مستند الشّيعة - ج ١٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٥٧

النسب خاصّة شي‌ء ، فإنّ أمّ الزوجة تحرم بسبب زوجيّة البنت وأمومة الامّ معا ، ولذا لا تحرم تلك الامّ لو لا مصاهرة الزوجة ، فسبب تحريم أمّ الزوجة ليس هو النسب خاصّة.

ولذا استشكل في الكفاية في دلالته على تحريم هذا الصنف (١).

وأمّا الثالث ، فلأنّ المتبادر من الابن والامّ والأب ونحوهم : الحقيقي ، وانصرافهم عند الإطلاق إلى الرضاع أيضا غير معلوم.

فالمتّبع في هذا الصنف هو الإجماع ، والله العالم.

الصنف الثالث : أولاد صاحب اللبن والمرضعة.

فإنّهم يحرمون على أب المرتضع مطلقا ، سواء كان ولده أمّ المرتضع أو غيرها على الأظهر الأشهر.

أمّا الأول ، فلصحيح عليّ بن مهزيار : إنّ امرأة أرضعت لي صبيّا فهل يحلّ لي أن أتزوّج ابنة زوجها؟ فقال لي : « ما أجود ما سألت ، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس : حرّمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره » ، فقلت له : إنّ الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي ، هي ابنة غيرها ، قال : « لو كنّ عشرا متفرّقات ما حلّ لك منهنّ شي‌ء وكنّ في موضع بناتك » (٢).

__________________

(١) الكفاية : ١٦٢.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤١ ـ ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ ـ ١٣٢٠ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩١ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ٦ ح ١٠.

٢٨١

وأمّا الثاني ، فلصحيحة عبد الله بن جعفر : امرأة أرضعت ولد الرجل ، هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه المرضعة ، أم لا؟ فوقّع عليه‌السلام : « لا ، لا تحلّ له » (١).

وصحيحة أيّوب : امرأة أرضعت بعض ولدي ، هل يجوز أن أتزوّج بعض ولدها؟ فكتب : « لا يجوز ذلك ، لأنّ ولدها صار بمنزلة ولدك » (٢).

خلافا لجمع ، منهم : الشيخ في المبسوط والقاضي (٣).

استنادا إلى أصالة الإباحة.

وإلى أنّ المحرّم بالرضاع ما يحرم بالنسب ، وهذا ليس من المحرّمات بالنسب.

وفيه : أنّ الأصل مدفوع بما مرّ.

وأنّ عدم كون ذلك من المحرّمات بالنسب يقتضي عدم ثبوت حرمته من مثل قوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ، وذلك لا ينافي ثبوتها من غيره.

فرعان :

أ : قالوا : إنّ تحريم أولاد المرضعة مخصوص بأولادها ولادة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٧ ـ ١٨ ، الفقيه ٣ : ٣٠٦ ـ ١٤٧١ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٦ ـ ١٤٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢١ ـ ١٣٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٢٠١ ـ ٧٢٧ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٤ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٦ ح ١.

(٣) المبسوط ٥ : ٢٩٣ ، القاضي في المهذب ٢ : ١٩٠.

٢٨٢

وأمّا تحريم أولاد صاحب اللبن فيعمّ أولاده ولادة ورضاعا.

أمّا الأول فهو مقتضى الأصل.

وأمّا الثاني ففي التذكرة إجماع علمائنا عليه (١).

وظاهر الكفاية نوع تردّد ، حيث تأمّل في شمول الصحيحة الأولى للأولاد الرضاعيّة (٢).

وهو في موضعه ، لعدم صدق الابنة حقيقة إلاّ على الابنة النسبيّة ، واحتمال كون المشار إليه في قوله : « هذا لبن الفحل لا غيره » هذا المورد الخاصّ.

وعلى هذا ، فلو لم يثبت الإجماع لكانت المسألة مشكلة.

ب : لا يحرم على أبي المرتضع بواسطة الرضاع غير ذلك‌ ، فتحلّ له المرضعة ، لعدم المقتضي له.

ولا أمّها ولا أختها ولا أمّ صاحب اللبن ولا أخته.

كلّ ذلك للأصل ، وقد صرّح به في أمّ المرضعة الشيخ في المبسوط وابن حمزة (٣) وأكثر المتأخّرين (٢).

فإن قيل : إذا كان ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع تكون أمّها بمنزلة جدّة ولده ، وجدّة الولد محرّمة ، وكذا أمّ صاحب اللبن ، وأمّا أخته‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٦٢٢.

(٢) الكفاية : ١٦١.

(٣) المبسوط ٥ : ٣٠٥ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٢.

(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٥٢٠ والسبزواري في الكفاية : ١٦١.

٢٨٣

فهي عمّة ولده ، وعمّة الولد حرام ، لأنّها أخت الأب ، فيلزم التحريم.

قلنا : حرمة جدّة الولد وعمّته ليست لأنّها جدّته وعمّته ولذا يحرمان قبل ولادة الولد أيضا ، [ بل ] (١) أنّها أمّ الزوجة أو أخت نفسه ، والأمران مفقودان في المورد ، مع أنّ الوارد في النصّ : أنّ أولاد المرضعة وصاحب اللبن بمنزلة الولد ، فتكون أمّ المرضعة جدّة من بمنزلة الولد لا جدّة الولد ، ولا نسلّم حرمة جدّة من بمنزلة الولد ، وكذا العمّة وغيرها.

وقد حكي الخلاف في أمّ المرضعة عن الحلّي (٢).

لعموم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ، حيث زعم أنّه من التحريم بالنسب نظرا إلى الأمومة.

وفساده ظاهر ، لأنّها وإن كانت أمّ الزوجة ولكن حرمة أمّ الزوجة بسبب المصاهرة بين الزوج والزوجة ، [ لا أنّها ] (٣) أمّ الزوجة.

وعن المختلف أيضا.

تمسّكا بأنّ المستفاد من التعليل بقوله : « بمنزلة ولدك » اعتبار المنزلة ، وهذه أيضا بمنزلة جدّة الولد (٤).

وفيه أولا : أنّ المعتبر من المنزلة لعلّ هي المنزلة الخاصّة التي ذكرها في النصّ.

وثانيا : أنّ كونها بمنزلة جدّة الولد ممنوع كما مرّ.

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٢) السرائر ٢ : ٥٥٥.

(٣) في النسخ : لأنّهما ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المختلف : ٥٢٠.

٢٨٤

الصنف الرابع : الامّ الرضاعيّة للزوجة.

فإنّها تحرم على الزوج ، للروايات المستفيضة :

كصحيحة الحلبي : « لو أنّ رجلا تزوّج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه » (١).

والأخرى : في رجل تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أمّ ولده ، قال : « تحرم عليه » (٢).

وقريبة منهما صحيحتا ابن سنان (٣) ومحمّد (٤).

والفاسد نكاحه في هذه الروايات وإن كانت مجملة ، إلاّ أنّه يظهر مورده عن رواية ابن مهزيار : قيل له : إنّ رجلا تزوّج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثمَّ أرضعته امرأة له اخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : « أخطأ ابن شبرمة ، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا ، فأمّا الأخيرة لم تحرم عليه ، كأنّها أرضعت ابنته » (٥).

ضابطة : ضابط من يحرم بالرضاع في الصنفين الأولين أن يقال : إنّه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٤٤ ـ ٤ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٤٥ ـ ٦ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٩٣ ـ ١٢٣١ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ١.

(٤) الفقيه ٣ : ٣٠٦ ـ ١٤٧٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٩٩ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٠ ح ١.

(٥) الكافي ٥ : ٤٤٦ ـ ١٣ ، الوسائل ٢٠ : ٤٠٢ أبواب ما يحرم بالرضاع ب ١٤ ح ١.

٢٨٥

تحرم المحارم كلّهنّ من غير استثناء.

نعم ، يجب أن يكون ما أشير إليه ـ من أنّه لا تحصل نظائر القرابات الصهريّة بواسطة الرضاع ـ نصب عينيك ، وتحصل القرابات النسبيّة كلّها بواسطته ، فلو اجتمع نظير القرابة بالرضاع يحصل التحريم ، سواء كانت منفردة أو مع حصول القرابة الصهريّة الحقيقيّة.

وإذا ضمّ ما ذكر مع ما في الصنف الثالث يكون الضابط : المحارم مع تحريم أولاد المرضعة والفحل على أبي المرتضع.

٢٨٦

المطلب الثاني

في ذكر من اختلفوا في حرمته وليس بمحرم‌

وتحقيق المقال فيه : أنّه لا شكّ أنّ المتّبع هو أصل الإباحة ، إلاّ فيما دلّ دليل على التحريم ، ومقتضى حصول التحريم بالرضاع ـ الذي هو ضروريّ الدين ـ ليس إلاّ التحريم في الجملة ، وأمّا ثبوته لخصوص المحالّ فيحتاج إلى الدليل.

والدليل المعيّن لموارد التحريم منحصر فيما مرّ من الإجماع.

وقوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ».

وما ورد في خصوصيّات تلك القرابات كما مرّ.

وما سبق من الأخبار الدالّة على تحريم أولاد الفحل والمرضعة على أب المرتضع.

وما سبق ممّا دلّ على تحريم الامّ الرضاعيّة للزوجة ، لا غير ذلك.

فيجب على الفقيه الاقتصار على الموارد المذكورة.

إلاّ أنّ منهم من تعدّى إلى غيرها.

إمّا لعدم تدبّره في قوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ورأى بعض المحرّمات ، وتوهّم أنّه بواسطة النسب فحكم بمثله في الرضاع.

٢٨٧

أو لملاحظته التعليل المذكور في صحيحتي ابن مهزيار وأيّوب : أنّهم بمنزلة ولدك (١) ، فأثبت المنزلة في غير ذلك أيضا لذلك وحكم فيه بالتحريم.

أو لعموم المنزلة المذكورة ، فأثبت جميع أحكام الولد لمن هو بمنزلته.

وأمّا المتأمّل حقّ تأمّله فيما ثبت من هذه الأمور لم يتعدّ عمّا ذكر.

بيان ذلك : أنّ المراد بقوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » أنّ ما يحرم من جهة النسب وبسببه ، يحرم بحصول مثل ذلك النسب من الرضاع بالرضاع ، والمحرّم من جهة النسب ليس إلاّ القرابات التسع ، فلا يتعدّى إلى غيرهنّ ، ولا يشمل ما يحرم بواسطة النسب والمصاهرة معا كالجدّة الأمّية للولد ، فإنّها ليست محرّمة بالنسب خاصّة ، بل به وبالمصاهرة ، فإنّ حرمتها لأجل أنّها أمّ الزوجة ، والزوجة متقرّبة إلى الزوج بالمصاهرة ، وأمّها إليها بالنسب ، فإنّها تتقرّب إلى الزوج بهما معا لا بالنسب (٢) خاصّة.

وكذا لا يثبت التحريم بواسطة وصف في بعض المنتسبات ليس ذلك الوصف سببا للتحريم ، كأخت الأخ ، فإنّها ليست محرّمة بواسطة أنّها أخت الأخ ، بل بواسطة أنّها أخت ، فلا تحرم الأخت الرضاعيّة للأخ ، لأنّها ليست أختا للأخ الآخر.

وأمّا تعليل المنزلة فلا تثبت منه علّية مطلق المنزلة حتى منزلة غير الولد‌

__________________

(١) المتقدّمتين في ص : ٢٨١ و ٢٨٢.

(٢) في النسخ زيادة : بل لا يكون.

٢٨٨

أيضا ، إلاّ باستنباط علّة ليس عندنا حجّة ، وأمّا عموم المنزلة فهي غير ثابتة ، فلا يحرم غير ما ذكر ممّا اختلفوا فيه أصلا.

ونحن نذكر بعضها ليكون أنموذجا للباقي :

فمنها : أنّه يجوز لإخوة المرتضع نسبا وأخواته نكاح أخواته واخوته رضاعا‌ ، أي أولاد الفحل نسبا ورضاعا وأولاد المرضعة نسبا.

وفاقا للحلّي والقاضي والمحقّق والفاضل في أكثر كتبه والصيمري وفخر المحقّقين والشهيدين (١) ، بل الأكثر ، كما صرّح به جماعة (٢).

للأصل السالم عن المعارض.

وموثّقة إسحاق بن عمّار : في رجل تزوّج أخت أخيه من الرضاعة ، فقال : « ما أحبّ أن أتزوّج أخت أخي من الرضاعة » (٣).

وهو ظاهر في الكراهة ، لعدم تأدية المحرّم بمثل هذه العبارة.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف والنهاية والمبسوط وابن حمزة وقوّاه في الكفاية (٤) ، فقالوا بالتحريم.

__________________

(١) الحليّ في السرائر ٢ : ٥٥٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩١ ، المحقق في الشرائع ٢ : ٢٨٥ ، الفاضل في التحرير ٢ : ٩ والقواعد ٢ : ١١ ونفى عنه البأس في المختلف : ٥٢٠. فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٥٠ ، الشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٥ ) : ١٧١ ، الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٧١.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ١٦١ ، الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٢٣٦ ، صاحب الرياض ٢ : ٩١.

(٣) الكافي ٥ : ٤٤٤ ـ ٢ ، الوسائل ٢٠ : ٣٦٨ أبواب ما يحرم بالنسب ب ٦ ح ٢.

(٤) الخلاف ٢ : ٣١٨ ، النهاية : ٤٦٢ ، المبسوط ٥ : ٢٩٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٢ ، الكفاية : ١٦١.

٢٨٩

استنادا إلى أنّ التعليل المتقدّم في صحيحتي ابن مهزيار وأيوب يقتضي كون أولاد الفحل والمرضعة بمنزلة أولاد أبي المرتضع ، فيكونون اخوة ، فيحرم بعضهم على بعض.

ولأنّ أخت الأخ من النسب محرّم فكذا من الرضاع ، للعموم المتقدّم.

ولأنّ كونهم بمنزلة الولد يقتضي ثبوت جميع أحكام الولد لهم ، لعموم المنزلة ، ومن جملة أحكام الولد : تحريم أولاد الأب عليه.

ويضعّف الأول : بأنّ مقتضى العلّة كونهم بمنزلة الولد ، وهي في محلّ النزاع مفقود ، غايته أنّهم يكونون بمنزلة الاخوة ، والثابت هو حرمة من بمنزلة الولد لا من بمنزلة الإخوة ، مع أنّ كونهم بمنزلة الإخوة أيضا ممنوعة.

والثاني : بمنع حرمة أخت الأخ مطلقا ، كما إذا كان له أخ من أبيه وللأخ أخت من امّه ، فإنّها غير محرّمة.

نعم ، تحرم عليه إذا كانت أختا له ، وهو في المقام مفقود.

والثالث : بمنع عموم المنزلة كما بيّنّا في الأصول ، مع أنّه لو سلّم فالمسلّم منه عمومها بالنسبة إلى أبي المرتضع ، أي ثبوت جميع أحكام الولديّة بالنسبة إليه لا مطلقا ، ولو سلّم مطلقا فيجب التخصيص بغير هذا المورد ، للموثّقة المتقدّمة الظاهرة في نفي الحرمة.

ومنها : أمّ المرضعة بالنسبة إلى أبي المرتضع كما مرّ ذكره.

ومنها : أخوات المرتضع النسبيّة بالنسبة إلى الفحل.

٢٩٠

فيجوز له نكاحهنّ على الأشهر الأظهر ، كما صرّح به بعضهم (١).

للأصل.

وحكي التحريم هنا عن الخلاف والنهاية والحلّي (٢).

لعموم التعليل بثبوت المنزلة ، فقالوا : إنّهنّ بمنزلة أولاد الفحل أيضا ، لأنّ أولاد الفحل بمنزلة أولاد أبي المرتضع بالنصّ.

وجوابه : منع التلازم.

وهذه الموارد الثلاثة هي عمدة ما وقع الخلاف فيه ، وأمّا ما عداها فلا خلاف يعتدّ به فيه بين الأصحاب في عدم الحكم بالحرمة.

ومنها : جدّات المرتضع بالنسبة إلى صاحب اللبن.

فإنّه يجوز له تزويجهنّ ، صرّح به الشيخ في المبسوط والمحقّق الشيخ علي (٣).

وحكى السيّد الداماد في رسالته الرضاعيّة التحريم عن الحلّي والفاضل في المختلف والتذكرة وولده في الإيضاح والشهيد في غاية المراد وصاحب التنقيح (٤) ، واختاره هو أيضا.

لكونهنّ بمنزلة جدّات الولد النسبي ، فهي محرّمة إمّا بمدلول : « يحرم‌

__________________

(١) كما في الرياض ٢ : ٩١.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١٨ ، النهاية : ٤٦٢ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٥.

(٣) المبسوط ٥ : ٣٠٥ ، المحقق الشيخ علي في جامع المقاصد ١٢ : ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٦ ورسالته الرضاعيّة ( رسائل المحقّق الكركي ١ ) : ٢١٥.

(٤) الرسالة الرضاعيّة ( كلمات المحقّقين ) : ٩ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٥٥٥ ، المختلف : ٥٢٠ ، التذكرة ٢ : ٦٢٢ ، الإيضاح ٣ : ٥٣ ، التنقيح ٣ : ٥٣.

٢٩١

من الرضاع ما يحرم من النسب » أو لعموم التعليل.

وجوابهما يظهر ممّا سبق.

ومنها : المرضعة بالنسبة إلى جدّ المرتضع.

فإنّه يجوز له نكاحها.

وربّما يتوهّم التحريم ، نظرا إلى أنّها تصير أمّ ولد الولد ، وهي إمّا بنت جدّ المرتضع أو زوجة ولده ، وكلتاهما محرّمتان.

ودفعه ظاهر ممّا مرّ.

ولو كانت تلك المرضعة زوجة لهذا الجدّ ، كأن ترضع زوجتك ولد ولدها ذكرا كان أو أنثى تصير زوجتك جدّة ولدك ، لأنّ الرضيع يصير ولدك.

ويلزم على ما توهّم تحريم زوجتك عليك ، لأنّ جدّة الولد محرّمة ، بل يلزم التحريم لو أرضعت ولد ولدها من غيرك ، لذلك.

وفساده واضح.

ومن هذا الباب أيضا : ما أن ترضع امرأتك بلبنك أخاك أو أختك أو أخاها أو أختها ، فإنّها على الأول تصير أمّ أخيك ، وعلى الثاني أخت ولدك.

أو أرضعت ولد أخيها ، فتصير عمّة ولدك.

أو ولد أختها ، فتصير خالة ولدك.

أو أرضعت عمّها أو عمّتها ، فتصير بنت أخي ولدك.

٢٩٢

أو خالها أو خالتها ، فتصير بنت أخته.

أو عمّك أو عمّتك فتصير أمّ عمك أو عمّتك.

إلى غير ذلك من الصور المتصوّرة.

ولا تحريم في شي‌ء منها ، لما مرّ.

٢٩٣

البحث الثالث

في سائر الأحكام المتعلّقة بالرضاع‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الرضاع الذي يحرّم النكاح على تقدير سبقه عليه يبطله على تقدير لحوقه.

بلا خلاف كما صرّح به بعضهم (١) ، واتّفاقا كما قاله بعض آخر (٢) ، بل هو إجماعيّ حقيقة ، فهو الحجّة فيه.

مضافا إلى عموم النصوص وخصوص المستفيضة المتقدّمة (٣) في تحريم الزوجتين المرتضعة إحداهما من الأخرى على الزوج بضميمة عدم الفصل.

ويترتّب على ذلك مسائل كثيرة :

منها : تحريم زوجة أبي المرتضع عليه لو أرضعته جدّته لامّه ، سواء كان بلبن جدّه أو غيره ، أو أرضعته بعض نساء جدّه لأمّه بلبنه وإن لم تكن جدّة للمرتضع.

وهو يترتّب على تحريم الصنف الثالث ، لأنّ الزوجة على الأول‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٩٢.

(٢) انظر كشف اللثام ٢ : ٣١.

(٣) في ص : ٢٨٥.

٢٩٤

تكون من أولاد المرضعة ، وعلى الثاني من أولاد الفحل ، وقد عرفت تحريمهما على أبي المرتضع.

ومنها : ما لو تزوّج أحد صغيرة ، وكانت له زوجة كبيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة ، قالوا : فإن كان بلبنه حرمتا عليه مؤبّدا مطلقا ، لصيرورة الكبيرة الامّ الرضاعيّة للزوجة الحقيقيّة ، والصغيرة بنتها ، بل ولده.

وإن كان بلبن غيره حرمتا كذلك مع الدخول بالكبير ، لصيرورة الكبيرة أمّ الزوجة والصغيرة بنتها ، وتحرم البنت مع الدخول بالأمّ ، وحرمت الكبيرة خاصّة مع عدم الدخول ، لعدم تحريم البنت بمجرّد العقد على الأمّ.

أقول : الوجه في تحريم الصغيرة مؤبّدا على الفرضين الأولين واضح ، لصيرورتها بنتا له على الأول ، وبنت الزوجة المدخولة على الثاني.

وكذا في تحريم الجمع بينهما على الثالث ، لاستلزامه الجمع بين الامّ والبنت.

وأمّا الوجه الذي ذكروه في تحريم الكبيرة على الأولين وتحريم كلّ منهما منفردة أيضا على الثالث فغير معلوم عندي ، أمّا الأولان فلأنّ صيرورة الكبيرة أمّ الزوجة موقوفة على كون الصغيرة زوجة في آن صيرورة الكبيرة أمّا لها ، وكون الصغيرة زوجة على عدم صيرورة الكبيرة أمّا ، فيمتنع اجتماعهما في آن.

والحاصل : أنّه ترتفع زوجيّة الصغيرة وتتحقّق أمومة الكبيرة في آن‌

٢٩٥

واحد ، فلم تكن الكبيرة أمّ الزوجة أصلا.

ومنه يظهر وجه الخدش في الثالث أيضا.

ولذا حكم بعضهم بحرمة إحدى الزوجتين خاصّة في جميع الصور واحتمل القرعة ، فمن أخرجتها صحّ نكاحها وفسد نكاح الأخرى.

وردّ : بأنّ الروايات المتقدّمة في الصنف الثالث (١) تدلّ على حرمة نكاحهما من غير فرقة (٢).

أقول : أكثر الروايات المتقدّمة الواردة في تلك المسألة غير ناهضة لإثبات تمام الحكم ، لإجمال مرجع الضمير.

نعم ، تدلّ رواية ابن مهزيار (٣) على حرمتهما معا ، إلاّ أنّها مخصوصة بصورة الدخول بقرينة الحكم بتحريمهما معا ، بل بصورة كون اللبن منه ، لقوله أخيرا : « كأنّها أرضعت ابنته » كما في التهذيب ، وهو الصحيح ، لا : « ابنتها » كما في بعض النسخ الأخر.

فلا شكّ في تحريمهما معا فيما إذا كان اللبن من هذا الزوج ، لأجل الرواية ، ولا في جمعهما مطلقا ، ولا في تحريم الصغيرة مع الدخول وإن كان الرضاع بلبن غيره.

بقي الكلام في تحريم الكبيرة مع إرضاعها بلبن الغير مع الدخول ، وفي تحريم كلّ منهما منفردة حينئذ مع عدم الدخول ، ولا دليل تامّا عليه ، والقياس بصورة كون اللبن منه باطل ، وما يتوهّم تعليلا لحرمتهما في‌

__________________

(١) راجع ص : ٢٨١ و ٢٨٢.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٩٢.

(٣) المتقدّمة في ص : ٢٨٥.

٢٩٦

موردها مستنبط ، والإجماع على الحكمين ـ كما عن الإيضاح (١) ـ غير ثابت.

فالحقّ : عدم تحريم الكبيرة مع كون اللبن عن الغير وإن دخل ، ولا كلّ منهما منفردة مع كون اللبن من الغير وعدم الدخول ، فلا يفسد نكاح الكبيرة في الأول ، وله تجديد نكاح كلّ منهما أراد في الثاني.

نعم ، لا يمكن أخذ إحداهما حينئذ بالنكاح السابق ، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح ، إلاّ أن يقال بالتخيير ، ولا بأس به.

ومنها : ما لو طلّق زوجته المرضعة وتزوّجت بصغير فأرضعته ، فتحرم على الصغير ، لصيرورته ولدها.

وقالوا : تحرم على الزوج الأول ، فلا يجوز له نكاحها ثانيا ، لأنّها زوجة ولده.

ويظهر الخدش فيه أيضا ممّا مرّ.

المسألة الثانية : لو شكّ في عدد الرضاع أو الإنبات أو إتمام اليوم والليلة‌ ، لا يحرم ، للعمل بالأصل.

ولو شكّ في كونه في الحولين أو بعده : فإن علم مبدأ ولادة الطفل يحكم بأصالة تأخّر الرضاع.

وإن علم وقت الرضاع يحكم بأصالة تأخّر حلول الحولين ،

__________________

(١) الإيضاح ٣ : ٥١ و ٥٢.

٢٩٧

ولا تعارضها أصالة الإباحة وحرمة النظر ، لأنّ الأصل الأول رافع لذلك الأصل مزيل له.

وإن لم يعلم شي‌ء منهما يحكم بعدم الحرمة ، للأصل.

ولو شكّ في تخلّل الأكل أو رضعة اخرى فالأصل عدمه.

ولو شكّ في كمال الرضعة فيعارض استصحاب الارتضاع حتى يروى واستصحاب عدم المصّ الجديد وعدم حصول بقيّة الارتضاع ، فيرجع إلى أصل الإباحة.

المسألة الثالثة : لا تقبل الشهادة بالرضاع إلاّ مفصّلة ، للاختلاف الكثير في الشرائط المعتبرة فيه ، إلاّ مع العلم بالاتّفاق في الشرائط.

وهل يشترط أن يضيف إلى ذلك وصول اللبن إلى جوفه؟

فيه قولان ، والأقرب : العدم.

إذ لا طريق إلى العلم به إلاّ بمشاهدة الامتصاص وحركة الحلق وقد شهد بهما.

نعم ، لا بدّ مع ذلك من التصريح بحصول الرضاع ، ولا تكفي حكاية القرائن.

ولا يشترط التفصيل في الإقرار.

لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ».

وكذا في الشهادة على إقرار المقرّ به.

٢٩٨

الفصل الثالث

في المصاهرة‌

وهي علاقة تحدث بين الزوجين وبين أقرباء كلّ منهما بسبب النكاح توجب الحرمة ، ويلحق بالنكاح : الوطء والنظر واللمس على وجه مخصوص.

فهاهنا فصول :

الفصل الأول

في الحرمة الحاصلة بالمصاهرة الحقيقيّة‌

أي النكاح الذي هو حقيقة في العقد.

والمحرّم بسببه على قسمين : لأنّه إمّا يحرم به عينا ، أي يحرم حراما مؤبّدا لا يحلّ أبدا.

أو جمعا ، أي يحرم جمعه مع المعقود عليها أولا وإن جاز نكاحه منفردا. وهذا أيضا على قسمين : لأنّه إمّا يحرم جمعا مطلقا.

أو يحرم الجمع بدون رضاء المعقود عليها أولا ويحلّ معه.

٢٩٩

فهذه ثلاثة أقسام :

القسم الأول : في بيان من يحرم نكاحها بمجرّد العقد عينا.

وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : تحرم بمجرّد العقد تحريما مؤبّدا زوجة الأب والجد وإن علا من الأب والامّ ، وزوجة الابن فنازلا وإن كان ابن البنت وإن لم يدخل بها.

بالإجماع من المسلمين ، وهو الحجّة المغنية عن مئونة تكثير الأدلّة.

مضافا إلى قوله سبحانه ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (١).

والنكاح حقيقة في العقد ، كما مرّ.

وقوله سبحانه ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) (٢).

والحليلة هي : المعقودة عليها لحلّية وطئها.

وفي صحيحة محمّد : « ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه » (٣).

المسألة الثانية : تحرم أمّ المعقودة عليها ، سواء دخل ببنتها أم لا ،

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الكافي ٥ : ٤٢٠ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٢٨١ ـ ١١٩٠ ، الاستبصار ٣ : ١٥٥ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٢ : ٤١٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢ ح ١.

٣٠٠