جواهر الكلام - ج ٢٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

وبه نستعين

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الغر الميامين‌

الفصل الثالث

مما بنى عليه كتاب التجارة في الخيار الذي هو بمعنى الخيرة أى المشيئة في ترجيح أحد الطرفين ، إلا أن المراد به هنا ملك إقرار العقد وازالته بعد وقوعه مدة معلومة ، ولا ريب في ثبوته في الجملة ، بل هو كالضروري ، وإن كان الأصل في البيع اللزوم ، أي بناؤه عليه لا على الجواز وإن ثبت في بعض أفراده وفي جامع المقاصد أو أن الأرجح فيه ذلك ، نظرا إلى أن أكثر أفراده عليه ، ومراده أن الأصل حينئذ بمعنى الراجح ، كما أن مرجع الأول إلى ما يناسب المعنى اللغوي ويمكن كونه بمعنى القاعدة ، أما الاستصحاب فبعيد إلا بتكلف نعم هو دليله مضافا إلى الآية (١) في وجه وظاهر النصوص (٢) والنظر في أقسامه وأحكامه ، أما أقسامه فقد ذكر المصنف هنا منها خمسة وأخر سبعة ، وثالث ، ثمانية ، ورابع ؛ أربعة عشر. وليس ذلك خلافا وانما هو مجرد جمع واستقصاء. الأول خيار المجلس اي عدم التفرق حقيقة عرفية أو تجوزا في بعض أفراد الحقيقة ، لعدم اعتبار محل الجلوس في هذا الخيار ، بل ولا مكان العقد في شي‌ء من النصوص والفتاوى ،

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ١ و ٦ من أبواب الخيار.

٣

( فـ ) حينئذ إذا حصل الإيجاب والقبول انعقد البيع وكان لكل من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس أي لم يتفرقا ، إجماعا منا بقسميه ، ونصوصا مستفيضة أو متواترة. منها‌ ـ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم وصحيح زرارة (١) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « البيعان بالخيار حتى يفترقا » وقوله عليه‌السلام في صحيح الفضيل (٢) لما قال له ما الشرط في غير الحيوان : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » وفي صحيح الحلبي (٣) « أيما رجل اشترى بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع » وفي صحيح عمر بن يزيد (٤) « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا التاجران صدقا بورك لهما وإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما وهما بالخيار ما لم يفترقا فان اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا » إلى غير ذلك من النصوص التي لا بأس بدعوى تواترها.

فما في خبر غياث (٥) عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام « قال : قال : إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا » مطرح أو محمول على اشتراط السقوط. أو على إرادة حصول الملك ، أو على الافتراق البعيد ، أو غير ذلك ، والأجود حمله على التقية من أبي حنيفة وأتباعه في هذه الفتوى الملعونة التي أقدم فيها على خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله على علم منه ، ولذا عدت في مطاعنه ، وإطلاق النص والفتوى شامل لكل من المالكين ، ومن في حكمهما والوكيلين والمختلفين بل في الرياض ثبوته للمتبايعين سواء كان العقد لهما أو لغيرهما أو على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ١ ـ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ١ ـ من أبواب الخيار الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب الخيار الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ١ ـ من أبواب الخيار الحديث ٧.

٤

التفريق على بعض الوجوه بالإجماع القطعي ، والمستفيض الحكاية ، وإن كان فيه نوع مناقشة ، إلا أن الوجه في ذلك واضح للصدق ، سواء قلنا بأن البيع هو الصيغة ، أو النقل ، أو الانتقال ، فالبايعان المتلبسان بالصيغة ، أو الناقلان ، أو موجدا سبب الانتقال ، والكل صادق على الكل فثبوته حينئذ للوكيلين من الشرع باعتبار الصدق المزبور والتبعية ، كما صرح به في الحدائق ، لا من نص الموكل وإذنه فيه ، بل قد يتوقف في ثبوته لهما مع حضورهما معهما ، لعدم الصدق إلا توسعا ، ولذا يقال عند التحقيق : ما باعا وإنما باع وكيلهما ، بل مال إليه في الحدائق اللهم الا أن يدعى ثبوت الخيار لهما باعتبار كونه حقا متعلقا في مالهما فيتبعه في الانتقال إليهما ، الا أن ذلك لا ينافي ثبوته للوكيلين مع ذلك ، ومال إليه في المسالك والمحكي عن التذكرة ، بل لعل مدته حينئذ افتراق الوكيلين لا افتراقهما الذي لم يجعل غاية في شي‌ء من النصوص بعد فرض كونهما غير بيعين ، وليس هذا اختلافا بين الضمير ومرجعه ، إذ ليس ثبوت الخيار لهما من الخبر المزبور كي يرد ذلك ، بل لما قلناه وهو يقتضي فرعيته على ما للوكيلين فيتبعه حينئذ فتأمل هذا.

ولكن في المسالك بعد اعترافه أن إطلاق المتن يقتضي التعميم المزبور وأن العرف يشهد على الصدق المذكور في الوكيلين قال : « لكن الحكم في المالكين واضح ، وأما الوكيلان فان لم ينص لهما الموكل على الخيار لم يكن لهما الفسخ. فينتفى الحكم عنهما ، وان وكلهما فيه ، فان كان قبل العقد بنى على التوكيل فيما لا يملكه الموكل هل يصح بوجه حينئذ أم لا وسيأتي في بابه إنشاء الله فان لم نجوزه لم يكن لهما ذلك أيضا ، وان جوزناه ، أو كان التوكيل فيه بعد العقد في المجلس كان لهما الخيار ما لم يفترقا ، عملا بإطلاق الخبر ، وهل يثبت مع ذلك للموكلين إذا حضرا‌

٥

المجلس قيل : نعم لأن الخيار لهما بالأصالة ، ولأنهما بيعان عرفا ، إذ يصدق على البائع عرفا أنه باع متاعه إذا كان قد وكل في بيعه وباعه الوكيل ، وكذا المشتري ، ويحتمل العدم لأنهما ليسا بائعين بمعنى موقعي الصيغة ، ولا ناقلين للملك إنما أوقعها ونقله الوكيلان ، ويحتمل أن لا يكون الخيار إلا لهما لأنهما المالكان حقيقة المستحقان للخيار إذ الأصل في الوكيلين ان لا يستحقان خيارا ، ولا يتناولهما الخبر ثم على تقدير ثبوت الخيار للجميع أو للمالكين فهل المعتبر تفرق الوكيلين أم المالكين أم الجميع كل محتمل ، ويشكل بسبب ضمير تفرقا في بعض الموارد ، ومن ثم قيل : ان المراد بهما المالكان والضمير لهما ، ودخول الوكيلين في الحكم بأمر خارج ، والوجه ثبوته لكل واحد منهما واعتبار تفرق كل في خيار نفسه لا في خيار الأخر ، والمسألة من المشكلات » وكأنه أشار بقوله أخيرا قيل : إلى ما في جامع المقاصد في مسألة ثبوت الخيار مع اتحاد الموجب والقابل.

قال : « والذي يجب أن يحقق في معنى الحديث أن البيعين ان أريد بهما العاقدان لأنفسهما لم يعم الوكيلين ولا الموكلين ، وإن أريد بهما مالك المبيع ومالك الثمن لم يطابق أول الحديث إلا إذا كان المالكان هما العاقدين لأن قوله ما لم يفترقا لا يصدق في المالكين إذا كان العاقد غيرهما ، لانه يصير معناه حينئذ البيعان بالخيار ما لم يفترق المتعاقدان. وهو غير ظاهر ، إلا أن يدعى وجود القرينة الدالة على مرجع هذا الضمير وهي ذكر الافتراق المقتضى بسبق الاجتماع للعقد ، أو يقال : ان الحديث دال على حكم المالكين المتعاقدين لأنه الغالب ، وحكم ما إذا كان العاقد وكيلا هما يستفاد من أمر خارج » قلت : قد يصعب إقامة دليل معتبر على ثبوته للوكيلين صالح لقطع أصالة اللزوم مع فرض عدم إرادتهما من لفظ الحديث ، ولذا قال‌

٦

في الحدائق : ما سمعت ، ومقتضاه أن لا يحتاج معه إلى نص الموكل بل لا عبرة بمنعه في وجه ، ولا يخفى عليك ما في قوله وإن جوزناه إلخ ، ضرورة أنه إذا كان مستند خيارهما التوكيل لا لفظ الحديث لم يتجه تأجيله بالافتراق الذي هو أجل للخيار الشرعي الثابت للبيعين ، ولا فرق بين توكيلهما وتوكيل أجنبي. اللهم إلا أن يدعى كون المراد أن البيعين بالخيار ولو من اذن الموكل ما لم يفترقا. وهو كما ترى ، وما تسمعه في آخر المبحث ، ومن الغريب قوله وهل يثبت مع ذلك الى آخره إذا كان المراد باسم الإشارة ما ذكره من صورتي ثبوت الخيار لهما. تجويز التوكيل قبل العقد أو فرض وقوعه بعده ، إذ لا وجه حينئذ لاحتمال عدم الخيار لهما ، بعد أن كان التوكيل فيه مقتضيا لثبوته لهما ، والوكالة في شي‌ء لا تزيل تسلط الموكل ، وكذا لا وجه لعدم الخيار للوكيلين مع فرض أنهما قد وكلا فيه ، بل لا وجه لجميع ما ما ذكره بعد ذلك ، ويمكن أن يريد باسم الإشارة ما ذكره أولا من اقتضاء الإطلاق ثبوته للوكيلين ، ويكون الاحتمالات حينئذ لحال اجتماع حضور المالكين معهما خاصة ، لا إذا لم يجتمعا ، فان الخيار للوكيلين حينئذ على مقتضى الإطلاق المزبور ، أو يقال : ان المراد ثبوت الخيار لهما من حيث حضورهما مضافا إلى ثبوته لهما من جهة عقد الوكيلين ، فيكون لهما الخيار من جهتين إحداهما من حيث اجتماع الوكيلين ، ويبطله تفرقهما ، والثانية من جهة حضورهما ، ويبطله تفرقهما دون الوكيلين ، بل الظاهر أن مراده ذلك وإن كان فيه ما فيه ، ولا يخفى عليك أيضا ما في قوله ثم إلخ ؛ كقوله والوجه مع ما سلف ، وبالجملة كلامه أشكل من المسألة ، هذا كله. ولكن الإنصاف ـ إن لم يكن إجماع ـ عدم ثبوته للوكيلين إلا بالتوكيل فيه لا أصالة ، والخبر حينئذ إنما هو في البيعين الموجب اجتماعهما فيه في‌

٧

مجلس العقد للخيار وتفرقهما سقوطه ، وثبوته للمالكين في عقد الوكيلين إنما هو لما دل من تنزيل عبارة الوكيل منزلة عبارة الموكل المقتضى ثبوت الخيار للموكلين ، اجراء لحكم عقدهما على العقد من وكيلهما بالتنزيل المزبور ، ولكن يسقطه تفرق الوكيلين باعتبار ظهور دليل الخيار في اعتبار دوام مجلس العقد ، سواء كان منهما أو من وكيلهما ، ومع تفرق الوكيلين لم يثبت الخيار باعتبار فوات مجلس العقد الذي لا دليل على تنزيل مجلس الموكل منزلته ، كي يكون المدار عليه لا على مجلس عقد الوكيلين ، فان عمومات الوكالة لا تقتضي ذلك ، وحينئذ فلا اختلاف في مرجع الضمير في البيعين بعد أن كان مورده غير الوكيلين ، وإنما ثبت الخيار للموكلين في بيعهما من الطريق الذي ذكرنا لا من الخبر ، أو يقال ان المراد بكون البيعين بالخيار كونهما مع الخيار ، وإن كان ثبوته لمن له العقد ، بل لو أريد كونه لهما كان نحو قولهم الخيار في الحيوان للمشترى مثلا الشامل للوكيل مع أن من المعلوم كونه للموكل ، كما هو واضح ، وحينئذ فلا يكون اختلاف بين الضمير ومرجعه وعلى تقديره فهو للقرينة.

ومن ذلك يظهر لك الوجه فيما سمعته من كلام جامع المقاصد فلا حظ وتأمل وتدبر.

فان ذلك هو التحقيق الذي لا ينبغي المحيص عنه في المسألة ، وحاصله ثبوته للمالكين في عقد الوكيلين حضرا معهما أو لم يحضرا ، ويسقطه تفرق الوكيلين ؛ نعم لو كانا وكيلين على مجرد إجراء الصيغة ، وقلنا بصحته. وكان الأصليان حاضرين أمكن كون المدار على تفرقهما دون الوكيلين ، لصدق البيعين عليهما دونهما ، ويحتمل كونه كالأول لكون الوكالة فيه مشتملة أيضا على إنشاء النقل وقصده ، فهما كالمستقلين‌

٨

من هذه الجهة ، وأما الوليان فالخيار للمولى عليه أيضا ولكن للوليين النظر فيه ، لعموم الولاية ، وكيف كان فالفضوليان غير بائعين بناء على ما هو التحقيق من أنه النقل ، سواء قلنا بأن الإجازة كاشفة ، أو ناقلة فلا خيار في عقدهما حينئذ ، نعم قد يحتمل خصوصا على النقل دوران ثبوته على مجلس الإجازة إذا فرض اجتماعهما فيه ، ويحتمل سقوط الخيار هنا من أصله ، ويحتمل كونهما كالوكيلين لأنهما ناقلان أيضا وإن كان مشروطا بالرضا ولا يخلو من قوة.

وعلى كل حال فـ ( لو ضرب بينهما حائل ) أو حفر نهر لا يتخطى أو نحو ذلك مع بقائهما على حال العقد لم يبطل الخيار قطعا ، لعدم صدق التفرق به سواء كان غليظا أو رقيقا ثوبا أو جدارا من طين أو جص ، بلا خلاف أجده بيننا بل وبين غيرنا ، عدا ما في التذكرة عن الشافعية في الأخير قولان : أصحهما عدم السقوط ، قال : والحقة الجويني بما إذا حمل أحدهما وأخرج ، لكن في المسالك انه نبه المصنف بما ذكره على خلاف بعض العامة حيث أبطله ولعله يريد ما سمعت والأمر سهل.

وكذا لم يبطل لو أكرها معا على التفرق باختيارهما أم لا ، بلا خلاف أجده ، بل في الغنيمة وعن تعليق الشرائع الإجماع عليه ، للأصل بعد تبادر الاختيار من النصوص ، ولذا يصح في التحقيق أن يقال لم يفترقا ، ولكن فرقا ، معتضدا بأنه شرع للإرفاق المفقود مع الإجبار ، وبما في صحيح الفضيل السابق (١) من الاشعار ، بل لو أريد منه بعد الرضا منهما بالافتراق كان نصا في المطلوب ، وبغير ذلك فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من نوع توقف فيه في غير محله ؛ سيما إذا كان الإكراه رافعا للاختيار من رأسه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٣.

٩

نعم قد اشترط جماعة بما إذا لم يتمكنا مع ذلك من التخاير أي اختيار الفسخ أو العمل على مقتضى الخيار ، بأن سد أفواههما أو هدد عليه ، بل صرح في الروضة وغيرها بلزوم العقد مع تمكنهما منه ولم يختارا وإن أكرها على التفرق ، وفيه ان ترك اختيار الفسخ مع التمكن منه بعد الإكراه على الافتراق الذي نزله الشارع منه منزلة العدم بالنسبة إلى الإسقاط كالسكوت في المجلس ـ لا دلالة فيه عليه ـ ولا وضع شرعا له كما هو واضح ، ولو أكره أحدهما على المفارقة فإن أكره الأخر على المكث كانا معا مكرهين ، وإلا فقد يظهر من تعليق عدم البطلان في المتن والمحكي عن الشيخ وغيرهما على إكراههما معا البطلان فيه حتى في حق المكره.

ومثله لو حبس أحدهما وفارقه الأخر اختيارا ، ولعله لما تعرف من سقوطه في حال الاختيار بتخطي أحدهما عن الأخر وهو موجود في الفرض ، فلا يقدح اكراه الثاني ، وفيه صدق المفارقة باختيارهما معا في الأول ، وإن كان المتخطي واحدا والأخر اختار المكث على المصاحبة ، كما أن الأول اختار التخطي على المكث مع صاحبه ، بخلاف ما نحن فيه الذي يمكن لو لا الإكراه لجلس معه في الأول وصاحبه في الثاني ، والمدار في السقوط التفرق المستند إلى اختيارهما معا ، لأنه المتبادر من النصوص ، حتى صحيح فضيل السابق ، والموافق لأصالة بقاء الخيار ، بل قيل : أنه مقتضى إجماع الغنية ، المعتضد بفتوى جماعة منهم الشهيد الثاني والمحقق الثاني في الروضة وجامع المقاصد بل لم أقف على الفتوى صريحا في الاكتفاء بذلك ، فيما عدا القواعد قال : « ولو حمل أحدهما ومنع من الاختيار لم يسقط خياره على إشكال. أما الثابت فان منع من التخاير أو المصاحبة لم يسقط ، وإلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار الأول » وفيه ـ مع منافاة إشكاله هنا لما جزم به‌

١٠

قبل ذلك من بقاء الخيار لو أكرها على التفرق ـ بل ولما جزم به أيضا في الثابت لأن التفرق إن كان صادقا سقط خيارهما معا وإن انتفى أو شك فيه فهو كذلك فيهما ـ انك قد عرفت عدم السقوط فيهما في الأخير فضلا عن سابقه لعدم تحقق التفرق المستند إلى اختيارهما معا وهو المدار كما عرفت ، ومنه يعلم ضعف احتمال بقاء خيار المكره خاصة ، وإن كان هو أقوى مما استقر به ، بل هو ظاهره أو صريحه في التذكرة فلاحظ وتأمل ، ولو زال الإكراه ففي فورية الخيار وتراخيه إلى حصول الافتراق قولان ، أقواهما الثاني ، للأصل ولأن خيار المجلس موضوع على التراخي وهذا منه أو بدل عنه ، بل إن لم يقم إجماع على أن غاية الافتراق بعد الزوال ، أمكن القول ببقائه مطلقا في بعض الصور التي لم يبق معها بعد الزوال صدق الافتراق فيكون الخيار حينئذ ثابتا بقوله البيعان إلخ ، ولم تحصل الغاية حال إمكانها وبعد الإكراه لم يبق لها مصداق فتأمل جيدا.

ولو زال الإكراه وهو مار ففي التذكرة انقطع خياره ببقائه سائرا قال : « وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الأخر إن طال الزمان ، وإن لم يطل ففيه احتمال عند الجويني » قلت : لا ريب في ضعفه لعدم الدليل على الوجوب في الفرض ، كما أنه لا دليل على تحري الأقصر لو أراد العود ، ولا تضر مفارقته مجلس الزوال له ، فمن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في كثير من الفروع المتصورة في المقام منها ـ ما لو تناديا بالبيع في سفينتين مثلا ففرقتهما الريح التي لا يتمكنان من الاصطحاب معها ، فان الظاهر كما في جامع المقاصد عدم السقوط أيضا كالإكراه ، بل قال : « لو دهشا فلم يختارا حينئذ ففي السقوط نظر والله أعلم ».

وكذا يسقط الخيار باشتراط سقوطه منهما أو من أحدهما بلا خلاف أجده فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه لأصالة اللزوم مع الشك في تناول‌

١١

الأدلة له ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود (١) وصحيح « المؤمنون عند شروطهم » (٢) الذي هو أرجح مما دل على الخيار من وجوه فيحكم عليه وإن كان التعارض من وجه ، وليس الخيار من مقتضى العقد ، بل هو مقتضى إطلاقه ، بل قد يقال : إنه ليس من مقتضياته أصلا ، بل هو حكم شرعي ثبت للعاقدين على انه أولى من اشتراط الخيار في العقد ، والمراد من المتن وغيره مما عد فيه ذلك أحد الأمور الأربعة المسقطة للخيار سقوطه بنفس الشرط ، لا اشتراط الإسقاط الذي يحصل بأحد مسقطاته ، إذ ليس هو حينئذ إسقاطا بالشرط ، بل أقصاه استحقاق الاسقاط عليه ، فان لم يف له به تسلط على الخيار كباقي الشرائط ، وليس مما نحن فيه ، كما أن اشتراطه بالمعنى الذي ذكرناه أولا لا يرجع إلى نفي استحقاق ثبوت الخيار شرعا كي يكون باطلا ، بل مرجعه إلى إيجاب اختيار لزوم العقد عليه ، فمع قبوله كذلك لا بأس به ، وعدم حصوله إلا بعد تمام العقد لا ينافي اشتراط سقوطه عند حصول سببه ، فما عن بعض الشافعية من عدم صحة هذا الشرط كخيار الشفعة لا ريب في بطلانه.

كل ذلك مع الشرط في العقد أما قبله فلا يلزم كغيره من الشروط الخارجية ، للأصل ، بعد القطع بعدم ارادته من‌ قوله : « المؤمنون عند شروطهم » لأن المراد منه ما يلتزمونه بالملزم الشرعي وإلا لوجب الوفاء بكل كلام يقع بينهم من الوعد وغيره ، وهو معلوم البطلان ، قيل : وإليه أومأ في جملة من النصوص (٣) في النكاح التي هي بفحواها أو عمومها شاهدة علي المقام أيضا خلافا لظاهر المحكي عن الخلاف والجواهر فأوجبه به. وهو ممكن التنزيل‌

__________________

(١) سورة المائدة الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب المتعة و ٢٠ من أبواب المهور.

١٢

على صورة بناء العقد عليه لا ما إذا وقع سابقا من دون بناء.

ومن الغريب ما في الرياض من أن قول الشيخ غير بعيد ، لو لا نصوص النكاح ، للشك في شمول دليل الخيار ، إذ فيه أنه لا شك بعد القطع بصدق البيعين عليهما ، والدليل غير منحصر في المتيقن كما هو واضح والله أعلم وكذا يسقط الخيار بمفارقة كل منهما صاحبه إجماعا بقسميه ونصوصا مستفيضة أو متواترة (١) وتحصل ببعد أحدهما عن صاحبه ولو بخطوة بلا خلاف يعتد به أجده فيه ، لعدم تحديدها بالشرع فيكتفى بمسماها المتحقق بالخطوة قطعا ، بل هي في كلامهم مثال لمطلق البعد بينهما زائدا على ما كان حال العقد ، ولا ينافي ذلك صحيح الخطى (٢) الذي لا يأتي حصوله بما دونها.

بل قد يستفاد منه ارادة المعنى اللغوي من الافتراق ، بناء على أن له معنى عرفيا لا يتحقق بالخطوة ونحوها بل في الرياض « لو لا المعتبرة المستفيضة التي منها الصحيح المزبور ، لأشكل إثبات اللزوم وسقوط الخيار بالافتراق بنحو من الخطوة بإطلاق مفهوم نصوص الافتراق ، لاختصاصها بحكم التبادر في الافتراق المعتد به الغير الصادق على الافتراق بنحو الخطوة عرفا وعادة » وإن كان قد يناقش فيه بمنع عدم الصدق عليه عند التحقيق لا التوسع المبني على تنزيل القليل منزلة العدم ، بل الشك كاف لأصالة عدم النقل إلى معنى جديد ، وبأنه لا تعرض في المعتبرة للخطوة إذ في‌ صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ان أباه اشترى أرضا يقال لها العريض فلما استوجبها قام فمضى فقال له : يا أبه لم عجلت؟ فأجابه بأني أردت أن يجب البيع » ونحوه غيره ولا دلالة فيه على أنه كان خطوة أو أكثر ولا إطلاق فيه ، نعم في‌ صحيح ابن مسلم (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب الخيار الحديث ٣.

١٣

عن الباقر عليه‌السلام « بايعت رجلا فلما بايعته قمت فمشيت خطأ ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا » ، وهو مع أنه ليس فيه خطوة ، حكاية فعل لا إطلاق فيه ولم يعلم حاله ، فالعمدة حينئذ ما ذكرنا معتضدا بفتوى الأصحاب ، وببعض ما يستفاد منه المراد بالمجلس من نصوص الصرف (١) فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فظاهر النص والفتوى عدم اعتبار قصد الاسقاط بالافتراق فلا فرق فيه بين حصوله من الجاهلين أو العالمين أو المختلفين ، ولا بين الناسيين للبيع أو الخيار وغيرهما ، ولا بين الافتراق له أو لغرض آخر ، وفعل الباقر عليه‌السلام لا يقتضي حصر الاسقاط به ، فما عساه يتوهم من عبارة الحدائق من اعتبار ذلك في غير محله ، ومنه يعلم أنه لا يعتبر دلالته عرفا على الرضا ، وإن كان قد يتوهم من صحيح الفضيل (٢)

نعم صريح الصحاح المزبورة حصول افتراقهما بما ذكرناه من انتقال الواحد ؛ ولا يشترط ذلك منهما كما أوضحناه فيما تقدم ، وكذا لا فرق عندنا بين قرب المكانين وبعدهما ، حتى لو تساويا من مكان بعيد اعتبر التفرق من مكانهما لسقوط الخيار ؛ وعن بعض العامة إسقاطه لمقارنة المسقط ولا ريب في سقوطه ، أما إذا لم يحصل مسماه كما لو مشيا مصطحبين أو تقاربا أو نحو ذلك لم يسقط الخيار ، ولو هرب أحدهما ففارق الأخر ولو بخطوة اختيارا ، عالمين أو جاهلين أو مختلفين ، ففي القواعد وجامع المقاصد السقوط أيضا ، بل في الأخير وإن فعل ذلك حيلة في لزوم العقد ، وهو لا يخلو من نظر إذا لم يحصل صدق التفرق باختيارهما ، والله أعلم.

وكذا يسقط الخيار في العقد بإيجابهما أباه أو أحدهما ورضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ٢ ـ من أبواب الصرف الحديث ١ و ٣ و ٨.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٣.

١٤

الآخر وهو المسمى بالتخاير ، وصورته أن يقولا اخترنا العقد أو ألزمناه أو أسقطنا الخيار أو نحو ذلك ، مما يدل على اختيار لزوم العقد والرضا به ، ولا يختص به ، بل كل ما دل على الرضا فهو كاف ، ولذا لزم بالإيجاب من أحدهما مع رضا الأخر ، وعلى كل حال فالسقوط بذلك مما لا خلاف فيه ، بل في الغنية والتذكرة ومحكي الخلاف الإجماع عليه ، بل ولا إشكال ، ضرورة معلومية كون الخيار مما يسقط بالإسقاط ، وأن المدار في لزوم العقد على ما يدل على الرضا من الأفعال ، فضلا عن الأقوال ، كما أومأ إليه في صحيح الفضيل وبعض نصوص خيار الحيوان (١) وغيره ، ولما قيل من أن فسخ اللازم بالتقابل يقتضي لزوم الجائز بالتخاير ، ولأنه سقط بالافتراق ، لدلالته على الرضاء ، والتخاير صريح فيه ، وإن كان فيه نوع تأمل ، وفحوى‌ خبر السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في رجل اشترى ثوبا شرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه فقال : ليشهد أنه قد رضيه أو استوجبه ، ثم ليبعه إن شاء فإن أقام في السوق ولم يبع فقد وجب عليه » ونحوه خبر الحلبي والشحام (٣)

لكن في الحدائق « ولقائل أن يقول ان ذلك لا يزيد على ما يقتضيه العقد من اللزوم ، وأقصاه التأكيد ، ونصوص الخيار مطلقا شاملة للعقد المؤكد وغيره ، ضرورة صدق عدم الافتراق معه وهو مدار بقاء الخيار ، إلا أن يقال ان هذه الألفاظ في قوة اشتراط سقوط الخيار فيرجع إليه » وهو من غرائب الكلام إذ الفرق بينه وبين الشرط في متن العقد واضح ، كوضوح أن المراد به ما دل على إسقاط الخيار لا ما دل على أصل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٤ من أبواب الخيار.

(٢) الوسائل الباب ١٢ ـ من أبواب الخيار الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١٢ ـ من أبواب الخيار الحديث ٢ و ٣.

١٥

وقوع العقد الذي مقتضاه اللزوم.

ولو التزم أحدهما به سقط خياره لما عرفت دون صاحبه لأصالة بقائه ، وعدم ارتباط أحدهما بالآخر ، وكونهما بالتفرق كذلك بناء على ما قلناه لا يقتضي مساواة غيره له كما هو واضح ، والتثنية في ثبوت الخيار لهما بعد معلومية إرادة ثبوته لكل منهما كما أومأ إليه في صحيح الفضيل المتضمن رضاهما معا ، لا يقتضي الارتباط.

ولو خير أحدهما الآخر بأن قال له : اختر فسكت فخيار الساكت باق إجماعا ، للأصل وإطلاق الأدلة ، والسكوت أعم من الرضا ، نعم لو اقترن بما يدل عليه سقط كما ستعرف ، وكذا خيار الآخر لأن أمره بالخيار لخصوص المأمور أو لهما معا لا يدل على إسقاط خيار نفسه بإحدى الدلالات ، وقيل فيه ولكن لم نعرف القائل وإن نسب إلى الشيخ إلا أن المحكي عن مبسوطة وخلافه خلاف الحكاية يسقط‌ للنبوي (١) « البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقل لصاحبه اختر » والأول أشبه لما عرفت ؛ وعدم ثبوت هذه الزيادة من طرقنا ، مع أن مقتضاها سقوط خيارهما معا ، ولعله لذا حملها في المختلف على ما إذا خيره فاختار اللزوم ، لكن في الحدائق « إن فيه ما لا يخفى ، لأن محل الكلام إنما هو المخير بصيغة اسم الفاعل وان تخييره لصاحبه يدل على اختياره الإمساك وظاهر كلامه ان الذي اختار إنما هو المخير بصيغة اسم المفعول ، وهو ليس محل البحث » وفيه أنه صرح الشيخ وابن زهرة والعلامة والشهيد وغيرهم على ما حكى عن البعض بأنه لو قال أحدهما لصاحبه اختر فاختار الإمضاء بطل الخياران ، أما لو سكت فهو ما نحن فيه ، بل قد استدل بعض الأساطين للسقوط بأنه ملك‌

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٤٧٣.

١٦

صاحبه ما ملكه من الخيار ، وإن كان فيه منع دلالة التخيير على التمليك ، ولو قصد سقط خياره ، كما صرح به في التذكرة وإن سكت المخير بالفتح كما أنه لا يسقط وإن أمضى المأمور إذا كان القصد الاستكشاف ، أما إذا قصد التفويض سقط مع الإمضاء ، دون السكوت ، قيل : وهو الظاهر من التخيير ، ولذا فرقوا بين السكوت والإمضاء ، ولو سلم عدم الظهور فهو أعم من التمليك قطعا ، فلا يحكم بالسقوط بمجرده ، ولو صرح بالمتعلق فان قال : اختر الإمضاء فالحكم كما لو أطلق ، ولو قال : اختر الفسخ فخيار الأخر باق وإن أمضى المخير ، وظاهر الدروس سقوطه وهو بعيد.

ثم إنه قد يظهر من اقتصار المصنف وغيره على ما ذكر من المسقطات عدم سقوطه بغير ذلك حتى التصرف ، بل هو كالصريح منه فيما يأتي ، بل قصره في الغنية والمحكي عن المبسوط وابني سعيد وإدريس في موضع من السرائر على التفرق والتخاير ، بل عن جماعة قصره على الأول ، لكن صرح جماعة من المتأخرين ـ بل الظاهر عدم الخلاف فيه بينهم كما اعترف به بعض الأساطين ـ بسقوط خيار المشتري بالتصرف في المبيع ، بل حكاه بعضهم عن خلاف الشيخ ، والكافي والجواهر والسرائر أيضا ، بل عن الأول انه نقل إجماع الفرقة على أن المشتري متى تصرف في المبيع سقط خياره ، قال : وورد الاخبار به عنهم عليهم‌السلام مشيرا بذلك إلى ما أورده في كتاب الحديث ، إلا أنه لم نجد ما يدل على ابطال التصرف لمطلق الخيار بعد الإجماع المزبور المؤيد بتخصيص الأصحاب خيار الغبن بالبقاء مع التصرف من بين الخيارات ، مع احتمال إرادتهم فيه أيضا ما قبل ظهور الغبن وثبوت الخيار ، فلا تخصيص حينئذ لذلك إلا ما قيل من التعليل بالرضا المستفاد من صحيح الفضيل السابق (١) وصحيح ابن رئاب في خيار الحيوان (٢) ، وفيه فان أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة فذلك رضا منه فلا شرط له ، ومنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أبواب الخيار الحديث ١.

١٧

يظهر الوجه في سقوط خيار البائع لو تصرف بالثمن المعين ، للاشتراك بالعلة وهي الدلالة على الرضا بالبيع.

أما ما ذكروه فيما لو انعكس الأمر ـ فتصرف البائع في المبيع أو المشتري في الثمن ـ من أنه يكون فسخا ، ويبطل به الخياران ـ بل في الغنية نفى الخلاف عنه ـ فلا أجد له دليلا سوى دعوي دلالة التصرف عليه ، ولا ريب فيه ان تمت الدلالة ولو بمعونة قرينة ، وإلا فهو محل مناقشة كما في الرياض « لمنع الدلالة مع أعمية التصرف من الفسخ وغيره ، فيحتمل السهو والغفلة فإن تم إجماع على الإطلاق ، وإلا فالمسألة محل ريبة ، لأصالة بقاء صحة المعاملة والخيار فيها » قلت : بل ان لم يتم إجماع على الأول ، أي اللزوم بالتصرف كان محلا للنظر ، إذ دعوى دلالته عليه عرفا مطلقا محل منع ؛ خصوصا وقد يصدر منه التصرف مع الغفلة عن البيع أو الخيار أو نحو ذلك.

نعم يمكن دعوى وضع ذلك للدلالة شرعا وتعميمه لما نحن فيه ، إلا أنه إن لم يحصل إجماع كما ترى ، بل قد يناقش في الدال منه عرفا إذا لم تكن دلالته رافعة لاحتمال عدم ارادة الفسخ ، بناء على اعتبار خصوص الظاهر من الأقوال في أمثال ذلك لا الأعم منها والافعال.

وعلى كل حال فهل المدار على حصول الدال على الرضا باللزوم أو الفسخ ، أو يكفي حصول ذلك في النفس وإن لم يصدر منه ما يدل ، عليه فيحرم عليه فيما بينه وبين ربه العمل على خلاف ما وقع فيها ، ظاهر الأصحاب الأول ؛ ويؤيده الاستصحاب ، وقد يظهر من بعض النصوص (١) الثاني.

وكذا لا خيار للبائع والمشتري في شراء من ينعتق على المشتري ، كما صرح به جماعة ، بل في الحدائق انه المشهور ، لدخوله في ملك المشتري‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب الخيار الحديث ٤.

١٨

بنفس العقد ، فينعتق بمجرد الملك ، والعتق لا يقع متزلزلا. والحر لا يعود رقا ، وفي الصحيح (١) « فيمن ينعتق من الرجال والنساء انهم إذا ملكوا أعتقوا ، وانهم إذا ملكن أعتقن » بل في كثير من النصوص والعبارات نفي الملك ، وحقيقة النفي وأقرب مجازاته ينفيان الخيار.

نعم يثبت على القول بانتقال المبيع بعده ، إذ لا مانع فيه ، وهو خلاف التحقيق كما ستعرف ، واحتمل في الدروس ثبوته للبائع ، لسبق تعلق حقه فيقف العتق على التفرق ، أو يثبت الخيار في القيمة دون العين ، جمعا بين الحقين وتنزيلا لها منزلة التلف الذي لا يمنع الخيار ، بل في الحدائق « التوقف في سقوط خيار المشتري ، فضلا عن البائع ، لأن التعارض بين ما دل على العتق وعلى الخيار ، تعارض العموم من وجه ولا ترجيح » ولا ريب في بعد الجميع خصوصا مع علم البائع ، ودعوى تقدم حقه ممنوعة ، فإن الخيار بعد الملك كالعتق ، وهو مبني على التغليب وأدلته أنص على هذا المورد من أدلة الخيار ، ومعتضدة بالشهرة ، فيترجح عليها وتخصص بها ، والقيمة بدل العين ، فيمتنع استحقاقها دون المبدل.

نعم لو تصرف المشتري فيه بالعتق اختيارا سقط حقه قطعا ، بناء على ما عرفت ، أما البائع فالظاهر بقاء خياره لسبق حقه ، إلا أنه يقوى في خصوص العتق الانتقال إلى القيمة ، لما عرفت من عدم التزلزل فيه ، ودعوى عدم عود الحر رقا ، اللهم إلا أن يدعى توقف نفوذ العتق على انقضاء خيار البائع ، وهو مناف لإطلاق ما دل على حصوله بإجراء الصيغة على الملك ، لكن في المسالك الإشكال في صحة سائر تصرفات المشتري الناقلة مع خيار البائع ، وربما يأتي للمسألة تتمة في المباحث الاتية إنشاء الله ، ولو اشترى العبد نفسه بناء على جوازه كالكتابة فكا لانعتاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١.

١٩

عند الفاضل ، وفي جامع المقاصد « ان مثلهما لو كان المبيع جمدا في زمان الحر ، لانه يذوب شيئا فشيئا إلا أن يقال التلف لا يسقط الخيار » قلت : وهو كذلك والله اعلم.

ولو كان العاقد واحدا عن اثنين هو أحدهما أو غيرهما كالأب أو الجد أو الوصي لطفلين ، كان الخيار ثابتا ما لم يشترط سقوطه ، أو يلتزم به عنهما بعد العقد. أو يفارق المجلس الذي عقد فيه على قول لم نعرف قائله قبل المصنف ؛ نعم صرح بالخيار في الفرض جماعة من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا بيننا ، وإن حكى الفاضل قولا بالسقوط ، إلا أن الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين كونه من العامة ، نعم احتمله بعض أصحابنا أو مال إليه ، بل في الحدائق « انه الأقرب ، لقاعدة اللزوم ، والشك في ثبوت الخيار في الفرض ، إن لم يكن ظاهر الأدلة خلافه » وفيه انه يمكن ان يكون دليله ـ بعد الإجماع في الغنية. على دخول خيار المجلس كل بيع ، معتضدا بالشهرة العظيمة في المقام ، وظاهر الأصحاب في بيان محله التنقيح ، لأن المقتضي له في التعدد ـ هو البيع ، وقد وجد في الواحد ، والنص وإن كان ظاهره التعدد ، إلا انه بوروده مورد الغالب ؛ وظهور ارادة قصد التنصيص به على الاشتراك ، والتوطئة لذكر التفرق ، يضعف ارادة اعتبار ذلك في الخيار ، ولو اثر فيه ، لأثر في غيره مما ابتنى عليه ، فيسقط مع الاتحاد أكثر الاحكام ، وهو معلوم العدم ، فيكون الظاهر من تعليق الخيار بالبيع في قوله « البيعان » هو ثبوته لهما من حيث هما بيعان ويرجع بعد إسقاط التثنية من الحيثية ، لكونها في قوة التكرار بالعطف إلى ثبوته للبائع من حيث هو بايع ، والمشتري من حيث هو كذلك ، والعاقد الواحد بايع ومشتر ، فيثبت له الخيار بالاعتبارين.

ولا ينافي ذلك‌ قوله « ما لم يفترقا » إذا كان المراد من النفي حقيقته التي‌

٢٠