مستند الشّيعة - ج ٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-77-9
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٥١٠

الفصل الرابع : في آدابه.

وهي بين مستحبة ومكروهة نذكرهما في بحثين :

البحث الأول : في مستحباته‌ ، وهي أمور :

منها : وضع الإناء على اليمين ، للشهرة (١) ، بل الإجماع كما في اللوامع ، والنبويين أحدهما : « إنّ الله يحبّ التيامن في كلّ شي‌ء » (٢) والآخر : « إنّه كان يحبّ التيامن في طهوره وفعله وشأنه كله » (٣).

ولا ينافيه ما في الصحيح : « فدعا بقعب فيه شي‌ء من ماء ثمَّ وضعه بين يديه » (٤) ، لجواز تركه المستحب ، وعدم دلالته على الاستحباب.

مع إمكان حمل الوضع بين يديه على الوضع على اليمين ، لصدقه عليه عرفا. فالقول بأولوية الوضع بين الجانبين اتّباعا للرواية ـ كما في الغرر وغيره (٥) ـ غير جيّد.

والمصرّح به في كلام جماعة : اختصاص الحكم بما يغترف منه باليد (٦) ، وأمّا‌

__________________

(١) ومن القائلين به المحقق في المعتبر ١ : ١٦٤ ، والعلامة في القواعد ١ : ١١ ، والشهيد الثاني في الروض : ٤٠.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٢٠٠ ـ ١٠١ ، وورد مضمونه في مسند احمد ٦ : ٩٤ ، ١٣٠ ، ٢٠٢.

(٣) سنن النسائي ١ : ٧٨ باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل.

(٤) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤ ـ ٧٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١١٤.

(٦) منهم العلامة في القواعد ١ : ١١ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٢٢٩ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٢٤.

١٦١

ما يصبّ منه من الإناء الضيّق الرأس ، فقيل باستحباب وضعه على اليسار (١).

والتحقيق : أنّ كلام القوم في مثله مختلف ، فلا يثبت منه حكم بالشهرة ونحوها ، ولا بأحاديث التيامن ، لعدم صدقه على وضعه باليسار وهو ظاهر.

وأسهليّة صبّ الماء على اليمين حينئذ غير كافية في إثبات استحبابه. ولا على وضعه باليمين ، لاحتياجه إلى صبّ الماء منه في اليسار أو أخذه بها. فكون محض وضعه على اليمين من التيامن المحبوب غير معلوم ، فالحقّ عدم ثبوت استحباب فيه.

ومنها : الاغتراف من الماء باليمين ، لما مرّ ، وللمروي في الكافي في باب علّة الأذان : « فتلقّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين » (٢) والوضوءات البيانية المتضمّنة لاغترافهم بها (٣). وإطلاق أكثرها يشمل ما لو كان الاغتراف بالأخذ من الإناء ، أو بالصبّ منه في الكف.

وإطلاق كلام جماعة ـ بل ربما نسب إلى المشهور ـ استحبابه ولو لغسل اليمنى بالإدارة إلى اليسار (٤). وهو كذلك.

لا لما قيل من إطلاق التيامن (٥) ، ولا لصحيحة محمّد في الوضوء البياني : « إلا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قلت : بلى ، قال : فأدخل يده في الإناء » إلى قوله : « ثمَّ أخذ كفا آخر بيمينه فصبّه على يساره ثمَّ غسل به ذراعه الأيمن » الحديث (٦).

__________________

(١) القائل هو العلامة في نهاية الإحكام ١ : ٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٨٥ الصلاة ب ١٠٥ ح ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥.

(٣) الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٤) نسبه الى المشهور في الحدائق ٢ : ١٥٤.

(٥) الرياض ١ : ٢٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٧ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٣٩١ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٧.

١٦٢

لضعف الأول : بمنع شمول التيامن لمثل ذلك أيضا. والثاني : بأنّه إنّما يتم لو كان المستتر في « قال » راجعا إلى الإمام حتى يكون البيان بالقول ، فإنّ الظاهر حينئذ استحباب ذلك ، لبعد ذكر الإمام له لولاه. وأمّا لو كان راجعا إلى الراوي حتى يكون بالفعل فلا ، إذ غايته أنّ الإمام فعل كذلك ، ويمكن أن يكون اتّفاقيا. مع أنه تعارضه أخبار أخر مصرّحة باغترافه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باليسرى لليمنى (١).

بل للمروي في تفسير العياشي عن مولانا الرضا عليه‌السلام : قلت : فإنّه قال : اغسلوا أيديكم إلى المرافق فكيف الغسل؟ قال : « هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثمَّ يفيضه على المرفق ثمَّ يمسح إلى الكف » (٢) الحديث. ولا تعارضه أحاديث اغترافه باليسرى لليمنى ، لعدم دلالتها على الاستحباب ، ومعارضتها مع مخالفتها كما مرّ.

ومنها : غسل كلّ من الوجه واليسرى ومسح الرأس والرجل اليمنى باليمنى. وأمّا الرجل اليسرى فيستحب مسحها باليسرى.

والظاهر عدم الخلاف في شي‌ء منه.

مضافا إلى الوضوءات البيانية في الغسلين ، وإلى صحيحة زرارة : « وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وبما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى في المسحين » (٣).

ولا يجب ذلك ، للأصل ، وخلوّ الأخبار عن الدالّ على الوجوب. ويجوز غسل الوجه باليدين ، كما مرّ (٤).

ومنها : التسمية حين إرادة الوضوء قبل مس الماء ، وعند وضع اليد فيه ،

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٨٧ ، أبواب الوضوء ب ١٥.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٠٠ ـ ٥٤ ، المستدرك ١ : ٣١١ أبواب الوضوء ب ١٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٤) في ص ٩٩.

١٦٣

بأن يقول في كلّ من الحالين : « بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين ».

أمّا الأول : فللمروي في الخصال : « لا يتوضأ الرجل حتى يسمّي ، يقول قبل أن يمسّ الماء : بسم الله وبالله » (١) إلى آخره.

وأما الثاني : فلصحيح زرارة : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله » (٢) إلى آخره.

وعند (٣) وضع الماء على الجبين يقول : بسم الله ، لصحيحته أيضا : « ثمَّ غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثمَّ قال : بسم الله ، وسدله » (٤).

وتستحب التسمية على النحو المذكور في الحالات المذكورة من حيث هي هي.

ويستحب قول : « بسم الله الرحمن الرحيم » في أول الوضوء أيضا ، للمروي في تفسير الإمام : « وإذا قال في أول وضوئه : بسم الله الرحمن الرحيم ، طهرت أعضاؤه كلّها من الذنوب » (٥).

ويدلّ عليه أيضا : ظاهر ما دلّ على استحباب التسمية على الوضوء ، كموثّقة عيص (٦) ، ومرسلة ابن أبي عمير (٧) ، أو استحبابها مع الدعاء إذا توضّأ ،

__________________

(١) المحاسن : ٤٦ ـ ٦٢ ، الخصال : ٦٢٨ ، الوسائل ١ : ٤٢٦ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ١٠.

(٢) التهذيب ١ : ٧٦ ـ ١٩٢ ، الوسائل ١ : ٤٢٣ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ٢.

(٣) في « ح » حين.

(٤) الكافي ٣ : ٢٥ الطهارة ب ١٧ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤ ـ ٧٤ ، الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٥) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢١.

(٦) الفقيه ١ : ٣١ ـ ١٠١ ، التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٣ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ١ : ٤٢٣ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ١٦ الطهارة ب ١٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٤ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ١ : ٤٢٤ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ٥.

١٦٤

كمرسلة الفقيه (١).

وأمّا ما دلّ على استحبابها في الوضوء ، كمرسلة ابن أبي عمير فيدلّ على الاستحباب حال الوضوء مطلقا ، لا في حالة معيّنة ، وظاهره الأثناء ، وفي بعض الأخبار كمرسلة الفقيه ، وخبر أبي بصير : « أنّه يتوضّأ فيذكر اسم الله » (٢) وظاهره استحبابه بعده.

والمتحصّل : أنّ المذكور في أخبار التسمية في الوضوء بين ثمان حالات : قبل مس الماء ، وعنده ، وعند وضع الماء على الجبين ، والابتداء ، وبعد الوضوء ، وعليه ، وفيه ، وإذا توضّأ. والرابع يتداخل مع ما تقدّمه ، والسادس ظاهر في الرابع ، كالسابع في الأثناء ، والثامن يحتمل القبل والأثناء والبعد.

ثمَّ ظهور بعض الأخبار في الوجوب لا يفيده ، للشذوذ ، وعدم القائل.

ولو تركها في الابتداء يأتي بها في الأثناء ، لاستحبابها فيه. لا لتدارك ما ترك ، لعدم الدليل. وثبوته في الأكل لا يفيد ، لحرمة القياس. وعدم سقوط الميسور بالمعسور غير دالّ جدا.

ومنها : غسل اليدين من الزندين ـ اقتصارا على المتيقّن ـ قبل الوضوء مرّة من حدثي النوم والبول ، ومرّتين من الغائط ، وفاقا للمعظم (٣) ، بل في المعتبر اتّفاق فقهائنا وأكثر أهل العلم عليه (٤).

للصحيح : كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال :

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣١ ـ ١٠٢ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ـ ١ ، الوسائل ١ : ٤٢٤ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٨ ـ ١٠٧٦ ، الاستبصار ١ : ٦٨ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ١ : ٤٢٣ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ٤.

(٣) منهم العلامة في القواعد : ١ : ١١ ، والشهيد الثاني في الروض : ٢١ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ٣.

(٤) المعتبر ١ : ١٦٥.

١٦٥

« واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (١).

والخبر : عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شي‌ء ، أيدخلها في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : « لا ، حتى يغسلها » قلت : فإنّه استيقظ من نومه ولم يبل ، أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : « لا ، لأنه لا يدري حيث باتت يده فليغسلها » (٢).

ومرسلة الفقيه : « اغسل يدك من البول مرّة ، ومن الغائط مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا » وقال : « اغسل يدك من النوم مرّة » (٣).

وأمّا رواية حريز : « يغسل الرجل يده من النوم مرّة ، ومن الغائط والبول مرّتين » (٤) فلا تنافي ما تقدّم ، إذ يمكن أن يكون الأمر بالمرّتين للأخبثين معا ، بل هو الظاهر ، لأنّه الغالب مع الغائط.

وظهور بعض تلك الأخبار في الوجوب غير مفيد له ، لعدم القول به ، مع وجود ضرب من المعارض.

وخلافا للنفلية والبيان ، فأطلق المرّة في الجميع (٥) ، واللمعة فالمرّتين فيه (٦) ، ولم نعثر على مستندهما.

ثمَّ هذا الغسل هل هو لدفع النجاسة المتوهّمة فلا يكون في غير القليل ولا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٢ الطهارة ب ٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٦ ـ ٩٦ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ـ ١٤١ ، الوسائل ١ : ٤٢٧ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ـ ١٠٦ ، الاستبصار ١ : ٥١ ـ ١٤٥ ، الوسائل ١ : ٤٢٨ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٣.

(٣) النفلية : ٦ وفيه : وغسل اليدين من الزند مرة من النوم والبول والغائط والمشهور فيه مرتان ، البيان :١١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩ ـ ٩١ و ٩٢ ، الوسائل ١ : ٤٢٨ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٤ ، ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦ ـ ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ـ ١٤٢ ، الوسائل ١ : ٤٢٧ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٢.

(٦) اللمعة : ١٨.

١٦٦

مع تيقّن الطهارة ، ولا يحتاج إلى النية ، أم تعبّد محض ، فيعمّ الجميع ويلزم فيه النية؟

الأقرب الثاني ، وفاقا لجماعة (١) ، لإطلاق ما عدا ذيل الخبر الثاني ، وصريح صدره ، وعدم معارضتها له (٢) ، لعدم تضمّنها ما يوجب التقييد ، مع معارضتها ـ لو أوجبه ـ مع صدره (٣).

ومنه ظهر عدم اختصاص الحكم بالإناء الذي يغترف منه ، وإن اختص الأوّلان به ، لإطلاق الأخير ، وعدم موجب للتقييد للمنافاة.

خلافا لوالدي ـ رحمه‌الله ـ والمدارك ، وبعض آخر (٤) ، فخصّصوا الحكم به ، للأولين ، وانصراف إطلاق الأخير إلى الشائع من إناء الوضوء عندهم ، وهي الظروف الواسعة ، واقتصارا على المتيقّن.

ويضعف الأول : بعدم إيجابه للاختصاص. والثاني : بمنع الشيوع بحيث يوجب الانصراف ، مع أنّه لا يفيد مع تيقّن الطهارة. والثالث : بأنّ المتيقّن هو المطلق ، للإطلاق المذكور.

ولا يستحب الغسل لحدث الريح ولا للمجدّد ، لعدم المدرك.

وهل تتداخل الأسباب؟ فيه إشكال : من أصالة عدمه ، وممّا مرّ من رواية حريز. نعم ، الظاهر التداخل مع اتّحاد السبب.

ومنها : المضمضة ، وهي : تحريك الماء في الفم ، ذكره الجوهري وغيره (٥). والاستنشاق ، وهو : اجتذابه إلى داخل الأنف.

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٩ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٦.

(٢) أي مع عدم معارضة الذيل للإطلاق.

(٣) حاصل المراد انه لو كان الذيل مشتملا على ما يوجب التقييد يتعارض مع صدره حيث ان صدره مصرّح بغسل اليد ولو مع العلم بعدم الملاقاة للنجس.

(٤) المدارك ١ : ٢٢٤ ، وكالمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٢.

(٥) الصحاح ٣ : ١١٠٦ ، الفيروزآبادي في القاموس ٢ : ٣٥٧.

١٦٧

للإجماع المحقّق ، والمحكي في اللوامع ، وعن الغنية (١) ، ونهاية الإحكام (٢) ، وفي المدارك : أنّه المعروف من المذهب (٣).

وللمروي في الكافي في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « ثمَّ استنشق فقال : اللهم .. » إلى أن قال : « ثمَّ تمضمض فقال : اللهم .. » (٤).

ونحوه في مجالس الصدوق ، والمقنع ، وثواب الأعمال ، وفلاح السائل ، والمحاسن ، وفقه الرضا ، إلاّ أنّ فيها تقديم التمضمض على الاستنشاق (٥).

ورواية عبد الله بن سنان : « المضمضة والاستنشاق مما سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٦).

وموثّقة سماعة : سألته عنهما ، فقال : « هما من السنة ، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة » (٧).

وموثّقة أبي بصير : « هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلا تعد » (٨).

والمروي في مجالس أبي علي والنهج : « فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.

(٢) نقله عن نهاية الإحكام في الذخيرة : ٤٢ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٥ ليس فيها دعوى الإجماع.

(٣) المدارك ١ : ٢٤٧.

(٤) الكافي ٣ : ٧٠ الطهارة ب ٤٦ ح ٦.

(٥) أمالي الصدوق : ٤٤٥ ـ ١١ ، المقنع : ٤ ، ثواب الأعمال : ١٦ ، فلاح السائل : ٥٢ ، المحاسن : ٤٥ ، فقه الرضا عليه‌السلام : ٦٩.

(٦) التهذيب ١ : ٧٩ ـ ٢٠٣ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ١ : ٤٣٠ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ١٩٧ ، الاستبصار ١ : ٦٦ ـ ١٩٧ ، الوسائل ١ : ٤٣٠ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٢.

(٨) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٠ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ١ : ٤٣١ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٤.

١٦٨

الصلاة ، تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا ، واغسل وجهك » (١) الحديث.

وفي ثواب الأعمال « وليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق » (٢).

وفي مجالس الصدوق في علل الوضوء : « ثمَّ سنّ على أمتي المضمضة لينقي القلب من الحرام ، والاستنشاق ليحرم عليهم رائحة النار » (٣).

وفي خصاله : « المضمضة والاستنشاق سنّة وطهور للفم والأنف » (٤).

وقصور بعضها سندا مع التسامح منجبر بما مرّ.

فقول العماني : إنّهما ليسا بفرض ولا سنّة (٥) ، ضعيف شاذ. وكذا الأخبار الموافقة له (٦). مع أنّ المصرّح به في أكثرها أنها ليسا من الوضوء ، والظاهر منه أفعاله الواجبة ، بل قيل : إنّ الوضوء ليس إلاّ الواجب (٧).

ويشهد له : المروي في قرب الإسناد : عن المضمضة والاستنشاق ، قال : « ليس بواجب » (٨).

أو المراد أنهما ليسا من أفعال الوضوء مطلقا وإن كانا مستحبين ، كالسواك ، كما صرّح به الصدوق في الهداية ، قال : إنّهما مسنونان خارجان عن الوضوء (٩).

وأما رواية الحضرمي : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق ، لأنهما من‌

__________________

(١) الرواية موجودة في مجالس الشيخ الطوسي : ٢٩ ، وليست في مجالس أبي علي وهو ابن الشيخ ، ورواها في الوسائل ١ : ٣٩٧ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٩ من مجالس أبي علي ، وكثيرا ما يرى مثل هذه النسبة أو عكسها ، انظر لتوضيح الحال مقدمة مجالس الطوسي ( الطبعة الثانية ١٤٠١ ) للعلامة المرحوم السيد محمّد صادق آل بحر العلوم. ولم نعثر على الرواية في النهج.

(٢) ثواب الأعمال : ١٩ ، الوسائل ١ : ٤٣٢ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١١.

(٣) أمالي الصدوق : ١٦٠ ـ ١ ، الوسائل ١ : ٣٩٦ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٧.

(٤) الخصال : ٦١١ ، الوسائل ١ : ٤٣٣ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١٣.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٩٣.

(٦) الوسائل ١ : ٤٣٠ أبواب الوضوء ب ٢٩.

(٧) الرياض ١ : ٢٦.

(٨) قرب الإسناد ١٧٦ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ١ : ٤٣٣ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١٤.

(٩) الهداية : ١٧.

١٦٩

الجوف » (١) فلا يفيد إلاّ نفي الوجوب.

وكذا رواية زرارة : « ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة » (٢) لاحتمال كون المراد بالسنّة الواجبة النبوية كما هو الشائع في الصدر الأول ، ولا أقلّ من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المعنى المصطلح لها ، بل ولا المتشرّعة عند القدماء ، ومنه يظهر إمكان حملها في كلام العماني عليها أيضا.

ثمَّ أكثر أخبار المقام وإن كان مطلقا إلاّ أنّ مقتضى رواية النهج (٣) : استحباب التثليث ، وقد حكى في الغنية الإجماع عليه (٤) ، وفي اللوامع : أنّه المعروف منهم ، وهو كاف في إثبات الاستحباب. فما قيل من أنّه لا شاهد عليه (٥) غير جيّد.

وتدلّ عليه أيضا الرواية المشهورة في حكاية علي بن يقطين ، المتقدّمة بعضها : « تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا » (٦).

وثبوت التقية في بعض ما ذكر معهما لا يضرّ بعد عدم ثبوتها فيهما. والاستدلال على التثليث بخبر المعلّى : إن نسي ـ أي السواك ـ حتى يتوضّأ ، قال : « يستاك ـ أي بعد الوضوء ـ ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات » (٧) ضعيف.

ويجوز الاكتفاء في كلّ منهما بالأقلّ أيضا ، لإطلاق أكثر الأخبار ، وعدم استلزام استحباب التثليث ، لعدم استحباب المطلق.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤ الطهارة ب ١٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١ : ٤٣٢ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ١٠.

(٢) التهذيب ١ : ٧٨ ـ ٢٠٢ ، الاستبصار ١ : ٦٧ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١ : ٤٣١ أبواب الوضوء ب ٢٩ ح ٦.

(٣) المتقدمة في ص ١٦٩ رقم ١.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤.

(٥) المدارك ١ : ٢٤٨.

(٦) كشف الغمة ٢ : ٢٢٦ ، الخرائج والجرائح ١ : ٣٣٥ ـ ٢٦.

(٧) الكافي ٣ : ٢٣ الطهارة ب ١٥ ح ٦ ، الوسائل ٢ : ١٨ أبواب السواك ب ٤ ح ١.

١٧٠

وهل الأفضل إيقاع الثلاث في كلّ منهما بثلاث غرفات ، كما عن التذكرة ، ونهاية الإحكام (١) ، وفي اللوامع ، أو لا فيقتصر بغرفة لكلّ منهما كما في نهاية الشيخ ، وعن مصباحه ومختصره ، والمقنعة ، والمهذب ، والوسيلة ، والإشارة (٢) ، أو بغرفة لهما معا ، كما عن ظاهر الاقتصاد ، والجامع ، والمبسوط (٣) والإصباح ، وفي الأخيرين التخيير بين الغرفة والغرفتين لهما بزيادة الثلاث في كلّ في الأخير؟

مقتضى ظواهر الإطلاقات : جواز الكلّ وتساويه في الفضيلة.

وتستحب المبالغة فيهما بإدارة الماء في جميع الفم وجذبه إلى أعلى الأنف ، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة (٤) ، لرواية ثواب الأعمال (٥) ، ولأنها السبب (٦) للتنظيف المعلّل به في خبر الخصال (٧).

ولا يلزم إخراج الماء في المضمضة ، فلو ابتلعه حصل الامتثال.

ثمَّ مقتضى إطلاق أكثر الأخبار بملاحظة عدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي : عدم الترتيب بينهما ، فيجوز تقديم كلّ منهما على الآخر ، أو توسيط بعض دفعات كلّ بين الآخر ، كما في بعض كتب الفاضل (٨).

وعن المشهور تقديم المضمضة بدفعاتها الثلاثة ، وهو المحكي عن المقنعة ، والمصباح ، ومختصره والوسيلة ، والجامع ، والتحرير ، والتذكرة ، ونهاية الإحكام ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٦.

(٢) النهاية : ١٢ ، مصباح المتهجد : ٧ ، المقنعة : ٤٣ ، المهذب ١ : ٤٣ ، الوسيلة : ٥٢ ، الإشارة : ٧١.

(٣) الاقتصاد : ٢٤٢ ، الجامع للشرائع : ٣٤ ، المبسوط ١ : ٢٠.

(٤) المنتهى ١ : ٥١ ، التذكرة ١ : ٢١.

(٥) المتقدمة في ص ١٦٩.

(٦) في « ح » : أنسب.

(٧) المتقدم في ص ١٦٩.

(٨) المنتهى ١ : ٥١.

١٧١

والذكرى ، والنفلية ، والبيان (١) ، بل في المبسوط أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق (٢) ، وقيل : إنّه كذلك مع قصد المشروعية ، لعدم ثبوتها (٣).

للشك في شمول الإطلاق له ، سيما مع دلالة ظاهر الرواية الأولى (٤) ـ على ما في غير الكافي ـ على الترتيب ، وسيما مع الترتيب الذكري في كثير من الأخبار.

أقول : إثبات استحباب تقديم المضمضة وإن لم يمكن من الأخبار ، للأصل ، وعدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي ، بل عدم دلالة الفعلي المذكور في الأولى على ما في غير الكافي ، لجواز كونه أحد فردي المستحب ، مع تعارضها بما في الكافي ، ولكن لا بأس بإثباته بالشهرة المحكية وفتوى الأجلّة ، لأنّ المقام مقام المسامحة ، فيكون مستحبا. ولكن لا يثبت منه تقييد استحباب مطلقهما به حتى لا يستحب غير تلك الهيئة ويأثم بقصد المشروعية في غيرها ، إذ استحباب التقديم غير مناف لاستحباب المطلق ، بل غايته أنه مستحب آخر ، فمن تركه أتى بأحد المستحبين. والشك في شمول الإطلاق لو سلّم لم يضرّ ، لمكان الأصل. فالحقّ ـ كما صرّح في اللوامع ـ جواز الأمرين وإن استحب تقديم المضمضة.

ويستحب كونهما باليمنى ، لما تقدّم.

ويجوزان للصائم وإن كان الأفضل له ترك المضمضة ، لمضمرة يونس : « إنّ الأفضل للصائم أن لا يتمضمض » (٥).

__________________

(١) المقنعة ٤٣ ، مصباح المتهجد ٧ ، الوسيلة : ٥٢ ، الجامع للشرائع : ٣٤ ، التحرير ١ : ٨ ، التذكرة ١ : ٢١ ، نهاية الإحكام ١ : ٥٦ ، الذكرى : ٩٣ ، النقلية : ٦ ، البيان : ٥٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠.

(٣) القائل هو صاحب الرياض ١ : ٢٦.

(٤) المتقدمة في ص ١٦٨.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٧ الصيام ب ٢٦ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.

١٧٢

ومنها : الدعاء عند كلّ من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وبعد الوضوء بالمأثور ، وقول : « الحمد لله رب العالمين » بعده.

وكذا تستحب قراءة آية الكرسي في أثر الوضوء ، رواه في جامع الأخبار (١) وإنا أنزلناه ، رواه في البلد الأمين واختيار ابن الباقي (٢). وفي بعض الأدعية اختلاف في كتبه ، والداعي مخير.

ومحل الدعاء في المضمضة والاستنشاق بعد الفعل ، لمكان قوله في رواية وضوء أمير المؤمنين عليه‌السلام : « تمضمض فقال .. واستنشق فقال » (٣) بل المستفاد من تلك الرواية كون الدعاء في كلّ فعل بعد الفراغ منه.

وقال والدي ـ رحمه‌الله ـ : والظاهر تأدّي السنّة بقراءته بعده وفي الأثناء أيضا فيما يمكن.

ومنها : تثنية الغسلات في كلّ من الوجه واليدين ، كما يأتي بعد ذلك (٤).

ومنها : بدأة الرجل بظاهر ذراعيه ، والمرأة بباطنهما ، لخبر ابن بزيع : « فرض الله على النساء في الوضوء أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفي الرجل بظاهر الذراع » (٥) ومثله في الخصال (٦).

ويمكن أن يكون المراد منها في الرواية البدأة في كلّ من الغسلتين ، كما ذكره‌

__________________

(١) جامع الأخبار : ٤٥ ، المستدرك ١ : ٣٢١ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٨.

(٢) البلد الأمين : ٣ ، ونقله عن اختيار ابن الباقي في البحار ٧٧ : ٣٢٨ ـ ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٧٠ الطهارة ب ٤٦ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ـ ٨٤ ، التهذيب ١ : ٥٣ ـ ١٥٣ ، الوسائل ١ : ٤٠١ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

(٤) في ص ١٨١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٨ الطهارة ب ١٨ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٧٦ ـ ١٩٣ ، الوسائل ١ : ٤٦٦ أبواب الوضوء ب ٤٠ ح ١.

(٦) الخصال : ٥٨٥ ـ ١٢ وفيه : « وتبدأ ( أي المرأة ) في الوضوء بباطن الذراع والرجل بظاهره » المستدرك ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ١.

١٧٣

جماعة (١) ، أو في الغسل حتى تكون الثانية مسكوتا عنها.

ويحتمل الأمران في كلام المشهور أيضا ، حيث أطلق فيه البدأة بالظاهر للرجل وبالباطن للمرأة.

واختار في المبسوط بدأة الرجل في الأولى بالظاهر وفي الثانية بالباطن (٢) ، وهو مختار الإصباح ، والإشارة ، والسرائر ، والشرائع ، والغنية ، والتذكرة (٣) ، وفي الأخيرين الإجماع عليه ، وهو كاف في إثبات المطلوب ، للمسامحة. ولا ينافيه اشتهار الإطلاق ، لا سيما مع الاحتمال المتقدم.

ومنها : إسباغ الوضوء ( بمدّ ) (٤) بالإجماعين (٥) والمستفيضة من الروايات ، كمرسلتي الفقيه (٦) ، وصحيحتي زرارة (٧) ومحمّد (٨) ، وموثّقة سماعة (٩) ، ورواية أبي بصير (١٠).

ولا دلالة في شي‌ء منها على الوجوب. ولو كان فيجب الحمل على الاستحباب ، للاتّفاق واستفاضة الروايات بكفاية مثل الدهن وكف واحد (١١).

__________________

(١) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٥١ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٤٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠.

(٣) الإشارة : ٧١ ، السرائر ١ : ١٠١ ، الشرائع ١ : ٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، التذكرة ١ : ٢٠.

(٤) أضفناها لاقتضاء سياق البحث كما يظهر من ملاحظة الروايات التي استدل بها وما أفاد في المتن حولها ، وانظر الرياض ١ : ٢٦.

(٥) كما نقله في الرياض ١ : ٢٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٣ ـ ٦٩ ، ٧٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ ، ٤٨٣ أبواب الوضوء ب ٥٠ ملحق ح ٣ وح ٦.

(٧) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ١.

(٨) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٧ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٢.

(٩) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٦ ، ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤١١ و ١٢٠ ـ ٤٠٨ ، الوسائل ١ : ٤٨٢ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٤.

(١٠) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٦ ، ٣٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤١١ و ١٢٠ ـ ٤٠٨ ، الوسائل ١ : ٤٨٢ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٥.

(١١) انظر الوسائل ١ : ٤٨٤ أبواب الوضوء ب ٥٢ ، والوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ١٥.

١٧٤

والحمل على ما يدخل فيه ماء الاستنجاء أيضا ، لأنّ المدّ لا يبلغه الوضوء ، كما في الذكرى (١). أو استفادة وجوب غسل الرجلين منه كالعامة ، فاسد جدا ، لأنّ الوضوء الكامل يكون بأربع عشرة كفا أو ثلاث عشرة ، والمدّ لا يزيد على ذلك قطعا ، لأنّه رطل ونصف بالمدني وهو مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف درهم ، ربع الصاع ، ومائة وثلاثة وخمسون ونصفا ، ونصف ثمن بالمثاقيل الصيرفية ، وهو أقلّ من ربع المن التبريزي المتعارف الآن في بلدنا ، وما يقاربه ، الذي هو ستمائة مثقال صيرفي وأربعون مثقالا. وقد مرّ بيانه في بحث الكر (٢).

ومنها : السواك ، واستحبابه عندنا في نفسه وللوضوء مجمع عليه ، والنصوص به في الموضعين مستفيضة (٣).

فمن الثاني صحيحة ابن عمار : « عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة » (٤).

ومرسلة الفقيه : « السواك شطر الوضوء » (٥).

ورواية المعلّى : عن السواك بعد الوضوء ، فقال : « الاستياك قبل أن يتوضّأ » قلت : أرأيت إن نسي حتى يتوضّأ؟ قال : « يستاك ثمَّ يتمضمض ثلاث مرات » (٦).

ورواية السكوني : « التسويك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك » (٧).

والمروي في المحاسن : « إذا توضّأ الرجل وسوّك ثمَّ قام فصلّى ، وضع الملك [ فاه على فيه فلم يلفظ شيئا إلاّ التقمه » وزاد فيه بعضهم : « فإن لم يستك قام الملك‌

__________________

(١) الذكرى : ٩٥.

(٢) المتقدمة ج ١ في ص ٥٦.

(٣) الوسائل ٢ : ٥ ، ١٥ ، ١٦ أبواب السواك ب ١ و ٢ و ٣.

(٤) الكافي ٨ ( الروضة ) : ٧٩ ـ ٣٣ ـ بتفاوت ـ ، الوسائل ٢ : ١٦ أبواب السواك ب ٣ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢ ـ ١١٤ ، الوسائل ٢ : ١٧ أبواب السواك ب ٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٣ ـ ٦ ، المحاسن : ٥٦١ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ٢ : ١٨ أبواب السواك ب ٤ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٣٥٧ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ٢ : ٢٤ أبواب السواك ب ٩ ح ٤.

١٧٥

جانبا ] (١) يستمع إلى قراءته » (٢).

ومقتضى الرواية كونه من سنن الوضوء ، وليس فيما دلّ على استحبابه على الإطلاق منافاة لذلك.

ومقتضى الثالثة : كون محلّه قبل الوضوء ، فمن نسيه فبعده. ولعلّه مراد من استحبه قبله وبعده.

ويمكن القول بالاستحباب في الموضعين أيضا ، لاستفاضة النصوص باستحبابه لكلّ صلاة (٣) ، فتأمّل.

والأولى تقديمه على غسل اليدين ، لفتوى طائفة من الأعيان بأفضليته (٤) ومقتضى الرابعة : جواز الاكتفاء فيه بالإصبع ، وتدلّ عليه أيضا مرسلة الكافي : « أدنى السواك أن تدلك بإصبعك » (٥).

ولا تنافيها صحيحة علي : عن الرجل يستاك مرة بيده إذا قام إلى صلاة الليل وهو يقدر على السواك ، قال : « إذا خاف الصبح فلا بأس به » (٦) لجواز أن يكون الشرط للمرة.

ومنها : فتح العين ، وفاقا للصدوق (٧) وجماعة (٨) ، لمرسلة الفقيه : « افتحوا عيونكم عند الوضوء ، لعلّها لا ترى نار جهنم » (٩).

والمروي في نوادر الراوندي : « اشربوا أعينكم الماء عند الوضوء ، لعلّها لا‌

__________________

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٢) المحاسن : ٥٦١ ، الوسائل ٢ : ١٩ أبواب السواك ب ٥ ح ٤.

(٣) الوسائل ٢ : ١٨ أبواب السواك ب ٥.

(٤) منهم الشهيد في الذكرى : ٩٣ ، وصاحب الرياض ١ : ٢٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٣ الطهارة ب ١٥ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٢٤ أبواب السواك ب ٩ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٣٤ ـ ١٢٢ ، قرب الاسناد : ٢٠٧ ـ ٨٠٦ ، الوسائل ٢ : ٢٤ أبواب السواك ب ٩ ح ١.

(٧) المقنع : ٧ ، الهداية : ١٨ ، الفقيه ١ : ٣١.

(٨) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٤ ، والشهيد في الذكرى : ٩٤.

(٩) الفقيه ١ : ٣١ ـ ١٠٤ ، الوسائل ١ : ٤٨٦ أبواب الوضوء ب ٥٣ ح ١.

١٧٦

ترى نارا حامية » (١).

والأمر هنا للندب ، لانتفاء الوجوب إجماعا ونصّا في الجوف.

ذكر والدي ـ رحمه‌الله ـ في اللوامع : أنّ مرادهم بالفتح والإشراب ما يحصل به غسل نواحيها ، دون ما يوجب إيصال الماء إليها ، لنفي الشيخ استحبابه ، محتجّا بالإجماع وإيجابه الضرر غالبا (٢) ، وقد روي أنّ ابن عمر كان يفعله فعمى لذلك (٣). ولا بأس به.

ومنها : إمرار اليد بالغسل ، وفاقا للمشهور ، تأسّيا بالحجج ، وللمروي في قرب الإسناد : « ولا تغمس في الوضوء ، ولا تلطم وجهك بالماء لطما ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا ، وكذلك فامسح بالماء ذراعيك » (٤).

وضعفه مع عدم القائل يأبى عن إثبات الوجوب به.

ويستحب الاستقبال حال الوضوء أيضا ، لقولهم : « خير المجالس ما استقبل به القبلة » (٥). وعدم الجلوس في مظان النجاسة ، ووجهه ظاهر. ولكن في عدّهما من مستحبات الوضوء بخصوصه ـ كما فعله بعضهم ـ نظر.

البحث الثاني : في مكروهاته‌ ، وهي أيضا أمور :

ومنها : الاستعانة بصبّ الماء على الكف ، لما مرّ في مسألة المباشرة (٦). لا في إحضار الماء وإسخانه ، ورفع الثوب عن العضو ونحوها ، للأصل والخروج عن‌

__________________

(١) نوادر الراوندي : ٣٩ ، البحار ٧٧ : ٣٣٦ ـ ٩.

(٢) الخلاف ١ : ٨٥ ، المبسوط ١ : ٢٠.

(٣) المغني ١ : ١١٨.

(٤) قرب الإسناد : ٣١٢ ـ ١٢١٥.

(٥) الشرائع ٤ : ٧٣ ، الوسائل ١٢ : ١٠٩ أبواب أحكام العشرة ب ٧٦ ح ٣.

(٦) في ص ١٥٨.

١٧٧

الصبّ المصرّح به في الأخبار (١) ، والشك في شمول التعليل فيها لمثلها.

ومنها : التمندل ، وهو تجفيف ماء الوضوء من الأعضاء المغسولة بالمنديل ، للشهرة بين الأصحاب ، بل ظاهر الوفاق كما في اللوامع ، وخبر ابن حمران : « من توضّأ فتمندل كانت له حسنة ، وإن توضّأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه ، كان له ثلاثون حسنة » (٢).

وضعفه ـ لو كان ـ غير ضائر في مقام المسامحة ، مع أنّه منجبر بالشهرة.

ومدلوله رجحان ترك التمندل على فعله ، وهو بعينه الكراهة بالمعنى المعهود ، والحسنة الواحدة إنّما هي على الوضوء دون التمندل. فالإيراد بأنّه يدلّ على قلّة الثواب دون الكراهة المصطلحة ضعيف.

وأضعف منه : دفعه بأنّ الكراهة في العبادات بهذا المعنى ، لأنّ التمندل أمر وراء العبادة.

والاستدلال على كراهته : بقوله في ثواب الوضوء : « خلق الله من كلّ قطرة .. » (٣) باطل ، إذ لا يلزم أن تكون القطرة متقاطرة ، بل المراد قطرات ماء الوضوء.

خلافا للسيد في شرح الرسالة (٤) ، وعن الشيخ في أحد قوليه (٥) فلم يكرهاه ، للأصل ، وصحيحة محمّد : « عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف ، قال : لا بأس به » (٦).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧٦ أبواب الوضوء ب ٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٧٠ الطهارة ب ٤٦ ح ٤ ، المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٥٠ ، ثواب الأعمال : ١٦ ، الوسائل ١ : ٤٧٤ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٥.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢١.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ٩٥.

(٥) المبسوط ١ : ٢٣ ، الخلاف ١ : ٩٧.

(٦) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠١ ، الوسائل ١ : ٤٧٣ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ١.

١٧٨

ورواية الحضرمي : « لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان الثوب نظيفا » (١).

وموثّقة ابن الفضل : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام توضّأ للصلاة ثمَّ مسح وجهه بأسفل قميصه ، ثمَّ قال : « يا إسماعيل افعل هكذا ، فإني هكذا أفعل » (٢).

وصحيحة ابن حازم : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام وقد توضّأ وهو محرم أخذ منديلا فمسح به وجهه (٣).

والمروي في المحاسن : عن التمندل بعد الوضوء ، فقال : « كان لعلي عليه‌السلام خرقة في المسجد ليست إلاّ للوضوء يتمندل بها » (٤).

وآخر : « كانت لعلي عليه‌السلام خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه ، إذا توضّأ يتمندل بها » (٥).

وثالث : « كانت لأمير المؤمنين خرقة يمسح بها وجهه إذا توضّأ للصلاة ، ثمَّ يعلّقها على وتد ولا يمسها غيره » (٦).

والثانيان لا ينفيان إلاّ البأس الذي هو الحرمة ، مع أنّ في ثانيهما نفي البأس عن المسح بالثوب ، وهو غير التمندل. ومنه يظهر ما في الرابع ، مع أنه قضية في واقعة ، فيجوز أن يكون لضرورة ، كشقاق أو خوف شين أو للتقية ، فإنه ـ كما صرّح به جماعة (٧) ـ متداول عند العامة مشتهر بينهم.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٤ ـ ١١٠٢ ، الوسائل ١ : ٤٧٤ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٥٧ ـ ١٠٦٩ ، الوسائل ١ : ٤٧٤ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧٤ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٤.

(٤) المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٤٧ ، الوسائل ١ : ٤٧٥ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٧. وفيهما « للوجه » بدل للوضوء.

(٥) المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٤٨ ، الوسائل ١ : ٤٧٥ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٨.

(٦) المحاسن : ٤٢٩ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ١ : ٤٧٥ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٩.

(٧) منهم صاحب الرياض ١ : ٢٧.

١٧٩

ومنه يظهر دفع البواقي ، إذ يترجّح ما مرّ عليها ، لموافقتها العامة ومخالفتها الشهرة.

والمكروه ـ كما أشرنا إليه ـ إنّما هو التمندل كما هو مورد الشهرة ومحل الرواية ، فلا كراهة في التمسح بالثوب والذيل والكم والقميص والتجفيف بالشمس والنار ، للأصل.

ومنها : نفض المتوضّئ يده ، للنبوي العامي : « إذا توضّأتم فلا تنفضوا أيديكم » (١). وكونه عاميا غير ضائر ، للمسامحة.

ومنها : التوضؤ من إناء فيه تماثيل ، للموثّق : عن الطست يكون فيه التماثيل ، أو الكوز أو التور يكون فيه تماثيل أو فضة ، قال : « لا تتوضّأ منه ولا فيه » (٢).

ومنها : الوضوء في المسجد عن البول والغائط ، للخبر : عن الوضوء في المسجد ، فكرهه من البول والغائط (٣).

ولا ينافي إطلاقه مفهوم خبر بكير : « إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس بالوضوء في المسجد » (٤) ، لأنّه إنّما هي إذا كان البأس مستعملا فيما يعم الكراهة مجازا ، وهو ليس بأولى من كون المفهوم غير معتبر كذلك.

ومنه يظهر عدم إمكان الاستدلال به على كراهة الوضوء من شي‌ء من الأحداث الواقعة خارجه أيضا.

ومنها : التوضؤ ببعض المياه المكروه استعمالها ، المتقدم في بحث المياه (٥).

__________________

(١) كنز العمال ٩ : ٤٥٣ ـ ٢٦٩٣٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٥ ـ ١٣٥٣ ، الوسائل ١ : ٤٩١ أبواب الوضوء ب ٥٥ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٣٦٩ الصلاة ب ٥٣ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٧ ـ ٧١٩ ، الوسائل ١ : ٤٩٢ أبواب الوضوء ب ٥٧ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٣ ـ ١٠٤٩ ، الوسائل ١ : ٤٩٢ أبواب الوضوء ب ٥٧ ح ٢.

(٥) المتقدمة ج ١ في ص ١٢٥.

١٨٠