جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فيه عندنا ، والنصوص (١) متظافرة به بل متواترة ، والكتاب ناطق به ، وما عساه يتوهم من بعض الأخبار من خروج وقته بالقامة (٢) أو بالذراع (٣) أو غير ذلك محمول على إرادة وقت الفضيلة أو الاختيار قطعا كما ستسمعه ، لا أن المراد عدم قابلية الوقت بعد لأدائه أصلا ، ونحوه الكلام في العصر أيضا ، فأوله الزوال بناء على الاشتراك ، أو ما بعد أداء الظهر بناء على الاختصاص بلا خلاف صريح أجده فيه ، بل هو مجمع عليه تحصيلا ونقلا ، والنصوص (٤) متظافرة أو متواترة فيه ، والكتاب دال عليه ، وما عساه يظهر من بعض الأخبار أن ابتداء وقته القدمان (٥) كالعبارة المحكية عن الهداية ، أو الذراعان (٦) أو المثلان (٧) أو نحو ذلك محمول على إرادة التأخير للنافلة كما سمعته في الظهر ، أو على إرادة الفضيلة وإن لم يتنفل بناء على استحباب تأخيره إلى هذا المقدار وإن لم يتنفل كما هو أحد الوجهين في الظهر ، ويأتي تحقيق البحث فيه.

وأما آخره في الجملة فهو الغروب بلا خلاف معتد به ولا إشكال لنحو ما سمعته في الظهر ، انما البحث فيما ذكره المصنف ثانيا رفعا لما أوهمه أولا من اختصاص الظهر من أول الزوال بحيث لا يصح فيه العصر بحال من الأحوال كما هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في المختلف نسبته إلى علمائنا عدا الصدوق ، بل عن المنتهى ذلك من غير استثناء ، بل في السرائر انه قول المحصلين من أصحابنا الذين يلزمون الأدلة والمعاني لا العبارات والألفاظ ، بل ربما يتوهم من موضع آخر فيها الإجماع ، بل في ظاهر الغنية أو صريحها دعواه عليه ، بل عن الشيخ نجيب الدين انه نقل الإجماع عليه جماعة ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٣ و ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

٨١

لا خلاف أجده فيه سوى ما يحكى عن ظاهر الصدوقين من الاشتراك ، مع انهما كما قيل لم يذكرا شيئا سوى أن الأول منهما عبر بمضمون‌ خبر عبيد (١) الدال بظاهره على الاشتراك « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه قبل هذه » والثاني رواه ، ولعل من نسب اليه ذلك بناء على ما ذكره في أول كتابه من العمل بما يرويه فيه ، لكن ـ مع ظهور عدوله عنه فيه كما لا يخفى على الخبير الممارس ـ يمكن المناقشة في دلالته على الاشتراك ، كما يومي اليه ما حكي من ناصريات المرتضى الذي نذهب إليه انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف ، ثم يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر ، قال : وتحقيق هذا الموضع أنه إذا زالت دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات ، فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان ، ومعنى ذلك أنه يصح أن يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله ، على أن الظهر مقدمة على العصر ، ثم لا يزال في وقت منهما إلى أن يبقى إلى غروب الشمس مقدار أداء أربع ركعات ، فيخرج وقت الظهر ويخلص هذا المقدار للعصر كما خلص الوقت الأول للظهر ، ولقد أجاد في المختلف حيث قال : إنه بناء على هذا التفسير يزول الخلاف ، قلت : بل وعلى غيره مما ستسمعه في معنى الرواية المزبورة.

ومن العجيب انه حكى في السرائر عن بعض الأصحاب والكتب عبارة الاشتراك السابقة ثم أنكرها وجعلها ضد الصواب ، وكأنه لم يعثر على النصوص المتضمنة لها ، ولذا بالغ المحقق في الإنكار عليه ، وقال : كأنه ما درى أن ذلك نص من الأئمة عليهم‌السلام أو درى وأقدم ، وقد رواه زرارة (٢) وعبيد (٣) والصباح بن سيابة (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٨٢

ومالك الجهني (١) ويونس (٢) عن العبد الصالح وعن أبي عبد الله عليهما‌السلام على أن فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به ، فيجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن أفترى انه لم يكن فيهم من يساوي هذا الطاعن في الحذق ، ويستفاد منه كثرة من عبر بهذه العبارة من الأصحاب لا خصوص ابن بابويه ، ولعله عثر على ما لم نعثر عليه ، أو يريد المحدثين من أصحابنا ، وكيف كان فالمتبع الدليل.

وقد ذكر للأول مضافا إلى ما عرفت الأخبار (٣) المستفيضة في أن الحائض انما يجب عليها صلاة العصر خاصة إذا طهرت وقت العصر ، والصحيح (٤) « في الرجل يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر أنه يبدو بالعصر » والصحيح (٥) المتضمن امتداد الوقت الاضطراري للعشاءين إلى الفجر ، وسيأتي مع ضميمة عدم القول بالفصل ، والقوي (٦) « قلت : فإن نسي الأولى والعصر جميعا ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال : إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر ، وان هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته ، فيكون قد فاتتاه جميعا ، ولكن يصلي العصر فيما بقي من وقتها ، ثم ليصل الأولى على أثرها » والخبر (٧) « إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة » بضميمة عدم القول بالفصل ، ومرسلة داود ابن فرقد (٨) المنجبرة بما سمعت عن الصادق عليه‌السلام « إذا زالت الشمس فقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٣ و ٥ و ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٨ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٩ من كتاب الصلاة.

(٨) ذكر صدرها في الوسائل في الباب ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ وذيلها في الباب ١٢ منها ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٨٣

دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » وظاهر خبر الشامة (١) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله عز وجل من الجنة » والرضا عليه‌السلام (٣) عن العلل التي رواها الفضل « ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور ، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها » وأمور أخر واضحة الضعف كما لا يخفى على من لاحظها في المختلف والذخيرة وغيرهما.

بل بعضها مبني على توهم أن الاختصاص من لوازم الترتيب ، وهو كما ترى ، وآخر يقتضي الاختصاص حتى في الوقت المشترك ، وثالث لا دلالة فيه أصلا ، ورابع غير معمول به كبعض أخبار الحائض (٤) الدالة على أنها تصلي العصر ثم الظهر إذا كان قد اغتسلت في وقت العصر ، ضرورة ظهوره في إرادة الفضيلة من وقت العصر فيه لا مقدار أدائه ، كما يومي اليه الأمر بصلاتها الظهر بعد ذلك ، إذ لو أريد مقدار أداء العصر لم يجب عليها الظهر حينئذ على ما تقدم في محله ، فلا تكون حينئذ معمولا بها عند المعظم ، لوجوب تقديم الظهر عليها إذا فرض طهرها في وقت فضيلة العصر ، نعم تتم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١٤.

٨٤

على ما يحكى من تهذيب الشيخ من استحباب الظهر لها إذا طهرت بعد ما مضى من الزوال أربعة أقدام ، على أن تأخيره عن العصر عنده غير معلوم ، لكن لعله لأن فعله قبله يكون من التطوع قبل الفريضة ، مضافا إلى الخبر المذكور ، ودعوى ان جميع ما ورد في الحائض من الأخبار تجري فيه ما سمعته من الكلام حتى ما أشرنا إليه منها في الأدلة يدفعها ملاحظة النصوص.

نعم قد يناقش بنحو ذلك في الصحيح السابق المذكور ثاني الأدلة ، لظهور إرادة وقت الفضيلة من العصر فيه لا الاختصاصي ، لندرته ، والتعبير عنه بلفظ الدخول ، فيكون حينئذ غير معمول به إلا على مذهب القائلين بأن للصلاتين وقتين اختياريا واضطراريا وفرض تأخير الظهر عمدا ، فإنه يتجه حينئذ عدم صلاة الظهر أداء بمجرد دخول وقت العصر ، على أنه لا يخلو وجوب تعيين العصر سابقه على الظهر من إشكال ، بل قضية ترتب الأدائية على القضائية خلافه ، إذ احتمال اختصاص العصر بمقدار أدائها من أول وقتها بحيث لا يصح فيه الظهر ولو قضاء ضعيف لا تساعد عليه الأدلة ، ولا أظن قائلا به من الأصحاب.

كما انه قد يناقش في الثالث بعده بأنه مبني على امتداد وقت الاضطرار للعشائين إلى الفجر ، وثبوت الاختصاص فيه أيضا عند القائلين به ، وهو محل نظر أو منع ، إلا أن هذه المناقشات كلها بعد تسليمها لا تقدح في صحة الدعوى بعد سلامة غيرها مما عرفت من الأدلة ، والمناقشة فيها جميعها أو أكثرها كما وقع من صاحب الذخيرة لا يلتفت إليها بعد وضوح ضعفها ، خصوصا مناقشته في خبر داود بن فرقد بالضعف في سنده الذي قد عرفت انجباره بما سمعت ، وبمتنه باحتمال إرادة الوقت المختص بالظهر عند التذكر من وقت الظهر فيه ، وكذا العصر ، إذ هي كما ترى في غاية الضعف أيضا ، إذ مثل ذلك لا ينبغي ان يختص بمقدار الأربع ، بل هو كغيره مما عداه من الوقت ، ضرورة عدم‌

٨٥

صحة فعل العصر مطلقا قبل الظهر عند التذكر.

وأطرف من هذا قوله فيها أيضا : وبالجملة إبقاء هذا الخبر على ظاهره وارتكاب التأويل في معارضه فرع رجحانه عليه ، وهو ممنوع ، إذ من الواضح رجحانه عليه باعتضاده بما سمعت ، وانجباره بما عرفت ، ونصوصيته ، بخلاف معارضه ، إذ هو ليس إلا ما دل على دخول وقت الفريضة بمجرد الزوال من الآية (١) والرواية كصحيحة زرارة (٢) عن أبي جعفر (ع) وولده (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال في الأولى منهما : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت دخل الوقتان المغرب والعشاء » وقال في الثانية منهما : « صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه » كخبره الآخر (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « سألته عن وقت الظهر والعصر فقال : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » ونحوهما غيرهما (٥) وإلا إطلاق ما دل على صحة الصلاة الثانية لو وقعت نسيانا قبل الأولى من غير فرق بين وقوعها في المختص أو المشترك ، والثاني واضح المنع ، لأن مورد الحكم هناك مخصوص بالناسي ، ونسيان الأولى في أول الوقت بعيد ، على أنه مطلق كالأول يحكم عليه المقيد ، بل لعل الاستثناء في الأول يقتضي ثبوت الاختصاص والاشتراك فيما عداه ، كما يومي اليه في الجملة قوله عليه‌السلام : « ثم أنت في وقت منهما » إلى آخره على أن يكون المعنى إلا أن وقت هذه قبل وقت هذه على حذف مضاف ، ومراد منه دخول الوقتين على التوزيع ، ودفع ما يتوهم من أول التعبير ، وهي عبارة مأنوسة‌

__________________

(١) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٨٦

في إفادة هذا المعنى ، والترتيب في سائر الوقت ليس محصورا دليله في هذه الأخبار ، واحتمال أن المراد كون هذه يجب فعلها قبل هذه ، وذلك لا يقتضي وقوع الثانية في غير وقتها لو أتي بها في أول الوقت ، كما لو فرض وقوعها في الوسط قبل الأولى خلاف ظاهر الاستثناء ، فتأمل ، لا أقل من احتمال العبارة كلا منهما ، فلا تصلح للاستدلال ، بل يجب حملها على تلك الأدلة الصريحة حتى لو كانت ظاهرة في ذلك أيضا ، على أن التعبير بدخول الوقتين معا بزوال الشمس قد لا ينافي الاختصاص بعد فرض كون العصر متصلة بها ومترتبة عليها كاتصال الركعة الثانية بالأولى ، خصوصا ولا وقت لها محدود كما نطق به خبر الفضل السابق (١) بل وخبر زرارة (٢) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « بين الظهر والعصر حد معروف ، فقال : لا ».

كما انه ليس للظهر مقدار من الوقت معين ، بل أي وقت فرض وقوعها فيه أمكن فرضها فيما هو أقل منه ، حتى ربما كانت الظهر تسبيحة واحدة كصلاة شدة الخوف ، فيكون وقت العصر بعدها حينئذ ، بل لو ظن الزوال وصلى ثم دخل الوقت قبل إكمال الظهر بلحظة صح فعل العصر بعدها ، فيكون حينئذ في أول الوقت إلا تلك اللحظة ، فلا بأس حينئذ أن يقال إذا زالت الشمس دخل الوقتان ، بل قد يدعى تعارف هذه العبارة في كل فعلين مترتبين على نحو صلاة الظهر والعصر ، ولا ينافيه اختصاص الأولى من أول الوقت والثانية من آخره ، بل الظاهر ان هذه العبارة في هذا المعنى من ألخص العبارات وأحسنها ، وبالجملة لا يتوقف صدق ذلك على صلاحية الوقت الأول لفعلها في بعض الأحوال ، بل قد يقال يكفي في الصدق دخول وقت المجموع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٨٧

لا الجميع ، كما يومي اليه ما في صحيح زرارة (١) وغيره المتضمن لكون الزوال أول وقت الفرائض الأربعة : أي الظهرين والعشاءين الذي لا وجه له إلا إرادة المجموع ، فتأمل. ودعوى أن ذلك كله لا بد فيه من التجوز الذي لا ينبغي أن يرتكب مع التمكن من الحقيقة يدفعها ـ بعد التسليم ، وإلا فقد صرح الشهيد الثاني بأنه حقيقة ، ولعله كذلك ـ انه لا بأس به بعد قيام القرينة ، وهي ما سمعته من الأدلة السابقة ، على أنه لازم أيضا على تقدير الاشتراك في مثل صحيحة زرارة السابقة ، ضرورة إرادة الوقت الواحد المشترك من لفظ الوقتين فيها ، لعدم التعدد حقيقة ، ورجحانه على المجاز في إسناد الدخول على تقدير الاختصاص باعتبار شدة القرب بين دخولهما ، وعدم الحد المعروف المنضبط بينهما ، فكأنهما بالزوال يدخلان معا ممنوع ، بل لعله أرجح منه من وجوه لا تخفى ، لا أقل من التساوي ، فلا تدل على الاشتراك كي تنافي ما دل على الاختصاص ، بل لو قطع النظر عن تلك الأدلة كان المتجه الوقوف في إثبات التوقيت أولا وآخرا على موضع اليقين ، وهو ما بعد القدر المختص من الأول بالنسبة إلى العصر ، وما قبله من الآخر بالنسبة إلى الظهر ، إذ النصوص بل الضرورة قاضية بوجوب الصلاة في وقت معين عند الشارع ، واشتراط صحتها به ، فلا جهة للتمسك بالأمر المطلق بالصلاة ، بل البراءة اليقينية من ذلك الشغل اليقيني موقوفة على ما ذكرنا وإن أجرينا الأصل في شرائط العبادة ، فتأمل جيدا.

وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا مجال عن القول بالاختصاص ، وأنه لا استبعاد فيه وإن لم يكن له حد معروف بالشرع ، بل يختلف بحسب اختلاف المكلفين سفرا وحضرا ، ضرورة ظهور التحديد في مرسلة ابن فرقد والمبسوط والإرشاد وغيرهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٨٨

بالأربع في الحاضر ، وإلا فالمراد نصا وفتوى قطعا مقدار أداء الظهر مثلا ، كما عبر به في موضع آخر من السرائر ، وذلك مختلف بالسفر والحضر والاختيار والاضطرار والسرعة والبطء الطبيعيين للمكلفين ، بل وباعتبار سبق حصول بعض الأجزاء ، كما لو صلى ظانا دخول الوقت ، بل والشرائط كرفع الحدث وإزالة الخبث وتحصيل المكان والساتر المباحين وعدمه ونحو ذلك ، بناء على اعتبار زمانها مع الركعات ، فإنه حينئذ ربما كان وقت الاختصاص لمكلف بسبب ثقل لسانه وبطء حركاته وتحصيل ساتره ومكانه وإزالة الحدث والخبث أكثر من الوقت المشترك ، وربما كان لحظة ، كما لو دخل عليه الوقت وهو في حال الخوف وكان متطهرا مستترا طاهر الثوب والبدن ، إذ وقت الاختصاص له مقدار تسبيحتين بدلا عن الركعتين ، ولا يجب عليه الانتظار حتى يمضي مقدار أداء الأولى لغيره ، وكذا لو نسي بعض الأفعال مما ليس بركن ولا يتدارك كالقراءة والأذكار لا يجب عليه تأخير الثانية بقدر الأجزاء المنسية ، وربما قيل بالوجوب في ذلك كله ، لورود التحديد بالأربع ، لكنه في غاية الضعف ، لانسياق إرادة مقدار الأداء من ذلك في النص والفتوى ، كما أومأت إليه بعض الأخبار (١) وصرح به بعضهم ، بل هو معقد شهرة جامع المقاصد وغيره ، ومعقد إجماع الغنية ، والمعروف من مذهب الأصحاب في المدارك ، ولا ريب في ظهوره بشمول التامة والمقصورة كما اعترف به في كشف اللثام ، بل صرح المصنف وأول الشهيدين بانتهاء القصر إلى تسبيحة ، ونسيان بعض الأجزاء بعد أن جعل الشارع الصلاة حاله ما عداها لا نصيب له في الوقت قطعا ، بل هو حينئذ كغيره مما لا تعلق له بالصلاة ، ومثله كل ما أسقطه الشارع لسفر أو خوف من الكم أو الكيف ، بل هو أولى منه ، نعم جزم في المقاصد العلية وحاشية الإرشاد بوجوب تأخير الثانية عن فعل ما يتلافى من المنسي كالسجدة والتشهد ، وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٨٩

يوهمه عبارة الدروس ، لأنه جزء للصلاة حقيقة ، مع أنه منعه عليه الطباطبائي في مصابيحه ، لعدم ثبوت التوقيت ، إذ القدر الثابت من نصيبه في الوقت إذا كان في محله ، ووجوب المبادرة بالمنسي في أول أوقات الإمكان إن اقتضى فساد الشروع في الثانية فلاقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد أو لغير ذلك ، وهو خروج عما نحن فيه ، وكذا الكلام في صلاة الاحتياط ، بل لعل المنع فيها أولى ، لقوة احتمال عدم جزئيتها ، وأما سجدتا السهو فينبغي القطع بعدم لزوم التأخير عنهما ، لأن ليس لهما نصيب من الوقت وان جزم به في حاشية الإرشاد ، بل إن كان فهو لوجوب المبادرة بهما ، مع أن فيه بحثا يأتي في محله ، بل الظاهر المنساق إلى الذهن من الأربع والأداء في النص والفتوى إرادة مقدار ذلك مع جميع شرائط الصحة للفاقد لها في وقت الاختصاص ، كما صرح به المحقق الثاني والشهيد الثاني والخراساني ، بل ظاهر الأخير انه بعض دعوى القائلين بالاختصاص بل هو مفروغ منه عندهم ، وكأنه أخذه من تصريح البعض مع دعوى ظهور الباقين ، وإلا فالأكثر على الظاهر عبروا بالأربع وبالأداء من غير تعرض لذلك ، ولذا نسبه في كشف اللثام إلى القيل ، بل قال : وفيه نظر ، قلت : سيما لو احتاجت هي والأداء إلى أكثر ما بين الزوال والمغرب ، لقصور أدلة الاختصاص عن إخراج مثله عن إطلاق ما يقتضي الاشتراك ، لكن مع ذا فالاحتياط لا ينبغي تركه ، هذا.

وقد بان لك مما ذكرنا أن ثمرة الاختصاص هي عدم صحة العصر مثلا لو وقعت فيه وإن كان سهوا ، بخلاف الوقت المشترك ، ضرورة وقوع الأولى في غير وقتها ، والنسيان غير عذر في مثل ذلك على الأصح كما ستعرفه في محله إن شاء الله ، بخلاف الثانية وان فات الترتيب ، إلا أنه قادح مع العمد لا السهو ، فمن صلى العصر حينئذ ناسيا وقد ذكر بعد الفراغ وكانت في المختص بطلت ، والمدار في معرفته حينئذ على التقدير ، والظاهر مراعاة الوسط بالنسبة للسرعة والبطء الغير الطبيعيين ، فلا يقدر غاية‌

٩٠

الطول الحاصل بسبب مراعاة أكثر المستحبات مثلا ، وإن كان من عادته ذلك ، إذ هو حال فعله للظهر كذلك لا يحتسب له غير الوسط من الاختصاص ، كما أنه لا يقدر ضده أيضا بمراعاة الاقتصار على أقل الواجب إن لم يكن معتادا عليه ، أما إذا كان فيحتمل مراعاته ، نظرا إلى أن وقت الاختصاص بالنسبة إلى ما لو فعل الظهر ذلك المقدار وإن قل فيقدر ، ويحتمل الوسط ، للفرق بين التقدير والفعل ، إذ الأول يراعى فيه الوسط ، كما في غالب التقديرات التي وردت فيها الروايات بخلاف الثاني ، ولا ملازمة بين الاكتفاء به لو وقع وبين تقديره ، ولعله لو وقع منه هذه المرة لكان على خلاف عادته ، ضرورة عدم علم الإنسان بما يقع منه ، فتأمل جيدا. ويكفي التقريبية في التقدير المزبور بالنسبة إلى الفساد ، لتعذر التحقيقية ، ولو شك في التقدير بنى على الفساد ، للشغل مع أصالة عدم دخول الوقت.

ولو ذكر في أثناء الفريضة ففي البيان والمقاصد العلية عدل إلى الظهر ، وفيه نظر ظاهر ، لعدم قابلية الوقت لصحة ما سبق من فعله ، فلا يقاس على الواقع في الوقت المشترك ، اللهم إلا أن يكونا بنياه على عذرية النسيان في تقديم الفريضة على وقتها كما هو المحكي عن أولهما فيما يأتي إن شاء الله ، نعم قد يكون له العدول لو فرض شروعه في العصر في الوقت المختص بوجه شرعي كالظن ونحوه في مقام اعتباره ثم دخل عليه المشترك في الأثناء ثم بان له بعد ذلك قبل الفراغ ، لحصول الصحة بدخول المشترك ، ولذا لو لم يتبين له حتى فرغ صحت له عصرا كما صرح به في البيان وفي المقاصد أيضا ، إذ لا يزيد المختص على ما قبل الوقت بالنسبة إلى الظهر ، واحتمال أنه لا يصح فيه العصر كلا ولا بعضا بوجه من الوجوه ، وانه فرق بينه وبين ما قبل الظهر أولا بالدليل ، وثانيا بأن المراد من الاختصاص عند التأمل ذلك ، بخلاف ما قبل الوقت ، فان الفساد فيه لعدم الاذن لا للنهي عن الإيقاع فيه بالخصوص ضعيف جدا لا يلتفت اليه.

٩١

ولو ظن الضيق إلا عن العصر فصلاها ثم بان السعة بمقدار ركعة أو أربع قيل لا إشكال في صحة العصر ، لأن المرء متعبد بظنه ، وأما الظهر فيصليها أداء فيما بقي من الوقت بناء على الاشتراك ، وقضاء فيه أو ينتظر خروج الوقت ثم يقضيها بناء على الاختصاص ، على اختلاف الوجهين أو القولين ، وفيه أن المتجه فعلها فيه بعد الجزم بصحة العصر حتى على الاختصاص ، ضرورة أن المنساق من النصوص والفتاوى كونه وقت اختصاص للعصر إذا لم يكن قد أداها ، وإلا فهو وقت صالح لأداء الظهر وقضاء غيره ، نعم بناء على عدم صحة العصر ـ لفوات الترتيب الذي لم يعلم اغتفاره في المقام ، لاختصاصه بالسهو والنسيان كما ستعرفه في محله ، أو لاحتمال اختصاص الظهر من آخر الوقت كأوله أيضا بمقدار أدائها إذا لم يبق إلا مقدار العصر ، كما حكاه في كشف اللثام بلفظ القيل ، مؤيدا له بترتبهما في أصل الشرع ، وهو ظاهر قواعد الشهيد أو صريحها ـ يتجه حينئذ عدم جواز فعل الظهر فيما بقي من الوقت ، لأنه ينكشف ببقاء الأربع ركعات مثلا خاصة من الوقت وقوع العصر في وقت اختصاص الظهر ، فتبطل ، فتجب إعادة العصر في وقت اختصاصه ، قال في القواعد : ويحتمل الاجزاء لتقارضهما ، كأن العصر قد اقترضت من الظهر وقتها وعوضتها بوقت نفسها ، وهو ضعيف ، وإلا لكان ينوي في الظهر الأداء في هذه الأربع ، وظاهرهم عدمه ، وإنما ينوي القضاء لو قلنا باجزاء العصر.

قلت : لكن ظاهر النصوص والفتاوى ومعقد إجماع الغنية اختصاص الظهر من أول الوقت خاصة ، والاشتراك بعده إلى أن يبقى مقدار الأربع ، فيختص العصر بها ، كما هو صريح مرسلة ابن فرقد وغيرها ، وكونهما مترتبين بأصل الشرع لا يقتضي الاختصاص المزبور ، ولعله الأقوى ، للأصل والإطلاق وغيرهما ، بل في ظاهر منظومة الطباطبائي أو صريحها الإجماع عليه ، قال بعد ذكر الوقت للظهرين والعشاءين :

٩٢

وخص الأولى من كلا الضربين

بقدرها من أول الوقتين

وبالأخير منهما الأخرى تخص

وشرك الباقي بإجماع ونص

فلا تبطل العصر حينئذ من هذه الجهة ، وأما فوات الترتيب فالظاهر إلحاق نحو ذلك بالسهو والنسيان ، وإلا فرض المثال فيهما ، وحينئذ صح الإتيان بالظهر أداء لا للاقتراض المذكور ، بل لما قدمناه من أن المنساق إلى الذهن من ظاهر النص والفتوى اختصاص العصر بذلك المقدار إذا لم يكن المكلف قد أداها ، اقتصارا على المتيقن خروجه من إطلاق الأدلة ، ودعوى أن ظاهرهم نيتها فيه قضاء ممنوعة ، وكأنه توهمه من إطلاقهم اختصاص العصر بذلك المقدار ، ولا ريب أن المراد منه لمن لم يؤدها ، وإلا لو أريد جريان حكم الاختصاص عليه وإن كان قد أدى لم يصح فعل الظهر مطلقا لا أداء ولا قضاء ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأن معنى الاختصاص عدم صحة الشريكة فيه قضاء ، إذ هي لا تكون فيه إلا كذلك ، ضرورة خروج وقتها ، فمن ترك العصر في وقت اختصاصه وأراد صلاة الظهر فيه قضاء لم يصح له ، وإلا مضت ثمرة الاختصاص ، والفرض في المقام جريان حكم الاختصاص عليه ، كما لو لم يكن قد أدى العصر ، واحتمال أن المراد بالاختصاص عدم وقوع الشريك فيه أداء خاصة لا أداء وقضاء ـ فمن صلى الظهر حينئذ في وقت اختصاص العصر والفرض انه لم يكن صلى العصر صحت ظهره قضاء بناء على عدم النهي عن الضد ـ يدفعه ظهور لفظ الاختصاص في غير ذلك ، وان الأدائية والقضائية ليست من القيود التي تكون موردا للنفي ، ضرورة عدم كونهما من المكلف ، بل هي أوصاف من لوازم الفعل المكلف به من غير مدخلية للأمر ، فلا يتوجه نفيه إليها ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، وإن كان بعد التأمل واضحا ، كوضوح أن المراد باختصاص العصر بأربع من آخر الوقت عدم جواز ابتداء فعل الظهر فيه ، لا عدم جوازه مطلقا كلا أو بعضا ، فلو بقي حينئذ من الوقت مقدار‌

٩٣

خمس ركعات مثلا صلى الفرضين كما صرح به جماعة ، بل في الخلاف نفي الخلاف فيه وإن وقعت ثلاث منه في وقت اختصاص العصر ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله » وغيره مما مر في باب الحيض مفصلا ، كما أنه قد مر هناك تمام الكلام فيه أيضا ، وفي بعض عبارات الأصحاب التي ظاهرها الخلاف وغير ذلك ، فلاحظ ، بل قد ذكرنا هناك أيضا أن ما دل على الاختصاص المزبور قاصر عن معارضة تلك الأدلة من وجوه.

كما انه لا يعارض ما وقع من العصر في وقت المغرب ما دل على اختصاصه من أول الوقت بثلاث ، على أن الظاهر صيرورة الوقت المختص بالمغرب حينئذ ما بعد ثلاث العصر ، لما سمعت سابقا من أن وقت الاختصاص هو أول آنات إمكان أداء الفرض ، فلا يكون ثلاث العصر حينئذ في وقت اختصاص المغرب ، وأيضا المراد بزمان اختصاص كل فريضة هو عدم جواز أداء شريكتها في الوقت فيه لا مطلق الفرض ، ومن هنا لم يكن للصبح وقت اختصاص ، لعدم الشريك لها في بعض وقتها ، وانما هو في خصوص الظهرين والعشاءين ، فان البحث في الأخيرين كالبحث في الأولين ، ولم يفصل أحد بينهما إلا ما يظهر من المبسوط ، فلم يثبته أولا ولا آخرا ، وهو مع ضعفه وابتنائه على انتهاء وقت المغرب الاختياري بسقوط الشفق ، وانه هو ابتداء وقت العشاء محجوج بما عرفت.

ولذا قال المصنف وكذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، وتختص من أوله بمقدار ثلاث ركعات إن كان المكلف جامعا لجميع الشرائط ، وإلا اختص بمقدارها مع الركعات ثم يشاركها العشاء حتى ينتصف الليل ، ويختص العشاء من آخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة ونصه « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ».

٩٤

الوقت بمقدار أربع ركعات إن كان حاضرا ، وإلا فركعتين كما عرفته سابقا في الظهرين مفصلا ، ولا أظنك بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا تحتاج إلى إعادة البحث هنا بعد أن كانت المسألتان من واد واحد ، فبجميع ما تقدم حينئذ منا هناك تقدر على إجرائه هنا بأدنى التفات ، إذ أكثر الأدلة مشتركة بين المسألتين حتى الإجماع المحكي ، وقال في المختلف : كل من قال باشتراك الوقت بعد الزوال بمقدار أداء الظهر بينها وبين العصر قبل الغيبوبة بمقدار أداء العصر قال باشتراك الوقت بين المغرب والعشاء بعد مضي وقت المغرب إلى قبل انتصاف الليل بمقدار العشاء ، والقول بالتفرقة خرق للإجماع.

لكن قد يتناقش فيه بأنه لا خلاف هناك في اشتراك العصر مع الظهر فيما بعد أدائها من الوقت ، وأنه لا وقت لها مخصوص ينتظر غير أداء الظهر ، وإن كان ربما يوهمه بعض أخبار الذراع والذراعين والقامة والقامتين ونحوهما ، إلا أنه لم يقل أحد بذلك كما سمعته سابقا ، بخلافه هنا ، لما حكي عن المقنعة والهداية والخلاف والمبسوط والمصباح ومختصره والنهاية والاقتصاد وكتاب عمل يوم وليلة والمراسم أن ابتداء وقته سقوط الشفق المغربي ، بل عن المهذب البارع حكايته عن الحسن أيضا ، نعم يحكى عن بعض هؤلاء جواز تقديمه قبل ذلك للمعذور ، وسيجي‌ء تمام البحث فيه عند تعرض المصنف له ، كما انه سيجي‌ء البحث أيضا في امتداد وقت العشاءين الاختياري والاضطراري ، إنما المقصود هنا بيان أصل الاختصاص والاشتراك على قياس الظهرين ، وإن كان انما يتم على تقدير عدم كون ابتداء وقت العشاء ذهاب الشفق ، خصوصا بناء على أنه آخر وقت المغرب اختيارا أيضا ، نعم قد يتصور فيه بالنسبة إلى اضطرارية واختياري العشاء ، فهل يختص حينئذ من أوله بمقدار أدائه أولا؟ كما انه يتصور أيضا في آخره الاضطراري الذي هو ربع الليل عندهم ، بمعنى أنه لو صلى العشاء نسيانا في آخر وقت المغرب الاضطراري تقع صحيحة أولا ، بل قد يتصور أيضا فيما قبل زوال‌

٩٥

الشفق بناء على جواز فعل العشاء فيه لعذر لا اختيارا حتى بالنسبة إلى أوله ، بأن نسي وصلى العشاء وكان في الواقع قبل الغروب بركعة مثلا ووقعت ثلاث ركعات منه في أول المغرب ، إلا أن يريدوا بتقديمه قبل الشفق لعذر ما لا يشمل أول الوقت ، وكيف كان فلا تنقيح في شي‌ء من كلماتهم لذلك ، ويكفينا مؤنة تنقيحه ظهور فساد هذه الأقوال كلها عندنا كما ستعرفه ، نعم قد يقوى امتداد وقت العشاءين للاضطرار من النصف إلى الفجر ، كما دل عليه الصحيح (١) كما سيأتي البحث فيه ، والظاهر ثبوت الاختصاص بالنسبة إلى الآخر كما دل عليه الصحيح المزبور ، وأما أوله فمقتضى الإطلاقات عدمه ، إلا أن يثبت التلازم بين الاختصاص آخرا وبينه أولا ولو بعدم القول بالفصل ، والله أعلم.

وما بين طلوع الفجر الثاني الصادق الذي كلما زدته نظرا أصدقك بزيادة حسنه ونحوه المستطير في الأفق والمعترض المنتشر فيه الذي هو كالقبطية البيضاء ، وكنهر سوري ، لا الأول الكاذب المستطيل في السماء المتصاعد فيها الذي يشبه ذنب السرحان على سواد يتراءى من خلاله وأسفله ، ولا زال يضعف حتى ينمحي أثره إلى طلوع الشمس في أفق ذلك المصلي وقت في الجملة لصلاة الصبح بلا خلاف معتد به فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص متظافرة أو متواترة فيه ، بل لعله من ضروريات مذهبنا ، لكن اختلف في أنه كذلك للمختار والمضطر أو للثاني خاصة ، وستعرف التحقيق فيه ، نعم ينبغي التربص فيه حتى يتبين ويظهر ، خصوصا في ليالي البيض والغيم ، للاحتياط في أمر الصلاة ، وإيماء التشبيه بالقبطية البيضاء ونهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٩٦

سوري اليه ، وخبر ابن مهزيار (١) قال : « كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام معي جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ، ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه ، فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده لي ، وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حد ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله ، وكتب بخطه وقرأته الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض ، وليس هو الأبيض صعدا ، فلا تصل في سفر وحضر حتى تبينه ، فان الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا ، فقال (٢) ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم ، وكذلك هو الذي توجب به الصلاة » وعلى هذا يحمل‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي ركعتين الفجر وهو الصبح إذا اعترض وأضاء حسنا » وما حكاه في المكاتبة المزبورة من صلاة بعض الشيعة الصبح في الفجر الأول ، بل ظاهر السائل ان الجواز مفروغ عنه ، وان سؤاله عن الأفضلية لا يعد خلافا في المسألة ، ولذا لم يحكه أحد من أصحابنا هنا ، ولعله عليه‌السلام أمر بعضهم به للتقية أو غير ذلك أو كان يفعله لها وإن لم يأمره به أحد من أئمته عليهم‌السلام والله أعلم.

ويعلم الزوال الذي قد أنيطت الصلاة به المعبر عنه في الكتاب العزيز ( بـ ) الدلوك بأمور ، أشهرها فتوى ورواية زيادة الظل الحاصل للشاخص بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٩٧

نقصانه أو حدوثه بعد عدمه كما في مكة وصنعاء والمدينة في بعض الأزمنة ، وذلك لأن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص قائم على سطح الأرض بحيث يكون عمودا ظل طويل إلى جهة المغرب ، ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ وسط السماء فينتهي النقصان مع بقائه إن كان عرض المكان المنصوب فيه المقياس مخالفا لميل الشمس في المقدار ، ويعدم الظل أصلا إن كان بقدره ، وذلك في كل مكان يكون عرضه مساويا للميل الأعظم للشمس أو أنقص ، فإنه يعدم حينئذ عند ميلها بقدر ذلك العرض بحيث يكون موافقا لها في الجهة ، أي مسامتة لرؤوس أهله ، ضرورة أن الظل الباقي للشخص عند الزوال يختلف باختلاف البلاد والفصول بحسب قرب الشمس من مسامتة رأس الشخص وبعدها عنه ، ولذا كان الباقي من الظل في فصل الشتاء والخريف أطول منه في فصل الربيع والصيف ، لأن الشمس في الأولين في البروج الجنوبية بخلاف الأخيرين ، فإنها في البروج الشمالية ، وهي أبعد عن مسامتة الرأس منها ، إذ كلما قربت الشمس من مسامتته كان الظل أقصر إلى أن تحصل المسامتة حقيقة ، فينعدم الظل حينئذ أصلا ، إلا أنه لا يكون في العراق ونحوها من النواحي الجنوبية ، لنقصان الميل عن عرضها ، فلا ينعدم الظل الشمالي فيها أصلا وان اختلف قلة وكثرة باختلاف الأمكنة والأزمنة بالنسبة إلى قرب المسامتة وعدمها ، كما يومي اليه‌ خبر عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تموز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف ، وفي النصف من تشرين الأول على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٩٨

وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيار على قدم ونصف ، وفي النصف من حزيران على نصف قدم » إذ الظاهر منه إرادة بيان اختلاف الظل الباقي عند الزوال بحسب الأزمنة كما اعترف به الكاشاني في الوافي ، وقال : الظاهر انه مختص بالعراقي كما قاله بعض علمائنا ، لكن في المعتبر توقف فيها ، قال لتضمنها نقصانا عما دل عليه الاعتبار.

وكيف كان فمن المعلوم عدم انعدام الظل في هذه النواحي ، بل في غالب الربع المسكون ، نعم قيل ينعدم في أطول أيام السنة بيوم تقريبا في مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قاربها في العرض ، لمساواته للميل الأعظم إلا بدقائق لا تكاد تظهر للحس ، فلا ينعدم حينئذ في غيره ، إذ اليوم الثاني تأخذ فيه في الهبوط ويعود الظل الشمالي الأول ، وكذا يتفق في مكة شرفها الله تعالى وما قاربها في العرض قبل الانتهاء بستة وعشرين يوما ، وبعده كذلك ، لنقصان عرضها عن الميل الأعظم ، فينعدم فيه حينئذ في يومين ، الأول حال صعودها ، والثاني حال رجوعها ، وكذا صنعاء ونحوه مما كان عرضها أنقص من الميل الأعظم ، إلا أن اليومين فيها غيرهما في مكة قطعا ، بين البلدين من الاختلاف في العرض على ما حكاه ثاني الشهيدين عن محققي هذه الصنعة كالمحقق نصير الدين الطوسي وغيره ، قالوا : انما يكون في صنعاء عند كون الشمس في الدرجة الثامنة من برج الثور صاعدة ، ثم تميل عنه نحو الشمال ويحدث لها ظل جنوبي إلى أن تنتهي وترجع إلى الدرجة الثالثة والعشرين من برج الأسد ، بحيث يساوي ميلها لعرض البلد ، وهو أربع عشر درجة وأربعون دقيقة ، وأما في مكة عند الصعود ففيما إذا كانت الشمس في الدرجة الثامنة من الجوزاء ، وعند الهبوط في الدرجة الثالثة والعشرين من السرطان ، لمساواة الميل في الموضعين لعرض مكة ، وفيما بين هاتين‌

٩٩

الدرجتين من الأيام إلى تمام الانتهاء يكون ظل الشمس جنوبيا.

قلت : ومن ذلك كله تعرف ما في الذكرى وغيرها تبعا للمحكي عن العلامة من التمثيل لانعدام الظل بأطول أيام السنة بمكة وصنعاء ، إذ قد عرفت أنه ينعدم قبل الانتهاء بكثير خصوصا في صنعاء ، لنقصان عرضهما عن الميل الأعظم للشمس ، فكيف ينعدم الظل فيهما في ذلك اليوم ، نعم هو فيه وفي غيره من أيام الهبوط والصعود قبل صيرورة الميل مساويا أو ناقصا عن العرض جنوبي ، كما انه معدوم مع المساواة ، وشمالي مع النقصان كما هو واضح محسوس ، ومن هنا قال في الروضة بعد أن حكى ذلك عنهما : « وانه من أقبح الفساد ، وأول من وقع فيه الرافعي من الشافعية ، ثم قلده فيه جماعة منا ومنهم من غير تحقيق المحل » إلى آخره. وأوضح فسادا منه ما حكاه في الذكرى عن بعضهم ، وفي مفتاح الكرامة عن المنتهى والتذكرة من استمرار الانعدام فيهما قبل الانتهاء بستة وعشرين يوما ، وبعده إلى ستة وعشرين يوما آخر ، فيكون مدة ذلك اثنين وخمسين يوما ، ضرورة أنه يكون عند المسامتة للرأس ، وليس هو إلا يوما واحدا في الصعود ، وآخر في الهبوط ، إذ الشمس لا يبطل سيرها في آن من الآنات ، اللهم إلا أن يراد انعدام الظل الشمالي خاصة لا مطلق الظل ، أو أن المراد بالانعدام ما يشمل القليل ، خصوصا إذا لم يتضح ظهوره للحس في أغلب الشواخص ، مع إمكان المناقشة في الأخير بمنع عدم وضوح الظهور للحس في تمام هذه المدة ، نعم قد يكون هو كذلك بعد يوم المسامتة أو قبلها ببعض الأيام ، ولا ينافيه الاقتصار سابقا على الانعدام في يومين ، لأن المراد منه الانعدام الحقيقي الذي لا يكون إلا في المسامتة الحقيقية ، وليس هو إلا يومين ، وما عداهما لا بد فيه من زوال في الجملة إذا اعتبره بمقياس مخروط محدد الرأس ، ضرورة لزومه لزيادة الميل المتحقق في غير يوم المسامتة ، كما هو واضح.

١٠٠