جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

١
٢

٣
٤

٥
٦

المقصد الثالث :

في إحياء الموات

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الثالث : في إحياء الموات ).

قال في التحرير : الموات : هو ما لا ينتفع به لعطلته ، إما لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه (١) إلى آخره.

وفي التذكرة : الموات : هي الأرض الخراب الدارسة ، التي باد أهلها واندرس رسمها ، وتُسَمّى ميتةً ومواتاً ومَوَتاً بفتح الميم والواو (٢). فظاهر عبارة التذكرة يقتضي أنّ كون الأرض مواتاً لا يتحقق إلا إذا اندرس رسمها ، فعلى هذا لو بقيت آثار الأنهار أو المروز لم تكن مواتاً.

وظاهر أكثر العبارات أن كونها مواتاً دائر مع حصول العطلة عن الانتفاع.

والذي ينساق إليه النظر أن موت الأرض معنى عرفي يرجع فيه إلى أهل العرف العام ، كما أن الإِحياء أمر عرفي على الأصح ، خلافاً لبعض متأخري الأصحاب حيث عَدَّ التحجير إحياءً (٣) ، والسرُّ فيه أن كل معنى لم يعيّنه الشارع ، ولم يميزه عن غيره بحيث يُستفاد شرعاً عند إطلاق اللفظ الموضوع بإزائه ، فإن المرجع فيه إلى المعهود عند الناس المتعارف بينهم.

ومنه القبض ، فإنه ورد في الشرع مطلقاً ، ولم يُنَصّ له على معنى ، فيرجع الفقهاء فيه إلى الاستعمال المتعارف بين الناس ، وكذا الحرز ونظائره‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠٠.

(٣) ذهب اليه الشيخ نجيب الدين ابن نما ونقله عنه الشهيد في الدروس : ٢٩١.

٧

المشتركات أربعة ، ينظمها أربعة فصول :

الأول : الأراضي ، والميت منها يملك بالإِحياء ، ونعني بالميت : ما خلا عن الاختصاص ،

______________________________________________________

فعلى هذا يرجع في معنى موت الأرض إلى العرف ، والعرف يقتضي عدم اعتبار بقاء صورة الأنهار والسواقي ، مع حصول العطلة واندراس أكثر رسوم العمارة وذهاب الملاك.

فإن قيل : بقاء ما ذكر كافٍ في ثبوت الأولوية لمن يريد الإحياء ، فلا أقل من بقاء الأولوية.

قلنا : إنما اعتبرت الأولوية بما ذكر ، لوجود اليد الحاصلة فعلاً ، المقترنة بعلامات قصد العمارة ، فاعتبر الشارع سببيتها في الأولوية ثم لما قلنا من وجود المقارنات وهي منتفية هنا.

وبالجملة فإطلاق النص بالإذن في تملك الموات بالإحياء مُنَزّل على مقتضى العرف ، ولا شبهة في اقتضاء العرف في تسمية ما هذا شأنه مواتاً ، فإذا ثبتت الأولوية بالمرور ونحوها لمن يريد العمارة لم يُعترض على أحدهما بالآخر.

قوله : ( المشتركات أربعة : تنظمها أربعة فصول : الأول : الأراضي ، والميت منها يملك بالإحياء ).

لا شك أن بحث المياه استطرادي ، لعدم صدق اسم الموات عليها. ولقائل أن يقول : إنَّ هذا بعينه قائم في المعادن والمنافع. وكيف كان فهي أقرب إلى صدق اسم الموات عليها من المنافع كالمساجد والطرق ، فإن البئر والقناة إذا استولى عليهما الخراب والعطلة كانا أشبه شي‌ء بالأرض الخراب ، حيث لا يُنتفع فيما يراد منهما.

قوله : ( ونعني بالميت ما خلا عن الاختصاص ، ولا يُنتفع به‌

٨

ولا ينتفع به إما لعطلته لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستيجامه ، أو لغير ذلك.

وهو للإمام خاصة ،

______________________________________________________

إما لعطلته ، لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه ، أو لاستيجامه ، أو لغير ذلك ).

احترز بما خلا عن الاختصاص عما كان مختصاً ، لكونه حريماً لعامر ، أو مقطعاً ، ونحو ذلك.

وقوله : ( ولا ينتفع به : إما لعطلته ).

لا معادل له ، فإن جميع ما بعده لتحقيق العطلة ، فإنها تكون لكل واحد من الأمور المذكورة ، وكان الأولى أن يقول : ولا ينتفع به لعطلته ، لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه إلى آخره.

قوله : ( وهو للإمام عليه‌السلام خاصة ).

بإجماعنا ، في صحيح أبي خالد الكابلي ، عن الباقر عليه‌السلام قال : « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام( إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ، ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها ، وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، وإن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين [ من بعده ] فعمّرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل حتى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويخرجهم منها ، كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها ، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم‌

__________________

(١) الأعراف : ١٢٨.

٩

لا يملكه الآخذ وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام فيملكه ـ إن كان مسلماً ـ بالإحياء ، وإلا فلا.

______________________________________________________

على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم » (١).

قوله : ( لا يملكه الآخذ وإن أحياه ، ما لم يأذن له الإمام عليه‌السلام فيملكه إن كان مسلماً بالإحياء وإلا فلا ).

لا ريب أنه لا يجوز لأحد إحياء الموات إلا بإذن الإمام عليه‌السلام ، وهذا الحكم مجمع عليه عندنا ، وحديث ما وجد في كتاب علي عليه‌السلام دال عليه فيشترط إذنه في الإحياء ، وكذا يشترط كون المحيي مسلماً ، فلو أحياه الكافر لم يملك عند علمائنا وإن كان الإحياء بإذن الإمام عليه‌السلام.

وفي الشرائع : لو قيل يملكه مع إذن الإمام عليه‌السلام كان حسناً (٢). ويظهر من عبارة الدروس تنزيله على ما إذا أذن له في الإحياء للتملك (٣) ، والعبارة مطلقة. والحق أن الإمام لو أذن له في الإحياء للتملك قطعنا بحصول الملك له ، وإنما البحث في أن الإمام عليه‌السلام هل يفعل ذلك أم لا؟ نظراً إلى أن الكافر أهل له أم لا؟.

والذي يفهم من الأخبار (٤) ، وكلام الأصحاب العدم ، وليس مرادهم أن الإمام عليه‌السلام يرخصه في التملك ثم لا يملّك قطعاً ، ولا يخفى أن اشتراط إذن الإمام عليه‌السلام إنما هو مع ظهوره ، أما في غيبته فلا ، وإلاّ لامتنع الإحياء.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ حديث ٦٧٤ ، وما بين المعقوفتين من المصدرين.

(٢) شرائع الإسلام ٣ : ٢٧١.

(٣) الدروس : ٢٩١.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٨ ، ١٥٢ حديث ٦٥٨ و ٦٥٩ ، ٦٧٤.

١٠

وأسباب الاختصاص ستة :

الأول : العمارة ، فلا يملك معمور بل هو لمالكه ، وإن اندرست العمارة فإنها ملك لمعيّن أو للمسلمين ،

______________________________________________________

وهل يملك الكافر بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على القواعد في بحث الأنفال من الخمس : أنه يملك به ويحرم انتزاعه منه. وهو محتمل ، ويدل عليه أن المخالف والكافر يملكان في زمان الغيبة حقهم من الغنيمة ، ولا يجوز انتزاعه من يده إلاّ برضى. وكذا القول في حقهم عليهم‌السلام من الخمس عند من لا يرى إخراجه بل حق باقي الأصناف المستحقين للخمس لشبهة اعتقاد حل ذلك ، فالأرض الموات أولى ، ومن ثم لا يجوز انتزاع أرض الخراج من يد المخالف والكافر ، ولا يجوز أخذ الخراج والمقاسمة إلا بأمر سلطان الجور ، وهذه الأمور متفق عليها.

ولو باع أحد أرض الخراج صح باعتبار ما ملك فيها وإن كان كافراً ، فحينئذ فتجري العمومات ـ مثل قوله عليه‌السلام « من أحيى أرضاً ميتة فهي له » (١) ـ على ظاهرها في حال الغيبة ، ويقصر التخصيص على حال ظهور الإمام عليه‌السلام ، فيكون أقرب إلى الحمل على ظاهرها ، وهذا متجه قوي متين.

قوله : ( وأسباب الاختصاص ستة : الأول : العمارة ، فلا يملك معمور بل هو لمالكه ، وإن اندرست العمارة ).

المراد به ما جرى عليه العمارة وإن خرب الآن ، وهو صريح قوله : ( وإن اندرست ).

قوله : ( فإنها ملك لمعيَّن أو للمسلمين ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٩ حديث ٣ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ حديث ٦٧٣ وفيها : ( مواتا ) ، الكافي

١١

إلا أن تكون عمارة جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في يد المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها بالإحياء.

ولا فرق في ذلك بين الدارين ، إلا أن معمور دار الحرب يملك‌ بما يملك به سائر أموالهم

______________________________________________________

فإن العمارة أو الأرض‌ المعمورة لأن المعمور أرض فيعاد الضمير إليه مؤنثاً بتأويل الأرض. وكون الملك لمعيّن من واحد وجماعة مخصوصين ظاهر ، وكونه للمسلمين يتحقق في المفتوحة عنوة ، أما غيرها فإنها مع موت صاحبها المعين يكون حقاً لورثته ، ومع عدمهم لا تنتقل إلى المسلمين ، بل إلى الإمام عليه‌السلام ، كما صرح به الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في التحرير (٢) والتذكرة (٣).

قوله : ( إلا أن تكون عمارة جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في أيدي المسلمين بطريق الغنيمة فإنه يصح تملكها بالإحياء ).

لأنها إن علم دخولها في أيديهم بطريق الغنيمة كانت ملكاً لجميع المسلمين ، سواء أخذت بالسيف أو بالصلح ، على أن الأرض للمسلمين فلا يملكها المحيي بعد خرابها. أما إذا لم يعلم ذلك فالأصل عدم استحقاق جميع المسلمين لها ، فيملكها المحيي لعموم « من أحياء أرضاً ميتة فهي له » (٤). وأراد بـ ( العمارة الجاهلية ) ما كان قبل أن تثبت يد المسلمين على تلك الأرض.

قوله : ( ولا فرق في ذلك بين الدارين ، إلا أنّ معمور دار‌

__________________

٥ : ٢٨٠ حديث ٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٧ حديث ٣٧٩ وفيهما : ( ميتة ).

(١) المبسوط ٣ : ٢٦٩.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٠٣.

(٤) الكافي ٥ : ٢٧٩ ، ٢٨٠ حديث ٣ ، ٤ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ حديث ٦٧٣ ، الاستبصار

١٢

ومواتها ، التي لا يذب المسلمون عنها ، فإنها تملك بالإحياء للمسلمين والكفار ،

______________________________________________________

الحرب يملك بما يملك به سائر أموالهم ).

المشار إليه بـ ( ذلك ) هو عدم جواز ملك المعمور وإن اندرست العمارة. ولا ريب أن المعمور في دار الحرب تأتي فيه الأقسام الأربعة :

الأول : أن يكون معموراً في الحال.

الثاني : أن لا يجري عليه أثر العمارة ثم يخرب ومالكه موجود.

الثالث : أن يكون كذلك ولا مالك له لانقراض المالك ووارثه.

الرابع : أن يكون كذلك ولا يعرف له مالك.

ففي القسمين الأولين الحكم بعدم حصول الملك بالعمارة ظاهر كما في دار الإسلام ، ولكن يملك ذلك بما يملك به سائر أموال الكفار من القهر والغلبة وغير ذلك. وأما الثالث والرابع فإن الأرض فيها للإمام عليه‌السلام ، لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عند علمائنا.

إذا تقرر هذا ، فالمعمور في قول المصنف : ( إلا أن معمور دار الحرب ) : إما أن يريد به المعمور في الحال ، أو ما جرت عليه العمارة.فإن أراد الأول دخل باقي الأقسام في حكم الموات ، وليس بجيد ، وإن أراد الثاني شمل القسمين الأخيرين فيخرجان من حكم الموات ، وليس بجيد أيضاً.

قوله : ( ومواتها التي لا يذب المسلمون عنها فإنها تملك بالإحياء للمسلمين والكفار ).

__________________

٣ : ١٠٧ حديث ٣٧٩.

١٣

بخلاف موات الإسلام فإن الكافر لا يملكها بالإحياء.

ولو استولى طائفة من المسلمين على بعض مواتهم ففي اختصاصهم بها من دون الإحياء نظر ، ينشأ من انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك.

______________________________________________________

المراد : أن الموات‌ الذي لا يذب الكفار المسلمين عنه ولا يمنعونهم منه ، وهو في دار الحرب تملك بالإحياء للكافر والمسلم ، لكن ينبغي (١) أن يقيد إحياء المسلم له بكونه بإذن الإمام عليه‌السلام ، لأن حكم موات بلاد الكفار حكم موات بلاد الإسلام ، نعم ينبغي أن لا يشترط ذلك في حق الكافر ، فيعتبر إحياؤه قبل الفتح كما يعتبر أصل أحيائهم للأرضين. ويمكن عدم اعتباره من دون الإذن ، لأن الإحياء إنما يثمر الملك في من لم يكلف باستئذان الإمام عليه‌السلام وهو من لم تبلغه الدعوة ، أما من بلغته فلا.

وإطلاق عبارة التذكرة يقتضي الاشتراط ، فإنه قال في أرض بلاد الكفار : وإن لم تكن معمورة فهي للإمام عليه‌السلام ، لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه عند علمائنا ، لكن يلزم على هذا أن لا يجوز تملكها للكافر بالإحياء أصلاً كموات الإسلام (٢) ، فيظهر من هذا أن مواتهم قبل الفتح إذا أحيوه ملكوه على كل حال والتحق بالمعمور.

قوله : ( بخلاف موات الإسلام فإن الكافر لا يملكها بالإحياء ).

لما قدمناه ، وهذا دليل على عدم اعتبار الإذن في تملكه موات الكفار.

قوله : ( ولو استولى طائفة من المسلمين على بعض مواتهم ، ففي اختصاصهم بها من دون الإحياء ، نظر ، ينشأ من انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك ).

__________________

(١) في « ه‍ » : لا ينبغي.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠١‌

١٤

وكل أرض لم يجر عليها ملك لمسلم فهي للإمام ، وما جرى عليها ملك مسلم فهي له وبعده لورثته ، وإن لم يكن لها مالك معيّن فهي للإمام.

ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه ، فإن بادر وأحياها بغير إذنه لم يملكها ،

______________________________________________________

فلا يفيد ملكاً ولا اختصاصاً ، ويحتمل إفادته الملك في المعمور ، ففي الموات أولى ، ويحتمل إفادته الاختصاص لأنه أبلغ من التحجير.

والاحتمالان الأخيران ضعيفان ، لأن حصول الملك أو الاختصاص دائر مع حصول الأثر في الموات ، وهو منتفٍ بناءً على أن في هذا البحث من أصله نظراً ، فإن الاستيلاء المذكور إما أن يكون بإذن الإمام عليه‌السلام ، فتكون الأرض مفتوحة عنوة ومواتها للإمام عليه‌السلام ، أو بغير إذنه فهو غنيمة من غزا بغير إذنه ، وقد نبه على ذلك شيخنا الشهيد (١). والاحتمالات الثلاث للشافعية (٢).

واعلم أن قوله : ( ولو استولى طائفة ... ) في مقابلة قوله : ( ومواتها التي لا يذب المسلمون عنها ... ) فإن المراد بالاستيلاء الأخذ بالغلبة والقهر.

قوله : ( وكل أرض لم يجر عليها ملك لمسلم فهي للإمام عليه‌السلام ، وما جرى عليها ملك مسلم فهي له ، وبعده لورثته ، وإن لم يكن لها مالك معين فهي للإمام عليه‌السلام ، ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه ، فإن بادر وأحياها بغير إذنه لم يملكها ).

المراد : أن كل أرض من أراضي بلاد الإسلام ، لأن أراضي بلاد الكفر‌

__________________

(١) الدروس : ٢٩٢.

(٢) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، والوجيز ١ : ٢٤١.

١٥

فإن كان غائباً كان أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق بها ، وللإمام بعد ظهوره رفع يده.

______________________________________________________

إذا جرى عليها ملك الكافر فهي له وإن كان بالإحياء ، ولا تكون للإمام عليه‌السلام بل ينظر حالها باعتبار جريان أحكام المسلمين عليها من كونها عنوةً ، أو صلحاً ، أو أسلموا عليها طوعاً.

قوله : ( فإن كان غائباً كان أحق بها ما دام قائماً بعمارتها ، فإن تركها فبادت آثارها فأحياها غيره كان الثاني أحق بها ، وللإمام بعد ظهوره رفع يده ).

أي : فإن كان الإمام غائباً كان المحيي أحق بالأرض ما دام قائماً بعمارتها.

قال في التذكرة : ولا يملكها بذلك ، فإن تركها فبادت آثارها كان الثاني أحق بها (١) ، ولم يذكر على ذلك دليلاً مع أنه قال قبل ذلك : لو لم تكن الأرض التي من بلاد الإسلام معمورة في الحال ، ولكنها كانت قبل ذلك معمورة أجرى عليها ملك مسلم ، فإما أن يكون الملك معيناً أو لا ، فالمعين : إما ينتقل إليه بالشراء وشبهه ، أو بالإحياء ، والأول لا يملك بالإحياء بلا خلاف. وإن ملكها بالإحياء ثم تركها حتى عادت مواتاً : فعند بعض علمائنا أنه كالأول. ثم حكى القول ملكاً للثاني واختاره (٢) فيجي‌ء هنا كلامان :

الأول : أن هذا الموات المحيي في الأصل للإمام عليه‌السلام ، فإن كان حال ظهوره فلا بد من إذنه ليملكه المحيي فكيف استحق آخر ملكه بعد عوده خراباً إذا أحياه مع ملك الأول له بإذن الإمام؟ وإن كان في حال الغيبة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠١.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠١.

١٦

______________________________________________________

فكيف يملكه واحد منها خصوصاً الثاني ، مع أنه ملك الإمام عليه‌السلام ، فإن كان الموت سبباً في التملك بالإحياء فهو قائم في الموضعين ، وإن كان المانع حق الإمام عليه‌السلام فهو في الموضعين حق أيضاً مع زيادة أخرى في المتنازع وهو ثبوت ملك مسلم عليها قبل ذلك.

الثاني : إنا لا نجد دليلاً في النصوص يدل على التفرقة التي ادعاها بين الأرض التي انقرض مالكها فخربت ، وغيرها من الموات ، فإن النصوص دالة على أن الجميع للإمام عليه‌السلام ، وتدل بإطلاقها على من أحيا أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له (١).

إذا عرفت هذا فنعود إلى تحرير هذه المسألة فنقول : الدليل على ثبوت الملك للثاني فيما إذا ملك الأول الموات بالإحياء ثم طرأ الموت بعد ذلك قول الصادق عليه‌السلام « أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمّرها فإن عليه فيها الصدقة ، فإن كانت لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد فطلبها فإن الأرض لله عز وجل ولمن عمرها » (٢).

وهذا القول مشهور بين الأصحاب. قال في التذكرة : ولا بأس به عندي (٣). ويلوح من كلام ابن إدريس أن الأول أحق وله انتزاعها (٤). ويدل عليه قول الصادق عليه‌السلام في رواية سليمان بن خالد ، وقد سأله عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمّرها ويزرعها فما ذا عليه؟ قال : « الصدقة » قلت : فإن كان يعرف صاحبها؟ قال : « فليؤد إليه حقه » (٥). وهو ظاهر في أداء الأرض إليه لأنها حقه ، ولأنه لو حمل على‌

__________________

(١) نحو ما في الكافي ٥ : ٢٧٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٨ حديث ٦٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٧٩ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ حديث ٦٧٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٠١.

(٤) السرائر : ٢٤٧.

(٥) التهذيب ٧ : ١٤٨ حديث ٦٥٨.

١٧

وما هو بقرب العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً للعامر ، ولا حريماً.

______________________________________________________

الطسق (١) يحصل المراد ، لأنه فرع الملك ولإطلاق قوله عليه‌السلام « من أحيا أرضاً ميتةً فهي له ». واللام تقتضي الملك ، وخروج الملك يحتاج إلى سبب ناقل وهو محصور ، وليس من جملة الأسباب الخراب ، ولأن ما ملك ببيع أو إرث ونحوهما لا يخرج عن الملك بخرابه ، صرح به في التذكرة (٢) والظاهر أنه اتفاقي ، فكذا ما هنا للاستواء في الملك ، ولأن مطلق الملك لا بد أن ينتهي إلى الإحياء ، وهذا متين.

وفي الدروس : جواز إحياء المملوك إذا خرب ، ولم ينتفع به مالكه ، ولم يأذن لغيره إذا أذن الحاكم ، وللمالك طسقها ، قال : فإن تعذر الحاكم فالظاهر جواز الإحياء مع الامتناع من الأمرين وعليه طسقها (٣). ولا ريب أن للإمام بعد ظهوره رفع يد المحيي لأنه ملك له. [ فإن قيل فكيف يملكها المحيي.

قلنا : لا يمتنع أن يملكها ملكاً متزلزلاً فإذا ظهر عليه‌السلام فسخه ] (٤).

قوله : ( وما هو بقرب العامر من الموات يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقاً لعامر ولا حريماً ).

هذا كالمستدرك ، لأنه سيأتي إن من أسباب الاختصاص المانعة من الإحياء كون الموات حريماً لعامر ، فإن المرفق ـ وهو ما يرتفق به ـ من جملة الحريم.

__________________

(١) الطسق : الوظيفة من خراج الأرض. الصحاح ٤ : ١٥١٧ « طسق ».

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠١.

(٣) الدروس : ٢٩٢.

(٤) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ه‍ ».

١٨

الثاني : اليد ، فكل أرض عليها يد مسلم لا يصح إحياؤها لغير المتصرف.

الثالث : حريم العمارة ، فإذا قرّر البلد بالصلح لأربابه لم يصح إحياء ما حواليه من الموات من مجتمع النادي ، ومرتكض الخيل ، ومناخ الإبل ، ومطرح القمامة ، وملقى التراب ، ومرعى الماشية ، وما يعد من حدود مرافقهم ، وكذا سائر القرى للمسلمين ، والطريق ، والشرب ، وحريم البئر ، والعين.

______________________________________________________

قوله : ( الثاني : اليد ، فكل أرض عليها يد مسلم لا يصح إحياؤها لغير المتصرف ).

لأن ظاهر اليد يقتضي الملك ، وهذا القدر كافٍ في منع الغير من الإحياء وإن لم يعلم وجود سبب الملك ، ولكن يشترط أن لا يعلم أن إثبات اليد بغير سبب مملك ولا أولوية ، فإن علم ذلك لم تكن تلك اليد معتبرة ، فيجب تقييد إطلاق العبارة.

واحتمل في الدروس حصول الملك به أو الأولوية تنزيلاً له منزلة الاستيلاء ، ثم استقرب المنع معلّلاً بأن الاستيلاء سبب في ملك المباحات المنقولة والأرضين المعمورة (١) ، والأمران منتفيان هنا.

قوله : ( الثالث : حريم العامرة ، فإذا قرر البلد بالصلح لأربابه لم يصح إحياء ما حواليه من الموات من مجتمع النادي ، ومرتكض الخيل ، ومناخ الإبل ، ومطرح القمامة ، وملقى التراب ، ومرعى الماشية ، وما يعد من حدود مرافقهم ، وكذا سائر القرى للمسلمين ، والطريق ، والشرب ، وحريم البئر ، والعين ).

السبب الثالث من أسباب الاختصاص المانعة من إحياء الموات كونه‌

__________________

(١) الدروس : ٢٩٢.

١٩

______________________________________________________

حريماً للعامر ، فإن حريم العامر ـ كنفس العامر ـ لا يملك بالإحياء ، لأن مالك العامر استحقه لأنه من مرافقه ومما يتوقف كمال انتفاعه عليه ، وذلك مثل مجتمع النادي.

قال في الصحاح : الندي ، على وزن فعيل : مجلس القوم ومتحدثهم ، وكذلك الندوة والنادي والمنتدي ، فإن تفرق القوم فليس بندي (١). فعلى هذا إذا أضيف إليه مجتمع أريد بالنادي نفس القوم المتحدثين ، وكذا مرتكض الخيل ، وهو الموضع المعد لركضها فيه إذا أريد ذلك ، وكذا مناخ الإبل بضم أوله من أناخ وكذا مطرح القمامة وهو بضم القاف : الكناسة ، ذكره في القاموس (٢) : والكناسة بالضم أيضاً ، وكذا الطريق للعامر وشربه ، وحريم بئره وعينه ، وسائر ما يعدّ من مرافقهم عادة ، ومنه مرعى الماشية ، والمحتطب ، والمحتش ، وملعب الصبيان ، ومطرح الرماد والسماد ، وبالجملة فكل ما جرت العادة به. ولا تقدير في المحتطب ، والمحتش ، والمرعى إلا ما جرت العادة بالوصول إليه ، ولو بعد جدّاً بحيث لا يطرقونه إلا نادراً فليس من الحريم.

وإنما يمنع من إحياء قدر ما تندفع به الحاجة ، أما ما زاد فلا. ولو أراد أحد إحياء ما يقرب من القرية ويكون الحريم من ورائه فالظاهر الجواز إذا لم يلزم ضيق في الحريم ، ولو لا ذلك لم تتصوَّر سعة البلد إلا إذا نزل أهلها دفعة واحدة ، وهو غير معلوم الوقوع ، ولا فرق في ذلك بين كون القرية لأهل الذمة أو للمسلمين ، وإنما صوّر المصنف بتقرير البلد بالصلح لأنه إذا ثبت الحكم هاهنا ثبت في قرى المسلمين بطريق أولى.

والأصل في عدم جواز إحياء الحريم النص ، ـ مثل قوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الصحاح ( ندي ) ٦ : ٢٥٠٥.

(٢) القاموس المحيط ( فمم ) ٤ : ٢٧٢.

٢٠