القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني

القول الصّراح في البخاري وصحيحه الجامع

المؤلف:

الميرزا فتح الله بن محمّد جواد الإصبهاني


المحقق: الشيخ حسين الهرساوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-024-X
الصفحات: ٢٦٢

قال المشركون : ( لو شاء الله ما أشركنا ولاآبائنا ولا حرّمنا من شيء ) قال الله تعالى : ( هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الاّ الظن وان أنتم إلاّ تخرصون قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين ) (١)

فان هؤلاء المشركين يعلمون بفطرتهم وعقولهم أن هذه الحجة داحضة وباطلة فان أحدهم لو ظلم الاخر ، أو حرج في ماله ، أو فرج امرأته ، أو قتل ولده ، أوكان مصرّاً على الظلم فنهاه الناس عن ذلك فقال : لو شاء الله لم أفعل هذا ، لم يقبلوا منه هذه الحجة ولا هو يقبلها من غيره ، وانما يحتج بها المحتج رفعاً لللوم بلا وجه.

فقال الله لهم : هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ بأن هذا الشرك والتحريم من أمر الله وأنه مصلحة ينبغي فعله ، ان تتبعون إلاّ الظن ، فانه لا علم عندكم بذلك ، ان تظنون ذلك الاّ ظنّاً وان أنتم إلاّ تخرصون تحرزون وتفترون ، فعمدتكم في نفس الأمر ظنكم وخرصكم ليس في عمدتكم في نفس إلاّ وكون الله شاء ذلك وقدره.

فإن مجرد المشيّة والقدرة لا تكون عمدة لأحد فى الفعل ولا حجة لأحد على أحد ولا عذراً لأحد اذ الناس كلهم مشتركون في القدر ، فلو كان هذا حجة وعمدة لم يحصل فرق بين العادل والظالم والصادق والكاذب والعالم والجاهل والبر والفاجر ، ولم يكن فرق بين ما يصلح الناس من الاعمال وما يفسدهم وما ينفعهم وما يضرهم.

وهؤلاء المشركون المحتجّون بالقدر على ترك ما أرسل الله به رسله من

__________________

١. الانعام : ١٤٨ ـ ١٤٩.

١٢١

توحيده والايمان به لو احتج به بعضهم على بعض في سقوط حقوقه ومخالفة أمره لم يقبله منه ، بل كان هؤلاء المشركون يذم بعضهم بعضاً ويعادي بعضهم بعضاً ، ويقاتل بعضهم بعضاً ، على فعل ( ما يرونه ) (١) تركاً لحقهم أو ظلماً ، فلما جاءهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم إلى حق الله على عبادة وطاعة أمره احتجوا بالقدر (٢).

وقال في موضع آخر : وهذا السؤال أعني لزوم افحام الانبياء في جواب الكفار ، انما يتوجه على من يسوّغ الاحتجاج بالقدر ويقيم عذر نفسه أو غيره ، اذا عصى بأن هذا مقدر عليّ ، ويرى أن شهود هذا هو شهود الحقيقة ، أي الحقيقة الكونية.

وهؤلاء كثيرون في الناس وفيهم من يدعي أنه من الخاصة العارفين أهل التوحيد الذين فنوا في توحيد الربوبية ، ويقولون : أن العارف اذا فنى في شهود توحيد الربوبية ، لم يستحسن حسنه ولم يستقبح قبحه (٣) ، ويقول بعضهم من شهد الإرادة سقط عنه الأمر ، ويقول بعضهم الخضر عليه‌السلام سقط عنه التكليف لأنه شهد الإرادة.

وهذا الضرب كثير في متأخري الشيوخ النساك والصوفية والفقراء بل في الفقهاء والأمراء والعامة ، ولا ريب أن هؤلاء شرٌّ من المعتزلة والشيعة الذين يقرون بالامر والنهي وينكرون القدر وبمثل هؤلاء طال لسان المعتزلة والشيعة في المنتسبين إلى السنة.

____________

١. من يريد ، ن خ.

٢. منهاج السنة ٢ : ٢ ـ ٣.

٣. سيئته ، نخ.

١٢٢

فان من أقرّ بالأمر والنهي والوعد والوعيد وفعل الواجبات وترك المحرمات ولم يقل أن الله خلق أفعال العباد ولايقدر على ذلك ولا شاء المعاصي ، هو قد قصد تعظيم الأمر وتنزيه الله تعالى عن الظلم واقامة حجة الله على نفسه لكن ضاق عطنه فلم يحسن الجمع بين قدرة الله التامة وبين المشية العامة ، وخلقه الشامل وبين عدله وحكمته ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، فجعل الله الحمد ولم يجعل له تمام الملك.

والذين اثبتوا قدرته ومشيّته ، وخلقه وعارضوا بذلك أمره ونهيه ووعده ووعيده شرٌّ من اليهود والنصارى كما قال هذا المصنّف (١).

فان قولهم يقتضي افحام الرسل ، ونحن انما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلاً ، وأما الحق فعلينا أن نقبله من كل قائل وليس لأحد أن يردّ بدعة ببدعة ولايقابل باطلاً بباطل.

والمنكرون للقدر وان كانوا في بدعة فالمحتجّون به على الامر أعظم بدعة وان كان أولئك يشبهون المجوس فهؤلاء يشبهون المشركين المكذبين للرسل ، الذين قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا ولا حرّمنا من دونه من شيء.

وقد كان في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم جماعة من هؤلاء القدرية ، وأما المحتجون بالقدر على الامر فلا يعرف لهم طائفة من طوائف المسلمين معروفة وانّما كثروا في المتأخرين (٢).

وهذه الكلمات كلّها كما ترى تسليم التشنيعات التي أوردها العلامة قدس

__________________

١. يعني العلامة رحمهم‌الله.

٢. منهاج السنة ٢ : ٨.

١٢٣

سره على العامة أعني على الاشاعرة ، منهم الذين هم الاكثرون عدداً وعدّة ، ومع هذا كلّه قال هذا الناصب ما نقلنا عنه ، أولاً ما هذا لفظه :

ثم يعلم ان هذه الحجة باطلة بصريح العقل ، عند كل أحد مع الايمان بالقدر ، وبطلان هذه الحجة لا يقتضي التكذيب بالقدر ، وذلك أن بني آدم مفطورون على احتياجهم إلى جلب المنفعة ودفع المضرة ، ولا يعيشون ولا يصلح لهم دين ولا دنيا إلاّ بذلك.

فلابد أن يتأمروا بما فيه محصل منافعهم ودفع مضارهم ، سواء بعث إليهم رسول أم لم يبعث ، لكن علمهم بالمنافع والمضار بحسب عقولهم وقصودهم ، والرسل صلوات الله عليهم ، بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها.

فاتباع الرسل أكمل الناس في ذلك ، والمكذبون للرسل انعكس الأمر في حقّهم ، فصاروا يتبعون المفاسد ويعطلون المصالح ، فهم شرّ الناس ، ولابد لهم مع ذلك من أمور يجتلبونها وأمور يجتنبونها ، وأن يتدافعوا جميعاً ما يضرهم من الظلم والفواحش ونحو ذلك.

فلو ظلم بعضهم بعضاً في دمه ، أوماله ، أوحرمه ، فطلب المظلوم الاقتصاص والعقوبة ، لم يقبل أحد من ذوي العقول احتجاجه بالقدر ، ولو قال : اعذروني ، فان هذا كان مقدراً عليَّ ، لقالوا : وأنت لو فعل بك ذلك ، فاحتج عليك ظالمك بالقدر ، لم تقبل منه ، وقبول هذه الحجة يوجب الفساد الذي لا صلاح معه ، وان كان الاحتجاج بالقدر مردوداً في فطر جميع الناس وعقولهم ، مع ان جماهير الناس مقرّون بالقدر ، علم أن الاقرار بالقدر لا

١٢٤

ينافي دفع الاحتجاج به ، بل لابد من الايمان به ، ولابد من ردّ الاحتجاج به.

ولما كان الجدل ينقسم إلى حقّ وباطل وكان من لغة العرب : أن الجنس ، اذا انقسم إلى نوعين : أحدهما أشرف من الآخر ، خصوا الأشرف باسم الخاص ، وعبّروا عن الآخر ، باسم العام ، كما في لفظ الجائز العام والخاص ، والمباح العام والخاص ، وذوي الأرحام العام والخاص ، ولفظ الجواز ، العام والخاص ، ويطلقون لفظ الحيوان على غير الناطق ، لاختصاص الناطق باسم الانسان غلبوا في لفظ الكلام والجدل ، فلذلك يقولون : فلان صاحب كلام ومتكلّم ، اذا كان قد يتكلّم بلا علم ، ولهذا ذم السلف ، أهل الكلام والجدل.

فاذا لم يكن الكلام بحجة صحيحة ، لم يكن الاّ جدلاً محضاً ، والاحتجاج بالقدر من هذا الباب ، كمافي الصحيح عن علي رضي الله عنه قال : طرقني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة فقال : ألا تقومان فتصليان ، فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، قال فولّى وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ، فإنّه لما أمرهم بقيام الليل فاعتل علي بالقدر ، وأنه لوشاء الله لايقظنا ، علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان هذا ليس فيه إلاّ مجرد الجدل الذي ليس بحق ، فقال : وكان الانسان أكثر شيء جدلاً (١).

وأنا والله استحيي من بيان لوازم كلامه الميشوم سيما بعد ضم بعضها إلى بعض ، وتعصّبات هذا الملحد الزنديق وتحاملاته كثيرة لم أر أحداً من علماء العامة بلغ مبلغه في التعصب وتجاسر على بعض ما صدر عنه ، وقد تقدم كلامه في حجية أقوال العترة الطاهرة.

__________________

١. منهاج السنة ٢ : ١٠ ـ ١١.

١٢٥

وبلغ من تعصبه إلى أن صنّف رسالته في فضل معاوية ويزيد ، كما ذكره صلاح الدين في فوات الوفيات المذيّل على تاريخ ابن خلّكان ، فانه اثنى عليه أولاً بأوصاف جميلة ، فقال : شيخنا الامام الرباني امام الائمة ومفتي الأُمة وبحر العلوم سيد الحفاظ وفارس المعاني والالفاظ فريد العصر وقريع الدهر شيخ الاسلام قدوة الانام علامة الزمان وترجمان القرآن علم الزهاد وأوحد العباد قامع المبتدعين وآخر المجتهدين نزيل دمشق صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها ثم ضيّع ستّ ورقات تقريباً في أحواله ثمّ عدّ من مصنّفاته رسالة في فضل معاوية وابنه يزيد (١).

ابن تيمية وطاعة أولى الأمر

وقال في موضع من المنهاج : أبوبكر وعمر رضي الله عنهما وليا الامر ، والله قد أمر بطاعة أولى الأمر ، وطاعة ولي الأمر طاعة الله ومعصيته معصية الله ، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه ، وعلي وفاطمة ردّا أمر الله وسخطا حكمه وكرها رضي الله ، لان الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الامر طاعته فمن كره طاعة ولي الامر فقد كره رضوان الله ، والله يسخط بمعصيته ومعصية ولي الامر معصيته ، فمن اتبع معصية ولي الامر فقد اتبع ما اسخط الله وكره رضوانه (٢).

كفانا بهذا قدحاً في أبي بكر وعمر حيث انهما أسخطا علياً وفاطمة صلوات الله عليهما ومن أسخطهما فقد أسخط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما في

__________________

١. فوات الوفيات ١ : ٧٤ ـ ٧٧.

٢. منهاج السنة ٢ : ١٧١ ـ ١٧٢.

١٢٦

الصحيحين للبخاري ومسلم ، قال الله تعالى : ( إنَّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة ) (١).

ولينظر العاقل جسارة هذا الخبيث حيث نسب إلى أميرالمؤمنين والصديقة الطاهرة أنهما أسخطا الله وكرها رضوانه مع ما ملؤا به كتبهم وطواميرهم من مناقبهما وفضائلهما ويستدل على ذلك بأنهما سخطا حكم أبي بكر وهو ولي الامر.

ولايعقل انه اذا ثبت انهما سخطاه ثبت انه ليس ولي الامر والشيعة يستدلون بأمثال هذا على أن ابابكر غاصب للامر ، وكيف يجعل هذا الشقي كونه ولي الامر أمراً مفروغاً عنه ويفرّع عليه هذه الهذيانات ، ولذا ترى علماء السنة اعملوا كلّ حيلة في دفع هذا الطعن واثبات أنهما لم يسخطا على أبي بكر.

وذكر هذا الشقي في موضع آخر أن أميرالمؤمنين علياً عليه‌السلام أخطأ في سبعة عشر موضعاً وخالف نصّ القرآن الكريم.

ولهذا وأمثاله صار مطعوناً في عصره مخذولاً في زمانه عند علماء السنة أيضاً وأفتى جماعة من أهل نحلته بكفره وزندقته.

وفي تاريخ اليافعي أنه نودي بدمشق وغيره ، أن من كان على عقيدة ابن تيمية فدمه وماله حلال ، وقال ابن حجر المكي صاحب الصواعق في كتابه المسمّى باشرف الوسائل إلى فهم الشمائل ، ما هذا لفظه : قال ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أنه ذكر شيئاً بديعاً ، وهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رأى ربّه واضعاً يده بين كتفيه اكرم ذلك الموضع بالعذبة (٢) والشملة والستار.

__________________

١. الأحزاب : ٥٧.

٢. العذبة ـ كقصبة ـ : طرف كل شيء ، ومنه الحديث : « أرخى عَذَبَة العمامة بين كتفيه » أي أرسلَ طرفها. مجمع البحرين : ٣ / ١٤١.

١٢٧

قال العراقي : لم نجد لذلك أصلاً ، أقول بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما ، اذ هو مبني على ما ذهبنا إليه واطالا في الاستدلال له والحط على أهل السنة في نفيهم له ، وهو اثبات الجهة والجسمية لله تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً ، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ منه الاذان ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان ، قبّحهما الله وقبح من قال بقولهما ، والامام أحمد وأجلاء مذهبه مبرّأون عن هذا الوصمة القبيحة كيف وهي كفر عند كثيرين.

وقال المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية : ولابن تيمية ابي العباس أحمد وأصحابه ميل عظيم إلى اثبات الجهة ومبالغة في القدح في نفيها ، ورأيت في بعض تصانيفه : انه لا فرق عند بديهية العقل بين ان يقال : هو معدوم او يقال طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده ، ونسب النافين إلى التضليل ؛ هذا مع علوّ كعبه في العلوم النقلية والعقلية كما يشهد به من تتبع تصانيفه.

وقال أيضاً عند ذكر القدم الجنسي للعالم : وقد قال به بعض المحدّثين المتأخرين وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به في العرش.

ابن حجر العسقلاني ومعرفته بابن تيمية

وقال ابن حجر في « الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة » : وكان يعني ، ابن تيمية يتكلّم على المنبر بطريقة المفسرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسنة والنظر ما لايقدر أحد ان يورده في عدّة مجالس ، كأن هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر.

١٢٨

ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلوّ فيه واقتضى له ذلك العجيب بنفسه حتى رهل على ابناء جنسه واستشعر أنه مجتهد ، فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم حتى انتهى الى عمر فخطأه في شيء ، فبلغ الشيخ ابراهيم الرقي فانكر عليه فذهب اليه واعتذر واستغفر.

وقال في حقّ علي خطأ في سبعة عشر أشياء ثم خالف فيها نص الكتاب منها : اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الاجلين.

وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الاشاعرة حتى أنه سبّ الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه ولما قدم غازان بجيوش التتار إلى الشام خرج إليه وكلّمه بكلام قوي ، فهم بقتله ثم نجى واشتهر أمره من يومئذ ، ثم ساق الكلام إلى أن قال : ضبطوا عليه كلمات في العقائد وقعت منه في مواعظه وفتاويه فذكروا انه ذكر حديث النزول ، فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا ، فنسب إلى التجسيم.

وردّه من توسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او استغاث ، فأشخص من دمشق ...

ثم قال : وافترق الناس فيه شيعاً فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكره في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله : ان اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستوى على العرش بذاته ، فقيل له : يلزم من ذلك التحيّز والانقسام ، فقال : أنا لا أسلّم أن التحيّز والانقسام من خواص الاجسام ، فالزم بانه يقول بالتحيّز في ذات الله تعالى.

ومنهم من ينسبه إلى الزندقة ، لقوله : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لايستغاث به وان في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أشد الناس عليه في

١٢٩

ذلك النور البكري فانه لما عقد له المجلس بسبب ذلك ، قال بعض الحاضرين يعزّر ، فقال البكري لا معنى لهذا القول فانه ان كان تنقيصاً يقتل وان لم يكن تنقيصاً لا يعزّر.

ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدّم (١) ، ولقوله : انه كان مخذولاً حيث ما توجه وانه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها.

وانه قاتل للرياسة لا للديانة ، ولقوله : انه يحبّ الرياسة ، وان عثمان يحب المال.

ولقوله : أبوبكر أسلم شيخاً يدري ما يقول ؛ وعلي أسلم صبياً والصبي لا يصح اسلامه ، على قول.

وكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل وما نسبه من الثناء على (٢) قصة أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها فانه شنّع في ذلك فالزموه بالنفاق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لايبغضك الاّ منافق (٣).

ونسبة قوم إلى أنه يسعى في الامامة الكبرى فانه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه ، فكان ذلك مولداً لطول سجنه وله وقائع شهيرة ، وكان اذا حوقق والزم يقول : لم أرد هذا انما اردت كذا فيذكر احتمالاً بعيداً (٤).

__________________

١. سمي خطائه في سبعة عشر موضعاً.

٢. وفي الدرر الكامنة ، بياض ، وهكذا ورد فيه : وما نسبها نخ ( نسيها ) من الثناء على .... وقصة أبي العاص ... الخ.

٣. سنن الترمذي ٥ : ٦٣٥.

٤. الدرر الكامنة ١ : ١٥٣ ـ ١٥٦.

١٣٠

ابن حجر المكي ومعرفته بابن تيمية

وقال ابن حجر (١) في رسالته المسماة بـ « الجوهر المنظم في زيارة المقبر المكرم » : فان قلت : كيف تحكى الاجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر اليها وطلبها ، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كلّه كما رواه السبكي في حطّه واطال أعني ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع بل زعم حرمة السفر اليها اجماعاً وانه لايقصّر فيه الصلاة ، وان جميع الاحاديث الواردة فيها موضوعة وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه؟

قلت : مَن ابن تيمية حتى ينظر اليه او يعوّل في شيء من امور الدين عليه؟ وهل هو الاّ كما قال جماعة من الائمة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا أعوار سقطاته وقبائح اوهامه وغلطاته ، كالعز بن جماعة عبد أضلّه الله وأغواه والبسه رداء الخزي وأرواه وبوّأه من قوّة الافتراء والكذب ما اعقبه الهوان واوجب له الحرمان.

ولقد تصدّى شيخ الاسلام وعالم الامام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وامانته النقي السبكي للردّ عليه في تصنيف مستقل ، أفاد فيه وأجاد فاصاب وأوضح بيان حججه طريق الصواب.

ومن عجائب الوجوه ما تجاسر عليه بعض السذجاء ، من الحنابلة فغير في وجوه مخدراته الحسان التي لم يطمثهن انس قبله ولا جان ، وأتى بما دلّ على جهله ، وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله.

__________________

١. وهو ابن حجر المكي الهيتمي صاحب « الصواعق ».

١٣١

فليته اذا جهل استحيى من ربه وعساه ، اذا فرط وافرط رجع إلى الله ، لكن إذا غلبت الشقاوة واستحكمت الغباوة ، فعياذاً بك اللهم من ذلك وضراعة إليك في ان نديم لنا سلوك أعظم المسالك.

هذا وما وقع من ابن تيمية مما ذكر ، وان كان عثرة لا تقال أبداً ومصيبة لتستمر عليه شومها دواماً وسرمداً.

ليس بعجيب فانه سولت له نفسه وهواه وشيطانه ، انه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب وما درى المحروم ، انه أتى بأقبح المعائب اذ خالف اجماعهم في مسائل كثيرة وتدارك على أئمتهم سيما على الخلفاء الراشدين باعترافات سخيفة شهيرة وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجه الاسماع وتنفر عنه الطباع حتى تجاوز إلى الجانب الأقدس المنزه عن كل نقص والمستحق لكلّ كمال أنفس ، فنسب اليه العظايم والكبائر وخرق سباج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعلامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم والتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين حتى قام عليه علماء عصره والزموا السلطان بقتله أو حبسه فقهره وحبسه إلى أن مات وخمدت تلك البدع ، فزالت تلك الظلمات ، ثم انتصر له اتباع لم يرفع الله لهم رأساً ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً بل ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وما كانوا يعتدون.

وقال المولوي عبدالحليم في كتابه المسمى بـ « حلّ المعاقد » في شرح العقائد : كان تقي الدين ابن تيمية حنبلياً لكنه تجاوز عن الحدّ وحاول اثبات ما ينافي عظمة الحق تعالى وجلاله ، فاثبت له الجهة والجسم وله هفوات أُخر كما يقول : وأن أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه كان يحب المال ، وأن

١٣٢

أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه ما صلح ايمانه فانه آمن في حال صباه ، وتفوّه في حقّ أهل بيت النبي ما لا يتفوّه به المؤمن المحقق.

وقد وردت الاحاديث الصحاح في مناقبهم في الصحاح ، وانعقد مجلس في قلعة جبل ، وحضر العلماء الاعلام والفقهاء العظام ، ورئيسهم كان قاضي القضاة زين الدين المالكي ، وحضر ابن تيمية ، فبعد القيل والقال بهت ابن تيمية.

وحكم قاضي القضاة بحبسه وكان ذلك سنة سبع مأة وخمس من الهجرة ، ثم نودي بدمشق وغيره : من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه ، كذا في مرآة الجنان للامام أبي محمد عبدالله اليافعي ، ثم تاب وتخلّص من السجن سنة سبعمأة وسبع من الهجرة.

وقال : أبا أن يكون اشعرياً : ثم نكث عهده وأظهر مكنونه ومرموزه فحبس حبساً شديداً مرّة ثانية ، ثم تاب وتخلّص من السجن وأقام بالشام ، وله هناك واقعات ، كتبت في كتب التواريخ وردّ أقاويله وبين أحواله الشيخ ابن حجر في المجلد الاول من الدرر الكامنة والذهبي في تاريخه وغيرهما من المحققين.

هذا الكلام وقع في البين والمرام ان ابن تيمية لما كان قائلاً بكونه تعالى جسماً ، قال بأنه ذو مكان فان كل جسم لابد له من مكان على ما ثبت ولما ورد في الفرقان الحميد ( الرحمن على العرش استوى ) (١) ، قال ان العرش مكانه ولما كان الواجب أزلياً عنده ، وأجزاء العالم حوادث عنده فاضطر إلى القول بازلية جنس العرش وقدمه ، وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية ، فمطلق التمكن له تعالى ازلي والتمكنات المخصوصة حوادث عنده كما ذهب المتكلمون إلى حدوث التعلقات.

__________________

١. طه : ٥.

١٣٣

وصنّف بعض الاواخر كتاباً سمّاه منتهى المقال في شرح حديث لا تشدّ الرحال ، وأوضح فيه فساد ابن تيمية وجمع فيه شطراً من مساويه ومعائبه وأغلاطه وكفرياته ، وحكى فيه منشوراً طويلاً أمر به السلطان ، ودقته تنقل منه بعض ما يتضمن بيان اعتقاده بالجهة والتجسيم ، وهي هذه.

وكان الشقي ابن تيمية في هذه المدة ، قد بسط لسان قلمه ، ومدّ عنان كلمه ، وتحدّث في مسائل القرآن ، والصفات ، ونصّ في كلامه على أمور منكرات ، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون ، وفاه بمايمجه السلف الصالحون ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الاسلام ، وانعقد على خلافه اجماع العلماء الاعلام ، واشتهر من فتاواه في البلاد ما استخف به عقول العوام ، وخالف فيه علماء عصره وفقهاء شامه ومصره ، وبعث رسائله إلى كل مكان ، وسمى كتبه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، ولما اتّصل بنا ذلك ومن سلكه من هذه المسالك ، وما أظهروا من هذه الأحوال ، وأشاعوه وعلى أنه استخف قومه فاطاعوه حتى اتّصل بنا أنهم صرّحوا في حقّ الله بالحرف والأصوات والتجسيم فقمنا في حق الله تعالى ، مشفقين من هذا النبأ العظيم ، إلى آخر النشور الطويل.

وستعرف شطراً من تعصباته فيما سيأتي انشاء الله تعالى ، وهذه الكلمات وان كانت خارجة عن المقصود إلاّ انّا اتينا به لفوائد :

منها : اظهار كون هذا الشقي من النواصب الطغام ، والكفرة اللئام ، واظهار ان من يلقبه بشيخ الاسلام ويذكره في كتابه بتعظيم تام من متأخريهم الاعلام مثله في الضلالة والخروج عن الاسلام.

ومنها : تشفّي قلوب المؤمنين اذا اطّلعوا على شرحه على منهاج الكرامة للعلامة الحلي قدس الله روحه وكثرة تشنيعه عليه فأحببت أن يطّلعوا على شطر من أحواله ونبذ من محنه وابتذاله.

١٣٤

ومنها : ان يعلم صحة ما نسبه علماء الشيعة إلى الحنابلة من القول بالتجسيم وان انكار وجود هذا القول بينهم كانكار ذو وجود ابي بكر وعمر ومن المجسمة امامهم المعول عليه في الحديث والرجال الذهبي كما يعرف من طبقات السبكي ، ومنهم : الحافظ ابن مندة كما يعرف من تاريخ اليافعي ، ومنهم : كهمس شيخ البخاري ، ومضر وأحمد الجهمي كما يعرف من الشهرستاني في الملل والنحل ، وجماعة أخرى ، ومع هذا كله يطعنون على الشيعة بأن هشام بن الحكم من المجسمة لقوله : أنه تعالى جسم لا كالاجسام ، مع براءته من هذا القول ، وأنه انما أورده الزاماً يعلم من كتب العامة كالملل والنحل فضلاً عن كتب الشيعة.

حديث : خِطبة بنت أبي جهل

ومنها : أعني من رواياته الموضوعة ما يتضمن قصة خطبة بنت أبي جهل قال في كتاب الفضائل في باب ذكر أصهار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزُّهري قال : حدّثني علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة ، قال : ان علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يزعم قومك انك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته حين تشهد ، يقول : أما بعد فاني انكحت أبا العاص ابن الربيع فحدّثني وصدّقني ، وأن فاطمة بضعة مني وأني أكره أن يسوءها ، والله لاتجتمع بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبنت عدوّ الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة (١).

__________________

١. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة ، باب ذكر أصهار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقم ٣٧٢٩ وأطراف الحديث كتاب الخمس رقم ٣١١٠ ، كتاب النكاح رقم ٥٢٣٠ ، وكتاب الطلاق رقم ٥٢٧٨.

١٣٥

وهذا الخبر من موضوعات عهد بني أمية أيضاً ، وهو الذي أشير إليه في تعصبات ابن تيمية أنه أخذ بمفهومه وذكر ما يستحيى من ذكره وقال : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدح صهره أبا العاص المشرك في هذا الخبر ، ثم تفوّه بما ( تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً ) (١).

ويدل على هذا ما حكاه ابن ابي الحديد في الجزء الثالث من شرحه عن الشيخ أبي جعفر الاسكافي : أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله.

فاختلفوا ، ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ، روى الزهري عن عروة بن الزبير ، قال : حدّثتني عائشة قالت كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملّتي ، أو قال : ديني ، إلى أن قال.

وأما عمرو بن العاص فروى عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مسنداً متّصلاً بعمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ان آل أبي طالب ليسوا بأوليائي وانما وليّي الله وصالح المؤمنين (٢).

__________________

١. مريم : ٩٠.

٢. صحيح البخاري كتاب الأدب باب ، يبُلُّ الرحِمَ ببلالها ، رقم ٥٩٩٠ ، مسلم كتاب الإيمان ١ : ١٩٧ رقم ٢١٥ ، وقد وقع الخلاف فى بيان هذه الرواية ، وتعددت النسخ فيها أيضاً ، تعرض ابن حجر في شرحه على البخاري على هذه الأقوال فنذكر جملة من كلماتهم حتى يتبيّن كيف تبتلى السنة بالمعاريض ، وتتلاعب بها أئمة الحديث في هذا الشأن :

أولاً : أن الرواية على ما في أكثر النسخ الموجودة هكذا :

١٣٦

وأما أبو هريرة فروى قصة خطبة بنت أبي جهل ، وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب على المنبر وذكر ما ذكر.

أقول : ثم ان جماعة من العامة ذكروا ، أن رعاية الأدب يقتضي ترك رواية هذا الحديث.

وذكروا : ان نقله تنقيص لأميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وفي كثير من كتبهم أن ابا حنيفة عاتب الأعمش ولامه على رواية هذا الحديث ، وقال : أنه وان كان صحيحاً لكن لا يسوغ لك نقله ، مع عدم ابتناء مسألة دينيّة عليه.

وذكروا أن ابا حنيفة وشريك بن عبدالله وابن ابي شبرمة ، وابن ابي ليلى ، اتّفقوا وذهبوا إلى دار الأعمش ولاموه على روايته هذا الحديث.

__________________

أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهاراً غير سرٍّ يقول : « ان آل أبي فلان » قال عمرو : في كتاب محمد بن جعفر : « بياض ليسوا بأوليائي ، إنّما وليِّي الله وصالح المؤمنين ».

وليست في نسخة ابن حجر والحميدي لفظة « فلان » قال ابن حجر : قال أبوبكر ابن العربي في سراج المريدين : كان في أصل حديث عمرو بن العاص : ان آل أبي طالب ، فغير آل أبي فلان ، كذا جزم به وتعقبه بعض الناس.

وقال أيضاً : وقد استشكل بعض الناس صحة هذا الحديث لما نسب إلى بعض رواته من النصب وهو الانحراف عن علي وآل بيته ، ومما يضحك الثكلى قولهم : « آل أبي بياض » مع أنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها : آل أبي بياض.

وقال النووي : هذه الكناية من بعض الرواة خشي أن يصرح بالاسم فيترتب عليه مفسدة ، اما في حق نفسه أو في حقّ غيره ، وإمّا معاً.

وقال عياض : ان المكنى عنه هنا هو الحكم بن أبي العاص ، وقال ابن دقيق العيد : كذا وقع مبهماً في السياق.

وحمله بعضهم على بني أمية ، ولا يستقيم مع قوله : آل أبي ، فلو كان آل بني لأمكن ، ولا يصح تقدير آل أبي العاص لأنهم أخص من بني أمية والعام لا يفسر الخاص ... الخ فتح الباري ١٠ : ٣٤٤ ـ ٣٤٦.

١٣٧

وبعد هذا كله ، فكيف يمكن التزام أن السيد السجاد زين العابدين عليه‌السلام روى هذا الحديث واشاعه ، فروى عنه الزهري أليس هو أولى برعاية أدب جدّه؟ أم لم يكن أعرف من أبي حنيفة وعسره بمقام جدّه؟

وان نقل هذا الحديث تنقيص له بل استغرب ابن حجر من المسور انه كيف روى هذا الحديث لزين العابدين عليه‌السلام؟ قال في فتح الباري :

ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعلي بن الحسين حتى قال : انه لو أودع عنده السيف لايُمَكِّن أحداً منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن فاطمة محتجاً بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض جدّه علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضي أن يقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك من الإنكار ما وقع (١).

حديث : الاستسقاء للكفار

ومنها : رواية ابن مسعود في استسقاء الكفار ، وحكاه عن أسباط وهو غلط واختلاط ، كما نبّه عليه جماعة منهم ، وقالوا : ان ما رواه اسباط ، وهم وتفصيله :

انه قال : عن مسروق ، قال : أتيت ابن مسعود فقال : إنَّ قريشاً أَبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها ، وأكلوا الميتة والعظام ، فجاءَه أبو سفيان فقال : يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! جئت تأمر بصلة الرحم ؛ وإن قومك قد هلكوا فادع الله تعالى فقرأ : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان

__________________

١. فتح الباري كتاب النكاح باب ، ذب الرجل عن ابنته ... ٩ : ٢٦٨.

١٣٨

مبين ) (١) ، ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى : ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) (٢) يوم بدر ، قال : وزاد أسباط عن منصور فدعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسُقُوا الغيث فاطبقت عليهم سبعاً وشكى الناس كثرة المطر ، فقال : « اللهم حوالينا لا علينا » ، فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم (٣).

وقد اعترض العيني في عمدة القاري على البخاري : بزيادته اسباط هذا!.

فقال الداودي : أدْخَل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط ، وقال أبو عبدالملك : الذي زاده أسباط ، وهم أخلاط ، لانه ركّب سند عبدالله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله : فدعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسقوا الغيث إلى آخره.

وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وقال : حديث عبدالله بن مسعود كان بمكة وليس فيه هذا ، والعجب من البخاري كيف أورد هذا ، وكان مخالفاً لما رواه الثقات ، وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله : لامانع أن يقع ذلك مرّتين.

وفيه نظر لا يخفى ، وقال الكرماني : فان قلت : قصة قريش والتماس أبي سفيان كانت في مكة لا في المدينة قلت : القصة مكية الاّ القدر الذي زاد أسباط فانه وقع في المدينة (٤).

__________________

١. الدخان : ١٠.

٢. الدخان : ١٦.

٣. صحيح البخاري كتاب الإستسقاء باب اذا استشفع المشركون ، رقم ١٠٢٠ وأطرافه : رقم ١٠٠٧ ، ٤٦٩٣ ، ٤٧٦٧ ، ٤٧٧٤ ، ٤٨٠٩ ، ٤٨٢٠ ، ٤٨٢١ ، ٤٨٢٢ ، ٤٨٢٣ ، ٤٨٢٤ ، ٤٨٢٥.

٤. عمدة القاري ٧ : ٤٦.

١٣٩

حديث : أخذ الأجرة على القرآن

ومنها : ما رواه عن ابن عباس في كتاب الطب :

أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّوا بماء فيهم لديغ ـ أو : سليم ـ فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال : هل فيكم من راق؟ ان في الماء رجلاً لديغاً ـ او : سليماً ـ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : أخذت على كتاب الله أجراً؟ حتى قدموا المدينة ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! أخذ على كتاب الله أجراً ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله (١).

وهذا الخبر مروي عن عائشة أيضاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عدّه ابن الجوزي في « الموضوعات » ، وأدرجها في الاحاديث الموضوعة والروايات المكذوبة قال : روى عمرو بن المُخَرِّم البصري عن ثابت الحفار عن ابن مليكة عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب المعلمين؟ فقال : ان أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله (٢).

قال ابن عدي : لعمرو أحاديث مناكير ، وثابت لايعرف والحديث منكر (٣).

وفي الميزان : ثابت الحفار عن أبي مليكة بخبر منكر ، قال ابن عدي لا يعرف (٤).

__________________

١. صحيح البخاري كتاب الطب باب ، شروط في الرقية بفاتحة الكتاب رقم ٥٧٣٧.

٢. الموضوعات ١ : ١٦٦.

٣. الكامل في ضعفاء الرجال ٥ : ١٨٠١ ، الموضوعات ١ : ١٦٦ ، ميزان الإعتدال ٣ : ٢٨٧ رقم ٦٤٤٤ ، المغني في الضعفاء ٢ : ١٥٢ رقم ٤٧٠٨ ، ديوان الضعفاء رقم ٣٢١٣ ، لسان الميزان ٤ : ٣٧٦.

٤. المغني في الضعفاء ١ : ١٩٠ رقم ١٠٥٠ ، ميزان الاعتدال ١ : ٣٦٩ ، اللآلي المصنوعة ١ : ٢٠٦ ، الموضوعات ١ : ٢٢٩ ، لسان الميزان ٢ : ٨٠.

١٤٠