما بالشفعة وإن تبعضت الصفقة ، والظاهر اتحاد الحكم في باقي الخيارات ، فليس له في خيار المجلس رد بعض المبيع والالتزام بالباقي ، لما عرفت ، وإثباته لكل من الورثة في حقه على القول به لمدرك آخر كما أشبعنا الكلام فيه فيما تقدم.

وعلى كل حال فقد ظهر عدم التفريق في الصفقة الواحدة ، ومنه ما لو اشترى حاملا وشرط الحمل أو قلنا بدخوله فوضعت ، ثم ظهر على العيب ، فليس له إفرادها بالرد ، لا لتحريم التفرقة ، بل لاتحاد الصفقة ، من غير فرق بين الأمة والدابة ، ولو كان الحمل عنده لا بتصرفه فالحمل له وإن فسخ ففي الدروس « رد الام ما لم تنقص بالحمل أو الولادة » وأطلق القاضي « أن الحمل يمنع من الرد ، إما بفعله أو باهماله المراعاة حتى ضربها الفحل وكلاهما تصرف » قلت : لا ريب في قصور حملها على وجه لا يعد تصرفا ، إلا أنه يمكن القول بمنعه مطلقا من الرد إذا كان في غير زمن الخيار ، لأنه عيب حدث عنده ، لما ستعرفه من عدهم الحمل عيبا ، وعدم نقصها به لا يرفع كونه عيبا فتأمل والله أعلم.

٢٤٨

وكذا في عدم جواز الاختلاف لو اشترى اثنان شيئا متحدا أو متعددا على جهة الشركة فيهما بثمن كذلك نعم كان لهما معا رده أو إمساكه مع الأرش وليس لأحدهما رد نصيبه دون صاحبه على المشهور بين الأصحاب ، نقلا وتحصيلا من غير فرق بين علم البائع بتعدد المشتري وجهله ، ولا بين اتحاد العين وتعددها ، ولا بين اقتسامها قبل التفرق وعدمه ، لا للتضرر بتبعض الصفقة والشركة مع المشتري الآخر ، إذ قد عرفت إمكان دفعه بجبره بالخيار ، مع أنه لا يتم في صورة علم البائع بالتعدد ، بل لما سمعت من أصالة عدم الخيار على هذا الوجه ، بعد انصراف أدلته إلى غيره.

ودعوى تنزيل تعدد المشتري منزلة تعدد العقد واضحة المنع بالنسبة إلى ذلك خلافا للمحكي عن شركة المبسوط والخلاف وأبى على والقاضي والحلي وصاحب البشرى وفخر الإسلام ، فجوزوا اختلافهما في ذلك ، واستوجهه في المسالك ، ونفى عنه البعد في التذكرة ، لإطلاق الأدلة وكونه بمنزلة عقدين وإقدام البائع على الشقص ، وللتحرير والكركي فيجوز مع علم البائع بالتعدد لا مع جهله ، واستحسنه صاحب المسالك ، وضعفهما معا واضح بعد ما عرفت من انصراف الإطلاق إلى غيره ، ومنع التنزيل وتأثير الإقدام ، بل الأخير منهما أوضح ضعفا ، ضرورة عدم مدخلية العلم والجهل في تعدد العقد واتحاده نعم لهما مدخلية في ثبوت الخيار للبائع بالتبعيض وعدمه كما هو واضح.

ولو كان المبيع عينين لكل واحد من المشتريين واحدة منهما معينة ولو بما يخصها من الثمن لو كان كليا ، فالظاهر جواز التفريق ، للتعدد حقيقة ، مع احتمال العدم ، بل في المسالك « إمكان تمشي الخلاف فيه نظرا إلى اتحاد العقد إلا أن الأول أقوى » ، ولو ظهر العيب في الأول في الثمن فإن كان في جميعه فلا إشكال في التخيير ، وإن كان في بعضه فالظاهر عدم جواز رده حتى على القول بجواز‌

٢٤٩

التفريق في المشتريين ، لوضوح الفرق بينهما ، بأن المشتري الذي يرد إنما يرد تمام حصته ، فيكون كأنه رد تمام المبيع نظرا إلى تعدده بالنسبة إليه ، وهذا لا يأتي في الثمن لأن البائع إذا رده ، إنما يرده عليهما معا إذا الفرض كونه مشتركا بينهما فإذا رد المعيب فقد رد على مستحقه بعض حقه ، وبقي البعض الآخر عنده ، فهو في التحقيق من قبيل المسألة الأولى التي قد عرفت عدم الخلاف في عدم جواز التفريق فيها.

فما عن بعض الأصحاب ـ من جواز التفريق فيه فيرد المعيب منه ويبطل ما قابله من المبيع حينئذ نظرا إلى كون العقد بمنزلة المتعدد باعتبار تعدد المشتري فيه ـ واضح الضعف ، وإن جعله في المسالك وجها ، نعم لو دفع كل من المشتريين جزأ من الثمن متميزا ، واشتريا بالمجموع شيئا مشتركا ، فظهر بأحدهما عيب ، وكان المعيب مساويا لحصة صاحبه. أمكن جواز رده خاصة لمالكه ، لتحقق التعدد حينئذ ، كما أن الظاهر إن لم يكن مقطوعا به جواز التفريق لو اشتريا عينين كل منهما بثمن مستقل لا على وجه الشركة ، وإن كانت الصفقة واحدة في الصورة إلا على احتمال تسمعه من المحقق الثاني هذا كله في تعدد المشتري.

أما لو تعدد المستحق مع اتحاد المشتري ابتداء كما لو تعدد وارث خيار العيب ، ففي القواعد « أنه لا إشكال في وجوب التوافق » ولعله لاتحاد العقد ، لكن قال فيما تقدم في الخيارات : « وهل للورثة التفريق؟ نظر أقر به المنع » واحتمله في المسالك هنا ، وقد عرفت التحقيق في ذلك فيما تقدم ، فلاحظ وتأمل.

ولو تعدد البائع واتحد المشتري جاز التفريق ، سواء اتحد العقد أو تعدد ، بل في الدروس وعن ظاهر التذكرة وتعليق الإرشاد الإجماع عليه ، حيث قالوا جاز له له الرد قطعا ، ولعله لأن تعدد البائع يوجب تعدد العقد ، ولعدم التبعيض على المردود عليه ، لكن في جامع المقاصد « قد يقال : إذا اتحد العقد ؛ جاء الإشكال السابق في المشتريين صفقة ، لصورة الصفقة هنا أيضا ، قيل : وفيه أن الفرق بين تعدد المشتريين‌

٢٥٠

تعدد البائعين واضح ، لأنه يلزم في الأول تبعض الصفقة على البائع ولا كذلك الثاني. نعم يجي‌ء الإشكال في بعض الصور ، منها ما إذا اشترى اثنان من اثنين دفعة في صفقة واحدة ، لأن كل واحد من المشتريين قد اشترى ربع العبد مثلا من كل واحد من البائعين فلو رد الربع على أحدهما تبعضت الصفقة عليه ».

قلت : بعد الأعضاء عما ذكره يمكن القول بكون الوجه في عدم جواز الرد في في تعدد المشتري عدم تناول الأدلة له ، فتبقى أصالة اللزوم بلا معارض ، ونحوه يأتي هنا أى تعدد البائع مؤيدا بدعوى ظهور الأدلة في كون الخيار في نفس العقد ، فمع اتحاده لا يتصور التفريق فيه إلا أن الأقوى ما ذكرناه أولا فتأمل جيدا والله أعلم

وإذا وطئ الأمة ثم علم بعيبها الذي هو ليس بحبل لم يكن له ردها عندنا وتعين له الأرش بلا خلاف إلا من الجعفي كما في الدروس ، ولا اشكال نصا (١) وفتوى بل الإجماع بقسميه عليه فإن كان العيب حبلا جاز له ردها ويرد معها نصف عشر قيمتها لمكان الوطء إجماعا محكيا في الاستبصار والغنية إن لم يكن محصلا ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة أو المتواترة في ردها وأنه لا يمنع منه الوطء وفي صحيح ابن سنان (٢) ومعتبر عبد الملك بن عمرو (٣) وخبري سعيد بن يسار (٤) وفضيل مولى محمد بن راشد (٥) « يرد معها العشر » وفي خبر عبد الرحمن (٦) « يرد معها شيئا » وفي صحيح محمد (٧) « يكسوها » وتأولهما الشيخ بمطابقة نصف العشر ، ولكن‌ روى عبد الملك بن عمرو (٨) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب.

(٢) الوسائل الباب ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٥.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٦.

(٨) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٧.

٢٥١

فيطأها قال : يردها ويرد معها عشر ثمنها إذا كانت حبلى » وحمله في التهذيبين على الغلط من الناسخ أو الراوي بإسقاط لفظ نصف ليطابق ما رواه هذا الراوي بعينه ، وغيره.

وقد يؤيده ما في الدروس « من أنه ذكر الصدوق (١) هذا الخبر برجاله ، وفيه نصف العشر » كما أنه يمكن حمله على كون عشر الثمن نصف عشر قيمتها ، أو على البكر بحمل الحمل من السحق أو وطئ الدبر بناء على أن له منفذا ، مؤيدا بما في الكافي بعد أن ذكر خبر عبد الملك المتضمن للنصف قال : في رواية اخرى (٢) « إن كانت بكرا فعشر قيمتها ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها » وبالمعلوم من وضع الشارع العشر لوطء البكر في غير المقام.

وعلى كل حال فقد عرفت من ذلك مستند ما عن الحلبي من إطلاق رد العشر ، وما عن ابن إدريس والفاضل والكركي والقطيفي والميسي والشهيد الثاني وبعض متأخري المتأخرين من رد ذلك إذا كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا ، إلا أن الأول ـ مع اتحاده واحتماله ما عرفت ، وذكره عشر الثمن ، لا القيمة ، وظهوره في كون الوطء مع العلم بالحبل الذي ستعرف خروجه عما نحن فيه ، ومخالفته للمعلوم من وضع الشارع نصف العشر لوطء الأجنبي ، فضلا عن المقام الذي كان الوطء فيه من المالك ـ قاصر عن معارضة النصوص السابقة المعتضدة بعمل الأصحاب من وجوه ، فلا ريب حينئذ في ضعف القول.

أما التفصيل فإنه وإن أمكن حمل الخبر المذكور عليه ، ويشهد له المرسل المزبور (٣) المؤيد بمعلومية وضع هذا التقدير للوطء في غير المقام ، إلا أن إطلاق النصوص (٤) الكثيرة والفتاوى على خلافه ، اللهم إلا أن يدعى انصرافه للحامل‌

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ١٣٩ الحديث ٥٠ الطبع الحديث النجف :.

(٢) الوسائل الباب ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٥ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب.

٢٥٢

التي ذهبت بكارتها كما هو الغالب ؛ وفيه بعد إمكان منع عدم تناول الحامل له وإن ندر سببه بالسحق ونحوه ، أن المتجه حينئذ خروج البكر الحامل عن موضوع المسألة كما احتمله في القواعد في الحامل بالمساحقة فتبقى حينئذ على القواعد ، لأن الجرءة على إخراجها عنها بالمرسل المزبور ـ الذي لا جابر له ، مع أنه بأضعف وجوه الإرسال ـ كما ترى خصوصا مع إمكان دعوى عدم جواز الرد فيها بفوات جزء من العين وهي البكارة فهي كما لو تصرف فيها بغير الوطء معه ، فإنه لا إشكال في خروجها عن موضوع المقام حينئذ وبقائها على مقتضى القواعد ، كالتي وطأها المشتري في دبرها ، بناء على انصراف الوطي في النصوص والفتاوى إلى الغالب من الوطء بالفرج ، فلا ترد حينئذ ، وعلى تقديره فالظاهر رد نصف العشر لو كانت بكرا وفاقا لجماعة ، لظهور توظيف العشر لزوال البكارة ، والفرض بقاؤها ، مضافا إلى إطلاق النص بنصف العشر مع احتماله ، لصدق وطئ البكر ، إلا أنه ضعيف كضعف احتمال ردها بلا شي‌ء ، لترتب العشر ونصفه على الوطء المنصرف إلى القبل ، وطريق الاحتياط في جميع ذلك غير خفي.

وكيف كان فلا إشكال في الرد بالحبل مع الوطء بنصف العشر في الجملة ، خلافا للمحكي عن أبى علي فمنعه مطلقا ، ووافقه الفاضل في المختلف والسيد في الرياض ، وحملوا إطلاق النصوص والفتاوى على الحامل من المولى ، فيكون بيعها باطلا ، ورد العقر حينئذ عوض وطى ملك الغير ، فلا مخالفة فيها لقاعدتي « عدم رد المعيب بالتصرف ، وعدم العقر للوطي في الملك » على أن الموظف منه للبكر العشر ، وقد أطلق في النص والفتوى نصف العشر ، المعتضد أولهما بالمعتبرة المستفيضة الدالة على عدم جواز رد الجارية إذا وطئت بالعيب السابق وإنما له الأرش وفي‌ صحيحي محمد بن مسلم (١) « معاذ الله أن يجعل له أجرا » قال في أولهما « سئل أحدهما عليه‌السلام عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها فيجد فيها عيبا بعد ذلك ، قال : لا يردها على صاحبها ، ولكن تقوم ما بين العيب والصحة ويرد على المبتاع معاذ الله أن يجعل لها أجرا » وفي الآخر (٢) عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٨ عن محمد بن ميسر.

٢٥٣

الصادق عليه‌السلام « قال : كان علي عليه‌السلام لا يرد الجارية بعيب إذا اوطئت ، ولكن يرجع بقيمة العيب ، وكان علي عليه‌السلام يقول : معاذ الله أن أجعل لها أجرا ».

وفيه أنه يشبه أن يكون اجتهادا في مقابلة النصوص والفتاوى بلا شاهد ، بل اقتصارهما على خصوص الوطء شاهد بخلافها ، ضرورة عدم الفرق في رد الحامل من المولى بين التصرف فيه بوطئ وغيره ، لفساد البيع ، ودعوى تخصيصه لكونه الغالب في مشتري الأمة واضحة المنع كما أن تعبير أكثر الأصحاب بجواز الرد شاهد على الخلاف أيضا ، إذ على الفرض المزبور يجب الرد.

نعم عن نهاية الطوسي يلزمه الرد ونحوها عن المراسم والوسيلة ، إلا أنها في جنب غيرها من إطلاق الأصحاب وتصريحهم كالعدم ، والنصوص وإن اشتمل بعضها على الأمر بالرد إلا أنه في مقام توهم الحظر ، لمعلومية عدم رد المعيب إذا تصرف فيه وخصوصا الجارية إذا وطئت ، والأجر في الصحيحين للرد على بعض العامة القائلين برد الجارية غير الحبلى مع الأجر إن وطئت ، لا أن المراد به ما يشمل العقر المزبور ، كما أن المراد بالعيب فيهما غير الحبل ؛ بل كاد يكون صريح صحيحي ابن سنان (١) وزرارة (٢) منها ، مع أن لا استنكار في تقييد المطلقات وتخصيص العمومات بمثل هذه النصوص المستفيضة المعمول بها عند الأصحاب قديما وحديثا.

ومنه يعلم أنه لا حاجة إلى ما في الدروس وغيرها من تكلف كون الفسخ هنا لورد كاشفا عن الفساد من الأصل حينئذ ، فيكون الوطء بغير الملك ، فيتجه إعطاء العقر ، مع أن الكشف خلاف الأصل أولا وخلاف المعهود في باقي الخيارات ثانيا ، فالتزام رد العقر وإن كان الوطء في الملك لهذه النصوص أولى قطعا ، وقد ورد مثله في التصرية كما ستسمع ، وإطلاق نصف العشر في النص والفتوى مشترك الإلزام ، ضرورة عدم تماميته على تقدير كون الحمل من المولى ، كما أن الجواب عنه ـ بانصراف الحامل إلى فاقدة البكارة على ما هو الغالب ـ مشترك بينهما.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٥.

٢٥٤

بل ربما يجاب عنه على المشهور ، باستثناء هذه البكارة من وطئ البكر لمكان الحمل الذي بسببه كانت بكارتها بمنزلة العدم ؛ وإن كانت من سحق ونحوه فأرشها حينئذ على البائع على أن ذلك إنما يتم على من أطلق ، أما من فصل بين البكر وغيرها فلا يرد عليه ذلك ، فلا ريب حينئذ في ضعف الحمل المذكور ، مع أن المحكي عن ابن الجنيد الذي هو الأصل في الخلاف ، أنه قيد الحمل بكونه من المولى ، وهو أعم من بطلان البيع ، إذ يمكن حمله على حمل منه بحيث لا يقتضي ذلك ، كما لو حملت من رائحة منيه مثلا قال في الدروس : « وقيد ابن الجنيد بكون الحمل من المولى ، ويلوح من النهاية ، وحينئذ يتوجه لزوم الرد ، للحكم ببطلان البيع ، ويتوجه وجوب العقر ؛ ولو حمل على حمل لا يلزم منه بطلان البيع لم يلزم الرد وأشكل وجوب العقر لأنها ملكه حال الوطء ، إلا أن يقول : الرد يفسخ العقد من أصله ، أو يكون المهر جبرا لجانب البائع كما في لبن الشاة المصراة أو غيرها عند الشيخ ، والأخبار مطلقة في الحمل وهو الأصح » قلت : بل ما فيها من شبه التفصيل بين عيب الحبل وغيره ، كالصريح في إرادة الحمل من غير المولى والله أعلم.

هذا وقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا ترد الأمة مع الوطء قبلا أو دبرا بغير عيب الحبل وأنها ترد به إذا وطئت ، لكن قد يظهر من المتن وغيره اشتراط ذلك بعدم العلم بالحبل حال الوطء ، فلو وطأها عالما لم يكن له الرد ، وبه صرح في الدروس والمحكي عن غيرها فقال : « ولو وطئ بعد العلم بالحبل تعين الأرش ، ويظهر من التهذيب جواز الرد ، ويلزمه العشر عقوبة وجعله محملا لرواية العشر ، وأكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم » قلت هو كذلك إلا أنه في أسئلتها ؛ بل في‌ صحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « قال على عليه‌السلام لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، ويوضع عنها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ١.

٢٥٥

من ثمنها » إلى آخره ، وفي‌ خبر زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « كان على بن الحسين عليهما‌السلام لا يرد التي ليست بحبلى إذا وطأها » ومفهومها مطلق ، بل خبر عبد الملك (٢) كالظاهر في الوطي مع العلم وعدم القول بما تضمنه من رد العشر لا ينافي العمل به بالنسبة إلى ذلك ، إلا أن الحكم لما كان مخالفا للعمومات والإطلاقات ، وجب الاقتصار فيه على المتيقن.

وهل يلحق بالوطي مقدماته من اللمس ونحوه ، ففي الدروس « نظر من التنبيه ومن النص على إسقاطها خيار الحيوان ولأن الوطء مجبور بالمهر بخلاف المقدمات » وفي المسالك بعد ان ذكر الوجهين أيضا من الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد النص ، ومن الأولوية واستلزامه لها غالبا قال : « وتوقف في الدروس وله وجه إن كان وقوع تلك الأشياء على وجه الجمع بينها وبين الوطء ، ولو اختص التصرف بها فالإلحاق به من باب مفهوم الموافقة وإن كان استثناؤها مطلقا متوجها للملازمة ».

قلت : قد تمنع الأولوية إذا اختص التصرف بها لا على ارادة الوطء ، بل وعلى إرادته ولم يقع ، ولا تلازم بين العقوبتين ، أما إذا وقع فقد يقوى عدم منعها من الرد ، لفحوى الرد بالوطي الذي يقارنه غالبا هذه المقدمات مع ترك الاستفصال.

ثم إن ظاهر نصوص المقام وفتاواه كون الحمل عيبا في الأمة ، بل الظاهر ذلك وإن قلنا بتبعيته للمبيع ، إذا الزيادة حينئذ للمشتري من هذا الوجه لا تنافي النقيصة من آخر ، وإلا لم يجز رد المبيع المعيب إذا كان فيه صفة أخرى لم يشترطها المشتري على البائع ، وهو مخالف لإطلاق النصوص ، لكن قد سمعت فيما سبق ما في الدروس ، وعن الخلاف والغنية والتحرير أنه لو حملت الأمة عند المشتري ردها بالعيب السابق دون الولد ، بل مدعيا في الأولين الإجماع عليه ، ونحوه عن المبسوط والتذكرة إلا أنهما قيداه بما إذا لم تنقص بذلك ، وإلا تعين له الأرش.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب أحكام العيوب الحديث ٣.

٢٥٦

وفي القواعد « لو كان المبيع غير الأمة فحمل عند المشتري من غير تصرف ، فالأقرب أن للمشترى الرد بالعيب السابق ، لأن الحمل زيادة » ومقتضى تعليله كون الحكم كذلك في الأمة أيضا ، بل لو اشتراها حاملا غير عالم بذلك ، وقلنا بتبعية الحمل للمبيع كان المتجه أيضا عدم الرد به وإطلاق النصوص حجة عليه ، بل لا يبعد كونه عيبا في الدابة فضلا عن الأمة ، فلا يرد معه بالعيب السابق ، لحدوث العيب إذا فرض حملها في غير زمن الخيار ، كما عن فخر المحققين وأول الشهيدين في الحواشي ، والكركي لانتقاص الانتفاع بها ، وكونها معرضا للتلف بما يخشى منه على الحامل ، بل قد يقال باندراجه في الضابط الآتي لكن الإنصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها.

بقي شي‌ء وهو أن الحامل التي وطأها المشتري ولما يعلم إذا وجدها معيبة بغير الحمل أيضا فقد ينساق إلى الذهن أنها أولى بالرد من المعيبة بالحمل خاصة ، بل إطلاق النص شامل لها ، لكن قد يقال : إن المتجه لقاعدة الاقتصار عدم الرد بعد انسياق غير المعيبة الا بالحبل من نصوص الرد بالوطي. ولعله لذا قال المصنف : فإن كان العيب الحبل مضافا إلى إطلاق غير واحد من النصوص ، عدم الرد مع الوطء إذا كانت معيبة ، والمتيقن في الخروج منه ما إذا لم تكن معيبة إلا بالحبل فتأمل جيدا.

ولو اشتبه الحمل ـ فلم يعلم كونه عند البائع أو المشتري ، فاخرج بالقرعة بناء على ذلك وألحق بمن كان وطأه من زوج أو غيره عند البائع ـ ففي جواز الرد نظر ، من اقتضاء اللحوق السبق ، ومن أنه حكم شرعي لا يقتضي تنقيح عنوان فوجدها حاملا ، وقاعدة الاقتصار تقتضي الثاني.

القول في أقسام العيوب والضابط فيها على ما طفحت به عباراتهم مع اختلاف يسير ، بل عن مجمع البرهان الإجماع وفي الرياض الظاهر الاتفاق‌

٢٥٧

عليه أن كل ما كان من أصل الخلقة ، فزاد أو نقص فهو عيب ، فالزيادة كالإصبع الزائدة والنقصان كفوات عضو والأصل في ذلك ، واقعة ابن أبى ليلى مع محمد بن مسلم ، ففي‌ الكافي (١) عن الحسين بن محمد عن السياري قال : « روي عن ابن أبي ليلى أنه قدم اليه رجل خصما له ، فقال؟ إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا « أى العانة » وزعمت أنه لم يكن لها قط ، فقال ابن أبى ليلى إن الناس ليحتالون إلى هذا بالحيل حتى يذهبوا به ، فما الذي كرهت ، فقال : أيها القاضي إن كان هذا عيبا فاقض لي به ، فقال : اصبر حتى أخرج إليك ، فإني أجد أذى في بطني ، ثم دخل وخرج من باب آخر حتى اتى محمد بن مسلم الثقفي ، فقال له : أي شي‌ء تروون عن أبى جعفر عليه‌السلام في المرأة لا يكون على ركبها شعرا ، يكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم : أما هذا نصا فلا أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب ، قال له ابن ابى ليلى : حسبك ، ثم رجع الى القوم ، فقضى لهم بالعيب » ولا يقدح ضعف سنده بعد الانجبار بعمل الأصحاب الذين عبر كثير منهم بلفظه ، وآخر بما يرجع اليه من أنه الخروج عن المجرى الطبيعي لزيادة أو نقصان ، ومراد الجميع كما قيل عدم الزيادة والنقيصة ذاتا أو صفة عن أكثر نوع ذلك المعيب.

نعم قيده الفاضل في بعض كتبه ، بالموجب لنقصان المالية كالمحكي عن يحيى بن سعيد ، وأطلق غيره بل صريح ثاني الشهيدين وغيره ، بأنه لا يجب أن يكون موجبا للنقص ، للإنفاق على أن الخصي عيب مع إيجابه زيادة ، وكذا عدم الشعر على الركب ، ومن هنا اعترضه في جامع المقاصد بأنه كان عليه أن يقيد بقوله غالبا ، ليندرج فيه الخصاء والجب ، فإنهما يزيد ان في المالية ، مع أنهما عيبان ، فيثبت بهما الرد قطعا ، وفي الأرش إشكال.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب أحكام العيوب الحديث ـ ١.

٢٥٨

ولعل الذي دعاه الى التقييد بالنقص ، القطع بعدم العيب فيما لو زاد بحيث لا يعد عيبا عرفا ، كزيادة بعض الأسنان وبعض الثالول ونحو ذلك ، بل ربما يزيد زيادة تزيد في حسنه كالشعر في الأهداب والحواجب ، وكذا لو نقص نقيصة لا تعد عيبا عرفا كبعض الأجزاء ، إلا أنه كان الأولى إيكال ذلك إلى العرف ، لا الاحتراز عنه ينقص المال ، لما عرفت من أن بعض العيوب عرفا كالخصاء ونحوه لا تنقص قيمة المال ، بل لعله يغني عما في جامع المقاصد « من أنه ينبغي أن يكون المراد بالمجرى الطبيعي ما جرت به العوائد الغالبة ، ليندرج فيه الأمور التي ليست مخلوقة أصلا ، ليكون على نهج مقتضى الطبيعة أم لا ، ككون الضيعة ثقيلة الخراج ومنزلة الجنود ».

قلت : إذا جعل المدار على العرف استغنى عن ذلك كله ، ضرورة أن عيب كل شي‌ء بحسبه ، ولا حاجة إلى تخلف دخول نقصان الصفات كخروج المزاج عن مجراه الطبيعي ؛ مستمرا كان كالممراض ، أو عارضا ولو كحمى يوم في الخلقة ، مع أنه يمكن دعوى غير ذلك منها ، ولا تكلف غير ذلك ، على أنه لا ظهور في الخبر في حصر العيب بذلك ، والمراد بحمى اليوم المحكي عن التذكرة الإجماع عليه يوم البيع أو قبل القبض مثلا فضلا عن حمى الود والغب.

وقد ظهر من ذلك كله أنه لا إشكال بل ولا خلاف في أن الجذام والبرص والجنون والعمى والعرج والقرن والفتق والرتق والقرع والصمم والخرس وأنواع المرض والإصبع الزائد والحول والخوص والسبل وهو زيادة الأجفان والتخنيث وهو كونه خنثى والجب والخصاء ونحوها عيوب ، والمشهور أن بول الكثير أي الذي لا يبول مثله في العادة عيب ، خلافا للشيخ ، واعتياد الزنا والسرقة ، بل ترك بعضهم الاعتياد ، وعن المبسوط إذا وجده سارقا كان له الخيار إجماعا ، وفي جامع المقاصد « ظني أن الاعتياد غير شرط ، لأن الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرءة ، ويصير للشيطان عليه سبيل ؛ ولترتب وجوب الحد الذي لا يؤمن معه الهلاك » وعلى هذا يكون شرب الخمر والنبيذ عيبا كما في التحرير والدروس ، بل في الجامع أيضا « ولو حصلت التوبة الخالصة المعلوم‌

٢٥٩

صدقها ، ففي الزوال نظر » وإن كان هو كما ترى.

لكن على كل حال فلا ريب في أن اعتياد السرقة والزنا ونحوهما من المفاسد عيوب ، أما المرة الواحدة فيشكل ثبوت العيب بها ، وقد يحمل عليه ما عن الخلاف من أن العبد والأمة إذا وجدهما زانيين لم يكن له الخيار ، والفسق ليس عيبا قطعا لكن مقتضى ما سمعت قد يقال : إنه إذا كان بارتكاب الكبائر يكون عيبا ، لأنه يقتل صاحبها في الثالثة أو الرابعة كما أنه قد يقال بعدم العيب من حيث استحقاق الحد بكل ما يوجبه ، بناء على حرمة إقامته في هذا الزمان أو قلنا بجواره وقطعنا بعدم وقوعه ، ومنه يعلم الإشكال في عدهم استحقاق الحد عيبا بلا خلاف كما تسمعه.

وأطلق جماعة كون البخر والصنان عيبا ، وقيده في القواعد بما لا يقبل العلاج ، ولعل التقييد بالزائد على المعتاد منه أولى ، إلا أنه ومع ذلك لا يخلو من إشكال في بعض افراد العبيد ، وعن الخلاف والمبسوط أنه لا يثبت بالبخر الخيار ، وعن المختلف أنه عيب في الجارية دون العبد ، لكن يثبت به الخيار فيه ، لأنه خارج عن الأمر الطبيعي كالعيب ، وفيه ما لا يخفى ، ولعل ما ذكرناه من الإحالة إلى العرف يغني عن تحقيق ذلك ، كما أنه يغني عما ذكره في القواعد ، وعن التذكرة من كون الضيعة منزل الجنود وثقيلة الخراج عيبا ، وليس عدم الختان في الصغير والأمة والمجلوب من بلاد الشرك مع علم المشتري بجلبه عيبا قطعا ، أما الكبير فقد صرح الفاضل والشهيد بكونه عيبا ، خلافا لما عن المبسوط والخلاف ، ولا خلاف أجده في أن استحقاق القتل أو القطع أو غيره من أنواع الحد والتعزير المخوف ، والاستسعاء في الدين عيب ، بل عن التذكرة الإجماع عليه في الجملة وفي الدروس « الأقرب كونه لزنية أو أعسر أى يعمل بيساره عيب ، ويقوى ذلك في الكفر » واستشكل في القواعد في الثاني ، وجزم بالعدم في الأول والثالث ، بل ربما قيل إنه المشهور في الأخير ولعل من عده عيبا نظر إلى الخروج عن الطبيعي به للولادة على الفطرة.

٢٦٠