جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الشرط ، مع أنهما حلال بواسطة العقد ، بل ظاهر هذه النصوص جواز اشتراط المنع من غيرهما إلا الإرث خاصة من بينها ، وثانيا المنع من الهبة مثلا الباطل اشتراطه ، لكونه محرما ، حلالا بواسطة العقد ، وإن أريد به بالنسبة إلى العقد المعرى عن الشرط. فهو وارد في كل شرط ، لأنه مخالف لمقتضى العقد الخالي منه ، وإن أريد بالنسبة إلى العقد المتضمن له فهو غير واضح ، لأنا نقول : لا يخفى رجحان إرادة الأول ، لانسياق حصول صفة الحل وللحرمة قبل العقد ذي الشرط منه ، فالمراد تحريم ما كان حلالا بأصل الشرع ، أو بالعكس كاشتراط عدم الإرث ممن يرثه أو شرب الخمر أو الزنا ونحوها ، بل التأمل الجيد يقضى بكون المراد بذلك بيان ان الشرط من الملزمات بكل ما هو جائز للمكلف فعله أو تركه ، وأنه ليس مؤسسا للحكم الشرعي ومثبتا له ، حتى يكون محللا للحرام أو بالعكس ، فيكون الضابط حينئذ في السائغ منه ما كان جائزا للمشترط عليه قبل الاشتراط وانما أريد بالشرط الإلزام به وغيره ما لم يكن كذلك ، ومقتضى ذلك جواز اشتراط عدم البيع أو الهبة أو الوطء أو نحو ذلك ضرورة أن للمشترط عليه مع قطع النظر عن الشرط ترك ذلك كله.

اللهم إلا أن ينعقد إجماع على عدم الجواز وهو محل شك ، بل قد يقوى الظن بخلافه ، خصوصا بعد استدلال جماعة علي البطلان بالمنافاة لمقتضى العقد الذي هو كما ترى ؛ وخصوصا بعد أن سئل‌ الصادق عليه‌السلام في الصحيحين (١) « عن الشرط في الأمة لا تباع ولا توهب فقال : يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث ، لأن كل شرط خالف الكتاب باطل » وفي الأخر (٢) « وهو مردود » ونحوهما غيرهما ، وهما مع صراحتهما بجواز اشتراط عدم البيع والهبة ، قد اشتملا على الاستثناء المشعر بما ذكرنا من تفسير الحلال والحرام.

نعم لا ريب في بطلان منافي مقتضى العقد بمعنى عوده عليه بالنقص ، كاشتراط عدم الملك في المبيع ، بل هو عند التأمل راجع إلى الضابط الذي عرفت ، كما أن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الحيوان الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الحيوان الحديث ٢.

٢٠١

البطلان في الشرط العائد إلى جهالة المبيع أو الثمن لا إشكال فيه ، بعد‌ النهي عن بيع الغرر (١) الشامل لمحل الفرض قطعا.

نعم قد يتوقف في بطلان المجهول من الشرط مع الأول إلى العلم إذا لم تكن جهالته مؤدية إلى جهالة الثمن أو المثمن ، لعموم دليل الشرطية بلا معارض ، ضرورة اختصاص دليل المنع بغير الشرط ودعوى ـ إلحاق أحكام المبيع والثمن له ، لاندراج كل شرط في اسم كل عقد وقع فيه ـ واضحة المنع ، بعد صحة السلب عنه ، ولا دليل على المساواة في الحكم ، كدعوى استلزام جهالة الشرط ، الجهالة فيهما لأن له مدخلية فيهما ، إذ لا شاهد لها في العرف واللغة والشرع ، ومدخليته التي هي بمنزلة الداعي لا تقتضي ذلك قطعا ، ولا يندرج بسببها في دليل منع الجهالة في الثمن والمثمن كما هو واضح ، فهو حينئذ قسم من الملزمات مستقل برأسه وإن اعتبر في إلزامه وقوعه في ضمن عقد لازم ، ولذا صح اشتراط ما لا يصح وقوع العقد المشترط فيه عليه ، كاشتراط المنفعة ونحوها في عقد البيع ، والعين في عقد الإجارة وتصفح ما ذكره الأصحاب من صحة اشتراط الرهن والضامن والعتق ونحو ذلك ، مع أن في مطلقها جهالة لا تغتفر في نظيره في البيع.

أما إذا كان جهالة لا تئول إلى العلم ، اتجه البطلان لأنه مثار النزاع ، ولم يعهد نظيره في الشرع بل المعلوم منه خلافه ، بل قد يقال ـ إن لم يكن إجماع على مثل هذا التسامح في الأول ـ بعدم الجواز أيضا ، لأن دليل المنع وهو‌ النهي (٢) عن الغرر في البيع ، شامل لعقد ذي الشرط المفروض فيه الغرر ، وإن لم يصدق على الشرط أنه مبيع أو منه ، أو ثمن أو منه ، ضرورة كون المراد النهي عن الغرر في عقد البيع ، ولو بالنسبة إلى ما فيه من الشرط ، كما هو واضح ، نعم لا يثبت في الشرط الأحكام الثابتة للمبيع مثلا من حيث كونه كذلك لعدم صدقه عليه ، لا الثابتة للعقد الشامل للمشروط وغيره والله العالم.

وكيف كان فقد بان لك من ذلك كله أنه لا إشكال في أنه يجوز أن يشترط‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب آداب التجارة الحديث ٣.

٢٠٢

ما هو سائغ داخل تحت قدرته ، كقصارة الثوب وخياطته ، وحياكته إلا أنه بناء على اعتبار المعلومية ، لا بد من بيان الثوب وكيفية الخياطة ونحو ذلك مما يرتفع به الجهالة ، كما أنه لا إشكال في أنه لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره ، كبيع الزرع على أن يجعله المشتري أو الله سنبلا والرطب على أن يجعله تمرا ، ولا بأس باشتراط تبقيته لدخولها تحت القدرة ، وفي المسالك وغيرها ، وهل يشترط تعيين المدة أم يحال على المتعارف من البلوغ؟ لأنه مضبوط عرفا كما إذا لم يشترط ، الظاهر الإكتفاء بالثاني ، وإطلاقهم يدل عليه ، قلت : كما أنه يدل على ما ذكرنا من التسامح في الشرط ، وربما فرق بين أخذها شرطا وعدمه ، فيعتبر ضبط المدة في الأول دون الثاني ، وهو جيد بناء على عدم اغتفار الجهالة في الشرط ، وعلى أن التبقية عند عدم الاشتراط من دليل آخر ، لا من انصراف إطلاق العقد وإلا كان كالشرط مع إمكان منعه ، ضرورة وضوح الفرق بين ما يستفاد من الانصراف وبينه من الشرط ، في صدق الغرر في عقد البيع ولو بالنسبة إلى ما فيه من الشرط في الثاني ، بخلاف الأول.

وعلى كل حال فالتبقية مقدورة يصح اشتراطها ، ولعل من ذلك اشتراط حصول الأثر المعلوم توقفه علي عقد أو إيقاع من دونه ، كاشتراط طلاق الزوجة ـ وحليته الوطء من دون صيغتهما ، ضرورة عدم دخول ذلك تحت قدرته ، لكون المرجع فيه الشرع ، بل قد عرفت فيما سبق أن دليل الشرطية لا يفيد إلا أن الشرط من الملزمات للجائز ، كالنذر والعهد ؛ ومقتضاه حينئذ أن كل شي‌ء شك في حكمه شرعا فضلا عما علم لم يصح اشتراطه.

نعم كل شي‌ء علم حكمه شرعا وشك في جواز اشتراطه كان مقتضى العموم جوازه ، وفرق واضح بين المقامين ، فيجوز اشتراط الصيغة المقتضية للطلاق وحل الوطي ونحوهما ، ويجوز اشتراط الأعمال وإن لم يذكر صيغة ، بل يستحق العمل عليه بنفس الشرط ، لعدم توقف حل استيفائه منه عليها ، إذ لا ريب في جواز تبرعه به وقبوله منه ، بل ربما‌

٢٠٣

قيل أيضا بجواز اشتراط ملك عين مخصوصة ، ويملكها بنفس الشرط ، من غير حاجة إلى تجديد عقد الهبة لأنها من العقود الجائزة التي لا يعتبر فيها لفظ مخصوص ، فيكفي حينئذ عبارة الشرطية مع القبول في تحقق أثرها ، كاشتراط الوكالة وغيرها ، إلا أنه قد يشكل حصول الملك قبل القبض ، لاعتباره فيها ، وحينئذ يكون المراد بما في الشرط من الملك ملك أن يملك.

اللهم إلا أن يقال أنها في الفرض كالهبة المعوضة ، بناء على عدم اشتراط الملك فيها بالقبض ، فتأمل جيدا فإن ذلك كله كما ترى ، ضرورة عدم وفاء دليل الشرطية بصحة اشتراط آثار العقود على وجه يلحقه حكم العقد الذي لا يتناول الشرط.

نعم قد يقال : بصحة اشتراط أثر العقد الذي لا دليل على انحصار سببه في العقد الذي هو من أسباب حصوله ، كالملك الذي ليس في الأدلة ما يقتضي انحصار سببه في الهبة ونحوها ، وإن كان الهبة تفيده لا أنها منحصر فيها ، فهو حينئذ ملك شرطي ، لا ملك الهبة التي هي اسم للعقد المخصوص ، المعلوم عدم كون الشرط منه ، بل لعل الحرية كذلك أيضا ، فيصح اشتراطها على وجه يكون هو السبب في حصولها ، وليس ذلك من العتق الذي هو عبارة عن الإيقاع المخصوص ، وحينئذ فالضابط في الأمر الذي يجوز اشتراطه ، هو ما لا دليل على انحصاره في سبب خاص من عقد أو إيقاع ، وإن كان يحصل بهما ، فيشمله حينئذ عموم‌ « المؤمنون » (١) وأما ما دل على انحصاره في السبب المخصوص الذي هو عقد أو إيقاع فلا يصح اشتراطه ؛ للتعارض من وجه ولا ترجيح ، والأصل عدم ترتب الأثر.

وأما اشتراط العقود والإيقاع فلا إشكال فيه ، فيجوز اشتراط البيع والهبة والتزويج والقرض وغيرها ، لكن لو شرط عليه البيع مثلا من زيد بكذا فلم يقبل زيد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ ـ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢.

٢٠٤

فهل يتسلط من له الشرط على الخيار لعدم الشرط أو لا؟ لأن المراد من هذا الاشتراط ما هو مقدور له ، وهو بذله له بذلك ، والا كان من غير المقدور الذي يبطل اشتراطه ـ وجبان ينقدح من أولهما أن المدار في غير المقدور الفاسد اشتراطه العرف وتجدد العجز لا يخرجه عن القدرة ، وإن سلط من له الشرط على الخيار ، نعم يمكن القول بالبطلان ، لو انكشف عدم القدرة عليه حال الاشتراط.

وعلى كل حال فالظاهر عدم خروج المثال بامتناع زيد عن وصف القدرة ، فيصح اشتراطه لذلك مرادا به البيع حقيقة لا بذله ، ويتسلط على الخيار مع عدمه ، ولو كان شرط البيع مثلا في عقد فاسد بجهالة ثمن ونحوه ، فباع المشترط عليه ، فلا ريب في صحة بيعه ، ولزومه مع علمه بالفساد بل الظاهر ذلك وإن لم يعلم ، وإن كان يقوي ثبوت الخيار له ، وقد يحتمل الفساد ، لأنه كدفع ثمن العقد الفاسد ، إذ دفع كل شي‌ء بحسب حاله والأول أقوى ، بل لو لا غروره وحصول الغرر ، أمكن القول بعدم الخيار له والله أعلم.

وكيف كان فمن ذلك أى اشتراط الإيقاع في العقد ما نبه المصنف بقوله ويجوز ابتياع المملوك بشرط أن يعتقه عن المبتاع بلا خلاف أجده فيه ، كما عن بعضهم الاعتراف به ، بل في المسالك الإجماع عليه ، وعلى صحة اشتراطه غير مقيد به ، كما عن المبسوط والمهذب البارع وإيضاح النافع الإجماع على صحة اشتراط عتقه ، لكن صريح بعضهم وظاهر آخر ان جوازه لذلك ، ولأنه مبني على التغليب الذي منه ومن غيره يعلم عناية الشارع بفك الرقبة بأدنى سبب ، وإلا فهو مناف لمقتضى العقد ، فينبغي بطلانه ، وفيه ما عرفت من أنه لا دليل على البطلان بمثل هذه المنافاة بل ظاهر الأدلة خلافه.

بل في التذكرة يجوز اشتراط عتقه عن البائع عندنا خلافا للشافعي ، لأنه شرط لا ينافي الكتاب والسنة لكن ظاهره في القواعد عدم الجواز كما هو خيرة الشهيدين في‌

٢٠٥

الدروس والروضة والفاضل المقداد « لأنه لا عتق إلا في ملك « (١) وفيه أنه في الملك لكون المعتق هو المشتري ، ولا دليل على اشتراط ملكية المعتق عنه على أنه لو سلم فهو اشتراط لإدخاله في ملكه ، ثم عتقه عنه ، ولا بأس به ، بعد إن لم يكن الشرط بيعه عليه الذي قد عرفت منعه فيما تقدم ، لعدم توقف العتق المشترط عليه ، فالصحة حينئذ أقوى : ولو شرط في عتقه عن المشتري التبرع لزم الشرط ، وكذا المجانية ، أما لو شرط عتقه عن كفارة المشتري ، ففي المسالك « صح ، وفائدة الشرط التخصيص لهذا العبد بالإعتاق » قلت : بل فائدته عدم إجزاء العتق تبرعا عن الشرط إذا كان للبائع غرض بذلك ، ومثله اشتراط العوضية في العتق بالخدمة ونحوها ، فلا ـ تجزى المجانية حينئذ ، وإن كان قد يندر فرض مصلحة للبائع في ذلك ، لغلبة كونها للمشتري ، فله حينئذ إسقاطها وعتقه مجانا.

ثم إن ظاهر الشرط يقتضي إيقاعه مباشرة اختيارا ، بل في المسالك مجانا أيضا ، فلو شرط عليه عوضا من خدمة وغيرها لم يأت ، وقال : « وحيث يفوت الشرط يتخير البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، لكن لو فسخ هنا رجع إلى القيمة ، كالتالف أيضا ، لبناء العتق على التغليب ، مع احتمال فساده ، لوقوعه على خلاف ما وجب ، ويحتمل ضعيفا سقوط الشرط هنا ونفوذ العتق ».

قلت : لا ريب في ضعفه إن أراد من الشرط الخدمة ونحوها المشترطة في العتق وكذا إن أراد به شرط البائع بناء على الظهور المزبور نعم يمكن منع ظهور الإطلاق في ذلك ، لصدق تحقق العتق ولو مع الشرط : ثم قال : « وهل يشترط وقوعه من المشتري مباشرة أم يكفي وقوعه مطلقا؟ وجهان ، وتظهر القائدة فيما لو باعه بشرط العتق ، فعلى الأول يحتمل بطلان البيع ، لأن شرط العتق مستحق عليه ، فلا يجوز نقله إلى غيره ، وصحته مع تخير البائع ، ثم إن أعتق المشتري الثاني قبل فسخه نفذ ، وقدر كالتالف وإلا أخذه ، وعلى الثاني يصح كما لو أعتقه بوكيله ، والذي يدل عليه الإطلاق والحكم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب كتاب العتق الحديث ١ ـ ٥.

٢٠٦

في باقي الشروط أنه لا يقتضي مباشرتها بنفسه إلا مع التعيين ، وهذا الشرط لا يزيد على غيره » وفيه أولا ـ أنه خلاف ما استظهره سابقا بناء على اتحاد المراد بالمباشرة في العبارتين ، وثانيا ـ أنه لا ريب في ظهور الإطلاق في المباشرة بالمعنى المزبور ، أى عتقه في ملكه ولو بوكيله ، فلا يندرج حينئذ فيه المثال المزبور ، وثالثا ـ أنه لا وجه لاحتمال البطلان على الأول ، وإن كان هو خيرة محكي التحرير والتذكرة ومهذب البارع ، إذ لا ينقص عن بيعه من دون اشتراط العتق الذي صرح هو وغيره في أنه للبائع إمضائه.

قال في القواعد والدروس ومحكي التذكرة وجامع المقاصد والروضة : أنه لو باع العبد المشروط عليه عتقه ، أو وقفه تخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، أي فإن فسخ بطلت هذه العقود ، بل قد يقال : بالصحة حتى مع الفسخ ، فتكون له القيمة حينئذ نحو ما سمعته في الخيار اللهم إلا أن يقال إن ذلك إذا لم يكن الشرط في العين المتصرف بها ، أما هي كالعبد المشروط عتقه مثلا ، فقد يفرق بينه وبين الخيار بتعلق الحق فيه بالعين كالرهن بخلافه ، وحينئذ فعلى ذلك يتجه ما في المسالك من البطلان ، بناء على إرادة عدم النفوذ منه كالرهن ، فتأمل جيدا ، فإنه قد يقال : إنه لا دليل على اقتضاء تعلق حق الشرط بالعين ، عدم تأثير البيع الذي يقتضي الإطلاق صحته وترتب أثره عليه.

نعم باعتبار ثبوت الحق في العين بعده لاستصحابه ، يتجه تسلط من له الشرط على فسخ التصرف المزبور المنافي لنفوذ الشرط الذي جعل الشارع المؤمن عنده ، وقال : إن شرطه له ، فيفسخه حينئذ ويطالب المشتري بإنفاذ شرطه ، كما في غيره من الحقوق السابقة على العقود المتعلقة بها ، كالشفعة وأرش الجناية وتعلق حق الدين بالتركة ونحو ذلك ؛ وبه يرجح حينئذ على ما دل على لزوم التصرف اللاحق الذي حصل في العين مستحقا فيها ذلك ، وحينئذ فيتجه بقاء البيع الأول على اللزوم بناء على اعتبار تعذر‌

٢٠٧

الوفاء بالشرط في تزلزله ، لا مجرد عدم الوفاء به ، وربما كان ما ذكرناه محتمل عبارة الدروس قال : « ولو أخرجه أي العبد المشترط عتقه ببيع أو هبة أو وقف ، فللبائع فسخ ذلك كله ، بناء على كون المراد أن له فسخ هذه التصرفات دون البيع الأول ، وله إمضائها بإسقاط حقه من الشرط.

نعم ظاهر غيره بل صريح بعض أن له فسخ هذه التصرفات بفسخ البيع الأول ، فيترتب عليه فسخها إن لم يسقط حقه من الشرط ، وهو لا يخلو من وجه ، بناء على ثبوت الخيار للبائع في البيع الأول بمجرد عدم وفاء المشتري بالشرط ، وحينئذ فالمتجه كونه مخيرا على الوجهين فتأمل جيدا ، فإن ذلك عين التحقيق في المسألة ، وهو الموافق للقواعد وإن لم أجده محررا.

ورابعا ـ لا يخفى ما في قوله : والذي إلى آخره : من وضوح منع كون الحكم في باقي الشرائط ذلك ، مع إرادة المعنى المزبور من المباشرة نعم هو كذلك بالنسبة إلى مباشرة الوكيل مثلا فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر جواز عتق المشتري له عن كفارته مع الإطلاق ، لصدق امتثال كل منهما ، ضرورة ظهور إرادة المشترط عتقه كيف ما كان ، فهو كما لو صرح له بذلك إذ لا ريب حينئذ في الجواز ، لكن بنى في المسالك جوازه على أن العتق حق لله تعالى ، لأن فيه معنى القربة والعبادة أو للبائع لتعليق غرضه به ، ولأن الشروط من جملة العوضين ، أو للعبد لاستلزامه زوال الحجر عنه وتحريره ، أو للجميع لعدم المنافاة بينها ، فيجوز اجتماعها ؛ ثم قال بعد أن جعل الأخير هو التحقيق : « ويتفرع على ذلك المطالبة بالعتق ، فمن كان الحق له ، فله المطالبة به ، وأما عتقه عن الكفارة ، فإن قلنا الحق فيه لله تعالى لم يجز كالمنذور وإن قلنا : إنه للبائع فكذلك إن لم يسقط حقه ، وإن أسقطه جاز ، لسقوط وجوب العتق حينئذ ، وكذا إن قلنا : إنه للعبد ، وعلى ما اخترناه لا يصح مطلقا ، وشرط العتق مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقها » ‌

٢٠٨

وفيه أنه لا ريب في كون الحق من حيث الاشتراط للبائع ، وإن كان المشترط من حقوق الله ، كصوم أو صلاة ونحوهما ، ولذا يجري عليه ما يجري على باقي الشرائط كالتسلط على الخيار عند عدم الوفاء به ونحوه ، وكون العتق حقا لله لا ينافي كون اشتراطه حقا للبائع ، فالأقوى جواز عتقه عن الكفارة مع الإسقاط بل ومع عدمه. بناء على ما ذكرناه من ظهور إرادة العتق كيف ما كان ، وكذا لو كان حقا للعبد وما ذكره أخيرا من أن شرط العتق مستثنى من الشروط القابلة لإسقاط مستحقها وإن تبع به الشهيد في الدروس ، قال فيها : « ولو أسقط البائع الشرط جاز إلا في العتق لتعلق حق العبد وحق الله تعالى به ، لكن فيه نظر واضح ضرورة تبعية حق الله والعبد لحق الاشتراط كما عرفت ، وإحبال الأمة ، بل إيلادها لا يمنع من عتقها المشترط ، ويجزى عنه بخلاف التنكيل وإن كان يحصل به العتق ، إلا أن للبائع الفسخ والرجوع بالقيمة أو الإمضاء والمطالبة بأرش الشرط في وجه على ما ستعرف.

لكن في القواعد « وفي التنكيل إشكال » ولعله لصدق العتق ، ولا ريب في ضعفه ، ضرورة ظهور الشرط في غيره خصوصا بعد عدم صحة اشتراطه لكونه معصيته نعم لو صرح المشترط بأن المراد حصول الحرية كيف ما كان ، أمكن القول بالاجتزاء ، وإن عصى المشترط عليه باختياره كما هو واضح ، وكسب العبد قبل العتق للمشتري ، كما أن قيمته لو قتل له ، لكن يقوم مشروط العتق ، كما في التذكرة ، وإن كان فيه نوع تأمل ، بناء على رجوع البائع عليه لو فسخ بقيمته مطلقا ، لعدم حصول الشرط له. وبما اقتضاه شرط العتق من النقصان لو أمضى. ولو أطلق اشتراط العتق من غير تعيين كونه عن المشتري صح وحمل عليه بناء على عدم صحته عن البائع ، أما عليها فيحتمل الصحة والاجتزاء بالمسمى حينئذ بناء على عدم قدح مثل هذه الجهالة ، خصوصا مع علم إرادة المشترط العتق كيف ما كان وإلا بطل إن لم يعين والله أعلم.

أو بشرط أن يدبره بلا خلاف مطلقا أو معينا ، ويتخير الأول بين‌

٢٠٩

المطلق والمقيد ، إلا أنه إذا اختار الثاني ولم يتفق في تلك السنة وجب عليه التدبير ثانيا ، لأن الغرض ترتب العتق ولم يحصل ، واحتمل في المسالك العدم ، للقيام بالشرط المطلق ، ولا ريب في ضعفه كضعف ما فيها أيضا من احتمال جواز رجوع المشتري في هذا التدبير نظرا إلى أصله ، ضرورة عدم صدق الوفاء بالشرط الظاهر في كون الغرض منه العتق بعد الموت أو بشرط أن يكاتبه بلا خلاف أيضا كتابة مطلقة أو مشروطة بقدر أو أجل معلومين ، ولو أطلق تخير المشتري بين المطلقة والمشروطة ، كما في المسالك ، وهو مؤيد لما ذكرناه من اغتفار نحو هذه الجهالة.

ولو تشاح المشتري والعبد في القدر والأجل ، رجع إلى القيمة السوقية ، ولا يجب على المشتري النقصان عنها ، ولو طلب الزيادة أجبر على القيمة إن أمكن ، والا تخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، والظاهر جواز رجوعه في المشروطة عند عجزه ، ضرورة إرادة الكتابة على حكمها من عبارة الشرط ، واحتمل في المسالك العدم ، ولا ريب في ضعفه والله أعلم.

ولو شرط المشتري أن لا خسارة عليه أو أن يكون تلفه من البائع متى تلف أو إن غصبه غاصب رجع على البائع بالثمن أو شرط البائع في الأمة علي المشتري أن لا يعتقها أو لا يطأها أو لا يهبها أو لا يبيعها قيل يصح البيع ويبطل الشرط لكن قد سمعت المعتبرة (١) المتضمنة للجواز في الجملة ، إلا أنه في المحكي عن كشف الرموز ما رأيت أحدا عمل بها ، بل في مفتاح الكرامة أنى لم أجد من تأمل أو خالف في بطلان الشروط الخمسة المتأخرة ، إلا الفاضل في التذكرة ، فإنه استشكل في بطلان اشتراط عدم البيع والعتق ، وظاهر النافع التأمل فيهما ، حيث قال : المروي الجواز ، وفي إيضاحه إن الجواز غير بعيد ، لأن بقاء الأمة عند المالك الصالح مطلوب اشتراط بقاء ملكه عليها ، وذلك لا ينافي كما في أم الولد ، ومنذور التصدق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب الحيوان ١ ـ ٣.

٢١٠

به وهو جيد جدا إن لم يثبت إجماع ، وقد سمعت ما في الرياض من حكايته الجواز عن بعض وميلة إليه ، وأما الثلاثة الأول فلا ريب في البطلان مع إرادة إثبات الاستحقاق شرعا بالشرط لما عرفت من أنه ملزم لا مثبت لحكم.

وسأل عبد الملك بن عتبة الرضا عليه‌السلام (١) « عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا على أنه ليس منه على وضيعة هل يستقيم ذلك وكيف يستقيم وما حد ذلك؟ قال : لا ينبغي » ويمكن إرادة الكراهة منه إذا لم يكن المراد من الشرط ما يرجع إلى إثبات حكم شرعي ، وقلنا : بعدم قدح مثل هذه الجهالة فيه بل هذا التعليق ، إلا أن الجميع كما ترى ، ومنه يعلم الحال في الشرطين الأخيرين.

وكيف كان فقد عرفت الضابط في الشرائط السائغة وغيرها ، وأنه لا يخرج عنه إلا بدليل كما هو مقتضى‌ عموم قوله عليه‌السلام (٢) « المؤمنون عند شروطهم » وإن ما طفحت به عباراتهم من البطلان المنافي لمقتضى العقد ، أقصى ما يمكن تسليمه فيه اشتراط أن لا يملك ونحوه مما يعود عليه بالنقص ، وقد يلحق به مثل أن لا يتصرف به أصلا ، قال في الغنية « من الشروط الفاسدة بلا خلاف أن يشترط ما يخالف مقتضى العقد ، مثل أن لا يقبض المبيع ولا ينتفع به » وهو جيد إن أراد من الأمرين أمرا واحدا ، أما غيره مما هو في الحقيقة مناف لمقتضى إطلاق العقد لا لنفسه ، فلم يثبت بطلانه بل الثابت خلافه كما عرفت ، فلاحظ وتأمل.

إنما الكلام في صحة البيع المشتمل على الشرط الفاسد ، وبطلانه ؛ فالأول خيرة الإسكافي والشيخ والقاضي والعجلي وابن سعيد وأبى إلا على ما حكي عن بعضهم وعن ابن زهرة موافقتهم ، والرياض وفي خصوص الشرط المخالف لمقتضى العقد أو للسنة ، محتجا عليه بالإجماع ، وابن المتوج في الشرط الفاسد الذي لا يتعلق به غرض ، كما لو شرط أكل الطعام بعينه أو لبس ثوب ونحوه ، والثاني خيرة الفاضل وولده والشهيدين والعليين وأبى العباس والأردبيلي والخراساني على ما حكي عن بعضهم ووافقهم أبو المكارم في خصوص غير المقدور من الشرط ، كأن يشترط عليه أن يجعل الرطب تمرا بل قال : « إنه فاسد مفسد بلا خلاف » وظاهر جماعة منهم المصنف التوقف ، وكان الأول لا يخلو من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من أبواب أحكام العقود الحديث ١ ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢.

٢١١

قوة ، للعموم وإجماع الغنية.

وصحيح الحلبي (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله عليه‌السلام « أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقتها ، فخيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنشائت تقر عند زوجها ، وإن شائت فارقته ، وكان مواليها الذين باعوها شرطوا على عائشة أن لهم ولائها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاء لمن أعتق ».

ومثله صحيحة عيص بن القاسم (٢) مؤيدين بما ورد في النكاح من الأخبار الدالة على صحة عقده وفساد الشرط فيه كصحيحة محمد بن قيس (٣) بل وخبر الوشاء (٤) الذي اعترف في المحكي من نهاية المرام بدلالته على عدم فساد العقد بفساد الشرط ، وحمل الصحيحين الأولين على ما عند العامة من بطلان الشرط مطلقا مع صحة العقد ، يدفعه وقوع الخلاف عندهم في ذلك ، حتى أنه من طريف ما يحكى عن‌ محمد بن سليمان الدهلي (٥) قال : « حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : دخلت مكة زادها الله شرفا فرأيت فيها ثلاثة كوفيين ، أحدهم أبو حنيفة وابن أبى ليلي وابن شبرمة ، فصرت إلى أبى حنيفة فقلت : ما تقول فيمن باع بيعا وشرط شرطا فقال : البيع فاسد والشرط فاسد فأتيت ابن أبى ليلى فسألته فقال : البيع جائز والشرط باطل ، فأتيت ابن شبرمة فسألته فقال : البيع والشرط جائزان ، فرجعت إلى أبى حنيفة ، فقلت له : إن صاحبيك قد خالفاك فقال : لست أدري ما قالا ، حدثني عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع وشرط ، فأتيت ابن أبى ليلى فقلت له : إن صاحبيك قد خالفاك ، فقال ما أدري ما قالا ، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : لما اشتريت بريرة جاريتي شرط على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب العتق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب كتاب العتق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ و ٣٩ من أبواب المهور الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٣٨ و ٣٩ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٥) المستدرك ج ـ ٢ ـ ص ٤٧٤.

٢١٢

مواليها أن أجعل ولائها لهم إذا أعتقتها ، فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : الولاء لمن أعتق ، فأجاز البيع وأفسد الشرط ، فأتيت ابن شبرمة فقلت له : إن صاحبيك قد خالفاك ، فقال : لست أدرى ما قالا ، حدثني مشعر بن محار بن زياد عن جابر بن عبد الله قال : ابتاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني بعيرا بمكة فلما نقدني الثمن ، شرطت أن يحملني إلى المدينة ، فأجاز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيع والشرط » فحملها على التقية مع هذا الاختلاف كما ترى ، بل ما رواه ابن أبى ليلى مؤيد لهما ، وإن توهم منه البطلان في سائر الشرائط ، كما أنه يؤيدهما أيضا ما أرسله في الغنية ؛ من خبر بريرة (١) بل الظاهر أنه من المستفيض بين العامة والخاصة ، وهو ظاهر في المطلوب واحتماله أمرا آخر لا يرفع الظهور الذي هو مناط الأحكام ، كل ذلك مضافا إلى أن مدخلية الشرط في الترضي لا تزيد على مدخلية الثمن والمثمن ، وبطلان العقد في أبعاضها لا يسري إلى بطلان الآخر حتى فيما كانت الهيئة الاجتماعية مطلوبة وملحوظة ، بل أقصاه ثبوت الخيار للتضرر ، ولا بأس بالتزامه هنا مع الجهل بالفساد ، بل لعل القائلين ببطلان الشرط خاصة يلتزمون بذلك وإن لم يصرحوا به ، ولعله لمعلوميته.

ودعوى أن الشرائط في العقود ملحوظ فيها معنى الشرطية يدفعها معلومية بطلان التعليق فيها ، سواء كان للزوم أو الصحة أو للرضا ، مع أن مقتضى الأول انتفاؤه بانتفائه لا الصحة ، ومرجعه إلى اشتراط الخيار بشرط ولو سلم صحته ، فمن المعلوم عدم إرادته كمعلومية عدم صحة التعليق عليه في الأخيرين ، ولذا حكي عن فخر المحققين أنه قال : إن كون هذه شروطا مجاز ، لأنها تابعة للعقد ، والعقد سبب فيها ، فلا يعقل كونها شرطا له ، وإلا دار ، بل هي من صفات البيع ، تختلف الأغراض باختلافها ، لكن في جامع المقاصد « لا محصل لهذا الكلام ، فإنها شروط للبيع الذي هو انتقال المبيع من البائع إلى المشتري ، لا شروط العقد ، وقد عرفت فيما سبق أن البيع ليس هو نفس العقد ؛ حتى لو كان نفس العقد امتنع كونها مشروطا له ، بل للانتقال الذي هو أثره‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب كتاب العتق الحديث ٢.

٢١٣

وكيف يعقل أن هذه الشروط شروط للعقد الذي هو الإيجاب والقبول.

ثم قوله إن هذه صفات للبيع ليس بجيد ، إلا بناء على أن البيع هو العقد ، فكونها صفات له لا ينافي كونها شروطا لأثره ، وأما إن فقدها لا يستلزم أرشا فلا دخل له فيما نحن فيه ، بل هذا ملتفت إلى أن الأمور المشترطة ، لما لم تكن داخلة في نفس مسمى البيع ، لم يكن بإزائها شي‌ء من الثمن ، لأن الثمن في مقابل المبيع وأجزائه وإن كان قد يزيد بوجود بعض الصفات ، لأن زيادته على أنه في مقابل المبيع ملحوظا فيه مقابل الصفة المعينة ، فإن الثمن للمبيع باعتبار المقابلة ، وليس في مقابلة الصفة منه شي‌ء.

وفيه أن كونها شروطا لأثر العقد مستلزم للتعليق المنافي لسببية العقد اللهم إلا أن يريد كون الشرط ملك المشروط ، وهو أمر مقارن لأثر العقد يحصل معه بحصوله فليس من التعليق المنافي ، لكن فيه أن ذلك حكم الشرط المستفاد من‌ قوله عليه‌السلام (١) « المؤمنون عند شروطهم » لا نفس الشرط ، ضرورة كون الفعل المشترط لا ملكه ، وارتكاب هذا التجوز ـ مع أنه خلاف قصد المتعاقدين ـ ليس بأولى من إرادة الإلزام من الاشتراط ، كما هو معناه لغة ، وإليه أومى الفخر ، ومراده أن العقد إذا صار سببا في لزومه ، لم يعقل كونه شرطا له ولو لتأثيره الذي ذكره المحقق الثاني ، على أن المرجع في تأثير العقد الأدلة الشرعية التي دلت على تسببه ، فلا يعقل اشتراط حصول أثره بشي‌ء من غير الشارع ، وأدلة الشروط قاصرة عن إفادة ذلك ، بل هي ظاهرة في إرادة أن كل ما يلتزمه المؤمنون في عقد من العقود اللازمة يلتزم به ، ردا على ما عن بعض العامة من بطلان الشرط في العقد خاصة ، أو هو مع العقد كما سمعته من أبى حنيفة وابن أبى ليلى.

وإليه يرجع ما عن المهذب البارع في الجواب عن الدور المقرر على تقدير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢.

٢١٤

القول ببطلان العقد مع بطلان الشرط ، من أن لزوم الشرط وصحته فرع على صحة البيع ، فلو كانت موقوفة على صحته لزم الدور ، وقال في الجواب عن ذلك : « إن تسويغ الشرط ليس شرطا في الحقيقة لصحة البيع حتى يلزم الدور ، بل هو من صفات البيع ، فما كان منها سائغا داخلا تحت القدرة لزم باشتراطه في العقد ، كما لو شرط صفة كمال في البيع وإن لم يكن سائغا بطل العقد لا من حيث فوات شرطه ، بل من حيث وقوع الرضا عليه ، وشروط الصحة إنما هي الأمور المذكورة في أوائل الكتاب كإكمال المتعاقدين ونحو ذلك » ومرجع ما ذكره أخيرا إلى ما قيل من أن التراضي إنما وقع على المبيع مع الشرط ، فمع انتفائه ينتفي فلا يكون تجارة عن تراض ، فيبطل لكونه شرطا في الصحة إجماعا.

وفيه ـ بعد الغض عن اقتضائه البطلان إذا لم يوف بالشرط السائغ ـ أن التراضي وقع معه ؛ لا مقيدا به ، كما لو شرط كون العبد كاتبا مثلا ، أو اشترى العبدين جميعا ، فتبين أنه غير كاتب أو أن أحد العبدين ليس ملكا له ، كان البيع صحيحا كما صرح به غير واحد ، بل قد يظهر من جامع المقاصد الإجماع عليه ، وإن كان يثبت له الفسخ ، مع أن التراضي لم يتحقق إلا على الوجه الذي ليس بواقع ، والفرق بين المقامين غير واضح بل قد اعترف في جامع المقاصد أن فيه عسرا ، ودعوى ـ أن الأوصاف والاجتماع إذا أخذت قيدا كالشرائط يبطل البيع أيضا بانتفائها ، وإنما يثبت له الخيار إذا كانت لا على وجه القيدية ـ سفسطة لا محصل تحتها ، كالقول بأن منشأ البطلان في المقام أن الشرط له قسط من الثمن ، فإنه قد يزيد باعتباره وينقص ؛ فإذا بطل ، بطل ما بإزائه من الثمن ، وهو غير معلوم فتطرق الجهالة إلى الثمن فيبطل البيع ، إذ هو بعد معلومية عدم توزيع الأثمان على الشرائط ، وأنها كالأوصاف التي يزيد الثمن وينقص بها كما ترى ، خصوصا بعد ما سمعته من جامع المقاصد في توضيح عدم مقابلة الشرط للثمن.

نعم قد عرفت إنا نقول بثبوت الخيار له ، لفوات الشرط كفوات الوصف من غير فرق في ذلك وفي غيره مما ذكرنا من جميع الشرائط الباطلة ، سواء كان البطلان‌

٢١٥

لعدم القدرة أو غيره ، ونفى الخلاف عن بطلانه خاصة في الغنية لم نتحققه ، كظهور الإجماع من محكي إيضاح النافع ، حيث قال : عليه الفتوى ، وسواء كان المقصود بالذات الشرط الفاسد ، وجي‌ء بالبيع تبعا أو بالعكس ، وسواء كان مما لا يتعلق به غرض كأكل الهريسة وغيره ، بل في المحكي عن التذكرة أن الأول لا يقتضي فساد العقد عندنا.

نعم قد يتجه البطلان فيهما معا لو كان البطلان لجهالة في الشرط ، بحيث تؤدي إلى أحد العوضين ، فيبطل العقد حينئذ للجهالة لا لبطلان الشرط ، بل كل شرط باطل يستلزم انتفاء شرط من شرائط العقد المعلومة ، أو وجود مانع يقتضي بطلان العقد معه ، ولعل منه ما بعود على العقد بالنقص ، أما غير ذلك ، فالأقوى فيه ما سمعت ، وقد ظهر لك من جميع ما ذكرنا حجة القول المقابل وجوابها ، وأضعفها الاستناد إلى أصالة عدم الانتقال التي يكفي في قطعها عموم الأدلة ، فضلا عما عرفت هذا.

وقد يستفاد من مجموع ما ذكرنا خصوصا ما سمعته في الرد على ما في جامع المقاصد أنه ينبغي أن يكون النزاع في الشرط المطلق ، أما إذا علم إرادة مجرد الإلزام به من غير تعليق ، فلا إشكال في عدم اقتضاء فساده فساد العقد ، كما أنه لا إشكال في اقتضائه ذلك إذا علم إرادة تعليق الصحة على ملكه على النحو الذي سمعته من ثاني المحققين لو سلمنا صحته بل التحقيق عدمها ، فمحل البحث في الشرط المطلق الذي لم يعلم ارادة المشترط منه أحد الأمرين ، ولا كان في العبارة دلالة على أحدهما فتأمل جيدا والله أعلم.

ولو شرط في البيع مثلا أن يضمن إنسان بعض الثمن معينا أو مطلقا إن قلنا بصحته أو كله صح البيع والشرط بلا خلاف ، للعموم ، وكذا لو اشترط الرهن أو الكفيل أو الشهادة ، إلا أن في القواعد الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط إما بالوصف أو المشاهدة ، وتعيين الكفيل بالاسم والنسب والمشاهدة ، أو الوصف كرجل موسر ثقة ولا يفتقر إلى تعيين الشهود ، بل الضابط العدالة ، فلو عينهم فالأقرب‌

٢١٦

تعينهم وتبعه على ذلك كله غيره ، وقد يمنع وجوب التعيين للرهن والكفيل والضامن ، خصوصا بناء على ما ذكرنا من اغتفار نحو هذه الجهالة في الشرط ، بل وعلى غيره أيضا ، فيصح الإطلاق حينئذ ، لكن يحمل على الصالح للاستيفاء ، كما صرح به في الدروس وغيرها بناء على الاجتزاء بالإطلاق ، لا أنه يجتزي بمسماه ، وإن احتمله في المحكي عن الإيضاح إلا أنه كما ترى.

واختلاف الرغبات في الأعيان ، والناس في الاستيفاء وسهولة البيع وشدة حاجة الراهن إلى الفك ونحو ذلك لا يوجب جهالة قادحة ، والإلجاء مثله في الشهود ، وعدم صحة رهن المجهول ، لا ينافي الجهل به حال اشتراطه وإن علم حال ارتهانة ، فالمراد كونه مجهولا حال الاشتراط ، لا حال الارتهان ، وهما غيران ويجوز رهن المبيع على الثمن من غير شرط قطعا ، بل ومعه على الأقوى خلافا للمحكي عن الشيخ والحلي للعموم ، وليس من رهن ما لا يملك ، ولا قبل ثبوت الدين ، إذ هو اشتراط لرهنه بعد الملك ، كهبته ، والموجود في العقد اشتراط رهنه لا رهنه كي يشترط فيه ثبوت الدين وملكية الرهن.

وليس البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع ، بل أقصاه أنه لا يقتضي إيفاؤه من ثمن المبيع ، وهو أعم ، فلا يناقض اشتراط الرهن المقتضى لإيفاء الثمن منه ، كما أن رهانته عند البائع تخرجه عن كونه مضمونا على البائع ، فلا يتنافيان ، وليست صحة البيع موقوفة على رهنه لو اشترط. نعم ملكية رهنه موقوفة على صحة البيع فلا دور حتى لو قلنا بتوقف لزومه على الرهن إذ الصحة غير اللزوم.

وكيف كان فلو أخل المشتري بما اشترط عليه من الرهن أو الكفيل أو الضامن أو غير ذلك ، تخير البائع بعد تعذر الإجبار كما ستعرف ، وكذا يتخير لو هلك الرهن أو تعيب قبل القبض ، بناء على اشتراط القبض في الرهن أو وجد به عيبا قديما وليس له المطالبة بالإبدال أو الأرش اما لو هلك أو تعيب بعد القبض فلا خيار ، لأصالة اللزوم بعد الوفاء بالشرط كما هو واضح ، ولو اختلفا في زمن حدوث العيب ففي تقديم قول الراهن وقول‌

٢١٧

المرتهن وجهان. والله أعلم.

تفريع : إذا اشترط العتق في بيع المملوك ، فإن أعتقه ، فقد لزم البيع بلا خلاف ولا إشكال ، وإن امتنع ، كان للبائع إجباره كما في كل شرط على الأقوى ، إن كان مما يجبر عليه ، لا ما إذا كان من صفات المبيع ، كما لو اشترط كونه كاتبا وشاعرا ، لوجوب الوفاء به عليه كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا محكيا عن الغنية والسرائر إن لم يكن محصلا ، خصوصا بعد ملاحظة كلامهم في باب القبض ، من أنه لو أجله في عقد لازم لزم ، لكن قال الشهيد في اللمعة : « لا يجب على المشترط عليه فعله ، وإنما فائدته جعل البيع عرضة للزوال بالفسخ ، عند عدم سلامة الشرط ، ولزومه عند الإتيان به » وهو كما ترى.

ونحوه ما عنه أيضا في بعض تحقيقاته ، من أن الشرط الواقع في العقد اللازم ، إن كان العقد كافيا في تحققه ، ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به ، كشرط الوكالة في العقد ، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد ، كشرط العتق فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا ؛ وجعل السر فيه أن اشتراطه في العقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب والقبول ، فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد ، وقد علق عليه العقد ، والمعلق على الممكن ممكن ، وهو معنى قلب اللازم جائزا ، وإن كان هو أجود مما في اللمعة ، إلا أنهما معا مشتركان في اقتضاء الأدلة خلافهما ، ولعل منشأهما معا تخيل التعليق في الشرط هنا ، بل كاد يكون الثاني كالصريح في ذلك.

وقد عرفت أن ليس المراد منه هنا إلا الإلزام ، ولو سلم فقد سمعت ما ذكره المحقق الثاني من أن الشرط حينئذ هو أن يملك عليه الأمر المشترط ، وهو حاصل بنفس العقد من غير حاجة إلى أمر آخر ، وليس هو معلقا على أمر ممكن ، بل قد علق على شي‌ء حصل بتمام العقد ، فالممكن حينئذ متعلق الشرط لا هو فتأمل جيدا.

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣.

٢١٨

بل لو لا الإجماع ـ ظاهرا على ثبوت الخيار في حال تعذر الإجبار ، مضافا إلى حديث الضرار (١) وخبر أبى الجارود (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام « إن بعت رجلا على شرط ، إن أتاك بمالك ، وإلا فالبيع لك » بناء على أن المراد منه لزومه لك ، نحو قولهم عليهم‌السلام في غيره « فلا بيع له » ـ لأمكن عدم القول بثبوت الخيار أصلا ، لما عرفت ولان الشرط من طرف البائع مثلا كالثمن ، فإن الامتناع منه في غير التأخير ثلاثة أيام بالشروط السابقة لا يؤثر خيارا على الأصح ، لأصالة اللزوم ، ومن ذلك يعلم أن المتجه الاقتصار على المتيقن من ثبوت الخيار ، ولعله حال تعذر جبره على الحاكم لا على من له الشرط ، وإن كان قد يظهر من بعض الأصحاب سهولة الأمر في ثبوت الخيار ، حتى لو احتاج إلى رفع أمره إلى الحاكم والمراجعة والانتظار ونحو ذلك لم يجب عليه ، وربما يشهد له خبر أبى الجارود ، وحديث الضرار ، إلا أن الأحوط ما عرفت.

وعلى كل حال فله أي البائع إذا تعذر إجبار المشتري على العتق خيار في الفسخ ورد المبيع مثلا ، والإمضاء بالثمن ؛ وليس له أرش الشرط على المشهور بين الأصحاب لأنه وصف في المعنى ، ولا يقابل بالثمن وكذا إن مات العبد قبل عتقه كان البائع بالخيار المزبور أيضا إلا أنه إذا فسخ يرجع بالقيمة وقت الموت ؛ لأنه وقت الانتقال أو حين القبض ، أو منه إلى الموت وجوه أقواها عندهم الأولى ، لأنه وقت قيام القيمة مقام العين في تعلق الحق الذي كان متعلقا بالعين ، ولو كان معلقا على تعذر الفسخ ، ولم أجد من احتمل حال الفسخ هنا ؛ كما ذكروه في بعض المباحث السابقة.

وعلى كل حال فالخيار بين الفسخ والإمضاء بالمسمى ، لكن في القواعد ولو مات أو تعيب بما يوجب العتق أي قهرا ، رجع البائع بما نقصه شرط العتق ، فيقال كم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب الخيار الحديث ٣ ـ ٥.

(٢) الوسائل الباب ٧ ـ من أبواب الخيار الحديث ٢.

٢١٩

قيمته لو بيع مطلقا وبشرط العتق فيرجع بالنسبة من الثمن ، وله الفسخ فيطالب بالقيمة ، وفي اعتبارها إشكال ، بل احتمل في التحرير أن له الأرش المزبور خاصة من غير خيار ، ولا ريب في ضعفه ، بل قد يظهر من المسالك الإجماع على خلافه ، كاحتمال عدم الخيار والأرش أصلا ، حتى لو كان عدم الشرط بتفريط من المشتري ، أما الأول وإن قال الشهيد في حواشيه : إنه المنقول ، بل قيل إنه حكاه في المبسوط قولا ، ووجه بأن الشرط يقتضي نقصانا ولم يحصل ، ومقتضاه ثبوت الحكم في كل شرط تعذر الوفاء به.

ففيه ـ مضافا إلى أن الشروط لا يوزع عليها الثمن ، وإن حصل باعتبارها نقصان ، كالأوصاف والتدليس الذي صرحوا بعدم الأرش فيه ـ أن الأرش لا يدرك به مصلحة الشرط ، ضرورة أنه برجوعه زائدا على المسمى على نسبة التفاوت بين القيمتين ، يصير كأنه باعه من دون اشتراط عتقه ، فلم يحصل به مصلحة الشرط ، ولعل هذا هو السر في عدم الأرش للشرائط والأوصاف ، بخلاف العيوب التي ثبت الأرش فيها أيضا بالأدلة.

نعم قد يقال : بالقيمة للشرائط القابلة للتقويم ، قال في التذكرة : « لو شرط على البائع عملا سائغا تخير المشتري بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته ، وكان مما يتقوم كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا ، فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد المشتري ولو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ والإمضاء مجانا ، ولو كان الشرط على المشتري مثل ان باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه ، فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة وإلا مجانا وهو لا يخلو من وجه والله أعلم.

٢٢٠