حقوق أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم

حقوق أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-367-5
الصفحات: ١٤٨

كما أخرج غيرهم هذا الحديث عن كعب بن عجرة أيضاً (١).

وكذلك ذكر السيوطي هذا الحديث مصرحاً بمن أخرجه ، وهم كما يقول : سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وأحمد والبخاري ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وابن ماجة ، وابن جرير ، كلهم ، عن كعب بن عجرة ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن أبي عاصم ، والهيثم بن كليب الشاشي ، وابن مردويه ، وابن جرير ، عن طلحة بن عبيد اللّه ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومالك ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبو داود ،

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١١٨ و ٢٤٣ ، و ٥ : ٣٥٣ و ٣٧٤ ، ومسند الشافعي : ٤٢ ، وسنن الدارقطني ١ : ٣٥٤ ، ومشكل الآثار / الطحاوي ٣ : ٧١ ـ ٧٣ ، والمعجم الكبير / الطبراني ١٠ : ٦٦ ، والمعجم الصغير / الطبراني أيضاً ١ : ١٨٠ ، وسنن البيهقي ٢ : ٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٣٧٩ ، ومستدرك الحاكم ٣ : ١٦٠ / ٤٧١٠ ، وتفسير الطبري ٢ : ٥٣ ـ ٥٤ / ٢١٨٤٨ و ٢١٨٤٩ و ٢١٨٥٠ و ٢١٨٥١ و ٢١٨٥٣ ، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٤ : ٢٣٣ ، وتفسير الثعالبي ٣ : ٢٣٦ ، وفتح الباري / ابن حجر ١٢ : ٤٤٢ في شرح الحديثين ٦٣٥٧ و ٦٣٥٨ ، كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٨١

والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن أبي مسعود الأنصاري ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وابن مردويه ، عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وابن خزيمة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه ، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وابن مردويه ، عن أنس ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأحمد وعبد بن حميد ، وابن مردويه ، عن بريدة ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وابن مردويه ، عن عبد اللّه بن مسعود ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كما أورده عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وكذلك فإن ابن قيم الجوزية في كتابه (جلاء الأفهام) قد استقصى ألفاظ هذا الحديث وطرقه ومن رواه من الصحابة فبلغوا حسب إحصائه أربعة عشر صحابياً. (٢) وله طرق ومصادر اُخرى غيرها نكتفي منها بهذا القدر.

ثالثاً ـ تصريحات مؤيّدة

لعلماء الجمهور وفقهائهم تأييد صريح للصيغة الواردة في الروايات المتقدمة ، ومنهم ابن القيم الجوزية ، حيث قال : ثمّ عقّب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أُمته ، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم ، مستفتحاً ذلك الأمر بإخباره بأنّه هو وملائكته يصلّون عليه ، فسأل الصحابة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : على أيّ صفة يؤدّون هذا الحق؟ فقال : « قولوا اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل

__________________

(١) الدر المنثور / السيوطي ٥ : ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، ٤٠٩ ، ٤١٢.

(٢) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ٣٠ وما بعدها.

٨٢

محمد » فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها ، لأنّ ذلك مما تقرُّ به عينه ، ويزيده شرفاً وعلوّاً. صلى اللّه عليه وعلى آله وسلّم تسليماً (١).

وقال ابن حجر العسقلاني : والحق أن ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابت في أصل الخبر ، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر (٢).

ونقل عن ابن قيم الجوزية أيضاً قوله : إنّ أكثر الأحاديث بل كلّها مصرّحة بذكر محمد وآل محمد (٣).

نكتفي هنا بهذا القدر ، طلباً للاختصار ، وفي الموضوع عشرات النصوص المؤيدة ، سنأتي على ما يوافقها في الفقرة اللاحقة.

رابعاً : حكم الصلاة

اجتمعت كلمة المسلمين على وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لورود الأمر الصريح كتاباً وسنة والأمر ظاهر بالوجوب ، ولا خلاف بينهم في ذلك ، إلاّ أنهم اختلفوا في طبيعة الوجوب ومواضعه ، وبما إنّا لسنا بصدد دراسة فقهية مقارنة لآراءهم لذا سنقتصر على ذكر آرائهم بما يتعلق بغرضنا من هذا البحث وهو التوفر على مواقفهم من جمع الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة من خلال أدلتهم وما يعتمدونه من روايات في ذلك ، وكما يلي :

__________________

(١) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ١٧٥.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٢ : ٤٤٦ كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٢ : ٤٤٦ كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٨٣

١ ـ قول الشيعة

أجمع علماء الشيعة وفقهاؤهم وتبعاً لأئمتهم صلوات اللّه عليهم على وجوب جمع الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة ، ولا تجد فيهم مخالف لا سابقاً ولا حاضراً ،وهم يعملون على هذا في كل ما يكتبونه وما يلفظونه وفي كل حين من زمن التشريع وإلى هذه الساعة ، فهي عندهم من ضرورات الدين ومسلماته.

موضع الصلاة :

أجمع علماء الإمامية وفقهاؤهم على أن موضع وجوب الصلاة على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو التشهّد في الصلاة. قال العلامة الحلي : تجب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهّد عند جميع علماء الإمامية (١) ، وفي الخلاف ، والذكرى ، والمنتهى ، والغنية : الإجماع على وجوبها في التشهّد (٢) ، وقال المحقق الكركي بعدم وجود الخلاف في ذلك بينهم (٣) ، وصرّح في المدارك بأن هذا هو المشهور بين الأصحاب (٤).

وقال صاحب مفتاح الكرامة : المقام الثالث : هل تجب الصلاة على الآل عليهم الصلاة والسلام في التشهّدين؟ ففي الغنية والمنتهى وكنز العرفان والحبل المتين الإجماع على وجوبها فيهما ، وهو ظاهر المعتبر حيث نسبه فيه إلى

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٣٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٦٥ ، والذكرى : ٢٠٤ ، والمنتهى ١ : ٢٩٣ ، والغنية : ٥٥٨ (ضمن الجوامع الفقهية).

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣١٩.

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ٤٢٦.

٨٤

علمائنا ، وفي جامع المقاصد نفي الخلاف فيه ، وفي الخلاف والتذكرة والذكرى الإجماع على وجوبها في التشهّد (١).

وبالجملة فأن فقهاء الإمامية ما بين مفتٍ بالوجوب ، وما بين مفتٍ به مع التصريح بالإجماع عليه (٢) ، ولم ينسب لأحدٍ منهم غير القول بالوجوب ، مع عدم الفصل بين النبي والآل صلى اللّه عليه وعليهم أجمعين.

واستدلّوا لذلك بالأمر الوارد في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وهو ظاهرٌ في الوجوب ، وانصرف للتشهد دون غيره من خلال الروايات الكثيرة الدالة على الانصراف.

منها ما رواه جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال : «سمعت أبا عبد اللّه عليه‌السلام يقول : ... ولا تُقبل صلاة إلاّ أن يذكر فيها محمد وآل محمد » (٣).

ومنها ما رواه عبد الملك بن عمرو وأبو بصير عن الإمام الصادق عليه‌السلام في كيفية التشهّد فذكر عليه‌السلام الشهادتين ثم قال : « اللّهم صلِّ على محمد وآل محمد وتقبّل شفاعته ـ وفي رواية أبي بصير : في أُمته ـ وارفع درجته » (٤).

أما خارج الصلاة فاختلفوا في ذلك ؛ فمنهم من أوجبها اعتماداً على ظاهر الأمر الوارد في الآية الشريفة وبعض الروايات (٥) الدالة على الوجوب مطلقاً ،

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦٢.

(٢) اُنظر : مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦٣ ، ومستند الشيعة ٥ : ٣٢٩ ، والعروة الوثقى ١ : ٥٣٤ ـ ٥٣٥ ، والمستمسك ٦ : ٤٣٦ ، ومهذب الأحكام ٧ : ١٢٢.

(٣) كتاب جعفر بن محمد بن شريح : ١٧ ، وعنه في مستدرك الوسائل ٥ : ١٤ / ١.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٩٢ / ٣٤٤ ، و ٢ : ٩٩ / ٣٧٣.

(٥) تجدها في : المحاسن / البرقي ١ : ١٧٩ / ٢٨٠ ، أمالي الشيخ الصدوق : ٦٧٦

٨٥

كما ينقل لنا ذلك صاحب مفتاح الكرامة حيث قال : وذهب صاحب كنز العرفان وصاحب رياض السالكين وصاحب الحدائق إلى الوجوب ... وإليه ذهب الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح (١).

ومنهم من قال بالاستحباب ، قال العلامة الحلي : ولا يجب في غير الصلاة إجماعاً (٢). وقال النراقي : هل تجب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث ما ذكر ، أم تستحب؟ المشهور : الثاني بل في الناصريات ، والخلاف ، والمعتبر ، والمنتهى ،والتذكرة : الإجماع على عدم الوجوب (٣).

٢ ـ قول أهل السنّة :

أجمع علماء أهل السنّة وفقهاؤهم على وجوبها ، إلاّ أنهم اختلفوا في طبيعة الوجوب وموضعه ، قال ابن عبد البر : وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي فرض واجب على كل مسلم لقول اللّه عزّوجلّ : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) ثم اختلفوا متى تجب ، ومتى وقتها وموضعهما؟ فمذهب مالك عند أصحابه ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه : إن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض في الجملة بعقد الايمان ، ولا يتعين ذلك في الصلاة ، ومن مذهبهم أن من صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه.

__________________

٩١٨ ، مجلس / ٨٥ ، معاني الأخبار / الصدوق ٢٤٦ / ٩ ، فروع الكافي ٣ : ٣٠٣ / ٧ ، الفقيه ١ : ١٨٤ / ٨٧٥.

(١) مفتاح الكرامة ٢ : ٤٦٢.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ٢٣٢.

(٣) مستند الشيعة ٥ : ٣٣٦ ، وانظر : الناصريات : ١٩٨ (ضمن الجوامع الفقهية) ، والخلاف ١ : ٣٦٥ ، والمنتهى : ١٩٨ ، والمعتبر ٢ : ٣٦٦.

٨٦

وروي عن مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي أنهم قالوا : الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد جائزة ويستحبونها ، وتاركها مسيء عندهم ، ولا يوجبونها فيه. وقال الشافعي : إذا لم يصلّ المصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة (١).

وقال ابن قيم الجوزية : وقد اختلف في وجوبها كلّما ذكر اسمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال أبو جعفر الطحاوي ، وأبو عبيد الحليمي : تجب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما ذكر اسمه ، وقال غيرهما : إن ذلك مستحب ، وليس بفرض يأثم تاركه ، ثم اختلفوا ، فقالت فرقة : تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة ، لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكراراً ، والماهية تحصل بمرّة ، وهذا محكي عن أبي حنيفة ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، قال عياض وابن عبد البر : وهو قول جمهور الأُمة.

وقالت فرقة : بل تجب في كل صلاة في تشهّدها الأخير كما تقدم ، وهو قول الشافعي وأحمد في آخر الروايتين عنه ، وغيرهما.

وقالت فرقة : الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر إيجاب ، وهذا قول ابن جرير وطائفة (٢).

والاجمال المتقدم أعطانا صورة عن آراء القوم على نحو العموم ، وهو كافٍ في المقام ، لأننا لسنا بصدد استعراض آرائهم وبيان أدلتها ومناقشتها ، فلسنا بصدد دراسة فقهية مقارنة ، وإنما الذي يعنينا في هذا البحث هو إثبات حق الآل في الصلاة عليهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغض النظر عن قولهم بوجوبها أو استحبابها ، وسواء أوجبوها في التشهد أم لا ، فعلى كل الأحوال نحن نريد أن نقول إن من

__________________

(١) التمهيد / ابن عبد البرّ ٥ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) جلاء الأفهام : ٢٩٤.

٨٧

يعتمد تلك الروايات عليه أن يثبت للآل ما يثبته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فرق لأن الأمر واحد ، ومن فرّق فبلا حجّة.

من قال بوجوبها في التشهّد :

قال بذلك جملة من الصحابة والتابعين وبعض أئمتهم وفقهائهم وأعلامهم المتأخرين ، فمن الصحابة : أبو مسعود البدري الأنصاري ، وعبد اللّه بن مسعود ، وعبد اللّه بن عمر. ومن التابعين : الإمام الباقر عليه‌السلام والشعبي ، ومقاتل بن حيان (١).

وقال ابن حجر : ولم أرَ لأحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلاّ ما نقل عن إبراهيم النخعي ، ومع ذلك فاللفظ المنقول عنه يشعر بأن غيره كان قائلاً بالوجوب ، فإنه عبّر بالأجزاء (٢).

ومن أئمتهم المشهورين : الشافعي (٣) وتلامذته (٤) ، وإسحاق بن راهويه ، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه. (٥)

__________________

(١) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ٢٥٣ ـ ٢٥٥.

(٢) فتح الباري / ابن حجر العسقلاني ١٢ : ٤٥٦.

(٣) الأم / الشافعي ٢ : ١٩٢ / ١٤٥١ ، ٢ : ١٩٣ / ١٤٥٤.

(٤) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٤ : ٢٣٥.

(٥) المهذّب في فقه الإمام الشافعي ١ : ٧٩ ، والمجموع شرح المهذب ٣ : ٤٦٥ و ٤٦٧ ،والمغني ١ : ٤ ـ ٦ ، ومغني المحتاج ١ : ١٧٣ ، والشرح الكبير ١ : ٦١٣ ـ ٦١٤ ، والفتاوى الهندية ١ : ٧٩.

٨٨

ومن فقهائهم وأعلامهم : أبو إسحاق المروزي (١) ، وابن خزيمة (٢) ، والبيهقي (٣) ، وابن العربي المالكي ، ومحمد بن المواز المالكي (٤) ، وابن القيم (٥) ، والفخر الرازي (٦) ، وابن حجر الهيتمي (٧).

الروايات المعتمدة

اعتمد القائلون بوجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد على روايات لا يكاد يخلو منها استدلال تقريباً ، وهي لا تخلو من الآل عليهم‌السلام ، منها رواية كعب بن عجرة المتقدمة ، ومنها رواية أبي مسعود الأنصاري قال : أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن عنده فقال : يا رسول اللّه ، أمّا السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا صلى اللّه عليك؟ قال : فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ، ثم قال : « إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا : اللّهمّ صلّ على محمد النبي الأُمّي وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد النبي الأُمّي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد

__________________

(١) فتح الباري ١٢ : ٤٥٧ كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) فتح الباري ١٢ : ٤٥٣ كتاب الدعوات ، باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) شعب الإيمان / البيهقي ٢ : ٢٢٤.

(٤) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٤ : ٢٣٦.

(٥) جلاء الأفهام : ٢٥٣ وما بعدها.

(٦) التفسير الكبير / الفخر الرازي ٩ : ٥٩٥ في تفسير آية المودّة.

(٧) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي ٢ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

٨٩

مجيد» (١).

وفي رواية أُخرى له قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه » (٢).

ولهذا كان أبو مسعود الأنصاري يقول : لو صلّيت صلاة لا أصلي فيها على آل محمد ما رأيت إن صلاتي تتمّ (٣).

وكذا كان جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول : لو صليت صلاة لم أصلّ فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنها تقبل (٤).

وفي حديث ابن مسعود عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إذا تشهّد أحدكم في الصلاة فليقل : اللهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم إنك حميد مجيد » (٥).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ١ : ٤٠١ / ٩٨٨ ، كتاب الصلاة ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، صحيح ابن خزيمة كتاب الصلاة ، باب : وضع اليدين على الركبتين .... (حديث ٧١٢) ، صحيح ابن حبان ٣ : ٢٠٧ / ١٩٥٦ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٤٦ / ١٣٢٤ ، مسند أحمد ٥ : ٩٧ / ٦٦٢٤.

وورد الحديث بدون قوله (كيف نصلي عليك ... صلاتنا) في صحيح مسلم ـ باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التشهد ـ كتاب الصلاة ، حديث (٤٠٥) ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦٨ / ٢١٨٤٧.

(٢) سنن الدارقطني ١ : ٣٤٨ / ١٣٢٨.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٣٤٨ / ١٣٢٩.

(٤) ذخائر العقبى / المحب الطبري : ٥٢.

(٥) مستدرك الحاكم ١ : ٤٠٢ / ٩٩١.

٩٠

وما أوقفه ابن ماجه على ابن مسعود قال : «إذا صليتم على رسول اللّه فقولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» (١).

وهناك روايات أخرى اعتمدوها لا تخلو من ذكر الآل.

شواهد من الاستدلالات :

وقد صرّح من قال بوجوب الصلاة في التشهّد بأن مستنده تلك الروايات وغيرها الجامعة للآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد قال الشافعي : فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة ، ووجدنا الدلالة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما وصفت من أنّ الصلاة على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض في الصلاة واللّه تعالى أعلم. (٢)

ثم جاء بالدلالة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي روايتان يرويهما عن شيخه إبراهيم بن محمد ؛ إحداهما عن أبي هريرة ، والثانية عن كعب بن عجرة ، وكلاهما تجمعان الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

قال الطحاوي مبيناً لما ذهب إليه الشافعي في الوجوب : ذهب إلى أنها من الفرائض في الصلوات التي لا تجزيء إلاّ بها ، ذهب إلى أن موضعها منها بعد التشهد الذي يتلوه السلام منها ، وذهب في كيفيتها إلى ما في حديث أبي مسعود (٤). وحديث أبي مسعود الأنصاري تقدم وهو يجمع الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) التحقيق في أحاديث الخلاف / ابن الجوزي ١ : ٤٠٢ / ٥٤٥ ، دار الكتب العلمية / بيروت / ط١.

(٢) , (٣) كتاب الأم / الشافعي ٢ : ١٩٢ / ١٤٥١.

(٤) مشكل الآثار / الطحاوي ٣ : ٧٣.

٩١

وقال ابن حجر الهيتمي : وأخرج الدارقطني والبيهقي حديث « من صلى صلاة ولم يصل فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه » وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي : إن الصلاة على الآل من واجبات الصلاة كالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكنه ضعيف (١) ، فمستنده الأمر في الحديث المتفق عليه « قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد » ، والأمر للوجوب حقيقةً على الأصح. (٢)

وقد صرّح الشافعي بوجوب الصلاة على الآل في الصلاة اليومية شعراً حيث يقول :

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكمُ

فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكمُ

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (٣)

وقال ابن حجر أيضاً في القول بالوجوب : هو الحق الموافق لصريح السنّة ولقواعد الأُصوليين ، ويدلّ له أحاديث صحيحة كثيرة (٤).

وحتماً يشير بالأحاديث الصحيحة الكثيرة إلى الأحاديث التي تجمع الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرينة قوله السابق في ترجيحه لمستند الشافعي أنه الحديث المتفق عليه « قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد ». وكذلك قوله : فسؤالهم بعد

__________________

(١) يضعفوه بجابر بن يزيد الجعفي إلاّ أنه ثقة حسبما ورد في ترجمتهم له في مصادرهم الرجالية ، وسبب تضعيفهم له هو ولاؤه لأهل البيت ونقله لفضائلهم وعقائدهم.

(٢) الصواعق المحرقة ٣ : ٦٦٧ باب مشروعية الصلاة عليهم تبعاً للصلاة على مشرفهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ٧ : ٧ ، والصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٥.

(٤) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

٩٢

نزول الآية وإجابتهم بـ « اللهم صل على محمد وعلى آل محمد » إلى آخره ، دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية (١).

وممن قال بكونها فرض في الصلاة : ابن حبان ، واعتمد في كيفيتها على ما ورد في حديثي كعب بن عجرة ، وأبي مسعود الأنصاري (٢).

وكذلك الدارقطني وعقد لها باباً باسم (ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد واختلاف الروايات في ذلك) وجاء بثمانية روايات ضعّفها جميعاً إلاّ رواية أبي مسعود الأنصاري وصف إسنادها بالحسن المتصل إشعاراً باعتمادها (٣).

وممن قال بالوجوب أيضاً البيهقي ، قال : والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الواجب في الصلاة واجبة (٤).

وتابع البيهقي قول أبي إسحاق المروزي : أنا أعتقد أن الصلاة على آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة في التشهد الأخير من الصلاة ، بقوله : وفي الأحاديث التي رويت في كيفية الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدلالة على صحة ما قال (٥).

وقال القرطبي المالكي : قال بوجوب الصلاة على النبي في الصلاة محمد ابن

__________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٢٩.

(٢) الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان / ابن بلبان ٣ : ٢٠٧ ـ ٢١٠ / ١٩٥٦ ، ١٩٥٩ ، ١٩٦٠.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٣٤٥ ـ ٣٤٨ / ١٣٢٣ ـ ١٣٣٠.

(٤) شعب الإيمان / البيهقي ٢ : ٢٢٤.

(٥) شعب الإيمان / البيهقي ٢ : ٢٢٤.

٩٣

المواز من أصحابنا فيما ذكر ابن القصار وعبد الوهاب ، واختاره ابن العربي للحديث الصحيح : إن اللّه أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلّي عليك؟ فعلّم الصلاة ووقتها ، فتعينت كيفيةً ووقتاً (١).

ويشير بهذه الألفاظ إلى رواية أبي مسعود والتي نقلها قبل هذا الكلام برواية مالك ، وابن العربي نفسه يصرّح حول هذه الرواية وبقية روايات صيغ الصلاة بقوله : «من هذه الروايات صحيح ومنها سقيم ، وأصحّها ما رواه مالك فاعتمدوه» (٢). ويريد حديث أبي مسعود برواية مالك.

وصرح الطحاوي بأن عمل أهل المدينة في الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على طبق حديث أبي مسعود ، وعمل أهل الكوفة على طبق حديث كعب بن عجرة (٣). وفي إطلاقه بأن عمل المدينة والكوفة وفق هذين الحديثين دلالة واضحة على أن جمع الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة كان من المسلمات عند المسلمين.

أما الحافظ الجماعيلي الحنبلي ، في كتابه (عمدة الأحكام من كلام خير الأنام) ، فأخرج حديث كعب بن عجرة ليكون المعتمد من كلام خير الأنام على حكم الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٤)

وكذلك ابن حجر العسقلاني في كتابه (بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام)

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٤ : ٢٣٦ تفسير آية ٥٦ من سورة الأحزاب.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٤ : ٢٣٥.

(٣) مشكل الآثار / الطحاوي ٣ : ٧٣.

(٤) عمدة الأحكام من كلام خير الأنام / الجماعيلي الحنبلي : ٤٥.

٩٤

أخرج حديث أبي مسعود الأنصاري ليكون دليلاً على حكم الصلاة على النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرحه الصنعاني بقوله : والحديث دليل على وجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة لظاهر الأمر ـ أعني ، قولوا ـ وإلى هذا ذهب جماعة من السلف والأئمة والشافعي وإسحاق ، ودليلهم الحديث مع زيادته الثابتة (٢) ، ويقتضي أيضاً وجوب الصلاة على الآل وهو قول الهادي والقاسم وأحمد بن حنبل ، ولا عذر لمن قال بوجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستدلاً بهذا الحديث من القول بوجوبها على الآل (٣).

وقال الفخر الرازي : إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وقوله : اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد ، وارحم محمد وآل محمد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل (٤).

ومن المعاصرين قال السقاف : تجب الصلاة على آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التشهد الأخير على المختار ، لأن أقصر صيغة وردت عن سيدنا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت فيها ذكر الصلاة على الآل ، ولم ترد صيغة خالية منه في صيغ تعليم الصلاة ، فقد تقدم حديث زيد بن خارجة أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا : اللهمّ صل على محمد وآل محمد » (٥).

__________________

(١) سبل السلام في شرح بلوغ المرام / الصنعاني ١ : ٣٠٤ / ٣٣٦ كتاب الصلاة ،باب صفة الصلاة.

(٢) الزيادة المقصودة هي : «فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا» فقد ورد حديث أبي مسعود بهذه الزيادة وبدونها.

(٣) سبل السلام / الصنعاني ١ : ٣٠٥ / شرح حديث ٣٣٦.

(٤) مفاتيح الغيب / تفسير الرازي ٩ : ٥٩٥ تفسير آية المودة.

(٥) صحيح صفة صلاة النبي / حسن بن علي السقاف : ٢١٤.

٩٥

وهكذا لو تتبعنا بقية أقوالهم واستدلالاتهم لما وجدناها تعدو هذه الروايات.

خامساً : الصلاة البتراء

وهي الصلاة التي يقتصر فيها على ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون آله عليهم‌السلام ، وقد نهى عنها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد نقل ابن حجر أنه روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء » فقيل له : يا رسول اللّه ، وما الصلاة البتراء؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تقولون : اللهم صل على محمد وتمسكون! بل قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد » (١) ، وأخرجه السخاوي في القول البديع عن شرف المصطفى لأبي سعد (٢).

وعن السيد المرتضى بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تصلوا علي صلاة مبتورة ، بل صِلُوا إليّ أهل بيتي ولا تقطعوهم ، فإنّ كل سبب ونسب يوم القيامة منقطع إلاّ سببي ونسبي » (٣).

وبالإضافة إلى نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة البتراء ، أمر بالصلاة التامة وأكّد عليها ورغّب فيها ، والقوم نقلوا كل ذلك واعتمدوه بين موجب للصلاة على الآل وبين مستحبّها مجمعين على ذلك لا خلاف بينهم فيه ، إلاّ أنهم في مقام العمل والتطبيق لا تراهم يذكرون الآل عندما يصلّون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل ما يكتبوه أو يلفظوه قديماً وحديثاً ، وكأنّ ذكرهم للآل عليهم‌السلام بدعة لا سامح اللّه منهي عنها ، ودونك تراثهم المقروء والمسموع تجده من الواضحات.

__________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٠.

(٢) القول البديع / السخاوي : ٤٥.

(٣) رسالة المحكم والمتشابه / السيد المرتضى : ١٤.

٩٦

وهذا من التناقض الصريح بين القول والفعل ، وبين ما وصل إليه الدليل وما عليه العمل ، وهو لم يحصل اعتباطاً ، أو عن طريق الصدفة ، فإنّ القوم يعملون به منذ نشأت مذاهبهم وقبلها ودونك كتبهم ورسائلهم التي نقلتها لنا كتب التأريخ تحكي لك ما كانوا يعملون به من الصلاة البتراء منذ ذلك الزمن وإلى هذه الساعة تقليداً لأسلافهم ، مع أنّ الدليل أوصلهم إلى الصلاة التامة ، فلابدّ أن يكون لذلك أسبابه ومبرراته الضاربة بأطنابها في عمق التأريخ ، وهو أمرٌ محيّر حقاً يحتاج إلى وقفة جادة ومسؤولة لتقصّي الحقيقة.

ولعلّ بداية هذا الأمر كانت منذ أيام معاوية ، الذي بذل كل جهده لاخماد ذكر علي وآل علي عليهم‌السلام ، واستعان على ذلك بأبشع الأساليب ، والتي كان منها : أمر بلعن علي وآله على المنابر وفي سائر الخطب ، الأمر الذي مضى عليه الأمويون حتّى جاء عمر بن عبد العزيز فقطعه ، ووضع مكانه : «إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان» ... فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن» (١).

أما موقف معاوية من الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالذات ، فتوضحه لنا رسائله وكتبه التي يبعث بها ، فأنك لا تجده يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا صلاة تامة ولا مبتورة إلاّ في بعض الموارد النادرة جداً والتي تقتضيها الضرورة (٢). وكيف يطيق الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو لا يطيق سماع اسمه

__________________

(١) تاريخ الخلفاء / السيوطي : ١٩٠.

(٢) انظر على سبيل المثال كتبه ورسائله في : وقعة صفين ٣٤ و ٥٠ و ٥٦ و ٦٣ و ٧١ و ٧٤ و ٧٦ و ٨٦ و ١١٠ و ١١٩ و ١٥١ و ١٥٨ و ٣٦٦ و ٣٨٦ و ٤٧٠ و ٤٩٣ و ٤٩٧ ،فإنك لا تجده يذكر الصلاة البتراء ولا التامة إلاّ مرة واحدة في كتابه إلى محمد بن أبي بكر.

٩٧

بالأذان (١)؟! ومن لم يرق له الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يروق له الصلاة على آله وهو المصرّح بعدائه وبغضه لهم وخصوصاً سيدهم أمير المؤمنين عليه‌السلام؟

وهذه السياسة الأموية المعادية لأهل البيت عليهم‌السلام نجحت وأخذت تعطي ثمارها حتى أصبح لعن أمير المؤمنين سنّة لا تصحّ الصلاة إلاّ بها (٢) ، والاعتقاد بأن أهل البيت أعداء اللّه والعياذ باللّه أصبح مألوفاً (٣) ، وما كان معاوية وبنو أمية ليوصلون الأمة إلى هذا الحال لولا سياستهم في منع بيانات الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق أهل البيت ووضع ما يقابلها في أعدائهم.

وفي ظلّ السياسة الأموية وإخفاء السنّة النبوية حصل انحراف جديد في الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو إضافة الصلاة على السلاطين والأمراء وشاع ذلك حتى اضطر عمر بن عبد العزيز إلى منعه وحصر الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ،فقد نقل ابن كثير : «وكتب عمر بن عبد العزيز : أما بعد فإنّ ناساً من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن ناساً من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وامرائهم عدل الصلاة على النبي (صلى اللّه عليه سلم) ، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعوا ما سوى ذلك» (٤) وأمات عمر بن عبد العزيز في كتابه هذا بدعة إلاّ أنه لم

__________________

(١) اُنظر : الموفقيات / الزبير بن بكار : ٥٧٦ ، مروج الذهب ٣ : ٤٥٤ ، شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ٥ : ٧١ ـ ٧٢.

(٢) شرح النهج / ابن أبي الحديد ٧ : ٧٣ / شرح خطبة ١٠٢.

(٣) سير أعلام النبلاء / الذهبي ١٠ : ٤٠٢ ترجمة أبي الحسن علي بن محمد المدائني.

(٤) تفسير ابن كثير ـ كما في مختصره للصابوني ـ ٣ : ١١٣ ، فتح الباري ١٢ : ٤٩٢. باب ١٠ من التفسير في شرح حديثي (٤٧٩٧ ، ٤٧٩٨) ووصف اسناده بالحسن.

٩٨

يأمر بالسنّة الصحيحة حيث قصر الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط فأحيا بذلك الصلاة البتراء وأعطاها بعداً سياسياً وشرعياً أخذ أثره في سلوك الناس وفهمهم لحقيقة الصلاة على مديات بعيدة.

ومن المؤشرات التأريخية التي عاصرت الفترة الأموية والتي تدل بوضوح على أن ترك الصلاة التامة نابع من عدم تحملهم لفضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، موقف عبد اللّه بن الزبير من الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث لم يأتِ حتى بالصلاة البتراء معتذراً عن ذلك بعذرٍ أقبح من فعل.

فقد نقل ابن أبي الحديد قال : وروى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير أنّ ابن الزبير مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ أن تشمخ رجال بآنافها. وفي رواية محمد بن حبيب وأبي عبيدة معمر بن المثنى : أن له أُهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره (١).

وهكذا استمر الحال خلال الحكم الأموي حتى ترسخ العمل بالصلاة البتراء وشاع بين المسلمين نتيجة لتلك العوامل ، حتى جاء رفع الحضر عن السنة النبوية في زمن عمر بن عبد العزيز فحصل الانفتاح على السنّة والسعي لتحصيلها وتدوينها ، فوجد فقهاء تلك الفترة أن الصلاة المأمور بها هي الصلاة التي تجمع الآل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بناءً على ما وصلهم من السنّة المتواترة في ذلك فاعتمدوه وأفتوا به ، فعادت الصلاة التامّة وليدة الدليل العلمي ، إلاّ أنها بقيت في حدود الدليل ، فلا تذكر إلاّ في مواضع الاستدلال ، أما خارجه فعلى ما

__________________

(١) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ٤ : ٣٦ ـ ٣٧.

٩٩

تعودوا عليه وتلقوه من أسلافهم من الصلاة البتراء ، وهذا من نتائج السياسة الأموية التي تأصلت فى النفوس واستحكمت عليها الطباع ، وفي هذا يقول الصنعاني : ومن هنا تعلم أنّ حذف لفظ الآل من الصلاة كما يقع في كتب الحديث ليس على ما ينبغي ، وكنت سُئلت عنه قديماً فأجبت أنه قد صحّ عند أهل الحديث بلا ريب كيفية الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم رواتها ، وكأنهم حذفوها خطأ تقية لما كان في الدولة الأموية من يكره ذكرهم ، ثم استمر عليه عمل الناس متابعة من الآخر للأول فلا وجه له (١).

ومن شواهد تلك الحالة ما قاله ابن قيم الجوزية : إن الصلاة على النبي حق له ولآله دون سائر الأمة (٢) وقال في موضع آخر : الصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها ، لأن ذلك مما تقرّ به عينه ويزيده شرفاً وعلواً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليماً (٣).

ومن كلامه يفهم أن الصلاة بدون ذكر الآل ناقصة ، ولا تقرّ عين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها تضييع لحقهم عليهم‌السلام الذي أقرّ به ، ولكنك إذا رجعت إلى كتبه لا تجده يعمل إلاّ بالصلاة الناقصة!!

وشاهد آخر عن ابن حجر الذي أورد الرواية التي تنهى عن الصلاة البتراء (٤) ، ولكنك لا تجده يعمل إلاّ بالصلاة البتراء!!

وآخر عن مسلم في صحيحه فإنه عقد باباً باسم : الصلاة على النبي (صلى اللّه

__________________

(١) سبل السلام شرح بلوغ المرام / الصنعاني ١ : ٣٠٥.

(٢) جلاء الأفهام / ابن قيم : ١٧٤.

(٣) جلاء الأفهام / ابن قيم : ١٧٤.

(٤) الصواعق المحرقة / ابن حجر ٢ : ٤٣٠.

١٠٠