جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

وهل يصير أولى ببقاء رحله؟ إشكال.

الفصل الثالث : المعادن ، وهي قسمان : ظاهرة ، وباطنة.

أما الظاهرة : وهي التي لا تفتقر في الوصلة إليها إلى مؤنة كالملح ،

______________________________________________________

الثالث : بقاؤه إن خرج لضرورة وإن طالت المدة ، لدعاء الضرورة إلى ذلك.

الرابع : بقاؤه إن بقي رحله أو خادمه ، ثم استقرب تفويض الأمر إلى رأي الناظر (١).

قوله : ( وهل يصير أولى ببقاء رحله؟ إشكال ).

ينشأ : من أنه وضع بحق سابق اقتضى الأولوية على غيره فلا يزال ، ومن أن المدرسة للسكنى لا لوضع الرحل ، وإنما جاز وضعه تبعاً للسكنى ، وقد زالت فيزول التابع. وفيه نظر ، لأن المتنازع فيه هو زوال السكنى بالخروج مع بقاء الرحل ، ومن خرج عن بيت مع بقاء متاعه فيه لغرض لا يخرج عن كونه ساكن فيه عادة ، والأقرب بقاء الحق إن لم تطل المدة بحيث تؤدي إلى التعطيل.

والظاهر أن مفارقته من غير أن يبقي رحله مسقط لأولويته ولو قصر الزمان جدّاً ، كما لو خرج لغرض لا ينفك عن مثله عادة ، ولا يخرج في العادة عن كونه ساكناً ففي بقاء حقه قوة.

وفي التذكرة أنه إذا فارق لعذر أياماً قليلة فهو أحق (٢).

قوله : ( الفصل الثالث : في المعادن ، وهي قسمان : ظاهرة وباطنة. أما الظاهرة : وهي التي لا يفتقر في الوصلة إليها إلى مؤنة‌

__________________

(١) الدروس : ٢٩٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠٥.

٤١

والنفط ، والكبريت ، والقار ، والموميا ، والكحل ، والبرام ، والياقوت فهذه للإمام يختص بها عند بعض علمائنا. والأقرب اشتراك المسلمين فيها ،

______________________________________________________

كالملح ، والنفط ، والكبريت والقار ، والموميا ، والكحل والبرام ، والياقوت ).

النفط والنفيط : دهن والكسر أفصح ، ذكره في الصحاح (١).

القير والقار واحد ، فيّرت السفينة : طليتها بالقار.

الموميا ، بضم الميم وسكون الواو : دواء نافع ذكره في القاموس (٢).

وفي القانون في الطب للرئيس ابن سينا : مومياي : وهو في قوة الزفت والقير المخلوطين (٣).

وفي حواشي شيخنا الشهيد : أنه قطرات يتقاطر من الصخر.

والبرام بالكسر جمع برمة : وهي القدر ، ذكره في الصحاح (٤) ، والمراد بها قدر يعمل من حجر مخصوص.

قوله : ( فهذه للإمام عليه‌السلام يختص بها عند بعض علمائنا ، والأقرب اشتراك المسلمين فيها ).

أشار بهذه إلى المعادن الظاهرة ، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين كونها في أرض الإمام أو أرض المسلمين ، فيكون قوله : ( اشتراك المسلمين فيها ) أيضاً على العموم.

__________________

(١) الصحاح ( نفط ) ٣ : ١١٦٥.

(٢) القاموس المحيط ( موو ) ٤ : ٣٩٢.

(٣) القانون ١ : ٣٦٧.

(٤) الصحاح ( برم ) ٥ : ١٨٧٠.

٤٢

فحينئذ لا تملك بالإحياء ، ولا يختص بها المحجر ، ولا يجوز إقطاعها ، ولا يختص المقطع بها.

______________________________________________________

وقد اختلف كلام الأصحاب في كون المعادن الظاهرة والباطنة له عليه‌السلام أو للمسلمين ، فقال الشيخان (١) وجمع (٢) أنها له عليه‌السلام. وقال ابن إدريس : إن ما في ملكه عليه‌السلام له دون ما في أرض المسلمين (٣) ، وهو ظاهراً اختيار ابن سعيد في المعتبر (٤).

وللشيخ قول بأن الناس فيها شرع (٥) ، وهو : بإسكان الراء ويحرك ومعناه سواء ، وهو المشهور بين المتأخرين (٦) ومستنده عموم ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) (٧) ، ولا دليل على الاختصاص ، ولما فيه من زيادة المشقة بالتوقف في الأخذ منها على إذنه عليه‌السلام إذا كان ظاهراً.

ولا ريب أن المشهور أقوى دليلاً ، ولا يلزم من اختصاصه بالأرض اختصاصه بما فيها.

وزعم بعض متأخري أصحابنا أن المعادن التي في ملكه لا خلاف في أنها له وليس كما زعم.

قوله : ( فحينئذ لا تملك بالإحياء ، ولا يختص بها المحجر ، ولا يجوز إقطاعها ، ولا يختص المقطع بها ).

أي : حين إذ كان الأقرب اشتراك المسلمين فيها لا تملك بالإحياء‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٤٥ ، والطوسي في النهاية : ١٩٩.

(٢) منهم سلار في المراسم : ١٤٠ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٨٣ ، ١٨٦.

(٣) السرائر : ٢٤٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٣٤ ـ ٦٣٥.

(٥) قاله في المبسوط ٣ : ٢٧٤.

(٦) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٣٧ ، والشهيد في الدروس : ٢٩٥.

(٧) البقرة : ٢٩.

٤٣

والسابق إلى موضع منه لا يزعج قبل قضاء وطره ، فإن تسابق اثنان أقرع مع تعذر الجمع ، ويحتمل القسمة ، وتقديم الأحوج.

______________________________________________________

ولا يختص بها المحجر كسائر الأموال التي اشترك الناس فيها لئلا يبطل حق الباقين ، وفي هذا مناقشتان :

الأولى : إن الإحياء في المعدن عبارة عن إظهاره بالعمل ، وهذا المعنى غير متصور في المعادن الظاهرة ، فلا يتصور فيها إحياء ولا تحجير ، لأنه شروع في الإحياء فلا حاصل لقوله : ( لا يملك بالإحياء ).

الثانية : إن تفريع عدم تملكها بالإحياء على اشتراك المسلمين فيها لا يستقيم ، لأن الاشتراك غير مانع من التملك بالإحياء ، كما لو حفر نهراً وأجرى فيه الماء من نهر مباح ، ولما لم يتصور إحياؤها [ لم يتصور إقطاعها ] (١) وقد حققناه سابقاً.

قوله : ( والسابق إلى موضع منه لا يزعج قبل قضاء وطره ).

لثبوت الأحقية بالسبق ، والظاهر عدم الفرق بين طول الزمان وقصره ، ولا بين أخذ قدر الحاجة وما زاد ، ما لم يصر مقيماً فإنه يزعج إذا منع غيره على الظاهر.

قوله : ( فإن تسابق اثنان أقرع مع تعذر الجمع ، ويحتمل القسمة ، وتقديم الأحوج ).

وجه الأول : أن كل أمر مشكل فيه القرعة.

ووجه الثاني : وهو القسمة ، لتساويهما في سبب الاستحقاق وإمكان الجمع بينهما فيه ، وإن لم يمكن الجمع بينهما للأخذ في زمان واحد ، وهذا إنما يكون في غير المعدن الواسع جدّاً بحيث يزيد على مطلوب كل واحد‌

__________________

(١) لم ترد في « ه‍ ».

٤٤

ولو كان إلى جنب المملحة أرض موات فحفر فيها بئراً ، وساق الماء إليها وصار ملحاً صح ملكها ، ولم يكن لغيره المشاركة.

______________________________________________________

منهما وإن كثر ، إذ لا معنى للقسمة حينئذ. نعم ما قلّ عن مطلوبهما لا يبعد القول فيه بالقسمة ، لإمكانها واستوائهما في سبب الاستحقاق.

والقرعة إنما هي في الأمور المشكلة التي لا طريق إلى معرفة حكمها ، أما ما ثبت حكمها بدليل شرعي فلا وجه لإجراء القرعة فيها ، فإن تشاحّا في التقدم في النيل لضيق المكان فليس ببعيد القول بالقرعة حينئذ ، فمن أخرجته أخذ حقه من المقسوم.

فتلخص من هذا أنه مع السعة بمطلوبهما المرجع إلى القرعة في التقدم ، ومع عدمه فالقسمة ، فإن تشاحا في التقدم أقرع.

ولو أن أحدهما قهر الآخر وأخذ مطلوبه أثم قطعاً ، ثم إن كان المعدن واسعاً ملك ما أخذه بالأخذ ، لأنه لم يأخذ ما استحقه الآخر ، وإلا لم يملك إلا ما تقتضي القسمة استحقاقه إياه.

ومثله ما لو ازدحم اثنان على الفرات مثلاً فقهر أحدهما صاحبه وحاز ماءً فإن الظاهر أنه يملكه بخلاف ما لو ازدحما على ماء غدير ونحوه مما لا يقطع بكونه وافياً لغرضهما فإن الأولوية لهما ، فلا يملك القاهر ما أخذه إلا بعد القسمة.

ووجه الثالث : أن سبب الاستحقاق الحاجة ، ومن كان سببه أقوى استحق التقديم. وهو ضعيف ، لأن الحق لجميع الناس بالأولوية من غير النظر إلى الأحوجية ، وعند الازدحام يمتازان عن باقي الناس بالأولوية بالسبق ، والأحوجية لا أثر لها ، وما ذكرناه من التفصيل هو التحقيق.

قوله : ( ولو كان إلى جنب المملحة أرض موات ، فحفر فيها بئراً وساق الماء إليها فصار ملحاً صح ملكها ، ولم يكن لغيره المشاركة ).

٤٥

ولو أقطع الإمام هذه الأرض جاز.

وأما الباطنة : فهي التي تظهر بالعمل كالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور ، والفيروزج. فقيل إنها للإمام أيضاً خاصة ، والأقرب عدم الاختصاص ،

______________________________________________________

الضمير في ( صح ملكها ) يعود إلى البئر ، ووجهه : أن ذلك إحياء ، لأن الانتفاع بها إنما هو بالعمل ، وحينئذ فليس لغيره المشاركة فيها لاختصاصه بالملك ، أما المملحة فإنها على حكمها.

قوله : ( ولو أقطع الإمام هذه الأرض جاز ).

لأن الإحياء فيها متصور بالنسبة إلى عمل الملح فيتصور فيها التحجير والإقطاع.

قوله : ( وأما الباطنة : وهي التي تظهر بالعمل كالذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والبلور ، والفيروزج فقيل : إنها للإمام عليه‌السلام أيضاً ، والأقرب عدم الاختصاص ).

البلور كتنُّور [ وسنَّور ] وسبطر ، ذكره في القاموس (١). وقد ذكرنا الخلاف في اختصاص الإمام عليه‌السلام بالمعادن وعدمه ، وأن المشهور بين الأصحاب المتأخرين استواء الناس فيها ، ولا تفاوت بين قوله هنا : ( والأقرب عدم الاختصاص ) ، وقوله فيما سبق : ( والأقرب اشتراك المسلمين فيها ) إلا التفنن في العبارة.

وقال الشارح الفاضل : إنما قال في الظاهر أنها مشتركة ، وقال هنا بعدم الاختصاص ، لأن هذه ملحقة بالموات ، فمن أحيا شيئاً منها فهو أحق به (٢). وفي استفادة هذا من هذا اللفظ نظر ، فإنّ الاشتراك في الأول لا يراد‌

__________________

(١) القاموس ( بلر ) ١ : ٣٧٧ ، وما بين المعقوفتين من المصدر.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٣٨.

٤٦

فإن كانت ظاهرة لم تملك بالإحياء أيضاً ، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان وأظهرها أحياها ، فإن كانت في ملكه ملكها ، وكذا في الموات.

______________________________________________________

به إلا عدم الاختصاص ، فإنّ إرادة الاشتراك الحقيقي معلوم البطلان ، لأن الناس في المعادن الظاهرة سواء ، وأما الملك بالإحياء فإنه تابع لتحقق الإحياء. وحكى في الدروس أقوال الفقهاء في المعادن ثم قال : والكل ضعيف (١).

قوله : ( فإن كانت ظاهرة لم تملك بالإحياء ).

المراد إن لم يكن الوصول إليها متوقفاً على الإحياء ، وإن كانت مستورة بنحو تراب يسير فإن هذه لا تملك بتنحيته عنها ، لأن ذلك لا يعد إحياءً ، بخلاف المستورة في الأرض الموات إذا أحياها أحد فإنه يملك المعدن الغير الظاهر وإن لم يكن إظهاره بحيث يعد إحياءً ، والفرق التبعية لما يملك بالإحياء في الأخيرة دون الأولى.

قوله : ( فإن كانت في ملكه ملكها وكذا في الموات ).

قد يفهم من هذه العبارة أنه يملك ما في ملكه بالإحياء ، وليس كذلك ، بل هو مملوك لكونه من أجزاء الأرض ، ولهذا

لو أراد أحد الحفر من خارج أرضه لم يكن له الأخذ مما كان داخلاً في أرضه ، لأنه من أجزاء الأرض المملوكة ، إنما يأخذ ما خرج ، صرح بذلك في التذكرة (٢). لكن يمكن أن تنزّل هذه العبارة على معنى صحيح وهو : إن من أحيا معدناً في أرضه ملكه على حسب ما يقتضيه الحال.

وإن خرج بعضه عن أرضه إلى موات فليس لأحد حينئذ أن يحفر في الموات بحيث يأخذ مما استحقه الأول. وإن لم يكن في أرضه فقوله :

__________________

(١) الدروس : ٢٩٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠٤.

٤٧

ولو لم يبلغ بالحفر إلى النيل فهو تحجير لا إحياء ، ويصير حينئذ أحق ولا يملكها بذلك ، فإن أهمل أجبر على إتمام العمل أو الترك ، وينظره السلطان إلى زوال عذره ثم يلزمه أحد الأمرين.

ويجوز للإمام إقطاعها قبل التحجير والإحياء ، ولا يقتصر ملك المحيي على محل النيل ، بل الحفر التي حواليه وتليق بحريمه يملكها أيضاً.

______________________________________________________

( ملك بالإحياء ) يفيد ذلك ، لأنه يملك ما أحياه ويستحق حريمه وإن لم يكن في ملكه ، وقد استشكله في التحرير (١).

قوله : ( ولو لم يبلغ بالحفر إلى النّيل فهو تحجير لا إحياء ويصير حينئذ أخص ولا يملكها بذلك ).

أي : لو لم يبلغ بالحفر إلى إظهار المعدن ونيله فليس بإحياء ، لأن المراد بالإحياء : الوصول إليه بالعمل ، لكنه تحجير يكون باعتباره أحق من غيره وأخص به.

قوله : ( فإن أهمل أجبر على تمام العمل أو الترك وينظره السلطان إلى زوال عذره ثم يلزمه أحد الأمرين ، ويجوز للإمام إقطاعها قبل التحجير والإحياء ).

وذلك كما سبق في التحجير ، وإنظار السلطان إياه إلى زوال عذره إن ذكر عذراً ، ويؤجله بما يراه مصلحة إن طلب التأجيل ، ولو اعتذر بكونه فقيراً فطلب الإمهال إلى اليسار احتمل عدم الإجابة.

قوله : ( ولا يقتصر ملك المحيي على محل النيل ، بل الحفر التي حواليه ويليق بحريمه تملكها أيضاً ).

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٣٢.

٤٨

ولو أحيى أرضاً ميتة فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ، ظاهراً كان أو باطناً ، بخلاف ما لو كان ظاهراً قبل إحيائها.

ولو حفر فبلغ المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر من ناحية أخرى ، فإذا وصل الى ذلك العرق لم يكن منعه ، لأنه يملك. المكان الذي حفره وحريمه.

______________________________________________________

المراد بالحفر التي‌ حواليه : هي ما يحفره بالقوة ، والمرجع في حريمه إلى العرف ، وقدّره في التذكرة بقدر ما يقف الأعوان والدواب (١).

وقال شيخنا في الدروس : ومن ملك معدناً ملك حريمه ، وهو منتهى عروقه عادة ، ومطرح ترابه وطريقه (٢). ولعله يريد بمنتهى عروقه : إذا كانت غير بعيدة ، أما مع البعد فهو غير ظاهر لأن من المعلوم أن المعدن إذا طال كثيراً لا يملك جميعه بالإحياء من بعض أطرافه.

قوله : ( ولو أحيى أرضاً ميتة فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها ، ظاهراً كان أو باطناً ، بخلاف ما لو كان ظاهراً قبل إحيائها ).

أراد بالظاهر الأول : ما لا يحتاج في إظهاره إلى عمل بحيث يعدّ إحياء ، وبالثاني : ما لم يكن مستوراً بحيث لا يكون لإحياء الأرض دخل في ظهوره.

قوله : ( ولو حفر فبلغ المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر من ناحية أخرى ).

لأنه إنما يختص بما أحياه وحريمه.

قوله : ( فإذا وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه لأنه يملك‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٤.

(٢) الدروس : ٢٩٦.

٤٩

ولو حفر كافر أرضاً فوصل إلى معدن ، ثم فتحها المسلمون ففي صيرورته غنيمة أو للمسلمين إشكال.

______________________________________________________

المكان الذي حفره وحريمه ).

أي : فإذا وصل الغير بالحفر من ناحية إلى العرق الذي هو المعدن لم يكن للأول منعه ، وقوله : ( لأنه يملك المكان الذي حفره وحريمه ) يصلح تعليلاً لكل من الحكمين ، أعني : عدم جواز منعه من الحفر ، وعدم جواز منعه من العروق إذا بلغه ، وهو خارج عن الموضع الذي ملكه وحريمه.

وفي التحرير : أنه إذا وصل الأول إلى العرق فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟ الوجه المنع ، فإن الأول يملك حريم المعدن (١). والظاهر أنه يريد أنّ أخذ الثاني ممنوع منه إذا كان موضع الأخذ حريماً للأول ، وإلا لم يطابق الدليل الدعوى.

قوله : ( ولو حفر كافر أرضاً فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون ففي صيرورته غنيمة أو للمسلمين إشكال ).

ينشأ : من أن الإحياء يقتضي ملك المعدن فيكون غنيمة ، لأنه ليس من جنس الأرض ، ومن مشابهة الأرض في كونه لا ينقل. وهو ضعيف ، لأنه منقول بالقوة القريبة.

قال المصنف في التحرير : إنه لا يكون غنيمة بل يكون على أصل الإباحة ، لأنه لا يعلم هل قصد الجاهل التملك فيغنم؟ أو لا فيبقى على أصل الإباحة (٢)؟ وكذا قال في التذكرة (٣).

وقال : إن ذلك جارٍ مجرى من حفر بئراً في البادية وارتحل عنها.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٣٢.

(٢) التحرير ٢ : ١٣٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٠٤.

٥٠

ومن ملك معدناً فعمل فيه غيره فالحاصل للمالك ، ولا أجرة للغاصب. ولو أباحه كان الخارج له ، ولو قال له : اعمل ولك نصف الخارج بطل ، لجهالة العوض إجارة وجعالة ، فالحاصل للمالك وعليه الأجر.

______________________________________________________

والفرق ظاهر ، لأن القرائن هنا دلت على أنه إنما أراد دفع حاجة حاضرة ، إذ لا يقصد أحد غالباً ملك بئر في البادية بخلاف المتنازع. وهو ضعيف ، لأن الذي لا يكون إلا للتملك بحسب الغالب كافٍ في حصول الملك ، ولا يعتبر العلم بنية التملك وإن شرطناها عملاً بالظاهر ، وإلا لكان الحافر للمعدن إلى أن يبلغه لا يختص به لعدم العلم بكونه نوى التملك ، فلا يمنع من أراد الأخذ ، وهو باطل ، والظاهر أنه غنيمة.

قوله : ( ومن ملك معدناً فعمل فيه غيره فالحاصل للمالك ، ولا اجرة للغاصب ).

المراد بعمل الغير فيه بعد الملك : استخراج الجواهر ، وظاهر أنه لا أجرة للغاصب لعدوانه.

قوله : ( ولو أباحه كان الخارج له ).

أي : لو أباحه المالك ، وإنما يملك الخارج إذا ملّكه المالك إياه. فلو أباحه صح تصرفه ، ولم يخرج عن ملك المالك ما دامت العين موجودة.

قوله : ( ولو قال : اعمل ولك نصف الخارج بطل ، لجهالة العوض إجارةً وجعالةً ، فالحاصل للمالك وعليه الأجرة ).

أما بطلانه إجارة فظاهر ، للجهالة. وأما الجعالة فقد احتمل في الدروس صحتها بناء على أن الجهالة التي لا تمنع من تسليم العوض غير مانعة من الصحة (١).

__________________

(١) الدروس : ٢٩٦.

٥١

الفصل الرابع : في المياه ، وأقسامها سبعة :

الأول : المحرز في الآنية ، أو الحوض ، أو المصنع. وهو مملوك لمن أحرزه وإن أخذ من المباح ، ويصح بيعه.

الثاني : البئر إن حفرت في ملك ، أو مباح للتملك اختص بها‌

______________________________________________________

ولقائل أن يقول : إن هذه مانعة من التسليم ، إذ لا يعلم متعلق المعاملة ، لعدم وقوف الحق عند حد تقع المعاملة عليه ، فلا يكون الذي بدل العوض في مقابله معلوماً معيناً ، بحيث إذا تحقق إثباته به استحق ، ويلزم من جهالته جهالة العوض ، إذ لا يتعين قدر الخارج بمعين ، بخلاف : من رد عبدي فله نصفه. والمطابق لهذا أن يقول : من أخرج كذا وكذا فله نصفه ، أما لو قال له : اعمل فما أخرجته فلنفسك ، فإن الحاصل للمالك.

قال الشيخ رحمه‌الله ، وحكاه في التذكرة (١) عنه وعن الشافعي (٢) ، قال : ولا أجرة له ، لأنه لم يعمل للمالك بل عمل لنفسه ما لم يملكه. وليس هو كالقراض الفاسد ، لأن العامل فيه عمل للمالك لا لنفسه ، ولما لم يسلم له المشترط رددناه إلى أجرة المثل (٣).

قوله : ( الفصل الرابع : في المياه : وأقسامها سبعة :

الأول : المحرز في الآنية ، أو الحوض ، أو المصنع ، وهو مملوك لمن أحرزه وإن أخذ من المباح ، ويصح بيعه ).

المصنع والمصنعة بضم النون : كالحوض يجمع فيه ماء المطر ، ولا خلاف في حكم هذا القسم.

قوله : ( الثاني : البئر إن حفرت في ملك ، أو مباح للتملك‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٤.

(٢) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٧٢.

(٣) قاله في المبسوط ٣ : ٢٧٩.

٥٢

كالمحجر ، فإذا بلغ الماء ملكه ، ولا يحل لغيره الأخذ منه إلا بإذنه ، ويجوز بيعه كيلاً ووزناً ، ولا يجوز بيعه أجمع لتعذر تسليمه ،

______________________________________________________

اختص بها كالمحجر ، فإذا بلغ الماء ملكه ، ولا يحل لغيره الأخذ منه إلا بإذنه ، ويجوز بيعه كيلاً ووزناً ).

القول بالملك في هذا القسم هو أصح الوجهين عند الشيخ (١) والأصحاب (٢). وقد صرح في التذكرة بأنه يجب في بيع الماء أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن ، سواء كان في مصنع ، أو آنية ، أو بركة (٣).

قوله : ( ولا يجوز بيعه أجمع لتعذر تسليمه ).

أي : ماء البئر ، وإنما تعذر تسليمه لأنه ينبع شيئاً فشيئاً فيختلط المبيع بغيره ، ولا يمكن التمييز ، ولا منع الاختلاط.

ولو بيع أصواعاً معلومة فقد اختار المصنف في التذكرة الجواز (٤) ، كما لو باع من صبرة قدراً معلوماً ، ويحتمل العدم لتجدد الماء الموجب لاختلاط المبيع ، فإن صاعاً من ماء معين مغاير لصاع من ذلك الماء إذا صب عليه ماء آخر فيتعذر التسليم.

ومثله ما لو باع صاعاً من صبرة ثم صب عليها صبرة أخرى قبل التسليم ، ذكر هذا الاحتمال في التذكرة أيضاً (٥). وأما البيع من ماء القناة فلا يصح ، إذ لا يمكن ربط العقد بقدر مضبوط لعدم وقوفه.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٠.

(٢) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٧٦ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٩ ، والعلامة في التحرير ٢ : ١٣٣ ، والشهيد في الدروس : ٢٩٥.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٠٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٤١٠.

(٥) المصدر السابق.

٥٣

والبئر العادية إذا طمت وذهب ماؤها فاستخرجه إنسان ملكها.

ولو حفر في المباح لا للتمليك ، بل للانتفاع فهو أحق مدة مقامه عليها.

وقيل : يجب بذل الفاضل عن مائها عن قدر حاجته ، وفيه نظر ، فإذا فارق فمن سبق فهو أحق بالانتفاع ، ولا يختص بها أحد.

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فالمفهوم من قوله : ( ولا يجوز بيعه أجمع ) أنه يجوز بيع بعضه ، ويجب أن يقيّد بكون البعض مقدراً بالإصبع ونحوها ، ولا جزءاً مشاعاً بالنسبة لتعذر التسليم أيضاً.

ويجوز بيع الماء بدون الكيل والوزن بالمشاهدة إذا كان محصوراً ، كما سبق في كتاب البيع ، وذكره في الدروس في هذا الباب (١).

قوله : ( والبئر العادية إذا طُمّت وذهب ماؤها فاستخرجه إنسان ملكها ).

المراد بالعادية : القديمة ، وهي منسوبة إلى عاد ، والعرب ينسبون القديم إليه.

قوله : ( ولو حفر في المباح لا للتملك ، بل للانتفاع فهو أحق مدة مقامه عليها ).

مقامه بضم الميم : إقامته عليها ، وإنما كان أحق بها المدة المذكورة ، لأن فعله لا ينقص عن التحجير.

قوله : ( وقيل : يجب بذل الفاضل من مائها عن قدر حاجته ، وفيه نظر ، فإذا فارق فمن سبق فهو أحق بالانتفاع ، ولا يختص بها أحد ).

__________________

(١) الدروس : ٢٩٥.

٥٤

______________________________________________________

القائل بذلك الشيخ‌ رحمه‌الله (١) لقوله عليه‌السلام : « الناس شركاء في ثلاثة : النار والماء والكلأ » (٢) ولا دلالة فيها ، لأن الاشتراك في الأصل لا ينافي تجدد الملك ، والاختصاص كالمحرز في الآنية ، ولأن المفرد المحلى باللام لا يعم ، وما ورد من الأخبار من النهي عن منع الفاضل من الماء ونحوه (٣) فهو محمول على الكراهية.

ووجه النظر : إن تملك المباحات إن لم يحتج إلى نية فقد ملك هذا الماء ، فلا يجب عليه بذل فاضله كسائر أمواله ، وعلى القول بالاحتياج في التملك إليها فهذا كالتحجير يفيد الأولوية ، وحينئذ فلا دليل على وجوب بذل الزائد.

هذا حكم ما إذا قصد بالحفر التملك أو قصد عدمه ، أما لو لم يقصد شيئاً ، فقد قال في التذكرة : الأقوى اختصاصه به ، لأنه قصد بالحفر أخذ الماء فيكون أحق ، وهنا ليس له منع المحتاج عن الفاضل عنه ، لا في شرب الماشية ولا الزرع (٤).

وفيه نظر ، لأن مع الاختصاص لا دليل على وجوب بذل الفاضل عن صاحبه ، مع أنه حقق فيما بعد أن الفعل الذي فعله للإحياء لا يفعل في العادة مثله إلا للتملك كبناء الدار ، واتخاذ البستان ملك به وإن لم يوجد منه قصد التملك. وإن كان مما يفعله المتملك وغير المتملك كحفر البئر في الموات ،

__________________

(١) قاله في المبسوط ٣ : ٢٨١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٠ حديث ٦٦٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ حديث ٦٤٨ ، وفيهما : « ان المسلمين. » ، مسند أحمد ٥ : ٣٦٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٧ ، ٢٩٣ حديث ٢ ، ٦ ، الفقيه ٣ : ١٥٠ حديث ٦٦١ ، التهذيب ٧ : ١٤٠ حديث ٦١٨ ، الاستبصار ٣ : ١٠٧ حديث ٣٧٨.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٩.

٥٥

______________________________________________________

وزراعة قطعة من الموات اعتماداً على ماء السماء افتقر تحقق الملك إلى تحقق قصده ، فإن قصد أفاد الملك وإلا فإشكال ينشأ ، من أن المباحات هل تملك بشرط النية أم لا؟ وللشافعية وجهان (١).

وما لا يكتفي به التملك كتسوية موضع النزول ، وتنقيته عن الحجارة لا يفيد التملك وإن قصده ، وهذا كنصب الأحبولة في طرق الصيد فإنه يفيد الملك في الصيد ، وإغلاق الباب إذا دخل الصيد الدار على قصد التملك وجهان.

وتوحل الصيد في أرضه التي سقاها لا بقصد الصيد لا يقتضي التملك ، وإن قصده (٢). هذا كلامه ، وإشكاله الذي ذكره ينافي الجزم الذي تقدم ، والذي يقتضيه النظر عدم اشتراط النية في تملك المباحات للأصل ، ولعموم قوله عليه‌السلام : « من أحيى أرضاً ميتة فهي له » (٣).

واشتراط النية يحتاج إلى مخصص ، والإحياء في كل شي‌ء بحسبه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فحفر البئر إلى أن يبلغ الماء إحياء ، وليس في الباب ما يدل على الاشتراط مما يعتد به ، وغاية ما يدل عليه ما ذكروه : أن قصد عدم التملك مخرج للإحياء عن كونه سبباً للملك ، إذ الملك القهري هو الإرث كما صرح به في التذكرة ، فإنه قال في قريب أول بحث المياه في جملة كلام له : إن الإنسان لا يملك ما لم يتملك إلا في الميراث (٤).

فعلى هذا إن نوى التملك بالإحياء ملك ، وكذا ينبغي إذا لم ينو شيئاً‌

__________________

(١) انظر مغني المحتاج ٢ : ٣٧٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٤١٣.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٩ ، ٢٨٠ حديث ٣ ، ٦ ، التهذيب ٧ : ١٥٢ حديث ٦٧٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٧ حديث ٣٧٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٦.

٥٦

ولو حفرها جماعة ملكوها على نسبة الخرج ، وإذا حفر بئراً في ملكه لم يكن له منع جاره من حفر أعمق في ملكه وإن كان يسري الماء إليها ،

______________________________________________________

بخلاف ما لو نوى العدم ، وحينئذٍ فيتصور التوكيل في حيازة المباحات وإحياء الموات ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ثم نعود إلى مسألة الكتاب.

والأصح فيها عدم الملك وعدم وجوب بذل الفاضل ، لكن لا يجوز بيعه إلا بعد الحيازة.

قوله : ( ولو حفرها جماعة ملكوها على نسبة الخرج ).

أي : اشتركوا في الحفر كله ، بحيث يكون كل [ جزء ] (١) منه لهم ، وأجرته عليهم ، فاشتراكهم على نسبة الخرج.

وإن اختص كل منهم بحفر بعض ، فإن كان الخرج للجميع مطابقاً للعمل ، ولم يكن سعر عمل بعضهم أزيد من سعر عمل الآخر فكذلك ، إذ نسبة العمل والخرج مستوية في الجميع ، فإن تفاوت السعر فالاشتراك على نسبة العمل ، لأن خرج أحدهم لو كان الربع ، وعمله في الحفر الخمس لزيادة السعي في نوبته لم يكن له في سبب الإحياء إلا الخمس فلا يجوز أن يعطى الربع ، لأن ذلك ظلم.

قوله : ( وإذا حفر بئراً في ملكه لم يكن له منع جاره من حفر أعمق في ملكه ، وإن كان يسري الماء إليها ).

لأن للجار أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، لأن « الناس مسلطون على أموالهم » (٢).

__________________

(١) لم ترد في « ه‍ ».

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

٥٧

والملك في القناة المشركة بحسب الاشتراك في العمل أو الخرج.

الثالث : مياه العيون ، والغيوث ، والآبار في الأرض المباحة لا للتملك شرع لا يختص بها أحد ، فمن انتزع منها شيئاً في إناء وشبهه ملكه ، ويقدّم السابق مع تعذر الجمع فإن اتفقا أقرع.

______________________________________________________

قوله : ( والملك في القناة المشتركة بحسب الاشتراك في العمل أو الخرج ).

هذا إن تساوى العمل والخرج ، وإن اشتركوا في العمل كله ، وإلا فالعبرة بالعمل.

وقال الشيخ : إنهم لا يملكونه لكنهم أولى به ، ويقتسمونه على قدر الضياع (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( الثالث : مياه العيون ... ).

مبتدأ ، وقوله : ( شرع ) بالإسكان والتحريك خبره.

وقوله : ( لا يختص بها أحد ) تفسير له.

وقوله : ( في الأرض المباحة لا للتملك ) قيد في الجميع ، فإنه لو حفر في الأرض المباحة بئراً ، أو عيناً ، أو مصنعاً للتملك ملك الماء. ويخرج عنه ما إذا نوى عدم التملك ، أو لم ينو شيئاً وقد سبق تحقيقه.

قوله : ( ويقدم السابق مع تعذر الجمع ، فإن اتفقا أقرع ).

لم يذكر هنا احتمال القسمة وتقديم الأحوج ، ولا ريب أن الماء إن كان قليلاً لا يسعهما فالقول بالقسمة قوي ، وقد سبق في التيمم في جماعة انتهوا إلى ماء مباح مثله.

__________________

(١) قاله في المبسوط ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

٥٨

الرابع : مياه الأنهار الكبار كالفرات ودجلة ، والناس فيها شرع.

الخامس : الأنهار الصغار غير المملوكة التي يزدحم الناس فيها ويتشاحون في مائها ، أو مسيل يتشاح فيه أهل الأرض الشاربة منه ولا يفي لسقي ما عليه دفعة فإنه يبدأ بالأول ، وهو الذي يلي فوهته ،

______________________________________________________

وأما الأحوج فإن كانت حاجته الخوف على نفس محترمة فإنه يقدم لا محالة.

قوله : ( الرابع : مياه الأنهار الكبار كالفرات ودجلة والناس فيها شرع ).

دجلة بالفتح والكسر ، ويفهم من أداء عبارة القاموس أن الكسر أكثر (١) ، [ و ] المراد بها الأنهار التي لا مدخل لإحياء الناس فيها لكبرها ، فحينئذ لا تكون إلا مباحة للناس كلهم ، ومتى دخل منها شي‌ء في ملك مالك لم يملكه كالطائر يعشش في ملكه ، والسمكة تطفر إلى السفينة لعدم كون ذلك حيازة ، لكن لا يحل لغير المالك الدخول إلى الملك بغير إذن وأخذه ، فلو فعل أثم وملكه.

وفي حكم هذه الأنهار الكبار كل نهر عادي في العالم.

قوله : ( الخامس : الأنهار الصغار غير المملوكة ، يزدحم الناس فيها ـ إلى قوله : ـ فإنه يبدأ بالأول وهو الذي يلي فوهته ).

الفوهة كقربة : أول الوادي ، وإنما يكون من يلي الفوهة هو الأول إذا سبق بالإحياء أو جهل الحال ، أما إذا علم السبق فظاهر ، لأن السابق قد استحق قبل المتأخر فيبقى استحقاقه مستصحباً.

وأما إذا جهل الحال فلتكافؤهما في السبق والتأخر ، وتحقق القرب إلى‌

__________________

(١) القاموس المحيط ( دجل ) ٣ : ٣٧٤.

٥٩

ويحبس على من دونه حتى ينتهي سقيه للزرع إلى الشراك ، وللشجر إلى القدم ، وللنخل إلى الساق ثم يرسل إلى من دونه.

ولا يجب الإرسال قبل ذلك وإن تلف الأخير ، فإن لم يفضل عن الأول شي‌ء أو عن الثاني فلا شي‌ء للباقين.

______________________________________________________

أول النهر في أحدهما فيختص بالتقدم ، لأن الماء يكون عنده قبل المتأخر ، ومثله ما لو أحيوا دفعة واحدة ، وسيأتي التنبيه على ذلك في كلام المصنف.

قوله : ( ويحبس على من دونه حتى ينتهي سقيه للزرع إلى الشراك ، وللشجر إلى القدم ، وللنخل إلى الساق تم يرسل إلى من دونه ، ولا يجب الإرسال قبل ذلك وإن تلف الأخير ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١) وقال في النهاية : إن الأعلى يحبس على الأسفل للنخل إلى الكعب ، وللزرع إلى الشراك (٢).

وقد روى غياث بن إبراهيم : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى به في وادي مهزور (٣) ، بالزاء أولاً ثم الراء ، وهو وادٍ قريب المدينة الشريفة ، وقيل بتقدم الراء وتأخير الزاء نقله ابن بابويه عن شيخه محمد بن الحسن وقال : إنها كلمة فارسية وهو من هرز الماء ، والهرز بالفارسية الزائد على المقدار الذي يحتاج إليه (٤). وعلى كل حال فالعمل على المشهور.

قوله : ( فإن لم يفضل عن الأول شي‌ء ، أو عن الثاني فلا شي‌ء للباقي ).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٤.

(٢) النهاية : ٤١٧.

(٣) الكافي ٥ : ٢٧٨ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ٥٦ حديث ١٩٤.

(٤) الفقيه ١ : ٥٦ ذيل الحديث ١٩٥.

٦٠