مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

تبعا للعامة ، وإلاّ فالرّواة والقدماء ما كانوا يذكرونها ويتعرضون لها.

د : لو زاد في النية على ما يجب ، فإمّا يكون من الأوصاف المتحققة في المنوي ، كأن ينوي الوجوب في الواجب ، أو الندب في المندوب على المختار من عدم اشتراط نية الوجه ، أو ينوي القصر في صلاة السفر ، أو الإتمام في الحضر ونحوه ، فلا محذور فيه أصلا.

أو يكون مما ليس فيه ، كأن ينوي الواجب مندوبا ، أو الأداء قضاء ، أو الظهر عصرا ، أو غسل الجنابة جمعة أو بالعكس ، بمعنى أن يعتقده كذلك ، لا مجرد الإخطار ـ فإنّه لا عبرة به ـ فلا يخلو إمّا يتعين مقصوده والفعل الذي يأتي به ، إمّا لأجل كون المأمور به أمرا واحدا معينا لا يشتبه بغيره ويقصده بعينه ، وليس أمر آخر غيره يشتبه به ، أو لأجل ضمّ ما يميزه عن غيره ـ إن كان ـ إلاّ أنّه أخطأ في اعتقاده الذي زاد ، كأن يتوضأ للصلاة وجوبا باعتقاد دخول الوقت ولم يدخل ، أو ندبا باعتقاد عدمه وقد دخل ، أو ينوي الصلاة قضاء باعتقاد خروج الوقت ولم يخرج ، أو أداء باعتقاد عدم خروجه وقد خرج ، أو توضأ بنية وجوبه أو ندبه نفسا مع أنّه واجب ومندوب لغيره ونحو ذلك مما لا يحصل فيه الاشتباه لأجل تلك النية فلا محذور أيضا ، كما صرّح به بعضهم (١) ، لأنّه قصد الأمر المعيّن الذي عليه واقعا ، إلاّ انّه أخطأ في اعتقاده ، وهو غير مضر ، لأنّه أتى بذلك المعيّن المطلوب منه. والخطأ في اعتقاده لا يخرجه من المطلوب المعين. وكذا لو كان الخطأ لأجل الغفلة بل ولو تعمد ذلك ، لأنّه قصد لغو لا يضر في صدق الامتثال العرفي.

وقيل بالبطلان مع العمد (٢). ولا وجه له.

أو يكون هناك أمران ويريد وصف أحدهما في النية مع أنّ المأمور به هو الآخر ، كأن ينوي الظهر باعتقاد أنّه لم يفعله ، ثمَّ ظهر أنّه فعله ، وكانت عليه‌

__________________

(١) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٢) كشف اللثام ١ : ٦٦.

٨١

صلاة العصر ، أو قصد نافلة الصبح زعما منه أنّه ما فعلها فظهر أنّه فعلها وكانت عليه فريضة ، أو غسل الجمعة باعتقاد أنّ ما فعله غسل الجنابة ثمَّ ظهر أنّه اغتسل للجمعة ، فالظاهر البطلان ، لأنّه لا يوافق المأمور به ، وما وافقه ليس مأمورا به ، ولأنّ قصد إطاعة المأمور به شرط في تحقق الامتثال ، وما قصد إطاعته ليس مأمورا به ، وما هو مأمور به لم يقصد إطاعته.

هـ : إذا وجب أو استحب أمر كالوضوء أو الغسل لغايات ، فإمّا لا يعلم أنّ الإتيان به مقيدا بكونه لأجل الغاية أيضا من المأمور به أو يعلم.

فإن لم يعلم ، مثل أن يقول : يستحب أن يكون النائم متطهرا والقارئ متطهرا والمجامع متطهرا والداخل في بيته متطهرا ، إلى غير ذلك ، أو ما يؤدّي هذا المؤدّى ، فيكفي للمجموع وضوء واحد ، لأصالة البراءة ، وصدق التوضؤ والتطهر ونحوهما ، إلاّ أن تثبت من الخارج مطلوبية التعدّد.

وإن علم أنّ التقييد بالإتيان لأجل كذا جزء المأمور به ، يلزم في امتثال المجموع التعدد ، لتعدّد المأمور به حينئذ ، إلاّ أن يثبت التداخل وكفاية واحد للمجموع.

ثمَّ ما كان من الأوّل فلا تلزم فيه نية الغاية أصلا كما أشير إليه سابقا ، بل لو فعل فعلا واحدا بنية القربة يكفي لجميع الغايات ، وحينئذ لو نوى غاية معينة تكون من قبيل الزائد الذي لا يبطل به الفعل ، ولا يصرفه إلى الفعل لتلك الغاية بخصوصها ، للأصل ، فيترتب عليه جميع الغايات ، وإن ثبت التعدد فيه يمتثل بواحد أمرا واحدا لا بعينه ، والأمر في ترتب الآثار لو اختلفت كما مر.

وما كان من الثاني لا يكفي واحد بنية القربة ، ولا يكفي المأتي به بنية إحدى الغايات للأخرى إلاّ بدليل ، كما ظهر وجهه فيما سبق.

إذا عرفت ذلك نقول : إنّه لما لم يعلم في الوضوء تقييد الأمر بشي‌ء من أفراده بغاية من غاياته ، بل غاية ما ثبت وجوب الكون على الوضوء أو استحبابه لأمور ، والأصل عدم التعدّد في المأمور به أيضا ، فيكفي الوضوء الواحد بنية‌

٨٢

القربة لجميع الغايات ، وكذا لو توضّأ بقصد غاية معيّنة ، ووجهه يظهر مما مر ، وستأتي زيادة تفصيل لذلك في بحث الأحكام.

هذا ، وقد ظهر بما ذكرنا أنّ من اشتغلت ذمته بطهارة واجبة ، فنوى الندب أو نوى إحدى غاياته الموجبة لاستحبابه يصح الوضوء ، إذ ليس المطلوب منه إلاّ وضوء واحد واجب ، غايته أنّه زاد في النية أمرا لغوا ، فلا يبطل به الوضوء.

وعن المنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والقواعد والشهيد : البطلان (١) ، ولعله مبني على اشتراط نية الوجه.

و : لو نوى نقض الطهارة بعد الإكمال لم تبطل قطعا ، للأصل. ولو نواه في الأثناء بطل الباقي لو أوقعه ، إلاّ إذا رجع إلى النية قبل فوات الموالاة في الوضوء ، ومطلقا في الغسل ، وأوقعه بعده ، فيصح.

ز : لو أخلّ في الوضوء بلمعة ، وغسلها في الغسلة الثانية المندوبة ، صحّ عندنا ، ووجهه ظاهر.

وعلى اشتراط قصد الوجه لا يصحّ ، وفاقا لأهله إن علم به ، وإن لم يعلم ففيه قولان.

ح : ظهر لك مما ذكرنا أنّه يكفي وضوء واحد لرفع جميع الأحداث ، سواء نواه أو لم ينوه أو نوى رفع حدث معيّن ، بل لو نوى عدم رفع حدث.

ط : لا يجوز الترديد في النية فيما يجب قصده إذا كان عنده معيّنا ، فيبطل لو تردد ، لعدم الإتيان بالمأمور به. فلو أعطى شيئا وتردّد في قصد الزكاة أو الخمس بطل. وكذا لو صلّى مترددا بين الفريضة والنافلة. وكذا الحكم في الوجه والرفع عند مشترطي قصدهما.

وأمّا لو لم يكن معيّنا عنده إما لتردّد (٢) في المسألة ، أو للنسيان أو للجهل ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥ ، التذكرة ١ : ١٥ ، نهاية الاحكام ١ : ٣٢ ، القواعد ١ : ١٠ ، الدروس ١ : ٩٠.

(٢) في « ه‍ » و « ق » للتردد.

٨٣

مثل أن صلّى ركعتين ونسي أنّه صلّى الأداء أو القضاء ، أو أعطى شيئا ونسي أنّه أعطى للزكاة أو الخمس مع اشتغال ذمته بهما ، أو لم يعلم أنّ الزكاة حينئذ واجبة عليه أو مستحبة ، أو غسل الجمعة على اشتراط نية الوجه ، فالظاهر ـ كما صرّح به بعضهم (١) ـ كفاية قصد ما في الذمة ، إذ معناه هو المطلوب المعيّن في الواقع.

ولو تردّد بين إباحة فعل ووجوبه أو استحبابه ينوي الاحتياط ، لأنّ الاحتياط مطلوب للشارع.

ي : على ما اخترناه يكفي مجرد قصد القربة في كل عبادة واجبة مشتملة على بعض الأجزاء المستحبة ، ولا يلزم قصد الوجه مطلقا فضلا عن قصد الوجوب في الواجبة والندب في المندوبة ، ولو نوى الوجوب للجميع لم يضر.

وللمشترطين لنية الوجه في مثلها قولان : وجوب قصد الوجوب في الواجبة ، والندب في المندوبة. قيل : هو ظاهر جمع من الفقهاء (٢) ، وكفاية قصد الوجوب ، نقل عن صريح بعض المتأخّرين (٣) ، ولكلّ وجه ، والأحوط الأوّل.

يا : لو شرع فعلا لأسباب متعدّدة فنوى عدم بعضها ، كأن يتوضّأ بقصد عدم كونه لتلاوة القرآن ، فإن كان السبب ممّا علم وجوب قصدها بأن يكون قصدها قيدا للمأمور به ، فلا يجزي عمّا نوى عدمه قطعا.

ولو لم يكن كذلك ، فإن لم يكن المأمور به إيقاع الفعل عند ذلك السبب ، بل كان المطلوب وجوده كيف ما كان ، كما في الوضوء ، حيث إنّه لم يثبت استحباب إيقاع الوضوء لكلّ من غاياته ، بل المطلوب تحقّقه كيف كان ، فإن المستحب تلاوة القرآن متطهرا لا التوضّؤ مطلقا عند تلاوته ، فيكفي ذلك الفعل لجميع أسبابه ، والوجه واضح.

وإن كان المأمور به نفس الفعل عند السبب كالغسل للجمعة والتوبة والحاجة وغيرها ، فالظاهر عدم الكفاية عمّا نوى عدمه إلاّ مع دليل شرعي ، لعدم‌

__________________

(١) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخطوط ).

(٢) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخطوط ).

(٣) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني ( مخطوط ).

٨٤

صدق امتثال ذلك الأمر عرفا ، فإنّ قصد عدم امتثال أمر يوجب انتفاء صدق امتثاله عرفا قطعا.

يب : لو لم يعلم جزئية بعض الأجزاء للعبادة ، ولكن أتى به من باب الاتفاق كالطمأنينة في الصلاة أو المسح في الوضوء أو الطواف بالبيت في الحج ، بطل ذلك الجزء ، لاشتراط القربة ، وببطلانه تبطل العبادة ، سيما إذا كانت تلك الأجزاء من مقوّمات ماهيّة العبادة كالإمساكات المخصوصة بالنسبة إلى الصوم ، فلو لم يعلم أحد من الصوم إلاّ الإمساك من الأكل والشرب والإنزال ، ولم يقصد ترك الإدخال من غير إنزال أو غيره من مبطلات الصوم ، بطل صومه ، لعدم قصد موافقة المأمور به ، لأنّه لم يقصد القربة فيه ، فلم يقصد فيما هو الصوم ، ولا شك أنّه لو قصد ـ من يعلم أنّ الصوم إمساك عن الأكل والوقاع ـ من الصوم الإمساك من الأكل دون الوقاع ، لم يصح صومه ، فكذا من لم يعلم ، لعدم مدخلية العلم في ذلك.

هذا إذا لم يعلم جميع الأجزاء وعلم انحصارها فيما قصده ، أمّا لو جوّز أجزاء أخر غير ما يعلمه وقصد جميع ما هو جزء له في الواقع ، فالظاهر الصحة إذا أتى بالجميع ولو اتفاقا ، فلو نوى من الصوم الإمساك من كلّ ما يعتبر الإمساك عنه في الصوم وأمسك عنه صحّ ولو لم يعلم الجميع.

الثاني من واجبات الوضوء : غسل الوجه.

ووجوبه ثابت بالضرورة والنص.

وحدّ الوجه الواجب غسله طولا : ما بين القصاص والذقن من الوجه. وعرضا : ما حوته الإبهام والوسطى ، بالإجماع المحقّق والمحكي عن المبسوط والخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى (١) والمعتمد وغيرها ، وهو الحجة.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٠ ، الخلاف ١ : ٧٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٣ ، المعتبر ١ : ١٤١ ، المنتهى ١ : ٥٦.

٨٥

مضافا إلى رواية إسماعيل بن مهران : عن حد الوجه ، فكتب « من أول الشعر إلى آخر الوجه ، وكذلك الجبينين » (١).

وصحيحة زرارة : « الوجه الذي قال الله عزّ وجلّ وأمر بغسله ، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم : ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا ، فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه » فقال : الصدغ من الوجه؟ قال : « لا » (٢).

وانطباقها على المدّعى ظاهر ، فإنّه إذا وضعت الإصبعان على موضع القصاص عرضا شبيه قوس ـ لأن وضعهما عليه لا يكون إلاّ كذلك ـ وحدرت بهما كذلك إلى الذقن ، يصدق عليه أنه ما دار عليه ، أي أحاط دوره أو حرّك دوره الإصبعان ، مبتدئا من القصاص إلى الذقن ، وأنّه ما جرتا عليه من الوجه حال كونه أو الجري عليه مستديرا. وهو إشارة إلى وضعهما على القصاص مستديرا ، لكون القصاص كذلك ، وإلى ما يخرج من حد الوجه مما تحويه الإصبعان لو لم تستديرا عند انتهائهما إلى الذقن.

واحتمال إرادة جعل الإصبعين خطّا واصلا بين القصاص والذقن ، دائرا على نفسه مع ثبات وسطه ـ كبعض المتأخرين ـ (٣) بعيد من الفهم جدّا ، ومع فهم المعظم خلافه يصير أبعد ، بل يبطله أنه على ذلك يكون ابتداء دوران إحدى الإصبعين من القصاص والأخرى من الذقن دفعة واحدة ، وكذلك انتهاؤهما ، فلا يكون ابتداء من قصاص ولا انتهاء من ذقن.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨ الطهارة ب ١٨ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٥٥ ـ ١٥٥ ، الوسائل ١ : ٤٠٤ أبواب الوضوء ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧ الطهارة ب ١٨ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٨ ، التهذيب ١ : ٥٤ ـ ١٥٤ ، الوسائل ١ : ٤٠٣ أبواب الوضوء ب ١٧ ح ١.

(٣) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ١٤.

٨٦

مضافا إلى عدم كون ما بين القصاص والذقن بقدر الإصبعين غالبا ، بل إمّا يزيد أو ينقص ، فيلزم خروج ما اتّفق على دخوله أو عكسه ، بل يلزم الأوّل على فرض التطابق أيضا ، إذ مقتضى الحركة الدورية بهذا الطريق انفصال طرف الإصبع الموضوع على القصاص منه مع ازدياد ميله إلى السفل ، فيخرج ما يتصل من الجبهة والجبين من الطرفين بالقصاص سوى قدر طرف إصبع ، وذلك باطل إجماعا.

ومنه يظهر وجوب المصير إلى المشهور على ذلك الاحتمال أيضا ، لعدم اختلاف (١) على الاحتمالين إلاّ فيما يخرج من الجبهة ( والجبين ) (٢) من الطرف الأعلى ، وإدخاله واجب بالإجماع.

وتوهّم دخول النزعتين ، وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبين ـ على التفسير المشهور ـ وكذا جميع مواضع التحذيف ، وهي منابت الشعر الخفيف بين النزعة والصدغ ، أو ابتداء العذار ، باطل ، لتصريح الرواية بوجوب كون المحدود من الوجه ، والأوّل وبعض الثاني أو تمامه من الرأس عرفا.

ويؤكّده خروج الأوّل عن التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس.

وأمّا الصدغ فهو مشترك في الاحتمالين في خروج بعضه ودخول البعض ، لاتّحاد موضع طرفي الإصبعين على الاحتمالين في قرب الوصول إلى طرف الحاجب. هذا على بعض تفاسيره ، ويخرج كلاّ على البعض عليهما. ومن هذا يظهر ضعف ما أيّد به الاحتمال الأخير.

ثمَّ إنّه لا يجب غسل ما زاد على التحديد المذكور طولا وعرضا ، ولا يجوز ترك ما دخل فيه كذلك.

فلا يغسل النزعتان ولا ما استرسل من اللحية طولا وعرضا إجماعا.

__________________

(١) في « ح » الخلاف.

(٢) لا توجد في « ه‍ ».

٨٧

ولا شي‌ء من الصدغ لو فسّر بما فوق العذار من الشعر خاصة ، كما هو ظاهر الصحيح المتقدم (١) ، وجمع من الأصحاب (٢). ولا جميعه لو فسّر بمجموع ما بين العين والاذن ، كما عن بعض أهل اللغة (٣) ، أو المنخفض الذي بين أعلى الاذن وطرف الحاجب ، كما عن بعض الفقهاء (٤) ، أو الشعر المتدلي بين العين والاذن أو منبت ذلك الشعر كما قيل (٥).

ولا من مواضع التحذيف. والعذار ، وهو ما حاذى الاذن من الشعر.

والعارض ، وهو الشعر المنحط عن المحاذي للأذن إلى الذقن إلاّ ما دخل من الأربعة (٦) في التحديد ، وفاقا لجماعة (٧) ، وخلافا في الأوّل منها للمحكي عن الراوندي ، فأدخله جميعا (٨) ، وصريح الصحيح يردّه.

وللأكثر ، بل قيل : إنه إجماعي (٩). وفي الذخيرة : ذهب إليه جمهور العلماء (١٠) ، فأخرجوه كذلك لذلك مطلقا ، وبه يخصّون التحديد على غير التفسير الأوّل.

ويمكن دفعه بعدم التعارض ، إذ لا يدخل على هذا إلاّ بعض الصدغ ، وما صرّح بخروجه هي الصدغ ، وبعض الشي‌ء غير الشي‌ء.

ولو سلّم التعارض فليس تخصيص المحدود بأولى من تخصيص الصدغ ،

__________________

(١) في ص ٨٦ رقم ٢.

(٢) كما فسّره به في المنتهى ١ : ٥٧ ، والذخيرة : ٢٧ ، وكشف اللثام ١ : ٦٦.

(٣) انظر الصحاح ٤ : ١٣٢٣ ، العين ٤ : ٣٧١.

(٤) فسّره به في مشارق الشموس : ١٠١.

(٥) القاموس ٣ : ١١٣.

(٦) وهي الصدغ ، ومواضع التحذيف ، والعذار ، والعارض.

(٧) انظر المعتبر ١ : ١٤١ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٦ ، وكشف اللثام ١ : ٦٦.

(٨) نقله عنه في الذكرى : ٨٣ ، وراجع فقه القرآن ١ : ١٣.

(٩) قال في الرياض ١ : ١٩ خروجه مطلقا أو في الجملة إجماعي.

(١٠) الذخيرة : ٢٦.

٨٨

بل هو أولى ، حيث إنّ الظاهر دخول ما تحويه الإصبعان منه في الوجه العرفي.

وفي الثاني لبعضهم (١) ، فأدخلها ، بل نسبه إلى غير شاذ من الفقهاء ، للدخول في الوجه.

ويضعّف : بأنّ الصحيح يخصّها كلاّ أو بعضا لو سلّم الدخول.

وللمنقول عن التذكرة والمنتهى (٢) ، فأخرجها ، للدخول في الرأس لنبات الشعر عليه. ولا دلالة له على الدخول أصلا.

وفي الثالث للمنتهى والتحرير (٣) ، ونسب إلى المعظم ، فأخرجوه مطلقا ، بل نفي الأوّل استحباب غسله ، والثاني حرّمه مع اعتقاد شرعيته. وللمحكي عن المبسوط ، والخلاف ، والمسالك (٤) ، والكركي في شرح الشرائع (٥) ، فأدخلوه كذلك ، لأدلّة ضعفها بعد تصريح الصحيح السابق ظاهر.

والجمع بين كلام الفريقين بإرادة البعض الخارج من التحديد والداخل فيه ـ كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام (٦) ـ ممكن ، إلاّ أنّ الظاهر خروج العذار من المحدود ، لعدم وصول الإصبعين من مستوى الخلقة إليه.

وفي الرابع للمنقول عن الإسكافي (٧) والشهيدين (٨) ، فأدخلوه ، بل عن ثانيهما عدم الخلاف فيه. وللمنتهى (٩) فأخرجه.

وإرادة الأوّلين ما نالته الإصبعان منه ، والثاني ما يخرج مما تنالانه ـ كما هو‌

__________________

(١) شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

(٢) التذكرة ١ : ١٦ ، المنتهى ١ : ٥٧.

(٣) المنتهى ١ : ٥٧ ، التحرير ١ : ٩.

(٤) المبسوط ١ : ٢٠ ، الخلاف ١ : ٧٧ ، المسالك ١ : ٥.

(٥) نسبه إليه في شرح المفاتيح : ( مخطوط ).

(٦) المعتبر ١ : ١٤١ ، التذكرة ١ : ١٦ ، نهاية الاحكام ١ : ٣٦.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٢١.

(٨) الأول في الدروس ١ : ٩١ ، والثاني في الروضة ١ : ٧٣ ، والمسالك ١ : ٥.

(٩) المنتهى ١ : ٥٧.

٨٩

ظاهر نهاية الإحكام (١) ـ ممكنة ، فلا يكون اختلاف.

والاستناد (٢) في إخراجه بعدم شمول الإصبعين له ـ لأن اعتبارهما في الوسط ، وفي غيره بما يحاذي موضعه منه ، وإلاّ لوجب غسل ما تنالانه وإن تجاوز العارض ـ ضعيف ، إذ لا دليل على هذا التخصيص.

وخروج ما ذكره بالإجماع لا يوجب خروج غيره ، مع أنّ قوله : « من الوجه » في الصحيح يخرج ما ذكره ، لأن المتجاوز عن العارض ليس من الوجه.

فروع :

أ : القصاص منتهى منبت الشعر من الناصية دون النزعتين ، لأنهما من الرأس ، وهو عند انتهاء استدارة الرأس وابتداء تسطيح الجبهة.

والمعتبر إنما هو من مستوى الخلقة ، لأنّه المتبادر حين يطلق ، وكذا في التحديد العرضي بالإصبعين ، فيرجع فاقد شعر الناصية المعبّر عنه بالأنزع ، وأشعر الجبهة المسمّى بالأغم ، وقصير الأصابع وطويلها بالنسبة إلى وجهه ، إلى مستوى الخلقة.

ب : يجب استيعاب الوجه المحدود بالغسل إجماعا ، بل ضرورة من الدين ، كما صرّح به بعض مشايخنا المحققين (٣).

تدلّ عليه صحيحة زرارة المتقدمة (٤) ، وصحيحته الأخرى : إلا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين؟ فضحك ، فقال : « يا زرارة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل به الكتاب من الله بقوله :

__________________

(١) نهاية الاحكام ١ : ٣٦.

(٢) كما في المدارك ١ : ١٩٨ قال : وقد يستدل على الوجوب ببلوغ الإبهام والوسطى بهما فيكونان داخلين في تحديد الوجه. وضعفه ظاهر ، فإن ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة وإلاّ لوجب غسل كل ما نالته الإبهام والوسطى وان تجاوز العارض وهو باطل إجماعا.

(٣) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ( مخطوط ).

(٤) في ص ٨٦.

٩٠

( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل » (١).

وحسنة زرارة وبكير : « إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلاّ غسله ، وأمر بغسل اليدين إلى المرافق ، فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلاّ غسله » (٢) وتظهر منها دلالة الآية عليه أيضا.

ج : لا خلاف في عدم وجوب تخليل ما كان كثيفا ، أي ساترا للبشرة من اللحية ، سواء كان كلّها أو بعضها ، وعليه الإجماع عن الخلاف والناصريات (٣).

وإنّما الخلاف في الخفيفة ، وفسّروها بما يتراءى البشرة من خلالها في مجلس التخاطب.

فعن الشيخ في المبسوط (٤) ، والمحقق (٥) ، والفاضل في المنتهى والإرشاد والتلخيص والتحرير (٦) ، والشهيد في بعض كتبه (٧) : عدم الوجوب.

بل قيل : إنّه المشهور (٨).

وعن العماني (٩) ، والإسكافي (١٠) ، والسيّد (١١) ، والفاضل في المختلف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠ الطهارة ب ١٩ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ـ ٢١٢ ، التهذيب ١ ٦١ ـ ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ـ ١٨٦ ، الوسائل ١ : ٤١٢ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٣٨٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣. والآية في المائدة : ٦.

(٣) الخلاف ١ : ٧٥ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٤.

(٤) المبسوط ١ : ٢٠.

(٥) المختصر النافع : ٦.

(٦) المنتهى ١ : ٥٧ ، مجمع الفائدة ١ : ١٠٢ ، التحرير ١ : ٩.

(٧) الدروس ١ : ٩١.

(٨) الذكرى : ٨٤.

(٩) نقله عنه في التذكرة ١ : ١٦ ، والرياض ١ : ٦٧.

(١٠) نقله عنه في المختلف : ٢١.

(١١) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٨٣.

٩١

والتذكرة (١) : الوجوب.

واضطربت كلمات المتأخّرين في تحرير محل النزاع ، حتى آل إلى دعوى بعضهم (٢) الإجماع على ما جعله الآخر موضع الخلاف.

ومنهم من جعل النزاع لفظيا ، وقال : إنّ كل من قال بوجوب التخليل فأراد الكثيفة ، إذ ليس في الخفيفة تخليل ، بل هو إيصال الماء (٣). أو قال : إنّ من نفى التخليل في الخفيفة نفاه لغسل البشرة المستورة بها أصالة ، وأما غسلها من باب المقدمة لغسل الظاهرة خلالها الواجب غسلها البتة فلا ينفيه.

ومن أثبته أراد الأعم من التبعي (٤).

ومنهم من جعله ذا احتمالات حكم في بعضها بالوجوب وفي آخر بالعدم (٥).

والتحقيق : أنّ مقتضى استصحاب الحكم الثابت قبل نبات اللحية وجوب غسل البشرة حتى يعلم الرافع ، وما يصلح رافعا هنا صحيحتا محمّد وزرارة وروايته (٦).

أولاها : أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال : « كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ، فلا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء » (٧).

__________________

(١) المختلف : ٢١ ، التذكرة ١ : ١٥.

(٢) يظهر من الشهيدين في الذكرى : ٨٤ ، والروض : ٣٢ اتفاق جميع الفقهاء على وجوب غسل البشرة الظاهرة خلال الشعر ، وصرّح في جامع المقاصد ١ : ٢١٤ بوجود الخلاف فيه ، وفي المشارق : ١٠٣ جعله موردا للخلاف بين الأصحاب ، واستظهر من الشيخ والمحقق والعلامة القول بعدم وجوبه.

(٣) قاله في الحدائق ٢ : ٢٣٩.

(٤) قاله في الرياض ١ : ١٩.

(٥) كما في الذخيرة : ٢٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨ ـ ٨٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٣.

(٧) لا يخفى عدم تطابق المتون الثلاثة التي أوردها المصنف مع ما أشار إليه في المقام بحسب الترتيب ، فالمتن الأول صحيحة زرارة ، والثاني صحيحة محمّد بن مسلم والثالث رواية زرارة ، فلاحظ.

٩٢

وثانيتها : عن الرجل يتوضّأ أيبطن لحيته؟ قال : « لا » (١).

وثالثتها : « إنّما عليك أن تغسل ما ظهر » (٢).

ولا شك في رفعها الوجوب في الكثيفة ، فيرفع فيها بها ، مضافا إلى الإجماع.

ورفعه بالأصل ـ كما قيل (٣) ـ غير جيد ، لما عرفت من الاستصحاب.

وأمّا الخفيفة ـ على ما فسّروها به ـ فلا يرفع الوجوب في جميع أفرادها بها ، لأنّ منها ما تصدق عليها الإحاطة عرفا ، وعلى تخليلها التبطين ، ومنها ما ليس كذلك بل تعدّ عرفا مما ظهر.

فالحق التفصيل بذلك ، والقول بأنّ كلّما كان الشعر محيطا بالبشرة بحيث يقال : إنها تحته وباطنه ، لا يجب إيصال الماء إلى تحته ، ولو كان بحيث يتراءى أحيانا وفي بعض الأوضاع ، وكلّما لم يكن كذلك يجب الإيصال ، وما كان موضع الشك يعمل فيه بمقتضى الاستصحاب.

ولا ينافي وجوبه (٤) في بعض أفرادها المستفيضة الدالّة على كفاية الغرفة (٥) ، لوصول الماء بها إلى البشرة فيه ، بل يمكن إيصالها إليها في جميع أفرادها ، كيف مع أنها كافية لليد مع وجوب التخليل فيها عند الأكثر (٦) مع كون المغسول فيها أوسع.

وأيضا : قد صرّحت الأخبار بكفاية ثلاث أكف في الغسل (٦) ، مع ما فيه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨ الطهارة ب ١٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١ : ٤٣١ أبواب الوضوء ٢٩ ح ٦.

(٣) كما في الخلاف ١ : ٧٦ ، والرياض ١ : ١٩.

(٤) يعني وجوب التخليل في بعض أفراد الخفيفة.

(٥) الوسائل ١ : ٤٣٥ أبواب الوضوء ب ٣١.

(٦) ممن صرّح بوجوب التخليل فيها الشهيد في الذكرى : ٨٥ ، والدروس ١ : ٩١ ، واختاره في الذخيرة : ٢٩ ، والمشارق : ١٠٩.

(٧) الوسائل ٢ : ٢٤١ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٦.

٩٣

من سعة المحل ووجوب تخليل الشعر فيه وإن كثف.

هذا ، ولا يبعد تنزيل كلام الأصحاب على ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ حكم كل ما في الوجه من الشعور غير اللحية ، كالشارب ، والخد ، والعذار ، والحاجب ، والعنفقة (١) ، والهدب (٢) ، حكم اللحية بعينه ، لعموم الصحيحة الأوّلى والرواية.

وفي عدم استحباب تخليل ما لا يجب تخليله ، كما عن المحقق (٣) ، والنفلية ، والبيان (٤) ، للأصل ، وظاهر الصحيحين ، واحتمال دخوله في التعدي المنهي عنه وكونه مذهب العامة كما صرّح به جماعة (٥) ، ويستفاد من المروي في كشف الغمة ـ فيما كتب مولانا الكاظم إلى علي بن يقطين اتّقاء ـ : « اغسل وجهك وخلّل شعر لحيتك » ثمَّ كتب إليه : « توضّأ كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة واخرى إسباغا » إلى أن قال : « فقد زال ما كنّا نخاف عليك » (٦) ولم يتعرض له ثانيا ، ولو كان مستحبا لذكره كالإسباغ.

أو استحبابه ، كما عن التذكرة ، ونهاية الإحكام (٧) ، والشهيد (٨) ، للاحتياط ، قولان : أظهرهما : الأوّل ، لما مرّ.

__________________

(١) العنفقة : شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. القاموس ٣ : ٢٧٨.

(٢) هدب العين ، بضم الهاء وسكون الدال وبضمّتين : ما نبت من الشعر على أشفارها.

(٣) المعتبر ١ : ١٤٢.

(٤) النفلية : ٦ ، البيان : ٤٥ ، ولا يخفى انّه لم يصرّح فيهما بعدم الاستحباب. ويمكن استظهاره بملاحظة عدم ذكرهما التخليل في عداد المستحبات ، ولهذا قال في كشف اللثام ١ : ٦٧ وهو ظاهر النفلية والبيان.

(٥) قال في المعتبر ١ : ١٤٢ وأطبق الجمهور على الاستحباب ، وراجع المغني لابن قدامة ١ : ١٦١ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ١٦.

(٦) كشف الغمة ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٧) التذكرة ١ : ١٦ ، نهاية الاحكام ١ : ٥٨.

(٨) الذكرى : ٩٤.

٩٤

والاحتياط إنما يتم مع الريبة وليست في الكثيفة ، للإجماع على عدم الوجوب فيها. وفتوى هؤلاء لا تثمر مع الظواهر المذكورة.

نعم ، يجب غسل شي‌ء من المستورة فيما يجب تخليله من الخفيفة من باب المقدمة.

والمرأة كالرجل لو نبت شعر في وجهها على ما نقل عن المبسوط ، والمهذب ، والجواهر (١) ، والمعتبر (٢) ، بل عليه دعوى الإجماع ، لإطلاق بعض ما سبق من الأخبار.

د : من بوجهه آثار الجدري يجب عليه إيصال الماء إلى جوفها ، لكونها من الظواهر. فلو حشا بعضها بحشو يمنع الماء يبطل ، بخلاف ما تعارف لبعض النسوان ، حيث يحككن موضعا من جسدهن ويحشينه بالنيل ومثله ، فإنّه ليس من الظواهر.

هـ : تجب البدأة في غسله بالأعلى ، وفاقا للمبسوط ، والوسيلة (٣) ، والإصباح ، والشرائع ، والمعتبر (٤) ، وكتب الفاضل (٥) ، ونسبه في التذكرة (٦) وغيره إلى الأكثر ، للمروي في قرب الإسناد : « ولا تلطم وجهك بالماء لطما ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا » (٧).

وضعفه منجبر بالشهرة ، ولا أقلّ من المحكية وهي في الجبر كافية.

واحتمال تحديد الوجه دون بيان مبدأ الغسل ومنتهاه خلاف أصل الحقيقة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٢ ، المهذب ١ : ٤٣ ، جواهر الفقه : ١٠.

(٢) المعتبر ١ : ١٤٢.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠ ، الوسيلة : ٥٠.

(٤) الشرائع ١ : ٢١ ، المعتبر ١ : ١٤٣.

(٥) المنتهى ١ : ٥٨ ، التحرير ١ : ٩ ، المختلف : ٢١.

(٦) التذكرة ١ : ١٥.

(٧) قرب الإسناد : ٣١٢ ـ ١٢١٥ ، الوسائل ١ : ٣٩٨ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢٢.

٩٥

في الحرفين ، ولما يتبادر منهما عند عدم القرينة ، كما يظهر من قول القائل : ذهبت من البصرة إلى الكوفة.

ويدل عليه خبر التميمي الآتي (١) في غسل اليد ، حيث فرّق عليه‌السلام بين التفسيرين. وفهم التحديد أحيانا بالقرينة لا يفيد.

ويؤيده : مفهوم صحيحة حمّاد : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (٢).

والمستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففي إحداهما : « وأخذ كفا من ماء ، فأسدله على وجهه من أعلى الوجه » (٣).

وفي الأخرى : « فملأها ماء ، فوضعه على جبينه » (٤).

وفي الثالثة المروية في تفسير العياشي : « فصبّها على جبهته » (٥).

والاستدلال بها ، لأنّ فعله إذا كان بيانا لمجمل وجب ، مع أنه لو لم يجب لم تكن فائدة في ذكر خصوص الغسل من الأعلى ، وإنه نقل عنه أنه لما أكمل وضوءه قال : « هذا وضوء لا يقبل الله صلاة إلاّ به » ، غير تام.

كالاستدلال باستصحاب الحدث ، وبافتقار تيقّن الشغل إلى تيقّن البراءة ، وبوجوب البدأة بالأعلى في اليدين ولا فصل ، وبانصراف إطلاق الأمر بغسل الوجه إلى الشائع.

لضعف الأوّل : بمنع دلالته على بدأة الرسول بالأعلى أيضا ، لعدم العلم بمدخليتها فيه ، بل يجوز أن يكون من قبيل طلب القدح وكيفية حركة اليد ، فهو أحد جزئيات الغسل الذي لا بدّ من واحد منها.

__________________

(١) ص : ٨٦.

(٢) التهذيب ١ : ٥٨ ـ ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٩ ، الوسائل ١ : ٤٠٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٧ ح ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٧ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٩٨ ـ ٥١ ، المستدرك ١ : ٣٠٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

٩٦

سلّمنا ولكن نمنع كونه بيانا ، لجواز أن يكون حكاية وضوئه غالبا.

سلّمنا ولكن لا نسلّم وجوب كلّ ما كان بيانا للمجمل وإن علم وجهه ، كما بيّنا في موضعه.

وأمّا ذكر خصوص الأعلى فمع أنّه ليس من الإمام ، يجوز أن يكون لاستحبابه ، أو من قبيل ذكر طلب القدح ومل‌ء الكف وأمثالهما.

وما نقل عنه لم يثبت أنه بعد ذلك الوضوء.

والقول بأنّ الظاهر أنّ ما كان قبله كان من الأعلى ، لشيوعه ، ومرجوحية غيره ، وعدم حصول الالتزام به ، مردود : بمنع شيوعه وإن شاع غير الأسفل ، فيحتمل الغسل من الوسط. ومنع مرجوحيته ، مع أنّ المرجوح قد يرتكب لبيان الجواز. وعدم حصول الالتزام بالغير ، لعدم ثبوت كونه من العبادة.

على أنّه لا بدّ أن يحمل على المثل لا الشخص ، والمثلية تحصل بالاشتراك فيما يعلم انّه ليس من العادات ، وحمل المماثلة المطلقة على العموم ممنوع. ولو سلّم فلو لم يكن هناك ما يرجح أمرا خاصا وهو في الحديث موجود ، إذ هو هكذا : قال الصادق عليه‌السلام : « والله ما كان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مرّة مرّة ، وتوضّأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة مرّة ، فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » (١) والمتبادر منه أنّ مثل هذا في كونه مرّة مرّة.

هذا ، مع أنّ الثانيتين لا تدلاّن على البدأة بأعلى الجبهة والجبين. بل يمكن أن يراد بالأعلى في الأولى أيضا العرفي ، فلا يثبت المطلوب إن كان الأعلى الحقيقي.

والثاني : بما مر في مسألة نية الوجه والرفع.

والثالث : بعدم تيقّن الشغل إلاّ بمطلق الغسل وقد حصل.

فإن قيل : عدم الاشتغال بالوضوء الصحيح ولم يعلم حصوله.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥ ـ ٧٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٨ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٠ ـ ١١.

٩٧

قلنا : الوضوء في الأخبار مبيّن كما مرّ وأطلق فيها الغسل ، والأصل عدم التقييد.

وأيضا : ورد في المعتبرة أنّ الوضوء في القرآن مذكور (١) والغسل فيه مطلق ، فيحصل الوضوء به ، ويلزمه تيقّن البراءة.

والرابع : بمنع عدم الفصل كما سيظهر ، كيف واقتصر بعضهم بذكره في اليدين خاصة.

والخامس : بمنع الشيوع الذي يوجب الانصراف إليه ، سلّمناه ولكنه في غير الذقن كما مر.

ولضعف تلك الأدلة ـ التي هي مستند الأكثر ـ ذهب جماعة من المتأخرين (٢) إلى عدم وجوبها. وهو صريح السيد (٣) ، والحلي (٤) ، وابن سعيد (٥) ، وظاهر الصدوق في الهداية (٦) ، ومحتمل النافع واللمعة (٧) ، للأصل ، وإطلاق الآية والأخبار ، وصدق الامتثال ، وصحيحة حمّاد السابقة (٨) ، بتقريب : انّ المسح في اللغة يصدق على إمرار اليد ولو في الغسل ، واستعمل فيه أيضا في الروايات كرواية قرب الإسناد ، المتقدّمة (٩) ، وفي صحيحة زرارة ـ بعد قوله : « فأسدله على‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤١٢ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ١.

(٢) كما نسبه إليهم في الحدائق ٢ : ٢٣٠ ، ونفى عنه البعد في الكفاية : ٢ ، ويظهر الميل إليه في المدارك ١ : ٢٠٠ ، واستظهره في المشارق : ١٠٣ ـ ثمَّ قال : لكن الشهرة بين الأصحاب والتكليف اليقيني بالغسل انما يقتضيان ملازمة الاحتياط.

(٣) الانتصار : ١٦.

(٤) السرائر ١ : ٩٩.

(٥) الجامع للشرائع : ٣٥.

(٦) الهداية : ١٧.

(٧) النافع : ٧ ، اللمعة : ١٨.

(٨) ص ٩٦.

(٩) ص ٩٥.

٩٨

وجهه » ـ : « ثمَّ مسح وجهه من الجانبين جميعا ، ثمَّ أعاد يده اليسرى في الإناء فأسدلها على يده اليمنى ثمَّ مسح جوانبها » (١) وفي صحيحة محمّد : « فأخذ كفا من ماء ، فصبه على وجهه ، ثمَّ مسح جانبيه حتى مسحه كله » (٢).

والأصل والإطلاق بما ذكرنا مندفع ومقيّد. وصدق الامتثال بعد الأمر بالبدأة من الأعلى فيما مرّ ممنوع.

والمسح وإن صدق على مطلق إمرار اليد ، ولكنه أعمّ من وجه من الغسل ، والواجب في الوجه الغسل دون المسح ، فلا مسح في الوضوء إلاّ في الرأس والرجلين ، فهو المراد من مسح الوضوء قطعا.

ثمَّ الواجب هو البدأة بالأعلى بحيث يصدق عرفا أنّه بدأ منه منتهيا إلى الأسفل. وأما غسل كلّ جزء من الأعلى قبل الأسفل فلا ، بل فيه العسر المنفي.

بل الثابت ممّا ذكرنا ليس إلاّ البدأة بما هو الأعلى عرفا ، لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني العرفية حقيقة ، وهو يصدق بالابتداء من الجبهة مطلقا. وأمّا وجوب البدأة بمبدإ القصاص حقيقة فلا دليل عليه أصلا ، والأصل ينفيه.

و : يجوز غسل الوجه بكلّ من اليدين ، للأصل ، وإن كان الفضل في اليمنى كما يأتي. وبهما معا ، للأصل ، وموثّقة بكير وزرارة وفيها : « ثمَّ غمس كفّه اليمنى في التور فغسل وجهه بها ، واستعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه » (٣).

الثالث : غسل اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع‌. ووجوبه أيضا ضروري منصوص عليه في الكتاب والسنّة المتواترة.

ويجب استيعابهما إلى المرفقين ، بحيث لا يشذّ منهما شي‌ء إجماعا.

__________________

(١) المتقدمة في ص ٩٦ الرقم (٣).

(٢) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٧ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٣٩١ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٥٦ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ـ ١٦٨ ، الوسائل ١ : ٣٩٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١١.

٩٩

وتدلّ عليه حسنة زرارة وبكير المتقدّمة (١) ، وصحيحة زرارة في السوار والدّملج والخاتم الآتية (٢) ، والمروي في تفسير العياشي : « وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين ، فليس ينبغي له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلاّ غسله » (٣).

والمرفق إمّا مفصل عظمي الذراع والعضد فيكون خطا هو الحد المشترك بينهما ، أو مجمعهما فشي‌ء منه داخل في العضد وشي‌ء في الذراع ، أو كلّه يكون من كلّ منهما.

ولا دلالة للصحاح الآمرة بغسل المكان المقطوع منهما (٤) إطلاقا أو خصوصا على ترجيح المعنى الثاني كما قيل (٥).

ويجب إدخالهما في الغسل أيضا ، وفاقا كما عن الجوامع ، والتبيان (٦) ، والمنتهى ، والبيان (٧) ، وإن اختلفوا في مأخذه فقيل : للظواهر من الآية والأخبار البيانية ، وما ورد في وضوء الأقطع فيكون وجوبه أصليا نفسيا (٨).

وقيل : لتوقّف تحصيل الواجب عليه (٩) ، فيكون الوجوب تبعيا غيريا.

وهو الحقّ على التفسير الأوّل مطلقا ، للأصل ، وعدم تمامية دلالة شي‌ء ممّا ذكر للأوّل.

أما الآية : فظاهرة.

وأمّا البيانيات : فلعدم ثبوت الوجوب منها كما مرّ.

__________________

(١) ص ٩١.

(٢) لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المضمون ، والآتية هي صحيحة علي بن جعفر كما في ص ١٠٦.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٨ ـ ٥١ ، المستدرك ١ : ٣٠٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ١ : ٤٧٩ أبواب الوضوء ب ٤٩.

(٥) الرياض ١ : ١٩.

(٦) الجوامع للطبرسي : ١٠٥ ، التبيان ٣ : ٤٥٠ ـ ٤٥١.

(٧) المنتهى ١ : ٥٨ ، البيان : ٤٦.

(٨) استدلّ في الرياض ١ : ١٩ بما ذكر سوى الآية.

(٩) كما في مفاتيح الشرائع ١ : ٤٥.

١٠٠