مستند الشّيعة - ج ١٦

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٦

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-125-7
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٣٥٧

وأمّا توهّم أنّ سبب الفرق بين الجانب اللاّزم وغير اللاّزم في تحريم المصاهرة في الأول لزوم العقد بالنسبة إليه.

فليس بجيّد ، إذ لو كان النظر إلى صدق التزويج والنكاح فنسبته إليهما سواء ، ولو كان إلى تبادر التزويج اللاّزم فلو سلّم فالمتبادر هو اللاّزم من الطرفين ، وأمّا من الطرف الواحد فكالمتزلزل من الطرفين ، فالسبب في عدم التحريم في جانب غير اللاّزم هو ما مرّ.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال أيضا : إنّ المتبادر من النكاح والتزويج والزوجة والعقد هو ما كان لازما من الطرفين أو واقعا منهما أصالة أو وكالة دون نحو ذلك (١).

مع أنّه لو أفاد هذا الصدق لزم حرمة تزويج المعقودة فضولا على أب الزوج وابنه ونحو ذلك ممّا هو باطل قطعا ، وإلاّ لأمكن لكلّ أحد تحريم كلّ امرأة على أبيه أو ابنه ، ونحو ذلك لو أراد.

وقد يستدلّ على تحريم المصاهرة بأنّه قد صرّح في الأخبار المتقدّمة بأنّه : « لا خيار عليها » ومقتضى جواز المصاهرة ثبوت الخيار ، إذا لو جازت لجاز له نكاح بنتها وأمّها ووطؤهما ، ولو وطئ إحداهما لم تؤثّر إجازة المعقودة ، لحرمة بنت الموطوءة وأمّها ، وهو عين ثبوت الخيار عليها ، ويثبت تمام المطلوب بعدم الفصل.

وفيه : أنّ هذا يتمّ لو كان الوطء سابقا على العقد الفضولي ، وأمّا بعده فلا نسلّم الحرمة.

__________________

(١) في « ح » زيادة : سيّما على القول بالكشف مع أصالة عدم تحقّق الزوجية.

٢٠١

وقد يستدلّ أيضا بأنّه يمكن أن يكون النكاح اللازم واقعا فكشفت عنه الإجازة.

وفيه : أنّ الأصل عدم وقوعه وعدم تحقّق الإجازة.

وبالجملة : لا دليل تامّا على تحريم المصاهرة ، وأقرب الأدلّة إلى التمام هو : الأول من صدق الزوجيّة والنكاح ، فينبغي أن يكون هو الدليل ، ويمنع التبادر المذكور ، سيّما مع أنّ الفضوليّ كثير ، كما تشهد به الأخبار ، ويستند فيما يقطع بعدم تحريمه من تزويج الأب والابن ونحوهما بالإجماع.

ى : لو فسخ المعقود فضولا العقد ، فلا شكّ في حليّة جميع ما مرّ من المصاهرات حتى تزويج البنت.

لكون الامّ غير مدخولة.

إلاّ في الأمّ ، فإنّ فيها إشكالا ، يعني : إذا كانت المعقودة فضولا البنت ففي تحريم أمّها ـ بعد تحقّق الفسخ من البنت ـ إشكال.

نظرا إلى أنّ حرمة أمّ الزوجة ليست مشروطة بالدخول ببنتها على الأصحّ ، ولا ببقاء زوجيّة البنت ، بل هي محرّمة أبدا ، ويصدق عليها أنّها أمّ زوجته بالعقد الصحيح.

وإلى أنّ الفسخ يرفع النكاح من أصله ، فهو كاشف عن الفساد من أصله ، سواء قلنا : إنّ الإجازة كاشفة أو ناقلة ، فوجود النكاح كعدمه.

وأيضا تحريم الأمّ إنّما هو بالعقد الصحيح ، وهو موقوف على إيجاب وقبول صحيحين ، والمفروض عدمه عن جانب الزوجة ، فوجوده حينئذ كعدمه ، ولا ينفع القبول وحده.

٢٠٢

والأظهر هو : الأول.

لما مرّ من صدق أمّ الزوجة بالعقد الصحيح اللاّزم بالنسبة إليه ، ولا يضرّ كشف الفسخ عن الفساد من أصله ، لأنّ المسلّم من الكشف أنّه ينكشف عدم تحقّق الزوجيّة اللاّزمة من الطرفين ، أو عدم تحقّق ما تترتّب عليه جميع الآثار أولا ، لا أنّه لم يتحقّق نكاح وزوجيّة أصلا ، كيف؟! وهو أمر مشاهد أنّه تحقّق العقد الفضوليّ من جانب اللاّزم من آخر وكانت له آثار مترتّبة عليه قطعا ، من تأثير الإجازة لو تعقّبته ، وتحريم المصاهرة على الطرف اللاّزم قبل الفسخ ، ونحو ذلك.

وهذا القدر من صدق التزويج والنكاح كاف ، ولو لا كفايته يلزم عدم تحريم المصاهرة مطلقا قبل الفسخ أيضا.

أمّا على كون الإجازة ناقلة ، فلعدم تحقّق الجزء ، وعدم تحقّق الإيجاب والقبول الصحيحين.

وأمّا على كونها كاشفة ، فلعدم العلم بتحقّق الزوجيّة ، فيستصحب عدم تحقّقها ، وحلّية الأخت والبنت وغيرهما.

والعجب من بعض من يقول بتحريم المصاهرة قبل الفسخ (١) ، مستدلا بأنّه نكاح صحيح لازم من جانبه ، وعدم تحريم الامّ بعد الفسخ ، تمسّكا بعدم حصول الإيجاب والقبول الصحيحين.

ومن هذا يظهر عدم جواز نكاح الامّ لو ماتت الزوجة قبل الردّ أو الإجازة أيضا.

يا : إذا كان العقد لازما من جانب الزوج فضوليّا عن الزوجة ، فهل‌

__________________

(١) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٥٩ ، ١٦٠.

٢٠٣

يصحّ للزوج الطلاق قبل إجازة الزوجة أم لا؟

قيل : لا ، لأنّ وضع الطلاق إنما هو لرفع نكاح ثابت ، والفضولي ليس كذلك ، إذ النكاح الثابت لا يحصل إلاّ بإذن المرأة أولا أو إجازتها ثانيا ، ولا معنى لثبوته من طرف واحد.

وأمّا ما قيل من أنّ النكاح لازم من جهة الزوج وله طريق إلى رفعه بالطلاق ، لأنّه لا معنى لثبوت نكاح ولزومه مع عدم جواز الطلاق ، ولم يرد مثله في الشرع.

ففيه : أنّ المسلّم ممّا ورد في الشرع جواز الطلاق على النكاح الثابت من الطرفين لا من طرف واحد ، وعدم تصريح الشرع بعدم الجواز لا يستلزم التصريح بجوازه ، والمحتاج إليه في التوقيفيّات هو الثاني.

وأمّا ما قد يقال من أنّا إن قلنا : إنّ الإجازة كاشفة ، نقول : إنّ الطلاق حينئذ يكون مراعى ، فإن أجازت فقد وقع الطلاق ، وإن فسخت تبيّن بطلان النكاح والطلاق معا.

ففيه : منع صحّة الطلاق مراعى بالإجازة ، بل الظاهر أنّ بطلانه إجماعي.

أقول : المسلّم أنّ وضع الطلاق إنّما هو لرفع النكاح الصحيح ، وأمّا أنّه رفع النكاح اللازم من الطرفين فلا ، وأيّ دليل يدلّ عليه؟! فإن قيل : الجواز يحتاج إلى دليل.

قلنا : الدليل إطلاق مثل قوله : « إنّما الطلاق بعد النكاح » ، و : « لا يكون طلاق إلاّ بعد نكاح » (١) ، ونحو ذلك ، فإن شككت في صدق‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٢٢ : ٣١ أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب ١٢.

٢٠٤

النكاح على ذلك أو ظننت تبادر اللازم من الطرفين منه ، فيلزم عليك مثله في تحريم المصاهرة قبل الفسخ ، مع أنّ هذا القائل يحرّمها ، لصدق النكاح والزوجة ونحوهما.

وبالجملة : إنّي لا أفهم فرقا من حيث التوقّف على النكاح بين هذا الفرع وبين فرع تحريم المصاهرة.

نعم ، يمكن التفرقة من وجه آخر ، وهو أنّ ثمرة الطلاق ـ بل معناه ـ هو جعل الزوجة خليّة مختارة لنفسها مطلقة عنانها ، وهي هنا كذلك قبل الطلاق أيضا ، فلا معنى لوقوع الطلاق عليها.

مضافا إلى ما في موثّقة سماعة : « ولا طلاق إلاّ بعد ما يملك الرجل » (١).

وفي رواية محمّد بن قيس : « لا يطلّق إلاّ ما يملك » (٢).

ولا ريب أنّه ما دامت الزوجة مختارة ولم يلزم النكاح من جانبها لا يصدق أنّه يملك ، فلا يكون طلاق ، ومن هذا الطريق يقوى جانب عدم صحّة الطلاق.

يب : لو زوّج أحد امرأة فضولا ، ولم تعلم به الامرأة ، فتزوّجت بغيره لزوما ، فلا ينبغي الريب في صحّة ذلك العقد كما مرّ.

ثمَّ إذا اطّلعت على أنّه عقد عليها فضولا أيضا ، فهل يجوز لها إمضاء الفضوليّ وفسخ النكاح المتأخّر؟

أو لا ، بل المتأخّر لازم؟

__________________

(١) الكافي ٦ : ٦٣ ـ ٢ ، الوسائل ٢٢ : ٣٣ أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب ١٢ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٦ : ٦٣ ـ ٥ ، الوسائل ٢٢ : ٣٢ أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب ١٢ ح ٢.

٢٠٥

الظاهر هو : الثاني ، إذ تأثير الإجازة في لزوم الفضوليّ إذا لم يمنع منه مانع ، وهو هنا موجود ، لاستلزامه إمّا تزويج زوجة واحدة بزوجين في زمان واحد ، أو بطلان نكاح لازم ، أو تحقّق خيار الفسخ فيه من غير دليل ، والكلّ باطل.

فإن قيل : عمومات تأثير الإجازة تصلح دليلا له.

قلنا : أين العموم الشامل لمثل ذلك المورد؟! غايته العموم بتوسّط ترك الاستفصال الغير الجاري في الفروض النادرة قطعا ، سيّما مع قيام القرائن في أكثر تلك الموارد أو جميعها على عدم كونها ممّا نحن فيه ، ولو كانت الإجازة مؤثّرة في المقام لأثّرت فيما إذا وقع الفضولي بعد النكاح اللاّزم أيضا ، وبطلانه ظاهر.

ومنه يظهر الحال فيما لو زوّج الفضوليّ رجلا بامرأة ، وزوّج هو نفسه أمّها أو أختها جهلا.

مسألة : إذا كان هناك جدّ وأب وزوّجا من عليه الولاية لهما بشخصين : فإن اختلفا زمانا فالعقد للسابق منهما وإن كان أبا ، سواء علم كلّ منهما بعقد الآخر أم لا ، بالإجماع كما عن السرائر والغنية والتذكرة (١).

لصحيحة هشام وابن حكيم : « إذا زوّج الأب والجدّ كان التزويج للأول ، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجدّ أولى » (٢).

وموثّقة عبيد : الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر ، فقال : « الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّا إن لم‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٥٦١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٤٠٩ ، التذكرة ٢ : ٥٩٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩٥ ـ ٤ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ ـ ١١٩٣ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ ـ ١٥٦٢ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ٣.

٢٠٦

يكن الأب زوّجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ » (١).

وإن اقترنا ثبت عقد الجدّ إجماعا أيضا ، كما عن الكتب الثلاثة ، وفي الروضة : لا نعلم فيه خلافا (٢).

للروايتين المتقدّمتين ، والمذكور فيهما وإن كان مجرّد الأولويّة ـ وهي غير صريحة في التعيين ـ إلاّ أنّها مرجّحة لعقد الجدّ ودالّة على صحّته ، وأمّا صحّة عقد الأب فغير معلومة.

والتوضيح : أنّ مع اقتران العقدين لا يمكن الحكم بصحّتهما : فإمّا يبطلان معا.

أو يصحّ أحدهما لا على التعيين ، بمعنى : تخيّر المعقود عليه في التعيين.

أو يصحّ أحدهما معيّنا.

والأول خلاف الأصل ـ وإنّما كان يحكم به في عقدي الوكيلين المقترنين ، لعدم المرجّح ، وهو هنا موجود ، وهو تصريح الشارع بأولويّة عقد الجدّ ـ بل خلاف مدلول الأخبار أيضا.

والثاني أيضا خلاف الأصل ، لأنّ تأثير اختيار المعقود عليه في صحّة العقد أمر مخالف للأصل.

فتعيّن الثالث ، ولا ضير فيه ، وعدم إمكانه في عقد الوكيلين لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح ، وهو هنا غير لازم ، فيجب ترجيح ما رجّحه الشارع ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٩٥ ـ ١ ، الفقيه ٣ : ٢٥٠ ـ ١١٩٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ ـ ١٥٦٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ٢.

(٢) الروضة ٥ : ١٤٩.

٢٠٧

لمعلوميّة صحّته دون غيره.

ولو تشاحّا قبل العقد ، قالوا : يقدّم اختيار الجدّ ، بل عليه الإجماع عن الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر والتذكرة (١).

وتدلّ عليه الموثّقة السابقة ، وصحيحة محمّد : فقلت : فإن هوى أبوها رجلا وجدّها رجلا ، فقال : « الجدّ أولى بنكاحها » (٢).

وليس مرادهم بتقديم اختياره سقوط ولاية الأب ، للاتّفاق على صحّة عقده لو سبق على الجدّ وعقد.

فالمراد : إمّا وجوب تقديمه الجدّ ، أو استحباب ذلك ، والأخبار قاصرة عن إفادة الأول ، فالظاهر هو الثاني ، أي يستحبّ للأب ترك التشاحّ وتفويض الأمر إلى الجدّ ، ويشعر بذلك قوله في آخر الموثّقة : « ويجوز عليها تزويج الأب والجدّ » بعد تصريحه بأولوية الجدّ.

بل تصرّح به موثّقة البقباق : فإن هوي أبو الجارية هوى وهوى الجدّ هوى وهما سواء في العدل والرضا ، قال : « أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ » (٣).

مسألة : لو وكّلت رجلين وزوّجاها بشخصين :

فإن سبق أحدهما بالنكاح فالعقد له مطلقا وبطل المتأخّر كذلك ،

__________________

(١) الانتصار : ١٢١ ، الخلاف ٤ : ٢٦٩ ، المبسوط ٤ : ١٧٦ ، السرائر ٢ : ٥٦١ ، التذكرة ٢ : ٥٩٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٩٠ ـ ١٥٦١ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٩ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ١.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٦ ـ ٥ ، التهذيب ٧ : ٣٩١ ـ ١٥٦٤ ، الوسائل ٢٠ : ٢٩٠ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ١١ ح ٤.

٢٠٨

دخل بها المتأخّر أم لا ، لوقوع الأول صحيحا ، والثاني باطلا لوقوعه عليها وهي في عصمة الأول ، وتعاد إلى الأول حينئذ مع عدم الدخول ، وبعد انقضاء العدّة من الثاني لوطء الشبهة مع جهلهما أو جهل الواطئ خاصّة مع الدخول ، ويكون المهر لها على الأول أو جهلها خاصّة دون الثاني ، لكونها بغيّا لا مهر لها ، وكذا مع علمهما.

وهل ما يكون لها هو مهر المثل ، كما عن جماعة ، منهم : المبسوط والتحرير (١)؟

أم المسمّى ، كما عن محتمل التذكرة (٢)؟

مقتضى الأصل : الأول ، لعدم دليل على لزوم المسمّى ، وإقدامها بالرضا به لا يفيد ، للأصل ، وإناطة الرضا بالصحّة لا مطلقا فهو الأظهر.

وأمّا ما في خبر محمّد بن قيس : « إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلا ، ثمَّ أنكحتها أمّها رجلا بعد ذلك ، فدخل بها فحبلت فاحتقّا فيها ، فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول وجعل لها الصداقين جميعا ، ومنع زوجها الذي حقّت له أن يدخل بها حتى تضع حملها ، ثمَّ ألحق بأبيه الولد » (٣).

والمحمول على صورة وكالة العاقدين ، وإن كان الظاهر منه المسمّى ، إلاّ أنّه ـ لكونه قضيّة في واقعة مخصوصة ـ يحتمل أن يكون المسمّى هو مهر المثل ، كما هو الغالب أيضا ، فلا يفيد شيئا.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨٢ ، التحرير ٢ : ٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٥٩٧.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٦ ـ ١ ، التهذيب ٧ : ٣٨٦ ـ ١٥٥٢ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٠ ـ ٨٥٩ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٠ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٧ ح ٢.

٢٠٩

وإن اقترنا زمانا بطلا إجماعا ـ فيما عدا الأخوين ـ لامتناع الحكم بصحّتهما ، ولا بصحّة أحدهما معيّنا ، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح ، ولا غير معيّن بأن يكون لها التخيير ، لأصالة عدم تأثير التخيير في التعيين.

ولا مهر على أحد ولا ميراث لأحد منهما ولا منه.

وعن المختلف : نفي البعد عن أن يكون لها الخيار الذي يكون في الفضولي ، لزوال ولاية كلّ منهما ، لوقوع عقده حال عقد الآخر فيكونان فضوليّين (١).

وفيه : منع إيجاب ما ذكر لزوال الولاية.

وأمّا في الأخوين ففيه يأتي.

مسألة : لو زوّجها الأخوان برجلين : فإن لم يكونا وكيلين فالعقدان فضوليّان ، اختارت أيّهما شاءت وإن شاءت فسخهما ، اقترنا زمانا أو اختلفا.

ولكن ينبغي لها اختيار من عقد عليه الأكبر منهما مع تساوي المعقود عليهما في الرجحان الشرعي ، كما ذكره جماعة (٢).

لخبر وليد : عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة وزوّجها الأصغر بأرض أخرى ، قال : « الأول بها أولى ، إلاّ أن يكون الأخير قد دخل بها ، فهي امرأته ونكاحه جائز » (٣).

__________________

(١) المختلف : ٥٣٧.

(٢) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٥ : ١٥١ ، صاحب الرياض ٢ : ٨٣.

(٣) الكافي ٥ : ٣٩٦ ـ ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٨٧ ـ ١٥٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٩ ـ ٨٥٨ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨١ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٧ ح ٤.

٢١٠

وفي دلالته نظر ، لاحتمال أن يكون الترجيح باعتبار الأوليّة دون الأكبريّة ، إلاّ أنّ فتوى جمع من الأصحاب ـ سيّما مع ما ورد من أنّ : « الأخ الأكبر بمنزلة الأب » (١) ـ [ تقتضي أن يكون الاعتبار بالأكبريّة ] (٢).

ثمَّ إنّ كلّ ذلك إذا لم تدخل بأحدهما.

وأمّا معه قبل الإجازة بلفظ ونحوه ، ثبت عقد من دخلت به وبطل الآخر.

لأنّه أقوى الإجازات.

ولرواية الوليد المذكورة.

وإن كانا وكيلين فكالأجنبيّين الوكيلين على الأظهر الأشهر ، وقد مرّ.

خلافا للمحكيّ عن النهاية والقاضي (٣) ، فالعقد عقد أكبرهما مطلقا ، اقترنا زمانا أم اختلفا ، إلاّ مع دخول من عقد عليه الأصغر ـ لا مع سبق عقد الأكبر ـ فيقدّم عقد الأصغر.

وعن ابن حمزة (٤) ، فيقدّم عقد الأكبر مع الاقتران مطلقا.

وعن التهذيبين والمختلف وابن سعيد (٥) ، فكذلك ، إلاّ مع دخول من عقد عليه الأصغر.

ولم أعثر على دليل لشي‌ء من هذه الأقوال ، إلاّ خبر وليد المذكور.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٩٣ ـ ١٥٧٦ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٠ ـ ٨٦٠ ، الوسائل ٢٠ : ٢٨٣ أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٨ ح ٦.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٣) النهاية : ٤٦٦ ، القاضي في المهذّب ٢ : ١٩٥.

(٤) الوسيلة : ٣٠٠.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٢٤٠ ، المختلف : ٥٣٧ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٧.

٢١١

وفيه ـ مع عدم انطباقه على شي‌ء من الأقوال ـ أنّ مبنى الاستدلال عليه على كون المراد من الأول الأخ الأكبر وكون الأخوين فيه وكيلين ، ولا إشعار بشي‌ء من الأمرين فيه أصلا ، فيحتمل كونهما فضوليّين ، كما يقتضيه الأصل والإطلاق والظاهر وأصول المذهب ، إذ يصحّ الحكم حينئذ بتقديم من حصل في حقّه الدخول ، لكونه إجازة ، ويرفع الإشكال في تقديم الأول مع عدم الدخول ، لكونه على سبيل الاستحباب.

مسألة : لو زوّج الوكيلان أو الوليّان وجهل السبق والاقتران‌ ، أو علم السبق وجهل السابق منهما ابتداء أو نسيانا : فعن المبسوط والتحرير : أنّه يوقف النكاح حتى يتبيّن ، لأنّه إشكال يرجى زواله (١).

وذهب جماعة إلى عدم الإيقاف ، لأنّه ربما لا يزول ، وفيه إضرار بالمرأة عظيم (٢).

وهو بالأدلّة القطعيّة منفي.

ثمَّ على القول بعدم الإيقاف : ففي بطلان النكاح.

أو الرجوع إلى القرعة.

أو فسخ الحاكم للنكاحين.

أو جبرهما على الطلاق.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨١ ، التحرير ٢ : ٨.

(٢) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٢٥ وصاحب الرياض ٢ : ٨٤.

٢١٢

احتمالات أربعة ، ذكرها في الكفاية (١) وغيره (٢).

والأول محكيّ عن المبسوط والتحرير (٣).

والثاني جوّزه في القواعد والتذكرة (٤).

والأخيران في القواعد (٥) ، وقوّى في التذكرة الأخير (٦).

والحقّ : أنّ المجهول إن كان السبق والاقتران وكان العاقدان غير الأب والجدّ معا لا يجب الإيقاف ويبطل النكاح.

لأصالة عدم سبق أحدهما فيقترنان فيبطلان.

ولأصالة عدم تحقّق الزوجيّة وعدم حلّية البضع إلى أن يتيقّن النكاح الصحيح.

وكون الاقتران مخالفا للظاهر لا يفيد ، لترجيح الأصل على الظاهر.

وأصالة عدم صحّة نكاح آخر إذا وقع بعدهما لاحتمال صحّة أحد النكاحين غير نافعة ، لأنّ الأصل الأول مزيل لذلك الأصل ، فإنّ بعد جريان الأصل الأول لا يبقى شكّ في صحّة النكاح اللاّحق ، وهذا من باب تعارض الأصلين اللذين يكون أحدهما مزيلا للآخر ولا عكس ، فيجب تقديم المزيل.

وإن كان المجهول السبق والاقتران في عقد الأب والجدّ معا ، أو كان‌

__________________

(١) الكفاية : ١٥٧.

(٢) كالمسالك ١ : ٤٦٢.

(٣) المبسوط ٤ : ١٨١ ، التحرير ٢ : ٨.

(٤) القواعد ٢ : ٨ ، التذكرة ٢ : ٥٩٧.

(٥) القواعد ٢ : ٨.

(٦) التذكرة ٢ : ٥٩٧.

٢١٣

المجهول السابق مع العلم بسبق أحدهما ، فإن يرج زوال الاشتباه من غير ضرر وجرح يجب ، لعدم الدليل على أمر آخر غيره حتى القرعة ، لعدم كون مثل ذلك مشكلا بل ولا مجهولا ، فيستصحب كونها مزوّجة لأحدهما.

وإن لم يرج ـ إمّا مطلقا ، أو إلاّ مع ضرر ، أو حرج ومشقّة ـ لا يوقف ، لنفي هذه الأمور في الشريعة ، بل تجب القرعة ، لأنّها لكلّ أمر مشكل ، وفي رواية محمّد بن حكيم : « في كلّ أمر مجهول القرعة » (١) ، فيحكم بزوجيّة من وقعت عليه ويردّ الآخر ، ولا يصغى إلى من ينفيها ، لكون المقام مقام الاحتياط ، ولا يحصل العلم من القرعة ، لأنّه اجتهاد في مقابلة الدليل ، ولو صحّ ذلك لزم عدم الحكم باليمين والبيّنة في الأنكحة أيضا.

وأمّا الاحتمالان الآخران ، فلا دليل عليهما مع كونهما مخالفين للأصل محتاجين إلى التوقيف.

والاستدلال لثانيهما بتوقّف اندفاع الضرر عليه ، وهو لا يمكن إلاّ بالطلاق فيجبر عليه ، وإذ لا مخصّص لأحدهما بالإجبار فيجبران ، وإجبار الحاكم بمنزلة الاختيار ، ولأولهما بدعاء الضرورة إليه وسلامته من الإجبار المنفيّ بالطلاق.

ضعيف ، لمنع التوقّف ، ومنع كون إجبار الحاكم بدون دليل بمنزلة الاختيار ، ومنع دعاء الضرورة لما ذكر.

ثمَّ بعد القرعة ، هل يؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق ومن وقعت له بتجديد النكاح ـ كما في القواعد (٢) ـ لما في أمر النكاح من الاحتياط؟

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٢ ـ ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ ـ ٥٩٣ ، الوسائل ٢٧ : ٢٥٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ١٣ ح ١١.

(٢) القواعد ٢ : ٨.

٢١٤

الحقّ : لا ، للأصل.

مسألة : لو ادّعي السبق فلا يخلو :

إمّا يدّعيه أحد الزوجين. أو كلاهما.

فإن ادّعاه أحدهما : فإمّا يصدّقه الآخر.

أو يقول : لا أدري.

وعلى التقديرين : فإمّا تصدّقه الزوجة.

أو تكذّبه.

أو تقول : لا أدري.

فإن صدّقاه فالحكم واضح.

وإن قال الآخر : لا أدري ، وصدّقت الزوجة المدّعي ، فالزوجة لمدّعي السبق ، لاعتراف الزوج والزوجة بالزوجيّة ، وعدم معارض ولا مدّع لخلافها.

وكذا عكسه إن قالت : لا أدري وصدّقه ، لسقوط حقّ الآخر بالتصديق ، فينحصر الحقّ في المدّعي.

وإن كذّبته يرجع إلى ما إذا ادّعى رجل زوجيّة امرأة وادّعت هي زوجيّة الآخر ، سواء صدّقه أو قال : لا أدري ، وقد مرّ حكمه.

وإن قالا : لا أدري (١) ، فالحكم القرعة ، لما مرّ.

__________________

(١) في بعض النسخ : أدري ، بدل : لا أدري.

٢١٥

وإن ادّعى كلّ منهما سبق عقده : فإمّا تصدّق الزوجة أحدهما.

أو تنكر السبق مطلقا وتدّعي الاقتران.

أو تقول : لا علم لي.

وعلى الأخير : إمّا يدّعيان عليها العلم.

أو يدّعيه أحدهما.

أو لا يدّعيه شي‌ء منهما.

فإن صدّقت أحدهما ، فعن المبسوط (١) : أنّه يثبت نكاحه ، لأنّ الزوجين إذا تصادقا على الزوجيّة تثبت ، ولم يلتفت إلى دعوى الزوجيّة من الآخر إلى أن يقيم البيّنة ، وأنّها بمنزلة من في يده عين تداعاها اثنان فاعترف لأحدهما.

واستشكل فيه في القواعد (٢) ، للفرق بينه وبين من ادّعى زوجيّة امرأة عقد عليها غيره أو تصادقا سابقا على الزوجيّة من غير معارض ، من حيث إنّ التخاصم بينهما قد سبق اعترافها هنا ، فيشكل قطع التداعي باعترافها مع تعلّقه بحقّ الغير ومساواته لحق المقرّ له.

والتحقيق : أنّه ليس لمن صدّقته الزوجة دعوى معها وله الدعوى مع الزوج الآخر ، وكلّ منهما مدّع لسبق عقده ومنكر لسبق الآخر ، فإن كانت لأحدهما بيّنة تقبل ، وإن كانت لهما يرجع إلى حكم تعارض البيّنتين.

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٨٢.

(٢) القواعد ٢ : ٨.

٢١٦

وإن لم تكن بيّنة فلكلّ منهما حلف الآخر ، فإن حلفا أو نكلا يشكل الأمر ، فيرجع إلى القرعة ، فإن وقعت على من صدّقته فتمّت الدعوى ، وإن وقعت على الآخر يحتمل التمام أيضا ، لعدم تأثير لتصديق الزوجة.

وإن حلف أحدهما ونكل الآخر ، فإن كان الحالف من صدّقته الزوجة فتمّت الدعوى ، وإن كان الآخر فيحتمله أيضا.

وإن أنكرت السبق مطلقا فهي امرأة يدّعي رجلان زوجيّتها وهي منكرة لهما ، فإن كانت بيّنة وإلاّ فتحلف لهما.

وإن قالت : لا أدري ، فإن ادّعيا عليها العلم أحلفاها وسقطت دعواهما عنها وبقي التداعي بينهما ، وإن لم يدّعيانه انحصر التداعي بينهما ، وإن ادّعاه أحدهما أحلفها.

ويحتمل في جميع الصور انحصار التداعي بهما ، لعدم ترتّب أثر على تصديق الزوجة.

٢١٧
٢١٨

المقصد الثاني

في أسباب التحريم‌

وهي أمور : النسب والرضاع ، فهاهنا فصول‌ :

٢١٩

الفصل الأول

في النسب‌

ويحرم به كلّ قريب عدا أولاد العمومة والخؤولة ، وتفصيله أصول كلّ أحد وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كلّ أصل آخر.

فالأول : الآباء والأمّهات وإن علوا.

والثاني : البنون والبنات وإن سفلوا.

والثالث : الإخوة والأخوات وإن نزلوا.

والرابع : الأعمام والعمّات والأخوال والخالات له أو لأحد أصوله ، لا مطلق أعمام العمومة وأخوال الخؤولة.

وتحريم هؤلاء مجمع عليه بين الأمّة ، بل عليه الضرورة الدينيّة ، ومصرّح به في الجملة في الكتاب (١) والسنّة (٢).

وها هنا مسألتان :

المسألة الأولى : تحريم النكاح بالنسب إنّما يثبت به مطلقا.

سواء كان نسبا شرعيّا ، وهو اتّصال النسب بالوطء الصحيح الشرعيّ من نكاح أو تحليل أو ملك أو وطء شبهة ، ولو عرضه التحريم بحيض أو صيام أو إحرام أو نحوها ما لم يخرج به عن أصل الحلّية.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الوسائل ٢٠ : ٣٦١ أبواب ما يحرم بالنسب ب ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥.

٢٢٠