جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولعله لخبر سليمان بن خالد المتقدم (١) إلا أنه كما ترى لا دلالة فيه على ذلك ، إذ القبلية كالبعدية لا يقتضي كون النافلة للفريضة ، وان كان الإنصاف أنها لا تخلو من نوع إشعار.

وكأنه لا ثمرة معتد بها في هذا البحث بعد ان لم نعتبر في النية التعرض للفرض وغيره ، بل يكفي مجرد قصد القربة بالامتثال للأمر المعلوم تحققه على كل حال ، بل الظاهر عدم الفساد لو نوى المكلف الفرض جهلا منه ، ضرورة تشخصها لديه بغير ذلك. وربما قيل تظهر الثمرة في اعتبار إيقاع الست مثلا قبل القدمين أو المثل ان جعلناها للظهر ، وفيه أنه لا مدخلية لذلك بعد أن عين الشارع وقتها كما تسمعه إن شاء الله في المواقيت ، نعم قد يقال بظهور الثمرة فيما لو نذر مثلا نافلة العصر مثلا غافلا ، أو أناطه بما هو الواقع ، والأمر فيها سهل ، فتأمل جيدا.

وكذا الكلام في نافلة المغرب والعشاء والصبح ، بل في خبر البزنطي السابق (٢) ما قد يشعر بأن الركعتين من أربعة المغرب نافلة للعشاء ، وان الأربعة من ثمانية العصر للظهر ، بل في بعض النصوص (٣) ما يشعر بأن ليس شي‌ء من أربعة المغرب نافلة لإحدى الصلاتين ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ركعتين منهما لما بشر بالحسن عليه‌السلام ، وركعتين لما بشر بالحسين عليه‌السلام شكرا لله تعالى ، وبالجملة الحق انه لا صراحة في أكثر النصوص بنفسها في شي‌ء من ذلك ، نعم قد يجعل ما سمعته من الإجماع قرينة على إرادته من بعض النصوص ، خصوصا ما أضيف فيها إلى الأوقات على إرادة صلاة الوقت ، فركعتا الفجر بمعنى ركعتا صلاة الفجر ، وعلى هذا القياس ، كما أنه‌ قد يظهر ذلك أيضا أي كون النوافل للفرائض مما استفاضت به الأخبار من أن مشروعية النوافل لتكميل ما ينقص من الفرائض بسبب عدم الإقبال ونحوه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦.

٢١

كصحيح ابن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام « ان العبد ليرفع له من صلاته ثلثها أو نصفها أو ربعها أو خمسها ، فما يرفع له إلا ما أقبل منها بقلبه ، وانما أمروا بالنوافل ليتم لهم ما نقصوا من الفريضة » وصحيحه الآخر (٢) قلت للصادق عليه‌السلام : « إن عمار الساباطي روى عنك رواية ، قال : وما هي؟ قالت : روى ان السنة فريضة ، قال : أين يذهب؟ أين يذهب؟ ليس هكذا حدثته ، انما قلت له : من صلى فأقبل على صلاته لم يحدث نفسه فيها أو لم يسه فيها أقبل الله عليه ما أقبل عليها ، فربما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها ، وانما أمروا بالسنة ليكمل بها ما ذهب من المكتوبة » وخبر أبي حمزة الثمالي (٣) « رأيت علي بن الحسين عليهما‌السلام يصلي فسقط رداؤه عن منكبيه ، قال : فلم يسوه حتى فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلك قال : ويحك أتدري بين يدي من كنت ، ان العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل منها ، فقلت : جعلت فداك هلكنا ، فقال : إن الله ليتم ذلك بالنوافل » وأصرح من ذلك كله وإن لم يكن وافيا بتمام المطلوب‌ خبر عمار (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لكل صلاة مكتوبة ركعتان نافلة إلا العصر ، فإنه يقدم نافلتها ، وهي الركعتان التي تمت بهما الثمان بعد الظهر » الحديث. وكذلك يظهر أيضا من النصوص (٥) الدالة على سقوطها في السفر تبعا للقصر في الفريضة ، فلاحظ ، بل في بعضها (٦) إضافة بعضها إلى الفرائض ، بل قد يفهم منها إضافة الجميع كما سيمر عليك بعضها ، ومن الغريب ما يظهر من المصنف من جعل صلاة الليل من نوافل الفرائض أيضا ، مع أنه لا ريب في استقلالها وعدم مدخليتها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ ـ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٣.

٢٢

بها ، لكن لعل مراده بقوله : « ونوافلها » لما عدا صلاة الليل منها.

ثم لا ريب في تأكد هذه النوافل من بين الصلوات حتى ورد (١) في بعضها كصلاة الليل والوتر انها واجبة ، وقال سعد بن أبي عمرو الجلاب (٢) للصادق عليه‌السلام : « ركعتا الفجر تفوتني أفأصليهما؟ قال : نعم ، قلت : لم أفريضة؟ قال : فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنهما ، فما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو فرض » إلى غير ذلك مما يراد منه تأكد الاستحباب.

وأما تفاوت الفضل بينها فعن ابن بابويه « ان ركعتي الفجر أفضلها ، ثم ركعة الوتر ، ثم ركعتا الزوال ، ثم نافلة المغرب ، ثم تمام صلاة الليل ، ثم تمام نوافل النهار » ولم نقف له على دليل في هذا الترتيب ، وعن ابن أبي عقيل « ان الصلاة التي تكون بالليل أوكد النوافل لا رخصة في تركها في سفر ولا حضر » وعن الخلاف « ان ركعتي الفجر أفضل من الوتر بإجماعنا » والأولى ترك البحث عن ذلك ، إذ النصوص في فضل كل منها وافية ، ولكل خصوصية لا تدرك بغيرها كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في كل منها ، خصوصا نافلة الزوال التي هي صلاة الأوابين (٣) ونافلة المغرب التي لا ينبغي أن يتركها الإنسان ولو طلبته الخيل (٤) وصلاة الليل التي ورد فيها ما ورد حتى أوصى بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا ثلاثا (٥) كالزوال (٦) بل قيل : إن الأخبار في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤ لكن في الوسائل والتهذيب « الجلاب » وهو الصحيح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

٢٣

فضل صلاة الليل والتأكيد على فعلها أكثر من غيرها ، فالقول بأفضليتها بالنسبة إلى غيرها غير بعيد ، وهو جيد ، بل جزم به في المدارك ، ثم جعل بعدها نافلة الزوال للوصية بها ثلاثا أيضا ، ثم نافلة المغرب للنهي عن تركها سفرا وحضرا ، ثم ركعتي الفجر ، لأنه يشهدها ملائكة الليل والنهار ، وقد عرفت التحقيق. نعم قد يقال بمرجوحية الوتيرة بالنسبة إلى الجميع ، وبعدها نافلة العصر ، مع أنه لا يخلو من نظر ، لتظافر النصوص (١) بالنهي عن المبيت على غير وتر ، وان من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا على وتر ، وان المراد به الوتيرة كما يدل عليه غير واحد من النصوص ، منها‌ خبر المفضل (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قلت : أصلي العشاء الآخرة ، فإذا صليت صليت ركعتين من جلوس ، فقال : أما انها واحدة ، ولو بت بت على وتر » وغيره من النصوص.

وعلى كل حال فلا ينبغي الكلام بين أربع ركعات المغرب ، لخبر أبي الفوارس (٣) « نهاني أبو عبد الله عليه‌السلام أن أتكلم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب » وفي المدارك أن ذلك يقتضي كراهة الكلام بين المغرب ونافلتها بطريق أولى ، وفيه منع واضح.

نعم يستحب عدم الكلام بينهما لخبر أبي العلاء الخفاف (٤) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : « من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى صلى ركعتين كتبتا له في عليين ، فان صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٧ وفيه‌ « ولو مت مت على وتر ». (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٤

وقد يستفاد منه مع ذلك استحباب التعقيب قبل النافلة ، لكن عن مقنعة المفيد العكس ، ولم نقف له على دليل عد‌ المرسل (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « انه لما بشر بالحسن عليه‌السلام صلى ركعتين بعد المغرب شكرا ، فلما بشر بالحسين عليه‌السلام صلى ركعتين ، ولم يعقب حتى فرغ » وفي ترجيحه على غيره ـ مع إرساله ، وعدم معلومية استمرار ذلك منه (ص) بل لعله في خصوص ذلك الوقت مبادرة للشكر ـ نظر وتردد ، خصوصا ما ورد (٢) في التسبيح مما اشتمل على الأمر به قبل أن يثني المصلي رجليه ، ولذا قال في الذكرى كما عن المقنعة والتهذيب في أحد النقلين : « الأفضل المبادرة بالنافلة قبل كل شي‌ء سوى التسبيح » مستدلا عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلها كذلك ، ثم ذكر المرسل السابق ، ولا يخفى عدم دلالته على ما استثناه ، نعم يدل عليه‌ خبر رجاء بن أبي الضحاك (٣) المروي عن العيون المشتمل على عمل الامام الرضا عليه‌السلام في طريق خراسان قال فيه : « فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ، ثم سجد سجدة الشكر ، ثم رفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم ، فيصلي أربع ركعات بتسليمتين ، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة ، وكان يقرأ في الأولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد ، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله ، ثم يفطر » فيراد حينئذ من نفي التعقيب في الخبر السابق نفي التمام لا أصل التعقيب ، كما يومي اليه زيادة على ما عرفته‌ المرسل (٤) عن إرشاد القلوب « ان أبا جعفر عليه‌السلام لما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التعقيب من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة مع الاختلاف.

٢٥

خرج بزوجته أم الفضل من عند المأمون ووصل شارع الكوفة انتهى إلى دار المسيب عند غروب الشمس دخل المسجد ، وكان في صحنه نبقة لم تحمل ، فدعا بكوز فتوضأ في وسطها ، وقام فصلى بالناس صلاة المغرب ـ إلى أن قال ـ : فلما سلم جلس هنيئة وقام من غير أن يعقب تعقيبا تاما فصلى النوافل الأربع وعقب بعدها وسجد سجدتي الشكر ، فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس حملت حملا حسنا فأكلوا منها ، فوجدوا نبقا لا عجم له حلوا » الخبر.

ويستحب أن يقول في آخر سجدة من نافلة المغرب كل ليلة خصوصا ليلة الجمعة ما رواه‌ عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم أن تصلي على محمد وآل محمد. وأن تغفر لي ذنبي العظيم سبع مرات ، قال : من قالها : انصرف وقد غفر له » وفي الذكرى أن محل هذا الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع ، وهو كما ترى ، وكان مراده سجدة الشكر ، لأن الظاهر تأخرها عن السبعة ، كما عن المشهور التصريح به ، لخبر حفص الجوهري (٢) قال : « صلى بنا أبو الحسن عليه‌السلام صلاة المغرب فسجد سجدتي الشكر بعد السابعة ، فقلت له : كان آباؤك يسجدون بعد الثلاثة ، فقال : ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السبعة » ومرسل رجاء السابق ، لكن‌ روى جهم بن أبي جهم (٣) قال : « رأيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب فقلت له : جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث ، فقال : ورأيتني قلت : نعم ، قال : فلا تدعها ، فان الدعاء فيها مستجاب » وله استحسن في الذكرى كلا من التقديم والتأخير ، لكن لا ريب أن الثاني أولى لفتوى المشهور ، ودلالة الأول على نفي الثاني ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٦

واحتمال الخبر المزبور سجدة مطلقة لا سجدة الشكر كما اعترف به في الذكرى وان استبعده ، نعم خبر ابن أبي الضحاك السابق صريح في أن الواقعة بعد الثلاث سجدة الشكر ، إلا أنه ومع ذلك فتأخرها أولى ، هذا.

وقد يوهم ظاهر المتن كغيره من العبارات بل وبعض الأخبار (١) تعين الجلوس في الوتيرة ، وقد أشبعنا الكلام في ذلك ، وفي جواز الجلوس ونحوه في مطلق النافلة عند تعرض المصنف له في البحث عن الصلوات المسنونة ، من أراده فليلاحظه هناك.

وكذا ظاهره خروج ركعتي الفجر عن صلاة الليل ، بل قد يظهر منه أن صلاة الليل الثمان خاصة ، بل الغالب في الأخبار وكلام الأصحاب إطلاقها على الثمانية أو الأحد عشر ركعة غير ركعتي الفجر ، بل الأول هو معقد ما حكي من إجماع الخلاف وكشف اللثام وشرح المفاتيح وظاهر الغنية وغيره ، فضلا عن الشهرة في التذكرة ، ونفي علم الخلاف في الذكرى ، وإن كان الظاهر أن ذلك منهم في مساق بيان عدم زيادة نافلة الليل على ذلك ، أو نقصانه مع ذكرهم بعد ذلك الشفع والوتر وركعتي الفجر ، فتأمل.

لكن على كل حال قيل قد تطلق صلاة الليل كما في الصحيح وغيره (٢) على الثلاثة عشر ركعة بدخول ركعتي الفجر المسماتين بالدساستين ، لقولهم عليهم‌السلام (٣) : « دس بهما في صلاة الليل دسا » والأمر سهل بعد معلومية استحباب الجميع ، وإن اختصت كثير من الأخبار المرغبة بصلاة الليل مثلا ، لكن قد سمعت فيما سبق الإجماع عن خلاف الشيخ على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر ، وهو المحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦ و ٧ و ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦ و ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٦ و ٨ مع اختلاف في اللفظ.

٢٧

عن تصريح ابن بابويه وغيره ، وهما المعنيان بقوله تعالى (١) ( وَإِدْبارَ النُّجُومِ ) في الصحيحين (٢) والمشهودتان لملائكة الليل والنهار كما في الخبر (٣) وعن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « صلوهما ولو طردتكم الخيل » (٤) و‌ « انهما خير من الدنيا وما فيها » (٥) وروي « انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن على شي‌ء من النوافل أشد معاهدة منه عليهما » (٦) والوتر كما قيل أفضل من باقي صلاة الليل للاكتفاء به مع ركعتي الفجر ، كما في‌ خبر معاوية بن وهب (٧) عن الصادق عليه‌السلام « أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر فيكتب له صلاة الليل » ول‌ قول الصادق عليه‌السلام (٨) : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر » ففضلها حينئذ على العكس من ترتيب فعلها ، فلا يتوهم حينئذ من إطلاق صلاة الليل على الأحد عشر أو الثمانية اختصاصها بما ورد فيها مما تواترت به النصوص من فضل الصلاة الليل ، وشدة طلبها ، والحث عليها ، والوصية بها ، فضلا عن إجماع المسلمين ، وما دل عليه القرآن المبين ، بل في الاعتبار بعد التأمل والتدبر ما يشهد لما في الآثار كما هو واضح لأولي الأبصار وضوح الشمس في رابعة النهار ، نعم ركعتا الفجر مستقلة في الطلب لا يتوقف استحباب فعلها على فعل باقي صلاة الليل ، بل الظاهر كون صلاة الوتر كذلك ، كما‌

__________________

(١) سورة الطور ـ الآية ٤٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد ـ الفرائض ـ الحديث ١٩.

(٤) سنن أبي داود ج ٢ ص ٢٨ الرقم ١٢٥٨.

(٥) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٦٠.

(٦) سنن أبى داود ج ٢ ـ ص ٢٦ ـ الرقم ١٢٥٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨.

٢٨

يشهد له بعض النصوص (١) مع الأصل ، بل لا يبعد ذلك في الثمانية وأبعاضها وبعض الوتر ، وفاقا للعلامة الطباطبائي للأصل ، ولتحقق الفصل المقتضي للتعدد ، ولعدم وجوب إكمال النافلة بالشروع ، ولأنها شرعت لتكميل الفرائض ، فيكون لكل بعض قسط منه ، فيصح الإتيان به وحده ، ولذا أجاز الإتيان بنافلة النهار بدون الليل وبالعكس ، وبنافلة كل من الصلوات الخمس مع ترك الباقي ، وإن ذكر الجميع بعدد واحد في النص والفتوى ، إذ المنساق منه إلى الذهن عدم اشتراط الهيئة الاجتماعية في الصحة ، كما يومي اليه الزيادة والنقصان في النصوص السابقة.

ومن هنا تعرف البحث حينئذ في تبعيض صلاة الزوال والعصر والمغرب ، إذ الجميع من واد واحد ، والاشكال بأن صلاة الليل مثلا عبادة واحدة فلا تتبعض سار في الكل ، ودفعه بمنع الاتحاد الذي يمتنع معه التبعيض متجه في الجميع ، والجمع بالعدد كالثمان والأربع مثلا هنا لا يقتضيه ، فتأمل.

وتمام الكلام في صلاة الليل وفي الأدعية والآداب المتقدمة عليها وفي أثنائها وبعدها وغير ذلك يطلب من الكتب المعدة لمثل ذلك ، إلا أنه ينبغي أن لا نخلي كتابنا هذا من جملة منه ، فنقول : قال الباقر عليه‌السلام في الصحيح (٢) « إذا قمت بالليل من منامك فقل : الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده ، فإذا سمعت صوت الديوك فقال : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، سبقت رحمتك غضبك ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني ، انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، فإذا قمت فانظر في آفاق السماء وقال : اللهم انه لا يوارى عنك ليل ساج ، ولا سماء ذات أبراج ، ولا أرض ذات مهاد ، ولا ظلمات بعضها فوق بعض ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٢) فروع الكافي ـ ج ١ ص ٤٤٥ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧.

٢٩

ولا بحر لجي ، تدلج بين يدي المدلج من خلقك ، تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، غارت النجوم ونامت العيون ، وأنت الحي القيوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، سبحان رب العالمين ، وإله المسلمين ، والحمد لله رب العالمين ، ثم اقرأ خمس آيات من آخر آل عمران « ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ ) ـ إلى قوله ـ ( إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) » ثم استك وتوضأ ، فإذا وضعت يدك في الماء فقال : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ، فإذا فرغت فقال : الحمد لله رب العالمين ، فإذا قمت إلى صلاتك فقل : بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم اجعلني من زوارك ، وعمار مساجدك ، وافتح لي باب توبتك ، وأغلق عني باب معصيتك وكل معصية ، الحمد لله الذي جعلني ممن يناجيه ، اللهم أقبل علي بوجهك ، جل ثناؤك ، ثم افتتح الصلاة بالتكبير » الحديث.

ويستحب أن يصلي أمام صلاة الليل ركعتين خفيفتين يقرأ في أولهما بقل هو الله أحد ، وفي ثانيهما قل يا أيها الكافرون ، ويسميان بصلاة الورد والافتتاح ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) انه كان يدعو بعدهما بالدعاء الذي أوله « اللهم إليك حنت قلوب المخبتين » إلى آخره. وهو دعاء عجيب ، وروى الشيخ (٢) في المصباح عن علي بن الحسين عليهما‌السلام غيره ، كما انه روى عنه (ع) (٣) دعاء آخر أيضا في أثنائهما.

ويستحب أيضا أن يتوجه فيهما بالتكبيرات السبعة ، والأدعية الثلاثة ، لأنها إحدى الصلوات الست أو السبعة بزيادة الوتيرة التي ينبغي فعل ذلك فيها ، بل ربما قيل إن المشهور استحباب التوجه في كل فرض ونفل ، نعم يتأكد في أول صلاة الليل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢.

(٢) مصباح المتهجد للشيخ ص ٩٤.

(٣) مصباح المتهجد للشيخ ص ٩٣.

٣٠

ومفردة الوتر ، ولا بأس به لظاهر النصوص (١) وشذ المرتضى في قصره ذلك على الفرائض فيما حكي عن محمدياته ، كظاهر خلاف الشيخ ، مع أن الموجود فيما حضرني من نسخته استحباب التوجه في الفرائض ، وفي سبعة مواضع من النافلة ، بل ظاهره الإجماع فيها عليه ، وكيفية التكبيرات والدعاء بينها معلوم في محله ، والظاهر أن دعاء التوجه الذي هو أحد الثلاثة يكون بعد السبعة لا بينها ، وإن أوهمته بعض العبارات ، ولا بأس في قراءة‌ « يا محسن قد أتاك المسي‌ء » بعد السادسة والخامسة ، بل في مصابيح الطباطبائي الظاهر أن محله بعد الإقامة قبل التكبيرات ، والأمر سهل بعد الاكتفاء بنية القربة المطلقة ، ويجوز الولاء في التكبيرات من غير دعاء ، والقطع على الوتر من الواحدة إلى السبع ، بل وعلى الشفع مع الإتيان بالأدعية ولاء ، وبالأولين ولو مع التفريق وان لم يكمل السبع ، بل وغير ذلك لكن مع نية القربة المطلقة ، وفي المصابيح أن فيه وجهين ، ولعله يريد مع ملاحظة نية الخصوصية ، والله أعلم.

وأما يقرأ في صلاة الليل فستعرف الكلام فيه عند تعرض المصنف له في بحث القراءة ، كما أنك تعرف البحث في وقتها إن شاء الله كذلك ، بل والبحث في الوتر انه الثلاث أو الواحدة ، وفي الفصل والوصل.

ثم انه قد يستفاد من بعض النصوص كما عن الإسكافي التصريح به استحباب التفريق في صلاة الليل ، كما كان يفرقها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففي‌ خبر معاوية بن وهب (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول وذكر صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كان يأتي بطهور فيخمر عند رأسه ، ويوضع سواكه تحت فراشه ، ثم ينام ما شاء الله ، فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ، ثم تلا الآيات من آل عمران‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣١

ثم يستن ويتطهر ، ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات ، على قدر قراءته ركوعه ، وسجوده على قدر ركوعه ، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ، ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه ، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ، ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد ويصلي الأربع ركعات كما ركع قبل ذلك ، ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ، ثم يستيقظ ويجلس ويتلو الآيات من آل عمران ، ويقلب بصره في السماء ، ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ، ثم يخرج إلى الصلاة » ونحوه غيره (١) وان لم يكن بتمام هذا التفريق ، واحتمال اختصاص ذلك بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يلوح من الذكرى يدفعه أصالة الاشتراك ، والأمر بالتأسي ، بل في‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام بعد ذكره التفريق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )‌ مشيرا به إلى عدم الاختصاص ، مضافا إلى ما في‌ صحيح زرارة (٣) السابق « ان قويت فصلها كما كانت تصلي ، إذ كما ليست في ساعة من ساعات النهار فليست في ساعة من ساعات الليل ، إن الله عز وجل يقول ( وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ ) » وخبر ابن بكير (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « ما كان يحمد الرجل يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته ضربة واحدة ثم ينام ويذهب » إلى غير ذلك ، ولا ينافيه ما دل (٥) من الأخبار على جواز الصلاة دفعة واحدة في آخر الليل كما هو الغالب من أكثر الناس ، إذ أقصاه الاذن في ذلك ، وهو لا ينافي أفضلية التفريق ، هذا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ـ ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ـ ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ـ ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ـ ٥ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ـ ٣ من كتاب الصلاة.

٣٢

ولكن ستعرف فيما يأتي اتفاق كلمات الأصحاب على أفضلية فعلها في آخر الوقت على غيره ، وتعرف أيضا تمام الكلام في هذه النصوص ، والله أعلم.

ويستحب أيضا الاستغفار في الوتر سبعين مرة ، ينصب اليسرى ويعد باليمنى كما في النص (١) وينبغي أن يكون استغفاره بأن يقول : « أستغفر الله وأتوب إليه » كما فعله الصادق عليه‌السلام وهل يعتبر فيه اللفظ الصريح ، مثل أستغفره ، ورب اغفر لي وغيرهما ، لظاهر ذلك ، لأنه المتبادر كالتسبيح والتحميد والتكبير التي معانيها ألفاظ مأخوذة منها ، وفي الحسن (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر غداة كل يوم سبعين مرة ، قلت : كيف كان يقول؟ قال : كان يقول : أستغفر الله سبعين مرة ، ويقول : أتوب إلى الله أتوب إلى الله سبعين مرة » هذا. ولكن لا يخفى عليك عدم اعتبار العدد المخصوص ولا الكيفية ولا غيرها في وظيفة الاستغفار بالأسحار ، بل ولا كونه في الوتر ، لصدق الاسم وعموم اللفظ في الآية (٣) وغيرها ، فما ورد (٤) من تفسير ذلك بالاستغفار سبعين مرة في صلاة الوتر محمول على الفرد الأكمل ، وأما اعتبار المواظبة والاستمرار فيه ففيه وجهان ، من دلالة ظواهر الكتاب والسنة عليه ، ومن عدم تعقل الاشتراط بشرط لاحق لمشروط سابق ، والحق اعتبارهما في استحقاق مدح المستغفرين بالأسحار لا في استحباب الاستغفار في السحر ، وإن كان الثاني من لوازم الأول ، وعن‌ العياشي عن زرارة (٥) قال أبو جعفر عليه‌السلام : « من دام على صلاة الليل والوتر واستغفر الله في كل وتر سبعين مرة وواظب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القنوت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) سورة الذاريات ـ الآية ١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣٣

على ذلك سنة كتب من المستغفرين بالأسحار » ونحوه خبر أبي بصير (١) وصحيح عمر بن يزيد (٢) في أن من واظب على ذلك في الوتر سنة كتب من المستغفرين بالأسحار ، بل في المرسل (٣) عن جنة الأمان أربعين ليلة ، والأولى في كيفية الاستغفار الإتيان باللفظ المأثور ، واتباع النقل الوارد فيه ، إما في السحر كالاستغفار المنقول في صلاة الوتر والوارد في تعقيب ركعتي الفجر ، أو مطلقا نحو ما‌ روي في الصحيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام « من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار ، فان قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاث مرات لم تكتب عليه » وفي‌ الخبر (٥) عنه عليه‌السلام « ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم : « أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام ، وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد ، وأن يتوب علي » إلا غفرها الله عز وجل له ، ولا خير فيمن يقارف في يومه وليلته أكثر من ذلك ».

ويستحب أن يقول في الوتر أيضا : ما كان يقوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) « هذا مقام العائذ بك من النار سبع مرات » وعلي بن الحسين عليهما‌السلام (٧) « العفو العفو ثلاثمائة مرة » والدعاء فيه بالمأثور ، قيل ولأربعين مؤمنا وأزيد قبل الدعاء لنفسه ، بل قيل : والأولى كونهم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، ويزيد عليهم ما شاء ، ولم نقف على خبر بالخصوص في الأخير ، كما أن الذي عثرنا عليه مطلق استحباب الدعاء للأربعين قبل دعائه لنفسه كي يستجاب له‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الجهاد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٣ من كتاب الجهاد.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٣٤

لا في خصوص الوتر ، إلا أنه لما كان هذا لطلب العفو والرحمة وغيرهما استحق ذكر كل ما له مدخلية في استجابة الدعاء ، بل قد يقال إن اشتهار ذلك بين الأصحاب فتوى وعملا لا يكون إلا عن نص وإن لم يصل إلينا ، ولعله للاستغناء بهذه الشهرة عنه كما هو الشأن في كل إجماع لا نص فيه ، فالأمر سهل وإن لم نقف فيه على نص ، نعم ورد (١) أنه يدعو فيه على من يشاء من أعدائه ويسميهم بأسمائهم ، وأن يقول : إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر ما عن‌ أبي الحسن الأول عليه‌السلام (٢) : « هذا مقام من حسناته نعمة منك ، وشكره ضعيف ، وذنبه عظيم ، وليس لذلك إلا رفقك ورحمتك ، فإنك قلت في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل صلواتك عليه وآله ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٣) طال هجوعي وقل قيامي ، وهذا السحر وأنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا ولا نشورا ، ثم يخر ساجدا » وأن يقول إذا انصرف من الوتر أيضا ما‌ عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤) « سبحان ربي الملك القدوس العزيز الحكيم ثلاث مرات ، ثم يقول : يا حي يا قيوم يا بر يا رحيم يا غني يا كريم ارزقني من التجارة أعظمها فضلا ، وأوسعها رزقا ، وخيرها لي عاقبة ، فإنه لا خير فيما لا عاقبة له » وغير ذلك مما هو معلوم بملاحظة الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام.

وكذا‌ يستحب له الفصل بين صلاة الغداة ونافلتها‌ المدسوسة في صلاة الليل باضطجاعه على الجانب الأيمن ، ويقرأ الخمس آيات من آخر آل عمران ، ويدعو بالمأثور ، أو بسجدة كما هو مقتضى الجمع بين النصوص ، لكن في الذكرى قال الأصحاب :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب القنوت من كتاب الصلاة.

(٢) البحار ج ١٨ ص ٥٩١ من طبعة الكمباني.

(٣) سورة الذاريات ـ الآية ١٧ و ١٨.

(٤) الفقيه ـ ج ١ ص ٣١٣ من طبعة النجف.

٣٥

ويجوز بدل الضجعة السجدة والمشي والكلام ، إلا أن الضجعة أفضل ، وهو متجه في غير السجدة ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر عمر بن يزيد (١) : « ان خفت السهرة في التكأة فقد يجزيك أن تضع يدك على الأرض ولا تضطجع ، وأومأ بأطراف أصابعه من كفه اليمنى فوضعها في الأرض قليلا ».

ويستحب أيضا بينهما الصلاة على محمد وآله مائة مرة ، وأن يقول : « سبحان ربي العظيم وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه » مائة مرة ، وقراءة الإخلاص أحد عشر مرة ، فإن من قرأها كذلك لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب وإن رغم أنف الشيطان ، ومن قرأها أحد وعشرين بنى الله له بيتا في الجنة ، ومن قرأها أربعين غفر الله له ويكره النوم بين صلاة الليل والفجر كما عن الشيخ والفاضلين القطع بها ، لخبر ابن بكير السابق (٢) ول‌ قول أبي الحسن الأخير عليه‌السلام في خبر المروزي (٣) « إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولكن ضجعة بلا نوم ، فان صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته » لكن الظاهر ان ذلك حيث يكون إتمامه صلاته قريبا من الفجر ، أما إذا قدمها قريبا من نصف الليل فلا ، ولعله عليه ينزل‌ خبر زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « انما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ، ثم إن شاء جلس وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء » وفي الوسائل انه يدل على الجواز وما سبق على الكراهة ، فلا منافاة ، ومقتضاه ثبوت الكراهة مطلقا ، وفيه صعوبة ، بل لعله ينافيه‌ خبر زرارة (٥) عن الباقر عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

٣٦

« إني لأصلي صلاة الليل وأفرغ من صلاتي وأصلي الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فان استيقظت عند الفجر أعدتهما » أي الركعتين والله أعلم.

وكيف كان فقد ظهر لك مما مر تأكد هذه النوافل ، وانه لا ينبغي تركها على حال ، لكن في الذكرى قد تترك النافلة لعذر ، ومنه الهم والغم لرواية علي بن أسباط (١) عن عدة منا « ان الكاظم عليه‌السلام كان إذا اهتم ترك النافلة » وعن معمر بن خلاد (٢) عن الرضا عليه‌السلام مثله ، قال في المدارك : وفي الروايتين قصور من حيث السند ، والأولى أن لا تترك النافلة بحال ، للحث الأكيد عليها في النصوص المعتمدة ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام (٣) : « ان تارك هذا ـ يعني النافلة ـ ليس بكافر ، ولكنها معصية ، لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من خير أن يدوم عليه » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٤) الوارد فيمن فاته شي‌ء من النوافل : « إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وان كان شغله لدنيا يتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلا لقي الله عز وجل وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ونحوه في الذخيرة ، وفيه انه قد يجمع بين النصوص بإرادة الترك أداء وقضاء من الأخيرين كما يشعر به الصحيح الثاني ، والأداء خاصة من الأولين ، وربما يؤيده الاعتبار ، ضرورة انه مع حصول الهم والغم لا إقبال له بحيث يكون بين يدي ربه ويخاطبه ، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى ان ظاهر ما سمعته من الأخبار السابقة بل والفتاوى أن تمام النوافل في الليل والنهار إحدى وخمسون ركعة بمعنى هي التي يستحب مؤكدا فعلها في كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

٣٧

يوم وليلة في الأوقات المخصوصة ، لا التي يتفق عروض استحبابها في خصوص بعض الأيام أو الليالي أو لبعض العوارض أولا وقت مخصوص لها أصلا ، ومع ذلك كله فالظاهر إرادة النوافل المتعارفة المستعملة من ذلك ، وإلا فالمستفاد من النصوص أزيد من ذلك كما لا يخفى على المتصفح لها.

ومنها ما ذكره غير واحد من الأصحاب الركعتان المسماتان بركعتي الغفيلة اللتان تصليان بين المغرب والعشاء ، ففي‌ خبر هشام بن سالم (١) عن الصادق عليه‌السلام المروي في مصباح الشيخ وفلاح السائل « من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد ، وقوله تعالى : « ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) إلى ( الْمُؤْمِنِينَ ) » (٢) وفي الثانية الحمد و ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ) (٣) إلى آخر الآية. فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : « اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها غيرك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا ـ وتقول ـ : أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي وتعلم حاجتي أسألك بمحمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي » وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل » مع زيادة في الثاني « لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما ما بين العشاءين » وفي‌ خبر وهب والسكوني (٤) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين ، فإنهما يورثان دار الكرامة ، قيل : يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء » وعن ابن طاوس روايته كذلك بزيادة « قيل : يا رسول الله وما معنى خفيفتين؟ قال : يقرأ فيهما الحمد وحدها » مضافا إلى ما ورد في هذه الساعة مما يناسب الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢.

(٢) سورة الأنبياء ـ الآية ٨٧ و ٨٨.

(٣) سورة الأنعام ـ الآية ٥٩.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢.

٣٨

فيها ، فـعن الباقر عليه‌السلام (١) « إن إبليس لعنه الله انما يبث جنوده جنود الليل من حين مغيب الشمس إلى حين مغيب الشفق ، ويبث جنود النهار من حين مطلع الفجر إلى طلوع الشمس ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه كان يقول : أكثروا من ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين ، وتعوذوا بالله عز وجل من شر إبليس لعنه الله وجنوده ، وعوذوا صبيانكم فيهما ، فإنهما ساعتا غفلة » وعن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (٢) ( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) ان كان دخول كان فيما بين المغرب والعشاء (٣) إلى غير ذلك.

وظاهر الذكرى ان ركعتي الغفيلة غير الركعتين اللتين يقرأ فيهما الآيتان السابقتان ، قال فيها : « السادس عشر يستحب ركعتان ساعة الغفلة ، وقد رواها الشيخ بسنده عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام ـ وذكر خبر السكوني السابق ثم قال ـ : ويستحب أيضا بين المغرب والعشاء ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد و ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) إلى آخر ما سمعت » ولعل الذي دعاه إلى ذلك اعتبار قراءة الآيتين في أحدهما ، واعتبار الخفة المفسرة بقراءة الحمد وحدها في الآخر ، وفيه أولا أن ظاهر « لو » الوصلية في خبر السكوني عدم اعتبار الخفة شرطا كي ينافي اعتبار قراءة الآية ، بل أقصاه الاذن في تركهما ، بل ظاهره انه الفرد الأدنى. وثانيا أنه قد يراد بالوحدة في تفسير الخفة عدم قراءة سورة أخرى لا مطلق غير الحمد ولو آية. وثالثا أن الزيادة التي سمعتها في الفلاح كالصريحة في الاتحاد ، ضرورة بعد احتمال إرادة النهي عن ترك ركعتي الغفيلة في حد ذاتهما ، لا أن المراد الإشارة إلى الركعتين السابقتين. ورابعا أنه قد يكون من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٤ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) سورة القصص ـ الآية ١٤.

(٣) مجمع البيان ـ سورة القصص ـ الآية ١٤.

٣٩

ثمراتهما قضاء الحاجة وإن استحبا للوقت أيضا. وخامسا أنه لا دلالة في النصوص على التعدد ، إذ أقصى الحاصل منها الأمر بركعتين في ساعة الغفلة ، والأمر بركعتين ما بين المغرب والعشاء يقرأ فيهما كذا ، والغرض أن ما بينهما ساعة الغفلة ، فأصالة البراءة وعدم التعدد تقضي باتحاد المراد منهما ، ولا ظهور في اللفظ كي يقطعها ، بل قد عرفت الظهور بخلافه ، إذ الظهور انما يسلم لو كان الأمران من أمر واحد ، أما مع تعدده واحتمال إرادة الثاني منهما إبلاغ ما أبلغه الأول منهما فلا.

وقد يقال : إن ذلك كله فيما لو كان الأمران مطلقين أو مقيدين بقيدين متساويين ، أما إذا كان أحدهما مطلقا والآخر مقيدا كما في المقام لو تنزلنا عن دعوى تقييد الآخر منهما أيضا بقيد ينافي القيد الآخر على وجه يستلزم التعدد فهو من المسألة المعروفة ، أي وجوب حمل المطلق في المندوبات على المقيد ، ولعل التحقيق عدم الحمل ، لعدم ظهور الوحدة المقتضية للتنافي الموجب للحمل وإلغاء أحد الدليلين. ودعوى الفهم العرفي ممنوعة ، فالحق حينئذ مع الشهيد في التعدد المذكور ، ويؤيده ظهور الخبر المزبور في كون الركعتين ذات الآيتين للحاجة لا لساعة الغفلة ، مضافا إلى التسامح في السنن ، ويدفعه بعد الإغضاء عن حمله (١) منه ظهور خبر ذات الآيتين على ما عن فلاح ابن طاوس في أنهما ركعتا الغفيلة.

ومنه يعرف ما في إنكار ركعتي الغفيلة كما عن الأستاذ الأكبر حكاية عن بعضهم ، وحمل جميع ما جاء فيها من النصوص على إرادة التأكيد والحث على نافلة المغرب ، لا أن المراد ركعتان غيرهما ، ضرورة عدم رجحان قراءة الآيتين في نافلة المغرب ، لخلو النصوص والفتاوى عنها ، بل الموجود فيهما قراءة غير ذلك من السور‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية وبهامشها « عن جملة ».

٤٠