جواهر الكلام - ج ٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« للرجل أن يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان وإن كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة ، أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، وإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلي من نوافل الأولى ما بين الأولى إلى أن يمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل ، وإن كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر ، وقال : للرجل أن يصلي إن بقي عليه شي‌ء من صلاة الزوال إلى أن يمضي بعد حضور الأولى نصف قدم ، وللرجل إذا كان قد صلى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتم نوافل الأولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم ، وقال : القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم بعد حضور الأولى في الوقت سواء » الحديث.

والمناقشة في سنده بعد انجباره واعتضاده لا يلتفت إليها ، خصوصا بعد كونه من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا ، وسهولة الأمر فيما تضمنه ، إذ هو إما محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها ، أو نهي عن التطوع وقت الفريضة مما هو مستفاد من غيره ، كما أن اشتماله على تسمية ما قبل الظهر من النوافل بالزوال وما بعدها بنوافل الأولى ـ والظاهر إرادتها منها ، وعلى ما لم نعثر على من أفتى به كما اعترف به في الذكرى وان استحسنه هو فيها من اشتراط المزاحمة بأن لا يمضي بعد القدمين أو الأربعة أقدام نصف (١) قدم أو قدم ، بناء على أن حضور الأولى عبارة عن القدمين ، وحضور العصر عبارة عن الأربعة بقرينة ما تقدم في البعض ، وربما احتمل المثل والمثلان معهما أيضا ، وعلى تعليق المزاحمة على صلاة شي‌ء من النوافل مما يشمل الأقل من ركعة المصرح به في جامع المقاصد كظاهر غيره بعدم اعتبار غيرها حتى الركوع الذي ربما‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « إلا نصف قدم أو قدم ».

١٨١

قيل بتحقق مسماها به ، وإن كان التحقيق خلافه كما أشبعنا الكلام فيه في بحث الخلل ، فلاحظ. وعلى قوله (ع) : « أو قبل أن يمضي قدمان » مما لم يتضح معناه ـ غير قادح أيضا بعد ظهور المقصود منه وإن ساء التعبير كما هو الغالب فيما يرويه عمار ، وبعد صراحته في العصر ، ولا قائل بالفرق ، وإمكان استفادة المطلوب من قوله (ع) فيه بعد : « وإن مضى قدمان » إلى آخره. كما يومي اليه ما في المدارك من دعوى صراحة الخبر المزبور بسبب اقتصاره في نقله له على هذه الشرطية دون قوله : « فإن بقي » والاجمال منها مع أنه إن لم يكن ترديدا منه أو سهوا من الأقلام وان العبارة « صلى » مكان « بقي » ويكون « أو » سهوا يمكن أن يكون المراد أنه إن بقي من الزوال : أي ما قبل فرض الظهر من النوافل قدر ركعة ، أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين ، وعلى التقديرين قوله عليه‌السلام : « أو قبل أن يمضي » تعبير عنه بعبارة أخرى للتوضيح.

والظاهر كما في الذكرى والدروس وغيرهما اختصاص المزاحمة بغير الجمعة ، لكثرة الأخبار (١) بضيقها ، ولظهور خبر عمار الذي هو الأصل في المقام في غيرها ، لكن هل يختص بذلك الجمعة أو الصلاة يوم الجمعة؟ احتمالان ذكرهما في الروض ، قال : ويدل على الأول خبر زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام وظاهر خبر إسماعيل بن عبد الخالق (٣) الثاني ، وهو في محله ، كما أن ما فيه وجامع المقاصد من أنه لو ظن ضيق وقت الفضيلة فصلى الفرض ثم تبين بقاؤه فالظاهر أن وقت النافلة باق كذلك أيضا ، لإطلاق الأدلة ، وظهور عدم اعتبار السبق في كونها أداء وإن كان هو معتبرا في نفسها ، ومثله الناسي وغيره ممن كان معذورا في تقديم الفرض مع فرض بقاء وقت النافلة ، إلا أن الأولى نية القربة المطلقة ، بل قيل بأولوية عدم فعلها أصلا ، حيث يكون فعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

١٨٢

فريضة ، كنافلة الظهر لأنه من التطوع وقتها حينئذ ، والاستثناء مختص بحكم التبادر من النص والفتوى بفعلها في وقتها قبل فريضتها وإن كان لا يخلو من نظر.

ولا يجوز تقديمها أي النوافل على الزوال لظهور النصوص والفتاوى في توقيتها بذلك كما عن كشف اللثام الاعتراف به ، فيقتصر عليه ، ضرورة أن الصلاة وظيفة شرعية فيقف إثباتها على مورد النقل ، والمنقول فعلها بعده ، ول‌ صحيح ابن أذينة (١) عن عدة أنهم سمعوا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ، ولا من الليل بعد ما يصلي العشاء حتى ينتصف الليل » وصحيح زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يصلي من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل ، ولا يصلي من النهار حتى تزول الشمس » لكن في خبر ابن مسلم (٣) المروي في الكافي والتهذيب عن الباقر عليه‌السلام جواز تعجيل نافلة الزوال صدر النهار إذا علم انه يشتغل عنها فيه ، وخبر عمر بن يزيد (٤) عن الصادق عليه‌السلام « اعلم ان النافلة بمنزلة الهدية ، متى أتي بها قبلت » ونحوه‌ خبر ابن عذافر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا مع زيادة « فقدم منها ما شئت وأخر منها ما شئت » ويقرب منهما‌ خبر علي بن جعفر (٦) عن أخيه المروي عن قرب الاسناد « نوافلكم صدقاتكم ، فقدموها أنى شئتم » وقال إسماعيل بن جابر (٧) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « اني أشتغل قال : فاصنع كما نصنع ، صل ست ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر ، يعني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٨٣

ارتفاع الضحى الأكبر ، واعتد بها من الزوال » والقاسم بن الوليد الغساني (١) قال له (ع) أيضا : « جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : ست عشرة في أي ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها إلا أنك إذا صليتها في مواقيتها أفضل » وفي‌ مرسل ابن الحكم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال لي : « صلاة النهار ست عشرة ركعة أي النهار شئت ، إن شئت في أوله وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره » وخبر عبد الأعلى (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نافلة النهار قال : ست عشرة ركعة متى ما نشطت ، إن علي بن الحسين عليهما‌السلام كانت له ساعات من النهار يصلي فيها ، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدية متى أتي بها قبلت » وفي‌ صحيح زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الضحى قط ، قال : فقلت له : ألم تخبرني أنه كان يصلي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال : بلى أنه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر » والمراد بالظهر هنا الزوال ، وفي‌ خبر أبي البختري (٥) المروي عن كتاب التوحيد عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام في حديث « ان أمير المؤمنين عليه‌السلام في صفين نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال » الحديث. وفي‌ خبر معاوية بن وهب (٦) قال : « لما كان يوم فتح مكة ضربت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيمة سوداء من شعر بالأبطح ، ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين ثم تحرى القبلة ضحى ، فركع ثمان ركعات لم يركعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذلك ولا بعد ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٨٤

لكن الأخير وسابقه كما ترى لا دلالة فيهما على الراتبة ، بل ما في صحيح زرارة يدل على أن ذلك من التي ليست صلاة الضحى أيضا ، كما أن كون أمير المؤمنين عليه‌السلام في صفين مسافرا ولم يعلم نية الإقامة منه شاهد آخر على أن الأربعة ليست من نوافل الزوال أيضا ، بل لعل ما في صحيح زرارة من اعتداد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأربعة من نافلة الزوال محمول على يوم الجمعة أو الاستغناء بها عنها لبعض العوارض ، لا أنها هي مقدمة بقرينة ظهور لفظ « كان » فيه في الاستمرار الذي يشهد باقي النصوص المتضمنة لفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافه ، على أنه لا ريب في مرجوحيته على تقدير جوازه ، ولا يستمر عليه ، وخبر عبد الأعلى يحمل إن لم يكن ظاهره على إرادة القضاء كما يشهد له ما حكاه من فعل علي بن الحسين عليهما‌السلام ، إذ احتمال إرادة مطلق الفعل من القضاء بعيد ولا داعي اليه ، ومنه حينئذ يعلم أن مرادهم عليهم‌السلام في التشبيه لها بالهدية بيان الحكمة في قضائها ، أو بيان صلاحية مطلق الوقت لماهية النافلة ، لا أن صاحبة الوقت منها تقدم على وقتها لذلك ، وأخبار ابني يزيد وعذافر وعلي بن جعفر عليهما‌السلام لا تأبى الحمل على ذلك ، ضرورة عدم صراحتها بل ولا ظهورها في الرواتب ، خصوصا الأول والثالث ، وإلا لجاز فعل الراتبة في كل وقت حتى الليل ، وهو معلوم البطلان ، وخبر ابن مسلم محمول على ما عرفت أيضا من إرادة صلاة مقدار الراتبة إذا علم اشتغاله عنها في وقتها عوضا عنها ، كما يشعر به لفظ « من » في خبر ابن جابر ، بناء على إرادة البدلية منها ، بل الظاهر إرادة فعل هذا المقدار من النافلة المطلقة التي يستحب للإنسان في كل وقت فعلها من البدلية ، لا أنه بدل مشروع بالخصوص بحيث لا يصح معه الإتيان بالمبدل عنه إذا اتفق ارتفاع المانع مثلا ، ضرورة كون المراد ما في أيدي الناس من الاشتغال بطاعة عند فوات طاعة أخرى ، فالبدلية فيها عرفية لا شرعية ، ولهذه المناسبة مع التماثل في الصورة سميت نافلة زوال مقدمة.

١٨٥

كل ذلك لقوة تلك الأدلة على أن النوافل من الموقت المعتضدة بالفتاوي بحيث لا يصلح ما سمعت لمعارضته بوجه من الوجوه ، خصوصا بعد عدم الفتوى به من أحد ، نعم ظاهر التهذيب العمل بخبر ابن مسلم السابق ، وجعل في الذكرى والدروس جوازه مطلقا وجها ، وعن المقدس الأردبيلي استظهاره ، وكأنه مال اليه تلميذه والأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك ، بل في الذكرى ، ولا ينافي ذلك حديث الاشتغال ، لإمكان إدراك ثواب فعلها في الوقت مع العذر لا مع عدمه ، والتحقيق ما عرفت ، وبه ينكشف المراد من تلك الأخبار التي بسببها مالوا إلى ذلك ، سيما خبر الغشاني ومرسل ابن الحكم منها ، للتصريح بالأفضلية في أولهما والتخيير في ثانيهما ، ولو لا أن الحكم من الضروريات عندنا أو قريب منها وتطويل البحث فيه صرف للعمر في غير ما أعد له لأكثرنا من الشواهد على فساد ذلك ، والله أعلم.

ولا فرق فيما ذكرنا بين الأيام كلها إلا يوم الجمعة فيجوز التقديم ، أو يرجح لما ستعرفه في محله إن شاء الله وتعرف أيضا انه يزاد في نافلتها أربع ركعات ، اثنتان منها للزوال فيكون المجموع عشرين ركعة ، والله الموفق.

ونافلة المغرب أربع ركعات بعدها كما عرفته مفصلا ، ويمتد وقتها من بعد المغرب في المشهور بين المتأخرين كما في الدروس إلى ذهاب الحمرة المغربية بمقدار أداء الفريضة المسماة بالشفق ، بل في البيان والذخيرة دعوى الشهرة عليه من غير تقييد ، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، بل في المعتبر نسبته إلى علمائنا ، بل في ظاهر الغنية وصريح بعض شروح الجعفرية ، كما عن المنتهى الإجماع عليه ، لأنه المعهود من فعلها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره ، والمنساق مما ورد فيه من النصوص (١) بل قد عرفت فيما مضى التصريح في غير واحد من الأخبار بضيق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٦ و ١٥ و ١٦ وغيرها.

١٨٦

وقت المغرب ، وأنه يخرج بذهاب الحمرة فضلا عن نافلتها ، ولعله إلى ذلك كله أو بعضه أشار في المعتبر في استدلاله على المطلوب بأن ما بين صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت يستحب فيه تأخير العشاء ، فكان الإقبال فيه على النافلة حسنا ، وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض ، فلا يصلح للنافلة ، إلى آخره. قيل ويدل عليه أيضا أو يشهد له الأخبار (١) الناطقة بأن المفيض من عرفات إذا صلى المغرب في المزدلفة يؤخر النافلة إلى ما بعد العشاء ، كما انه استدل عليه أيضا بالنهي عن التطوع في وقت الفريضة.

ونوقش في الأخير بأن المراد ضيق وقت الفريضة ، وبأن الرواتب مستثناة من ذلك ، وإلا لامتنع فعلها هنا قبل ذهاب الحمرة ، بناء على دخول وقت العشاء بعد مضي ثلاث ركعات من الغروب ، كما أنه قد يناقش في الأول أيضا بأن ذلك لعله لاستحباب الجمع فيها المفسر بعدم توسط التطوع ، وبمعارضته بصحيح أبان بن تغلب (٢) قال : « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ، فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما ، ثم صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ، ثم أقام فصلى العشاء الآخرة » بل قيل‌ وخبر رجاء بن أبي الضحاك (٣) « ان الرضا عليه‌السلام إذا صلى المغرب وسلم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله ثم يسجد سجدتي الشكر ثم يرفع رأسه فلم يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بتسليمتين » وكأنه لذلك كله أو بعضه مال في المدارك تبعا للشهيد في الذكرى والدروس إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، لأنها تابعة لها كالوتيرة ، وان كان الأفضل المبادرة بها ، واستجوده في كشف اللثام ، لكنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر ـ الحديث ٥ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٤ من كتاب الصلاة.

١٨٧

كما ترى ، بل قد عرفت نفي الخلاف عن عدمه في الظهرين ، ولا قائل بالفصل كما اعترف به في الرياض ، واستثناء الرواتب مطلقا من إطلاق النهي عن التطوع وقت الفريضة مخالف لظاهر النصوص (١) والفتاوى ، كدعوى إرادة وقت ضيق الفريضة ، والقول بأنه لولا ذلك لما جازت الراتبة في مثل الظهرين والمغرب بناء على دخول وقت العشاء قبل ذهابها بمكانة من الفساد ، ضرورة عدم استلزام استثناء خصوص هذا الوقت من ذلك الجواز مطلقا خصوصا في مثل العشاء الذي قد عرفت مرجوحية وقوعه جدا قبل الذهاب ، فكان وقته الذي ينسب اليه وينساق إلى الذهن من إطلاق الإضافة ما عدا ذلك ، على أنك قد عرفت فيما مضى النصوص (٢) المعللة لضرب أوقات نوافل الظهرين بأنه لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة ، وحاصله أنه بضرب الشارع هذا الوقت للنافلة صار كأنه لا يقال له تطوع في وقت الفريضة ، فتأمل جيدا. وصحيح أبان لا صراحة فيه ، بل ولا ظهور بأن فعله (ع) النافلة كان بعد ذهاب وقتها ، ولا بأنه فعلها أداء ، بل لعله فعلها قضاء بناء على عدم الحرمة ، على أنه معارض بغيره ، ويأتي إن شاء الله عند ذكر الأمكنة التي يستحب فيها الجمع والأزمنة ما يفيد في المقام ، كما انه ستعرف إن شاء الله تمام البحث في الحرمة والكراهة ، إنما البحث هنا ونظائره من حيث التوظيف المجرد عن الحرمة أو الكراهة الذي لا ريب في عدم ثبوته هنا زائدا على ذهاب الحمرة ، فلا يتوهم بناء ما هنا على ذلك على كل حال ، والله أعلم.

وحينئذ فإن بلغ ذلك ولم يصل النافلة أجمع ولا ركعة منها بل ولا ابتدأ بها تركها وبدأ بالفريضة وإلا كان من التطوع وقت الفريضة ، ضرورة صيرورتها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ و ١٨ و ١٩ و ٢٥ و ٢٦ والباب ٣٥ منها من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٩ و ٢٥ و ٢٦ من كتاب الصلاة.

١٨٨

قضاء على المختار ، فيجري فيها ما تسمعه في المسألة الآتية ، أما لو كان قد شرع في ركعة من الأربع قبل خروج الوقت فخرج فعن ابن إدريس إتمام الأربع ، ولعله للقياس على نوافل الظهرين ، وهو مع انه حرام عندنا مع الفارق ، لمزاحمة كل منهما فريضتها لا فريضة أخرى ، وفيه زيادة على الأصل بناء على تعليق المزاحمة هناك على الركعة ، وهنا على مجرد الشروع ، ومن هنا قيل إنه لا وجه له إلا أن يكون إجماعا ، وهو ضعيف جدا ، لاشتهار خلافه بين الأصحاب كما في الذخيرة وان اختلفوا في إطلاق الحكم كما هنا والقواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى ، أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها ، وإلا فيكملهما خاصة ، أولتين كانتا أم أخيرتين كما ذكرهما الشهيدان وغيرهما ، ولعل وجهه النهي عن إبطال العمل ، وفي الرياض هو حسن إن قلنا بتحريمه مطلقا ، وإن خصصناه وقلنا بكراهته في النافلة كما عليه الشهيد الثاني رحمه‌الله أو مطلقا كما عليه هؤلاء الجماعة أشكل الاستثناء ، لعموم أدلة تحريم النافلة في وقت الفريضة ، والابطال لا يستلزم غير الكراهة ، وهي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منفية لاختصاصها بما إذا لم يعارضها حرمة ، وقد عارضها في المسألة لعموم الأدلة على الحرمة ، إلا أن يمنع ويدعى اختصاصها بحكم التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة لا عدم وقوعها فيه مطلقا وهو غير بعيد ، فما قالوه حسن سيما على المختار من عموم تحريم الابطال للنوافل أيضا ، ثم قال : وربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها بمزاحمتها الفريضة في الأثناء ، لقوة شمول أدلة حرمة النافلة في وقت الفريضة لمثل هذا ، وفيه أنه لا وجه للجزم بحسنه بناء على التحريم ، ضرورة حصول التعارض بين ما دل على حرمة الابطال وبين ما دل على حرمة التطوع في وقت الفريضة ، ولا ريب في رجحان الثاني إن لم نقل بعدم صلاحية الأول لمعارضته ، ضرورة اقتضائه البطلان ، فلا إبطال ، فتأمل. وأما ترجيح الأول بظهور الثاني في ابتداء النوافل فيه لا في نحو المقام فبعد تسليمه يقتضي عدم الفرق بين حرمة‌

١٨٩

الابطال وكراهته ، بل ويقتضي عدم الإشكال أيضا فيما ذكره أخيرا من أنه لو علم قبل الشروع إلى آخره. إذ علمه بعد عدم شمول الأدلة له غير مؤثر قطعا ، فالتحقيق بناء المسألة على شمول أدلة حرمة التطوع أو كراهته له وعدمه ، فعلى الأول يتجه البطلان ، وعلى الثاني فإن قلنا بحرمة الابطال اتجه الإتمام ، وإلا فمخير بين الأمرين ، ولعل الإتمام أولى له ، لأن الكراهة فيه بمعنى أقلية الثواب ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فذلك يقتضي الاقتصار على خصوص ما تلبس فيه من الركعتين ، وليس هو من المزاحمة وتحصيل وظيفة النافلة بشي‌ء ، فما في المدارك ـ بعد أن استضعف دليل عدم المزاحمة وذكر ذلك عن الشهيد واستحسنه ثم قال : وأحسن منه إتمام الأربع بالتلبس بشي‌ء منها كما عن ابن إدريس ، وأولى من الجميع الإتيان بالنافلة بعد المغرب متى أوقعها المكلف ، وعدم اعتبار شي‌ء من ذلك ـ كما ترى مبني على مختاره السابق الذي عرفت ما فيه ، لكن الانصاف بعد ذلك كله أن القول بالمزاحمة وتحصيل الوظيفة بإدراك الركعة لا يخلو من قوة ، لعموم قوله عليه‌السلام : « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله » ولامتداد وقت فضيلة العشاء ، بل لعل تأخيرها أرجح وأولى ، ولشدة التأكيد في الأربع ، وانه لا تتركها ولو طلبتك الخيل ، ولمشروعية المزاحمة في غيرها من النوافل ، ولإشعار بعض النصوص التي يقف عليها المتتبع به زيادة على ما ذكره الخصم ، ولغير ذلك ، هذا كله مع مراعاة الوقت ، أما لو اعتمد على استصحاب بقاء الشفق وصلى فلا إشكال في الجواز ، ضرورة عدم اشتراط المشروعية بالعلم ببقاء الوقت الذي لا يقوم الاستصحاب مقامه كما هو واضح ، والله أعلم.

والركعتان المسماتان بالوتيرة اللتان ذكرنا أنهما يصليان من جلوس حتما أو استحبابا يفعلان بعد صلاة العشاء حتى لو فعلت في آخر وقتها ومن هنا قال المصنف كغيره ، بل لعله لا خلاف فيه ، بل في ظاهر المعتبر وصريح بعض شروح‌

١٩٠

الجعفرية كما عن المنتهى الإجماع عليه يمتد وقتهما بامتداد وقت الفريضة لإطلاق الأدلة من غير معارض ، لكن قد يقال باعتبار البعدية العرفية ، لأنه المنساق ، بل والمعهود ، فلا يجوز صلاة العشاء مثلا في أول الوقت وتأخير الوتيرة من غير اشتغال بنافلة إلى النصف مثلا أو إلى الطلوع ، بناء على امتداد الوقت اليه ، أو اعتبار الاضطراري له ، وقلنا به فيه تمسكا بالإطلاق الذي مقتضاه أوسع من ذلك ، نعم لا بأس بتأخيرهما عن العشاء بما لا يخرج عن مسمى البعدية عرفا ، وخصوصا إذا أراد الاشتغال بعد العشاء ببعض النوافل الموظفة مثلا في بعض الليالي الخاصة ، لتظافر النصوص (١) باستحباب البيتوتة على وتر حتى أن في بعضها (٢) اشتراط الايمان بذلك ، وليس المراد الوتر من صلاة الليل قطعا كما لا يخفى على من لاحظها ، على أن الوتر المزبور لا بيتوتة معه غالبا ، لاستحباب وقوعه في آخر الليل ، اللهم إلا أن يقال بعدم استلزام البيتوتة النوم ، بل المراد الفعل في الليل ، كما أن ظل للفعل بالنهار ، بل عن المصباح المنير عن الليث ان من قال : بات بمعنى نام فقد أخطأ ، ألا ترى أنك تقول بات يرعى النجوم ، ومعناه ينظر إليها ، وكيف ينام من يراقب النجوم ، وقال ابن القطاع وغيره : بات يفعل كذا إذا فعله ليلا ، ولا يقال بمعنى نام ، وقال الأزهري : قال الفراء : بات الليل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية ، قلت : ولعل منه قوله تعالى (٣) ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً ).

لكن الإنصاف ان ذلك كله مخالف للعرف ، كما أن ما ذكروه لها أيضا من أنها بمعنى صار حتى جعلوا منه‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « لا يدري أين باتت يده » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض من كتاب الصلاة.

(٣) سورة الفرقان ـ الآية ٦٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣.

١٩١

وقول الفقهاء : بات عند امرأته ليلة أي صار سواء نام فيها أم لا كذلك مخالف للعرف ، ولقد أجاد المجلسي رحمه‌الله حيث قال : والحق ان بات في غالب الاستعمال يعتبر فيه النوم لا السهر ، كما يظهر من الشيخ الرضي وغيره ، وقال الرضي : وأما مجي‌ء بات بمعنى صار ففيه نظر ، فتأمل جيدا. فيكون المراد حينئذ من المبيت على وتر النوم بعد وقوعه ، وهو ليس إلا الوتيرة ، ويومي اليه أيضا زيادة على ما عرفت ما في بعض الأخبار (١) من تعليل ترك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوتيرة أنه كان يعلم عدم انقضاء أجله ، وأنه يجلس ويصلي وترا ، بخلاف غيره ممن لا يعلم ذلك فقد يموت في نومته ، فتأمل جيدا.

وظهر من ذلك كله انه كما قال المصنف تبعا للمحكي عن الشيخين وأتباعهما ينبغي له أن يجعلهما خاتمة نوافله لكن في المدارك أني لم أقف على مستند لاستحباب جعلها خاتمة النوافل التي يريد صلاتها تلك الليلة ، نعم‌ روى زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك » وهو لا يدل على المدعى ، وفيه ما عرفت ، وان الدليل غير منحصر بهذا الخبر الذي يمكن دعوى ظهوره في الوتر من نافلة الليل ، والله أعلم.

ووقت صلاة الليل بعد انتصافه بلا خلاف محقق أجده ، إذ ما حكي عن الهداية من أن وقتها الثلث الأخير محتمل لإرادة الأفضل ، كالنصوص الموقتة لها بالآخر (٣) أو السحر (٤) أو الثلث الباقي (٥) أو نحو ذلك جمعا بينها وبين ما دل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٩٢

على النصف (١) بشهادة ما في بعضها (٢) من أن أحب صلاة الليل إليهم عليهم‌السلام آخر الليل ، ونحو ذلك ، فلا بأس حينئذ بدعوى الإجماع في المقام كما في المعتبر والمدارك وعن المرتضى والخلاف والمنتهى وغيرها ، لشهادة التتبع له ، وهو الحجة بعد النصوص المعتبرة المستفيضة ، منها المتضمن (٣) لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام الذين يجب التأسي بهما ، وأنهما ما كانا يصليان بعد العتمة شيئا حتى ينتصف الليل ، ومنها الصريحة والظاهرة (٤) بأن وقتها انتصاف الليل أو بعد انتصافه أو ما بين نصف الليل إلى آخره ، بل في‌ خبر محمد (٥) « انه كان زرارة يقول : كيف تصلي صلاة لم يدخل وقتها ، انما وقتها بعد نصف الليل » ومنها النصوص (٦) المستفيضة جدا المتضمنة وقت الوتر مع تتميمها بالإجماع على عدم الفصل بينه وبين غيره من صلاة الليل ، وعلى أن ليس وقته خاصة الأخير فقط ، ويؤيد ذلك كله ما استفاض من النصوص في مدح النصف الثاني من الليل ، وأنه فيه الساعة التي يستجيب الله من عباده ما سألوه فيها ، وأنها كما في خبر النيشابوري (٧) ما بين النصف إلى الثلث الباقي ، وفي بعضها (٨) انها في السدس الأول من النصف الباقي ، وفي آخر (٩) إذا مضى نصف الليل ، لكن في كشف اللثام بعد خبر النيشابوري انه لعل هذه الساعة الساعة التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٤ والباب ٣٦ الحديث ٥ و ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ و ٢ و ٤ و ٥ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٩٣

يصل فيها كف الخضيب إلى سمت الرأس من السماء ، وكان في ليلة السؤال وما بعدها إلى آخر ليالي حياة السائل وقوعه بين النصف الأول والثلث الباقي ، فلا يخالف ما مر من الأخبار ، ومراده أخبار الثلث ، وأنه هو الذي يستجاب فيه الدعاء ، فيكون وجه الجمع حينئذ أن خبر النيشابوري منزل على تلك الحال ، إذ هي كما ستعرف من الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء ، كهبوب الرياح ونحوه من الأحوال ، وأخبار الثلث أو الربع أو الساعة الأخيرة منهما على وقت استجابة الدعاء ، كشهر رمضان وغيره. فتأمل جيدا.

ومنها الأخبار الآتية (١) المجوزة لفعلها قبله لعلة ونحوها ، إذ هي كالصريحة في أن ذلك رخصة في تقديمها على وقتها ، لا أنه وقت لها كما يتوهم من الموثقين‌ « لا بأس بصلاة الليل من أوله إلى آخره إلا أن أفضل ذلك إذا انتصف الليل » كما في أحدهما (٢) وفي الثاني (٣) « عن وقت صلاة الليل في السفر ، فقال من حين تصلي العتمة إلى أن ينفجر الصبح » وخبر محمد بن عيسى (٤) « كتبت إليه أسأله يا سيدي روي عن جدك أنه قال : لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل ، فكتب في أي وقت صلى فهو جائز » وغيره من الأخبار ، بل وما تقدم في أخبار الهدية (٥) وحيث كانت قاصرة عن المقاومة من وجوه اتجه حملها على ما عرفت من الرخصة في التقديم للضرورة كما أشار إليه جماعة ، منهم الصدوق فيما حكي عنه ، قال : وكلما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أول الليل فإنما هو في السفر ، لأن المفسر من الأخبار يحكم على المجمل ، وزاد في التهذيب « ما لو غلب على ظن الإنسان أنه إن لم يصلها فاتته أو يشق عليه القيام في آخر الليل ولا يتمكن من القضاء فحينئذ يجوز تقديمها ولا بأس به » وربما يرشد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٤ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ و ٧ و ٨ من كتاب الصلاة.

١٩٤

إليه‌ الخبر (١) « كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند الزوال وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوله وآخره جائز » إذ هو مع تضمنه التوقيت بالزوال في جواب السؤال والتعبير بلفظ الفوات صرح بالأفضلية الظاهرة في الاشتراك ، فلا يبعد إرادة ما لا ينافي الأول منها.

إذ احتمال العكس وهو تنزيل أخبار التنصيف (٢) على الفضيلة ، والموثقين وغيرهما على التوقيت بتمام الليل ضعيف جدا مخالف لقواعد الفقه ، بل ولما هو كالمقطوع به ، خصوصا بعد ما سمعت من الإجماعات ، بل في‌ خبر أبي الجارود (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام المروي عن تفسير علي بن إبراهيم « اعلموا أنه لم يأت نبي قط إلا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط بصلاة الليل في أول الليل » والمراد بقوله : « إلا خلا » أي مضى من الدنيا مواظبا عليها ، ويحتمل أن يكون من الخلوة : أي أوقعها في الخلوة ، وما عن بعض النسخ « إلا أول الليل » زيادة من النساخ ، أو يكون المراد أنه كان وقت صلاتهم مخالفا لوقتها في هذه الشريعة ، بل يمكن الاستدلال بآية المزمل (٤) على المطلوب بناء على بعض الوجوه فيها ، بل لعله أوجه ما قيل فيها ، ويشهد له بعض الأخبار (٥) الواردة في تفسيرها وغيره ، وذكر تمام الكلام فيها يقضي بإطناب تام وخروج عن مقتضى المقام ، لأنها من الآيات المتشابهة التي لا يعلم تفسيرها إلا الله والراسخون في العلم كما اعترف به المجلسي في البحار ، بل لا يخفى على من لاحظ الكشاف والبيضاوي وتفسير الرازي وآيات الأحكام للأردبيلي وغيرها صعوبة الحال فيها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

(٣) تفسير علي بن إبراهيم سورة المزمل ـ الآية ٢٠.

(٤) سورة المزمل ـ الآية ٣.

(٥) تفسير الصافي سورة المزمل ـ الآية ٤.

١٩٥

فلا مناص حينئذ عن حمل تلك الأخبار على ما عرفت ، بل قد يقال فيها بنحو ما سمعته في نافلة الزوال وإن بعد من أن هذه النافلة المقدمة عوض عن صلاة الليل التي يغلب على ظنه عدم فعلها في وقتها ، وعدم قضائها على حسب العوضية التي قررناها هناك ، والمراد بالأفضلية حينئذ في الصنفين لا الشخص في الوقتين ، والله أعلم.

وكلما قرب من الفجر كان أفضل بلا خلاف معتد به ، بل في المعتبر وعن الناصرية والخلاف والمنتهى وظاهر التذكرة الإجماع عليه ، للأمر بها في آخر الليل (١) المحمول على الفضيلة كما عرفته ، ول‌ قوله عليه‌السلام في بعضها (٢) « ان أحب صلاة الليل إليهم (ع) آخر الليل » والأمر بها في الثلث الأخير (٣) فضلا عما ورد (٤) فيه من فضله واستجابة الدعاء فيه بالمغفرة وغيرها ، والأمر بها في السحر أيضا (٥) كالمحكي من فعلهم (ع) لها فيه ، مضافا إلى‌ ما ورد في تفسير قوله تعالى (٦) ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) بالمصلين وقت السحر كما رواه الرضا عن أبيه (٧) عن أبي عبد الله عليهم‌السلام كما عن مجمع البيان‌ ، وقوله تعالى أيضا (٨) ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) كما عن‌ تفسير العياشي عن المفضل بن عمر (٩) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك تفوتني صلاة الليل فأصلي الفجر فلي أن أصلي بعد صلاة الفجر ما فاتني من صلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ـ الحديث ٢٣ من كتاب الصلاة.

(٦) سورة آل عمران ـ الآية ١٥.

(٧) مجمع البيان ـ سورة آل عمران ـ الآية ١٥ ـ ص ٤١٩ من طبعة صيدا.

(٨) سورة الذاريات ـ الآية ١٨.

(٩) المستدرك ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

١٩٦

ـ إلى أن قال ـ : فقال : نعم ، ولكن لا تعلم به أهلك فيتخذونه سنة ، فيبطل قول الله تعالى ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) » وان كان لا صراحة فيهما بكون الاستغفار الصلاة ، لأن حمل المشتق على المشتق لا يقتضي حمل المبدأ على المبدأ ، لكن الظاهر أن وجه تفسير المستغفرين بالمصلين مصاحبة الاستغفار للصلاة ، لوقوعه فيها أو عقيبها ، لعدم وقوع الاستغفار بالسحر ممن لا يصلي فيه غالبا ، فان الناس يقومون بالأسحار للصلاة ، ويقع الاستغفار منهم تبعا للصلاة ، وهذا المقدار كاف في المطلوب.

فلا بأس حينئذ بإرادة المعنى الحقيقي من لفظ الاستغفار في الآيتين كما هو مختار أكثر المتأخرين من أئمة التفسير كالزمخشري والرازي والنيشابوري وغيرهم على ما قيل ، للأصل والأخبار المستفيضة ، كصحيح معاوية بن عمار (١) وموثق أبي بصير (٢) والمرسلين عن هداية الصدوق (٣) ومجمع البيان (٤) وغيرها ، وقد ذكرنا في أول البحث عن صلاة الليل استحبابه في نفسه بالسحر من دون الوتر ، وإن كان هو فيه له فضل آخر ، بل الظاهر استحبابه في جميع الأوقات ، فإن من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، وما علم الله العباد الاستغفار إلا وهو يريد أن يغفر لهم كذا في الحديث (٥) وفيه « إن للقلوب صداء كصداء النحاس فاجلوها بالاستغفار » (٦) و‌ « إذا أكثر العبد الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ » (٧) ويتأكد في الأسحار كما عرفت ، وفي ليالي الجمع طول الليل (٨) وفي كل يوم مائة مرة أو سبعين فهو غفران سبعمائة (٩) ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الهداية ص ٣٥ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١٢ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة من كتاب الصلاة.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٩٢ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

١٩٧

الغداة والعصر سبعين (١) وفي المجلس خمسا وعشرين (٢) وعند استيلاء الهموم (٣) وتعسر الرزق وجدوبة الأرض وحرمان الولد (٤) كل ذلك للنص كما قيل ، والأصل في الاستغفار الندم والتوبة وإصلاح الباطن ، فالمستغفر من الذنب المصر عليه كالمستهزئ بربه كما في الخبر (٥) وفيه « ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لمن قال بحضرته : أستغفر الله : ثكلتك أمك ، أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين ، وهو اسم واقع على ستة معان : أولها الندم على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود عليه أبدا ، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله ليس عليك تبعة ، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها تؤدي حقها ، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : أستغفر الله » (٦) والله أعلم.

ومضافا إلى ما ورد (٧) في مدح السحر في نفسه مما يناسب وضع الصلاة فيه ، لأنه لا إشكال في أنه من الأوقات المضروبة لجملة من الطاعات ، وأن فيه فضيلة الإيثار والاستغفار طول العام ، ووقت السحور والدعاء المأثور في شهر الصيام ، وهو أفضل الأوقات وأشرفها وأحسن الساعات وألطفها ، وكم لله فيه من نفحة عطرة يمن بها على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١٥ والباب ٢٧ منها من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٨ من كتاب الجهاد.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٤ من كتاب الجهاد.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.

١٩٨

من يشاء ، وجائزة موفرة يخص بها من أخلص في الدعاء ، وكم من عبادة فيه هبت عليها نسمات القبول ، ودعوة من ذي طلبة مشفوعة ببلوغ المأمول ، ومشكل من مسائل اتضح بمصابيح الهداية ، وعويص من المطالب افتتح بمفاتيح العناية ، فهو وقت للعلماء والعاملين والعرفاء والمتعبدين ، والسعيد من سعد بإحياء هذا الوقت الشريف ، واستدر به أخلاف الكرم من الجواد اللطيف ، وجاء في جنبه للقيام بين يدي الجبار ، وواظب فيه على الإنابة والاستغفار مما اجترح في آناء الليل والنهار ، وقد وقع الالتباس لكثير من الناس في هذا الوقت ، فمنهم من توسع فيه حتى أتى بأعماله بعد العشاء متى شاء ، أو تربص بها حتى مضى نصف الليل أو ثلثاه بلا مستند من الشرع ولا شاهد من اللغة أو العرف ، ومن حق العمل الموقت واجبا كان أو مندوبا مراعاة وقته المقدر له شرعا ، فان ترك العمل من أصله أهون من الإتيان به في غير وقته ، لمشاركته الترك في ترك المأمور به وزيادته عليه بالتشريع في تقديمه أو تأخيره.

وتحديد السحر‌ من أحد طرفيه وهو الآخر معلوم ، لاتصاله بالفجر بإجماع العلماء وأما طرفه الآخر وهو الأول المخالط لدجى الليل فربما اكتسى ثوب الاجمال ، لعدم وقوع التصريح به من أكثر اللغويين والأدباء كما قيل ، غير أن المعلوم من كلماتهم ومن محاورات أهل العرف وتتبع الاستعمالات الواردة بطلان ما ظن من التوسعة ، ولعل أوسع ما قيل في معناه ما عن جامع الشيخ الثقة أبي علي الطبرسي وكشاف رئيس علماء اللغة والبلاغة جار الله الزمخشري وأبي حامد الغزالي وإحياء الفاضل القاساني السدس الأخير من الليل ، بل قال بعض المتبحرين : « إني لم أجد لأحد من المعتبرين تحديده بالأكثر من ذلك ، بل ظاهر الأكثر أنه أقل منه ، كما أنه ربما يقاربه أو ينطبق عليه قول البعض : أما الزيادة فلا » وكأنه أراد بقول البعض تفسيره بآخر الليل كما في مجمع البحار ، أو بقبيل الصبح كما في المجمل والصحاح ، أو قبله من دون تصغير كما في‌

١٩٩

القاموس ، ثم قال : ويقال لطرف كل شي‌ء ، هذا ، ولكن العرف يشهد بسعة وقت السحر كما ذكرناه ، بل قيل : إن النصوص تشهد أيضا بذلك ، بل بأنه الثلث الأخير ، ويؤيده ما ورد من الأدعية وغيرها فيه على وجه يستلزم سعته عن ذلك أيضا ، فتأمل. خصوصا في شهر رمضان.

وكيف كان فما يعمل فيه طول العام الدعاء ، إذ هو خير وقت يدعى فيه ، ولذا أخر يعقوب عليه‌السلام بنيه في الاستغفار إلى السحر ، لأن دعاء السحر مستجاب ، ومنه إلى طلوع الشمس ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، وتقسم فيها الأرزاق ، وتقضى فيها الحوائج العظام ، ومن قام آخر الليل فذكر الله تناثرت عنه الخطايا ، فان تطهر وصلى ركعتين لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه ، ومن كانت له إلى الله حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات : ساعة في يوم الجمعة ، وساعة تزول الشمس ، وحين تهب الرياح ، وتفتح أبواب السماء ، وتنزل الرحمة ، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر ، فان ملكين يناديان هل من تائب يتاب عليه ، هل من مستغفر فيغفر له ، هل من طالب حاجة فتقضي له ، فأجيبوا داعي الله.

والدعاء في الأصل مطلق الطلب ، ثم خص في العرف الشرعي بسؤال العبد ربه على وجه الابتهال ، وقد يطلق على التقديس والتمجيد ونحوهما ، لكونه سؤالا بلطف وتعرضا للطلب بطريق خفي ، ومنه (١) « خير الدعاء دعائي ودعاء الأنبياء من قبلي ، وهو لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شي‌ء قدير » قال بعض الأفاضل : قيل : سئل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٢٠٠