جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

فإن تلفت فلا ضمان وإن انهدم الإصطبل إذا لم يكن مخوفاً. وكذا يد الأجير على الثوب الذي تراد خياطته ، أو صبغه ، أو قصارته ، أو على الدابة لرياضتها ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً.

______________________________________________________

قد سبقت هذه المسألة‌ غير مرة ، وإنما أعادها ليبني عليها ما فرعه عليها وهو :

قوله : ( فإن تلفت فلا ضمان وإن انهدم الإصطبل إذا لم يكن مخوفاً ).

لأنه أمين لا يضمن إلا بتعدّ أو تفريط وهو منتف ، والغرض انتفاؤهما.

وقالت الشافعية : إن كان المعهود في مثل ذلك الوقت أن تكون الدابة تحت السقف ، كجنح الليل في الشتاء فلا ضمان ، وإن كان المعهود في ذلك الوقت لو خرج بها أن يكون في الطريق وجب الضمان ، لأن التلف والحالة هذه جاء من ربطها (١). وليس بشي‌ء ، لأن مصادفة التلف لربطها اتفاقاً مع الإذن فيه شرعاً لا يوجب الضمان ، لانتفاء المقتضي.

قوله : ( وكذا يد الأجير على الثوب الذي تراد خياطته ، أو صبغه ، أو قصارته ، أو على الدابة لرياضتها ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً ).

أي : كما أن يد المستأجر على العين المؤجرة يد أمانة في الإجارة الصحيحة والفاسدة ، فكذا يد الأجير على العين التي يراد منه فيها فعل معين ، كالثوب الذي تراد خياطته إياه ، أو صبغه له أو قصارته. وكالدابة التي تراد رياضتها ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً ، وهذا هو المذهب الصحيح لأصحابنا.

__________________

(١) انظر الوجيز ١ : ٢٣٧.

٢٦١

ولو تعدّى في العين فغصبت ضمن ، وإن كانت أرضاً شرط زرعها نوعاً فزرع غيره.

______________________________________________________

وقال المفيد (١) والمرتضى (٢) : إن الأجير ضامن لما تسلمه ، إلا أن يظهر هلاكه ويشتهر بما لا يمكن دفاعه ، أو تقوم بنية بذلك ، احتجاجاً ببعض الأخبار (٣) المعارضة بما هو أشهر منها (٤) ، مع قبولها الحمل على التعدي دفعاً للتنافي.

والعامة اختلفوا في تضمين الأجير المشترك (٥) ، والقائلون فيه بالتضمين اختلفوا في تضمين المنفرد (٦).

والمختار عدم الضمان مطلقاً ، إلا بالتعدي أو الخيانة.

قوله : ( ولو تعدى في العين فغصبت ضمن ).

لأن يده صارت بالتعدي يد عدوان ، فكل ما يحدث في العين من غصب ، ونحوه فهو من ضمانه كسائر الأمور المضمونة.

قوله : ( وإن كانت أرضاً شرط زرعها نوعاً فزرع غيره ).

حاول بذلك الرد على بعض الشافعية حيث قالوا : إنه لو شرط ذلك لم يصح الشرط ، لأنه مخالف لمقتضى العقد ، وكان له أن يزرع ما شاء عملاً‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٩.

(٢) الانتصار : ٢٢٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٢١٩ حديث ٩٥٧ ، الاستبصار ٣ : ١٣١ حديث ٤٧٢ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٢٠ ، ٢٢١ حديث ٩٦٤ ، ٩٦٦ ، الاستبصار ٣ : ١٣٢ ، ١٣٣ حديث ٤٧٧ ، ٤٨١.

(٥) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، والوجيز ١ : ٢٣٧ ، والمجموع ١٥ : ٩٩ ـ ١٠٠ ، والمغني لابن قدامة ٦ : ١٢٨ ، ١٣٠ ـ ١٣١.

(٦) المصدر السابق المغني لابن قدامة ٦ : ١١٨ ، ١٢١.

٢٦٢

ولو سلك بالدابة الأشق من الطريق المشترط ضمن ، وعليه المسمّى والتفاوت بين الأجرين ، ويحتمل أجرة المثل.

______________________________________________________

بمقتضى العقد ، فإنه يقتضي استيفاء المنفعة كيف ما اختار. وهو غلط ، لأن ذلك ليس من مقتضيات العقد ، إنما هو من مقتضيات إطلاقه ، والشرط مخصص للإطلاق ، فلا يتم ما ذكروه من منافاة الشرط المذكور لمقتضى العقد.

واعلم أن قول المصنف : ( وإن كانت أرضاً ... ) وصلّي لما قبله ، والمعنى : أنه إذا تعدى في العين ضمن وإن كان التعدي لكونها أرضاً شرط زرعها نوعاً فزرع غيره.

قوله : ( ولو سلك بالدابة الأشق من الطريق المشترط ضمن ، وعليه المسمى ، والتفاوت بين الأجرتين ، ويحتمل أجرة المثل ).

أما ضمانه فلا إشكال فيه ، لعدوانه ، وأما وجوب المسمى والتفاوت بين الأجرتين ، فلأنه استوفى المنافع المعقود عليها وزيادة ، فالمسمى في مقابل المعقود عليه ، والتفاوت بين الأجرتين في مقابل زيادة المشقة عن الطريق المشترطة التي لم يتناولها العقد.

وأما احتمال أجرة المثل ، فلأن المستوفي غير المعقود عليه قطعاً ، وليس المعقود عليه جزءاً منه ، فإن المعقود عليه هو الانتفاع بالدابة في الطريق المعينة ، والمستوفي أمر آخر مباين له.

وتخيل إن المعقود عليه هو المنافع المخصوصة فاسد ، بل إنما عقد عليها على وجه مخصوص وقد فات. والمسمى إنما هو في مقابل ذلك المعين ، فإذا استوفى غيره وجبت أجرة المثل ، وهو الأصح.

إذا عرفت هذا فاعلم أن قول المصنف : ( والتفاوت بين الأجرتين ) يحتمل أن يراد بالأجرتين : المسماة ، وأجرة المثل ، فإنهما المذكورتان في‌

٢٦٣

وكذا لو شرط حمل قطن فحمل بوزنه حديداً.

ولو شرط قدراً فبان الحمل أزيد ، فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المؤجر ضمن الدابة والزائد والمسمى ، وإن كان المؤجر فلا ضمان إلاّ في المسمّى وعلى المؤجر رد الزائد.

______________________________________________________

العبارة ، وهو الذي فهمه الشارح عميد الدين. لكنه يشكل بأنه ربما كان المسمى بقدر أجرة المثل للمجموع ، فلا يكون هناك تفاوت ، فيلزم الظلم للمؤجر. وربما كان المسمى قليلاً جدّاً ، لأن الأجرة تزيد وتنقص لاختلاف الرغبات والأوقات.

والصواب : أن يراد به التفاوت بين أجرة المثل للمنافع المعقود عليها ، وأجرة المثل لما استوفاه ، فإذا كانت أجرة المثل للمعقود عليها عشرة ، وللمستوفاة خمسة عشرة فالتفاوت خمسة دفعها مع المسمى على ذلك الاحتمال.

قوله : ( وكذا لو شرط حمل قطن فحمل بوزنه حديداً ).

الصواب فتح الحاء من ( حمل ) على أنه مصدر ، لأن الكسر لا يراد هنا ، لعدم انتظام اسم المصدر في هذه الجملة. أي : وكذا يجي‌ء الاحتمالان السابقان لو استأجر لحمل مائة من القطن فحمل بوزنه حديداً ، لأنه أشق منه من وجه ، فإن الأول يدخله الهواء فيزداد ويعم ثقله ظهر الدابة ، والثاني يختص بموضع من ظهرها ، وتكون نكايته فيه أشد ، فيحتمل المسمى ، والتفاوت بين الأجرتين ، ويحتمل أجرة المثل ، والأصح الثاني.

قوله : ( ولو شرط قدراً فبان الحمل أزيد ، فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المؤجر ضمن الدابة والزائد والمسمى ، وإن كان المؤجر فلا ضمان إلا في المسمى ، وعلى المؤجر رد الزائد ، ولا‌

٢٦٤

ولا فرق بين أن يتولى الوضع من تولى الكيل أو غيره ،

______________________________________________________

فرق بين أن يتولى الوضع من تولى الكيل أو غيره ).

إذا شرط في الإجارة حمل الدابة قدراً معيناً فبان الحمل أزيد والنوع هو المشترط فلا يخلو : إما أن يكون المتولي للكيل هو المؤجر ، أو المستأجر ، أو أجنبي. فإن كان هو المستأجر ، فإن تولى الحمل فلا بحث في ضمان الدابة ووجوب المسمى وأجرة الزيادة. وكذا لو تولى الحمل المؤجر ودلس (١) عليه ، فأخبره بكيلها على خلاف ما هو به ، ولم يكن عالماً ، لأنه قد غرّه فضعفت المباشرة.

ولو علم المؤجر بالحال فلا ضمان على المستأجر ، لتفريط المؤجر بحمل الزيادة مع علمه بها. والظاهر أنه لا اجرة له عنها لتبرعه بحملها ، فيتجه أن يجب عليه ردها مع احتمال لزوم الأجرة ، لأنه كالمعاطاة في الإجارة.

وإن علم المستأجر بالحمل وسكت ، أو أخبر مع ذلك بالكيل كذباً ، مع احتمال لزوم الأجرة بالإخبار كذباً ، إذ مقتضاه طلب حمله المجموع ، فيكون حمل الزيادة مأذوناً فيه.

ولو أن المستأجر حيث تولى الكيل سكت فلم يخبر المؤجر بشي‌ء مع جهالة المؤجر فتولى حملها ، ففي كون المستأجر غارّاً له بمجرد الكيل ، وتهيئة ذلك للحمل احتمال ، كما في تقديم طعام الغير إليه للأكل فيأكله ، فإن عدناه غرراً لزمه أجرة الزيادة.

ولو كان المستأجر الطعام زائداً ، ثم ذهب عنه على وجه لا يعد تهيئة ، وجاء المؤجر وحمله ثم ظهرت الزيادة فلا شي‌ء على المستأجر. وإن كان المتولي للكيل هو المؤجر ، فإن تولى الحمل فلا ضمان على المستأجر ، ولا‌

__________________

(١) دلّس عليه من الدلس بمعنى الخديعة ، المعجم الوسيط ( دلس ) ١ : ٢٩٣.

٢٦٥

______________________________________________________

يجب عليه سوى المسمى ، لكن يجب عليه رد الزيادة إلى بلد الأجرة ، سواء علم المستأجر بالحال أم لا.

ولو تولى المستأجر الحمل ، فإن كان عالماً بالزيادة فكما لو كان بنفسه ، وإن كان جاهلاً ، فإن أمره المؤجر بالحمل فلا ضمان عليه ، وعلى المؤجر رد الزيادة للغرور ، وإن لم يأمره ففي كون المستأجر مغروراً بفعل المؤجر الاحتمال السابق ، ولو أمره المؤجر بالحمل مع علمه بالزيادة ففي لزوم أجرتها نظر.

إذا عرفت هذا فعد إلى عبارة الكتاب ، واعلم أن قوله : ( فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المؤجر ) لا حاجة إلى التقييد بعدم علم المؤجر إذا كان المستأجر هو المتولي للحمل. ثم إن ظاهر إطلاقها يقتضي تضمين المستأجر إذا تولى المؤجر الحمل ، سواء أخبره كذباً أم لا ، وسواء أمره بالحمل أم لا ، وفي بعض الصور الاحتمال السابق.

ثم إن قوله : ( وإن كان المؤجر فلا ضمان إلا في المسمى ) مع قوله : ( ولا فرق بين أن يتولى الوضع من تولى الكيل أو غيره ) يقتضي عدم ضمان المستأجر إذا تولى الحمل ، سواء علم بالحال أم لا ، وسواء أمره المؤجر بالحمل مع جهله أو علمه أم لا ، مع أنه إذا كان عالماً بالحال ولم يأمره المؤجر يضمن قطعاً ، ومع الجهل يجي‌ء الاحتمال السابق.

واعلم أيضاً أنه لا فرق في الزيادة في الكيل بالنسبة إلى الأحكام المذكورة بين أن يقع عمداً ، أو غلطاً ، لأن الغلط لا يسقط الضمان ، ولا يصيّر ما ليس بحق حقاً.

واعلم أيضاً أنه لو تولّى الحمل على الدابة أجنبي غير المؤجر والمستأجر ، فإن كان بأمر من فعل الزيادة فالضمان على فاعلها مع جهل الأجنبي لا علمه ، وكذا لو كان بأمر الآخر ، إن عددنا مجرد الكيل والتهيئة‌

٢٦٦

وإن تولاه أجنبي من غير علمهما فهو متعد عليهما.

ويضمن الصانع ما يجنيه وإن كان حاذقاً ، كالقصّار بخرق الثوب ، والحمّال يسقط حمله عن رأسه أو يتلف بعثرته ، والجمال يضمن ما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي شد به حمله ، والملاح يضمن ما يتلف من يده أو جذفه أو ما يعالج به السفينة.

______________________________________________________

للحمل غروراً ، وفيه ما سبق. ثم إنه في كل موضع يكون رد الزيادة مضموناً فالزيادة مضمونة بطريق أولى.

قوله : ( وإن تولاه أجنبي من غير علمهما فهو متعدٍ عليهما ).

إن تولى الأجنبي مع الكيل الحمل فلا كلام في ضمانه الدابة ، واجرة الزيادة ، والزيادة ، وردها. وإن تولاه أحد المتعاقدين ، وهو عالم فالحكم متعلق به كما لو كان بنفسه. وإن كان جاهلاً ، فإن دلّس عليه الأجنبي فهو كما لو حمل بنفسه ، وإلا فإن عددنا الكيل والإعداد للحمل غروراً ضمن ، وإلا فلا.

قوله : ( ويضمن الصانع ما يجنيه وإن كان حاذقاً ، كالقصّار يخرق الثوب ، والحمال يسقط حمله عن رأسه أو يتلف بعثرته ، والجمّال يضمن ما تلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي يشد به حمله ، والملاح يضمن ما تلف في يده أو جذفه (١) أو ما يعالج به السفينة ).

للنص ، والإجماع في ذلك كله سواء قصّر أم لا ، لأن إتلاف مال الغير بغير حق ولا إذن لا يسقط وجوب ضمانه عدم التقصير في حفظه.

ولو قال : ( وانقطاع الحبل الذي يشد به حمله ) لكان أشمل ، لأن الحبل لو لم يكن للمؤجر وانقطع فتلف من الحمل شي‌ء بانقطاعه فضمانه على‌

__________________

(١) لعل الصواب : المجذاف ، أي : مجذاف السفينة ، المعجم الوسيط ( المجذاف ) ١ : ١١٣ ، وفيه : لغة ( المجداف ) بالدال المهملة.

٢٦٧

والطبيب ، والكحّال ، والبيطار ، سواء كان مشتركاً أو خاصاً ، وسواء‌

______________________________________________________

المؤجر ، وإن كان للمستأجر ، لأن المؤجر للنقل يجب عليه كلما بعدّ من لوازمه ، فإذا تلف شي‌ء بسببه في هذه الحالة ضمنه كانقطاع الحبل.

وهل يعدّ التلف بتعثر الدابة جناية من الأجير في حال وجوب كونه معها؟ احتمال. ولعله كانكسار السفينة ، فإنه لا ضمان به لو تلف شي‌ء من المتاع بغير تقصير من الملاّح ، ولا بفعله البتة. وهذا بخلاف انقطاع الحبل فإنه منسوب إليه ، لأن شدّه من فعله ، ولرواية السكوني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنه كان لا يضمن من الغرق ، والخرق ، والشي‌ء الغالب ، والجدف (١) ، بالدال والذال ما نقل في الصحاح عن ابن دريد إن مجداف السفينة بالدال والذال جميعاً لغتان فصيحتان ، والمراد : ( ما يعالج به السفينة ) الحبل والخشبة ونحوهما (٢).

قوله : ( والطبيب والكحّال والبيطار ).

معطوف على ما سبق ، والمعنى : أنهم يضمنون إذا أتلفوا إلا مع البراءة من البالغ العاقل ، وولي الطفل والمجنون ، لما روي عن علي عليه‌السلام : « من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه وإلا فهو ضامن » (٣) وكذا الختّان والحجّام ، قال في التحرير : ولو لم يتجاوز محل القطع مع حذقهم في الصنعة ، فاتفق التلف فإنهم لا يضمنون (٤). وهذا صحيح إن لم يكن التلف مستنداً إلى فعلهم.

قوله : ( سواء كان مشتركاً أو خاصاً ، وسواء كان في ملكه أو‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٢ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ٢١٩ حديث ٩٥٦.

(٢) الصحاح ( جدف ) ٤ : ١٣٣٥.

(٣) الكافي ٧ : ٣٦٤ حديث ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٤ حديث ٩٢٥.

(٤) التحرير ١ : ٢٥٣.

٢٦٨

كان في ملكه أو ملك المستأجر ، وسواء كان رب المال حاضراً أو غائباً ، وسواء كان الحمل الساقط بالسوق والقود آدمياً أو غيره.

ولو أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخيّر المالك في تضمينه إياه غير معمول ولا أجر عليه ، وفي تضمينه إياه معمولاً ويدفع إليه أجرة. ولو نقصت قيمة الثوب عن الغزل فله قيمة الثوب خاصة ، للإذن في‌

______________________________________________________

ملك المستأجر ، وسواء كان رب المال حاضراً أو غائباً ، وسواء كان الحمل الساقط بالسوق والقود ، آدمياً أو غيره ).

فرّق بعض العامة بين الأجير المشترك والمنفرد كما سبق (١) ، وكذا فرّق جمع منهم بين أن يعمل الأجير في ملك نفسه فيضمن ، ولا يضمن إن عمل في ملك المستأجر ، ومثله ما لو كان صاحب المتاع حاضراً فإنهم أجروه كالأجير الخاص في عدم الضمان (٢). ولا ريب في ضمان التالف بجناية الأجير بين كونه آدمياً أو غيره ، فإذا سقط الراكب أو المتاع بسوق الأجير أو قوده ضمن.

قوله : ( ولو أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخيّر المالك : في تضمينه إياه غير معمول ولا أجر عليه ، وفي تضمينه إياه معمولاً ويدفع إليه أجره ).

والسر فيه أن أجر العمل لا يستقر إلا بعد تسليمه ، والفرض إنه لم يتسلمه فلم تستقر عليه أجرة.

وإنما استحق تضمينه إياه معمولاً ، لأنه ملك على تلك الصفة فملك المطالبة بعوضه كذلك ، لكن يجب عليه أجر العمل وهو المسمى.

قوله : ( ولو نقصت قيمة الثوب عن الغزل فله قيمة الثوب خاصة‌

__________________

(١) انظر : الوجيز ١ : ٢٣٧ ، ومغني المحتاج ٢ : ٣٥٢ ، والمجموع ١٥ : ١٠٠.

(٢) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٥١ ، والمجموع ١٥ : ١٠٠.

٢٦٩

النقص ولا أجر. وكذا لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول تخيّر صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في الموضع الذي سلمه ولا أجر له ، وتضمينه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجر إلى ذلك المكان.

ولو استأجره لحياكة عشرة في عرض ذراع ، فنسجه زائداً في‌

______________________________________________________

للإذن في النقص ولا أجر ).

أي : لو نسج الثوب ثم أتلفه وكانت قيمته ثوباً انقص من قيمته غزلاً فله قيمة الثوب لا قيمة الغزل ، لأن النقص الحاصل بالنسج غير مضمون لصدوره بالإذن. وحيث لم يكن لعمله أثر في زيادة القيمة فليس للمالك مطالبة الأجير بشي‌ء منه إذ لا قيمة له ، ولا أجر له إذ لم يسلم إلى المستأجر عملاً ولا ما يقابله.

قوله : ( وكذا لو وجب عليه ضمان المتاع المحمول تخيّر صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في الموضع الذي سلّمه ولا أجر له ، وتضمينه في الموضع الذي أفسده ويعطيه الأجر إلى ذلك المكان ).

ينبغي أن يكون الجار من قوله : ( في الموضع الذي سلّمه ) متعلقاً بـ ( تضمينه ) لا ( بقيمته ) ، فإنه يلزم من استحقاق التضمين في ذلك الموضع استحقاق قيمته فيه ، لأنه موضع الضمان ، بخلاف ما لو علق بالقيمة فإنه لا يلزم منه استحقاق التضمين في ذلك الموضع.

ثم إنه هل يفرّق بين ما إذا زادت القيمة بالنقل وعدمه؟ ظاهر إطلاق العبارة العدم ، ولعله لكون استحقاق التضمين في موضع الإفساد هو أثر استحقاق العمل المستأجر عليه ـ أعني النقل ـ فإذا رضي بالمطالبة في موضع الإفساد فقد رضي بكونه حقاً له ، فيجب عليه المسمى له ، بخلاف ما إذا طالب بالقيمة في موضع التسليم.

قوله : ( ولو استأجر لحياكة عشرة في عرض ذراع ، فنسجه زائداً‌

٢٧٠

الطول والعرض فلا أجر له عن الزيادة ، وعليه ضمان نقص المنسوج فيها ، فإن كان حاكه زائداً في الطول خاصة فله المسمى ،

______________________________________________________

في الطول والعرض فلا أجر له عن الزيادة ، وعليه ضمان نقص المنسوج فيها ).

لا ريب إنه لا يستحق أجراً للزيادة ، لعدم الإذن فيها ، ولو نقصت قيمة الغزل بالنسج الواقع في الزيادة ضمن نقص المنسوج فيها ، هذا هو الظاهر من العبارة.

وهل يستحق لحياكة الأصل أجرة؟ فيه تفصيل ، وقد أشار إليه بقوله : ( فإن حاكه زائداً في الطول خاصة فله المسمى ). وجهه أنه قد أتى بالمستأجر عليه وزيادة ، كما لو استأجره لضرب مائة لبنة ، فضرب له مائتين.

وقال بعض الشافعية : إنه لا يستحق شيئاً البتة ، لا عن الأصل ولا عن الزيادة ، لأنه في آخر الطاقة الأولى من الغزل صار مخالفاً لأمره ، فإذا بلغ طولها عشرة كان من حقه أن يعطفها ليعود إلى الموضع الذي بدأ منه ، فإذا لم يفعل وقع ذلك وما بعده في غير الموضع المأمور.

قال المصنف في التذكرة : وهو حسن (١) ، ولا ريب أن ما حسّنه حسن. نعم لو لم يلزم من ذلك مخالفة ، كما لو دفع إليه سدى لينسج منه عشراً في طول ذراع فزاد ، فإن له المسمى ، ولا أجر للزيادة. وهذا كله إذا لم يلزم بالزيادة مخالفة في المأمور ، فلو لزم كما لو أمره بنسج قدراً صفيقاً أو خفيفاً ، فزاد في المطلوب صفيقاً فصار خفيفاً ، أو نقص في المطلوب خفيفاً فصار صفيقاً فلا أجر له بحال. وقد نصّ عليه المصنف في التذكرة (٢) ، ومثله يجي‌ء في العرض. ومتى نقص الثوب عن قيمة الغزل مع المخالفة فعليه‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٣٥.

٢٧١

وإن زاد فيهما أو في العرض احتمل عدم الأجر للمخالفة ، والمسمى.

______________________________________________________

الأرش.

إذا عرفت هذا فاعلم أن في بعض النسخ : ( فنسجه زائداً في الطول أو العرض ) بالعطف بـ ( أو ) ، وفي بعضها بالواو. ولا يخفى أن ( أو ) أحسن ، لأن العطف بها يتناول ما إذا زاد في الطول أو في العرض أو فيهما ، لأن من زاد فيهما فقد زاد في أحدهما ، فيكون هذا إشارة إلى الأقسام وبياناً لحكم الزيادة ، وما بعده تفصيل لأحكام الأقسام كلها ، فلا يكون في العبارة تكرار ولا خلل. واعلم أن الذراع مؤنث سماعاً وقد عبر المصنف بالتذكير.

قوله : ( وإن زاد فيهما أو في العرض احتمل عدم الأجر للمخالفة ، والمسمى ).

وجه الثاني أنه زاد على ما أمره به فكان كزيادة الطول ، وقد عرفت حكم الأصل ، فالأصح أنه لا أجر له ، لأن المعمول غير المأمور به ، فلا يكون مأذوناً فيه ، ولو نقص فعليه الأرش.

فإن قيل : لم جزم فيما لو زاد في الطول خاصة بوجوب المسمى ، وتوقف هنا.

قلنا : لأن زيادة الطول لا تنافي وجود المأمور به ، لأن من أتى بأحد عشر فقد أتى بعشرة ، كما أن من ضرب مائتي لبنة على وضع مخصوص فقد ضرب مائة. بخلاف زيادة العرض ، لأن ما عرضه ذراع وربع مخالف لما عرضه ذراع ، ولأن زيادة العرض داخلة في نفس الثوب ، بخلاف زيادة الطول فإنها خارجة عن المقدّر ، وإنما هي كأجنبي ضم إلى المقدّر ، ولهذا يمكن قطع زيادة الطول ويبقى الثوب بحاله بخلاف العرض.

والتحقيق أنه لا فرق بينهما ، ومتى لزم من المخالفة في العرض أو فيهما مخالفة في الصفة المشترطة في المنسوج فلا بحث في عدم الأجرة ،

٢٧٢

وكذا لو نقص فيهما ، لكن هنا إن أوجبناه أسقط بنسبة الناقص.

ولو قال : إن كان يكفي قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ضمن.

______________________________________________________

وكل موضع نقص الثوب عن قيمة الغزل فالأرش ثابت مع المخالفة.

قوله : ( وكذا لو نقص فيهما ، لكن هنا إن أوجبناه أسقط بنسبة الناقص ).

أي : وكذا يحتمل عدم الأجر والمسمى لو نقص في الطول والعرض ، أما على الجمع أو الانفراد. لكن هنا إن أوجبنا المسمى وجب أن يسقط منه بنسبة الناقص لأنه لم يأت بالمستأجر عليه كله فلا يستحق جميع المسمى. وإنما يعرف نسبة الناقص في العرض ، أو في الطول مع العرض بتكسير الثوب باعتبار المستأجر عليه وباعتبار المنسوج ، ثم ينظر مقدار التفاوت فينسب إلى المستأجر عليه ، وبتلك النسبة يسقط له من المسمى ، والأصح هنا عدم الأجرة.

ولا يخفى إنه إذا نقص في الطول على وجه لا يلزم مخالفة إلا في عدم نسج المجموع ، كما لو سلّم إليه سدى طوله عشر أذرع لينسجه عشراً ، فنسج منه تسعاً وبقي ذراع ، بخلاف ما لو دفع إليه غزلاً لينسجه عشراً فجعل طول السدي من أول الأمر تسعة ، فإن هذا هو موضع الاحتمالين ، وعليه يجب أن تنزّل العبارة.

قوله : ( ولو قال : إن كان يكفي قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ضمن ).

لأنه لم يأذن له في القطع إلا بشرط كونه كافياً قميصاً ، فحيث لم يكف كان عادياً لتصرفه بغير إذن ، ولا أثر لتوهمه كونه كافياً.

٢٧٣

ولو قال : هل يكفي قميصاً فقال : نعم ، فقال : اقطعه ، فلم يكفه لم يضمن.

ولو قال : اقطعه قميص رجل ، فقطعه قميص امرأة احتمل ضمان ما بينه صحيحاً ومقطوعاً ، وما بين القطعين.

ولا يبرأ الأجير من العمل حتى يسلّم العين ، كالخياط إن كان العمل في ملكه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : هل يكفي قميصاً؟ فقال : نعم ، فقال : اقطعه ، فلم يكفه لم يضمن ).

لأنه قطع بالإذن غير المشروط ، والتقصير من المالك حيث أطلق الإذن اعتماداً على قول الخياط.

قوله : ( ولو قال : اقطعه قميص رجل ، فقطعه قميص امرأة احتمل ضمان ما بينه صحيحاً ومقطوعاً ، وما بين القطعين ).

وجه الأول : أنه عاد بقطعه قميص امرأة فيضمن أرشه ، وهو تفاوت ما بين كونه صحيحاً ومقطوعاً.

ووجه الثاني : أن القطع مأذون فيه ، وإنما المخالفة بقطعه قميص امرأة ، فيضمن تفاوت ما بين القطعين ، وليس بشي‌ء ، لأن المأذون فيه هو قطع مخصوص لا مطلق القطع ، فالأصح ضمان ما بين كونه صحيحاً ومقطوعاً ، إلا أن تكون بعض القطع صالحةً للرجل والمرأة بغير تفاوت فلا يلزم أرش قطعها ، لأنه مأذون فيه ، ولا أثر لقصد المرأة به.

قوله : ( ولا يبرأ الأجير من العمل حتى يسلّم العين كالخياط إن كان العمل في ملكه ).

وذلك لأن العمل الواجب بعقد الإجارة حق للمستأجر ، فما دام لا‌

٢٧٤

ولا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغاً ، فلو تلفت العين من غير تفريط بعد العمل لم يستحق اجرة على إشكال.

______________________________________________________

يتسلمه لا يبرأ الأجير من الواجب عليه. وتسليم العمل إنما يكون بتسليم العين. وهذا إذا كان عمل الأجير في ملك نفسه إذ لا يد للمستأجر عليه ، أما إذا كان في المستأجر فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغاً ).

لا ريب أن الأجرة قد استحقها الأجير بالعقد ، لكن المراد هنا أنه لا يستحق تسليمها إليه حتى يسلّم العمل مفروغاً منه ، على الوجه الذي جرى عليه العقد ، لأن المعاوضة لا يجب فيها دفع أحد العوضين من دون دفع العوض الآخر.

قوله : ( فلو تلفت العين من غير تفريط بعد العمل لم يستحق اجرة على إشكال ).

لا ريب في ضمانه مع التفريط ، وعدم تحتم استحقاقه الأجرة كما سبق.

أما مع عدم التفريط ففي الحكم إشكال ، ينشأ : من أن الإجارة معاوضة ، وحق المعاوضة حصول العوضين معاً للمتعاوضين ، ليتحقق كون كل منهما في مقابلة الآخر ، وقد انتفى ذلك في أحدهما فانتفت المقابلة فوجب الانفساخ ، لتعذر مقتضى العقد. ومن أن المستأجر عليه ـ وهو العمل ـ قد حصل فوجبت الأجرة بفعله ، فإذا تلف بتلف العين بغير تفريط كان تلفه من المالك.

ويضعّف بأن المستأجر عليه وإن كان العمل ، لكنه قوبل بالأجرة على طريق المعاوضة ، فما دام لا يتحقق تسليمه لم يتحقق معنى المعاوضة. وربما بني ذلك على أن القصارة عين أو أثر؟ فإن قلنا : إنها عين سقطت‌

٢٧٥

ولو كان في ملك المستأجر بري‌ء بالعمل واستحق الأجر به.

ولو حبس الصانع العين حتى يستوفي الأجرة ضمنها.

______________________________________________________

أجرته ، كما يسقط الثمن بتلف المبيع قبل القبض ، وإن قلنا : هي أثر لم تسقط الأجرة.

وتنقيحه : أن القصارة إن كانت كالأموال في أنها تعد مالاً فالحكم الأول ، وإن كانت لا تعد مالاً وإنما هي صفة للمال فالحكم الثاني. وقد سبق في الفلس أن المنافع تعدّ أموالاً ، ويشهد له أنها تقابل بالمال ، ويعتبر في صحة المقابلة وجريان المعاوضة عليها كونها متقومة في نفسها ، ولا معنى لماليتها إلا هذا ، والظاهر عدم استحقاق الأجرة.

قوله : ( ولو كان في ملك المستأجر بري‌ء بالعمل واستحق الأجر به ).

لأن المال غير مسلّم إلى الأجير في الحقيقة ، وإنما استعان المالك به في شغله كما يستعين بالوكيل والتلميذ ، سواء كان المالك حاضراً عنده أم لا.

ويشكل إذا كان المالك غائباً وإن كان الأجير في ملكه ، لأن المال في يد الأجير ، وكونه في ملك المستأجر لا ينفي يده. نعم إذا كان المالك حاضراً وسلطنته على العين بحالها ، فإن اليد له والأجير كالخادم حينئذ. فإن كان المراد بإطلاق العبارة هذا فهو حق ، وهو المطابق لما حكاه المصنف في التحرير عن الشيخ (١) حيث قال : وإن كان في ملك المستأجر وهو حاضر قال الشيخ : له الأجر ، لأنه يسلّم العمل جزءاً فجزءاً (٢). ولم يفت هو بشي‌ء ، وإلا فهو موضع تأمل.

قوله : ( ولو حبس الصانع العين حتى يستوفي الأجرة ضمنها ).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٥٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

٢٧٦

______________________________________________________

في الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : إن هذا مبني على أن‌ الحبس غير جائز ، قال : وهو مبني على أن الصفة لا تلحق بالعين ، قال : ويلزم من عدم جواز الحبس عدم سقوط الأجرة بتلف العين ، وعدم توقف الاستحقاق على التسليم.

أقول : فعلى ما ذكره يلزم منافاة كلام المصنف هذا لما سلف فيما لو أتلف العين تخيّر المالك في تضمينه مع المنفعة ، وبدونها ، ولقوله : ( لا يبرأ الأجير من العمل ... ) وهو خلاف الظاهر. وقد أطلق القول في التحرير (١) كما هنا.

ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون الضمان غير متوقف على المنع من الحبس؟ وسنده إن الأجير يستحق حبس المنفعة بمقتضى المعاوضة حتى يتسلم العوض ، وليس له في حبس العين بالنظر إليها حق ، لعدم جريان المعاوضة إلا على المنفعة. لكن لما لم يمكن حبس المنفعة بدون حبس العين وجب أن يجوز له حبس العين ، وإلا لأدى إلى وجوب التسليم قبل التسلم وهو باطل ، لكونه خلاف مقتضى المعاوضة.

ولما كان حبس العين ضرراً جوز بمقتضى المعاوضة في العمل الجاري على العين بإذن المالك جعلت مضمونة على الأجير من حصول ضررين ، ولأن حبسها حينئذ إنما هو لمحض حق الأجير ومصلحته ، فناسب أن تكون مضمونة عليه حينئذ.

ولأن كونه أميناً مقصور على كونه أجيراً ، وحيث فرغ من العمل وحبسها لأخذ حقها فقد انقضى كونه أجيراً ، وانتقل إلى حالة اخرى ، فخرج عن كونه أميناً ، لأن ذلك تابع لقبضه لكونه أجيراً ، ولأن فيه جمعاً بين الحقين فظهر أنه لا منافاة بين جواز الحبس وكون العين مضمونة ، وهو الظاهر.

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٥٣.

٢٧٧

لو اشتبه على القصّار فدفع الثوب إلى غير مالكه كان ضامناً ، وعلى المدفوع إليه الرد مع علمه ، فإن نقص بفعله ضمن ورجع على القصّار ثم طالبه بثوبه ، فإن هلك عند القصّار احتمل الضمان ، لأنه‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشتبه على القصّار ، فدفع الثوب إلى غير مالكه كان ضامناً ).

لأنه دفع بغير حق ، فيكون عدواناً فيقتضي الضمان. وعدم تأثيمه لامتناع تكليف الغافل لا يقتضي نفي الضمان مع وجود سببه.

قوله : ( وعلى المدفوع إليه الرد مع علمه ).

لا ريب أن رد الثوب على مالكه حق ثابت عليه ، سواء علم أم لم يعلم ، لأن الحق لا يسقط بعدم العلم به.

ولعل المصنف قيّد بقوله : ( مع علمه ) لما يقتضي ظاهر ( وعلى المدفوع إليه ... ) من الوجوب ، لأن ( على ) بحسب الاستعمال تفيد ذلك ، ويمتنع الوجوب مع عدم العلم لامتناع تكليف الغافل.

قوله : ( فإن نقص بفعله ضمن ورجع على القصّار ).

أما ضمانه فظاهر ، لكونه متعدياً ، وأما رجوعه على القصّار ، فلأنه غرّه بتسليم الثوب إليه ، على أنه ثوبه المقتضي لتسلطه على التصرفات التي لا يعقبها ضمان.

قوله : ( ثم طالبه بثوبه ).

لا يراد بـ ( ثم ) هنا تراخي المطالبة بثوبه عن الأول ، بل أراد بها الإشعار بأن هذا حق آخر باقٍ منفصل عن الغرم ، فيستحقه مع الرجوع بما غرم ، فالتراخي هنا بمعنى آخر مجازاً.

قوله : ( فإن هلك عند القصّار احتمل الضمان ، لأنه أمسكه بغير‌

٢٧٨

أمسكه بغير إذن مالكه بعد طلبه ، وعدمه لعدم تمكنه من رده ، والشروط السائغة لازمة.

فلو شرط أن لا يسير عليها ليلاً ، أو وقت القائلة ، أو لا يتأخر بها عن القافلة ، أو لا يجعل سيره في آخرها ، أو لا يسلك بها طريقاً معيناً فخالف ضمن وإن تلفت لا بسبب فوات الشرط.

وللمستأجر ضرب الدابة بما جرت العادة به ، وتكبيحها باللجام ، وحثها على السير ولا ضمان.

______________________________________________________

إذن مالكه بعد طلبه وعدمه لعدم تمكنه من رده ).

لا ريب في أن الاحتمال الأول أقوى ، لأن يد العدوان المقتضية للضمان متحققة ، وعدم علمه بالحال لا يكون عذراً. فإن منع الغر ملكه بغير حق موجب للضمان على كل حال ـ عمداً وجهلاً ونسياناً ـ بالنص والإجماع.

وقوله في الوجه الثاني : ( لعدم تمكنه من رده ) ليس له أثر في سقوط الضمان ، لأن يد العدوان موجبة للضمان مع إمكان الرد وبدونه.

قوله : ( والشروط السائغة لازمة ).

المراد بها التي لا تنافي مقتضى العقد ، ولا تخالف الكتاب والسنة.

قوله : ( فلو شرط أن لا يسير عليها ليلاً ـ إلى قوله : ـ فخالف ضمن وإن تلفت لا بسبب فوات الشرط ).

لأن يده حين المخالفة يد عدوان تقتضي الضمان.

قوله : ( وللمستأجر ضرب الدابة بما جرت العادة به ، وتكبيحها باللجام ، وحثها على السير ولا ضمان ).

٢٧٩

وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب ، ويضمن لو جنى بتأديبه. ولو ختن صبياً بغير إذن وليه ، أو قطع سلعة إنسان بغير إذنه ، أو من صبي‌

______________________________________________________

قال في الصحاح : كبحت‌ الدابة إذا جذبتها إليك باللجام لكي تقف ولا تجري ، يقال : اكمحتها ، واكفحتها ، وكبحتها هذه وحدها بلا ألف عن الأصمعي (١).

وما أفتى به المصنف هنا من عدم الضمان بالضرب الموافق للعادة موافق لفتواه في التحرير (٢).

وقال في التذكرة بضمان جناية الضرب ، سواء وافق العادة أم لا ، لأن الإذن منوط بالسلامة (٣). والأول لا يخلو من قوة ، لأن حث الدابة على السير المعتاد ، وضربها لذلك على مقتضى العادة حق للمستأجر اقتضاه عقد الإجارة ، فإذا نشأ عنه تلف الدابة وجب أن لا يترتب عليه ضمان ، كما لو تلفت بالحمل المستأجر عليه وبقوة شده المعتادة.

قوله : ( وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب ، ويضمن لو جنى بتأديبه ).

أما أن له الضرب المعتاد فلا بحث فيه ، وأما أنه يضمن جناية ، فلأنه أجير والأجير يضمن الجناية وإن لم يقصّر كالطبيب. ولو أخذ البراءة ففي سقوط الضمان بها نظر.

ولو ضرب امرأته للتأديب فماتت فقد قال المصنف في التحرير : إنه يضمن (٤) ، وللنظر فيه مجال ، لأن الضرب حق له لا لمصلحتها.

قوله : ( ولو ختن صبياً بغير إذن وليه ، أو قطع سلعة إنسان بغير‌

__________________

(١) الصحاح ( كبح ) ١ : ٣٩٨.

(٢) التحرير ١ : ٢٥٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٣١٨.

(٤) التحرير ١ : ٢٥٣.

٢٨٠