جواهر الكلام - ج ١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله الذي ختم الشرائع بأسمحها طريقة. وأوضحها حقيقة ، وأظهرها برهانا ، وأكثرها أعوانا. واصطفى لوحيه أشرف الأنبياء قبيلة ، وأقربهم إليه وسيلة المبعوث آخر الأمم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الذين هم لمعجزة نبوته وقرآن معجزته وآية رسالته.

وبعد فيقول العبد القاصر العاثر ( محمد حسن بن المرحوم الشيخ باقر ) أحسن الله إليهما وأذاقهما حلاوة نشأتيهما : إني قد رأيت ( كتاب الشرائع ) من مصنفات الامام المحقق المدقق ( نجم الملة والدين ) أسكنه الله في أعلى عليين قرآنا في الأحكام الشرعية ، وفرقانا في العلوم الفقهية ، فائقا من تقدمه إحاطة وجزالة وإتقانا ، وأنموذجا لمن تأخر عنه ، ولسانا. وكثيرا ما كنت أتمنى وأرجو من الله سبحانه فضلا منه ومنا أن أمزجة بشرح يكشف للناظرين لثام قواعده ويفتق أكمام شقائقه ، ويخرج للعارفين كنوز فوائده ويوضح للمتأملين رموز دقائقه ، ويعرف الماهر الخبير انطباق المسائل على قواعدها وارتباط الدلائل بمقاصدها ، ويوقف الناقد البصير على مزال أقدام شراحه ، ويرفع الاجمال ، ويدفع الاشكال عن المطالب بحسن تحريره وإيضاحه ، ويشتمل على ذكر الأقوال ومستندها بأوجز عبارة ، ويبين الحال في تزييف غير‌

٢

معتمدها تصريحا وإشارة. لكن العوائق تمنعني والحوادث تردعني ، غير أنى قابلتها.

بعزمة دونها العيوق منزلة

وساعد ليس تثنية الملمات

فاستخرت الله عز وجل وشرعت فيما كنت أتسوف وأتعلل ، وسميته ( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) والله سبحانه أسأل ان يجعله خير الزاد ليوم المعاد ، وان يقرنه بالتوفيق لتمام المراد ويمده بالتأييد والسداد ، فإنه أكرم من سئل فجاد. قال قدس‌سره :

( كتاب الطهارة )

الكتاب : مصدر ثان لكتب من الكتب بمعنى الجمع ، أو ثالث بإدخال الكتابة ، أو رابع بإدخال الكتبة. أي هذا مكتوب فيه مباحث الطهارة ، أو مجموع مسائل الطهارة ، أو ما يجمع به مباحثها ، كالنظام لما ينظم به. ويحتمل أن يكون منقولا عرفيا. كما انه ربما احتمل أن يكون مجموع الكلمتين علم جنس أو اسم جنس لما يتعلق بها ، ولا يضر تفاوتها زيادة ونقصا ، وان قدح ذلك في العلم الشخصي. لكنه مع بعده في نفسه يزيده إعادته بلفظها أو بضميرها وذكر التعريف ، فليتأمل. عبر عما يجمعها بالكتاب دون المقصد والمطلب ، لاتحاد مسائله بالجنس واختلافها بالنوع ، بخلاف الثاني فإنه اسم لما يجمع المسائل المتحدة في النوع المختلفة في الصنف ، ومثله الباب والفصل. والثالث فإنه للمتحدة في الصنف المختلفة بالشخص. كذا قيل لكنه غير مطرد ، نعم الظاهر ان المناسبة بين مسائل المقصد والمطلب يعتبر كونها أتم من مسائل الكتاب.

و ( الطهارة ) مصدر طهر بضم العين وفتحها ، والاسم الطهر لغة : النظافة والنزاهة يقال : ثياب طاهرة ، أي من القذر والوسخ ، وهو المناسب للاستعارة للذنوب والحيض‌

٣

وسوء الخلق ، ولذا استدل على ذلك بقوله تعالى ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ( وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ) (٢) أي من الحيض وسوء الخلق. ولعله ظاهرا من باب استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، أو في القدر المشترك ، وهو أولى و ( إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ ) (٣) أي نزهك و ( أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) (٤) أي يتنزهون ، وفي القاموس : ان الطهارة نقيض النجاسة ، وعن الطراز : طهر طهرا بالضم وطهارة بالفتح ، نظف ونقي من النجس والدنس. وهما يرجعان الى ما تقدم.

وعرفا على ما هو المعروف كما قيل ، بل عن آخر انه عليه أكثر علمائنا اسم للوضوء أو الغسل أو التيمم على وجه له تأثير في استباحة الصلاة فيخرج وضوء الحائض والتجديدي والأغسال المندوبة ووضوء الجنب والتيمم للنوم ونحو ذلك. أو انها لها مع التأثير في العبادة إباحة أو كمالا ، فيدخل فيها بعض ما تقدم ، وان خرج منها أيضا الأغسال للأوقات والغسل بعد التوبة فهي أعم من الأول. أو انها لها مطلقا ، فيدخل فيها جميع ما ذكرنا. أو انها لها على أحد الوجوه الثلاثة مع إزالة الخبث الشرعي. فتكون حينئذ الاحتمالات ستة. لكن الظاهر مراعاة الصحة في السابقين : إما لان لفظ الطهارة خارج من بين أسماء العبادات فلا يجري فيه النزاع انها للأعم أو للصحيح ، بعد اعتبار الاستباحة فعلا في مفهومها على وجه لا يكون الفاسد طهارة ، أو يكون المعرف انما هو الصحيح. وكيف كان فهل هي عبارة عن نفس الافعال ، أو الحالة الحاصلة بعدها من الإباحة ، أو ما يجده الإنسان من القرب الروحاني في الثلاثة الأول ، أو الأعم؟ احتمالات ، وتكثر بملاحظة الضرب مع المتقدمة. إلا أن الأقوى الأول هنا ، لتبادره. كما ان الأقوى الأول أيضا بالنسبة للستة ، لعدم ثبوت غيره ، ولأنه المعروف بين المتشرعة كمعروفية البحث فيه عنه ، ولقوله عليه‌السلام في الحائض :

__________________

(١) سورة الأحزاب آية ٣٣.

(٢) سورة آل عمران آية ١٣.

(٣) سورة آل عمران آية ٣٧.

(٤) سورة الأعراف آية ٨٠.

٤

« أما الطهر فلا » (١) ‌ولإغناء المعنى اللغوي في إزالة النجاسة فلا يتكلف مؤنة النقل لكن قد يستدل على شمولها لإزالة النجاسة بالتبادر ، وبكثرة إطلاقها في الكتاب والسنة ولسان المتشرعة ، وباستبعاد جعل البحث عنها بالعرض. كما انه قد يستدل على شمولها لغير المبيح بتقسيم الطهارة إلى واجبة ومندوبة ، وتقسيم الثانية إلى المبيح وغيره ، وبان ما تفعله الحائض وضوء وكل وضوء طهارة. وفيه ان التبادر المدعى ممنوع ، والاستعمال في الكتاب والسنة في الغالب مع المعنى اللغوي وبدونه مع القرينة ، واستعمالها في لسان المتشرعة قد عرفت ان المعروف ما قلنا ، كما صرح به الشهيد على ما ستسمع ، والاستبعاد يهون أمره أنه ليس عرضا بحتا بل له تعلق بالطهارة الحدثية ، والتقسيم المشهور انما هو تقسيم الثلاثة وهو لا ينافي كونها اسما للمبيح منه ، وان وقع في كلام بعضهم تقسيمها فلا بد من التزام كون المقسم أعم من المعرف للتصريح الأول والظاهر لا يعارضه. والقول بان كل وضوء طهارة مصادرة محضة. نعم يحتمل القول باختصاص لفظ ( الطهارة ) في ذلك بخلاف باقي المشتقات كطهر وطهور وطاهر ، ويؤيده انه وجه الجمع بين نصهم هنا على كونها اسما للمبيح ، وبين استدلالهم بمثل هذه الألفاظ على إزالة النجاسات كلفظ الطهور ونحوه قال الشيخ في الخلاف : « الطهور عندنا هو المطهر المزيل للحدث والنجاسة » وعن التبيان وفقه القرآن ومجمع البيان وغيرها « طهورا أي طاهرا مطهرا مزيلا للأحداث والنجاسات » الى غير ذلك. ولعله أولى من التزام الوضع حتى في لفظ الطهارة للقدر المشترك الشامل لإزالة النجاسة ، دفعا لمحذور الاشتراك أو المجاز والتحكم اللازم من التخصيص ، مع شيوع استعمالها في الأعم في كل من نوعيه بحيث لا يقصر بعضها عن بعض. ويحتمل التعريف حينئذ على خصوص الطهارات التي هي نوع من العبادات ، فتخرج الإزالة وتدخل في الخطابات الشرعية ، ويزول‌

__________________

(١) المروية في الوسائل ـ في الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الحيض ـ حديث ٣ وفي الباب ـ ٤٠ ـ حديث ٤.

٥

الاشكال عن التفسير والاستدلال ، بل يرتفع الخلاف بين القول بدخولها وخروجها ، واختاره العلامة الطباطبائي ، وهو لا يخلو من قوة. إلا أن الأقوى خلافه ، لما فيه من التجشم في تأويل ما لا يقبل التأويل من التصريح الواقع من بعضهم وغيره ، مع ان دعوى شيوع استعمال لفظ الطهارة في ذلك في حيز المنع ، فلعل ما ذكرنا من الفرق بينها وبين غيرها من التصرفات أولى ، ولا يلزم من نقل المشتقات نقل المصدر ، بل هو منقول لمعنى آخر ، ولا يشترط وجود المشتق منه معها بل يكفي اقتطاعها منه بذلك المعنى ، فليتأمل.

لا يقال ان النزاع في نحو ذلك ما هو إلا اختلاف اصطلاح ، لأنا نقول انه نزاع في إثبات المعنى المتشرعي الذي هو ضابطة للحقيقة الشرعية ما لم يعلم الحدوث ، كما يظهر من تحرير محل النزاع فيها ، وقد وقع تعريفها على لسان كثير من علمائنا رحمهم‌الله فعن الشيخ في النهاية « ان الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة » وعن القاضي ابن الراج في الروضة كذلك بزيادة « ولم يكن ملبوسا أو ما يجري مجراه » وعن المهذب والموجز : « انها استعمال الماء والصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة تختص بغيرها » وعن الشيخ في المبسوط والاقتصاد : « الطهارة عبارة عن إيقاع أفعال في البدن مخصوصة على وجه مخصوص يستباح به الصلاة » وعن ابن إدريس انه ارتضاه ، وعن قطب الدين الراوندي « ان الاحتراز التام ان الطهارة الشرعية هي استعمال الماء أو الصعيد نظافة على وجه يستباح به الصلاة وأكثر العبادات » وعن نجيب الدين محمد بن أبي غالب في المنهج الأقصد (١) « الطهارة الشرعية هي إزالة حدث أو حكم لتؤثر في صحة ما هي شرط فيه » وعن المصنف في المعتبر « انها اسم لما يرفع حكم الحدث » وعن المسائل المصرية « انها استعمال أحد الطهورين لازالة الحدث‌

__________________

(١) وفي نسخة الأقصى.

٦

أو لتأكيد الإزالة » وعن العلامة في التحرير والتلخيص « الطهارة شرعا ما لها صلاحية التأثير في استباحة الصلاة من الوضوء والغسل والتيمم » وعن بعض كتبه « هي وضوء أو غسل أو تيمم يستباح به عبادة شرعية » وفي القواعد : « الطهارة غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن على وجه له صلاحية التأثير في العبادة » وعن علي بن محمد القاشي « انها إذا أخذت صحيحة استعمال طهور مشروط بالنية » وعن الشيخ أبي علي في شرح النهاية « انها التطهير من النجاسات ورفع الأحداث ». ولعله وافق بذلك بعض العامة ، وإلا فالمعروف بين أصحابنا كما أشرنا إليه سابقا ان إزالة الأخباث ليست من الطهارة. ومن هنا قال الشهيد في نكت الإرشاد : « ان إدخال إزالة الخبث فيها ليس من اصطلاحنا » وفي كنز العرفان « وقد تطلق مجازا بالاتفاق على إزالة الخبث عن الثوب والبدن » وعن بعضهم « انها وضع الطهور مواضعه » وعن الجرجاني تعريفها « بما له صلاحية رفع الحدث أو استباحة الصلاة مع بقائه ».

قلت : وهل اختلاف هذه التعاريف هو بعد الاتفاق على معنى ولكنهم يختلفون في التعبير عنه إما لتسامح أو غيره ، أو ان هذا الاختلاف لاختلاف في المعنى لكون الطهارة اسما للصحيح أو للأعم ، أو انها لما تشمل إزالة الأخباث مثلا أو لا ، أو انها تشمل وضوء الحائض أو لا ، أو انها تشمل الأغسال المندوبة أولا ، أو انها تشمل الوضوء التجديدي أولا؟ إلى غير ذلك الذي يظهر في النظر أن كثيرا من الاختلاف لاختلاف في المعنى ، فلا وجه حينئذ للإيراد (١) على البعض مثلا بخروج وضوء الحائض ، وعلى آخر بدخوله ، إذ قد يقول الأول انه ليس طهارة والآخر طهارة ، فكل يعرف على مذهبه ، ويرجع النزاع حينئذ معنويا. وهذا الذي ينبغي ان يلحظ بالنسبة للاستقراء والتتبع ، وإلا فكثير من الإيرادات حتى نقل انه اعترض على تعريف العلامة في القواعد بتسعة عشر اعتراضا لا ثمرة فيها ، فما رجع منها إلى‌

__________________

(١) هذا تعريض بما في مفتاح الكرامة.

٧

ما ذكرنا كان للفقيه ان يتعرض له إذ لعله تترتب عليه فوائد بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية ، فاستقرى وتتبع وتأمل جيدا. وان أردت النقض في كثير من هذه التعاريف والإبرام فانظر ما كتبه الشهيد في غاية المراد في نكت الإرشاد فإنه قد حاول الإحاطة لذلك.

ولعل قيد ( الاستباحة ) في عبارة المشهور مع إرادة ما يقابل الحرمة التشريعية منه يقتضي عدم حصول الطهارة من المميز. إما لان عبادته تمرينية ، وإما لان شرعية الوضوء منه أعم من كونه طهارة ، كشرعية وضوء الحائض ، مع احتمال حصول الطهارة به على ان يكون المراد من الاستباحة الصحة فتأمل جيدا.

( وكل واحد منها ) أي الثلاثة المتقدمة ( ينقسم الى واجب وندب ) دون باقي الاحكام وإطلاق الكراهة في بعض المقامات على ضرب من التأويل.

( فالواجب من الوضوء )

وجوبا شرعيا ولو لوجوب مقدمة الواجب ما كان لصلاة واجبة أصلا أو عارضا وأجزائها المنسية إجماعا وكتابا وسنة أو طواف واجب في حج أو عمرة ولو مندوبين لوجوب إتمامهما إجماعا كما عن المنتهى وسنة أو لمس كتابة القرآن إن وجب لعارض ويأتي الكلام فيه في الوضوء إن شاء الله.

والظاهر من المصنف بل كاد يكون صريحه كالظاهر من غيره ممن حصر الغايات التي يجب لها الوضوء انه واجب لغيره ولا يجب لنفسه وصرح به جماعة بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن العلامة والكركي والشهيد الثاني نقل الإجماع عليه. ولعل الأمر فيه كذلك كمالا يخفى على من لا حظ كلماتهم في المقام وسيرتهم في كل عصر ومصر ، من عدم الإلزام والالتزام برفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة ، وعدم أمرهم المرضي به أو التيمم بدله مع وقوع الحدث غالبا منهم ، وخلو المواعظ والخطب ، وعدم‌

الجواهر١

٨

اشارة من أحد من الفقهاء لا في مقام الاحتضار ولا في غيره مع محافظتهم غالبا على المستحبات والآداب فضلا عن الواجبات. ومع ذلك كله فلم نعلم فيه خلافا ، ولم ينقله أحد ممن يتعاطى نقل الشاذ من الأقوال ، لكن الشهيد في الذكرى بعد ان ذكر الكلام في الغسل بالنسبة للوجوب النفسي والغيري قال : « وربما قيل يطرد الخلاف في كل الطهارات لأن الحكمة ظاهرة في شرعيتها مستقلة » ويظهر للمتأمل في كلامه السابق ان هذا القول ليس لنا ، ومما يدلك على هذا نقضه التمسك بالأوامر المطلقة الدالة على وجوب الغسل بأن حال هذه كحال أوامر الوضوء وغسل الأواني. ثم قال : « وهم يوافقون على ان المراد بوجوبها المشروط » فقد يراد بالطهارة في كلامه باقي الأغسال لا الوضوء ، لان الخلاف إنما هو معروف في غسل الجنابة. ويظهر أيضا من المنقول عنه في القواعد انه قول لبعض العامة قال : « لا ريب ان الطهارة والستر والقبلة معدودة من الواجبات في الصلاة مع الاتفاق على جواز فعلها قبل الوقت والاتفاق في الأصول على ان غير الواجب لا يجزي عن الواجب ، فاتجه هنا سؤال وهو ان أحد الأمرين لازم اما القول بوجوبها على الإطلاق ولم يقل به أحد أو يقال بالاجزاء وهو باطل » ثم قال : « وهذا الاشكال اليسير هو الذي ألجأ بعض العلماء الى اعتقاد ان وجوب الوضوء أو غيره من الطهارات نفسي موسعا قبل الوقت وفي الوقت وجوبا مضيقا عند آخر الوقت ، ذهب إليه القاضي أبو بكر العنبري وحكاه الرازي في التفسير عن جماعة ، فصار بعض الأصحاب إلى وجوب الغسل بهذه المثابة » انتهى. وكيف كان فعبارة الشهيد في الذكرى هي التي أوقعت بعض المتأخرين في الوهم حتى عدوه قولا ، وربما جنح اليه بعضهم. وعلى هذا التقدير فهم لا يمنعون الوجوب الغيري وتظهر الثمرة في نية الوجوب قبل الوقت وفي العقاب عند ظن الموت مع التمكن منه أو الوصول الى حد التهاون عرفا ، كما في غيره من الواجبات الموسعة.

لنا الأصل مع عموم البلوى به والإجماعات المنقولة فيه ، وفي التيمم مع عموم‌

٩

البدلية المؤيدة بنفي الخلاف صريحا وظاهرا ، مع السيرة القاطعة بين العوام والعلماء وخلو الخطب والمواعظ وعدم ذكر احد له في الواجبات ، لا سيما عند الاحتضار وعدم الإلزام به من النبي (ص) والصحابة والتابعين والأئمة (ع) لأحد من المحتضرين من نسائهم وأصحابهم ، وعدم أمر النبي (ص) أصحابه عند جهاد المشركين ، ولا أمير المؤمنين في جميع حروبه لا سيما حرب صفين ، ومفهوم قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ ) (١) الدال على نفي وجوب الوضوء عند عدم الشرط. وما يقال ان المنفي انما هو الوجوب لها لظهور المنطوق فيه وهو لا ينافي الوجوب النفسي ، يدفعه شهادة العرف بخلافه ، كما انه يدفع أيضا احتمال عدم حجية المفهوم في خصوص المقام لمكان وجود فائدة له غير التعليق وهي التنبيه على شرطيته للصلاة ، مع ان اعتبار مثل ذلك ساد لباب حجية مفهوم الشرط. وكذا ما يقال من ان المراد بالأمر بالغسل إنما هو الوجوب الشرطي دون الشرعي بدليل شمول الصلاة للنافلة ولا يجب ذلك شرعا لها إجماعا ، بمنع الشمول أولا لتبادر العهدية الذهنية وعلى تقديره فخروج النافلة عن الحكم الشرعي المستفاد من الأمر دون الوضعي المستفاد منه أيضا غير قادح ، فتأمل. كما انه لا يقدح تقييد وجوب الوضوء في الفريضة بما بعد دخول الوقت لعدم وجوبه قبله ، إذا أقصاه زيادة قيود في سبب الوجوب ويكون المفهوم حينئذ عدم الوجوب عند عدمها أو عدم واحد منها. والحاصل ان خروج بعض ما يدخل في المنطوق لدليل كخروج ذلك من المفهوم أيضا لا يقدح فيما ذكرنا. ولقد وقع في المقام في المدارك ما يقضي منه العجب فلا حظ وتأمل ، وكأن دلالة الآية على ما ذكرنا من الظهور لا يحتاج الى التطويل ، ولذا جعلها جماعة من الأصحاب قرينة على وجوب الغسل لغيره باعتبار عطف قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) (٢) على ما هو كذلك كما ستسمعه في محله ان شاء الله ، وقوله عليه‌السلام في خبر زرارة (٣) : « فإذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » ‌

__________________

(١) سورة المائدة آية ٨.

(٢) سورة المائدة آية ٨.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء حديث ١.

١٠

فإنه ظاهر بمقتضى المفهوم انه ان لم يدخل الوقت فلا يجب الطهور ولا الصلاة ، ومع استفادة التجدد والحدوث من لفظ وجب ، فتأمل. وحمل الواو على المعية فيكون المعنى انهما يجبان معا فان لم يدخل الوقت فلا يجبان معا ويكفي في صدق ذلك عدم وجوب الصلاة ووجوب الوضوء في غاية البعد مخالف لمقتضى الظاهر في الواو. وكذا ما يقال ان المراد إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة أي وجب كل واحد منهما فان لم يدخل الوقت فلا يجب كل واحد منهما فيكون رفعا للإيجاب الكلي ، لما هو معلوم ان حرف العطف تقضي بان المعطوف بمنزلة المعطوف عليه فهو في الحقيقة جواب شرط مستقل اختص بحرف العطف ، على انه لا داعي الى هذه التمحلات الباردة. وما يقال ان ارتكابها لمكان وجود المعارض الصحيح (١) ‌إنّ عليا عليه‌السلام كان يقول : « من وجد طعم النوم قاعدا أو قائما فقد وجب عليه الوضوء » و‌قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « فإذا نامت العين والاذن والقلب فقد وجب الوضوء » ‌و‌صحيح ابن خلاد (٣) « إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء » ‌الى غير ذلك مما أمر به بالوضوء بمجرد وجود هذه الأسباب ، فإن ذلك كله يدل على وجوب الوضوء لنفسه ، يدفعه ان ارتكاب مثل ذلك لا يصدر من فقيه ماهر ، فان ظاهر الآية والرواية المعتضدتين بما سمعت من الإجماعات المنقولة والسيرة التي كادت تكون قاطعة ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع ، لا يعارضهما مثل هذه الظواهر ، حتى انه يرتكب التأويل في تلك دونها على انه قد يدعى انه لا ظهور فيها ، بل المقصود منها إنما هو ثبوت الوضوء بهذا السبب عند مجي‌ء الخطاب ، بما هو واجب له ، واستعمال هذه العبارة في افادة ذلك غير منكر ، مثل ما جاء في السنة من الأوامر بغسل الأواني والثياب المتنجسات وغيرها مما‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٨.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ١.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ١.

١١

لم يقل احد بوجوب شي‌ء منها لنفسه ، بل يمكن دعوى الحقيقة العرفية في ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كثيرا من نظائره والمسألة خالية من الاشكال بحمد الله تعالى.

( والمندوب من الوضوء )

سواء كان رافعا لحدث أو لا ما عدا الواجب بالأصل أو بالعارض ، وان كان شرطا في صحة بعضها ، ومن جهته أطلق عليه بعضهم اسم الوجوب مجازا. وهو أمور :

( منها ) ـ الصلاة المندوبة. والطواف المندوب ، وطلب الحاجة ، وحمل المصحف ، وأفعال الحج عدا الطواف والصلاة ، وصلاة الجنازة ، وزيارة قبور المؤمنين ، وتلاوة القرآن ، ونوم الجنب ، وجماع المحتلم. وجماع غاسل الميت ولما يغتسل ، ولمريد غسل الميت وهو جنب ، وذكر الحائض ، والتأهب للفرض قبل وقته ، والتجديد ، والكون على طهارة ، قال في الذكرى : كل ذلك للنص. وكفى بإرساله حجة على جميع ما ذكرنا. وفي المدارك بعد ان ذكر هذه الأشياء وغيرها : إلا مريد غسل الميت وهو جنب. وقيد جماع غاسل الميت ولما يغتسل بما إذا كان الغاسل جنبا ، وكأنه فهم ذلك من الرواية التي ستسمعها. قال : « وقد ورد بجميع ذلك روايات ».

هذا مع ما يدل ( على الأول ) من الإجماع المنقول عن الدلائل ، إن لم يكن محصلا ، بل في الحدائق انه نقله جماعة ، ومن كونه شرطا في صحتها بناء على ان مقدمة المستحب مستحب.

( وعلى الثاني ) من شرطيته به على القول بها ، ومن عموم المنزلة في وجه ، ومن حمل بعض الاخبار المشعرة بالوجوب الشرطي عليه. وما في الذكرى انه يستحب للطواف بمعنى الكمالية على الأصح للخبر. وهو كذلك لما تعرفه في كتاب الحج ان شاء الله‌

١٢

تعالى. ومنه يعلم انه لا يجب له حتى لو نذر مثلا ، ضرورة كونه كالوضوء لقراءة القرآن ونحوها مما هو شرط للكمال لا الصحة.

( وعلى الثالث ) قول الصادق عليه‌السلام (١) في خبر عبد الله بن سنان : « من طلب حاجة وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه ».

وما يقال من انه لا دلالة فيه على استحباب الوضوء لذلك بل مفاده انه ينبغي ان تطلب إذا كان الإنسان على وضوء لأمر شرع له الوضوء كالصلاة ونحوها ، فيه ان الظاهر من مثل هذه العبارة طلب الوضوء لها كمالا يخفى على من لاحظ أخبار التحنك ونحوها ، فتأمل ، ولا تغفل عن هذه المناقشة وجوابها. فإنها جارية في كثير مما ستسمع. كما ان المناقشة بأن الموجود في الخبر الوضوء وهو أعم من الطهارة ضرورة صدقه على الصوري يدفعها ظهور ارادتها منه في كل مقام أمر به ، لا ما جامع الحدث كما يشعر به مقابلتها به فيما ستسمع في صلاة الجنازة ، مضافا الى قوله عليه‌السلام (٢) : « لا ينقض الوضوء إلا حدث » ‌ونحوه.

( وعلى الرابع ) مع مناسبة التعظيم ما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (٣) : « لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خيطه ولا تعلقه ».

وعن بعض النسخ لا تمس خطه. واحتمال المناقشة في هذه الرواية بدلالتها على كراهية التعليق ونحوه دون ما نحن فيه من استحباب الوضوء ، مدفوعة بتبادر الأمر بالوضوء لذلك من أمثال هذه العبارة.

( وعلى الخامس ) قول الصادق عليه‌السلام (٤) في خبر معاوية بن عمار : « ولا بأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت فان فيه صلاة ،

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوضوء حديث ١.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نواقض الوضوء حديث ٤.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الوضوء حديث ٣.

(٤) المروي في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوضوء حديث ١.

١٣

والوضوء أفضل ». وفي كشف اللثام ، : انه ورد في خصوص السعي والوقوف والرمي اخبار. ولعل التعبير بالمناسك كما وقع لبعضهم لهذه الرواية ، لأن فيها المناسك. وربما أشعر التعليل بجزئية الصلاة في الطواف كي يصح تعليل اعتبار الوضوء فيه بذلك ، بعد ظهور ارادة ما كان بعض أفعال الحج بقرينة ذكر النسك ، اما الطواف المندوب ابتداء الذي قد ذكرنا اعتبار الوضوء في كماله لا صحته فلعل الصلاة غير معتبرة فيه وانما هي مستحبة فيه ولذا كان الوضوء فيه كذلك. بل قد يستشعر من هذا الخبر ان أصل المرسل المشهور ( في الطواف بالبيت صلاة ) (١) إلا انه أسقط من اوله لفظ ( في ) فظن انه من التشبيه ولا ينافي ذلك استفادة اعتبار بعض شرائط الصلاة لأن التعليل كاف فيه كالوضوء.

( وعلى السادس ) ما رواه (٢) عبد الحميد بن سعيد قال : « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : الجنازة تخرج ولست على وضوء فان ذهبت أتوضأ. فاتتني أيجزيني أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ قال : تكون على طهر أحب الي » ‌كأن المراد بيان أفضلية الصلاة بطهر عليها مع عدمه ، وإلا فلا ريب في أولوية الصلاة بدونه على عدمها كما فرضه السائل ، أو يكون المراد أن الكون على طهر أولى من الصلاة على الجنازة بغير طهر.

__________________

(١) المروي في مستدرك الحاكم ج ١ ص ٤٥٩ وفي سنن البيهقي ج ٥ ص ٨٧ والجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦ وكنز العمال ج ٣ ص ١٠ رقم ٢٠٦ عن الطبراني وحلية الأولياء وسنن البيهقي ومستدرك عن ابن عباس قال رسول الله (ص) الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير والحديث عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب وانه كان يختلط اختلاطا شديدا وقال ابن معين عطاء بن السائب اختلط وقال شعبة حدثنا عطاء بن السائب وكان نسيا وكتب عن عبيدة ثلاثين حديثا ولم يسمع من عبيدة فلا يحتج بحديثه تهذيب التهذيب لابن حجر ج ٧ ص ٢٠٤.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجنائز حديث ٢.

١٤

( وعلى السابع ) انه افتى به جماعة ، ولعله يكتفى به في المستحب. مع ما نقل عن الدلائل من ان في الخبر تقييدها بالمؤمنين. فهذا المرسل مع احتمال كونه غير المرسلين المتقدمين في الذكرى والمدارك كافية في ثبوته. وفي كشف اللثام : اني لم أعثر على نص بخصوصه. هذا كله في غير زيارة قبور أئمة المسلمين الذين زيارتهم زيارة الله تعالى شأنه ، فإن النصوص الواردة في الطهارة لزيارتهم بل الغسل أكثر من أن تحصى ، كمالا يخفى على من لا حظ الكتب المؤلفة في ذلك والله اعلم.

( وعلى الثامن ) مع التعظيم ، ما روي (١) عن الخصال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر » ‌وما عن قرب الاسناد عن محمد بن الفضيل (٢) قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام اقرأ المصحف ثم يأخذني البول فأقوم وأبول واستنجى واغسل يدي وأعود إلى المصحف واقرأ فيه ، قال : لا ، حتى تتوضأ للصلاة » ‌والظاهر ان مراده مثل الوضوء للصلاة. وفي كشف اللثام (٣) » لقول الصادق عليه‌السلام فيما وجدته مرسلا عنه : « لقارئ القرآن بكل حرف يقرأ في الصلاة قائما مائة حسنة وقاعدا خمسون حسنة ومتطهرا في غير الصلاة خمس وعشرون وغير متطهر عشر حسنات » ‌وأرسل نحوه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام » انتهى. واحتمل الأستاد في كشف الغطاء انه تختلف مراتب الفضل بتفاوت فضل المفروء وقلته وكثرته. وفيه ما لا يخفى.

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قراءة القرآن حديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قراءة القرآن حديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قراءة القرآن حديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٥

( وعلى التاسع ) ما رواه الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « سئل عن الرجل أينبغي له ان ينام وهو جنب؟ فقال : يكره ذلك حتى يتوضأ » ‌وعن الغنية والمنتهى والتذكرة الإجماع عليه ، وفي المعتبر يكره للجنب ذلك عليه علماؤنا. ولا يخفى انه ليس الاستحباب هنا مبنيا على ان ترك المكروه مستحب ، بل اما لانه في خصوص المقام ، أو لقوله ( حتى يتوضأ ). وفي الموثق (٢) ـ على ما قيل ـ : « عن الجنب يجنب ثم يريد النوم قال : إن أحب أن يتوضأ فليفعل والغسل أحب الي وأفضل من ذلك ». واحتمال القول بالجريان في كل محدث بالحدث الأكبر ضعيف ، كضعف الاستدلال له بما دل على استحباب التطهر لمن أراد النوم الشامل للمقام ، إذ هو مع الغض عما فيه لم يفد الاستحباب الخصوصي للجنب.

( وعلى العاشر ) مع انه نقل الفتوى به عن جمع من الأصحاب كالنهاية والمهذب والوسيلة والجامع والشرائع والنافع والنزهة وكتاب الأشباه والنظائر وغيرها والمرسلين السابقين في الذكرى والمدارك. قد يستدل عليه بما ورد (٣) من الأمر بالوضوء للمجامع ان أراد المعاودة.

( وعلى الحادي عشر والثاني عشر ) ما رواه (٤) شهاب بن عبد ربه قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب أيغسل الميت؟ ومن غسل الميت أيأتي اهله ثم يغتسل؟ فقال : هما سواء لا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت وهو جنب ، وان غسل ميتا توضأ ثم اتى أهله ، ويجزيه غسل واحد لهما » ‌وفي كشف‌

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة حديث ١.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الجنابة حديث ٥.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوضوء حديث ٢.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب غسل الميت حديث ١.

١٦

اللثام : ونحو ذلك عن الرضا عليه‌السلام والظاهر ان السؤال فيها وقع عن أمرين عن تغسيل الجنب الميت وعن جماع الغاسل وليس بجنب ، وجواب الامام عليه‌السلام على ذلك فان كان تقييد صاحب المدارك جماع الغاسل بالجنب لهذه الرواية ففيه ما فيه وان كان لغيره فهو أدرى.

( وعلى الثالث عشر ) الأخبار الكثيرة المتضمنة للفظ ( عليها ) وللأمر ، ولذلك نقل عن علي بن بابويه القول بالوجوب ، لكنه ضعيف للأصل ، مع عموم البلوى به ، المؤيد بالشهرة العظيمة ، ولما في بعض الأخبار من لفظ ينبغي ، وعن كتاب دعائم الإسلام (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام انه قال : « إنا نأمر نساءنا الحيض ان يتوضأن عند وقت كل صلاة فيسبغن الوضوء ويحتشين بخرق ثم يستقبلن القبلة ، الى ان قال : فقيل لأبي جعفر عليه‌السلام : ان المغيرة زعم انك قلت يقضين ، فقال : كذب المغيرة ما صلت امرأة من نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا من نسائنا وهي حائض ، وانما يؤمرن بذكر الله كما ذكرت ترغيبا في الفضل واستحبابا » ‌هذا مع عدم صراحة كلامه في الخلاف إذ قد يحمل لفظ الوجوب على الثبوت كما وقع مثل ذلك في عبارته على ما قيل. وتمام الكلام فيه في الحيض ان شاء الله تعالى.

( وعلى الرابع عشر ) مضافا الى إمكان تعليله باستحباب الصلاة في أول الوقت ، ولا يمكن إلا بتقديمه ، ما رواه في الحدائق (٢) عن الشهيد في الذكرى من قولهم عليهم‌السلام : « ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت » ‌وعن النهاية انه قال : للخبر. هذا مع انه نقل انه افتى به في الوسيلة والجامع والنزهة والدروس والبيان والنفلية والمنتهى ونهاية الاحكام والدلائل ، وقد تقدم ما في الذكرى ، وكأنه‌

__________________

(١) المروي في المستدرك في الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الحيض حديث ٣ بأدنى تغيير.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء حديث ٥.

١٧

مستغن عن الدليل لان المعروف من السلف التأهب للفريضة والمحافظة على نوافل الزوال والفجر. فما في كشف اللثام ان الخبر لم أعثر عليه ، وأما الاعتبار فلا ارى الوضوء المقدم إلا ما يفعل للكون على الطهارة ، ولا معنى للتأهب للفرض إلا ذلك. غير واضح. والفرق بينه وبين الكون على الطهارة في غاية الوضوح.

( وعلى الخامس عشر ) مضافا الى نفي الخلاف عنه في كشف اللثام ، الأخبار الكثيرة منها (١) « الوضوء على الوضوء نور على نور » ‌وقضية إطلاقها عدم اشتراط فصل فعلي كصلاة ونحوها ، ولا زماني في مشروعيته كما ان قضيتها استحبابه لنفسه لا مشروطا بصلاة من فرض أو نفل. فما عن بعضهم من التقييد به كما عن آخر التفصيل بين من يحتمل صدور الحدث منه فلا يشترط فيه وبين غيره فيشترط ضعيف. نعم لا استبعد تأكده للصلاة لا سيما الغداة والمغرب والعشاء. وعن بعضهم استحبابه لسجود التلاوة والشكر واحتمل ذلك في الطواف ولم يثبت الجميع. وهل يجري التجديد في غير الوضوء من الأغسال أو المختلفين؟ وجهان أقواهما العدم لظاهر الفتوى ، وربما احتمل لقوله عليه‌السلام (٢) « الطهر على الطهر » ‌ومنه ينقدح الاستحباب في المتخالفين.

( وعلى السادس عشر ) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « يا أنس أكثر من الطهور يزد الله في عمرك ، وان استطعت ان تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيدا » وعن الإرشاد للديلمي (٤) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يقول الله تعالى من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني » ‌وعن نوادر الراوندي (٥) عن أمير المؤمنين‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء حديث ٧.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الوضوء حديث ٣.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوضوء حديث ٣.

(٤) المروي في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الوضوء حديث ٢.

(٥) المروي في البحار في المجلد ـ ١٨ ـ في باب إسباغ الوضوء.

١٨

عليه‌السلام : « كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بالوا توضؤا أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة ».

و ( منها ) ـ جماع الحامل لما أرسله في المدارك ، ول قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته (١) لعلي عليه‌السلام « يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء فإنه ان قضي بينكما ولد يكون اعمى القلب بخيل اليد ».

و ( منها ) ـ أكل الجنب بل وشربه لرواية الحلبي (٢) « انه إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ » وقوله عليه‌السلام بعد أن سأله عبد الرحمن (٣) أيأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال : « انا لنكسل ولكن يغسل يده والوضوء أفضل » ‌وعن بعضهم حمل الوضوء في هذه الاخبار على غسل اليد. والوجه كما ورد (٤) في بعض الاخبار : « الجنب إذا أراد ان يأكل ويشرب غسل يده وتمضمض وغسل وجهه » ‌واستقربه آخر لكثرته في الاخبار ، ولا يبعد التخيير بينهما أو حمل هذه على تكملة الوضوء. ويأتي تمام الكلام في باب الجنابة ان شاء الله.

( ومنها ) ـ دخول المساجد لما أرسله في المدارك أيضا ، ول رواية مرازم بن حكيم (٥) المروية عن كتاب مجالس الصدوق عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ، ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوضوء حديث ١.

(٢) المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الجنابة حديث ٤.

(٣) المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الجنابة حديث ٦ وفي الوافي « ويشبه ان يكون مما صحف وكان انا لنغتسل ».

(٤) المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الجنابة حديث ١.

(٥) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوضوء حديث ٢.

١٩

وكتب من زواره » وللمرسل الآخر (١) « ان في التوراة مكتوبا ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زراني في بيتي » ‌الحديث. وربما استدل عليه بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « من أحسن الطهور ثم مشى الى المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث ».

وقد يتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس فيه ، لمرسلة العلاء ابن الفضيل (٣) عمن رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا دخلت المسجد وأنت تريد ان تجلس فلا تدخله إلا طاهرا ».

والوهن في الدلالة مجبور بفتوى كثير من الأصحاب كما عن الوسيلة والنزهة والجامع والنهاية والإرشاد والمنتهى والسرائر والبيان والمفاتيح وغيرهن وبه صرح في كشف الغطاء والحدائق وكشف اللثام وشرح شيخنا للقواعد وعن ابن حمزة إلحاق كل موضع شريف. وفي كشف الغطاء : « ويقوى القول برجحانه للدخول في كل مكان شريف على اختلاف المراتب بقصد تعظيم الشعائر من قباب الشهداء ومحال العلماء والصلحاء من الأموات والاحياء ».

و ( منها ) ـ النوم لقوله عليه‌السلام (٤) : « من تطهر ثم آوى الى فراشه بات وفراشه كمسجده » ‌وعن الشهيد احتمال إرجاعه إلى الكون على الطهارة والظاهر خلافه ولا مانع من كون الحدث غاية للوضوء للرواية وعن جماعة الفتوى به.

و ( منها ) ـ للمجامع إذا أراد أن يجامع مرة أخرى قبل الغسل لتلك الموطوءة أو غيرها لقول الصادق عليه‌السلام (٥) في مرسل ابن أبي نجران « إذا اتى الرجل جاريته‌

__________________

(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوضوء حديث ٤ وأبواب أحكام المساجد باب ٣٩ حديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) المروي في البحار في المجلد ١٨ في باب علل الوضوء.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٤) المروي في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الوضوء حديث ١.

(٥) المروي في الوسائل في الباب ـ ١٥٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه حديث ١.

٢٠