جواهر الكلام - ج ٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( الفصل الخامس في أحكام الأموات )

عدا كيفية الصلاة ، وانما جمعت هنا حفظا عن الانتشار ، وإلا فالمقصد بالذات الغسل لكن لا بأس بذكر ذلك ، بل وبذكر جملة مما تتعلق بهم في حال المرض ، فينبغي للمريض أن يحمد الله ويشكره في حال المرض كحال الصحة ، إذ مرضه لعله يكون من أفضل النعم عليه وهو لا يشعر بذلك ، وكيف لا وقد‌ ورد في الخبر عن سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « أنه تبسم يوما فقيل له ما لك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسمت؟ فقال : عجبت من المؤمن وجزعه من السقم ، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى الله ربه عز وجل » كما أنه‌ ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « أن أنينه تسبيح ، وصياحه تهليل ، ونومه على الفراش عبادة ، وتقلبه جهاد في سبيل الله » وانه (٣) « تتناثر منه الذنوب كما يتناثر الورق من الشجر » وانه (٤) « يوحى الى ملك الشمال أن لا يكتب عليه كما أنه يوحى الى ملك اليمين ان يكتب له كل ما كان يعمل من الخير في زمان صحته ، إذ هو في حبس الله » وان‌ « حمى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١٣ مع الاختلاف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٧ مع الاختلاف.

٢

ليلة تعدل عبادة سنة ، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين ، وحمى ثلاث ليال تعدل سبعين سنة » (١) وانه « إذا أحب الله عبدا نظر اليه ، فإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث صداع أو حمى أو رمد » (٢) الى غير ذلك من الأمور المسطورة في محلها ، فينبغي له حينئذ الصبر والاحتساب لينال أجرا آخر ، فقد‌ قال الصادق عليه‌السلام (٣) : « أيما رجل اشتكى فصبر واحتسب كتب الله له من الأجر أجر ألف شهيد » وقال «ع» أيضا (٤) : « من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت كعبادة ستين سنة ، قيل له : ما قبولها؟ قال : يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها ، فإذا أصبح حمد الله على ما كان ».

ومنه يستفاد استحباب الكتمان وترك الشكاية كما هو مفاد غيره من الأخبار ، ففي‌ خبر بشير الدهان عنه عليه‌السلام (٥) قال : « قال الله عز وجل : أيما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه ، ودما خيرا من دمه ، وبشرا خيرا من بشره ، فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له ، وان مات مات إلى رحمتي » وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) أن « من مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عواده بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع » ولعل اشتمالها على لفظ العواد يشعر بعدم إرادة الكتمان بمعنى عدم الاخبار بأصل المرض ، بل المراد عدم الشكوى أي بأن يقول : لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، ويقول : لقد أصابني ما لم يصب أحدا كما ورد تفسيرها بذلك‌ عن الصادق عليه‌السلام (٧) حيث سئل عن حد الشكاة للمريض ، « فقال : إن الرجل يقول حممت اليوم وسهرت البارحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار حديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار حديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحتضار حديث ٢٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

٣

وقد صدق وليس هذه شكاية ، وانما الشكوى أن يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ، ولقد أصابني ما لم يصب أحدا ، وليس الشكوى أن يقول سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا » ومثله غيره (١) ويؤيد ما قلنا انه قد ورد استحباب إعلام الإخوان بالمرض ، قال الصادق عليه‌السلام (٢) : « ينبغي للمريض منكم ان يؤذن إخوانه بمرضه ، فيعودونه فيؤجر فيهم ويؤجرون فيه ، قال : فقيل له : نعم فهم يؤجرون فيه بممشاهم إليه ، فكيف يؤجر فيهم؟ قال : فقال : باكتسابه لهم الحسنات ، فيؤجر فيهم ، فيكتب له بذلك عشر سنات ، ويرفع له عشر درجات ، ويمحى بها عنه عشر سيئات » كما أنه قد ورد (٣) استحباب الاذن بالدخول عليه ، فقد‌ قال أبو الحسن عليه‌السلام : « إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه ، فإنه ليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة » أو يراد كتمان الشدة لا أصل المرض ، أو ما يمكن كتمانه كبعض الأمراض الخفية ، أو كتمانه ابتداء مقدار ثلاثة أيام ونحو ذلك.

ويستفاد مما قدمنا استحباب عيادة المرضى كما هو المجمع عليه بيننا ، بل لعله من ضروريات الدين ، وقد ورد في ثوابها من الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام والنبي المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقصر العقل عن إدراكه حتى‌ ورد (٤) « أن له بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعين ألف ألف حسنة ، وتمحى عنه سبعون ألف ألف سيئة ، وترفع له سبعون ألف ألف درجة ، ووكل به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره ، ويستغفرون له إلى يوم القيامة » وفي آخر (٥) « ان الله يعير عبدا من عباده ، فيقول له : ما منعك إذا مرضت أن تعودني ، فيقول سبحانك سبحانك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١٠.

٤

أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض ، فيقول : مرض أخوك المؤمن فلم تعده ، وعزتي وجلالي لو عدته لوجدتني عنده ، ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك ، وذلك من كرامة عبدي المؤمن ، وأنا الرحمن الرحيم » إلى غير ذلك.

وقيل : إنه يتأكد ذلك في الصبح والمساء ، ولعله لقول الصادق عليه‌السلام (١) : « أيما مؤمن عاد مؤمنا حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك ، فإذا قعد غمرته الرحمة واستغفروا له حتى يمسي ، وإن عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح » وعن الحسن ابن علي عليهما‌السلام (٢) أنه قال : « ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة » الحديث. والمراد بالخريف كما فسر في غيرها زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما ، ويستحب للعائد التماس الدعاء من المريض لما ورد (٣) أنه أحد الثلاثة الذين يستجاب دعاؤهم وإن دعائه مثل دعاء الملائكة (٤) كما أنه يستحب له أيضا وضع يده على ذراع المريض ، واستصحاب هدية له من فاكهة أو طيب أو بخور أو نحو ذلك ، وتخفيف الجلوس عنده إلا إذا أحب ذلك وأراد وسأل ، وقال الصادق عليه‌السلام (٥) : « إن عيادة النوكي أشد على المريض من وجعه » إلى غير ذلك من الآداب الكثيرة التي يستدعي بسط الكلام في حصرها ، والتعرض لكثير مما يتعلق بها إلى رسالة مفردة ، نسأل الله التوفيق ، ومن أرادها فليطلبها من وسائل الشيعة وغيرها من كتب الأخبار.

(و)كيف كان ف ( هي )أي الأحكام المتعلقة بالأموات ( خمسة ) :

( الأول في الاحتضار )

وهو افتعال من الحضور أي السوق ، أعاننا الله عليه وثبتنا بالقول الثابت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

٥

لديه ، سمي به لحضور المريض الموت ، أو حضور الملائكة عنده ، أو الأئمة عليهم‌السلام خصوصا أمير المؤمنين عليه‌السلام إذ قد‌ ورد (١) أنه « ما يموت شخص في شرق الأرض أو غربها إلا ويحضره أمير المؤمنين عليه‌السلام فالمؤمن يراه حيث يحب ، والكافر حيث يكره ، » أو لحضور المؤمنين عنده ليشيعوه ، أو لاستحضاره عقله ، أو لجميع ذلك.

( ويجب فيه توجيه الميت ) أي المشرف على الموت إلى القبلة على المشهور كما في الذكرى والروضة والمدارك ، وعلى الأشهر فتوى وخبرا كما في موضع آخر من الذكرى ، وعلى الأشهر وعليه الفتوى كما في جامع المقاصد ، وهو خيرة المقنعة والنهاية في موضع منها والمراسم والوسيلة والسرائر والمنتهى والمختلف والإرشاد والبيان والدروس والذكرى واللمعة وجامع المقاصد وظاهر الروضة والتنقيح ، ولعله الظاهر أيضا من الهداية والفقيه ، حيث روي فيهما ما يدل عليه ، كما لعله الظاهر أيضا من الشيخ في التهذيب ، وحكاه في كشف اللثام عن المهذب والإصباح ، وهو أحوط القولين ان لم يكن أقواهما لخبر سليمان بن خالد (٢) المروي في الكافي والتهذيب في الصحيح على الصحيح ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحفر له فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة » وفي الوسائل والوافي أنه رواه الصدوق أيضا مرسلا لكن بحذف قوله عليه‌السلام ( وكذلك ) وللمرسل في الفقيه (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه لغير القبلة ، فقال : وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل الله‌

__________________

(١) البحار ـ الجزء ـ ٦ ـ ص ١٩١ من طبعة الطهران المطابق للمجلد الثالث من طبعة الكمباني ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الموت من كتاب العدل والمعاد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٦.

٦

عز وجل عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض » وفي الوسائل أنه « رواه في العلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام وفي ثواب الأعمال عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله بن جعفر عن أحمد بن أبي عبد الله » انتهى. ولموثق معاوية بن عمار (١) المروي في الكافي والتهذيب قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الميت ، فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة » ولعله‌ الذي أرسله الصدوق في الفقيه والهداية (٢) أنه « سئل الصادق عليه‌السلام عن توجيه الميت فقال : استقبل » الحديث. أو أنه أراد‌ خبر إبراهيم الشعري (٣) وغير واحد عن الصادق عليه‌السلام أيضا المروي في التهذيب والكافي أيضا في توجيه الميت فقال : « يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة » والظاهر الأول لكون المروي فيه بصيغة الأمر ، هذا مع إمكان تأييده باستمرار العمل في الأعصار والأمصار على ذلك ، وليس شي‌ء من المستحب يستمرون عليه كذلك ، بل قد يعدون الموت إلى غيرها من سوء التوفيق ومن الأمور الشنيعة ، فتأمل.

وما في المعتبر ـ من أن الأخبار المنقولة عن أهل البيت عليهم‌السلام ضعيفة السند لا تبلغ حد الوجوب ، بل التعليل في المرسل مشعر بالاستحباب ، مع أنه قضية في واقعة ، كالذي في الروض من أن غير خبر سليمان بن خالد لا يخلو من ضعف إما في السند أو الدلالة ، وفي المدارك بل فيه أيضا من حيث السند بإبراهيم بن هاشم ، إذ لم ينص علماؤنا على توثيقه ، وبسليمان بن خالد لعدم ثبوت توثيقه ، ومن حيث المتن بأن المتبادر منها أن التسجية تجاه القبلة انما تكون بعد الموت لا قبله ـ مدفوع بما عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

٧

من دعوى الشهرة الجابرة لذلك كله ، مع ما سمعت من رواية المشايخ الثلاثة لبعضها ، وكون المرسل مسندا في العلل وثواب الأعمال ، مع ضمان المرسل في أول كتابه ان لا يورد فيه إلا ما يعتمد عليه ويعمل به ، ولا إشعار في التعليل بما قيل ، كما أنه لا يقدح كونه في واقعة خاصة إذ بناء جل الأحكام على مثل ذلك ، سيما مع إشعار التعليل بالتعميم.

وبأن إبراهيم بن هاشم مع انه من مشايخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه في وجه عدم نصهم على توثيقه لعله لجلالة قدره وعظم منزلته ، كما لعله الظاهر ويشعر به ما حكاه النجاشي عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون : إن إبراهيم بن هاشم هو أول من نشر أحاديث الكوفيين بقم بعد انتقاله من الكوفة ، فإنه ظاهر ان لم يكن صريحا في كونه ثقة معتمدا عند أئمة الحديث من أصحابنا ، إذ نشر الأحاديث لا يكون إلا مع التلقي والقبول ، وكفى بذلك توثيقا سيما بعد ما علم من طريقة أهل قم من تضييق أمر العدالة ، وتسرعهم في جرح الرواة والطعن عليهم وإخراجهم من بلدة قم بأدنى ريبة وتهمة ، حتى انهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد البرقي مع ظهور عدالته وجلالته بروايته عن الضعفاء ، واعتماده المراسيل ، وأخرجوه من قم ، فلولا أن إبراهيم بن هاشم بمكان من الوثاقة والاعتماد عندهم لما سلم من طعنهم وغمزهم بمقتضى العادة ، ويؤبده زيادة على ذلك اعتماد أجلاء الأصحاب وثقاتهم وإكثار الكليني من الرواية عنه ، وعدم استثناء محمد بن الحسن بن الوليد إياه من رجال نوادر الحكمة في من استثنى كما قيل ، وكونه كثير الرواية جدا ، وقد‌ قال الصادق عليه‌السلام (١) : « اعرفوا منازل الرجال بقدر روايتهم عنا » ومما يزيد ذلك كله تصريح العلامة في الخلاصة بأن الأرجح قبول روايته ، وتصحيحه جملة من طرق الصدوق المشتملة عليه ، كطريقة إلى كردويه وإلى‌

__________________

(١) البحار ـ المجلد ـ ١ ـ من طبعة الكمباني باب فضل كتابة الحديث وروايته حديث ـ ٢٣ ـ من كتاب فضل العلم ـ والجزء ـ ٢ ـ ص ١٥٠ من طبعة طهران.

٨

ياسر الخادم ، وقد عد بعض أصحاب الاصطلاح الجديد أخباره من الصحاح منهم العلامة.

وأما سليمان بن خالد فلا وجه للمناقشة في السند من جهته بعد الاتفاق من أصحابنا على عد رواياته من الصحاح كما في المصابيح. بل هذا المعترض قد وافقهم في غير هذا المقام على ذلك ، على أنه هنا مسبوق بعبد الله بن المغيرة ، وهو على ما قيل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وأيضا فالعلامة في الخلاصة نص على توثيقه ، وعن الكشي انه روى عن شيخه أبي الحسن حمدويه بن نصير بن شاهر أنه قال : سألت أبا الحسين أيوب بن نوح بن دراج النخعي عن سليمان بن خالد النخعي ثقة هو؟ فقال : كما يكون الثقة ، وعن الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة بعد نقل هذه عن الكشي فالأصل في توثيقه أيوب بن نوح وناهيك به ، قلت : وقد ذكر النجاشي فيه انه كان قارئا وفقيها وجيها ، وانه توجع الصادق عليه‌السلام لفقده ودعا لولده واوصى بهم أصحابه ، إلى غير ذلك مما يشعر بوثاقته ، وانه رجع عما رمي به من الزيدية كما عن بعض علمائنا التصريح به ، ويستفاد من النظر فيما سطر من أحواله ، فالمناقشة في السند من جهته ضعيفة جدا.

وأما ما ذكره في المتن ففيه أن الظاهر أن المراد من الميت انما هو المشرف على الموت لا بعد الموت ، كما عساه يشعر به قوله (ع) : ( وكذلك إذا غسل ) لأن المراد توجيهه عند التغسيل قطعا لا بعده ، وأيضا فإن المعهود من المسلمين في جميع الأعصار توجيه الميت إليها حال الاحتضار لا بعد الموت ، وفي المصابيح « أنه قد أطبق العلماء على ان زمان التوجيه قبل الموت وان اختلفوا في وجوبه واستحبابه » انتهى. فإذا كان ذلك هو المعروف وجب صرف اللفظ اليه ، بل كان ذلك هو المنساق منه ، ويؤيده ما سمعته من المرسل السابق ، فاندفعت المناقشة من هذه الجهة ، كما أنه به أيضا تندفع المناقشة فيها من جهة أخرى ، وهي أنها انما تضمنت الأمر بالتسجية ، وهي من الميت بمعنى التغطية‌

٩

كما عن أهل اللغة النص عليه ، والأمر بالتغطية تجاه القبلة لا يقتضي وجوب التوجه إليها ، لأن التغطية ليست بواجبة بالإجماع ، فلا يجب التوجيه الذي قيدت به. مع أن تغطية الميت انما تكون بعد الموت ، والمراد توجيهه إلى القبلة قبل ذلك ، إذ الظاهر ان المراد بالتسجية هنا تجاه القبلة كناية عن التوجه إليها لما عرفت ، وليست بمعنى التغطية ، لأن استحباب التغطية مطلق وليس مقيدا بالاستقبال إجماعا كما قيل ، ولأن قوله (ع) : ( وكذلك إذا غسل ) كالصريح في أن الحكم السابق هو التوجيه دون التغطية.

ثم إن أوجبنا دوام الاستقبال بهذا الوجه كما يقتضيه ظاهر الرواية فلا إشكال في التشبيه ، وإلا وجب الحمل على التسوية بينهما في أصل التوجيه وإن اختلف الوجه فيهما بالوجوب والاستحباب ، وبذلك كله ظهر لك ضعف القول بالاستحباب كما عساه يشعر به ما ستسمعه من قول المصنف : « وقيل هو مستحب » سيما مع موافقته للمنقول عن عامة العامة أو جمهورهم ، وإن ذهب اليه الشيخ في الخلاف والنهاية في موضع منها ، وتبعه في إشارة السبق والجامع والمعتبر والمدارك وكشف اللثام وظاهر مجمع البرهان والذخيرة أو صريحهما وكذا المبسوط ، وحكاه في كشف اللثام عن الاقتصاد والمصباح ومختصره وعمن حكاه عن السيد ، وفي المختلف عن المفيد في الرسالة العزية ، إذ لم نعثر لهم على دليل سوى الأصل وما في الخلاف ، فإنه بعد أن ذكر الاستحباب وكيفية الاستقبال ونقل عن الشافعي خلاف ذلك بالنسبة إلى الكيفية قال : « دليلنا إجماع الفرقة وعملهم عليه ، فإنهم لا يختلفون في ذلك » انتهى. مع ما سمعت من المناقشة في أدلة الوجوب وعدم نهوضها على أزيد من الاستحباب وما يظهر مما رواه‌ المفيد (١) في إرشاده في وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث أخر التوجيه عن الموت ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته لعلي عليه‌السلام عند استحضاره : « فإذا فاضت نفسي‌

__________________

(١) الإرشاد المفيد عليه الرحمة ص ١٨٨ المطبوعة بطهران سنة ١٣٧٧.

١٠

فتناولها بيدك فامسح بها وجهك ، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري ـ إلى أن قال ـ : ثم قبض صلوات الله عليه ويد أمير المؤمنين عليه‌السلام اليمني تحت حنكه ، ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره » الحديث.

لكنك خبير أن الأول لا يعارض ما تقدم ، والإجماع مع ظهوره في مقابلة الشافعي حيث أنكر الكيفية الخاصة ، ويؤيد ذلك عدم العثور على من استدل به لهذا القول ، مع نقلهم ما في الخلاف سيما كاشف اللثام ، وقوله فيه ( وعملهم ) الظاهر في إرادة الكيفية أيضا موهون بمصير من عرفت إلى خلافه ، فلا يصلح للمعارضة ، كما أنك عرفت الجواب عن المناقشات السابقة ، ولعل الظاهر إرادة الاستمرار في رواية المفيد ، وإلا فمن المعلوم أنه راجح ، ويستبعد عدمه في تلك الحال منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لم يمتنع ، ومع ذلك كله فالمسألة غير سليمة الاشكال وإن كان الأقوى ما تقدم ، ولذا كان ظاهر المصنف في النافع والعلامة في القواعد والتحرير التوقف ، فتأمل جيدا.

ثم ان الأقوى بناء على الوجوب سقوطه بالموت ، فلا يجب استمراره مستقبلا ولا استقباله ابتداء إن لم يكن ، للأصل مع صدق الامتثال ، وإشعار التعليل في المرسل المتقدم به ، ونسبه في الذكرى إلى ظاهر الأخبار ، ولعله لأنه فهم من الميت فيها ما قلناه سابقا من المشرف على الموت ، نعم لا يبعد القول بالاستحباب كما عساه يشعر به بعض الأخبار (١) مضافا إلى ما سمعته من رواية المفيد ، وإلى الأمر به في حال الغسل والصلاة والدفن وإن اختلفت الكيفية ، ولاحتمال كون المراد من الميت في الأخبار من مات حقيقة كما لعله تشعر به التسجية ، بناء على الاكتفاء بمثل هذا الاحتمال في ثبوت الاستحباب ، لابتناء التسامح فيه على الاحتياط العقلي ، فلا ينافيه حينئذ ظهورها فيما قدمناه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار.

١١

ثم ان قضية ما تقدم من الأدلة على المختار عدم الفرق بين كون الميت صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا بعد فرض الإسلام أو حكمه ، نعم قد يقال : بعدم وجوبه بالنسبة إلى المخالف وإن قلنا بإسلامه ، لما ورد من الإلزام (١) له بمذهبه ، وهو لا يرى ذلك على إشكال في شمولها لمثل ذلك وإن صرح به بعضهم ، ومن المعلوم أن وجوب الاستقبال بالميت انما هو مع التمكن من ذلك بتعرف القبلة ، أما مع الاشتباه ولو إلى جهتين مع جهل المغرب والمشرق فلا يجب لعدم لتمكن من الامتثال ، أما لو علما فيحتمل قويا وجوب استقبال ما بينهما لما دل (٢) على أنه قبلة ، وما في الذكرى من احتمال الوجوب بالنسبة للأربع جهات فضلا عن الجهتين ضعيف جدا إن أمكن تصوره.

وكيف كان فكيفية الاستقبال المذكور بلا خلاف أجده فيه بيننا كما في الذخيرة بل في المعتبر والتذكرة والخلاف الإجماع عليه بأن يلقى على ظهره ويجعل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة بحيث لو جلس لكان مستقبلا ، مع ما سمعت من دلالة الأخبار المتقدمة عليه ، مضافا إلى ما في‌ خبر زريح المحاربي (٣) عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال : « إذا وجهت الميت إلى القبلة فاستقبل بوجهه القبلة ، ولا تجعله معترضا كما يجعل الناس » الحديث. وغيره من الواردة هنا (٤) وفي كيفية استقباله عند الغسل أيضا (٥) لما عرفت من التشبيه المتقدم.

ثم ان قضية النص والفتوى والأصل سقوط الاستقبال مع عدم التمكن من الكيفية الخاصة ، ويحتمل القول بوجوب ما تمكن منه من الاستقبال جالسا أو مضطجعا على أحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث ١٠ و ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القبلة من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الاحتضار.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب غسل الميت.

١٢

جنبيه مع عدم التمكن من ذلك جالسا أو مطلقا في وجه ، كاحتمال تقديم الأيمن من الجانبين على الأيسر ، ولعل الأقوى سقوط ما عدا الاستقبال جالسا ، سيما مع ملاحظة النهي عن الاعتراض ، إذ قد يدخل فيه ذلك.

وكيف كان فحيث ظهر لك قوة القول بالوجوب ف هو فرض حينئذ على العالم بالحال المتمكن من الامتثال ، لكنه على ال كفاية كسائر الفروض المتعلقة به بعد موته من تغسيله ودفنه والصلاة عليه وغير ذلك بلا خلاف أجده فيه ، بل ستعرف فيما يأتي دعوى الإجماع من جماعة عليه بالنسبة للغسل ونحوه ، وهو الحجة إن قلنا بإلحاق ما نحن فيه به ، مضافا إلى الأمر به فيما تقدم من المعتبرة مع القطع بعدم إرادة الفعل من سائر المكلفين ، وعدم إشعارها باختصاص بعضهم به ، بل هي ظاهرة في أن مطلوب الشارع وجوده في الخارج ولو من غير المكلف فضلا عنه ، وذلك هو المراد بالكفائي ، وما في الحدائق ـ من إنكار ذلك بالنسبة إلى سائر أحكام الميت ، بل الواجب أولا على الولي ، فإن امتنع أجبر ، فان لم يكن من يجبره أو لم يكن ولي ثمة انتقل الحكم للمسلمين بالأدلة العامة ـ ضعيف ، إذ لو سلم ذلك بالنسبة إلى غير المقام لمكان إشعار بعض الأخبار به كما ستعرفه في الأولياء لكن لا ينبغي أن يصغى إليه في خصوص المقام للأصل ، ولعدمه في شي‌ء من الأدلة ، بل لعل الظاهر منها خلافه ككلمات الأصحاب ، إذ لا تعرض في شي‌ء منها هنا لذكر الولي ، نعم قد يظهر من جامع المقاصد وغيره فيما يأتي تعميم حكم الولاية بالنسبة إلى سائر أحكام الميت ، بل استظهر الإجماع في الأول على ذلك ، لكن قد يمنع دخول ما نحن فيه تحت ذلك ، لعدم صدق اسم الميت عليه في الحال ، وظهور انصرافه إلى إرادة نحو التغسيل والصلاة لا الاستقبال والتلقين ونحوهما ، فدعوى كون ذلك كباقي أحكامه ممنوعة ، فيقوى حينئذ عدم وجوب مراعاة إذن الولي ونحوها وإن قلنا به بالنسبة للغسل والصلاة ، واحتمال النهي عن التصرف فيه المستلزم عدم جواز‌

١٣

تحريكه في غاية الضعف بعد الأمر من المالك الأصلي ، وبه يظهر أنه لا عبرة برضاه نفسه بل ولا منعه ، نعم ربما يقال بأولوية مباشرة الولي له وعدم مزاحمته في ذلك ندبا واستحبابا لا وجوبا ، اللهم إلا أن يستدل عليه بعموم أدلة الولاية ، كقوله تعالى (١) ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وب‌ قوله عليه‌السلام (٢) : ان « الزوج أولى بزوجته حتى تدفن » ونحو ذلك ، لكن قد يمنع شمولها لنحو المقام سيما بعد ما عرفت ، فتأمل جيدا.

ثم ان الظاهر تعلق الوجوب بالمستحضر نفسه أيضا مع التمكن منه ، بل قد يدعى اختصاص الوجوب به حينئذ لانصراف الأمر للغير في الأخبار السابقة إلى الغالب من العجز عن الاستقبال في تلك الحال هذا. وقد عرفت الوجه في قول المصنف وقيل هو مستحب فلاحظ وتأمل.

( ويستحب ) للولي أو مأذونه أو غيرهما مع فقدهما بل ومع عدمها على الأقوى بلا خلاف أجده في أصل الاستحباب بل في كشف اللثام الاتفاق عليه تلقينه أي تفهيمه ( الشهادتين والإقرار بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ) وللمعتبرة المستفيضة الدالة على جميع ذلك ، ففي‌ خبر الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (٣) قال : « إذا حضرت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله » وفي‌ خبر أبي خديجة (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ، ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم‌

__________________

(١) سورة الأنفال ـ الآية ٧٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الدفن ـ حديث ٢ مع اختلاف في اللفظ.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

١٤

فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله حتى يموتوا » وفيه دلالة على استحباب التكرار إلى الموت ، وفي الكافي بعد ذكره هذه الرواية‌ قال : « وفي رواية أخرى (١) تلقنه كلمات الفرج والشهادتين ، وتسمي له الإقرار بالأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام » وفي‌ خبر أبي بصير (٢) عن الباقر عليه‌السلام « أما إني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ، ولكني أدركته وقد وقعت النفس موقعها ، قلت : جعلت فداك وما ذاك الكلام؟ قال : هو والله ما أنتم عليه ، فلقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله والولاية » وفي‌ خبر الحضرمي عن الصادق عليه‌السلام (٣) « والله لو أن عابد وثن وصف ما تصفون عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا أبدا ».

قلت : وأما‌ قول الصادق والباقر عليهما‌السلام في خبري ابني مسلم والبختري (٤) : « إنكم تلقنون موتاكم عند الموت لا إله إلا الله ونحن نلقن موتانا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » مما عساه ينافي بظاهره بعض ما تقدم فالأولى حمله على إرادة إنكم أنتم تقتصرون على الأولى ونحن نلقن الشهادتين ، وكأنه أشار بذلك إلى ما يفعله العامة يومئذ كما قيل من الاقتصار على تلك الكلمة ، فيراد حينئذ أن هذا هو المعمول ببلادكم ، مع احتمال أن يكون الخطاب لبعض المخالفين لا الراويين المذكورين وإن نقلا ذلك مجملا ، وكان ما ذكرنا أولى مما في الوافي من أن ذلك لأنهم مستغنون عن تلقين التوحيد لأنهم خمر بطينتهم لا ينفكون عنه ، إذ المراد بموتانا إن كان الأئمة عليهم‌السلام فهم في غنية عن ذكر ذلك ، سيما بعد ما ورد (٥) أن ذلك انما هو لوساوس الشيطان ، ومن هنا لم يرو في شي‌ء من الأخبار فعل ذلك مع أحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

١٥

منهم عليهم‌السلام ، وإن كان غيرهم فهم في حاجة إليهما معا كما ينبئ عنه تلقين كلمات الفرج لبعض بني هاشم ، ففي‌ خبر الحلبي عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل : لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، فقالها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الذي استنقذه من النار » وفي كشف اللثام « أنه زيد في الفقيه ( وما تحتهن ) قبل ( ورب العرش العظيم ) و ( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) بعده » انتهى. وفي‌ خبر القداح عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال له : قل : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين » الحديث.

ومنهما كغيرهما يستفاد أيضا استحباب تلقين كلمات الفرج ففي‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين » وما فيها من الاختلاف زيادة ونقصانا غير قادح إن قلنا بالتخيير في الدعاء بكل منهما ، لكن الأولى ما جمعها جميعا ، وفيما سمعته من المحكي عن الفقيه شهادة على رد ما في المدارك في باب الصلاة ، حيث قال : « وذكر المفيد وجمع من الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

١٦

أنه يقول قبل التحميد ( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لأنه بلفظ القرآن ، ولا ريب في الجواز ، لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه عنها ليس بجيد » انتهى. ومن العجيب أن صاحبي الوافي والوسائل لم يذكرا هذه الزيادة فيما نقلاه عن الفقيه. ولعله لخلو ما عندهما من النسخ منها. لكن قد عرفت ما حكاه كشف اللثام كالحدائق والرياض عنه مع زيادة أنه صرح به أيضا في الرضوي (١) وفيما حضرني من نسخ الفقيه فيه شهادة لكل منهما ، لكون الأصل كما في الوافي والوسائل لكن في الحاشية كتب ذلك نسخة ، والأمر سهل.

ويستفاد أيضا من ملاحظة الأخبار استحباب التلقين زيادة على ما سمعت بقوله : ( اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك ، واقبل مني اليسير من طاعتك ) لخبر سالم ابن أبي سلمة عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : « حضر رجلا الموت ، فقيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان فلانا قد حضره الموت ، فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه ناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه ، قال : فقال : يا ملك الموت كف عن الرجل حتى أسأله ، فأفاق الرجل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما رأيت؟ قال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا ، قال : فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال : السواد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك ـ الدعاء ـ فقال : ثم أغمي عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ملك الموت خفف عنه حتى أسأله ، فأفاق الرجل ، فقال : ما رأيت؟ فقال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا ، فقال : أيهما أقرب إليك؟ فقال : البياض ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غفر الله لصاحبكم ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام ليقوله ».

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

١٧

كما أنه يستحب أيضا قول ( يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير ، اقبل مني اليسير واعف عني الكثير ، إنك أنت العفو الغفور ) للمرسل‌ عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : « اعتقل لسان رجل من أهل المدينة ، فدخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : قل لا إله إلا الله ، فلم يقدر عليه. فعاد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل أم قالت : نعم يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أمه ، فقال لها : أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت : بل ساخطة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني أحب أن ترضى عنه ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : قل لا إله إلا الله فقالها ، فقال : قل يا من يقبل ـ إلى آخره ـ فقالها ، فقال له : ما ذا ترى؟ فقال : أرى أسودين قد دخلا علي ، فقال : أعدها فأعادها ، فقال : ما ترى؟ فقال : قد تباعدا عني ودخل أبيضان وخرج أسودان ، فما أراهما ودنى الأبيضان مني الآن يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته ».

ويستفاد من‌ خبر حريز بن عبد الله (٢) عن الباقر عليه‌السلام زيادة على ما تقدم قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا دخلت على مريض وهو في النزع الشديد فقل له : أدع بهذا الدعاء يخفف الله عنه : أعوذ بالله العظيم رب العرش الكريم من كل عرق نفار ومن شر حر النار سبع مرات ، ثم لقنه كلمات الفرج ، ثم حول وجهه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ، فإنه يخفف عنه ويسهل أمره بإذن الله تعالى ».

وكذا يستفاد منه أيضا استحباب نقله إلى مصلاه الذي أعده للصلاة فيه أو كان يكثر فيه ذلك ، وفي كشف اللثام وغيره ( أو عليه ) قلت : ولعله لمضمر زرارة (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٢.

١٨

في الحسن كالصحيح « إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه » ولم أجد ذلك في غيره ، ولا بأس به وإن كان الأولى النقل إلى المكان مع الإمكان ، لأنه المتبادر المنساق من الأخبار وكلام الأصحاب ، بل كاد يكون صريح بعضها كالمروي في الوسائل عن‌ طب الأئمة مسندا إلى حريز (١) قال : « كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : إن أخي منذ ثلاثة أيام في النزع وقد اشتد عليه الأمر فادع له ، فقال : اللهم سهل عليه سكرات الموت ، ثم أمره وقال : حولوا فراشه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ، فإنه يخفف عليه إن كان في أجله تأخير ، وإن كانت منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه » ويقرب منه ما في‌ خبر ذريح (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : إن أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مستقيما فنزع ثلاثة أيام ، فغسله أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه » وفي الوسيلة ويستحب نقله إلى موضع صلاته ، وبسط ما كان يصلي عليه تحته ، ولم أجد له شاهدا غير الاعتبار.

ثم ان ظاهر هذه الأخبار كون النقل انما هو إذا تعسر خروج الروح كما هو ظاهر مفهوم‌ خبر عبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه » ونحوه مضمر زرارة المتقدم ، وهو المنقول عن تصريح الشيخ وابني إدريس وحمزة والعلامة والشهيدين وغيرهم ، فإطلاق المصنف هنا وفي النافع كما عن المعتبر والمنتهى استحباب النقل لا يخلو من نظر ، ولعله لما يفهم من التعليل فيما تقدم من الأخبار سيما ما في خبر حريز السابق المنقول عن طب الأئمة ، لكن الاعتماد على مثل ذلك في نحو المقام وإن قلنا بالتسامح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

١٩

في أدلة السنن لا يخلو من تأمل ، لورود النهي في بعض المعتبرة (١) عن مس المحتضر معللة ذلك بأنه انما يزداد ضعفا وأنه أضعف ما يكون في هذا الحال ، ومن مسه في هذا الحال أعان عليه ، وللمفهوم المتقدم مع موافقته للمنقول من فتوى الأكثر ، ومن العجيب ما في الحدائق من نسبة الإطلاق إلى الأكثر كالذي في مجمع البرهان من أنه لا يبعد استحباب المطلق لما في بعض الروايات مع عدم المنافاة ، إذ قد عرفت إن قضية المفهوم عدم الاستحباب مع أنا لم نعثر على ذلك ، فتأمل جيدا.

ويستحب أن يكون عنده مصباح إن مات ليلا على المشهور نقلا وتحصيلا بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كما يشهد له التتبع وإن كان في عباراتهم نوع اختلاف من حيث تقييد ذلك بالموت ليلا وعدمه ، كما أنه في المقنعة ترك لفظ ( عند ) فقال : « إن مات ليلا في البيت أسرج في البيت مصباح الى الصباح » إلا أن الظاهر منه إرادة معناها ، كما أنه قد يظهر ممن قيد ذلك بالموت ليلا إرادة الأعم منه ومن إبقائه إليه ، كما عساه يقتضيه ما في الوسيلة إن كان بالليل ، كالمحكي عن المبسوط والكافي ان كان ليلا ، والأوضح ما عن القاضي ويسرج عنده في الليل مصباح.

وكيف كان فالذي ظفرنا به في المقام‌ خبر سهل عن عثمان بن عيسى (٢) عن عدة من أصحابنا أنه « لما قبض الباقر عليه‌السلام أمر الصادق عليه‌السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه ، حتى قبض أبو عبد الله عليه‌السلام ثم أمر أبو الحسن عليه‌السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه‌السلام ، حتى أخرج به إلى العراق ثم لا أدري » قيل وهو مع الضعف حكاية حال ، ولا اختصاص له بالموت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب الاحتضار ـ حديث ١.

٢٠