مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

إكماله بما في الروايات ، أم لا بل يتعيّن الرجوع إلى النساء أو الروايات؟ فيه قولان : من عموم أدلّة التمييز ، وعموم الرجوع إلى الأمرين. والاحتياط لا يترك.

الثاني‌ : عدم قصور الخالي عن الوصف المحكوم بكونه طهرا أو مع النقاء المتخلّل عن أقلّ الطهر على الحقّ المشهور ، بل قال بعض الأجلة (١) : إنّه لا خلاف فيه ، لإطلاق أنّ أقلّ الطهر عشرة.

ولا يضرّه إطلاق أخبار التمييز ، للرجوع إلى أصالة عدم الحيضية بعد تعارضهما. ولا الأخبار الدالّة على جعل النقاء المتخلّل الأقلّ من عشرة متكرّرا بين الدماء المتكرّرة طهرا (٢) ، لخروجها عن مورد المسألة الذي هو تفاوت الدمين بالأوصاف ، مع أنّه قد مرّ الجواب عنها في مسألة أقلّ الطهر ، فلا يجعل كلّ من الدمين المتخلّل بينهما ذلك حيضا.

نعم ، وقع الخلاف ـ فيما إذا تخلّل الضعيف الأقلّ من العشرة القوي الصالح للحيضية في كلّ من الطرفين ـ في أنّه هل يجعل المجموع من الضعيف حيضا مع إمكانه ، وأحدهما خاصة مع عدم الإمكان ، أو يحكم بفقد التمييز؟

فعن المبسوط (٣) أنّها لو رأت ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة ثمَّ رأت بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض ، وإن تجاوز الثالث إلى تمام ستة عشر كان العشرة حيضا والستة السابقة استحاضة.

ولعلّه ـ كما قيل (٤) ـ نظر إلى أنّ دم الاستحاضة لمّا خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله أيضا.

ويضعّف بإمكان القول بمثله فيما بعده أيضا ، فتخصيص القبل ترجيح بلا مرجّح.

__________________

(١) الفاضل الهندي ( منه رحمه‌الله ) كشف اللثام ١ : ٨٨.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٢٨٥ أبواب الحيض ب ٦.

(٣) المبسوط ١ : ٥٠.

(٤) الرياض ١ : ٣٨.

٤٢١

ومنه يظهر ضعف العكس وجعل المتقدّم حيضا كما عن بعضهم (١).

ولهذا استحسن المحقّق نفي التمييز حينئذ (٢).

واستقر به في الذكرى (٣). وهو الأقرب ، لوضوح تقييد أخبار التمييز بالإمكان ، وهو هنا غير ممكن في كلّ أيامه ، وتخصيص البعض ترجيح بلا مرجّح ، بل الظاهر منها الإمكان في الكلّ. وعن المنتهى والتحرير : التردّد (٤).

الثالث‌ : اختلاف الدم في الصفات المعتبرة في الحيض ، المتقدّمة ، من السواد والحرارة والدفع والحرقة ، فيجعل ما بصفة الحيض حيضا والباقي استحاضة ، وكذا الكثرة كما يصرّح بها في مرسلة (٥) يونس ـ الطويلة ـ في تفسير قوله : « البحراني ».

وأمّا إلحاق الغلظة والنتن بها فقد عرفت أنه لا دليل عليهما سوى بعض الأخبار الضعيفة الغير الصالحة للحجيّة.

وقد يدّعى فيهما شهادة التجربة ، ولا يستفاد منها لو سلّمت عليهما سوى المظنة ، واعتبارها في المقام خال عن الحجة ، كما أنّ التخصيص هنا باللون ـ كما في بعض كتب الجماعة (٦) ـ لا وجه له.

ولا تمييز لفاقدة الصفات المذكورة ، كما لا تمييز لواجدتها فقط للحيض أو الاستحاضة في المتساوية منها قوّة وضعفا إجماعا ، بل وكذا في المختلفة بالقوة والضعف فقط بعد اتّحاد الصفة المنصوصة عرفا على الأصح ، فلا تمييز لواجده‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٣٨.

(٢) المعتبر ١ : ٢٠٦.

(٣) لم نعثر عليه ولعله مصحّف : التذكرة ، فإن القول موجود فيها ١ : ٣١ كما نقل عنها في الرياض أيضا.

(٤) المنتهى ١ : ١٠٥ ، التحرير ١ : ١٤.

(٥) تقدم مصدرها في ص ٤١٩.

(٦) كما في التذكرة ١ : ٣١.

٤٢٢

المختلف بالسواد الشديد وغير الشديد ، بل ولا بالسواد والحمرة ، ولا بالحارّ والأقلّ حرارة ، خلافا لجماعة (١) فحكموا بالتمييز.

ومنه يظهر أنّه لو رأت عشرة أحمر ثمَّ عشرة أسود ثمَّ عشرة أشدّ سوادا ، لم يكن له تمييز ، لكون الجميع بصفة الحيض.

وقد يحكم فيها بالجلوس عن العبادة تمام الشهر ، للانتقال إلى الأقوى في كلّ عشرة. وليس بشي‌ء ، لما مرّ.

وكذا لا تمييز لواجده المتّصف ببعض صفات أحدهما ، لدلالة أخبار التمييز على اعتبار الكلّ.

نعم ، لو وجدت البعض متّصفا بجميع صفات الحيض والآخر ببعض صفات الاستحاضة فهي في الحيض ذات تمييز.

وكذا لو وجدت البعض متّصفا بصفات الحيض ، وبعضا آخر بصفاته أيضا ولكن بأضعف من الأولى ، وثالثا بصفات الاستحاضة ، كان الأولان حيضا مجموعا إذا استجمعا سائر الشرائط.

الرابعة : إذا فقد التمييز للمبتدأة ، رجعت إلى عادة نسائها بلا خلاف ظاهر ، بل عليه الإجماع في كلام بعض الأكابر (٢) ، وعن المعتبر اتّفاق الأعيان من فضلائنا عليه (٣) ، وفي اللوامع صرّح باتّفاق الكلّ عليه ، وفي المدارك أنّه المعروف من مذهب الأصحاب (٤).

لموثّقة سماعة ، المتقدّمة (٥) التي هي حجة بنفسها ، وباعتضادها بما مرّ ،

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ٢٩٧ ، والروضة ١ : ١٠٣ ، والمدارك ٢ : ١٥.

(٢) الخلاف ١ : ٢٣٤ ، وفي التذكرة ١ : ٣١ : ذهب إليه علماؤنا.

(٣) المعتبر ١ : ٢٠٨.

(٤) المدارك ٢ : ١٦.

(٥) ص ٤١٨.

٤٢٣

وبدعوى الخلاف إجماع الفرقة على صحتها (١).

وموثّقة أبي بصير : في النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة ( إلى أن قال : ) « إن كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت ، جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو خالتها » (٢).

والأخيرة شاملة للمبتدأة بقسميها ، فهي الحجة في المضطربة وإن احتاجت في تتميم جميع ما يتعلّق بها إلى الإجماع المركّب.

ولا يضرّ في المسألة إطلاق المرسلة ـ الطويلة ـ في رجوع المبتدأة إلى الأيام أوّلا ، لكونها أعم من الموثّقة الأولى مطلقا باعتبار وجود النساء واتّفاقهن وعدمهما ، فيجب تقييدها بها. مع أنه قد حملها الشهيد على ما لا ينافي الموثّقة (٣). ولكنه بعيد جدّا.

ثمَّ صريح الأولى ـ كفتاوى الجماعة ـ اختصاص الرجوع إلى النساء بصورة اتّفاقهن في العادة. وهو كذلك ، لذلك.

ولا تضرّها موثّقة زرارة ومحمّد : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم » (٤) حيث عمّت صورة الاختلاف أيضا ، لأنّها أعم مطلقا.

وتوهّم اختصاص الأخيرة بالاختلاف لمكان الأمر بالنظر إلى البعض ، ضعيف ، لأنّ مع الاتّفاق أيضا يكون الاقتداء بكلّ بعض. مع أنها أعم أيضا من حيث شمولها لغير المبتدأة أيضا. مضافا إلى أنها لو خصّت بصورة الاختلاف‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٣٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٢ ، الوسائل ٢ : ٣٨٩ أبواب النفاس ب ٣ ح ٢٠.

(٣) قال الشهيد : معنى : « وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أو سبعة » فيما علمك الله من عادات النساء فإنه الغالب عليهن ( منه رحمه‌الله ). الذكرى : ٣٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ـ ٤٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ١.

٤٢٤

خرجت عن صلاحية المعارضة ، لصيرورتها شاذة ، لعدم قائل بمضمونها ، كما صرّح به جماعة (١).

ومنه يظهر عدم مضرّة موثّقة أبي بصير أيضا ، مع أنها شاملة لصورة الاختصاص بوجود إحدى من ذكر فيها وعدم وجود غيرها.

نعم ، مقتضى موثّقة سماعة : الرجوع إلى الجميع مع العلم باتّفاقهن ، إذ حينئذ يمكن جعل أقرائها مثل أقرائها ، وإلى الأيام مع العلم باختلافهن ولو بعد الفحص في الصورتين.

أمّا لو لم يعلم الاتّفاق ولا الاختلاف ولم يتمكّن من الاستعلام ، كأن تكون بعضهن أمواتا أو في بلاد بعيدة ، وكانت المعلومات حالهن متّفقات حتى يصدق عدم العلم بالاختلاف ، فالظاهر الاكتفاء بهذا البعض المعلوم بمقتضى الموثّقتين الأخيرتين الخاليتين عن المعارض في المقام ، بل قيل : إنّ المراد من الأولى أيضا النساء الأحياء المتمكّن من استعلام حالهن أو الموجودات في بلدها (٢).

وتدخل في نسائها أقاربها من الأبوين أو أحدهما إجماعا وعرفا ، دون غيرهن وإن تلبّست بضرب من الملابسة وكفى أدناها في الإضافة ، لأنّ كفايته مصحّحة للإضافة لا معيّنة لإرادة كلّ ملابس.

ومقتضى عموم النص : عدم اشتراط الحياة في الأقارب ولا التساوي في السن ولا الاتّحاد في البلد.

خلافا لظاهر الذكرى (٣) في الأخير ، فاعتبره ، لظهور تأثير الاختلاف في البلد في مخالفة الأمزجة. وهو اجتهاد في مقابلة النص. ولعدم تبادر غير المتّحد منه. وهو مردود بلزوم تبادر المتّحد في التخصيص ، وهو منتف.

وهل يختص الرجوع ـ حين فقد التمييز ـ بنسائها؟ كما عن المعتبر والمنتهى (٤)

__________________

(١) كما المدارك ٢ : ١١٧ ، والحدائق ٣ : ٣٠٠ ، والرياض ١ : ٣٩.

(٢) الذكرى : ٣١.

(٣) الذكرى : ٣١.

(٤) المعتبر ١ : ٢٠٧ ، المنتهى ١ : ١٠٠ ، ١٠١.

٤٢٥

وغيرهما.

أو يجوز لها الرجوع مع وجود النساء واتّفاقهن إلى أقرانها وذوات أسنانها أيضا؟ إمّا مطلقا ، كما في النافع (١) وعن التلخيص ، أو بشرط كونهن من أهل بلدها ، كما نقله في الشرائع (٢) وعزاه في المدارك إلى المبسوط (٣) وجمع من الأصحاب.

أو يجوز لها ذلك مع فقد النساء خاصة مطلقا؟ كما عن المهذّب ، والتحرير ، والتبصرة (٤) ، وجمل الشيخ ، واقتصاده (٥) ، والسرائر (٦) ، أو بشرط اتّحاد البلد ، كما عن الوسيلة (٧) ، أو مع اختلافهن أيضا مطلقا ، كما عن القواعد ، والإرشاد ، ونهاية الإحكام (٨) ، أو بشرط اتّحاد البلد ، كما عن الإصباح.

الحقّ هو الأول ، لعدم دليل معتدّ به على الرجوع إليهن مطلقا.

ودعوى الظن بمشابهتها مع الأقران في الأقراء ممنوعة. ولو سلّمت فاعتباره غير مسلّم.

والاستدلال بلفظ « نسائها » باعتبار كفاية أدنى الملابسة فاسد ، كما مرّ.

والتمسّك باستفادة توزيع أيام الأقراء على الأعمار في المرسل المصرّح بأنّ المرأة أول ما تحيض تكون كثيرة الدم وكلّما كبرت نقص الدم (٩) ، ضعيف ، لعدم‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٩.

(٢) الشرائع ١ : ٣٢.

(٣) المدارك ٢ : ١٧ ، المبسوط ١ : ٤٦.

(٤) المهذب ١ : ٣٧ ، التحرير ١ : ١٤ ، التبصرة : ٩.

(٥) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٣ ، الاقتصاد : ٢٤٧.

(٦) السرائر ١ : ١٤٦.

(٧) الوسيلة : ٥٩.

(٨) القواعد ١ : ١٤ ، الإرشاد ١ : ٢٢٦ ، نهاية الاحكام ١ : ١٣٧.

(٩) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٤ أبواب الحيض ب ١٠ ح ٤.

٤٢٦

دلالته على تساوي النساء في النقص بتساوي ازدياد السن.

الخامسة : إذا فقدت الأقارب لها أو اختلفن‌ ـ وإن اتّفقن منهن الأغلب على الأقرب (١) ـ تحيّضت بالسبعة في كلّ شهر على الأصح ، وفاقا للمحكي عن ظاهر النهاية (٢) في اللوامع ، وعن الجمل والاقتصاد (٣) في كلام بعض الأجلّة ، وعن غيرهم أيضا في كلام بعض آخر (٤).

لقوله عليه‌السلام في مرسلة يونس ـ الطويلة ـ التي هي كالصحيحة ، لوجوه عديدة : « هذه سنّة التي استمرّ بها الدم أول ما تراه ، أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ».

وقوله عليه‌السلام فيها : « وإن لم تكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول ما رأت ، فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون ».

وقوله في آخرها ـ في حقّ من أطبق عليها الدم ولم تعرف أياما وكانت فاقدة للتمييز ـ : « فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ، لأنّ قصّتها قصّة حمنة » (٥).

وأمّا التخيير الواقع فيها أولا بقوله للمبتدأة : « تحيّضي في كلّ شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ، ثمَّ اغتسلي وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين يوما » فلمنافاته مع تعيين السبع وجعل أقصى الطهر ثلاثا وعشرين ثانيا لا يصلح للاستناد إليه في التخيير ، بل يحمل إمّا على ترديد الراوي كما قيل (٦) ، أو على وجه آخر.

__________________

(١) إشارة إلى خلاف الذكرى حيث ألحق اتفاق الأغلب باتفاق الجميع ، فحكم فيه بالرجوع إلى عادة الأغلب. الذكرى : ٣٠.

(٢) النهاية : ٢٤.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) ١٦٣ ، الاقتصاد : ٢٤٧.

(٤) كما حكى عن القواعد في الرياض ١ : ٣٩ ولاحظ القواعد ١ : ١٤ وتأمّل.

(٥) الكافي ٣ : ٨٣ الحيض ب ٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٢٨٨ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٦) الرياض ١ : ٣٩.

٤٢٧

ولأجل ذلك وإن لم يمكن الاستناد في التعيين إلى قوله ثانيا أيضا وأمكن حمله على الاكتفاء في التفصيل بأحد فردي التخيير دون الانحصار كما ذكره والدي ـ رحمه‌الله ـ في اللوامع ، ولكن لاتّفاق الفقرتين على جواز السبع يكون جواز التحيّض بها قطعيا ، وغيرها مشكوكا فيه ، فينفى التعبّد به بالأصل.

خلافا في المبتدأة بقسميها لكثير من علماء الفرقة ، فإنّ لهم فيهما أقوالا متكثرة تتجاوز عن العشرة ، أكثرها عن الحجة خال بالمرة ، وحجّة ماله حجّة منها للاستناد غير صالحة :

كالقول بتحيّضهما مطلقا بالثلاثة (١) ، لأصالة عدم الزيادة ، واستصحاب لزوم العبادة ، وأصالة الطهارة ، فإنّ جميع تلك الأصول بما مرّ مندفعة ، ومع ذلك باستصحاب الحيض بعد التحيّض بالثلاثة معارضة.

وبتحيّضها في كلّ شهر بالعشرة ، كما ذهب إليه بعضهم (٢) ، أو بالتحيّض عشرة والتطهّر عشرة ، كما حكي عن بعض آخر (٣) ، للقاعدة التي هي على ألسنتهم جارية من حيضية كلّ ما يمكن أن يكون حيضا ، فإنّك قد عرفت أنّ تلك القاعدة غير ثابتة.

وبتحيّضها بالثلاثة إلى العشرة مع أفضلية العشرة في الدور الأول والثلاثة في غيره ، ثمَّ أفضلية السبعة أو الستة في كلّ دور.

اختاره والدي العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ استنادا في الجزء الأول إلى موثّقة سماعة ، المتقدّمة (٤). وفي الثاني إلى موثّقتي ابن بكير ، السابقتين (٥). وفي الثالث إلى التخيير المذكور أولا في المرسلة (٦) ، بحمل الأولى على الجواز ، والثانية على الأفضلية ، لعدم‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢١٠.

(٢) قد يظهر هذا من الفقيه ١ : ٥١ كما نسبه في مفتاح الكرامة إلى مذهب الصدوق وظاهر السيد.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٠ ، ونسبه في كشف اللثام ١ : ٨٩ الى موضع من المبسوط أيضا.

(٤) في ص ٤١٨.

(٥) في ص ٤١٩.

(٦) يعني مرسلة يونس الطويلة المتقدم مصدرها ص ٤١٩.

٤٢٨

منافاتها للأولى مع دلالتها على الرجحان ، والثالثة على التخيير بينها وبين الثانية للتعارض وعدم الترجيح ، فيصار إلى التخيير مع أفضليّة لصراحة الأمر.

فإنّ الأولى للاحتجاج غير صالحة ، لإجمالها ، حيث إنّ كون الأكثر عشرة والأقل ثلاثة يتصوّر بوجوه مختلفة ، كأن تتحيّض في كلّ شهر بما شاءت من الثلاثة ، أو العشرة ، أو منهما وممّا بينهما ، أو في شهر بالأولى وفي آخر بالثانية مخيّرة في التعيين ، أو مع تعيين الأول للثلاثة والثاني للعشرة ، أو بالعكس ، مع عدم دلالتها على جواز التحيّض بما بين العددين ، بل إمكان القدح في دلالتها على الجواز بالعددين أيضا.

والثانية شاذة ، ولشهرة القدماء بل الإجماع مخالفة ، إذ لم ينقل من أحد من الطائفة المصير إلى مضمونها الذي هو التحيّض بالعشرة في الدور الأول وبالثلاثة في غيره مطلقا لا معيّنا ولا مخيّرا بين ذلك وبين غيره ، فهي عن أصلها ساقطة ، ولمعارضة المرسلة غير صالحة.

والثالثة مع ما بعدها في المرسلة ـ كما عرفت ـ منافية ، ومثل ذلك لا يصلح للاستناد والحجية.

ومع ذلك كله ، فلا يشمل شي‌ء منها المضطربة ، بل الكلّ مختص بالمعنى الأخص من المبتدأة.

وبتحيّضها بالستة أو السبعة مطلقا ، لما ذكر مع ما فيه.

وبالثلاثة من شهر وعشرة من آخر ، للموثّقتين. فإنّهما على ذلك غير دالّتين ولا مشعرتين. إلى غير ذلك من الأقوال الخالية عن الحجة ، أو المحتج لها بما يظهر ما فيه بما ذكر.

ثمَّ إنّه صرّح جماعة (١) ، وحكي عن المعتبر والإصباح والمنتهى والتحرير (٢) :

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ٢ : ٢١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٩٠ وحكاه عن الكتب المذكورة في المتن.

(٢) المعتبر ١ : ٢٠٩ ، المنتهى ١ : ١٠٢ ، التحرير ١ : ١٤.

٤٢٩

بأنّ العدد الذي تتحيّض به ، لها وضعه حيث شاءت من الشهر في الدور الأول ، لإطلاق الأدلّة وعدم الترجيح.

يعني ـ بعد ظهور استمرار الدم إلى آخر الشهر ـ لها أن تجعل الحيض أيّ سبعة شاءت مثلا ، فإن جعلت الأولى التي كان عليها أن تتحيّض فيها قبل ظهور الاستمرار فهو ، وإلاّ فتقضي ما تركته فيها من الصلاة.

والظاهر أولوية جعل الأول حيضا بل تعيّنه ، كما عن التذكرة ، وظاهر المبسوط ، والجواهر (١) ، للمرسلة « عدّت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة أيام ثمَّ هي مستحاضة » (٢).

وأيضا : فإنها تتحيّض قطعا في الأول باستمرار الدم إلى الثلاثة سيما مع الوصف ، فالانتقال عنه وتركها العبادة وقضاؤها لما تركته من الصلاة يحتاج إلى دليل.

هذا في الدور الأول ، وأمّا ما بعده فلا بدّ من اتّباع النصّ من جعل ثلاثة وعشرين طهرا ثمَّ التحيّض بعده ، فإنّها أقصى طهرها ، بل طهرها تلك خاصة ، كما نصّ به في المرسلة (٣) التي هي في الباب عمدة.

القسم الثاني : ذات العادة.

وهي التي حصلت لها العادة في وقت الحيض ، أو قدره ، أو فيهما.

ثمَّ إنّ عدم حصول العادة ـ التي قد يعبّر عنها بأيام الحيض أيضا ـ بالمرة الواحدة عندنا مجمع عليه ، واشتقاقها من العود يرشد إليه ، والأصل يوافقه ، وفي ذيل المرسلة ـ الطويلة ، كما يأتي ـ تصريح به ، وأكثر المخالفين يوافقنا فيه.

وثبوتها بالمرتين ممّا لا خلاف فيه ، وحكاية الإجماع من الأعيان متكررة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣١ ، المبسوط ١ : ٤٧ ، جواهر الفقه : ١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ٢.

(٣) يعني بها المرسلة الطويلة ، تقدم مصدرها في ص ٤١٩.

٤٣٠

عليه (١).

ويدلّ عليه إطلاق أخبار العادة بل عموم بعضها (٢) ، وخصوص ما يأتي (٣) من الموثّقة والمرسلة.

وفي اشتراط استقرار الطهر بتكريره مرتين متساويتين في استقرار العادة عددا ووقتا قولان ، الأقوى : العدم ، للأصل ، وظاهر المرسلة. وفاقا للفاضل (٤) ، والروض (٥) ، بل الأكثر ، كما ذكره والدي في اللوامع. وخلافا للذكرى (٦) ، فاشترطه فيهما ، وبدونه حكم باستقرار العدد دون الوقت. ولا دليل له.

وكذا لا يشترط في العددية تعدّد الشهر ، فتستقرّ برؤيته في الشهر الواحد مرارا متساوية بينهما أقلّ الطهر ، وفاقا للمحكي عن المبسوط ، والخلاف ، والمعتبر ، والذكرى ، والروض (٧) ، لإطلاق أخبار العادة وأيام الحيض الصادق بذلك.

وظاهر الموثّقة (٨) وإن اقتضى نفي الاستقرار في الشهر الواحد بالمفهوم ، ولكن لتعارضه مع إطلاق قوله في المرسلة بالعموم من وجه وتساقطهما تبقى إطلاقات أخبار العادة وأيام الحيض خالية عن المعارض.

ومنه يظهر عدم اشتراط تعدّد الشهر الهلالي في استقرار الوقتية أيضا ، بل يكفي تعدّده في شهر الحيض ، وهو ما يمكن أن يعرض فيه حيض وطهر صحيحان وهو ثلاثة عشر يوما ، أو في غير ذلك ككلّ أسبوعين مثلا.

__________________

(١) لاحظ الخلاف ١ : ٢٣٩ ، التذكرة ١ : ٢٧ ، المدارك ١ : ٣٢٥.

(٢) انظر الوسائل ٢ : أبواب الحيض ب ٤ ، ٥.

(٣) في ص ٤٣٢.

(٤) في المنتهى ١ : ١٠٣ ، والتذكرة ١ : ٢٧. قال : فلو رأت في شهر خمسة لا غير وفي آخر خمسة مرتين استقرت العادة.

(٥) الروض : ٦٣.

(٦) الذكرى : ٢٨.

(٧) المبسوط ١ : ٤٧ ، الخلاف ١ : ٢٣٩ ، المعتبر ١ : ٢١٧ ، الذكرى : ٢٨ ، الروض : ٦٤.

(٨) الآتية عن قريب.

٤٣١

وورود الشهر في الخبرين وكونه حقيقة في الهلال لا يضرّ ، لما عرفت.

وعدم إمكان تماثل الزمانين بالنسبة إلى الدمين في غير الهلالي ممنوع ، فإنّه يمكن في شهر الحيض أو الأسبوع أو كلّ نصف من الهلالي ونحو ذلك.

ومن ذلك تظهر أيضا صحة القول باستقرار الأقلّ القدر المشترك من الوقت والعدد في الأقسام الثلاثة ، لصدق العادة وأيام الحيض وإن لم يصدق السواء المصرّح به في الخبرين.

وكذا يظهر وجه حصول العادة بالتمييز مع استمرار الدم.

ثمَّ إنّ ذات العادة ـ كما أشير إليه ـ على أنواع ثلاثة ، لأنّها إمّا عديدة ووقتية ، أو عددية فقط ، أو وقتية كذلك. واعتبار الثلاثة وإطلاق العادة وأيام الحيض وترتّب أحكامهما عليها مجمع عليه ، وهو الحجة في ذلك.

مضافا في الأوّليين إلى موثّقة سماعة ، وفيها : « فإذا اتّفق الشهران عدّة أيام سواء فتلك أيامها » (١).

والمرسلة (٢) ـ الطويلة ـ وفيها : « فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء حتى توالت عليها حيضتان فقد علم أنّ ذلك صار وقتا وخلقا معروفا ، فتعمل عليه وتدع سواه » إلى أن قال : « وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث حيض ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، للتي تعرف أيامها : دعي الصلاة أيام أقرائك ، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنّة لها فيقول ( لها ) : دعي الصلاة أيام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا ».

وفي الأخيرة (٣) إلى قوله عليه‌السلام في المرسلة : « ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت ( إلى معرفة ) لون الدم » إلى أن قال : « فإن جهلت الأيام وعددها‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٩ الحيض ب ٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٢ : ٣٠٤ ، أبواب الحيض ب ١٤ ح ١.

(٢) تقدم مصدرها ص ٤١٩.

(٣) أي مضافا في الأخيرة ـ وهي الوقتية ـ إلى قوله عليه‌السلام ..

٤٣٢

احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه ، ثمَّ تدع الصلاة إلى قدر ذلك » الحديث.

دلّت بالمفهوم على أنه إذا عرفت الأيام وحدها أيضا لم يحتج إلى النظر إلى لون الدم ، وتمام المطلوب يثبت بالإجماع المركّب.

ثمَّ تأثير العددية إنّما هو في الرجوع إليها عند عبور الدم عن العشرة ، والوقتية في الجلوس برؤية الدم.

ثمَّ إنّه قيل : إنّ المناط في اتّحاد الوقت والعدد عدم الزيادة والنقصان والتقدّم أو التأخّر بيوم تام ، لا ببعضه أيضا ، إذ التفاوت بالبعض لازم التحقّق في كلّ دمين غالبا ، مع أنّ العرف لا يعتني بمثل ذلك.

أقول : لا شك في عدم اعتناء العرف بالتفاوت القليل ، فلا ينافي الاستقرار ، ولكن تحديده بمطلق بعض اليوم محل نظر ، فإنّه لو رأت الدم أول الطلوع من اليوم الأول من شهر وانقطع آخر السابع ، ثمَّ رأته في آخر ساعة من الأول من الشهر الثاني بل ولو بعد زواله مطلقا وانقطع آخر سابعه ففي صدق الاتّحاد في الوقت والعدد نظر ظاهر. والأولى إحالة ذلك إلى العرف مطلقا.

ثمَّ الكلام في كلّ من هذه الأنواع ـ كما في المبتدأة ـ إمّا في تحيّضها أو في مقدار حيضها.

فالنوع الأول ، وهي : ذات العادة العددية والوقتية‌ ، فيه موضعان :

الموضع الأول : في تحيّضها‌. ولبيانه نقول : إنّ ذات العادة العددية والوقتية تتحيّض وتترك العبادة برؤية الدم مطلقا وإن لم يكن بصفة الحيض إذا كانت في وقت العادة إجماعا محقّقا ، ومنقولا (١) مستفيضا ، له ، وللنصوص المستفيضة جدّا ، بل المتواترة معنى.

وفي تحيّضها برؤيته قبله مطلقا ، أو مع كونه بالصفة ، أو إلحاقها حينئذ‌

__________________

(١) كما نقله في الشرائع ١ : ٢٩ ، والتذكرة ١ : ٢٨.

٤٣٣

بالمبتدأة فتستظهر بالعبادة إلى الثلاثة أو حضور الوقت ، أقوال :

الأشهر الأظهر : الأول ، بل قيل (١) : إنه إجماع. لا لأصالة عدم الآفة كما قيل (٢) ، لمعارضتها مع أصالة عدم الحيض كما مرّ.

بل لعموم المستفيضة المصرّحة بتحيّض المرأة بمجرّد رؤية الدم (٣).

وخصوص ما دلّ على حيضية ما تراه ذات العادة قبل العادة مطلقا ، كموثّقة سماعة : عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، قال : « فلتدع الصلاة ، فإنه ربما يعجّل بها الوقت » (٤).

أو الصفرة التي تراها كذلك ، كرواية ابن أبي حمزة : عن المرأة ترى الصفرة فقال : « ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه » (٥).

والرضوي : « والصفرة قبل الحيض حيض ، وبعد أيام الحيض ليست من الحيض » (٦).

أو الثاني مقيّدا بيومين ، كصحيحة ابن حكيم : « الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيام الحيض ليس من الحيض ، وفي أيام الحيض حيض » (٧) وقريبة منها موثّقة أبي بصير (٨).

__________________

(١) كما ادّعى في كشف اللثام ١ : ٩٠ اتفاق الأصحاب عليه.

(٢) الرياض ١ : ٤١.

(٣) راجع ص ٤٠٩.

(٤) الكافي ٣ : ٧٧ الحيض ب ٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣٢ ، الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٥.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١ ، المستدرك ٢ : ٨ ، أبواب الحيض ب ٤ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٢٨٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ٦.

(٨) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٥١ ـ ١٩٦ رواها مرسلة ، التهذيب ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٧٩ أبواب الحيض ب ٤ ح ٢.

٤٣٤

وأمّا ما في المرسلة ـ الطويلة ـ من الدلالة على أنّ ذات العادة تعمل في العادة وتدع ما سواها ـ كما يأتي ـ فلا يضرّ هنا ، لعدم عامل به في المورد أصلا ، مع أنها أعم مطلقا من أخبار القبل فتخصّص بها.

للثاني ـ وهو مختار صاحب المدارك (١) ـ : ما تقدّم (٢) من الأخبار الدالّة على انتفاء الحيضية بانتفاء الصفات ، وعلى أنّ الصفرة في غير أيام الحيض ليست بحيض كما في صحيحة محمّد (٣).

وأجيب عنها : بكونها أعم مطلقا ممّا مرّ ، فتخصّص بها ، مع أنّ في المرسلة ـ الطويلة ـ دلالة على عدم رجوع ذات العادة إلى التمييز ، كما يأتي.

وللثالث ـ وهو مذهب المسالك (٤) ـ : ظواهر بعض الأخبار التي لا دلالة لها ، وبعض الاعتبارات الذي لا اعتناء به.

ثمَّ إنّه لا فرق فيما تراه قبلها فيما إذا كان بحيث ينتهي الدم على أول أيام العادة ، أو في أثنائها إذا كان بحيث تصدق القبلية عرفا ولم يبعد عنها بحيث لا يقال إنّه قبل العادة ، ويصدق عليها تعجيل العادة كما علّل به في الرواية (٥).

والحاصل : أنّ القبل المحكوم بحيضيته هو ما يقرب العادة وكذا البعد ، وأمّا مطلق القبل والبعد اللغويين الصادقين على كلّ ما تقدّم وتأخّر فليس مرادا هنا قطعا ، ولذا ورد في بعض الأخبار بيوم ويومين (٦) وعبّر بعض الفقهاء بالقبيل والبعيد.

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٢٨.

(٢) ص ٣٨٢ ، ٣٨٣.

(٣) الكافي ٣ : ٧٨ الحيض ب ٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ ـ ١٢٣٠ ، الوسائل ٢ : ٢٧٨ أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ٩.

(٥) المتقدمة ص ٤٣٤.

(٦) انظر الوسائل ٢ : ٥٤١ أبواب الحيض ب ٤ ح ٨.

٤٣٥

وممّا يثبت ذلك : أنه لو أريد اللغويان ، لكان كلّ قبل بعدا لما قبله وبالعكس ، فتتعارض الفقرتان ويلغو الحكم ، وذلك قرينة واضحة على ما ذكرنا من المراد من القبل والبعد.

وكذا تتحيّض بمجرد الرؤية مطلقا إذا رأته متأخّرا عن أول وقت العادة أي في أثنائها ، لصدق كونه في العادة ، فتدلّ عليه أخبارها.

وأمّا لو رأته متأخّرا عن آخر وقت العادة فلا شك في التحيّض به مع كونه بالوصف ، للإجماع ، ولأخبار التمييز ، الخالية عمّا يصلح للمعارضة في المقام. وأمّا قوله لذات العادة في المرسلة (١) : « تعمل فيه ـ أي في وقتها ـ وتدع ما سواه » فإنّما يجري فيما إذا رأت في العادة أيضا حتى يصدق قوله : « تعمل فيه » وليس كذلك المقام.

وأمّا ما في آخر مرسلة يونس ـ القصيرة ـ : ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض » (٢) فلا ينافيها ، لجواز أن يراد بأيام حيضها هنا أيام العادة إذا كانت فيها حائضا دون ما إذا خلت أيام العادة عن الدم ، كما هو مورد المسألة.

وأما بدونه (٣) فادّعى بعض الأجلّة الاتّفاق على التحيّض مطلقا الشامل لهذه الصورة أيضا (٤).

وظاهر المدارك عدمه (٥). والأصل معه وإن كان مظنة الإجماع على التحيّض في صورة الاستمرار إلى الثلاثة.

وفي حكم المتأخّر كلّ ما بعد زمان العادة ولو بكثير إذا لم تر في زمان العادة ، والدليل الدليل.

__________________

(١) أي مرسلة يونس الطويلة ، تقدم مصدرها ص ٤١٩. وفيه : « نعمل عليه .. ».

(٢) الكافي ٣ : ٧٦ الحيض ب ١ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٢٧٩ أبواب الحيض ب ٤ ح ٣.

(٣) اي بدون الوصف.

(٤) كشف اللثام ١ : ٩٠.

(٥) المدارك ١ : ٣٢٨.

٤٣٦

ولو رأت في العادة وانقطع عليها ثمَّ رأت قبل مضيّ أقلّ الطهر ، لم تتحيّض به إجماعا. وكذا بعده على الأصح ، لعدم كون ذلك حيضا ـ كما يأتي ـ إلاّ إذا كان ذلك أيضا عادة لها.

الموضع الثاني : في قدر حيضها‌ ووقته في كلّ موضع حكم بتحيّضها.

وبيانه : أنّها إمّا ترى أقلّ من العادة ، أو مساويا له ، أو أزيد منه ، والأخير إمّا لا يتجاوز من العشرة ، أو يتجاوزها ، فهنا مسائل.

المسألة الأولى : إذا انقطع دمها على العدد أو أقلّ منه ما لم ينقص عن الثلاثة ، فالكلّ حيض إجماعا ، له ، وللاستصحاب ، والنصوص ، وكذا النقاء المتخلّل بين أيامها. ولا استظهار حينئذ ، وفاقا للمعظم ، لمرسلة داود (١) وغيرها. خلافا لشاذ (٢) لا يعبأ به ، لبعض إطلاقات الاستظهار الواجب تقييده بما مرّ.

الثانية : لو لم ينقطع دمها على العدد ، فإن كان عددها عشرة ، استحاضت في الزائد ، ولم يكن عليها استظهار إجماعا ، وتدلّ عليه مرسلتا ابن المغيرة (٣).

وإن كان ما دون العشرة ، تستظهر وتحتاط بترك العبادة إجماعا ، للنصوص المستفيضة جدّا ، كالصحاح الأربع لمحمّد (٤) ، والبزنطي (٥) ، وزرارة (٦) ، وابن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩٠ الحيض ب ٩ ح ٧ ، الوسائل ٢ : ٢٨٥ أبواب الحيض ب ٦ ح ١.

(٢) نقله في شرح المفاتيح ـ مخطوط ـ عن السرائر والموجود فيه ١٤٩١ خلافه.

(٣) روى إحداهما في الكافي ٣ : ٧٧ الحيض ب ٣ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ٢٩٥ أبواب الحيض ب ١٠ ح ٥ وأخراهما في التهذيب ١ : ١٧٢ ـ ٤٩٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٣ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١١.

(٤) المعتبر ١ : ٢١٥ ، الوسائل ٢ : ٣٠٤ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٥.

(٥) التهذيب ١ : ١٧١ ـ ٤٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ـ ٥١٤ ، الوسائل ٢ : ٣٠٢ أبواب الحيض ب ١٣ ح ٩.

(٦) الكافي ٣ : ٩٩ الحيض ب ١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ـ ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٣٧٣ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٤٣٧

عمرو (١) ، والموثّقات السبع لسماعة (٢) ، وسعيد (٣) وابن جرير (٤) ، ويونس (٥) ، وزرارة (٦) ، والمراسيل الثلاث لابن المغيرة ، وداود. وخبر زرارة (٧).

بيوم واحد إن كانت عادتها تسعة أيام إجماعا ، لعدم إمكان الزائد.

ومخيّرة بين يوم أو يومين إن كانت ثمانية ، للتصريح بالتخيير بينهما لمن تجاوز دمه العادة مطلقا في الصحيحتين الأوليين ، والموثّقة الأخيرة ، والخبر الأخير.

ولا ينافي ذلك ما دلّ على الاستظهار بثلاثة أيام ، لاختصاصه بما عدا ذلك قطعا ، لعدم إمكانه. ولا ما اقتصر فيه على واحد ، لوجوب حمله على أحد أفراد المخيّر ، فإنّ الأصل في الحكم وجوبا كان أو استحبابا وإن كان التعيين ، إلاّ أنه يجب الخروج عنه مع الدليل على التخيير كما في المورد.

وبينه وبينهما وبين ثلاثة أيام إن كانت سبعة ، للصحيحة الثانية. ولا ينافيها ما اقتصر على أحد الثلاثة ، لما مرّ.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٢ ـ ٤٩١ ، الوسائل ٢ : ٣٠٣ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٠ ، وفي « ق » و « ه‍ » بدل ابن عمرو « ابن عمير » وفي « ح » ابن ابي عمير ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) له روايتان : إحداهما رواها في الكافي ٣ : ٧٧ الحيض ب ٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٠ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١ ، والأخرى رواها في التهذيب ١ : ٣٨٦ ـ ١١٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٩ ـ ٤٧٧ ، الوسائل ٢ : ٣٠٢ أبواب الحيض ب ١٣ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٧٢ ـ ٤٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ـ ٥١٣ ، الوسائل ٢ : ٣٠٣ أبواب الحيض ب ١٣ ح ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٩١ الحيض ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٥١ ـ ٤٣١ ، الوسائل ٢ : ٢٧٥ أبواب الحيض ب ٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ـ ٥١٦ ، الوسائل ٢ : ٣٠٣ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٢.

(٦) له روايتان موثقتان روى إحداهما في التهذيب ١ : ١٦٩ ـ ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٣٧٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٩ والأخرى في التهذيب ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٣ ، الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٢.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٦ ، الوسائل ٢ : ٣٠٤ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٤.

٤٣٨

وبين كلّ من هذه الثلاثة وتمام العشرة إن كانت ستة فما دون ، لدلالة الصحيحة الثانية على التخيير بين الثلاثة مطلقا ، ودلالة مرسلتي ابن المغيرة ، وموثّقة يونس على تعيين تمام العشرة ، وإذ لا ترجيح فالحكم التخيير ، كما نطقت به الأخبار العلاجية في التعارض.

وفاقا في الجميع للذكرى (١) ، وأكثر الثالثة (٢).

خلافا للمحكي عن الصدوق (٣) ، والشيخين (٤) ، والوسيلة ، والشرائع ، والنافع (٥) ، فحكموا بالتخيير بين الأولين خاصة. وظاهر أنه في غير الأولى.

ولصاحب المدارك (٦) فبين الثلاثة الأولى. وظاهر أنه في غير الأولين.

وللسيد ، وعن الإسكافي (٧) ، والمقنعة ، والجمل (٨) ، فحكموا بتعيّن تمام العشرة مطلقا.

وحجة الجميع مع الجواب ظاهرة.

ثمَّ ذلك الاستظهار هل هو على الوجوب؟ كما عن ظاهر الأكثر ، والسيد (٩) ، والاستبصار ، والنهاية ، والجمل ، والسرائر (١٠) ، عملا بظاهر الأوامر ، واحتياطا في العبادة حيث إنّ تركها على الحائض عزيمة ، واستصحابا للحالة‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٩.

(٢) كما قال به في المفاتيح ١ : ١٥ ، والكفاية : ٤ ، والحدائق ٣ : ٢٢٣.

(٣) قال في المنتهى ١ : ١٠٣ : وبه قال ابن بابويه.

(٤) نقله في المنتهى عن المفيد ، النهاية : ٢٤.

(٥) الوسيلة : ٥٨ ، الشرائع ١ : ٣٠ ، النافع : ١٠.

(٦) المدارك ١ : ٣٣٥.

(٧) نقل عن السيد في المنتهى ١ : ١٠٣. وعن الإسكافي في جامع المقاصد ١ : ٣٣٢.

(٨) المقنعة : ٥٥ الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٣. قال في كشف اللثام ١ : ٩٦ وهو ظاهر الشيخين في المقنعة والجمل لإطلاقهما صبرها حتى تنقى.

(٩) كما هو ظاهر ما نقله عنه في المنتهى.

(١٠) الاستبصار ١ : ١٤٩ ، النهاية : ٢٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٦٣ ، السرائر ١ : ١٤٩.

٤٣٩

السابقة.

أو على الاستحباب؟ كما عن التذكرة (١) وعامة المتأخّرين (٢) ، بل الأكثر كما في اللوامع ، التفاتا إلى أخبار الرجوع إلى العادة مطلقا والعمل فيما عداها بالاستحاضة ، كالصحاح الثلاث لأبناء عمّار (٣) ، وسنان (٤) ، وأعين (٥) ، وموثّقتي ابن سنان (٦) ، وسماعة (٧) ، ومرسلة يونس (٨) ، وخبر ابن أبي يعفور (٩) ، وأخذا بظن الانقطاع على العادة.

وهو الحق. لا لما ذكر ، لعدم التمامية. بل لانتفاء الوجوب بالأصل ، وعدم دليل عليه ، لخلوّ جميع أخبار الاستظهار ـ سوى اثنين منها ـ عن اللفظ الدالّ على الوجوب ، وإنّما وردت بلفظ الإخبار الغير المفيد سوى الرجحان. وأمّا هما فمخرجان عن حقيقتهما التي هي الوجوب المعيّن قطعا ، لما عرفت من ثبوت التخيير.

وليس الحمل على الوجوب التخييري أولى من الاستحباب كذلك ، حيث إنّهما من المعاني المجازية.

وكون الوجوب التخييري أقرب إلى الحقيقة لا يفيد ، لعدم دليل على وجوب‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٩.

(٢) منهم الشهيدان في الذكرى : ٢٩ ، والمسالك : ٩ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٣٣٢.

(٣) الكافي ٣ : ٨٨ الحيض ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ـ ٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ١٧١ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ٢ : ٣٧٢ أبواب الاستحاضة ب ١ ملحق ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٧٣ ـ ٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٥٠ ـ ٥١٩ ، الوسائل ٢ : ٣٨٢ أبواب الاستحاضة ب ٣ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٤ ، الوسائل ٢ : ٣٧٢ أبواب الاستحاضة ب ١ ملحق ح ٤.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠١ ـ ١٢٥٥ ، الوسائل ٢ : ٣٧٨ أبواب الاستحاضة ب ٢ ح ١.

(٨) تقدم مصدرها ص ٤١٩.

(٩) التهذيب ١ : ٤٠٢ ـ ١٢٥٨ ، الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١٣.

٤٤٠