مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

الحمل على مثل ذلك الأقرب ، وثبوت مطلق الرجحان الموجب ـ لدفع الأصل ـ للاستحباب بما مرّ.

ولا تضرّ معارضة أخبار الرجوع إلى العادة الواردة جميعا أيضا بلفظ الإخبار المفيد للرجحان. لا لما قيل (١) من أنها لا تفيد سوى الجواز الغير المنافي للاستحباب حيث وردت في مقام توهّم الحظر ، لمنع حمل الأمر على الجواز في مثل ذلك المقام.

بل لسقوطها بموافقتها العامة (٢) التي هي من موجبات المرجوحية المنصوصة ، فتبقى مرجّحات الاستظهار خالية عن المعارض.

مع أنه لو تعارض الفريقان ، لوجب تقديم الأولى ، لكونها أخصّ مطلقا.

ولو سلّم أنّهما تعارضا وتساقطا ، لكفت الشهرة العظيمة بل ظاهر الإجماع لإثبات الاستحباب ، للتسامح في أدلّته.

ومنه يظهر سقوط القول بالجواز الخالي عن قيدي الوجوب والاستحباب رأسا وإن سقطت أدلّة الطرفين بالتعارض (٣).

فروع :

أ : مقتضى إطلاقات الاستظهار ثبوته مع رؤية الدم مطلقا سواء كان بصفة الحيض أم لا.

وربما يقيّد بالأول ، جمعا بينها وبين إطلاقات سقوط الاستظهار بشهادة أخبار التمييز (٤).

وفيه ـ مع أنّ الاستشهاد لا يوافق التخيير في أيام الاستظهار ولا استحبابه ـ : ..

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٤٢.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٥١ قال : وأما الاستظهار الذي قال به مالك بثلاثة أيام فهو شي‌ء انفرد به مالك وأصحابه وخالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدى الأوزاعي

(٣) كما قال به المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٤٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٧٠.

(٤) كما في المدارك ١ : ٣٣٤.

٤٤١

أنّ أخبار التمييز معارضة مع حسنة ابن مسلم وموثّقته (١) الدالّتين على حيضية كلّ ما رأته قبل العشرة وساقطة في المقام ، فيبقى ذلك الجمع بلا شاهد فلا اعتبار به.

وقد يجمع (٢) أيضا بحمل إطلاقات السقوط على مستقيمة الحيض بلا اختلاف بالزيادة والنقصان والتقدّم والتأخّر ، والمثبتات له على غيرها ، بشهادة صحيحتي البصري (٣) وابن أعين (٤).

وهو كان حسنا لو لا شذوذهما ، إذ لا قائل بهما كما في اللوامع ، ولا أقلّ من ندرته الكافية لإخراج الرواية عن حيّز الحجية ، مع أنّ تنزيلهما على ما لا ينافي المشهور ممكن.

ب : إذا تمّت أيام الاستظهار قبل العاشر ولم ينقطع الدم تفعل فعل المستحاضة إجماعا ، وتدلّ عليه موثّقة سماعة ، وفيها : « فإذا كان أكثر من أيامها التي كانت تحيض فيهن فلتتربّص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها ، وإذا تربّصت ثلاثة أيام ولم ينقطع عنها الدم فلتصنع كما تصنع المستحاضة » (٥).

واختصاصها باستظهار الثلاثة غير ضائر ، لعدم الفصل.

ج : صرّح الأكثر ـ بل قيل : إنّه المعروف منهم ـ بأنّ بعد الاستظهار فإمّا يتجاوز دمها العاشر ، أو لا بل ينقطع عليه أو على ما دونه.

فعلى الأول يتبيّن كون ما سوى العادة استحاضة ويلزمه وجوب قضاء ما تركته في أيام الاستظهار من الصلاة والصوم.

وعلى الثاني يتبيّن كون الجميع حيضا ، فتقضي الصوم حتى الذي اتي به

__________________

(١) المتقدمتين ص ٣٩٢.

(٢) كما جمعه في الحدائق ٣ : ٢٢١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٠ ـ ١٣٩٠ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٨.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٩ أبواب الاستحاضة ب ٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٧٧ الحيض ب ٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١.

٤٤٢

بعد أيام الاستظهار.

وقيل : تكون أيام الاستظهار حيضا في اليقين ، وإنّما التفاوت بالحيضية والاستحاضة إنّما هو فيما بعدها وقبل انقضاء العشرة لو كان ، حكي عن مصباح السيد (١) ، وظاهر القواعد ، والنهاية (٢) ، واختاره في النافع ، ونقله في المعتبر عن جماعة من علمائنا المحقّقين (٣).

ومال بعض مشايخنا المتأخّرين (٤) ـ مضافا إلى حيضية أيام الاستظهار ـ إلى كون ما بعد أيام الاستظهار استحاضة مطلقا ، وإليه يميل كلام المدارك (٥).

ومن هذا ظهر أنّ أيام الاستظهار مع عدم التجاوز حيض إجماعا ، وما بعدها إلى العشرة مع التجاوز طهر كذلك. وإنّما الخلاف في الأول (٦) مع الثاني والثاني (٧) مع الأول ، ففي كلّ من الموضعين قولان : الطهرية والحيضية ، وفيهما معا احتمالات أربعة : طهرية الأول وحيضية الثاني وهو المشهور ، وعكسه وهو لصاحب المدارك وبعض المشايخ ، وحيضيتهما معا وهو للسيد وتابعيه ، وطهريتهما كذلك ، ولم أعثر على قائل به.

والتحقيق في المقام ، بعد ملاحظة أنه لا دلالة لأخبار الاستظهار على حيضية أيامه ولا طهريته أصلا ، إذ لا ملازمة بين استحباب ترك العبادة في أيام الاستظهار أو وجوبه وبين أحد الأمرين قطعا ، كما أنه يجب تركها برؤية الدم مع‌

__________________

(١) حكاه في الرياض ١ : ٤٢.

(٢) القواعد ١ : ١٦ ، نهاية الإحكام ١ : ١٢٣ وقد أوضح في الرياض ١ : ٤٢ وجه الاستظهار منهما فراجع.

(٣) النافع : ١٠ ، المعتبر ١ : ٢١٥.

(٤) انظر الحدائق ٣ : ٢٢٤.

(٥) المدارك ١ : ٣٣٦.

(٦) أي في أيام الاستظهار مع الثاني أي مع التجاوز عن العشرة.

(٧) أي في ما بعد أيام الاستظهار مع الأول أي مع عدم التجاوز عن العشرة

٤٤٣

أنه قد لا يستمرّ إلى الثلاثة ، ويجب فعلها في الانقطاع المتخلّل في الأثناء ، مع أنه قد يعود الدم قبل العشرة أو تمام العادة. ولا لمثل قوله في تلك الأخبار بعد الاستظهار : « ثمَّ هي مستحاضة » على الحيضية قبله : أنّ ها هنا أقساما خمسة من الأخبار : الدالّة على أنّ كلّ ما تراه بعد أيام حيضها فليس بحيض (١) ، وقوله في المرسلة : « فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا وخلقا تعمل عليه وتدع ما سواه » (٢) والمصرّحة بأنّ ما بعد أيام الاستظهار استحاضة (٣) ، والمشتملة على أنّ كلّ ما بصفة الحيض حيض (٤) ، والمتضمّنة لأن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى (٥).

ومقتضى إطلاق الأولين طهرية الموضعين ، كما أنّ مقتضى الثالث طهرية الثاني أيضا ، ومقتضى إطلاق الثانيين حيضية الموضعين ، فيتعارض الفريقان بالعموم من وجه ، ويرجع إلى الأصل ، وهو يقتضي حيضية الموضعين لاستصحاب الحدث. ولا تعارضه في الموضع الأول أصالة بقاء العادة على حالها ، لمنعها البتة.

فالحقّ هو القول الثاني.

وإباء العقل عن الحكم بكون ما تراه من الدم طهرا في آن وما تراه في آن متّصل به حيضا مع اتّصالهما ، وعن صيرورة دم واحد حيضا وطهرا باختيارها لتخييرها في الاستظهار ـ كما هو اللازم في الموضع الأول ـ ممنوع جدّا.

د : لو رأت ذات العادتين الدم قبيل (٦) العادة وانتهت أيام العادة في أثنائها ففي الاستظهار حينئذ لأخباره ، أو عدمه بل التحيّض ، لقوله عليه‌السلام في‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٢٨١ أبواب الحيض ب ٥.

(٢) تقدم مصدرها في ص ٤١٩.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢.

(٦) في « ق » و « ه‍ » : قبل.

٤٤٤

المرسلة الطويلة : « فتعمل فيه وتدع ما سواه » (١) إشكال.

هـ : لو اختارت عدم الاستظهار تغتسل وتعمل عمل المستحاضة ، فإن تجاوز الدم العشرة فلا شي‌ء عليها إجماعا ، وإلاّ فتتحيّض في جميع أيام الدم وتقضي الصوم ، ووجهه ظاهر ممّا سبق. والظاهر عدم الفرق في ثبوت الاستظهار بين ما إذا استمرّ الدم إلى العادة وتجاوز عنها أو انقطع قبلها ثمَّ عاد قبل العشرة بما يمكن فيه الاستظهار ، لإطلاق بعض أخباره. وحينئذ فإن تجاوز عن العشرة ، فالظاهر عدم الخلاف في كونه استحاضة وأيام النقاء طهرا ، وإلاّ فمقتضى الاستصحاب حيضيّته مع أيام النقاء.

الثالثة : لو تجاوز دمها العاشر ، تجعل عادتها عددا ووقتا أو مع أيام الاستظهار ـ على اختلاف القولين ـ حيضا ، وما سواها استحاضة إن لم يبلغ المجموع حدّا يصلح لحيضتين مستقلّتين بأن يتضمّن الزائد على العادة لأقلّ طهر وحيض ـ توافقت العادة والزائد الصالح للحيضية في الصفات أو اختلفتا ـ مع كون أيام العادة بالصفة إجماعا.

وكذا مع كون غير العادة بالصفة دون العادة ، فيرجح العادة على الأصح الأشهر ، كما صرّح به جماعة ، وهو مختار المفيد ، والسيد (٢) ، والشيخ في الجمل والمبسوط (٣) ، والمعتبر ، والنافع ، والشرائع (٤) ، والجامع ، والكافي ، والاقتصاد ، والسرائر (٥) ، وغيرها (٦).

لعموم أخبار العادة ، وأنّ الصفرة في أيام الحيض حيض ، وإطلاقات كون‌

__________________

(١) تقدم مصدرها ص ٤١٩.

(٢) نقل في المعتبر ١ : ٢١٢ عنه وكذا عن المفيد.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٤ ، المبسوط ١ : ٤٩.

(٤) المعتبر ١ : ٢١٢ ، النافع : ٩ ، الشرائع ١ : ٣٢.

(٥) الجامع للشرائع : ٤٢ ، الكافي : ١٢٨ ، الاقتصاد ٢٤٦ ، السرائر ١ : ١٤٨.

(٦) كالقواعد ١ : ١٤ ، والذكرى : ٢٩.

٤٤٥

الدم استحاضة بعد الاستظهار.

وخصوص قوله عليه‌السلام في المرسلة الطويلة : « ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ».

وقوله فيها : « فإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه ».

وقوله فيها أيضا : « فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه وتدع ما سواه ».

خلافا للمحكي عن النهاية (١) ، والإصباح (٢) ، وموضع من المبسوط (٣) ، فرجّحوا التمييز ، لأخباره ، الواجب تقييدها بغير ذات العادة ، لما ذكر.

وللمنقول عن ابن حمزة (٤) ، فقال بالتخيير ، جمعا بين أخبار العادة والتمييز. وضعفه ظاهر بعد ما مرّ.

وللكركي (٥) ، فرجّح العادة مع استفادتها من الأخذ والانقطاع ، والتمييز مع استفادتها من التمييز ، لئلاّ تلزم زيادة الفرع على الأصل.

ويردّ بعدم محذور في لزومه ، مع أنه ليس زيادة.

ولو بلغ المجموع حدّا صالحا لحيضتين بأن يتخلّل بينهما زمان أقلّ الطهر ، فمع اختلاف الدمين بالتمييز وعدمه وثبوت التمييز لغير العادة ، ففي الرجوع إليها ، أو إليه ، أو جعل كلّ منهما حيضا منفردا ، احتمالات بل أقوال. أظهرها : الأول ، وفاقا لبعض الثالثة (٦) ، للمرسلة المشترطة في الرجوع إلى التمييز فقد‌

__________________

(١) النهاية : ٢٤.

(٢) نقل عنه في كشف اللثام ١ : ٩٠.

(٣) المبسوط ١ : ٤٨.

(٤) الوسيلة : ٦٠.

(٥) جامع المقاصد ١ : ٣٠١.

(٦) الذخيرة : ٥٥.

٤٤٦

العادة ، وقوله فيها : « وتدع ما سواه ». مع أنه لو قلنا بتعارض الأمر بدعة ما سواه ، والأمر باعتبار التمييز يرجع إلى أصالة عدم الحيضية.

خلافا لمحتمل النهاية (١) فالثاني ، وللمحكي عن الأكثر (٢) فالثالث ، لأدلّة ظاهرة مع ردّها. إلاّ أن يكون التحيّض بكلّ منهما مقتضى عادتها بأن تعتاد التحيّض في كلّ شهر مرتين مثلا.

وكذا (٣) مع عدم اختلافهما بالطريق الأولى. ولعلّ القائل بالحيضتين في الصورة السابقة يقول بهما هنا أيضا ، ودليله مع جوابه واضح ، هذا.

ثمَّ إنّ مقتضى ما ذكرنا من جعلها عادتها عددا ووقتا حيضا أنه لو تقدّمت الرؤية على الوقت وتجاوز عن العشرة وانقطع على آخر وقت العادة ، تجعل الزائد عن العادة الذي هو استحاضة من قبل العادة. وهو كذلك ، لقوله في المرسلة : « وتدع ما سواه ». وأمّا روايات حيضية ما قبل العادة (٤) فتسقط بمعارضة أخبار حيضية ما في العادة (٥).

ولو تجاوز مع ذلك عن آخر العادة أيضا تجعل الزائد من القبل والبعد ، وتتحيّض بالعادة ، لما ذكر.

ولو انقطع في أثناء العادة تأخذ العدد من الوقت ومن قبله وتجعل الزائد من القبل.

ولو لم يدخل شي‌ء من الدم في وقت العادة كما إذا لم تر فيه وترى بعده فتأخذ العدد ولا تعتني بالوقت لخلوّه عن الدم.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ١٤٢.

(٢) فإنّ الأكثر قائلون بقاعدة الإمكان كما تقدم في ص ٤٠٨. والمقام من مصاديق تلك القاعدة كما صرّح به في القواعد ١ : ١٤ ، والمسالك ١ : ١٠.

(٣) أي الأظهر الرجوع إلى العادة مع عدم اختلاف الدمين بالتمييز.

(٤) انظر ص ٤٣٤.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤.

٤٤٧

الرابعة : لو رأت في العادة وانقطع عليها أو على غيرها وطهرت أقلّ الطهر ، ثمَّ رأت في ذلك الشهر بعدد العادة أيضا ، فإن كان ذلك لها عادة تحيّضت بهما وكان كلّ حيضا ، وإن لم يكن عادة لها فالمشهور فيه ذلك أيضا.

والحقّ التحيّض بأيام العادة خاصة وإن كان التمييز لغيرها ، لما مرّ.

النوع الثاني : ذات العادة العددية خاصة‌.

والكلام فيها أيضا إمّا في تحيّضها ، أو في قدره ، أو وقته.

أما في الأول‌ : فكالمبتدأة إجماعا ، فالقائل بتحيّضها بمجرّد الرؤية يقول به هنا ، والقائل بتحيّضها بالوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة يقول به ها هنا أيضا. ولمّا عرفت أنّ الحق فيها التحيّض بالوصف فكذا في ذات العددية مع احتمال التحيض بالاستمرار إلى الثلاثة أيضا ، لمظنة الإجماع.

فإن قيل : تحيّض المبتدأة بالوصف إنّما كان لأخباره ، ولا تجري ها هنا ، لدلالة مفهوم المرسلة على عدم الرجوع إلى الوصف مع عدم الجهل بالوقت أو العدد.

قلنا : المتبادر منه عدم الاحتياج إلى الوصف فيما لم يجهل خاصة لا فيما جهله أيضا ، فلو علمت العدد خاصة لم يحتج فيه إلى الوصف وذلك لا ينافي احتياجها في الوقت إليه ، بل في آخر موثّقة إسحاق بن جرير (١) دلالة واضحة على اختصاص عدم الرجوع إلى التمييز بالمعلوم حيث حكم برجوع المختلفة في الوقت خاصة إليه.

سلّمنا ولكن بعد رجوعها إليه في المبتدأة يرجع إليه هنا أيضا بالإجماع المركّب.

فإن قيل : يمكن العكس بأن يسقط الوصف في العددية ، لمفهوم المرسلة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩١ الحيض ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ ـ ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

٤٤٨

ويحكم بتحيّضها بالرؤية ويتعدّى إلى المبتدأة بالإجماع المركّب.

قلنا : فيتساقطان ويرجع إلى المجمع عليه وهو التحيّض بالوصف ، أو مع الاستمرار أيضا إن ثبت فيه الإجماع.

وأمّا في الثاني‌ : فكذات العادة العددية والوقتية في العدد ، لأنّ ما هو المناط في إثبات العادة واعتبارها من موثّقة سماعة والمرسلة المتقدّمتين (١) يعم اعتبار العادة بالأقسام الثلاثة. بل في الموثّقة تصريح بأنّ بعد اعتياد العدد يكون هو أيام الحيض المصرّح في الأخبار باعتبارها ، وأيضا في الأخبار المتقدّمة في الاستظهار ، كصحيحتي ابن عمرو وزرارة (٢) دلالة على اعتبار العادة العددية.

وعلى هذا ، فهذه ترجع إلى عددها ، وتسقط غيره ، وتقدّمه على التمييز لو اختلفا عددا ، لما مرّ في ذات العادتين (٣). وتستظهر كاستظهارها.

وأما في الثالث‌ : فمع عدم التجاوز عن العشرة ظاهر. ومعه فمع فقد التمييز المساوي للعدد تتخيّر في وضعه حيث شاءت عند جماعة (٤) ، لعدم المرجّح. وتجعل الأول حيضا على الأقرب عندنا ، لما مرّ في المبتدأة (٥).

وكذا مع التمييز المساوي للعدد في الدور الأول ، ووجهه ظاهر. بل وكذا لو قلنا بدلالة مفهوم المرسلة على عدم رجوع ذات العادة مطلقا إلى الوصف. بل ولو قلنا بعدم دلالته عليه أيضا واختصاص دلالتها على عدم الرجوع فيما لم تجهله ـ كما هو الظاهر ـ وبقاء أخبار التمييز مطلقا خالية عن المعارض ، إذ قد عرفت أنّ تحيّضها ابتداء متوقّف على الوصف ، فلا يخلو الأول عن الوصف أيضا وهو كاف في جريان أخبار الوصف فيه أيضا.

__________________

(١) ص ٤٣٢.

(٢) المتقدمتين ص ٤٣٧ ، ٤٣٨.

(٣) في ص ٤٤٦.

(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٣٩ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٠٠.

(٥) في ص ٤٣٠.

٤٤٩

ثمَّ إنّها لو رأت العدد ثمَّ رأته أيضا بعد تخلّل أقلّ الطهر بينه وبين الأول خاليا عن الدم أو معه ، فتتحيّض بالثاني أيضا مع الوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة لو قلنا به في الأول ، ودليله دليله.

النوع الثالث : ذات العادة الوقتية‌.

وهي لا تكون على ما اخترناه ـ من حصول العادة في العدد بالقدر المشترك أيضا ـ إلاّ في ناسية العدد ، إذ بدون النسيان تكون ذات العادتين البتة ، وعلى هذا فيكون ذلك النوع من أفراد الناسية ويأتي حكمها.

القسم الثالث : الناسية.

وهي على ثلاثة أنواع : ناسية الوقت والعدد ، ويطلق عليها المتحيّرة ، وناسية الوقت خاصة ، والعدد كذلك.

والكلام فيها أيضا إمّا في التحيّض ، أو القدر ، أو الوقت.

أمّا الأوّل : فتحيّض الأوليين كالمبتدأة ، فتتحيّض كلّ منهما برؤية الدم المتصف ، مع احتمال التحيّض بغيره مع الاستمرار إلى الثلاثة أيضا. وتحيّض الثالثة كذات العادتين ، فتتحيّض برؤية الدم مطلقا في الوقت أو قبله ، وفي غيرهما بالصفة إذا لم تر في الوقت.

وأمّا الثاني والثالث فجميع أيام الدم حيض مع انقطاعه على العشرة في الأولى والثالثة ، وعلى العادة في الثانية ، وتستظهر كما مر في الثانية مع التجاوز عن العادة.

وإذا تجاوز العشرة في الثلاثة فإمّا يوجد التمييز أو لا ، فإن وجد فرجوع الأولى إليه إجماعي ، ونقل الإجماع عليه متكرّر (١) ، وصريح مواضع من المرسلة‌

__________________

(١) قال في المنتهى ١ : ١٠٤ الفاقدة للعادة ذات التمييز كالمضطربة والمبتدأة والناسية فإنها ترجع إليه وهو مذهب علمائنا. وفي المعتبر ١ : ٢٠٤ أن رجوع المبتدأة والمضطربة ـ في صورة تجاوز الدم ـ إلى التمييز مذهب فقهاء أهل البيت. ولا يخفى أنه يفيد في المقام بناء على شمول المضطربة للناسية ، فتدبر ولاحظ مفتاح الكرامة ١ : ٣٤٨ ، والحدائق ٣ : ٢٣٣.

٤٥٠

الطويلة (١) ، ومرسلة جميل المتقدّمة (٢) في مسألة أوصاف الحيض ، وعمومات (٣) اعتبار التمييز بلا معارض يدلّ عليه. ومثلها الناسية عددا والمبتدأة وقتا ، وعكسها.

وأمّا الأخريان فالحقّ فيهما ـ وفاقا لأهل التحقيق ـ تقديم العادة على التمييز فيما تتذكّره مع تعارضهما ، لعمومات اعتبار كلّ من العادتين وبناء الحيض عليه ، وعموم ما دلّ على اعتبار خصوص العدد ، كصحيحتي ابن عمرو وزرارة المتقدّمتين (٤) في الاستظهار ، وما دلّ على أنّ الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض (٥) ، وخصوص المرسلة (٦) المشترطة لاعتبار التمييز بالجهل بالأيام والعدد.

ومنه يظهر عدم تمامية القول بالجمع في صورة تذكّر العدد وزيادة التمييز عليه (٧).

وهل تعملان هاتان في الطرف المنسي بالتمييز أم لا؟

الظاهر ذلك في ناسية العدد ، فتجعل الوقت زمان التمييز وتأخذ العدد منه ، لأخبار التمييز الخالية عن المعارض سوى المرسلة المشترطة ، وقد علمت اختصاص الاشتراط بما لم تجهله.

أمّا ناسية الوقت فلا ، بل تجعل الوقت العدد الأوّل ، وقد ظهر وجهه في ذات العادة العددية.

وإن لم يوجد التمييز فإمّا متحيّرة ، أو ذاكرة العدد خاصة ، أو الوقت‌

__________________

(١) المتقدم مصدرها في ص ٤١٩.

(٢) في ص ٣٨١.

(٣) انظر الوسائل ٢ : أبواب الحيض ب ١ ، ٢.

(٤) ص ٤٣٧ ، ٤٣٨.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤.

(٦) يعني مرسلة يونس الطويلة.

(٧) قال في الحدائق ٣ : ٢٣٥ والأحوط هنا الجمع بينهما بجعل الجميع حيضا وقضاء عبادات ما زاد أو نقص عن أيام العادة.

٤٥١

كذلك.

أمّا الأولى فتتحيّض في كلّ شهر بسبعة أيام على الأظهر ، وفاقا للشيخ في الجمل (١) والحلبي (٢) ، واختاره غير واحد من مشايخنا (٣) ، لآخر المرسلة ـ الطويلة ـ الشاملة للمتحيّرة قطعا. وتخصيصه بالمبتدأة لا وجه له كما يأتي في الثالثة.

خلافا لكثير من علمائنا فإنّ لهم فيها أقوالا متكثّرة :

كالقول بتحيّضها بالثلاثة والعمل في بقية الشهر عمل الاستحاضة ، اختاره المحقّق في المعتبر (٤) ، ووالدي العلاّمة رحمه‌الله ، واستوجهه في المدارك (٥) ، عملا بالأصل ، ولزوم العبادة ، واستضعافا للرواية أو استنكارا لها في الدلالة.

والضعف مردود بما مرّ ، وقصور الدلالة بما يأتي ، فالأخذ بها متعيّن ، والأصل بها مندفع.

أو بتحيّضها في كلّ شهر بستة أيام أو سبعة أو من شهر بعشرة ، ومن آخر بثلاثة ، ذهب إليه جماعة (٦) بل نسب إلى الشهرة (٧) ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٨) ، للموثّقات الثلاث لابن بكير وسماعة ، المتقدّمة (٩).

وهي مختصة بالمبتدأة فالاستدلال بها للمتحيّرة غفلة.

أو بتحيّضها كلّما رأت الدم ، وطهرها كلّما انقطع ، حكي عن الصدوق‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٤.

(٢) الكافي : ١٢٨.

(٣) الحدائق ٣ : ٣٩ ، شرح المفاتيح ( مخطوط ) ، الرياض ١ : ٣٩.

(٤) المعتبر ١ : ٢١٠.

(٥) المدارك ٢ : ٢٩.

(٦) الشرائع ١ : ٣٤ ، المختلف ١ : ٣٩ ، الروض : ٦٩.

(٧) كما نسبه في الحدائق ٣ : ٢٣٧.

(٨) كما حكاه في الحدائق ، والذي عثرنا عليه في الخلاف ١ : ٧٦ ، دعوى الإجماع على ترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام.

(٩) ص ٤١٦ ، ٤١٧.

٤٥٢

والشيخ في النهاية (١) ، لموثّقتي يونس وأبي بصير ، المتقدّمتين (٢) في مسألة أقلّ الطهر ، بحملهما على من اختلط عليها دمها.

وفيهما ـ مع أخصّيتهما عن المدّعى لاختصاصهما بشهر واحد ، وأعميتهما من المرسلة ، لأنّ موردهما مطلق المرأة فالمرسلة لهما مخصّصة ـ : أن ظاهرهما مخالف للإجماع على كون أقلّ الطهر عشرة ، ومع ذلك فلا يوجد عامل بهما غيرهما من الطائفة ، مع أنّ الثاني رجع عنها في غير النهاية (٣) ، فهما شاذتان غير صالحتين للحجية ، مع أنّ الفاضل (٤) صرف كلامهما أيضا عن ظاهره المطابق للموثّقتين أيضا.

أو بتحيّضها في الشهر الأول بثلاثة وفي الثاني بعشرة ، أو بتحيّضها بعكس ذلك ، أو بستة أيام مطلقا ، أو بعشرة كذلك ، كما قال بكل منهما قائل بنقل الحلّي (٥) ، لبعض ما فساده ظاهر البتة.

أو بوجوب الاحتياط عليها والأخذ بأسوإ الحالات والجمع بين التكاليف ، بأن تعمل في الزمان كله عمل المستحاضة وتغتسل للحيض كلّ وقت يحتمل انقطاع الدم لكلّ صلاة وهو ما بعد الثلاثة ، إذ ما من زمان بعدها إلاّ ويحتمل الحيض وانقطاعه ، وتقضي صوم العشرة أو أحد عشر يوما ، وتجتنب كلّ ما تجتنبه الحائض ، كما اختاره في المبسوط (٦) ومال إليه في القواعد (٧) ، لفقد الدليل على حكمها ، وحصول الشك في زمان الحيض المقتضي لعدم يقين البراءة بدون‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٤ ، النهاية : ٢٤.

(٢) ص ٣٩٧ ، ٣٩٨.

(٣) كالخلاف ١ : ٢٤٢ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٤.

(٤) المختلف ١ : ٣٨.

(٥) السرائر ١ : ١٤٩.

(٦) المبسوط ١ : ٥٨.

(٧) القواعد ١ : ١٥.

٤٥٣

الاحتياط.

ويدفعه ـ مضافا إلى لزوم العسر والحرج المنفيين في الكتاب والسنّة ـ : أنّ الدليل على حكمها موجود ، وهو ما مرّ ذكره. ولولاه أيضا لكان مقتضى الأصل البراءة عن الزائد عن الثلاثة ، لأصالة عدم حدوث حدث الحيض في غيرها ، وأصالة عدم التكليف بالزائد.

هذا ، مع أنّه قال في البيان : إنّ الاحتياط هنا بالردّ إلى أسوإ الاحتمالات ليس مذهبا لنا (١). وهو مشعر بدعوى الإجماع على نفيه وأنّه مذهب العامة ، كما يظهر من الفاضل أيضا (٢) حيث نسبه إلى الشافعي (٣). ومع ذلك فهو يخالف ما ادّعاه الشيخ نفسه في الخلاف من الإجماع على الرجوع إلى الروايات (٤) ، هذا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ القائلين بالسبعة أو بعدد آخر يقولون بتخيّرها في وضعه حيث ما شاءت من الشهر كما في المبتدأة مع أولوية وضعه أول الدور ، وقد عرفت (٥) أنّ المصير إلى تعيّن ذلك أولى ، فهو المتعيّن عليها.

وأمّا الثانية ـ أي ذاكرة العدد ناسية الوقت ـ فتتحيّض بالعدد ، لما مرّ من أدلّة اعتباره الخالية عن المعارض.

وأمّا ما في آخر المرسلة من رجوع فاقدة التمييز إلى السبع فلا يشمل ذاكرة العدد ، لقوله : « وإن اختلط عليها أيامها ( وزادت ) ونقصت حتى لا تقف منها على حدّ » ومعتادة العدد واقفة على الحدّ مخيرة في وضعه فيما شاءت من الشهر مطلقا عند الأكثر ـ كما في المدارك (٦) ـ لعدم الترجيح.

__________________

(١) البيان : ٥٩.

(٢) المنتهى ١ : ١٠١.

(٣) الأم ١ : ٦٨ ، المغني ١ : ٣٧٢.

(٤) الخلاف ١ : ٢٤٢.

(٥) في ص ٤٣٠.

(٦) المدارك ٢ : ٢٥.

٤٥٤

وفي اللوامع نسب إلى الأكثر أنه إن حفظت مع العدد قدر الدور وابتداءه تضعه فيما شاءت من الدور إن ضلّ في مجموعه ومن الأقل منه إن ضلّ في الأقل ، لما مرّ. وإن لم تعرف وقت الدور وابتداءه أو أحدهما تضع العدد فيما شاءت من أيام الشهر ، إذ الغالب في النساء التحيّض في كلّ شهر ، واختار ـ رحمه‌الله ـ ذلك أيضا.

وفي الحدائق (١) نسب إلى الأكثر التحيّض بالعدد ، ووضعه فيما شاءت من الشهر في القسم الأوّل والرجوع إلى الروايات ، كالمتحيّرة في القسم الثاني ، إذ ليس لها دور معلوم ووقت مضبوط حتى تضع فيه عددها المحفوظ ، لأنّ كلّ وقت عندها يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، فاللازم أن ترجع إلى الروايات ، بمعنى أن تأخذ العدد المروي في كلّ شهر وتضعه فيما شاءت من أيامه.

ويضعّف : بأنّ بعد حفظ العدد لا تكون موردا للروايات ، فلا وجه لرجوعها إليها في العدد.

وعن المبسوط (٢) والقواعد (٣) والإرشاد (٤) العمل بالاحتياط المتقدّم ، فتغتسل للحيض في أول وقت إمكان الانقطاع ، وهو بعد انقضاء العدد من أول الدور في القسم الأول ، ولكلّ عبادة مشروطة بالطهارة بعد ذلك إلى آخر الدور تعمل في كلّ وقت من أوقات الإضلال ما تعمله المستحاضة ، وتترك تروك الحائض ، وتقضي صوم عددها إن علمت ( عدم الكسر ) (٥) ، وإلاّ زادت عليها يوما ، ونسبه في الشرائع (٦) إلى قيل ، وفي المعتبر إلى الشيخ ، واقتصر عليه ، وفيه نوع إشعار‌

__________________

(١) الحدائق ٣ : ٢٤٠.

(٢) المبسوط ١ : ٥١.

(٣) الذي اختاره في القواعد ١ : ١٤ هو التخيير ، ونسب الاحتياط الى قيل.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ١٤٨.

(٥) في النسخ : الكبير ، والصواب ما أثبتناه.

(٦) الشرائع ١ : ٣٤.

٤٥٥

باختياره ، ومستندهم ما مرّ مع جوابه.

وقد يقال : إنّها تخصّص أيامها بالاجتهاد ، ومع فقد الأمارة تتخيّر ، لحجية ظنها حينئذ (١). وصريح بعضهم أولوية أول الرؤية (٢) ، بل ذهب بعضهم إلى تعيّنه (٣). وهو الأظهر ، لما مرّ في المبتدأة.

هذا في الدور الأول ، وأمّا بعده فمقتضى القاعدة التي جرينا عليها أنّها في القسم الأول لمّا علمت أنّ قدر العدد من الدور المعيّن وقت عادتها قطعا وإن لم تعلمه بعينه ، وأنّ الدم مطلقا في وقت الحيض حيض ، فقد علمت حيضية قدر العدد من الدور الثاني أيضا ، ولعدم تعيّن وقته عندها وبطلان الترجيح بلا مرجّح تكون مخيّرة في وضعه حيث شاءت منه وإن كان الأولى جعله موافقا لوقت الدور الأول.

وأمّا في القسم الثاني فإن علمت الدور دون ابتدائه تأخذ بالعدد وتتخيّر في الدور. وإن لم تعلم الدور أصلا فإن رأت بصفة الحيض بعد مضي زمان أقلّ الطهر أو أكثر من العدد الأول تتحيّض به أيّ وقت كان ، وهكذا بعد العدد الثاني والثالث. وإن لم تر لم تتحيّض.

وظنّ التحيّض في كلّ شهر لغلبة ذلك في النساء لم تثبت حجيته ، والاحتياط والإلحاق بالمتحيّرة لا دليل عليه.

ولكن يقرب أن يكون ذلك في القسم الثاني مخالفا للإجماع ، إذ الظاهر فتوى الكلّ بتحيضها في كلّ شهر ، بل يمكن أن يستدلّ له أيضا برواية زرارة وفيها : « وإذا كانت تحيض حيضا مستقيما فهو في كلّ شهر حيضة » (٤) الحديث.

__________________

(١) كما في الذكرى : ٣٢.

(٢) الذخيرة : ٦٨.

(٣) كشف اللثام ١ : ٩٠.

(٤) الكافي ٦ : ١٠٠ الطلاق ب ٣٤ ح ١٠ ، تفسير العياشي ١ : ١١٥ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ٢٢ : ١٨٤ أبواب العدد ب ٤ ح ٤.

٤٥٦

فلو قلنا به للإجماع وتخيّرها في الوضع في الدور الثاني مع أولوية موافقة الدور الأول كما في القسم الأول لم يكن بعيدا.

هذا كلّه إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل العدد في وقت يزيد نصفه على العدد المعتاد أو يساويه ، فإنّ كلّ يوم من الوقت حينئذ يحتمل الطهر والحيض. وأمّا إذا حصل لها ذلك بأن يزيد العدد على نصف زمان الإضلال ، فإنّ ضعف الزائد حيض بيقين ، ويبقى من العدد تمام الضعف إليه ، فعلى التخيير تضمّها إلى الضعف متقدّمة أو متأخّرة أو بالتفريق ، وعلى الاحتياط تجمع فيما تقدم من الدور على القدر المتيقّن بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض ، وفيما تأخّر عنه تزيد عليهما غسل الانقطاع لكلّ مشروط بالطهارة.

وأمّا الثالثة ـ أي ذاكرة الوقت ناسية العدد ـ فإمّا تتذكر أول الوقت ، أو آخره ، أو وسطه ـ أي ما بين الطرفين ـ أو وقتا في الجملة كأن تعلم تحيّضها بيوم معيّن أو أكثر من الشهر من دون علم بالأوّلية أو الآخريّة أو الوسطيّة.

فعلى التقادير تكمل المعلوم ثلاثة يقينا ، لأنه أقلّ الحيض على حسب مقتضاه ، فتجعل المعلوم أول الثلاثة على الأول ، وآخرها على الثاني ، ووسطها على الثالث لو كان المعلوم يوما محتملا كونه محفوفا بمتساويين.

وأمّا لو كان المعلوم يومين محفوفين بمتساويين فالأقل أربعة تجعل اليومين وسطها ، ولو كانت ثلاثة فالأقل خمسة ، أو أربعة فالستة ، وهكذا.

ولو علمت الاحتفاف بغير متساويين ، فلو كان المعلوم واحدا فالأقل أربعة ، وإن كان اثنين فخمسة وهكذا.

وفي الاكتفاء في التكميل بالثلاثة ، أو الأخذ بأسوإ الاحتمالات فتحتاط ( باقي العشرة ) (١) كما مرّ ، أو رجوعها إلى الروايات أقوال :

__________________

(١) في « ق » : في العشرة ، وفي « ه‍ » : العشرة.

٤٥٧

الأول للمعتبر ، والبيان (١) ( واللوامع ) (٢) ، والمعتمد ، لتيقّن الثلاثة وفقد الدلالة في الباقي فيستصحب التعبّد فيه.

والثاني للشيخ (٣) والفاضل (٤) ، لما مرّ.

والثالث عن الأكثر (٥) ، لصدق النسيان والاختلاط الموجب للحكم في المرسلة. وهو الأظهر ، لذلك ، فإنّ قوله في آخر المرسلة : « وإن اختلطت عليها ـ أي على المستحاضة ـ أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حدّ » يصدق على هذه أيضا ، لكون عددها أيامها أيضا ، كما صرّح به في موثّقة سماعة (٦) ودلّ عليه قوله : « وزادت ونقصت » وقوله : « وإن لم يكن الأمر كذلك » يعني لم يكن بحيث لا تقف من الدم على لون كما بيّنه بقوله : « ولكن الدم أطبق عليها » ، فيكون بيانا لحال الناسية غير ذات التمييز ، أو إن لم تكن ممّن ذكر فتشمل المبتدأة والناسية غير ذاتي التمييز ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب ، وهذا أوفق بعموم اللفظ.

ويؤكّده بل يدلّ عليه : قوله في صدر الرواية : « بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي » وقوله في وسطها : « فجميع حالات المستحاضة يدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو عن واحدة منهن » ثمَّ شرع في تفسير الثلاث.

والتخصيص بالمبتدأة ـ بأن يكون المعنى : وإن لم يكن أمر المبتدأة كذلك أي لم يختلط أيامها لعدم كون أيام لها ـ خلاف الظاهر جدّا ، بل خلاف مقتضى‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٢٠ ، البيان : ٦٠.

(٢) ليس في « ه‍ ».

(٣) المبسوط ١ : ٥٩.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣ ، القواعد ١ : ١٤.

(٥) نسبه في الحدائق ٣ : ٢٤٢ إلى الشهرة واختاره في الروض : ٧٠ ، والرياض ١ : ٤٠.

(٦) المتقدمة ص ٤٣٢.

٤٥٨

عموم اللفظ.

وبالجملة لا شك في شمول مقتضى اللفظ لما ذكر ، ومن يقول بالتخصيص بواحدة فعليه البيان.

وعلى هذا فهذه المرأة تكمل عددها المعلوم بالسبعة ، وتجعل تتمة الشهر استحاضة وإن علمت أنّ طهرها أزيد من ذلك ، كما إذا علمت أنّ دورها أزيد من الشهر ، لعموم المرسلة.

نعم ، لو كان العدد المعلوم ممّا لا يمكن تكميله بالسبعة ، كأن تعلم يومين محفوفين بمتساويين ، فالظاهر حينئذ الخروج من المرسلة. وتكليفها الأخذ بالمتيقّن ، لما مرّ ، لعدم مخرج عن الأصل فيما إذا كان المعلوم الآخر ، لأصالة عدم التحيّض. والتخيير بين الأقلّ والأكثر في غيره لتعارض الاستصحابين الموجب للتخير ، بخلاف ما لو أمكن فإن المرسلة مخرجة عنه.

ومنه يظهر جواب دليل الأول ، مع أنّ هذا إنّما يتمّ فيما إذا علمت الآخر وأكملته في القبل. وأمّا في غيره فلا يتمّ ، لأن استصحاب التعبد في الباقي وأصالة عدم التحيّض معارض باستصحاب الحيضية.

وبما مرّ (١) في المتحيّرة يظهر دليل الثاني وجوابه.

__________________

(١) في ص ٤٥٢.

٤٥٩

البحث الثاني :

في أحكام الحائض‌

وهي أمور نذكرها في مسائل :

المسألة الأولى : الحائض مطلقا إذا انقطع دمها لما دون العشرة‌ استبرأت بإدخالها القطنة إجماعا ، وجوبا على الأظهر الأشهر ، بل قيل : لا خلاف فيه بين الأصحاب (١) ، للأمر به في صحيحة ابن مسلم : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج منها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شيئا فلتغتسل » (٢).

والرضوي : « فإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط وترفع رجلها اليسرى ، كما ترى الكلب إذا بال ، وتدخل قطنة ، فإن خرج فيها دم فهي حائض ، وإن لم يخرج فليست بحائض » (٣).

وضعفه في المقام بما مرّ منجبر.

واستحبابا على ما هو ظاهر الاقتصاد (٤). وهو بعيد عن السداد.

والأولى أن ترفع رجليها إلى حائط كالكلب يبول ، مخيّرا بين اليمنى ، كما في مرسلة يونس ، واليسرى كما في خبر الكندي (٥) والرضوي.

ولا يجب ذلك ، لوروده في تلك الروايات بلفظ الإخبار الغير الصريح في‌

__________________

(١) كما في الحدائق ٣ : ١٩١.

(٢) الكافي ٣ : ٨٠ الحيض ب ٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٦١ ـ ٤٦٠ ، الوسائل ٢ : ٣٠٨ أبواب الحيض ب ١٧ ح ١.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٩٣ ، المستدرك ٢ : ١٥ أبواب الحيض ب ١٥ ح ١.

(٤) الاقتصاد : ٢٤٦.

(٥) الكافي ٣ : ٨٠ الحيض ب ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٦١ ـ ٤٦١ ، الوسائل ٢ : ٣٠٩ أبواب الحيض ب ١٧ ح ٣.

٤٦٠