بحوث في علم الأصول - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٢

« دلالة الأمر على المرة أو التكرار »

الجهة السابعة ـ في دلالة الأمر على المرة أو التكرار وعدمها ونبحث في هذه الجهة تارة على مستوى المدلول الوضعي للأمر وأخرى فيما يقتضيه الإطلاق.

اما على مستوى المدلول الوضعي فلا ينبغي الإشكال في عدم دلالة الأمر على المرة ولا على التكرار وضعا لوضوح انه لا يستفاد من صيغة الأمر وضعا عدا النسبة الإرسالية ومن مادته عدا ذات الطبيعة فمن أين تستفاد المرة أو التكرار؟ ومما يؤيد ذلك عدم استشعار مئونة المجاز في موارد التقييد بالمرة أو التكرار على انه ان أخذت المرة أو التكرار في مدلول هيئة الأمر كان لازمه أخذ طرف النسبة وهو الحدث مرة أو مكررا معها في مدلول الهيئة ، وهو أمر غريب غير مألوف في الحروف والهيئات ، وان أخذ ذلك في المادة المشتركة في كافة الاشتقاقات لزم استفادة المرة أو التكرار منها أيضا مع انه غريب ولا يلتزم به أحد ، وما ذكرنا بلحاظ المرة والتكرار في الأفراد الطولية ـ يأتي أيضا بلحاظ الدفعة والدفعات في الافراد العرضية ، هذا كله على مستوى المدلول الوضعي.

واما على مستوى الإطلاق فقد ذكروا انه ليس له ضابط نوعي ، وانه يختلف استفادة انحلال الحكم إلى أحكام عديدة بعدد افراد الطبيعة ، أو عدم انحلاله حسب اختلاف الموارد ، والصحيح ان له ضابطا نوعيا وهو ان مقتضى الإطلاق الأولي هو

١٢١

الاكتفاء بالمرة والدفعة ـ أي عدم الانحلال بلحاظ المتعلق والانحلال والتكثر بلحاظ متعلق المتعلق ـ الموضوع ـ ما لم ترد نكتة حاكمة على ذلك فلو قال ( أكرم العالم ) فالوجوب بلحاظ العالم متكثر بعدد العلماء خارجا ، ولكن بالنسبة لكل عالم لا يجب أكثر من إكرام واحد ، وهذا امر بين عرفا ولغة الا ان الكلام في نكتته الفنية. فنقول : ان النكتة ليست ما قد يرد على الألسنة من ان الإطلاق بلحاظ المتعلق بدلي وبلحاظ الموضوع شمولي حتى يقال أي فرق بينهما بعد ان كانت مقدمات الحكمة في كافة الموارد بمعنى واحد وذات وظيفة واحدة هي إثبات ان تمام ما أخذ في الجعل ثبوتا ذات الطبيعة من دون أخذ قيد زائد معها.

وانما النكتة في بدلية المتعلق وشمولية الموضوع ناتجة من مركز كل منهما في القضية المعقولة ( الذهنية ) فان الموضوع يلحظ مفروض الوجود في المرتبة السابقة على الحكم وحيث ان له تطبيقات متكثرة فلا محالة يتعدد ويتكرر وينحل الحكم والمحمول بعدد تلك التطبيقات بينما المتعلق ليس كذلك بل يطلب إيجاده أو إعدامه فلا يلحظ مفروض الوجود والثبوت في المرتبة السابقة على الحكم والأمر فلا معنى للانحلال بلحاظه.

وان شئت بيانا أوضح لنكتة الانحلال في الموضوع وعدمه في المتعلق والمحمول قلت : ان الموضوع ـ سواء في القضية الإنشائية أو الخبرية ـ يفرض مقدر الوجود فحينما يقول ( أكرم العالم ) لا يطلب بهذا إيجاد العالم ثم إكرامه بل يفترض وجود العالم فيحكم بإكرامه وحينما يقال ( العالم نافع ) لا يتكفل الاخبار بوجود العالم بل يفترض وجوده ويخبر عن نافعيته على تقدير وجوده وهذا معناه رجوع القضية إلى قضية شرطية فكأنما يقول إذا كان العالم موجودا فأكرمه أو إذا كان العالم موجودا فهو نافع وإذا رجعت القضية إلى قضية شرطية تصبح فعلية الجزاء تابعة لفعلية الشرط وليس المتكلم ، في مقام ان يملي علينا فعليه الجزاء بغض النّظر عن الشرط لأن هذا خلف الشرطية فإذا أصبحت فعلية الجزاء مرتبطة بفعلية الشرط وتابعة لها فلا محالة تتعدد فعليته بتعدد فعلية الشرط لأن نسبة فعلية الجزاء إلى تمام فعليات الشرط على حد سواء واما المتعلق فليس مفروض الوجود وراجعا إلى الشرط فليس معنى إكرامه انه إذا وجد الإكرام فقد وجب فان هذا طلب الحاصل وليس معنى ( العالم نافع ) انه إذا وجد نفع للعالم

١٢٢

فالعالم نافع فان هذه قضية بشرط المحمول ولا تكشف عن وجود النّفع للعالم بينما المقصود هو الكشف عن وجود النّفع له فإذا لم ترجع القضية بلحاظ المتعلق والمحمول إلى قضية شرطية اذن ففعليتها لا تتبع فعلية المتعلق بل المتكلم هو يملي علينا فعلية الطلب أو الاخبار عن النّفع الآن من دون ربط لفعلية ذلك بفعلية المتعلق ولا دليل من قبل هذا الطلب أو الاخبار على تعدد الفعلية فلا محالة لا توجد الا فعلية واحدة (١).

ويترتب على هذا البيان عدة أمور :

١ ـ ان الإطلاق بحسب طبعه الأولي في كل من المتعلق في الجملة الإنشائية والمحمول في الجملة الخبرية لا يكون شموليا بل يكون بنحو صرف الوجود.

٢ ـ ان هذه النكتة لا فرق فيها بين الأوامر والنواهي ، فمقتضى الطبع الأولي في النهي أيضا هو الانحلال في الموضوع وعدم الانحلال في المتعلق. وهذا يعني : انه لا يكون

__________________

(١) يمكن توضيح هذا المطلب ببيان آخر حاصله : ان كل قضية سواء كانت إخبارية أو إنشائية ناظرة إلى عالم الحقيقة والواقع خارج الذهن وهذا يعني ان الذهن من خلال القضية ينظر إلى عالم الواقع اما اخبارا لإثبات مفهوم فيه أو نفيه أو إنشاء لإيقاعه أو الانتهاء عنه ومن الواضح ان المحمول والمتعلق لا بد وان يكون بمقتضى هذا اللحاظ مفهوما صرفا لا وجودا وواقعا لأن هذا خلف ان المراد إثباته أو إنشائه وهذا بخلاف الموضوع فقد يكون واقعا كما في قولك العالم مفيد أو العلم نافع وقد يكون مفهوما كما في قولك العالم موجود فان هذه القضية انما لم ينحل إلى وجود كل عالم لأن الموضوع فيها لوحظ كمفهوم أريد الاخبار عن وجوده كالمحمول والمتعلق تماما ولم يلحظ كمصداق وواقع وهذه هي نكتة عدم الانحلال في طرف المحمول ومتعلق الأمر والنهي ، نعم يبقى الفرق بين متعلق الأمر ومتعلق النهي وكذلك بين الإيجاب والسلب من حيث الانحلال العقلي الّذي يشير إليه صاحب الكفاية ( قده ) حيث ان نفي الطبيعة والمفهوم في الخارج لا يكون الا بانتفاء تمام حصصها بخلاف وجودها فانه يكفي فيه وجود فرد واحد منها تماما كقولك العالم موجود والعالم معدوم.

وعلى هذا الأساس يكون الضابط النوعيّ للانحلال وعدمه ان كل طبيعة تلحظ كمفهوم صرف يراد الحكاية عن ثبوته أو نفيه في الخارج اخبارا أو يراد إيقاعه أو إعدامه إنشاء لا محالة لا تكون منحلة سواء وقعت بحسب النسق الأدبي وتركيب الجملة موضوعا أو محمولا وكل طبيعة تلحظ في القضية كواقع في الخارج مفروغ عنه يراد إثبات شيء له أو نفيه عنه تكون صالحة للانحلال فتارة : يؤخذ معها قيد الوحدة والتنوين فلا انحلال وأخرى : تلحظ بما هي سارية في تمام افرادها أي تلحظ افرادها وهذا هو الانحلال العمومي المستفاد من أدوات العموم ككل وجميع. وثالثة : لا يلحظ الا ذاتها بما هي في الخارج وهذا هو الانحلال الإطلاقي الذاتي حيث ان ثبوت شيء للطبيعة يقتضي بالذات ثبوتها في تمام فعليات تلك الطبيعة في الخارج وبناء على هذا الضابط لا بد من ملاحظة قيود الواجب هل هي قيود للطبيعة المتعلق بها الأمر في مرتبة سابقة على الأمر فلا تلحظ الا كمفهوم محصص يطلب إيجاده فلا انحلال نظير قولنا تيمموا صعيدا أو اغتسلوا بالماء فان قيد الصعيد والماء تحصيص لمتعلق الأمر وليس بحسب هذه الجملة قيدا لأصل الإيجاب واما إذا كانت القيود راجعة إلى أصل الأمر والإيجاب فلا محالة يمكن ان يكون الأمر منحلا بلحاظها من قبيل صل عند الفجر أو دلوك الشمس.

والظاهر ان هذا هو روح مقصود سيدنا الأستاذ الشهيد قدس‌سره الشريف.

١٢٣

في النهي بلحاظ المتعلق أيضا الا حكم واحد كالأمر متعلق بالطبيعة الملحوظة بنحو صرف الوجود غاية الأمر الفرق بينهما في مرحلة الامتثال ، لأن المطلوب في الأمر إيجاد تلك الطبيعة وفي النهي إعدامها ، وكما قال صاحب الكفاية ( قده ) إيجاد الطبيعة يتحقق بفرد ولكن لا تنعدم الطبيعة الا بانعدام تمام افرادها فلا يتحقق امتثال النهي الا باجتناب تمام الافراد ، فالفرق بين الأمر والنهي ليس راجعا إلى كون الحكم واحدا في الأمر ومتعددا في النهي بل فيهما معا يكون واحدا ومتعلقا بالطبيعة بنحو صرف الوجود ، وانما الفرق في مقام الامتثال وإيجاد الطبيعة أو إعدامها. فلو قال ( أكرم العالم ) كان كل عالم يجب إكرامه بوجوب واحد غير منحل إلى وجوبات عديدة بعدد أنحاء الإكرام المتصورة له وإذا قال ( لا تكرم فاسقا ) كان مقتضى الطبع الأولي ان يحرم إكرام كل فاسق حرمة واحدة غير منحلة بحيث لو أكرم فاسقا مرة سقط الحكم بالنسبة إلى ذلك الفاسق بالعصيان وجاز إكرامه مرة أخرى الا ان هذا الوجوب الواحد يتحقق امتثاله بإكرام واحد وتلك الحرمة الواحدة لا يتحقق امتثالها الا بترك كل إكرام وهذا الفرق ثابت بين الجملة الخبرية الموجبة والنافية أيضا ، فقولك ( العالم موجود ) لا يدل على أكثر من وجود عالم واحد بينما قولك ( العالم ليس بموجود ) لا يصدق الا بانعدام تمام العلماء وقولك ( الجاهل ليس بنافع ) يستغرق النفي كل افراد الجاهل بنكتة الانحلال لأنه موضوع مقدر الوجود ويستغرق كل افراد النّفع لا بنكتة الانحلال بل بنكتة ان النّفع لا ينتفي الا بانتفاء كل افراده ولهذا لو فرض وجود نفع واحد للجاهل تبين كذب هذا النفي نهائيا بينما لو وجد جاهل واحد نافع لم يتبين كذب هذا الخبر نهائيا بحيث يكون فرض وجود جاهل آخر نافع وعدمه نسبة إلى هذا الاخبار على حد سواء ، بل يكون مزيدا من كذب هذا الاخبار. وقد أورد بعض المتأخرين على هذه المقالة بأنها مبنية على فكرة الكلي الهمداني القائل بان الطبيعة في الخارج نسبتها إلى الافراد نسبة الأب إلى الأبناء حيث يقال : أن وجودها بوجود فرد وعدمها لا يكون الا بانعدام كل الافراد ، واما بناء على ما هو الصحيح من ان نسبة الطبيعة في الخارج إلى الافراد نسبة الآباء إلى الأبناء فالطبيعة في كل فرد لها وجود مستقل. والتحقيق : ان هذا الكلام وقع فيه خلط بين عالمي الخارج والمفهوم ، فانه لو كان الحكم ينصب

١٢٤

على الخارج ابتداء صح هذا الكلام الا انه ينصب على الخارج بتوسط المفهوم لأنه من موجودات عالم النّفس وبلحاظ عالم المفاهيم التي هي مرآة للخارج لا يكون الا مفهوم واحد نسبته إلى الخارج نسبة الأب إلى الأبناء وسوف يأتي مزيد توضيح لذلك في بحث تعلق الأمر بالطبيعة أو الافراد.

٣ ـ ان هذا الانحلال في طرف الموضوع وعدمه في طرف المحمول والمتعلق انما هو من شئون عالم التطبيق والفعلية ولا ربط له بعالم الجعل ولهذا فهو ليس من المداليل الوضعيّة أو الإطلاقية لأن اللفظ بكل دلالاته انما يكشف عن عالم الجعل دون عالم التطبيق والفعلية والجعل هنا واحد على كل حال ، بخلاف الشمولية والبدلية في باب العمومات الوضعيّة فانه قد يفرض فيها ان أداة العموم من قبيل كلمة ( كل ) في ( أكرم كل عالم ) قد وضعت للعموم الشمولي وأن كلمة ( أي ) وضعت للعموم البدلي لأن المولى في باب العموم ينظر إلى الافراد بنحو إجمالي ولا يقتصر نظره على ذات الطبيعة ، وحينئذ فتارة يلحظها شموليا وأخرى يلحظها بدليا ، واما في باب المطلقات فلا يرجع الفرق بين المتعلق والموضوع إلى باب دلالة اللفظ ولا إلى لحاظ المولى ، فان كلا من الموضوع والمتعلق في ( أكرم العالم ) قد دل على ذات الطبيعة من دون ان يكون أحدهما دالا على البدلية والآخر على الشمولية والمولى أيضا لم يلحظ الا ذات الطبيعة وانما الشمولية والبدلية هنا من شئون عالم التطبيق والفعلية ، حيث ان الموضوع يكون مفروض الوجود في المرتبة السابقة على الحكم فيكون له تطبيقات متعددة فتتعدد لا محالة تطبيقات الحكم بينما المتعلق لا يكون مفروض الوجود ، بل الأمر نفسه يدعو إلى إيجاده فلا معنى للانحلال فيه.

٤ ـ ان ما قلناه من الانحلال في طرف الموضوع وعدمه في طرف المتعلق انما هو بحسب الطبع الأولي للقضية. وقد يوجد ما يحكم على الطبع الأولي فيوجب في طرف الموضوع عدم الانحلال أو يوجب في طرف المتعلق الانحلال.

اما ما يوجب في الموضوع عدم الانحلال فيمكن ان نمثل له بالتنوين ، كما إذا قال أكرم عالما فان التنوين يدل على تقييد الطبيعة بقيد الوحدة وهذا القيد ينافي الانحلال والانطباق على الفعليات المتكثرة فلا محالة يثبت الحكم على فرد واحد من الماهية دون الافراد.

١٢٥

واما ما يوجب في المتعلق الانحلال فيمكن ان نمثل له بالنكتة النوعية الموجودة في باب النواهي وتوضيح ذلك : ان مقتضى الطبيعة الأولية للنهي وان كان كالأمر عدم الانحلال فحينما يقول ( لا تقم ) يحرم القيام حرمة واحدة بلا انحلال بحيث إذا قام مرة سقطت الحرمة بالعصيان الا انه حيث ان الغالب في مبادئ النهي والحرمة قيامها بكل فرد فرد بنحو التعدد لا بالمجموع أو الجامع ، فالنهي اما ان ينشأ من مفسدة في الفعل فالغالب انها في كل فرد مستقلا أو ينشأ عن مصلحة في الترك والغالب انها توجد في ترك كل فرد مستقلا ، من هنا أصبح للنهي ظهور في إرادة تحريم الطبيعة بتمام افرادها ولا فرق في ذلك بين الافراد العرضية أو الطولية بحسب عمود الزمان ، بخلاف الأمر فان المصلحة في الفعل أو المفسدة في الترك ليس الغالب فيها قيامها بفعل تمام الافراد فلا ينعقد للأمر ظهور يحكم على مقتضى الطبع الأولي.

٥ ـ ان مقصودنا من الموضوع الّذي نقول عنه ان مقتضى طبع الحكم انحلاله بلحاظه ليس ما يكون مقدر الوجود ثبوتا أو يكون متعلق المتعلق بل ما يكون الكلام بحسب مقام الإثبات والفهم العرفي دالا على كونه مقدر الوجود كالعالم في ( أكرم العالم ) واما ما لم يكن للكلام دلالة عرفا على كونه مقدر الوجود من قبيل التراب والماء في ( تيمم بالتراب أو توضأ بالماء ) فلا ينحل الحكم بلحاظه ، وان كان متعلق المتعلق عرفنا من الخارج انه مقدر الوجود وشرط للحكم كما هو الحال في المثالين لأن الأمر بالتيمم بالتراب أو الوضوء بالماء بحسب المتفاهم العرفي في ( تيمم بالتراب وتوضأ بالماء ) لم يؤخذ فيه التراب والماء مقدر الوجود ، ولهذا لو لا الدليل الخارجي كنا نفهم لزوم إيجاد الماء والوضوء به.

١٢٦

« تعدد الامتثال أو تبديله »

تذنيب ـ قد اتضح مما تقدم انه لا فرق بين الافراد العرضية والافراد الطولية فيما ذكر من الانحلال بلحاظ الموضوع وعدمه بلحاظ المتعلق ، الا أنه لا بد من الالتفات إلى انه لا يمكن الامتثال بفردين طوليين ولكنه يمكن الامتثال بفردين أو أكثر عرضيين لأن المأمور به إذا كان هو الطبيعة من غير تقييد بقيد الوحدة أو الكثرة فيتم لا محالة بلحاظ الافراد العرضية في عمود الزمان التخيير العقلي بين الفرد والفردين والثلاث ، ويكون الجميع امتثالا واحدا ، واما الافراد الطولية في عمود الزمان فلا يمكن تحقق الامتثال بها جميعا لأن نسبة الطبيعة إليها وان كانت واحدة أيضا كالأفراد العرضية ، الا انه بعد تحقق الفرد الأول في عمود الزمان سوف يسقط الوجوب قهرا فلا يبقى مجال لافتراض الامتثال ثانية. فهناك ضيق في الوجوب أو قل في الواجب بما هو واجب فلا معنى للتخيير العقلي ، نعم التخيير الشرعي يمكن بالنحو الّذي تصوره صاحب الكفاية من إمكان التخيير بين الأقل والأكثر إذا رجعا إلى متباينين كالتسبيحة الواحدة بشرط لا عن الزائد والثلاث تسبيحات الا ان هذا يحتاج استفادته إلى مزيد مئونة وبيان ولا يثبت بمجرد الإطلاق.

وهل يمكن تبديل الامتثال من فرد بفرد آخر أولا؟ ذهب صاحب الكفاية إلى

١٢٧

إمكانه إذا لم تكن نسبة المتعلق إلى الغرض من الأمر نسبة العلة إلى المعلول بل نسبة المقتضي إلى المقتضى ، كما في مثال الأمر بإتيان الماء لرفع عطشه فأحضره العبد ثم قبل ان يشرب المولى بدله بفرد آخر مساو أو أفضل ، فهنا يمكن تبديل الامتثال قبل حصول الغرض لأن الأمر باق ببقاء الغرض الّذي دعا إليه (١).

وقد نوقش فيه من قبل المحقق الأصفهاني ( قده ) (٢) ، والسيد الأستاذ وغيرهما : بأن الغرض من الأمر دائما يتحقق بنفس الإتيان بمتعلقه واما ما يتراءى في مثال الماء من بقاء عطش المولى فهو ليس غرض الأمر بل هو خلط بين الغرض الأدنى الّذي يترتب على فعل المأمور به والغرض الأقصى وهو الارتواء الّذي هو من فعل الماء ومتوقف عليه.

والصحيح ان كلا من كلام صاحب الكفاية ( قده ) وربط المقام بمسألة الغرض من الأمر وكلام المناقشين غير تام. فلنا في المقام تعليقان :

التعليق الأول ـ على كلام صاحب الكفاية ( قده ) حيث ربط مسألة إمكان تبديل الامتثال بغرض الآمر مع أنك عرفت فيما سبق أن سقوط الأمر غير مرتبط بحصول غرض المولى ، بل يرتبط بإمكانية التحريك وعدمه وهو يكون بالامتثال وعدمه وليس تابعا لبقاء الغرض وعدمه أصلا. بل يستحيل ذلك ، لأن الأمر لو بقي بشخصه ومتعلقا بالجامع بين الفرد الواقع وبين سائر الافراد كان طلبا للحاصل ، ولو بقي متعلقا بغير الفرد الواقع استحال ان يكون شخص ذلك الأمر الأول.

التعليق الثاني ـ على كلام المستشكل الّذي قبل أصل منهجة بحث صاحب الكفاية من ربط المسألة بالغرض من الأمر ولكنه ادعى ان الغرض الأدنى هو الباعث على الأمر وهو حاصل دائما بالامتثال. فان هذا غير تام لأن الغرض الأدنى قد يكون غرضا مقدميا غيريا أو غرضا نفسيا ضمنيا ، ومن الواضح ان الأغراض المقدمية أو الضمنية لا تتحقق الا بعد الوصول إلى تمام النتيجة وتحقق تمام الاجزاء والشرائط ، لأن الغرض والحب الغيري لا يكون الا في المقدمة الموصلة كما ان الغرض

__________________

(١) كفاية الأصول ، ج ١ ، ص ١٢١ ـ ١٢٢.

(٢) نهاية الدراية ، ج ١ ، ص ١٤٤.

١٢٨

الضمني لا يحصل الا ضمن حصول تمام الغرض ، والّذي قد يكون الجزء الآخر منه خارجا عن اختيار المكلف وقدرته وانما كلف العبد بتحقيق ما هو تحت قدرته ومن قبله برجاء تحقق الجزء الآخر ولا محذور في ذلك كما لا يخفى. ثم انه لا بد وان نشير إلى ان هناك فرضية خارجية عن مسألة تبديل الامتثال بالامتثال قد تشتبه معها ، وهي ما لو كان للواجب شرط متأخر فترك الشرط وأتى بفرد آخر مع الشرط المتأخر كما إذا امره بإحضار الماء وحفظه إلى ان يأتيه فجاء به أولا ثم سكبه ولم يحفظه ثم جاء بماء آخر فان هذا من هدم الامتثال لا تبديله.

يبقى الكلام في فرع فقهي قد يجعل من مصاديق تبديل الامتثال وهو ما ورد من جواز أو استحباب إعادة الصلاة جماعة لمن صلاها فرادى.

والتحقيق ان الروايات الواردة في هذا الفرع يمكن تقسيمها إلى ثلاث طوائف :

الأولى ـ ما ورد بعنوان الأمر بالإعادة لا أكثر من ذلك وفيها ما يكون تام السند الا ان هذا من الواضح انه لا يدل على كون ذلك من باب تبديل الأمثال ، إذ لعل ذلك امر جديد استحبابي له امتثال جديد ومجرد كون هذه الصلاة الثانية أيضا معنونة بصلاة الظهر أو إعادتها مثلا لا يلزم كونها تبديلا لامتثال الأمر الأول.

الثانية ـ ما جاء فيها جملة ( ويجعلها الفريضة ) كما ورد ذلك في معتبرة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ( انه قال في الرّجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال يصلي معهم ويجعلها الفريضة ان شاء ) (١).

وهذه الطائفة قد يقال انها ظاهرة في تبديل الامتثال حين تقول يجعلها الفريضة ان شاء ، وهو معنى تبديل الامتثال.

وما يمكن ان يناقش به هذا الاستدلال أحد وجوه :

الأول ـ ان يقال بان المقصود انه يصلي فرضا في مقابل التطوع والنافلة حيث ان الجماعة في صلاة التطوع باطلة.

وفيه : ان هذا خلاف ظاهر اللام في كلمة ( الفريضة ) الظاهرة في الإشارة إلى

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ب ٥٤ من أبواب صلاة الجماعة ـ ج ١ ـ ص ٤٥٥.

١٢٩

نفس الفرض السابق الّذي جاء به ، وخلاف كلمة إن شاء فانه لو كان المقصود ذلك لم يكن باختياره لأن عدم الجماعة في التطوع عزيمة لا رخصة ، الا ان يفرض رجوع المشيئة إلى أصل الصلاة معهم وهو خلاف الظاهر أيضا ، لأن ظاهر السياق المفروغية عن إرادته للإعادة معهم وليس هناك توهم لوجوب الصلاة معهم عليه ليراد رفع هذا التوهم بقوله ان شاء.

الثاني ـ لعل عنوان الفريضة أخذ معرفا ومشيرا إلى ذات صلاة الظهر مثلا بقطع النّظر عن كونها واجبة أو مستحبة كما ان صلاة الليل ليست فريضة وان كانت قد تجب أحيانا فترجع هذه الطائفة إلى الطائفة السابقة من انها امر بإعادة ذات صلاة الفريضة استحبابا.

وفيه : ١ ـ ان الحمل على المعرفية الصرفة خلاف الظاهر ويحتاج إلى قرينة.

٢ ـ ان هناك فرقا بين الأمر بإعادة الصلاة الفريضة وبين قوله ويجعلها الفريضة الظاهر في العهد مع وضوح ان هناك صلاة ظهر واحدة فريضة.

٣ ـ ان هذا خلاف ظاهر كلمة إن شاء بعد ان استظهرنا رجوعها إلى جعلها هي الظهر لا إلى أصل الصلاة معهم.

الثالث ـ ان يقال بأنها واردة فيمن هو مشغول بالصلاة ويجد الجماعة قبل فراغه عن صلاته ويستشهد لذلك بقرينة التعبير بصيغة المضارع ( في الرّجل يصلي ) ويكون المعنى إن شاء في أثناء الصلاة يقطع صلاته بعد قلبها نافلة مثلا ويصلي الفريضة مع الجماعة وإن شاء يكمل صلاته ويصلي صلاة أخرى قضاء مثلا مع الجماعة.

وهذا الوجه أردأ الوجوه فانه ١ ـ التعبير بفعل المضارع لا يشفع لهذا الحمل بعد ان عبر بكلمة ( ثم يجد جماعة ) الظاهر في الفراغ عن الصلاة.

٢ ـ يلزم منه ان الإمام لم يبين بالمطابقة الحكم العملي الفعلي لهذا الشخص بالنسبة لما بيده من الصلاة ، وانما بين حكما آخر وهو الإتيان بالفريضة مع الجماعة ان شاء بحيث ينبغي ان يفهم منه بالملازمة جواز قطع صلاته مع انه لو كان السؤال عما فرض في هذا الوجه كان المناسب بحسب المحاورة ان يبين أولا الجهة المسئول عنها بالمطابقة

١٣٠

وهذا بخلاف ما إذا فرضنا ان السؤال عما بعد الفراغ عن صلاته.

والصحيح : ان غاية ما تدل عليه هذه الرواية إمكان جعل الصلاة المعادة جماعة هي الفريضة وهذا لا يساوق تبديل الامتثال بل ينسجم مع فرضية هدم الامتثال وذلك بان يقال ان الواجب كان مشروطا من أول الأمر بشرط متأخر من قبيل ان لا يأتي بعد ذلك بفرد آخر أفضل منه بنية جعلها هي الفريضة كالصلاة جماعة وبناء عليه يكون إتيان ذلك هدما للامتثال الأول.

ان قلت ـ ان فرض مشروطية الواجب بشرط متأخر من هذا القبيل ينفيه إطلاق المادة.

قلت ـ أولا ليس الكلام في تنجيز حكم أو التعذير عنه حتى يتمسك بهذا الصدد بالإطلاق ، وانما الكلام في اننا أقمنا برهانا عقليا على استحالة تبديل الامتثال فلو فرض ورود نصّ من الإمام عليه‌السلام ظاهر فيما فرضناه محالا ، كان هذا نقطة ضعف في كلامنا وقد يشكل قرينة ناقصة على احتمال الاشتباه والخطأ وكان المقصود دفع هذه القرينة الناقصة وهو يحصل بما ذكرناه واما مجرد كونه خلاف إطلاق المادة في الأمر بالصلاة فلا يشكل قرينة نقلية ناقصة في قبال البرهان العقلي.

وثانيا ـ انا لا نقبل إطلاقا للواجب في مثل ( أقيموا الصلاة ) ونحوه ، وانما نستفيد الإطلاق من الاخبار البيانية ومن الواضح ان الاخبار البيانية لم تكن بصدد البيان من ناحية ما لو جاء بعد ذلك بفرد أفضل حتى ينعقد لها إطلاق ناف لهذا الشرط المتأخر.

الطائفة الثالثة ـ ما ورد بلسان ان الله يختار أحبهما إليه وهذا يدل على إمكان تبديل الامتثال لأن ظاهره انه يختار أحبهما في مقام الامتثال وأداء الوظيفة.

والجواب ـ مع غض النّظر عن ضعف سند هذه الطائفة ـ سنخ ما ذكرناه في الإجابة على الطائفة السابقة من احتمال ان يكون الواجب مشروطا بعدم الإتيان بفرد أفضل أو أحب إلى الله سبحانه وتعالى وهذا الجواب أفضل مما قيل بأنه لعل المقصود اختيار الله أفضل الفردين في مقام الثواب لا في الجانب الوظيفي. لأن هذا خلاف ظاهر السياق في ان الاختيار بلحاظ الجانب الوظيفي لا الثواب. على ان النّظر لو كان إلى الثواب فلما ذا يفترض الاختيار والانتخاب لأحد الفردين ، بل كلاهما انقياد بحكم

١٣١

العقل وله ثواب بل النص يشير إلى محبوبية كل منهما في نفسه. اللهم الا ان يراد الاختيار بلحاظ ثواب مخصوص وهو ثواب الفريضة الا ان هذا تمحل في تمحل لأن فرض كون النّظر إلى الثواب ثم إلى ثواب مخصوص كله خلاف الظاهر.

١٣٢

بحوث الأوامر

الإجزاء

ـ تعريف الاجزاء

ـ اجزاء الأمر الاضطراري

ـ إجراء الأمر الظاهري

١٣٣
١٣٤

الفصل الثالث ـ في الإجزاء

والمراد بالاجزاء هو الاكتفاء بما أتي به وعدم لزوم الإعادة أو القضاء كل بحسب مورده ، وهناك ملاكان وصيغتان كبرويتان للاجزاء.

إحداهما ـ ان الإتيان بغرض المولى كاف في الخروج عن عهدة التكليف ، لأن العقل الّذي هو الحاكم المستقل في باب الإطاعة والعصيان يحكم بكفاية ذلك في مقام الامتثال والخروج عن حق طاعة المولى.

الثانية ـ ان الإتيان بمتعلق امر كاف في الخروج عن عهدة شخص ذلك الأمر ، لما مضى من ان التحريك بعد العمل نحو الجامع القابل للانطباق على ما وقع تحصيل للحاصل ، والتحريك نحو فرد آخر منه يكون امرا جديدا.

والبحث عن اجزاء الأمر الاضطراري والظاهري يرجع بحسب الحقيقة إلى البحث عن ان العمل بالأمر الاضطراري أو الظاهري هل تنطبق عليه إحدى الكبريين ، بمعنى ان المستظهر من دليل الأمر الظاهري أو الاضطراري مع قطع النّظر عن القرائن الخاصة اندراج العمل الاضطراري أو الظاهري تحت إحدى الكبريين أولا؟

والكلام يقع تارة في اجزاء الأمر الاضطراري ، وأخرى في اجزاء الأمر الظاهري.

١٣٥
١٣٦

المقام الأول ـ في إجزاء الأمر الاضطراري.

ولا بد أولا من ذكر المحتملات الثبوتية بشأن الواجب الاضطراري من حيث دوره في تحصيل الغرض الواقعي والنتائج المترتبة على تلك المحتملات ، ثم نتكلم فيما هو المستظهر من دليل الأمر الاضطراري فنقول : ان محتملات الواجب الاضطراري محصورة عقلا في أربعة فروض :

١ ـ كونه وافيا بتمام غرض الواقع.

٢ ـ كونه وافيا ببعض الغرض منه ، بحيث يكون المتبقي نسبة غير إلزامية.

٣ ـ كونه وافيا ببعض الغرض منه ، ويكون المقدار المتبقي نسبة إلزامية الا انه لا يمكن تحصيله بعد حصول المقدار الاضطراري نظير العطشان إذا روى بماء غير بارد أولا فلا يمكن إرواؤه بعد ذلك بالماء البارد.

٤ ـ نفس الصورة السابقة مع فرض إمكان تحصيل المقدار المتبقي ثانيا.

ولنتكلم حول نتائج هذه الفروض الأربعة بلحاظ آثار أربعة هي : الاجزاء عن الواقع. وجواز البدار وضعا ، وجوازه تكليفا ، وجواز إيقاع المكلف نفسه في الاضطرار.

الأثر الأول ـ في الاجزاء عن الواقع ـ ولا إشكال ان الفروض الثلاثة الأولى

١٣٧

تكون مجزية بملاك الوفاء بالغرض ـ الكبرى الأولى ـ وعدم بقاء ملاك ملزم قابل للتدارك. كما ان الفرض الأخير لا يجزي لبقاء مقدار من الملاك ملزم قابل للتدارك بالإعادة أو القضاء.

الأثر الثاني ـ في جواز البدار وضعا ، بمعنى اجزاء العمل الاضطراري حتى في صورة البدار. وهذا انما نحتاج إليه في الفروض الثلاثة الأولى. والتحقيق ان النتيجة لا تختلف باختلاف الأقسام الثلاثة ، فان الوفاء بالغرض بأحد الأنحاء الثلاثة ، إن كان مشروطا بعدم البدار لم يجز البدار وضعا والا جاز البدار.

الأثر الثالث ـ جواز البدار تكليفا ، ولا إشكال في جوازه في الأول والثاني ، لأنه لو فرض جواز البدار وضعا فيهما فيجوز ذلك تكليفا أيضا ، وإن فرض عدم جواز البدار وضعا بمعنى عدم صحة العمل ، فغاية ما يفترض لغوية العمل لا حرمته تكليفا. كما لا ينبغي الإشكال في جوازه على الفرض الرابع إذ لا يلزم منه فوت شيء من الغرض لا يمكن تداركه لكي يتوهم عدم الجواز. واما على الفرض الثالث فالجواز التكليفي مع الجواز الوضعي متعاكسان ، بمعنى انه لو كان العمل الاضطراري في أول الوقت جائزا وضعا ، أي صحيحا ووافيا بمقدار من الغرض فحيث انه يؤدي إلى فوات مقدار ملزم من الغرض فلا يجوز البدار تكليفا مع احتمال ارتفاع العذر لأنه يسد باب تدارك الباقي اللازم تحصيله وان كان غير جائز وضعا أي غير واف بشيء من الغرض على تقدير ارتفاع العذر في آخر الوقت فيجوز البدار تكليفا إذ لا يترتب عليه تفويت شيء من الغرض.

وقد يقال : انه متى ما لم يجز البدار تكليفا لم يجز البدار وضعا أيضا ، لأن النهي في العبادات يوجب الفساد فليس الجواز الوضعي والتكليفي متعاكسين في باب العبادات بالخصوص.

وفيه : إن كان عدم إمكان التدارك على أساس التضاد بين الملاك المستوفى بالعمل الاضطراري والملاك المتبقي فلا مجال لهذا الإشكال لأن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده وانما يكون عدم جواز البدار على أساس إرشاد العقل إلى عدم البدار حفاظا على المصلحة الأوفى كما في موارد ترك الواجب الأهم وامتثال

١٣٨

الواجب المهم ، لا ان هناك نهيا مولويا ، وان كان عدم إمكان التدارك على أساس مانعية الملاك الأصغر عن الملاك الأكبر فان بنينا على إنكار المبغوضية والمحبوبية المقدمية أو على قبولهما ولكن قلنا بان المبغوضية المقدمية غيرية والمبغوضية الغيرية لا توجب البطلان ـ كما هو الصحيح ـ فائضا لا أساس لهذا الإشكال فانما يتجه هذا الإشكال على تقدير المانعية والقول بالمبغوضية المقدمية وكونها تبطل العبادة.

وقد يجاب على هذا الإشكال بأحد جوابين آخرين.

الأول ـ ان هذه المبغوضية في المقام لا يمكن ان تكون موجبة لبطلان العمل لأنها في طول صحة العمل وجوازه وضعا إذ لو كان العمل المأتي به في أول الوقت فاسدا لم يستوف شيء من الملاك والغرض به كي يكون مانعا عن المصلحة الأكبر وهذا يعني ان ثبوت هذه المبغوضية والحرمة يلزم منه عدم ثبوتها ، وكل شيء يلزم من وجوده عدمه محال. ولا يقاس بمثل حرمة الصلاة في الدار المغصوبة الثابتة على تقديري الصحة والبطلان معا.

ويرده : ان المبغوضية انما تعرض في ذهن المولى على العمل الصحيح لكونه يوجب فوات قسم مهم من الغرض المولوي ، وهي إلى الا بد مبغوضية للعمل الصحيح ولا يخرج معروض المبغوضية الحقيقي عن كونه هو العمل الصحيح. نعم هذه المبغوضية أوجبت ان لا يتمكن العبد الملتفت إليها على إيجاد مصداق المبغوض وهو العمل الصحيح في الخارج لاحتياجه إلى قصد القربة الّذي لا يتمشى مع الالتفات إلى المبغوضية وهذا لا يعني ان مبغوضية العمل الصحيح أوجبت عدم نفسها ونفت صحة معروضها وانما يعني انها أوجبت عدم إمكان إيجاد ذلك المبغوض في الخارج وهذا لا محذور فيه.

الثاني ـ ان هذه المبغوضية لو اقتضت البطلان في المقام لزم تعلقها بغير المقدور لأنها انما تتعلق بالعمل الصحيح وهو غير مقدور بعد النهي والنهي كالأمر لا بد وان يتعلق بالفعل المقدور.

وهذا الوجه يكفي في دفعه انا لو سلمنا ان النهي يجب تعلقه بالمقدور أي الممكن إيجاده حتى في طول النهي فهذا انما يكون شرطا في النهي الّذي هو فعل اختياري

١٣٩

للمولى لا في المبغوضية التي قد تتعلق بما لا يكون مقدورا للمكلف.

الأثر الرابع ـ في جواز إيقاع المكلف نفسه في الاضطرار اختيارا ، أما في الفرضين الأول والثاني فيجوز للمكلف إيقاع نفسه في الاضطرار اختيارا لو فرض ان وفاء العمل بما يفي به من مصلحة ـ بحسب الفرض ـ غير مشروط بأن لا يكون الاضطرار بسوء الاختيار أما لو كان مشروطا بذلك فلا يجوز لأنه يستوجب فوات كل الغرض لعجزه عن العمل الاختياري عدم وفاء عمله الاضطراري لاشتراط ان لا يكون الاضطرار بسوء الاختيار.

واما في الفرض الثالث فلا يجوز إيقاع نفسه في الاضطرار اختيارا سواء فرض ان وفاء العمل بمقدار من المصلحة وصحته كان مشروطا بكون الاضطرار لا بسوء الاختيار أم لا ، لأنه على كلا التقديرين يكون قد حرم نفسه عن الغرض المولوي الملزم اما جميعا أو لجزء مهم ملزم منه وهو غير جائز تكليفا.

وكذلك الحال في الفرض الرابع أي انه لا يجوز إيقاع نفسه في الاضطرار اختيارا سواء كان الجواز الوضعي مشروطا بكون الاضطرار لا بسوء الاختيار أم لا ، لأنه على الأول يكون قد فوت على نفسه تمام الملاك لعجزه بحسب الفرض إلى آخر الوقت ، وعلى الثاني يكون قد عجز نفسه عن جزء مهم إلزاميّ من الملاك لأنه مع بقاء عجزه إلى آخر الوقت لا يمكنه التدارك.

هذه هي الفروض المحتملة ثبوتا بحق الواجب الاضطراري ونتائج كل منهما بلحاظ الآثار الأربعة ، وقد ظهر انه بلحاظ الاجزاء يتعين الاجزاء في الفروض الثلاثة الأولى وعدم الاجزاء في الصورة الرابعة.

يبقى الكلام في مرحلة الإثبات وبحسب ظاهر دليل الأمر الاضطراري والبحث عن ذلك يقع ضمن مسألتين :

الأولى ـ ما إذا ارتفع العذر في أثناء وقت الواجب فهل تجب الإعادة أم لا؟

الثانية ـ ما إذا ارتفع بعد الوقت فهل يجب القضاء أم لا؟

اما المسألة الأولى ـ فتارة : يفترض ان دليل الأمر الاضطراري قد أخذ في موضوعه استمرار العذر إلى آخر الوقت وهذا خارج عن موضوع البحث لأنه بعد تبين ارتفاع

١٤٠