جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المختار وعدمه (١) وإن بقي الاشتراك ، لأنهما إن صليتا صار العشاء قضاء أو مركبة أو مؤخرة إلى الوقت الاضطراري اختيارا ، ولا ريب في حرمته ، واحتمال أن التأخير اضطراري ، لمكان المغرب الذي يجب على المكلف أداؤها مع إمكانه يدفعه أنه لا دليل على وجوبها في هذا الحال كي يكون عذرا في التأخير ، لعدم اندراجه في عموم « من أدرك ركعة » قطعا وفيه أنه يكفي دليل أصل وجوبها سابقه على العشاء مع صلاحية الوقت بل يمكن دعوى وجوبها دون العشاء بناء على الاشتراك فيما لو بقي ركعة فضلا عن الأربع ، فالمتجه حينئذ عليه وجوب الفرضين دون الاختصاص ، فبناء المسألة على ذلك أولى من بنائها على ما عرفت.

وأما ثالثا فلعدم التلازم بين القول بالأدائية وبين القول بكون الأربع للظهر أصالة ، إذ هي تأتي على ذلك وعلى كونه بمنزلة الوقت شرعا ، كما أنه لا تلازم بين القول بالقضائية أو التركيب وبين القول بكونها للعصر أصالة ، إذ لعله يخص ذلك في المدرك خمسا بالأخيرة التي صار إدراك وقتها بسبب الركعة ، لا الأولى التي أوجبها أصل الأمر بها دون إدراك ركعة من وقتها ، فيكون اختصاص العصر عنده بالأربع إذا بقي من الوقت مقدارها خاصة ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثانية الصبي المتطوع بوظيفة الوقت بناء على شرعية أفعاله إذا بلغ في أثناء صلاته أو بعد الفراغ منها بما لا يبطل الطهارة كالسن والوقت الذي يتمكن من أداء الفعل فيه ولو اضطرارا باق استأنف صلاته على الأشبه الأشهر ، بل في المدارك نسبته إلى خلاف الشيخ وأكثر الأصحاب ، للعمومات التي لم يخرج عن مقتضاها بفعله الأول الذي هو مقتضى أمر آخر غيرها ، ضرورة عدم كون المراد بشرعية أفعاله أن الأمر في قوله تعالى (٢) ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) ونحوه‌

__________________

(١) أي عدم وجوبهما.

(٢) سورة المزمل ـ الآية ٢٠.

٢٦١

مما هو ظاهر في المكلفين مراد منه الندب بالنسبة اليه ، وإلا كان مستعملا في الحقيقة والمجاز ، بل المراد استحباب متعلقة بأمر آخر غيره ، فيكون اللذان تواردا على الصبي في الفرض أمرين ندبيا وإيجابيا ، ومن المعلوم عدم إجزاء الأول عن الثاني ، بل لو كان حتميا كان كذلك أيضا ، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ، خصوصا في مثل المقام الذي منشأ التعدد فيه اختلاف موضوعين ، كل منهما تعلق به أمر ، وهما الصبي والبالغ ، فما يحكى عن ظاهر المبسوط من الاجتزاء بالإتمام عن الاستيناف ضعيف جدا.

وأضعف منه احتجاجه له في المختلف بأنها صلاة شرعية يجب إتمامها للآية ، وإذا وجب سقط الفرض بها ، لاقتضاء الأمر الاجزاء ، وفيه أولا إمكان منع شرعيتها باعتبار كون المصحح لها سابقا أنها نافلة وقد انقطع ذلك هنا ، ضرورة دوران نفليتها على الصبا ، فشرعيتها حينئذ بالنسبة إلى ذلك كتمرينيتها تنقطع بالبلوغ ، وإن احتمل المحقق الثاني وتبعه غيره إتمامها على التمرينية أيضا عند عدم معارضة الصلاة لها ، نظرا إلى أن صورة الصلاة كاف في صيانتها عن الابطال ، وإلى أنها افتتحت على حالة لم يتحقق الناقل عنها كما هو الفرض ، فيستصحب ما كان ، وافتتاحها غير مندوبة لا ينافي إتمامها مندوبة بعد أن كان المانع من ندبيتها قبل عدم التكليف ، وقد زال ببلوغه ، وصار التمرين ممتنعا ، فإتمامها لا يكون إلا مستحبا ، وهو كما ترى ، وثانيا إمكان منع عموم الآية للنافلة لما ستعرفه من النزاع فيه في محله ، وثالثا إمكان منع إنه إبطال ، بل أقصاه كونه بطلانا ، ورابعا أن امتثال الأمر يقتضي الاجزاء عن خصوص الأمر بالإتمام لا أمر الصلاة ، وهما متغايران قطعا.

فالأولى الاستدلال له بما أومأنا إليه سابقا من إمكان دعوى اتحاد المكلف به وان اختلفت صفته في الوجوب والندب في الحالين ، وإن كان هو ممنوعا عليه كما عرفت ، وبالحمل على من بلغ في الحج قبل الموقف وإن كان هو قياسا على المنصوص ، مع الفارق‌

٢٦٢

من الإجماع والحرج وانفراد كل من الأفعال بالحج ، ولذا يجب انفراده بنية ، وعليه لا فرق حينئذ بين الأثناء وما بعد الفراغ ، بخلاف ما ذكره العلامة دليلا وما ذكرناه نحن ثانيا ، فإنه خاص بالأول ، لكن يسهل الخطب في ذلك ضعف هذا الخلاف ، بل لعل الشيخ غير مخالف ، إذ لم يحك عنه سوى إيجاب الإتمام على البالغ في الأثناء ، وهو كما ترى أعم من ذلك ، اللهم إلا أن يكون أوجب الإتمام عليه وإن اقتضى عدم التمكن بعد من الاستيناف لضيق الوقت ، إذ لا يتم حينئذ إلا على الاجتزاء به عن الاستيناف ، مع إمكان دعوى أن الإتمام للنهي عن الابطال لا للاجتزاء ، أقصاه دوران الأمر عند البلوغ بين قطع ما هو متلبس به من النافلة ، والفرض حرمته ، وبين ترك الصلاة ، ولا ريب في تعين الثاني عليه ، لاشتراط وجوبها بالتمكن المفقود ، إذ الممنوع شرعا كالممنوع عقلا ، اللهم إلا أن يقال إن امتناع الصلاة عليه موقوف على النهي عن الابطال سابقا على فعل الصلاة ، وليس ، ضرورة اتحاد زمان توجه الأمر والنهي إليه بالبلوغ الذي هو سبب تعلق هذه الخطابات ونحوها به ، فمقتضى القاعدة التخيير إن لم يحصل إمارة معتد بها شرعا تعين أحدهما ، ولعلها هنا بالنسبة إلى الصلاة ، نظرا إلى الأهمية وغيرها ، وإلا فالتخيير ، لكنه عند التأمل مما يقتضي وجوده عدمه ، إذ متى فرض جواز قطع النافلة له وجبت الصلاة ، لعدم المانع حينئذ ، إلا أن يكون المراد بالتخيير ما هو في التكليف لا المكلف به ، بناء على عدم حصر ذلك في تعارض الأخبار خاصة ، بل هو كتخيير الحائض في تحيضها بالسبعة والثلاثة مثلا من الشهرين ، أو يقال إن التخيير ما أثبتناه إلا بعد رفع مقتضى كل من الأمر والنهي مما تضادا فيه ، فالإذن بالقطع ثبت مع الاذن بترك الصلاة دفعة ، فان اقتضى ذاك وجوب الصلاة فليقض الاذن بتركها تعين وجوب الإتمام ، لعدم المقتضي حينئذ للقطع ، ولتمام البحث في المسألة ونظائرها مقام آخر ، لكن على كل حال ليس في المحكي عن الشيخ تصريح بالاجتزاء ،

٢٦٣

بل ولا ظهور ، كما أنه لا ظهور في الأمر بالاستيناف بمجرده من المصنف والفاضل وغيرهما بالقطع مع السعة ، بل ولا مع الضيق ، بل أقصاه بيان عدم الاجتزاء بفعله عن الإعادة مع التمكن ولو بإدراك ركعة مع الطهارة مثلا.

نعم قد يستفاد ذلك من قول المصنف وإن بقي من الوقت دون الركعة بنى على نافلته وجوبا على المحكي عن المبسوط ، لأنها الصلاة عنده ، أو على القول بحرمة قطع النافلة بناء على أنها نافلة وإن بلغ في أثنائها ، وندبا بناء على عدم الحرمة ، أو على التمرينية في وجه سمعته من جامع المقاصد وغيره فيما تقدم وعلى كل حال إلا على المحكي عن المبسوط لا يجدد نية الفرض حيث حصر البناء على النافلة الذي هو بمعنى عدم القطع فيما لو بقي دون الركعة ، ومقتضاه عدم البناء عليها إذا كان الباقي ركعة مثلا ، وهو عين ما ذكرناه من مسألة التعارض ، ويكون اختياره القطع حينئذ ترجيحا للأمر بالصلاة على النهي عن الإبطال ، أو لعدم حرمة قطع النافلة ، أو لأن ضيق الوقت يكشف عن وقوع النافلة في غير وقتها ، فيكون عدم انعقاد أصلا لا بطلانا فضلا عن الابطال ، كمن ظن سعة الوقت من المكلفين فشرع في نافلة ثم تبين له في أثنائها ضيق الوقت ، فإنه لا ريب في وجوب الشروع في الصلاة عليه ، كما أنه لا ريب في عدم كونها من موضع التعارض ، لكن قد يناقش في الأخير بوضوح الفرق بين المكلف المشتبه وبين من حدث تكليفه الذي لا اشتباه فيه ولا تبين خطأه.

ثم لا يعتبر في الاستيناف أزيد من إدراك الركعة إذا فرض إحرازه الطهارة كما عن التذكرة التصريح به هنا ، أو هي مع باقي الشرائط على القول الآخر ، ولا يجب عليه استيناف الطهارة بناء على المعنى المعروف من شرعية عباداته ، لارتفاع الحدث بالطهارة المندوبة عندنا كالواجبة ، نعم هو متجه بناء على التمرين ، لعدم تأثيرها حينئذ ،

٢٦٤

ولعله لذا اعتبر في كشف اللثام سعة الوقت لإدراك الركعة والطهارة وإن كان متطهرا سابقا ، وفاقا لما حكاه عن البيان والذكرى والتحرير والمنتهى وجامع المقاصد وغيرها ، كما أن القول بالاستيناف متجه عليه أيضا ، سواء في ذلك الأثناء أو ما بعد الفراغ ، بل وعلى الشرعية أيضا لو كان البلوغ في الأثناء بما هو مبطل كالانزال ، والوجه في الجميع واضح ، كوضوح مساواة الصبية للصبي في ذلك كله ، والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا كان له طريق إلى العلم بالوقت مشاهدة كان أو غيرها لم يجز التعويل على الظن لأصالة حرمة العمل به حينئذ المشهورة في ألسنة العلماء المستفادة من النهي عن اتباعه كتابا (١) وسنة (٢) وغيره ، وإليها أشار الطباطبائي بقوله في منظومته :

وكل من أمكنه العلم فلا

يبن على الظن لأصل أصلا

ولتوقف نية القربة والبراءة عن الشغل والحكم باندراجه في المطيعين الممتثلين لأوامر رب العالمين وأوليائه الغر الميامين (ع) عليه ، وللإجماع المحكي على لسان غير واحد إن لم يكن المحصل المعتضد بالشهرة العظيمة ، بل بعدم الخلاف فيه فيما أجد كما اعترف به غير واحد أيضا سوى ما يحكى عن ظاهر الشيخين من إطلاق الاجتزاء به ، مع أن المنساق منه حال عدم التمكن ، بل إطلاق المفيد منهما غير مساق لذلك ، كما أن إطلاق الطوسي في نهايته التي هي غالبا متون أخبار وغير معدة للفتوى ظاهر في إرادة بيان انحصار صحة الصلاة في العلم والظن ، وأنها بدونهما لا تصح وإن كان اعتبار الثاني إذا لم يتمكن من الأول ، لا أنه يكفي الحاصل منهما على كل حال ، ولتظافر النصوص (٣)

__________________

(١) سورة الحجرات ـ الآية ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٤٠ و ٤٢ من كتاب القضاء.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٤١ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٢٦٥

أو تواترها بالمحافظة على معرفة المواقيت وملاحظتها وكيفية معرفتها وطرق العلم بصيرورتها على وجه ظاهر في إرادة العلم بصيرورتها ، بل هو صريح بعضها ، خصوصا الوارد في الفجر والزوال الناهي عن الصلاة قبل التبين (١) ، كالآية (٢) الذي هو بمعنى العلم ، بل لعل الآية شاهدة بضميمة عدم القول بالفصل بين الصوم والصلاة في ذلك ، ولإشعار موثق سماعة (٣) الآتي به أيضا ، ول‌ خصوص خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه عليهما‌السلام « في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا غير أنه يظن لمكان الأذان أنه طلع قال : لا يجزيه حتى يعلم أنه طلع » إلى غير ذلك مما يعسر حصره.

فما عساه يستفاد من إطلاق بعض نصوص (٥) الديكة والمؤذنين ، وخبر إسماعيل بن رياح (٦) من الاجتزاء به مطلقا يجب تقييده بعدم التمكن ، لما سمعت وتسمع ، وإن تردد في الذخيرة في المسألة لخبر ابن رياح (٧) عن الصادق عليه‌السلام الذي لم يسق إطلاقه لذلك ، قال : « إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » بل مع التأمل لا ظهور فيه أصلا ، ضرورة صدقه في صورة كفاية الظن ، فلعل المراد بيان حكمه ، نعم ربما كان فيه إشعار ضعيف لا يعبأ به هنا قطعا ، بل ربما يسلم إذا لم يكن صورة للظن معلومة الجواز ، وإلا كانت هي المنساقة من مثل هذا الإطلاق ، فدعوى إرادة الظن حينئذ من لفظة « ترى » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ والباب ٣ من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٦٦

لكونه معناه أو لعدم انطباق الحكم المزبور في الخبر إلا عليه غير مجدية ، وكذا تردده فيها في أول كلامه في التعويل على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار ، بل لم يستبعده بعد ذلك ، كما أنه جزم به في المعتبر ، لأن الغرض من شرعيته الاعلام ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) : « صل الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنهم أشد شي‌ء مواظبة على الوقت » وخبر محمد بن خالد القسري (٢) قال له أيضا : « أخاف أن أصلي الجمعة قبل أن تزول الشمس ، فقال : انما ذلك على المؤذنين » وقول علي عليه‌السلام في خبر الهاشمي (٣) : « المؤذن مؤتمن » كالنبوي (٤) « المؤذنون أمناء » وإيماء النهي (٥) عن الاعتماد على أذان ابن أم مكتوم ، والأمر به على أذان بلال ، وغير ذلك.

لكن الاعتماد عليها ـ مع ما في سند بعضها ، وعدم اشتمال شي‌ء منها على تمام ما ذكراه ، بل في بعضها ما يخالفه ، ومعارضتها بخبر علي بن جعفر المتقدم وغيره من تلك الأدلة المعتضدة بما سمعت من اتفاق الأصحاب نقلا إن لم يكن تحصيلا ، واحتمالها العذر وحصول العلم به ، خصوصا إذا كان المراد منه الاطمئنان التام المسمى عند أهل العرف بالعلم ، ومن الصلاة بسماعه التهيؤ لها بفعل الوضوء ونحوه مما يقطع الإنسان بدخول الوقت بعد فعله ، ضرورة كون السبق إن كان فهو قليل جدا ، ولعل هذا هو المراد بالإعلام المقصود من شرعية الأذان ، أو المراد التنبيه لذوي الأعذار أو لمراعاة الوقت لغيرهم ـ مما لا يليق بالفقيه الماهر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢ و ٣ و ٤ من كتاب الصلاة.

٢٦٧

ثم لا يخفى ظهور بعض هذه النصوص في الاكتفاء به في الزوال ، أو هو مع العصر ، ولعله لغلبة كون المؤذنين في تلك الأزمان من المخالفين المتفقين معنا فيه دون الصبح مثلا وإن وافقنا بعضهم فيه ، ولعل المصنف كالخراساني يريدان ذلك أيضا وإن أطلقا ، كما أنهما يريدان من الثقة الموثوق به لا العدل الشرعي ، لعدم نصبه للأذان في تلك الأزمان غالبا ، فتأمل.

وأما شهادة العدلين ففي الذخيرة أن ظاهر أكثر الأصحاب الاكتفاء بها ، ولعله لعموم ما دل (١) على قبولها وإن كان لم يحضرني شي‌ء من ذلك بحيث يكون شاملا لما نحن فيه من حيث أنها شهادة ، وإلا فالاستناد إلى أدلة خبر الواحد يقضي بعدم اختصاصها بذلك ، اللهم إلا أن يحتج بها لها ، ثم استفادة التعدد مما دل على اعتباره في كل شهادة ، مع دعوى أن المقام منها ، فحينئذ لا يكتفى بالعدل الواحد كما استظهره في الذخيرة أيضا ، قال : لفقد الدليل ، ومفهوم آية التثبت (٢) غير ناهض ، وفيه ـ بعد إمكان منع عدم نهوضه ، وإلا لم يكن دليل للشهادة أيضا ـ أن المقام باعتبار عمومية المخبريه ، وعدم تعلقه بخاص أقرب إلى اندراجه في قسم الاخبار من الشهادة ، نعم قد يومي إلى عدم اعتباره اشتهار عدم التعويل على أذان العدل العارف للمتمكن ، كما أنه قد يومي إلى اعتباره صحيح زرارة (٣) الآتي المتضمن للاخبار لمن غره القمر فصلى بليل ، بناء على عدم الفرق في قبوله بين الوقت وخارجه ، بل في الوسائل استدل بخبر القزويني (٤) المروي عن العيون الذي ستسمعه فيما يأتي ، لكن فيه أنه مع التعذر عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤ من كتاب التجارة والباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ـ الحديث ٢ من كتاب الأطعمة والأشربة.

(٢) سورة الحجرات ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٦٨

العلم بالحبس ، وعلى كل حال لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار العلم وعدم الاكتفاء بالشهادة فضلا عن الخبر ، والله أعلم.

وكيف كان فان فقد طرق العلم بالوقت لغيم ونحوه اجتهد ، فان لم يحصل له ظن بل كان شاكا أخر حتى يعلم أو يظن كما صرح به في البيان ، بل هو ظاهر الجميع أيضا ، ووجهه واضح وإن غلب على ظنه دخول الوقت صلى ولا يجب عليه التأخير حتى يعلم ، للأصل والحرج وتعذر اليقين والإجماع المحكي في التنقيح وغيره على قيام الظن مقام العلم عند التعذر ، ولقبح التكليف بما لا يطاق مع فرض عدم سقوط الخطاب بالصلاة في أول الوقت ، ولنصوص (١) الأذان السابقة ، وللمرسل المشهور على ألسنة الفقهاء « المرء متعبد بظنه » ونصوص الديكة التي يظهر من رواية الفقيه وغيره لها الاعتماد عليها ، ففي حسن الفراء (٢) منها الذي هو كالصحيح ، قال : « قال رجل من أصحابنا للصادق عليه‌السلام : إنه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم ، فقال : تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك فقال : نعم ، قال : إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس ، أو قال : فصله » ومرسل ابن المختار (٣) عنه عليه‌السلام أيضا المروي في الفقيه والكافي بلا إرسال « قلت له : إني رجل مؤذن ، فإذا كان يوم الغيم لم أعرف الوقت فقال : إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة » وينبغي القطع به إذا علم من عادة الديك ذلك ، بل في كشف اللثام إمكان استفادة العلم منه ، كما أنه ينبغي القطع بعدم اعتباره إذا علم من عادته الكذب بحيث لا يفيد ذلك منه ظنا ، أما إذا لم يعلم شي‌ء من الحالين فلا يبعد اعتباره لهذه النصوص.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٦٩

ولقد أجاد في الذكرى في قوله : « ونفي ذلك في التذكرة بالكلية محجوج بالخبرين » فما في المدارك من أن ضعف سندها يمنع من التمسك بها في غير محله ، ول‌ موثق سماعة (١) « سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم فقال : تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك » ولما يشعر به لفظ التوسعة في‌ خبر إسماعيل بن جابر (٢) المروي عن تفسير النعماني عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما‌السلام « إن الله تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة فموسع عليهم تأخير الصلوات ليتبين لهم الوقت بظهورها ، ويستيقنوا أنها قد زالت » والاكتفاء به في القبلة ، ولخبر إسماعيل بن رياح (٣) المتقدم سابقا ، وموثق ابن بكير (٤) المروي في التهذيب ومستطرفات السرائر عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : « قلت : إني ربما صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زوال النهار ، فقال : لا تعد ولا تعد » ضرورة عدم وقوع الصلاة منه بيقين بل ولا بقطع ، لبعده في الفرض في الغاية ، ومنه يظهر وجه دلالة‌ صحيح زرارة (٥) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك » الحديث. وخبر أبي الصباح الكناني (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم ان السحاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٧ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك الحديث ٣ من كتاب الصوم.

٢٧٠

انجلى فإذا الشمس لم تغب ، قال : قد تم صومه ولا يقتضيه » بناء على عدم الفرق والفارق بين الصلاة والصوم كما في ظاهر الذخيرة ، وخبر أحمد بن عبد الله القزويني (١) عن أبيه المروي عن العيون قال : « دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح ، فقال لي : ادن مني فدنوت منه حتى حاذيته ، ثم قال لي : أشرف إلى البيت في الدار فأشرفت ، فقال لي : ما ترى في البيت؟ قلت : ثوبا مطروحا ، فقال : انظر حسنا فتأملته ونظرت فتيقنت فقلت : رجل ساجد ـ إلى أن قال ـ : فقال لي : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، إني أتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على الحالة التي أخبرك بها ، إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد له الزوال ، فلست أدري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ الصلاة من غير أن يحدث وضوء ، فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفا ، ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس ـ إلى أن قال ـ : فلست أدري متى يقول الغلام : قد طلع الفجر إذ وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حول إلى » إلى غير ذلك مما هو معتضد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، إذ لم نقف على مخالف فيه إلا من الإسكافي ، وربما مال إليه في المدارك ، فاعتبرا العلم ولو بالتأخير حتى يحصل ، وان كان يفهم من بعض متأخري المتأخرين نسبته إلى المرتضى أيضا ، لكنه في غير محله ، إذ نزاعه على الظاهر في صحة الصلاة وعدمها إذا انكشف فساد الظن وكان قد دخل عليه الوقت وهو في أثناء الصلاة ، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه المحكي عنه في المختلف ، وهو أعم مما نحن فيه ، بل لعله يستلزم الموافقة فيه ، ومن هنا حكى بعض الأفاضل خلافه ، ومن تبعه كالفاضل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٧١

المختلف فيها لا هنا ، فلاحظ وتأمل ، ولذا قال الطباطبائي :

والظن كاف لذوي الأعذار

ويوم غيم غيمه يواري

نعم يمكن التأمل في استفادة هذه الكلية المزبورة في المتن وغيره مما سمعته من الأدلة إن لم يكن إجماعا ، إذ ليس في المعتمد منها ظهور أو صراحة في عدم الفرق في ذلك بين الغيم والعمى والحبس في ظلمة وغيرها ، ولا بين الفرائض والنوافل ، ولا بين الزوال وغيره ، ولا بين الأذان وصياح الديك وغيرهما من أمارات الظن كالورد من الدرس والصنعة وشبههما ، والإجماع المحكي في التنقيح الذي ذكرناه سابقا يظهر من حاكيه عدم إرادة المحصل المثمر منه ، لكلام ذكره بعد ذلك ، فلاحظ.

وبالجملة ليس في شي‌ء منها عموم على وجه يكون قاعدة يرجع إليها في سائر ما يندرج تحتها ، خصوصا بناء على ما يظهر من بعضهم من أن من أفرادها الأعمى ، وأنه لا يكلف بتحصيل الخبر المحفوف بالقرائن أو المتواتر ، وفيه أن الظاهر كون المراد بذل الجهد كما يومي اليه موثق سماعة (١) المتقدم سابقا ، فان لم يحصل إلا الظن اكتفى به ، لا أنه يجتزئ به مطلقا وإن أمكن له تحصيل العلم بالتواتر ونحوه كما يقتضي به إطلاق الكركي في الجعفرية وغيره جواز تقليد الأعمى وشبهه غيره ، ضرورة منافاة ذلك لقولهم : لا يجوز التعويل على الظن مع التمكن من العلم ، واشتراطهم اعتباره بتعذر العلم بغير التأخير ، بل ومناف أيضا لإيجاب الاجتهاد ، ولذا قال في البيان : « ويجب أي على المعذور الاجتهاد مع إمكانه » بل هو ظاهر غيره من الأصحاب ممن أطلق اعتبار الاجتهاد عند تعذر العلم من غير تفصيل في أسباب العذر بين العمى والحبس والغيم وغيرها ، بل ربما كاد يكون صريح بعضهم ، لكن ظاهر الدروس وصريح الذكرى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القبلة ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

٢٧٢

الفرق بين الأعمى وغيره ، فيقلد الأول ويجتهد الثاني ، وأن في الأعمى العامي الذي لا يعرف الوقت والمحبوس وغيره ، بل ظاهره كل ممنوع يمانع غير عام لسائر الخلق كالغيم ونحوه ، بل كان خاصا به من العمى والحبس وعدم المعرفة ونحوها ، فإنه يقلد حينئذ ، بخلاف ما إذا كان المانع عاما فيجتهد حينئذ ، وفيه ـ مع أنه مناف لإطلاقهم اعتبار الاجتهاد أو الظن مع تعذر العلم من غير فرق بين أسباب التعذر ـ انه لا دليل على هذا التفصيل ، بل ظاهر الأدلة السابقة خلافه ، والاعتماد على قول الغير مع انحصار طرق الظن فيه نوع من الاجتهاد لا تقليد ، وبالجملة لا أجد فرقا بين سائر المكلفين في ذلك ، فمن تمكن من العلم منهم وجب ، وإلا اجتزى بما يحصل له من الاجتهاد ، فقد يجتزي باخبار العدل عن علم بأذان أو غيره ، بل ربما يجتزي باجتهاد مجتهد آخر أعرف منه ، وليس ذا من التقليد في شي‌ء ، بل انحصار إمارة الظن بذلك ونحوه كما هو الفرض.

لكن في الذكرى « أنه لو تعذر العلم فأخبره عدل عن علم بأذان أو غيره فالظاهر أنه كالممنوع من عرفانه ، فيكتفي بقوله : ويمكن المنع ، لأن الاجتهاد في حقه ممكن ، وهو أقوى من التقليد ، أما لو أخبره عدل عن اجتهاد لم يعتد بقوله قطعا ، لتساويهما في الاجتهاد ، وزيادة اجتهاد الإنسان على غيره بالنسبة إلى ما يجده من نفسه ، ولو قدر رجحان اجتهاد غيره في نفسه أمكن العدول إلى الغير ، لامتناع العمل بالمرجوح مع وجود الراجح ، ويمكن التربص ليصير ظنه أقوى من قول الغير ، وهو قوي ، بخلاف القبلة ، لأن التربص فيها غير موثوق فيه باستفادة الظن ، فيرجح هناك ظن رجحان اجتهاد غيره ، بل يمكن وجوب التأخير للمشتبه عليه الوقت مطلقا حتى يتيقن الدخول ، ولا يكفيه الاجتهاد ولا التقليد ، لأن اليقين أقوى ، وهو ممكن ، أما لو كان الصبر لا يحصل منه اليقين فلا إشكال في جواز الاجتهاد والتقليد ، لأنه معرض بالتربص لخروج الوقت ، والوجه عدم وجوب التربص مطلقا لأن مبنى شروط العبادات وأفعالها‌

٢٧٣

على الظن في الأكثر ، والبقاء غير موثوق به ، وهذا الفراغ جزئي من جزئيات صلاة أصحاب الأعذار مع التوسعة أو مع الضيق ، وسيأتي » انتهى كلامه بلفظه.

والظاهر إرادته من كان فرضه الاجتهاد ممن تعذر عليه العلم لغيم ونحوه ، وحينئذ احتمال التقليد فيه مقطوع بعدمه ، لما عرفته من الأدلة السابقة خصوصا الموثق الأمر فيه بالاجتهاد ، اللهم إلا أن ينحصر أمارات اجتهاده في قول الغير ، لكن على ذلك ينبغي عدم الفرق بين المخبر عن اجتهاد أو علم ، وأما احتماله وجوب الصبر عليه كي يكون ظنه أقوى فهو كما ترى ، وبالجملة هذا الكلام منه بعد أن ذكر سابقا مسألة الاعتماد على الظن عند تعذر العلم لا يخلو من تشويش ما ، وقد عرفت أن التحقيق عدم الفرق في أسباب التعذر بين العمى وغيره ، لإطلاق النص والفتوى ، وأن مبنى قبول خبر العدل بالوقت على الاكتفاء بخبر العدل ، أو لا بد من الشهادة ، أو لا يجزئ شي‌ء منهما بل لا بد من العلم ، وقد ذكرنا البحث في هذه المسألة سابقا ، وكذا عرفت أن المدار على مطلق حصول الظن عند التعذر من غير فرق بين أسبابه.

نعم قد يقال بوجوب الترجيح على المجتهد هنا بين الامارات وتمييز القوي من الضعيف ونحو ذلك مما هو معلوم في الاجتهاد في الأحكام الشرعية المكلف فيها أولا بالعلم ، لتوقف أصل حصول الظن على ذلك عند التأمل ، لكن السيرة والطريقة وإطلاق الفتاوى وبعض النصوص وخبر القزويني والعسر والحرج تأبى ذلك ، فلا يجب عليه انتظار إمارة قوية إن حصل له بعض الامارات ولو كانت ضعيفة ، وهو المناسب لأصل مشروعية هذا الحكم من التخفيف ، ولأنه لو وجب عليه انتظار القوي لانتظر حصول العلم ، والاحتياط لا يترك ، كما أنه لا ينبغي أن يترك أيضا لو فقد العلم بغير التأخير أصلا ، خروجا من شبهة الخلاف ، واستظهارا في البراءة عن الشغل اليقيني ، وموافقة‌

٢٧٤

لمحبة الصادق عليه‌السلام قال في خبر الحسن العطار (١) : « لأن أصلي الظهر في وقت العصر أحب إلى من أن أصلي قبل أن تزول الشمس » ومخافة من‌ قوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) : « من صلى في غير وقت فلا صلاة له » ولذا قال الطباطبائي بعد البيت السابق.

والأفضل التأخير حتى يعلما

وبالوجوب قال بعض العلماء

والله أعلم.

فإن انكشف له فساد الظن حتى بان أن صلاته تماما وقعت قبل دخول الوقت استأنف الصلاة إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا ، منها مضافا إلى ما سبق‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل قال : يعيد صلاته » بناء على عدم الفرق بين انكشاف فساد الظن وبين الجهل المركب ، وعلى انه تبين له ذلك بحيث علم أن صلاته وقعت بليل ، وإلا فلا عبرة بالشك في مثل الوقت بعد الفراغ بل ولا الظن ، اللهم إلا أن يدعى أن خبر العدل فضلا عن شهادة العدلين كاف في ذلك مع فرض كون المخبر في الفرض عدلا ، وكيف كان فما نحن فيه لا إشكال فيه بوجه من الوجوه ، لما عرفت مما يخص به قاعدة الاجزاء إن قلنا إن المقام من مواردها ، والظاهر وقوعها حينئذ باطلة حتى لو كان الانكشاف في أثنائها قبل الدخول في ركوع الثالثة لعدم نيتها نافلة ، بل افتتحت على أنها فريضة ، وعن الفاضل التصريح به ، فما في الذكرى ـ من احتمال صيرورتها نافلة لو كان الانكشاف قبل الدخول في ركوع الثالثة ، بل ولو بعده أيضا بناء على صيرورتها أيضا كإعادة اليومية نفلا ، لعموم النهي عن الابطال ، ولايماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٢٧٥

ركعات الاحتياط ـ ضعيف جدا كدليله ، وليس له حينئذ العدول إلى فائتة بالأولى كما صرح به في الدروس ضرورة فسادها ، نعم في الذكرى لو عدل بها قبل انكشاف الخطأ صح قطعا ، مع أنه لا يخلو من تأمل أيضا ، ومن الغريب احتماله فيها جواز العدول بها إلى فائتة في الصورة الأولى حتى على تقدير القول بوقوعها باطلة لا نافلة كما هو الظاهر من عبارته ، فلاحظ وتأمل.

وإن كان قد انكشف فساده والوقت الذي تصح فيه لا كوقت اختصاص الظهر للعصر قد دخل عليه وهو متلبس بها ولو قبل التسليم أو فيه بناء على أنه من الصلاة لم يعد على الأظهر الأشهر ، بل المشهور بل لا أعرف فيه خلافا إلا من المرتضى ، وتبعه بعض متأخري المتأخرين والفاضل في المختلف في أول كلامه ، وتردد فيه في آخره ، للتردد في حال إسماعيل بن رياح ، كظاهر المصنف في المعتبر ، وأما الإسكافي فهو وإن كان قد حكي موافقته له هنا أيضا ، لكن قد عرفت أنه لا يجوز الدخول بغير اليقين أصلا ، اللهم إلا أن يتكلف ويفرض له صورة القطع عوض الظن التي تجامع التخلف ، نعم ربما يستشعر من المحكي عن ابن أبي عقيل موافقته أيضا ، وفيه تأمل ، فمن العجيب نسبة المرتضى ما ذهب إليه إلى محققي أصحابنا ومحصليهم.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأول أقوى ، لقاعدة الإجزاء المستفادة من الأمر بالعمل بالظن هنا نصا وفتوى ، خرج منها الصورة الأولى بالإجماع ، وبقي الباقي ، واحتمال عذرية هذا الأمر فيحكم بالصحة ما لم ينكشف الخلاف خلاف الظاهر وأضعف منه احتمال تعدد الأمر ظاهرا وواقعا ، وأن الأول لا يجزئ عن الثاني بعد انكشاف الحال ، بل هو معلوم الفساد بأدنى تأمل ، مضافا إلى أصالة البراءة لو فرض ظهور الحال له بعد الفراغ ، ول خبر إسماعيل بن رياح (١) المنجبر بالشهرة ، وبهما معا يخرج عما يفهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٧٦

من تلك الأدلة السابقة من اعتبار وقوع تمام الصلاة في الوقت ، وأن من صلى قبله فلا صلاة له إن قلنا بظهور مثل الأخير فيما يشمل المقام ، وإلا لو حمل على إرادة إيقاع تمام الصلاة ، أو أنه قصد الوقوع قبل الوقت لم نحتج إلى التخصيص كما هو واضح ، وإن أطنب فيه الفاضل في مختلفة ، وفي كثرة الأدلة للمرتضى رحمه‌الله التي لا ترجع إلى محصل ، إذ هي بين ممنوع ومسلم يجب تخصيصه أو تقييده بما عرفت ، فلاحظ وتأمل ودعوى المرتضى رحمه‌الله ورود روايات في مختاره لم نتحققها ، اللهم إلا أن يريد إطلاقات الأمر بالصلاة للوقت والنهي عنها قبله ونحوها مما يجب الخروج عنها بما سمعت.

نعم الظاهر الاقتصار على صورة الظن ، أما القطع حال عدم تعذر اليقين كما لو اعتمد على خبر محفوف بقرائن ، أو زعم التواتر فيه ، أو نحو ذلك ففي جريان الحكم المزبور عليه بحيث يحكم بالصحة لو فرض دخول الوقت عليه وهو متلبس بها إشكال ، ولعل مقتضى القاعدة العدم ، إذ لا أجزاء ، ضرورة كونه من تخيل الأمر لا أمر حقيقة ، وخبر ابن رياح وإن كان الذي فيه « ترى » لكن الذي صرح به غير واحد إرادة الظن منه ، اللهم إلا أن يراد منه خلاف اليقين كما يومي اليه تعليلهم ذلك بالتخلف الممتنع في اليقين ، فيجري عليه حكم الظن ، بل هو منه ، ولعل لفظ « ترى » أقرب إليه من الظن ، بل يمكن دعوى القطع بعدم الفرق بينهما في ذلك إذا كان المقام مما يحصل فيه الظن لأغلب الناس لعلة في السماء ونحوها إلا أنه اتفق القطع له بالنظر من جهة تعدد الامارات ثم انه انكشف الخطأ بعد دخول الوقت عليه وهو متلبس في الصلاة ، إذ احتمال مدخلية الظن في الحكم المزبور مقطوع بعدمه ، بل لعله هو أولى منه به.

نعم لو كان المقام مما يمكن تحصيل اليقين فيه بالمشاهدة ونحوها مما تمنع تجويز الخطأ من المعتقد وغيره ، واعتمد هو على ما يحصل منه القطع الذي لم يجوز المعتقد نفسه احتمال الخلاف فيه وإن جوزه غيره فاتفق خطأه ودخول الوقت عليه في الأثناء أمكن‌

٢٧٧

المناقشة في جريان الحكم المزبور عليه ، مع احتماله أيضا قويا للخبر المذكور ، اللهم إلا أن يدعى عدم جواز الاعتماد على القطع مع التمكن من اليقين بالمشاهدة مثلا ، وهو كما ترى ، ضرورة مساواته لليقين في اعتقاد المعتقد وإن افترقا بتجويز الخطأ من الغير وعدمه.

وما يقال ـ من أن الفرض المزبور من الجهل الذي نص المصنف وغيره بل نسب إلى الأكثر على بطلان الصلاة معه حيث قال ولو صلى قبل دخول الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسيا كانت صلاته باطلة دخل الوقت في أثناء الفعل أو لا ، بل هو المعروف بالجهل المركب ـ يدفعه ـ مع أن المحكي عن كافي أبي الصلاح التصريح بالصحة في الجهل إن صادف شيئا من الوقت ، واحتمال إرادة الفراغ منها جميعا قبل الوقت ـ إمكان إرادة الجاهل بالحكم منه من شرطية الوقت ، أو وجوب مراعاته ، أو غيرهما كما صرح به العلامة الطباطبائي حيث قال :

ولا كذاك عامد وناس

وجاهل بالحكم ذو التباس

وغير القاطع بالدخول وعدمه ولو كان ظانا في حال عدم اعتبار الظن فان وجه البطلان في الجميع واضح ، ضرورة وجوب التعلم ، وعدم الدليل على إخراج الجهل الشرط عن كونه شرطا ، وإلى ذلك كله أو بعضه أشار في الذكرى قال : يمكن تفسير الجاهل بجاهل دخول الوقت ، فيصلي لأمارة على دخوله أو لا لامارة بل بتجويز الدخول ، وبجاهل اعتبار الوقت في الصلاة ، وبجاهل حكم الصلاة قبل الوقت ، فإن أريد الأول فهو معنى الظان ، وقد مر ، وإن أريد باقي التفسيرات فالأجود البطلان ، لعدم الدخول الشرعي في الصلاة ، وتوجه الخطاب على المكلف بالعلم بالتكليف ، فلا يكون جهله عذرا ، وإلا لارتفع المؤاخذة على الجاهل ، بل الظاهر البطلان في الثاني حتى لو صادف الوقت بتمام الصلاة أيضا ، لعدم إمكان نية التقرب منه ، ولعل هذا هو الذي يريده الطباطبائي بقوله :

٢٧٨

ولا صلاة قبل وقت مطلقا

ولا لمن لم يرعه واتفقا

أما لو فرض تصورها منه فان الظاهر حينئذ الصحة ، لاندراجه حينئذ في مقتضاها كتابا وسنة ، إذ احتمال اعتبار سبق العلم بدخول الوقت فيها لا دليل عليه ، بل ظاهر إطلاق الأدلة خلافه ، وانه مطلوب مقدمة للحصول في الوقت ، أما الجاهل بالحكم ففي الصحة وعدمها مع المصادفة للواقع خلاف معروف ، ويقوى في النظر الصحة ، للسيرة القطعية ، والحرج الشديد ، وما يظهر من استقراء أسئلة النصوص وغير ذلك مما ليس هنا محل ذكره ، على أنه يمكن في المقام وشبهه من الساتر والمكان ونحوهما دعوى ظهور خصوص أدلته في أن المراد الصلاة للوقت ولو مصادفة مع فرض نية القربة كالساتر والمكان ونحوهما ، بل يمكن تنزيل عبارة من أفتى بفساد صلاة الجاهل بالوقت أو بالحكم هنا وإن صادفت على الصورة التي تتعذر معها نية القربة ، كما لو كان متفطنا لوجوب العلم والبحث وقصر ، وربما يشهد له بعض تعليلاتهم له.

ومنه ينقدح لفظية النزاع بحمل كل من العبارتين على صورة ، قال في الذكرى : تنبيه لو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت أو الحكم ففي الإجزاء نظر ، من عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر ، والأول أقوى ، وأولى بالبطلان تارك الاجتهاد مع القدرة عليه ، أو تارك التقليد مع العجز عن الاجتهاد ، لعصيانهما ، ولو لم يتذكر الاجتهاد والتقليد فكالأول ، فإن الدخول الذي ليس بمشروع ظاهر في الصورة المزبورة كما يومي اليه ما في كشف اللثام ، قال : ولو صادف الوقت جميع صلاته فالوجه الاجزاء إذا لم يكن دخل فيها لمجرد التجويز مع علمه بوجوب تحصيل العلم به أو الظن ، فإنه دخول غير مشروع ، وإن أمكن تعميمه بقرينة ذكر الناسي معه للصورتين على معنى إرادة غير المأمور به بالخصوص من غير المشروع ، وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا.

٢٧٩

ومنه يعلم وجه الصحة في الناسي مع المصادفة بتمام صلاته وفاقا للدروس وكشف اللثام ، سواء كان نسيانه للمراعاة أو للشرطية أو لغيرهما ، وخلافا لما سمعته من الذكرى ، لعدم الدخول الشرعي ، لانحصاره في العلم والظن مع تعذره دون الغفلة ، وفيه أنهما يعتبران حال عدم الغفلة لا معها ، نعم لو تنبه في أثناء صلاته لعدم مراعاة الوقت ولم يمكنه معرفته حينئذ توجه القطع والاستيناف بعد المراعاة ، ضرورة شرطية الوقت لكل جزء من الصلاة مع احتمال الإتمام ، ثم إن بان أنها وقعت تماما في الوقت صحت ، وإلا فلا ، للنهي عن الابطال ومشروعية دخوله ، وعدم احتياجه إلى ما عدا الاستدامة على حكم النية الأولى ، بل وعدم تناول ما دل على اعتبار العلم بالوقت لمثل هذا البعض من الصلاة ، وأصالة البراءة من وجوب القطع والاستيناف ، لكن ومع ذلك فالاحتياط بالإتمام ثم الاستيناف لا ينبغي تركه.

أما لو صلى قبل دخول الوقت نسيانا فدخل عليه في أثنائها فالمتجه البطلان ، وفاقا للمشهور ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، لعدم ثبوت عذرية النسيان في رفع شرطية الوقت المستفادة من نحو خبر أبي بصير (١) السابق وغيره ، كقوله عليه‌السلام (٢) : « لا تعاد الصلاة » وشبهه ، فتبقى أصالة الشغل حينئذ بحالها ، إذ رفع النسيان معناه رفع الإثم ، وتنزيل إدراك البعض منزلة إدراك الكل مطلقا ممنوع ، كمنع دخول الفرض في خبر ابن رياح ، ومصادفة بعض الأجزاء للوقت لا تثمر في المركبات التي يكفي في فسادها فساد بعضها لا صحتها صحته ، فما في البيان وعن الكافي وظاهر النهاية والمهذب من الحكم بالصحة لذلك ضعيف جدا ، نعم يمكن القول بها لو فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

٢٨٠