جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فاقض صلاة النهار بالليل » وخبر إسحاق بن عمار (١) المروي في الذكرى « لقيت أبا عبد الله عليه‌السلام بالقادسية عند قدومه على أبي العباس فأقبل حتى انتهينا إلى طراناباد (٢) فإذا نحن برجل على ناقته يصلي وذلك عند ارتفاع النهار ، فوقف عليه أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : يا عبد الله أي شي‌ء تصلي؟ فقال : صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار ، فقال : يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل بالنهار ، فقلت : جعلت فداك تروي فيه شيئا قال : حدثني أبي عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، يقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي كيف يقضي ما لم أفترضه عليه ، أشهدكم اني قد غفرت له » وخبر جميل (٣) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : « قال رجل : ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار أيجوز ذلك؟ قال : قرة عين لك والله ثلاثا ، إن الله يقول (٤) ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) فهو قضاء صلاة الليل بالنهار ، وهو من سر آل محمد عليهم‌السلام المكنون » إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على تفسير الآية المزبورة بذلك ، بل في‌ المرسل (٥) عن الصادق عليه‌السلام الاحتجاج بها ، قال : « كل ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار ، قال الله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ ) الآية. يعني أن يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٥ من كتاب الصلاة.

(٢) كذا في النسخة الأصلية ، وفي الوسائل والذكرى « طرناباد » وفي معجم البلدان ج ٦ ص ٧٩ « طيزناباد ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٤) سورة الفرقان ـ الآية ٦٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ و ٥ من كتاب الصلاة.

٣٠١

وما فاته بالنهار بالليل ، فاقض ما فاتك من صلاة الليل أي ساعة شئت من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة ، قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه ، أشهدكم اني قد غفرت له » والمرسل (١) الآخر الذي أرسله الحسن عنهم عليهم‌السلام « ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) (٢) أي يديمون على أداء السنة ، فان فاتتهم بالليل قضوها بالنهار ، وإن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل ».

ولو لا الشهرة الجابرة لهذه النصوص سندا ودلالة لأمكن أن يناقش في الأول بأنه حكاية فعل لا عموم فيه ، مع أن قوله فيه : « قضاه من الغد » قد ينافي ذلك ، بل لعل ذيله أيضا عند التأمل كذلك ، وبإرادة الإباحة من الأمر الواقع في مقام توهم الحظر كما لا يخفى على من لاحظ النصوص ، ضرورة ظهور أسئلتها بل وأجوبتها في ذلك ، كالاحتجاج بالآية ، وما في بعضها انه « من سر آل محمد عليهم‌السلام المكنون » وقول السائل : « أيجوز » ولا أقل من استبعاد وقوع صلاة الليل في النهار وبالعكس ونحو ذلك ، على أن الأمر به لا يقضي بعدم رجحان غيره ، فلعلهما متساويان في الفضيلة ، كما يشهد له‌ خبر ابن أبي العلاء (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار ، كل ذلك سواء » فيكون الأمر حينئذ بأحدهما على أنه أحد الفردين ، وباحتمال كون المباهاة بأصل القضاء كما يومي اليه عدم ذكر لفظ النهار في قول الله للملائكة ، لا أنها بالكون في النهار ، اللهم إلا أن يدعى أن هذا القول من الله حال وقوع القضاء بالنهار كما هو ظاهر الخبر المزبور ، وبأن مقتضى الأخير‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ١ ولكنه عن فقه الرضا عليه‌السلام.

(٢) سورة المؤمنون ـ الآية ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

٣٠٢

الاستحباب من حيث النهار وان لم يستلزم التعجيل ، بل لعل ذلك هو مقتضى غيره من النصوص عند التأمل ، وهو خلاف ظاهر فتوى الأصحاب ، خصوصا مثل عبارة المتن ، وباضطراب المرسل الأول ، وبإرادة مطلق القضاء من المرسل الثاني ، وبغير ذلك ، لكن الانصاف بقاء شك في النفس مع الشهرة أيضا سيما بعد صراحة أدلة اعتبار المماثلة التي اعتبرها المفيد والكاتب فيما حكي عنهما ، ونسبه في الروضة إلى جماعة إلا أني لم أجد غيرهما كما اعترف به شيخنا في مفتاح الكرامة ، نعم قال فيه تبعهما صاحب المفاتيح.

وكيف كان فيدل عليه‌ صحيح معاوية بن عمار (١) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتك من صلاة الليل بالليل ، قلت : أقضي وترين في ليلة قال : نعم اقض وترا أبدا » وخبر إسماعيل الجعفي (٢) قال أبو جعفر عليه‌السلام : « وأفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل ، وصلاة النهار بالنهار ، قلت : ويكون وتران في ليلة واحدة قال : لا ، قلت : ولم تأمرني أن أوتر وترين في ليلة فقال : أحدهما قضاء » وصحيح زرارة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قضاء صلاة الليل قال : اقضها في وقتها الذي صليت فيه ، فقال : قلت : يكون وتران في ليلة قال : ليس هو وتران في ليلة ، أحدهما لما فاتك » وخبر إسماعيل بن عيسى (٤) سأل الرضا عليه‌السلام « عن الرجل يصلي الأولى ثم يتنفل فيدركه وقت من قبل أن يفرغ من نافلته فيبطئ بالعصر يقضي نافلته بعد العصر أو يؤخرها حتى يصليها في وقت آخر قال : يصلي العصر ويقضي نافلته في يوم آخر ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٨ من كتاب الصلاة مع اختلاف كثير.

٣٠٣

لكن قد يقال ليس شي‌ء ما سوى خبر الجعفي نصا في الفضل ، فيجوز إرادة الإباحة فيها لتوهم المخاطب أن لا وترين في ليلة ، أو لزوم قضاء نافلة اليوم في يومه ، كما أنه يمكن أن يراد بخبر إسماعيل وإن بعد أن الأفضل قضاء صلاة الليل في ليلها ، وصلاة اليوم في يومها ، ولا يكون قول السائل : « فيكون وتران في ليلة » سؤالا متفرعا على قضاء صلاة الليل بالليل ، بل مبتدء ، مضافا إلى ما في الحدائق عن بعض متأخري المتأخرين من حمل هذه الأخبار على التقية ، قال : ولا يحضرني الآن مذهب العامة ، فإن كان كذلك اتجه الحمل المزبور ، وإلا كانت المسألة محل إشكال ، قلت : قد حكى في التذكرة عن الشافعي المماثلة في القضاء ، لكن في بالي أن بعض العامة منع أيضا من تعدد الوتر في ليلة واحدة ولو قضاء ، ومقتضاه مخالفة هذه النصوص للعامة لا الموافقة ، فتترجح حينئذ على الأولى من هذه الجهة ، كما أنه ترجح عليها أيضا بأنها أصرح دلالة منها ، بل يمكن دعوى عدم معارضتها لها كما هو ظاهر الذكرى ، إذ ليس في الأولى إلا الفضل من جهة المسارعة أو غيرها ، وهو لا ينافي أفضلية غيره.

ولعل الأوجه بملاحظة مجموع الأدلة والمرجحات من الشهرة وغيرها أن يقال باستحباب كل منهما من جهتي المماثلة والمسارعة وإن كانت الجهة الأولى أولى من حيث اقتضائها رجحانا ذاتيا بخلاف الثانية ، فإن المسارعة جهة خارجية لا مدخلية لها هنا بالخصوص استأهلت إطلاق الأفضلية عليها في الخبر المزبور ، نعم لو قلنا بأن المخالفة من حيث كونها مخالفة جهة مرجحة كما يمكن دعواه من النصوص أمكن حينئذ مساواة الجهتين ، وكان مقتضاهما التسوية في الفضل كما هو مضمون الخبر السابق ، وإن كان لكل جهة ، والأمر في ذلك كله سهل بعد ثبوت الجواز بل الاستحباب ، وأما‌ موثق‌

٣٠٤

عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال : لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ، ولا يثبت له ، ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل » فهو من شواذ الأخبار وغرائبها المخالفة للكتاب والمستفيض من السنة ، ولا غرو بعد أن كان راويه مثل عمار المعروف بنقل أمثال ذلك ، وربما حمل على خصوص المسافر ، لاحتمال أن يكون الأفضل له التأخير إلى الليل ، لعدم تيسر القضاء له غالبا في النهار إلا على الراحلة أو الدابة أو ماشيا ، مضافا إلى كثرة شواغل البال عن التوجه والإقبال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

والظاهر اتحاد كيفية القضاء في الفرائض والنوافل ، فيجهر فيما يجهر فيه منها ، ويخفت فيما يخفت فيه منها ، بل لعل ذلك هو الموافق لمعنى القضاء ، عند التأمل ، ومن هنا حكي عن الخلاف التصريح بالجهر بالليلية في النهار ، وبالإخفات بالنهارية في الليل ناقلا للخلاف فيه عن بعض العامة ، مشعرا بعدم الخلاف فيه منا ، ولعله كذلك ، والله العالم.

المسألة السابعة الأفضل في كل صلاة أن يؤتى بها في أول وقتها إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص (٢) التي تقدم الإشارة إليها ، وإلى أنه ربما ظن منها الوجوب ، مضافا إلى ما دل على المسارعة للخير وتعجيله من الكتاب (٣) والسنة (٤) أيضا ، بل والعقل في الجملة إلا المغرب والعشاء الآخرة لخصوص من أفاض من عرفات ، فإن تأخيرهما إلى المزدلفة بكسر اللام ، وهي المشعر الحرام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٣) سورة آل عمران ـ الآية ١٢٧ وسورة المائدة ـ الآية ٥٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ و ١٢ من كتاب الصلاة.

٣٠٥

أولى ولو صار إلى ربع الليل اتفاقا كما في كشف اللثام ، بل بإجماع أهل العلم كما عن المنتهى ، وللنصوص (١) بل في‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام النهي عن الصلاة قبل ذلك ولو إلى ثلث الليل قال : « لا تصلي المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل » وإلا العشاء الآخرة أيضا مطلقا ، فإن الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق الأحمر للنصوص (٣) السابقة أيضا التي قد ظن منها أنه أول وقتها ، وأنه لا يجوز فعلها قبله ، وفي بعضها (٤) « لو لا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل » وفي آخر (٥) « لو لا نوم الصبي وعيلة الضعيف لأخرت العتمة إلى ثلث الليل » وربما يستفاد منهما استحباب التأخير إلى الثلث إلا أنه لم أجد أحدا أفتى به كما اعترف به العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، ولعله لأن التعليق على ما ليس بمطلوب يدل على عدم الطلب ، قيل : ويؤيده ورود هذا المضمون إلى النصف مع ما في الصحيح (٦) أن ذلك هو التضييع ، لكن قد يشكل بفهم أهل العرف من مثل هذه العبارة الندب بعد أن يكون المعلق الوجوب ، لكن قد يمنع هنا ، كما أنه يمنع احتمال فهم الندب على تقدير أن يكون هو المعلق أيضا ، فتأمل جيدا ، وكيف كان فما في‌ خبر العمري (٧) عن صاحب الزمان (ع) « ملعون ملعون من أخر العشاء إلى أن تشتبك النجوم » يراد منه المغرب قطعا تعريضا بأبي الخطاب وأصحابه كما يكشف عنه باقي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ و ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة ،.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة ، وفيه « وغلبة » بدل « وعيلة ».

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

٣٠٦

النصوص (١) بل في بعضها (٢) هذا اللفظ بعينه مع تبديل العشاء بالمغرب ، أو غير ذلك.

وإلا المتنفل فإن الأفضل له أن يؤخر الظهر والعصر حتى يأتي بنافلتيهما بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل هو المعلوم من سيرة السلف والخلف ، نعم ظاهر المتن اختصاص ذلك بالمتنفل دون غيره ، فلا يستحب له التأخير عن أول الوقت أصلا ، وهو أحد الوجهين أو القولين اللذين مر البحث فيهما سابقا في أول المواقيت ، كما أن ظاهره أيضا أن غاية التأخير الإتيان بالنافلتين سواء زاد ذلك عن التقدير بالأقدام والأذرع أو نقص ، وإن كان بقرينة ما تقدم منه سابقا ينبغي تنزيله وعلى مراعاة الأقدام ، أو يكون التحديد بها فيما مضى لبيان أقصى الاذن في فعل النافلة ، وإلا فالمدار على الفراغ منها وإن لم يبلغ الظل القدمين أو الأربعة ، أو لبيان أن النافلة غالبا لا يطول فعلها أزيد من القدمين ، أو غير ذلك.

وبالجملة لا إشكال في استحباب تأخير الظهر للمتنفل بمقدار النافلة أو إلى القدمين ، وأما العصر فالذي يظهر من ملاحظة النصوص وما تضمنته من انتظار الصلاة بعد الصلاة (٣) ومن إضافة الوقت فيها إلى العصر (٤) وان لكل صلاة وقتين (٥) وان المواقيت خمس (٦) وتأخير المستحاضة (٧) والمسافر الظهر إلى وقت العصر (٨) وان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ و ١٢ و ١٧ و ١٩ و ٢٢ و ٢٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ و ٢٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ و ١١ و ١٣ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٣٠٧

الجمع رخصة للسفر أو العلة أو الجمعة (١) أو نحو ذلك مما لا يخفى على من استقرأ جميع نصوص الباب الواردة في الكتب الأربعة وغيرها أنها تؤخر عن أول الوقت ، وان لها وقتين اجزائيين سابق ولاحق كالعشاء ، بل ظاهر خبر عمر بن حنظلة (٢) وخبر أحمد بن أبي نصر (٣) وخبر أحمد بن عمر (٤) وخبر زرارة (٥) وخبر ابن وهب (٦) وخبر ابن ميسرة (٧) وخبر الفضل بن شاذان (٨) المروي عن العلل والعيون المشتمل على علل المواقيت ، وخبر المجالس (٩) المشتمل على تعليم محمد بن أبي بكر لما ولي مصر ، وما في نهج البلاغة (١٠) وغير ذلك مما لا يسع الفقيه تعداده وإحصاؤه ، لكن بناء على إرادة قامة الإنسان من القامة في بعضها لا الذراع كون التأخير إلى المثل الذي هو منتهى فضيلة الظهر ، ويؤيده محافظة العامة على هذا الوقت ، إذ الظاهر أنهم أخذوها يدا عن يد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنهم لم يغيروا سنته في ذلك ، لعدم تعلق غرض لهم به ، ولأن أمر الصلاة مشهور بين كافة الناس ، ولأن ترويج أمرهم كان بملازمتهم للصور التي كانت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا وجدوا فرصة انتهزوها ، وإلا فهم في أول أمرهم في غاية الإظهار لاتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاقتداء بسنته المشهورة المعروفة ، ومن هنا ورد الأمر بالصلاة بأذانهم وأنهم أشد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المواقيت ـ والباب ٨ من أبواب صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

٣٠٨

الناس مواظبة على الوقت ، إلا أن أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم لما رأوا إلزام العامة العمياء بالوقت المخصوص ، وأنه لا يجوز ما عداه على الاختيار ، وكان في ملازمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والسلف لهذا الوقت تشبث تام لهم لم يألوا جهدا في الإكثار من القول الدال على عدم وجوبه وعدم إلزامه ، وإن اختلفت طرق التأدية لذلك باعتبار اختلاف إرادتهم بيان النافلة مع ذلك وعدمه ، مضافا إلى ملاحظتهم عليهم‌السلام أن لا يعرفوا الشيعة بوقت خاص لهم كي لا يعرفوا فيؤخذوا ، فتارة ذكروا أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان ، وأخرى جعلوا المدار على الأقدام ، وثالثة على الأذرع ، ورابعة على الفراغ من النافلة طالت أو قصرت ، إلى غير ذلك مما ذكروه مما يفيد جواز الجمع صريحا أو ظاهرا.

والغرض من الجميع عدم الإلزام الذي عند القوم ، وربما توهم من غلبة مداومة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه لا بيان أفضل أوقات العصر ، ولذلك لم يصرح به في أكثرها ، بل ولا يظهر منه ، وإن أمر به بعد الذراعين أو الفراغ من نافلته مثلا ، لكنه ظاهر في الاذن والإباحة بعد أن عرفت أنه في مقام توهم الحظر كما يومي اليه الإنكار والعجب في بعض النصوص من الجمع وعدم التفريق بالزمان ، فصل بالنافلة أولا ، وما‌ في بعضها (١) ـ انه « كان جدار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قامة ، فإذا بلغ ذراعا صلى الظهر ، وإذا بلغ ذراعين صلى العصر » بعد تسليم إرادة قامة الإنسان من القامة فيه ـ محمول على إرادة اتفاق وقوع ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا الدوام أو الاستمرار وان كان ظاهر « كان » ذلك ، أو يراد منه أنه لا يصلي العصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة مع اختلاف في اللفظ.

٣٠٩

إلا بعد الذراعين ، فيصدق وإن أخرها إلى المثل ، أو يقال إنها لا تنافي ما هو الأرجح في النظر من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفرق زمانا بين الظهرين إلا أن مقدار التفرقة لم يعلم.

فالنصوص (١) السابقة تقضي بالمثل ، وأخرى (٢) بالذراعين والأربعة أقدام ، بل في بعضها (٣) أن تأخيرها إلى الستة أقدام التضييع ، وفي آخر تعريض بما عليه العامة وأنه لا ينبغي صلاة العصر في وقتهم ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) : « ما خدعوك فيه من شي‌ء فلا يخدعونك في العصر ، صلها والشمس بيضاء نقية ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر ، قيل : وما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له أهل ولا مال في الجنة ، قال : وما تضييعها؟ قال : يدعها والله حتى تصفر أو تغيب الشمس » ونحوه غيره في تفسير التضييع بذلك ، لكن المعروف الآن بين العامة عدم تأخيرها إلى ذلك ، فلعل المراد سوادهم ، وكفى بهذه النصوص على كثرتها واستفاضتها دلالة على معروفية التفريق زمانا قديما ، ضرورة أنه هو المناسب حينئذ للحث عليها وعدم تضييعها ونحوهما ، ومع ذلك لم يأمروا بجمعها مع الظهر كما هو المتعارف الآن.

فلا يبعد استحباب التفريق زمانا بينهما وان اختلف ، فتارة يكون إلى المثل ، وتارة يكون إلى الذراعين ، وربما كان أزيد أو أنقص ، وأما الفصل بالنافلة فقط فلا يحصل به ثواب التفريق المفهوم من النصوص ، ونصوص (٥) الفصل بالنافلة لا دلالة فيها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ و ٣١ من كتاب الصلاة والمستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦ و ٧ و ٨ و ٩ وغيرها.

٣١٠

على الفضل والاستحباب ، بل أقصاها الدلالة على الجواز ، بل في بعضها ظهور في أن هذه الكيفية من أداء الظهرين لم تكن معروفة في الزمن السابق لا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا من الصحابة والتابعين ، وما يحكى عن المصنف ـ في جواب تلميذه يوسف ابن حاتم الشامي لما سأله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة إلى الأذان للثانية ، إذ هو للاعلام ، وللخبر (١) المتضمن انه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان ، وإن كان يفرق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل ، من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع تارة ، ويفرق أخرى ، وان الجمع يستحب عندنا مع الإتيان بالنوافل ، لأنه مبادرة إلى تفريق من الفرض ـ لم نتحققه ، بل المعروف من غالب أحوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التفريق.

ولقد أجاد الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك حيث قال : وإذا كانت المبادرة مستحبة فلا وجه لاختيار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض الأوقات التفريق مع انه مشقة ظاهرة منضمة إلى ترك فضيلة ، وجواز التفريق المرجوح حينئذ يتأتى بالقول ، كيف وغالب الأوقات كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفرق ، وما كان يجمع إلا نادرا كما يظهر من الأخبار ويعضدها الاعتبار الحاصل من الآثار ، قلت : ومنه يعلم حال ما في المدارك لما حكى عن الذكرى الجزم باستحباب التفريق بين الفرضين ، لأنه معلوم من حاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأنه كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بشهادة النصوص والمصنفات ، ثم استحسنه إلا أنه قال : يتحقق التفريق بتعقيب الظهر وفعل نافلة العصر ، إذ هو كما ترى بعيد عن النصوص والمصنفات ، بل بعض منها لا يقبل ذلك كما اعترف به الأستاذ الأكبر في الحاشية المزبورة أيضا ، بل هو غير خفي على كل من له أدنى درية ومعرفة بحال السلف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ١١ من كتاب الصلاة.

٣١١

وبكيفيات الخطابات.

نعم لا يعتبر في التفريق المثل كما سمعته وإن اعتبره الشهيدان والمحقق الثاني والفاضل المقداد والعلامة الطباطبائي في منظومته ، بل ربما نسب للمصنف والعلامة حيث أنهما حملا على الفضل والاستحباب بعض النصوص (١) المتضمنة إشارة جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأوقات مما هو دال على المطلوب ، بل نسب أيضا للمفيد وأبي علي ، بل حكي شهرة المتأخرين عليه ، لكن الإنصاف أنه غير لازم وان شهدت له بعض النصوص (٢) إلا أنه ينبغي حملها على إرادة بيان بعض صور التفريق لا أنه هو لا غير.

وكيف كان يكون للعصر حينئذ وقتان إجزائيان سابق ولاحق كالعشاء ، ولكن قد يدعى أفضلية أولهما على الآخر ، لما فيه من المسارعة ، ولما تقدم في الأبحاث السابقة ، بل لعل لذلك تختلف إجزاء الأول أيضا كغيره من أوقات الفضيلة والاجزاء ، خلافا لما عساه يظهر من منظومة الطباطبائي فأطلق الفضل في الاجزائي المداني وقت الفضيلة ، وهو وإن كان لا يخلو من وجه إلا أنه يمكن أن لا يريد ما يشمل ذلك ، والأمر سهل.

وإلا المستحاضة الكبرى ، فإنها تؤخر الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضلهما ، ثم تغتسل لتجمع به العصر والعشاء كما تقدم البحث فيه في باب الحيض ، بل ذكرنا هناك أنه ربما قيل بوجوب ذلك ، لظاهر الأمر به في النصوص (٣) المحمول على إرادة الرخصة ، وإلا فلا ريب في جواز غسلها في أول الوقت للظهر ، ثم غسل آخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ و ٨ و ١٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ و ٣١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاستحاضة ـ الحديث ١ و ٤ و ٥.

٣١٢

للعصر إذا أرادت فعلها في وقتها الفضيلي كما ذكرنا البحث فيه مفصلا ، بل منه ومما ذكرناه هناك أيضا من عدم جواز إيقاعهما بغسل واحد مع التفريق يشكل الاستحباب المزبور حينئذ وإن ذكره غير واحد من الأصحاب ، فلاحظ وتأمل.

ثم من المعلوم أن المصنف كالفاضل في القواعد لم يريدا حصر الاستثناء فيما ذكراه ، ضرورة ثبوته أيضا في غيره كتأخير ذوي الأعذار مع رجاء الزوال ، بل قيل بوجوبه ، كتأخير من عليه القضاء على ما سيأتي في محله إن شاء الله ، والصائم الذي تتوق نفسه إلى الإفطار ، أو كان له من ينتظره ، والطالب للإقبال في العبادة ، إلا أنه لا ينبغي أن يتخذه عادة كما أومأنا إليه سابقا ، بل قد ذكرنا نوع تأمل فيه ، ومنتظر الجماعة لكن بشرط أن لا يصل بذلك حد الإضاعة ، وفي التنقيح والمتمكن من استيفاء الأفعال والمندوبات ، وبالجملة كل من تعذر عليه كمال الصلاة ويرجو حصوله يستحب له التأخير ، والمربية للصبي التي قد ذكرنا البحث فيها سابقا ، وأنها تؤخر الظهرين كي يحصل لها بغسل واحد الفرائض الأربع ، ومدافع الأخبثين ، بل كل مانع إلى أن يرفعه ، والمرخص له بالدخول في الوقت بالظن للغيم إلى أن يحصل له العلم ، وربما أوجبه بعضهم كما سمعته سابقا ، والمسافر المستوفز ، وتأخير الظهر للأمر بالإبراد بها في صحيحي معاوية ابن وهب (١) وزرارة (٢) ودعوى الصدوق إرادة الإسراع والتعجيل منه من البريد غير ثابتة يشهد بخلافها اللغة والعرف ، وقرائن الأحوال والأقوال في الخبرين (٣).

نعم في كشف اللثام ان الفاضل احتمل في نهاية الأحكام ما يعطيه الوسيلة والجامع من كون التأخير لذلك رخصة ، فان احتملها وصلى في أول الوقت كان أفضل ، وفيه أن حمل الأمر على الندب أولى وإن استلزم التخصيص ، خصوصا بعد فتوى غير واحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٤ من كتاب الصلاة.

٣١٣

من الأصحاب به ، والظاهر تحديد غاية الإبراد بها إلى المثل كما في صحيح زرارة لا أن ذلك هو الحد ، بمعنى أن فاعلها قبله لم يأت بوظيفة الإبراد كما فهمه زرارة وابن بكير وتفردا به من بين الشيعة ، وكان اختصاص الظهر بذلك في الفتاوى دون العصر مع أن في صحيح زرارة الإبراد بهما معا لتعارف التفريق في ذلك الزمان المقتضي لحصول الإبراد بها ، بل لعل الإبراد بالظهر مقتض لحصوله فيها أيضا ، ومن هنا اقتصر عليه ، كما أنه ينبغي قصر الحكم فيها على شدة الحر للبلاد أو لغيره ، فلا يندب تأخيرها في البلاد الباردة ، ولذلك قيده به بعضهم ، وكأنه فهمه من نفس الأمر بالإبراد ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآمر بذلك كانت بلاده شديدة الحر ، ولغير ذلك ، مضافا إلى الاقتصار على المتيقن في الخروج عن فضل أول الوقت الذي هو كالضروري ، بل قيد أيضا بما إذا صليت في المسجد جماعة لذلك أيضا ، لكنه لا يخلو من إشكال ، هذا. وفيه بعد ذكر استثناء الإبراد وذوي الأعذار ومن عليه القضاء والغيم قال : وزيدت مواضع يمكن إرجاعها إلى المذكورات ، وكأنه أومأ إلى ما في الروضة من أن أول الوقت أفضل من غيره إلا في مواضع ترتقي إلى خمسة وعشرين ذكر أكثرها المصنف في النفلية ، وحررناها مع الباقي في شرحها ، ولعل قوله فيها من غيره دون خصوص التأخير ليدخل فيه استثناء تعجيل عصري الجمعة وعرفة كما تعرفه إن شاء الله فيما يأتي ، ولقد تبعه المحدث البحراني في حدائقه في تعدادها ، وذكر الأدلة لكل واحد منها ، إلا أنه أنهاها إلى أربعة وعشرين ، ونظر في ثبوت الاستحباب في بعضها ، كما انه جعل موضوع البحث أعم من الفرض والندب ، فلعل من التأمل فيما ذكرناه هنا وفي الأبحاث السابقة كتأخير صلاة الليل وغيرها تعرف الوجه في كثير مما ذكرا استثناءه ، بل لعل بانضمام بعض الاعتبارات تزداد على المذكور هنا ، ولذلك وغيره تركنا الإطناب في تحرير الأدلة على ذلك ، وإن كان المقام محتاجا اليه ، لعدم جريان قاعدة التسامح فيه ،

٣١٤

لأن المستثنى منه على الظاهر مع كونه مستحبا أيضا أدلته في غاية الوضوح والمعلومية ، فتخصيصها حينئذ محتاج إلى دليل معتبر ، مع احتمال الاجتزاء بما يندرج في دليل التسامح الذي يستغنى باعتباره عن اعتبار خصوص المعارض ، والله أعلم.

المسألة الثامنة قد علم من النصوص (١) المستفيضة أو المتواترة والإجماع بقسميه ترتب الفرائض الحاضرة في الأداء ، بمعنى عدم جواز تقديم العصر على الظهر والعشاء على المغرب لكن مع التذكر لا الغفلة والنسيان ، فـ ( لو ظن ) أو قطع انه صلى الظهر فاشتغل بالعصر فان ذكر وهو فيها ولو قبل التسليم بناء على انه منها ولو مستحبا كما صرح به غير واحد ، لكن قد يشكل باحتمال النص والفتوى إرادة قبل الفراغ من الواجب لا الأعم منه ومن الندب ، ضرورة صدق أنه صلى على الأول ، ويدفع بالظهور ، وصدق « في الصلاة » في صحيح زرارة (٢) « وهو يصلي » في حسن الحلبي (٣) مضافا إلى الاستصحاب ، وعلى كل حال عدل بنيته إلى الظهر وجوبا إجماعا محكيا في حاشية الإرشاد وعن غيرها إن لم يكن محصلا ، لحسن الحلبي (٤) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي أنه لم يكن صلى الأولى قال : فليجعلها الأولى التي فاتته ، ويستأنف بعد صلاة العصر ، وقد قضى القوم صلاتهم » وصحيح زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « فان نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الأولى ثم صل العصر ، فإنما هي أربع مكان أربع » وغيرهما ، وما عن المنتهى من أنه لا نعلم خلافا بين أصحابنا في جواز العدول يمكن إرادة الوجوب من الجواز فيه ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣١٥

يمكن أن يقال بعد وجوب الترتيب أنه متى جاز وجب.

والعشاءان كالظهرين في هذا الحكم بلا خلاف أجده فيه ، بل هو من معقد محكي الإجماع لكن بشرط أن يكون ذكره قبل تجاوز محل العدول ، وهو الدخول في ركن كما هو المشهور أو واجب على ما تعرفه إن شاء الله في مبحث القضاء ، وخبر الصيقل (١) مع جهل الراوي والاعراض عنه يمكن تأويله ـ وإن بعد ، قال فيه : « سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر ، قال : فليجعلها الأولى ويستأنف العصر ، قال : قلت : فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر قال : فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب ، قال : قلت له : جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف ، وقلت لهذا يتم صلاته بعد المغرب ثم يستأنف ، فقال : ليس هذا مثل هذا ، إن العصر ليس بعدها صلاة ، والعشاء بعدها صلاة » ـ بما في كشف اللثام من نصب بعد المغرب : أي فليتم صلاته التي هي المغرب بعد العدول إليها ، ثم ليقض العشاء بعد المغرب ، ولذا قال السائل : قلت لهذا يتم صلاته بعد المغرب ، والسائل إنما سأل الوجه في التعبير بالقضاء هنا والاستيناف في العصر ، فأجاب عليه‌السلام بأن العصر صلاة منفردة لا تتبعها صلاة ، ثم قال : ويجوز ابتناء الخبر على خروج وقت المغرب إذا غاب الشفق وعدم دخول وقت العشاء قبله ، فإذا شرع في العشاء لم يعدل إلى المغرب بناء على عدم وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة ، فيكون بعد مضموما ، والمغرب منصوبا مفعول ليقض ، وكلام السائل قلت لهذا يتم صلاته وقلت بعد المغرب ، والجواب بيان العلة في استمرار الظهر إلى قريب انقضاء وقت العصر دون المغرب إلى قريب انقضاء وقت العشاء ، والحمل على ضيق وقت العشاء بعيد جدا ، قلت : ما ذكره أيضا أبعد منه أو مساو له ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٣١٦

فالأولى رد الخبر إلى أهله كما أمرنا به.

ثم ان إطلاق المتن وغيره كصريح المدارك وكشف اللثام وغيرهما عدم الفرق بين وقت الاختصاص والاشتراك ، ولعله لإطلاق الأدلة ، ولأنها بالنية انكشف كونها ظهرا في وقت اختصاصه لا أنها عصر صارت من حين العدول ظهرا حتى يشكل بأن الركعات الأولى وقعت باطلة في الواقع بوقوعها في غير وقتها ، فالعدول بها إلى الظهر غير مجد ، مع احتماله استنادا في ذلك إلى إطلاق الأدلة المزبورة الذي يكون الاستبعاد معه اجتهادا في مقابلة الدليل ، اللهم إلا أن يجعل ذلك سببا للشك في شمول الدليل له ، ومثله يجري فيمن صلى العصر قبل الوقت فدخل عليه وقت اختصاص الظهر قبل الفراغ ، ثم ذكر انه لم يكن قد صلى الظهر فعدل به إلى الظهر ، بل هو أقوى إشكالا من الصورة الأولى ، خصوصا مع تصريح بعضهم في تلك المسألة باشتراط الصحة بدخول الوقت وهو في الأثناء بما إذا لم يكن وقت اختصاص الظهر ، لكن لعل المراد هناك عدم صحتها بذلك عصرا ، وانه ليس من محل العدول ، لعدم فرض ما ذكرناه من المثال الذي يمكن دعوى اختصاص العدول في نحوه لا فيما يشمل من شرع في العصر فظهر له فساد ما فعله من صلاة الظهر ، ضرورة كونه على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على المتيقن ، اللهم إلا أن ينقح مناطا للمسألتين بالإجماع ، أو بدعوى ظهور النصوص في إرادة الأعم من الغافل عن الفعل أصلا أو فساده ، فإنهما معا لم يصليا صلاة صحيحة ، بل يصدق سلب اسم الصلاة عن الثاني بناء على وضع اسم العبادة للصحيح ، وبالجملة المدار على من دخل في العصر مثلا دخولا مشروعا ثم ظهر له بقاء شغل ذمته بالظهر ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ ( ـان لم يذكر حتى فرغ ) من صلاته ، فان كان صلى في أول وقت الظهر أي المختص به أعاد بعد أن يصلي الظهر على الأشبه الأشهر‌

٣١٧

من ثبوت وقت اختصاص له ، إذ ثمرته عدم صحة العصر فيه نسيانا ، وبه يقيد حينئذ إطلاق ما دل على الصحة من النصوص الآتية ، خصوصا مع ندرة الفرض كي يشمله إطلاقها ، وليس له أن ينوي بها الظهر ، لأن الصلاة على ما نويت لا تنقلب إلى غيرها بالنية بعد إكمالها ، ولو لم تكن النصوص والإجماع على انقلابها في الأثناء لم نقل به ، ولم نعرف في ذلك خلافا إلا من نادر لا يقدح خلافه ، ولذا حمل الشيخ وغيره ما في صحيح زرارة (١) السابق على القرب من الفراغ وإن كان ضعيفا كما في كشف اللثام ، قال : ويمكن حمله على كونه في نية الصلاة أو بعد فراغه من النية ، ويقربه قوله متصلا به : « وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين ، وقم فصل العصر » وكذا‌ خبر ابن مسكان عن الحلبي (٢) « سأله عن رجل نسي أن يصلي الأولى حتى صلى العصر قال : فليجعل صلاته التي صلى الأولى ، ثم ليستأنف العصر » بمعنى دخوله في صلاة العصر ، ويجوز فيهما أن يكون المصلي ابتدأ بالظهر ثم نسي في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها أنه نوى الظهر ثم ذكر أنه كان ابتدأ بالظهر فليجعلها الظهر ، فإنها على ما ابتدأ به ، وكل من الظهر والعصر أربع ، بخلاف ما إذا نسي أنه نوى المغرب فذكر بعد الفراغ من العشاء ، فإنها لا تكون إلا العشاء ، واحتمل بعض الأصحاب العمل على ظاهر الخبرين ، ووقوع العصر عن الظهر إذا لم يتذكر إلا بعد الفراغ ، وهو نادر ، قلت : إلا أنه لا يخلو من قوة ، لظاهر الخبرين اللذين من الواضح ضعف التأويلات المزبورات فيهما ، مضافا إلى ما في ذيل عبارة كشف اللثام ، ولعل الأولى منها حملهما على إرادة أنه صلى ناويا ما في ذمته معجلا ، لكن كان يزعم أنه العصر ، أو على غير ذلك ، أما على القول بعدمه وأنهما معا على الاشتراك من دلوك الشمس إلى غسق الليل فالمتجه الصحة ، لاختصاص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٣١٨

اشتراط الترتيب عندنا في العمد ، بل في كشف اللثام اغتفرت مخالفة الترتيب نسيانا بالنصوص (١) والإجماع وللأصل والحرج ورفع النسيان وإن كان بعضه كما ترى ، وإن كان قد ذكر وهو في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها أجزأته وأتى بالظهر لما عرفته من عدم اشتراط الترتيب في هذا الحال ، ولما تقدم سابقا من صحة ما وقع قبل الوقت باذن شرعية ثم دخل الوقت عليه قبل الفراغ وقبل التنبه ، وفي‌ صحيح زرارة (٢) « إن كنت صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم وصل المغرب » وفي‌ صحيح صفوان (٣) وقد سأله عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر « إن أمكنه أن يصليها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها ، وإلا صلى المغرب ثم صلاها » إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره بعد وضوح المسألة ، والظاهر عدم اعتبار ما يعتبر في أصل النية من القربة ونحوها في نية العدول هنا ، بل يكفي قصد ما فعله وبقي للظهر مثلا ، نعم لا يجوز له أن يوقع شيئا من الأفعال قبل هذه النية ، كما هو واضح بحمد الله.

( المقدمة الثالثة في ) البحث عن ( القبلة )

(و) يقع ( النظر في ) أربعة : ماهية ( القبلة والمستقبل ) بالفتح (وما يجب له وأحكام الخلل ).

أما ( الأول )

فعن القاموس أن القبلة بالكسر التي يصلى نحوها ، والجهة ، والكعبة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة والباب ـ ٦٣ ـ الحديث ١ و ٥ والمستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

٣١٩

وكل ما يستقبل ، وما له في هذا قبلة ولا دبرة بكسرهما أي وجهة ، وهو كما ترى على عادته من الخلط والخبط ، والأولى أنها الاستقبال على هيئة ، أو الحالة التي عليها الإنسان حال استقبال الشي‌ء ، وعرفا المستقبل وهو عند التحقيق المكان الواقع فيه البيت شرفه الله الممتد من تخوم الأرض إلى عنان السماء لا نفس البناء ، كما يومي اليه‌ خبر عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سأله رجل قال : صليت فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزئ ذلك والقبلة تحتي؟ قال : نعم انها قبلة من موضعها إلى السماء » ولذا لو أزيلت البنية أو نقلت إلى مكان آخر وجب استقبال ذلك الفضاء ولم تصح الصلاة إلى نفس البناء كما هو واضح ، والظاهر اتحاد المعنى المنقول إليه بشهادة عرف المتشرعة الذين لا يعرفون غير الكعبة قبلة ، حتى أنهم يلقنون بذلك موتاهم ، بل هو من الضروريات عندهم ، فيكون عند الشرع كذلك ، إذ هو العنوان لمثله كما حرز في الأصول ، فاحتمال تعدده ـ فيكون مشتركا لفظيا بينها وبين المسجد والحرم ـ في غاية الضعف ، كاحتمال الاشتراك معنى بين الثلاثة المزبورة مخالف للاستعمال عرفا وسنة ، وإطلاق القبلة على الجهة عرفا على ضرب من التجوز باعتبار احتمال وجود القبلة فيها كما لا يخفى على من دقق النظر في استعمالات العرف.

ومن ذلك تعرف ما في القول بأن القبلة هي الكعبة لمن كان في المسجد والمسجد لمن كان في الحرم ، والحرم لمن خرج عنه وإن قال المصنف انه كذلك على الأظهر وفاقا للمبسوط والخلاف والمصباح والجمل والعقود والمحكي عن الإصباح والمهذب والمراسم ، بل في المسالك نسبته إلى كثير ، بل في الذكرى والروضة إلى الأكثر ، بل في المحكي عن مجمع البيان نسبته إلى أصحابنا ، بل في الخلاف الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣٢٠