جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

الفصل الثاني : المتعاقدان :

ويشترط فيهما : البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد.

فلا عبرة بعقد الصبي وإن بلغ عشرا ، ولا المجنون سواء أذن لهما الولي أو لا ، ولا المغمى عليه ، ولا المكره ، ولا السكران والغافل والنائم والهازل ، سواء رضي كلّ منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا ، إلاّ المكره ، فإن عقده ينفذ لو رضي بعد الاختيار.

______________________________________________________

كالصحيح ، لأنهما تراضيا على ذلك فيحكم عليه به ، فلو تلف بغير تفريط كان من ضمانه ، وإذا علم بالفساد لم يجز له التصرف عندنا ، لأنه فرع الملك ولم يحصل ، وكذا نقول في كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، كما أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

قوله : ( وإن بلغ عشرا ).

خلافا لبعض الأصحاب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( سواء رضي كلّ منهم بما فعله بعد زوال عذره أو لا ، إلاّ المكره ، فإنّ عقده ينفذ لو رضي بعد الاختيار ).

وجهه : أنّ العقد المقتضي لوجوب الوفاء قد حصل ، فان الفرض أنّ الرّضى المعتبر في تأثيره قد وقع ، فتحقق السبب ، لا يقال : سببيته مشكوك فيها حينئذ ، لأنا نقول عموم الآية (١) يتناوله ، فان اشتراط مقارنة الرّضى للعقد يحتاج إلى دليل تخص به الآية ، مع كونه منقوضا بالفضولي ، إلاّ أن يقال : هو مخصوص بالنص.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس : الأقرب أن الرّضى كاف فيمن قصد‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

٦١

ولا يشترط إسلامهما ، نعم يشترط إسلام المشتري إذا اشترى مسلما ـ إلا أباه ومن ينعتق عليه ـ أو إذا اشترى مصحفا.

______________________________________________________

إلى اللفظ دون مدلوله ، فلو أكره حتى ارتفع قصده لم يؤثر الرّضى ، كالسكران (١). وليس لهذا محصل ، فإن الإكراه لا يبلغ مرتبة يصير به في اللفظ كالسكران ، إذ ليس هو من الأفعال التي يحدثها المكره في المكره على سبيل الإلجاء ، كما لو وجر الطعام في فيه ، وأخذ يده فوضع فيها سكينا ، ثم قبضها بيده وقطع بالسكين شيئا ، فإنه لا فعل له حينئذ.

أما الإكراه على اللفظ فلا يكون إلا على وجه واحد ، والفرق : أن حركات اللسان التي بها يتحقق النطق غير مقدورة ، للمكره. ما لم يفعله المكره والفرق بينه وبين السكران ظاهر ، فإنه لا أهلية له أصلا ، لانتفاء حصول عقله ، بخلاف المكره ، فإنّ أهليته بحالها ، وإنما المانع عدم رضاه.

واعلم أنّ هذه المسألة إن كانت إجماعية فلا بحث ، وإلا فللنظر فيها مجال ، لانتفاء القصد أصلا ورأسا مع عدم الرّضى ، ولا يتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم يتحقق الرضى ، لأن الظاهر من كون العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر.

قوله : ( إلا أباه ومن ينعتق عليه ).

لو قال : إلاّ من ينعتق عليه لأغنى عن ذكر الأب ، كما فعله في الدروس (٢). وهذا أصح الوجهين ، لانتفاء السبيل بحصول العتق عقيب الملك بغير فصل ، ولما فيه من المصلحة للقريب. والآخر العدم ، لامتناع ثبوت السبيل للكافر على المسلم الذي هو من توابع الملك ، وهو راجع إلى تحقيق معنى السبيل.

والظاهر أن المراد به : ما يترتب على الملك المستقر من السلطنة ، إما للرقبة ، أو المنفعة ، أو استحقاق الانتفاع ، أو إثبات اليد ونحو ذلك ، لا مطلق ما‌

__________________

(١) الدروس : ٣٣٥.

(٢) الدروس : ٣٣٧.

٦٢

وهل يصح له استئجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع ، والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده.

______________________________________________________

يصح في راء للمشترى الكسر والفتح ، ولا ريب أنه مضمون عليه يترتب على الملك في الجملة ، لأن الله سبحانه نفى جعله السبيل للكافر على المسلم ، فلو أريد به مطلق ما يترتب على الملك ، لامتنع إرث الكافر للعبد المسلم من كافر آخر ، والثاني باطل اتفاقا ، فتعين أن يراد المعنى الأول ـ ومثله ما لو اعترف الكافر بأن عبد زيد حرّ ، ثم أراد شراءه ، فإنه ينعتق عليه إذا اشتراه ـ فيجوز.

قوله : ( وهل يصح له استئجار المسلم أو ارتهانه ، الأقرب المنع ).

وجه القرب : استلزامهما حصول السبيل المنفي بالآية (١) ، ومقتضى العبارة المنع مطلقا.

والأصح أنّ الإجارة إن كانت لعمل في الذمة يجوز ، لانتفاء السبيل ، فإنّها حينئذ كالدّين ، ولما روي : أن بعض الأنصار آجر نفسه من ذمي يسقي له كل دلو بتمرة ، وأتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم ينكره (٢) ، وإن كانت على العين لم يجز للسبيل ، وكذا يجوز الرّهن إذا لم يكن تحت يد الكافر ، لأن استحقاق أخذ الدّين من قيمته لا يعدّ سبيلا.

قوله : ( والأقرب جواز الإيداع له والإعارة عنده ).

الضمير المجرور في الجملتين بمقتضى السياق يعود إلى الكافر ، والمعنى : يجوز إيداع العبد المسلم للكافر ، وإعارته عند الكافر ، ووجه القرب : انتفاء السبيل ، وقد ذهب في العارية : إلى [ عدم ] (٣) جواز إعارة المسلم للكافر (٤) ، فحمل ذلك بعضهم على إعادة ضمير ( عنده ) إلى المسلم ، جمعا بين ما هنا وما في العارية ،

__________________

(١) النساء : ١٤١.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٤ : ٣٣٢.

(٣) لم ترد في « م » ، وأثبتناها للسياق ، وهو الموجود في القواعد في بحث العارية.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ١٩١.

٦٣

______________________________________________________

والمعنى حينئذ : إعارة المسلم للكافر عند المسلم (١).

ولا يخفى ما في ذلك من التعسّف ، وارتكاب حذف لا يدلّ عليه دليل ، واختلاف مرجع الضمير بغير مائز ، بل ضمير ( عنده ) لا مرجع له حينئذ أصلا ، ومع ذلك فالسبيل موجود ، لاستحقاقه الانتفاع بالمسلم على ذلك التقدير ، وهو سبيل. وأيضا فالجمع لا يحصل ، لأن ما في العارية ظاهره المنع مطلقا.

ولو أنه حمل العبارة : على إعارة المسلم عند الكافر ـ فيكون مرجع الضميرين هو الكافر ، ويكون دليل إرادة كون العارية للمسلم العدول من ( له ) إلى ( عنده ) ـ لكان أولى مما تكلّفه ، نظرا إلى حصول الجمع ، واتفاق مرجع الضمير ، والسلامة من كثرة الحذف ، ومحافظة على النكتة في تعبير ( له ) إلى ( عنده ) من الإعارة له ، أي : للعبد الكافر ، فإنه جائز قطعا ، لكن مرجع هذا في الحقيقة إلى الوديعة عند الكافر.

وفي بعض حواشي الشهيد : أنه احترز بقوله : ( عنده ) من الإعارة له ، أي : للعبد الكافر ، فإنه جائز قطعا ، وأراد بذلك : أنه لو قال ( له ) لاحتمل معنيين :عارية العبد المسلم للكافر ، فيكون الضمير عائدا إلى الكافر المعار للعبد ، والآخر العارية للعبد ولو لكافر ، فيكون ضمير له للكافر الذي هو العبد المعار ، فلمّا قال : ( عنده ) تعين المعنى الأول وامتنع الثاني. وإنما احترز عنه ، لأنه مقطوع بجوازه ، فلا يجوز كونه في حيّز الأقرب.

وزعم أنّ فيه فائدة أخرى ، وهي : العدول عن تكرار الضمير بلفظه. وليس بشي‌ء ، لأن لفظ الضمير لم يختلف ، وإنما اختلف لفظ الأداة ، وما ذكره يرد مثله في الإبداع.

__________________

(١) قال العاملي في المفتاح ٤ : ١٧٩ : قال الشهيد في حواشيه : قيل : المراد بالإعارة أن يعير المسلم عبده الذمي ويوضع على يد مسلم ، والهاء في ( عنده ) تعود الى الكافر ، وقيل : الى المسلم ولا يدل عليه السياق ، وفيه جمع بينه وبين ما ذكره في العارية من منع عاريته. انتهى.

٦٤

ولو أسلم عبد الذمي طولب ببيعه أو عتقه ، ويملك الثمن والكسب المتجدد قبل بيعه أو عتقه ، فلو باعه من مسلم بثوب ووجد في الثمن عيبا جاز له ردّ الثمن.

______________________________________________________

ولا يبعد أن يكون في عدوله إلى ( عنده ) لطيفة ، وهي : الإشارة إلى وجه جواز عارية المسلم للكافر ، فإنّ العارية إنما تقتضي كونه عنده ، وليس في ذلك شي‌ء من السبيل. وكيف حملنا العبارة فالأصح عدم جواز عارية المسلم للكافر ، لأن استحقاق الانتفاع به والاستخدام سبيل ظاهر ، ولمنافاته ما يفهم من قوله عليه‌السلام : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (١).

أما الإيداع فلا ، لأنه محض استئمان ، فهو في الحقيقة خادم ، ولو كان المسلم جارية أو صبيا ، فالذي ينبغي عدم جواز إيداعه إياه بالاستقلال ، إذ لا يؤمن عليه.

قوله : ( ويملك الثمن والكسب المتجدد قبل بيعه أو عتقه ).

لأنه باق على ملكه ، وعليه نفقته إلى حين خروجه عن ملكه.

قوله : ( فلو باعه من مسلم بثوب ووجد في الثوب عيبا ، جاز له رد الثمن ).

أي : للكافر ، لأن إلزامه بالرّضى بالعيب تخسير ، وقد يعلم من هذا ثبوت أحكام الخيار اللاحق للعقد بأنواعه ، كما نبّه عليه في الدروس (٢) ، وهو الوجه ، لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر ، لانتفاء المقتضي ، لأن نفي السبيل لو اقتضى ذلك بمجرده لاقتضي خروجه عن الملك بالإسلام.

فعلى هذا لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها ، ولو أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها ، نعم لا يبعد أن يقال : للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس ، أو مطالبته بسبب ناقل يمنع الرجوع ، إذا لم يلزم منه تخسير المال.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٨.

(٢) الدروس : ٣٣٧.

٦٥

وهل يسترد العبد أو القيمة؟ فيه نظر ، ينشأ : من كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختيارا ، ومن كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث ، فعلى الأول يسترد القيمة كالهالك ، وعلى الثاني يجبره الحاكم على بيعه ثانيا أو عتقه ـ وكذا البحث لو وجد المشتري به عيبا ـ وبأي وجه أزال الملك من البيع والعتق والهبة حصل الغرض.

ولا يكفي الرهن والإجارة والتزويج ، ولا الكتابة المشروطة ـ أما المطلقة ، فالأقرب إلحاقها بالبيع ، لقطع السلطنة عنه ـ ولا تكفي الحيلولة.

______________________________________________________

قوله : ( وهل يسترد العبد أو القيمة؟ فيه نظر ، ينشأ من كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختياراً ).

ليس هذا الوجه بشي‌ء ، لأن الثمن المعين إذا ردّه انفسخ العقد ، فيعود العبد إلى الكافر ، لامتناع بقاء ملك بغير مالك ، وامتناع كون الثمن والمبيع معا ملكا للمشتري ، وهذا قهري ، فأين التملك الاختياري الذي ادّعي؟ والثاني أصح ، فيجبره الحاكم على بيعه ثانيا.

قوله : ( وبأي وجه أزال الملك ، من البيع والعتق والهبة حصل الغرض ).

ومثله الصلح ، لكن ينبغي تقييد الهبة باللازمة.

قوله : ( أما المطلقة فالأقرب إلحاقها بالبيع ، لقطع السلطنة عنه ).

ليس ذلك شيئا ، لأن قطع بعض السلطنة غير كاف ، وقطع الجميع لم يتحقق ، لبقاء الرّق المقتضي للسبيل ، ولثبوت الحجر على المكاتب المطلق في تصرفاته كلّها ، واستقرار الرق لو تحقق العجز ، والأصح عدم الاكتفاء بها.

نعم لو تعقبها الإعتاق ، كأن كان عقيبها بغير فصل ، بتحقق وفاء العوض من الزكاة أو بيت المال ، لم يبعد صحتها ، لأنها أعود على العبد من بيعه ، فان حصل الوثوق بذلك ، وإلا الزم بإخراجه عن ملكه على الفور.

٦٦

ولو أسلمت أم ولده لم يجبر على العتق ، لأنه تخسير ، وفي البيع نظر ، فان منعناه استكسبت بعد الحيلولة في يد الغير.

ولو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر باع الحاكم بثمن المثل ، فان لم يجد راغبا صبر حتى يوجد ، فتثبت الحيلولة.

ولو مات قبل بيعه ، فإن ورثه الكافر فحكمه كالمورث ، وإلاّ استقر ملكه.

وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحرّ أو العبد لغير مالكه؟ إشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( وفي البيع نظر ).

ينشأ : من عموم منع بيع أم الولد ، وعموم نفي السبيل ، أو من تعارض عموم بيع مملوك الكافر إذا أسلم للنص الوارد بذلك (١) ، ومنع إخراج أمهات الأولاد عن الملك ، والأصح أنه إن أمكن دفع عوضها من الزكاة أو بيت المال لتعتق وجب ، لأنهما مرصدان لنحو ذلك ، وإلاّ بيعت ، ترجيحا لجانب منع السبيل على المسلم ، [ ويبعد ] (٢) استكسابها ، لما فيه من السبيل المنفي ، ولإمكان أن لا يفي كسبها به فتبقى السلطنة ، ولو قلنا به فنفقتها من الكافر لا من كسبها.

قوله : ( وهل يباع الطفل بإسلام أبيه الحر أو العبد لغير مالكه؟ إشكال ).

الجار في ( لغير مالكه ) إن علّق بقوله : ( يباع ) كان الجار والمجرور والمضاف إليه ضائعا مستغنى عنه ، وإن علّق بمحذوف على أنه حال من ( العبد ) أو صفة له ، فهم منه أنه إذا كان العبد لمالك الولد لا يكون الحكم كذلك. وليس بجيد ، والأصح أنه يباع ، لعموم نفي السبيل ، وثبوت أحكام الإسلام ، ولهذا يأمره الولي بالعبادات للسبع والعشر.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٣٢ حديث ١٩ ، التهذيب ٦ : ٢٨٧ حديث ٧٩٥.

(٢) في « م » : ويمكن ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو من الحجري ومن مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٢ نقلا عن جامع المقاصد.

٦٧

وإسلام الجد أقوى إشكالا.

وليس للمملوك أن يبيع أو يشتري إلاّ بإذن مولاه ، فان وكله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي.

ويشترط كون البائع مالكا ، أو وليّا عنه ـ كالأب والجد له والحاكم وأمينه والوصي ـ أو وكيلا.

فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ،

______________________________________________________

قوله : ( وإسلام الجد أقوى إشكالا ).

الظاهر أن المراد : سواء كان الأب موجودا ، كافرا أو ميتا ، ولا أستبعد تبعيته له ، نظرا إلى عموم تبعيته أشرف الطرفين ، ولأن الإسلام مبني على التغليب ، وإنما كان هذا أقوى إشكالا ، لأن المقتضي للبيع هنا أضعف منه في إسلام الأب ، وإذا ثبت الإشكال في البيع هناك ، فهنا الإشكال أقوى لا محالة.

قوله : ( فان وكله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي ).

لعلّ النكتة في قوله : ( من مولاه ) استلزام بيع المولى له نفسه ، إجازته لوكيل الغير إياه ، بخلاف ما لو اشترى من وكيل مولاه ، والأصح الجواز ، لأن التغاير بين العوضين والمتعاقدين يتحقق مع التغاير الاعتباري.

واعلم أن تفريع هذا الحكم على منع المملوك من البيع والشراء بدون إذن مولاه غير ظاهر ، فان المتفرع عليه عدم الصحة لو وكّله بدون الاذن ، لا ما ذكره ، وكأنه فرّعه عليه باعتبار ما دل عليه الاستثناء ، أعني : جوازه بالإذن ، فإنه إذا وكّله على الوجه المذكور ، وباعه المولى نفسه كان ذلك جاريا مجرى الاذن ، فيصح. لكن قوله : ( على رأي ) لا يناسب من جهة التفريع ، لأن صحة ذلك وفساده باعتبار الرأي المذكور ليس من جهة الاذن وعدمه.

قوله : ( فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ).

هذا التفريع [ أيضا غير جيد ] (١) لأن المتبادر من اشتراط ما ذكره بطلان‌

__________________

(١) في « م » : هذا التفريع غير يفيد ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الأصح.

٦٨

وكذا الغاصب وإن كثرت تصرفاته في الثمن ، بأن يبيع الغصب ويتصرف في ثمنه مرة بعد اخرى.

وللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته ،

______________________________________________________

البيع هنا ، لانتفاء الشرط إن كان ذلك شرطا في الصحة ، أو عدم لزومه إن كان شرطا في اللزوم ، فكونه موقوفا على الإجازة لا يظهر وجه تفريعه ، إلا إذا حملنا العبارة على أن الاشتراط في اللزوم ، وأن المراد بكونه موقوفا عدم لزومه ، لأنه في قوته ، لكن قوله : ( على رأي ) لا موقع له حينئذ ، وكيف كان فالعبارة لا تخلو من تكلف.

والأصح أن الفضولي موقوف غير باطل ، وكما يتصور الفضولي في البيع يتصور في الشراء ، وإن كان حديث عروة [ البارقي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] (١) إنما يدل على حكم البيع (٢).

قوله : ( وكذا الغاصب ).

أي : حكم الغاصب كالفضولي ، وهو أصح الوجهين ، وإن احتمل الفساد ، نظرا إلى القرينة الدالة على عدم الرّضا ، وهي : الغصب.

قوله : ( وللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته ).

بمعنى : أنّ له إجازة أي عقد اختار إجازته ، فإن أجاز عقدا من العقود المرتبة على المغصوب ـ كما لو بيع بسيف ، ثم بدار ، ثم بفرس ، ثم بثوب ، باعتبار اختلاف الأيدي ـ صحّ ذلك العقد ، وبطل ما قبله من العقود ، لأن صحته بإجازته تقتضي كون المبيع باقيا على ملكه ، وبقاؤه على ملكه ينافي صحة شي‌ء من العقود السابقة على ذلك العقد ، إذ لو صح شي‌ء منها لخرج المبيع عن ملكه ، فلم تؤثر إجازته فيه.

__________________

(١) في « م » : عن الباقر عليه‌السلام ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٥ حديث ٣٦ ، المستدرك ٢ : ٤٦٢ باب ١٨ حديث ١ ، نقلا عن كتاب ثاقب المناقب لمحمد بن علي الطوسي ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٥ حديث ١٢٧٦.

٦٩

______________________________________________________

لكن سيأتي ـ في أنّ من باع مال غيره فضولا ثم اشتراه ـ ما يقتضي التردد في بطلان ما قبله ، لأنا إذا حملنا عبارته فيما يأتي على التردد ، كان على احتمال الصحة ، يحتمل الصحة بالإجازة هنا. وأما ما بعده من العقود فيبني على أن إجازة الفضولي كاشفة أو ناقلة ، فإن قلنا بالأول صح ما بعده ، لتبين وقوع تصرّفه في ملكه ، وإن قلنا بالثاني تجي‌ء فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : البطلان ، لتعذر الإجازة ، لانحصارها في المغصوب منه ، وقد خرج عن ملكه.

الثاني : الصحة من غير توقف على إجازة المتصرف ببيعه.

الثالث : توقفه على إجازته ، وسيأتي مثل هذا فيما بعد.

ولو ترتبت العقود على ثمن المغصوب ، كما لو بيع السيف بقوس ، ثم القوس بدابّة ، ثم الدابة ببعير ، ثم البعير بدراهم ، فانّ الحكم ينعكس لو أجاز واحدا منها ، فانّ ما قبله يصح ، ويقف ما بعده على الإجازة كالفضولي ، إلا إذا قلنا الإجازة كاشفة ، كما لو أجاز بيع الدابة بالبعير ، فانّ إجازته إنما يعتدّ بها شرعا أن لو كان مالكا للدابة ، وإنما يكون مالكا لها حينئذ أن لو ملك ما بذلت في مقابله ، وهو : القوس ، وإنما يملكه على هذا التقدير إذا ملك السيف ، وإنما يملكه أن لو صحّ بيع السيف به ، فيجب الحكم بصحة ذلك ، حملا لكلام المسلم على الوجه الذي يكون معتدّا به شرعا.

واعلم : أنّ هذا إنما يستقيم إذا جرت العقود على العوض الذي هو الثمن ، ثم على ثمنه وهكذا ، فلو جرت على الثمن خاصة ، كما لو بيع السيف مرارا فأجاز واحدا منها ، فانّ ذلك العقد يصح ويبطل ما قبله ، إلاّ العقد الذي قوبل فيه المغصوب بالسيف ، وفيما بعد ذلك العقد الأوجه الثلاثة السابقة.

وبهذا يظهر أنّ إطلاق كلام الشارح (١) وشيخنا الشهيد في الدروس (٢)

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٨.

(٢) الدروس : ٣٣٥.

٧٠

ومع علم المشتري إشكال.

______________________________________________________

ـ بأن في سلسلة المثمن يصح العقد المجاز ، وما بعده دون ما قبله ، وفي الثمن بالعكس ـ غير مستقيم ، ويحتاج إلى التنقيح في مواضع :

الأول : بيان حال ما بعده في سلسلة الثمن ، بما ذكرناه.

الثاني : وقوف ما بعد المجاز في سلسلة الثمن على الإجازة ، دون البطلان.

الثالث : أن ذلك في سلسلة مخصوصة في الثمن كما بيناه ، لا مطلقا.

قوله : ( ومع علم المشتري إشكال ).

أي : له التتبع إذا كان المشتري جاهلا ، لتحقق المعاوضة حينئذ ، أما مع علمه بالغصب ففي الحكم إشكال ، ينشأ من ثبوت المعاوضة في العقد ، فله تملّكه بالإجازة رعاية لمصلحته ، ومن انتفائها بحسب الواقع ، لأن المدفوع ثمنا يملكه الغاصب ، لتسليطه إياه عليه ، ولهذا يمتنع استرداده عند الأصحاب وإن بقيت عينه ، والمطالبة (١) بعوضه إذا تلف خاصّة عند المصنف ، فيمتنع على مالك العين تملكه.

ويمكن أن يكون ذلك معطوفا على محذوف دلّ عليه السياق ، وتقدير العبارة : وكذا الغاصب ، أي : وكذا بيع الغاصب موقوف إذا كان المشتري جاهلا ، ومع علمه إشكال ، ينشأ مما ذكر ، فيكون الإشكال في كونه موقوفا على الإجازة ، وإن بعد هذا التقدير ، وأيّما الأمرين قدّرت الاشكال فيه ، فمجيئه في الآخر لازم له.

ويمكن أن يكون الاشكال فيهما معا ، وفيه من التكلّف ما لا يخفى ، والأصح عدم الفرق بين علمه بالغصب وعدمه ، لأن المعتمد أنّ للمشتري استعادة الثمن مع بقاء عينه ، لعدم خروجه عن ملكه الى الغاصب ، لعدم المقتضي.

وتجويز تصرّفه فيه عند الأصحاب لتسليطه عليه ، لا ينافي كونه عوضا‌

__________________

(١) كلمة ( والمطالبة ) معطوفة على جملة ( يمتنع ) ، أي : وتمتنع المطالبة بعوضه. وفي « م » وردت كلمة ( فيمتنع ) قبل ( والمطالبة ) وحذفناها لعدم ورودها في الحجري ولعدم اقتضاء السياق لها.

٧١

والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال ،

______________________________________________________

للمبيع بمقتضى عقد البيع ، إذ لو وقع التصريح بمثل ذلك في عوض العقد الفضولي لمن أوقعه فضولا ، لم يكن قادحا في ثبوت الإجازة للمالك.

فان قلت : إن جعلت الإجازة كاشفة دلّت بحصولها على انتقال الثمن إلى ملك المجيز بالعقد ، فكيف تؤثر فيه إباحة المشتري له للغاصب بعد العقد ، إما بتسليطه إياه عليه أو بتصريحه له بالإباحة؟ وسيأتي في كلام المصنف اختيار كون الإجازة كاشفة.

قلت : لمّا أجمع الأصحاب على أنه إذا تلف العوض ، ليس للمشتري مطالبة المشترى به ، وجب إخراج هذا الحكم عن مقتضى الأصل بالإجماع ، وإجراء ما عداه على الأصل.

فإن قلت : حقّ المعاوضة مع كون المشتري عالما بأن البائع غاصب أن لا تكون مقصودة ، فلا يعتدّ بها أصلا.

قلت : هذا لا يقدح في كونها مقصودة ، وإلاّ لقدح في بيع الفضولي إذا علم المشتري بالحال. والحاصل : أن كلّما يقال في الغاصب ، يقال في الفضولي ، والجواب هو الجواب.

قوله : ( والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال ).

وجه القرب : أنه مع عدم من له أهلية الإجازة ، تكون صحة العقد ممتنعة في الحال ، وإذا امتنعت في زمان ما امتنعت دائما ، لأن بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائما ، ولما فيه من الضّرر على المشتري ، لامتناع تصرّفه في العين ـ لإمكان عدم الإجازة ، ولعدم تحقق المقتضي ـ وفي الثمن لإمكان الإجازة ، فيكون قد خرج عن ملكه.

وإنما يتصوّر ذلك عندنا : إذا تصرّف للطفل على خلاف المصلحة ، أما عند الأشاعرة فتصوّره ظاهر.

ويضعّف بانتقاضه ممن كان بعيدا ، يمتنع إليه الوصول عادة إلاّ في زمان‌

٧٢

فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينعقد على إشكال ، وكذا لو باع مال غيره ثم ملكه وأجاز ،

______________________________________________________

طويل. والظاهر عدم الاشتراط ، لعموم الدّليل الدّال على صحة الفضولي من غير فرق ، فانّ عموم ( ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ) (١) يتناوله.

قوله : ( فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينعقد على إشكال ).

يلوح من هذا الاشكال التردد في اشتراط أن يكون للعقد مجيز في الحال ، إلاّ أن يقال : الطفل إذا بلغ كان له أهلية الإجازة بالفعل ، وقبله له ذلك بالقوة ، فالمجيز في الجملة موجود ، لكن على هذا تكون المسألة التي بعده عند المصنف مجزوما بعدم النفوذ فيها ، لانتفاء المجيز فعلا وقوة ، فيكون التشبيه في عدم النفوذ لا في الاشكال في عدم النفوذ ، وهذا وإن كان خلاف المتبادر منها ، إلاّ أنه تندفع المنافاة عن العبارة ، لأن التردد ينافي الترجيح المستفاد من قوله : ( والأقرب ... ).

قوله : ( وكذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه وأجاز ).

إن حمل على أن المراد : وكذا الإشكال في عدم النفوذ لو باع مال غيره إلى آخره ، فمنشأ الإشكال من أنّ العقد كان موقوفا على الإجازة من المالك الذي وقع البيع ، حال كونه مالكا ، وقد تعذّرت بانتقال الملك إلى مالك آخر ، فامتنع الحكم بالصحة. ومن أن الإجازة للعقد الفضولي من مالك العين ومن يقوم مقامه في ذلك ، فانّ الوكيل المفوّض تعتبر إجازته على وفق المصلحة قطعا ، ومن انتقل المبيع إليه تصرّفه أقوى ، بل يحتمل أن يقال : مجرّد الانتقال إلى المتصرف فضوليّا كاف في صحة العقد ، لأن ذلك أبلغ من إجازة المالك.

وإن حمل على أنّ المراد : وكذا لا ينفذ إلى أخره ، فوجهه أنّ الإجازة قد تعذرت ، وإنها على القول بأنها كاشفة ، يلزم كون الملك لشخصين في زمان واحد.

واعلم أنّ في هذه المسألة إشكالا ، وذلك لأن الإجازة إن كانت كاشفة لزم دخول المبيع في ملك المشتري من حين العقد ، فيكون السبب المقتضي لملك‌

__________________

(١) المائدة : ١‌

٧٣

وفي وقت الانتقال إشكال ، ويترتب النماء.

______________________________________________________

العاقد فضولا غير صحيح ، لكونه واقعا على ملك الغير ، فإذا فسد فسدت الإجازة المترتبة عليه.

والتحقيق أن يقال : إن كان السبب الناقل للملك بعد العقد الفضولي مع علم المالك بجريان الفضولي كان فسخا له ، فيبطل ، فلا تؤثر فيه الإجازة لامتناع الرّضى بالفضولي مع صحة التصرف فيه ، الناقل عن الملك. وإن كان بغير علمه نظر في أنّه هل يعدّ هذا التصرف مستلزما للفسخ أم لا؟ وعلى الثاني نظر هل تعدّ الإجازة كاشفة ، أو معتبرة في السّبب المقتضي لنقل الملك؟ فعلى استلزام الفسخ لا بحث ، وعلى اعتبار الإجازة في السبب بناء على الثاني يمكن الصحة مع إجازته ، وعلى كونها كاشفة يتجه البطلان ، لأنه يلزم من ثبوتها نفيها.

إلاّ أنه يشكل بعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ولم يقم دليل يدل على انفساخ الفضولي ، ولا قام دليل على انحصار الإجازة في المالك المعين ، وهو الأول ، ومن المعلوم أن اللزوم الفضولي إنما يتوقف على انضمام رضى المالك إلى صيغة العقد ، ليصير العقد كالصادر عن رضاه ، فيكون كعقد الوكيل ، وإذا كان تقدّم العقد على الرّضى لا يقدح ، فتقدّمه على الملك لا يقدح ، لانتفاء المقتضي.

فيمكن أن يقال : يكفي لصحة الإجازة ثبوت الملك في ظاهر الحال ، فكأنه ناب مناب المالك فيها.

ويرد عليه : أن الثمن الثاني إن ملكه المالك لم يجز أن يتخلف عنه ملك المشتري المتصرف فضولا ، وإن لم يملكه كانت المعاوضة فاسدة ، ولا سبيل إلى القول به.

قوله : ( وفي وقت الانتقال إشكال ).

ينشأ : من أن الإجازة هي : الرّضى ، وهي : المكملة للسبب ، فيمتنع انتقال الملك قبلها ، ومن أنّ العقد سبب تامّ في حصول الملك ، لعموم ( أَوْفُوا

__________________

(١) المائدة : ١.

٧٤

______________________________________________________

بِالْعُقُودِ ) (١) وتمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة ، فإذا أجاز تبين كونه تاما ، فوجب ترتّب الملك عليه ، وإلاّ لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة ، بل به مع شي‌ء آخر ، ولا دليل يدل عليه.

والاحتجاج بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود ـ لأن العقد حالها عدم ـ ليس بشي‌ء ، لأن تأثيرها ليس في العقد ، بل في الأمر المترتب عليه ، وهو : نقل الملك ، وهذا بعد تمام السبب يجب أن يكون موجودا لا معدوما ، على أنّه لا تأثير هنا ، لأن علل الشرع معرّفات للأحكام لا مؤثّرات ، فلا يمنع تعريفها للأحكام المرتبة على الأمور العدمية.

وكذا الاحتجاج على كونها جزءا أو شرطا ـ بأنها إما شرط في قبول المحلّ ، أو في فعل الفاعل ـ ليس بشي‌ء أيضا ، لمنع الحصر ، إذ يجوز كونها علامة على تمامية العقد واعتباره في نظر الشرع ، مع عدم مطابقته للمدّعي.

إذا عرفت هذا ، فهل للمشتري فسخ الفضولي قبل الإجازة ، بحيث إذا حصلت لا يكون معتدّا به؟ لا شكّ أنه على تقدير كونها كاشفة ليس له ذلك ، لأنه قد تبين دخوله في ملكه من حين العقد ، فكيف ينفسخ؟ وعلى التقدير الآخر ، لا بعد في أنّ له ذلك ، لأن الموجود هو بعض السبب ، فهو كما لو ردّ الإيجاب أو رجع عن قبوله ، لو جوزنا تقديمه قبل صدور الإيجاب.

ثمّ أنه هل للمشتري التصرف في الثمن؟ يوجد في عبارة الشارح السيد ما يدل على المنع في توجيه بيع مال الطفل ، وينبغي تنزيله على هذين القولين ، وأرجح القولين انتقال الملك بالعقد.

ويمكن أن يقال : إتلاف الثّمن المعين موجب لانفساخ البيع ، فيمتنع إتلافه.

__________________

(١) المائدة : ١.

٧٥

ولو باع مال أبيه بظنّ الحياة وأنه فضولي ، فبان ميّتا حينئذ وأنّ المبيع ملكه ، فالوجه الصحة.

ولا يكفي في الإجازة السكوت مع العلم ، ولا مع حضور العقد.

ولو فسخ العقد رجع على المشتري بالعين ، ويرجع المشتري على البائع بما دفعه ثمنا ، وما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء ، مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك ، وإن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب ، إلاّ أن يكون الثمن باقيا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو باع مال أبيه بظن الحياة وأنه فضولي ).

قيل : قوله : ( وأنه فضولي ) مستغنى عنه. قلنا : بل أراد به : الإشعار بمنشإ الوجه الضعيف ، أعني : أن العقود تابعة للقصود.

قوله : ( فالوجه الصّحة ).

أراد : الصّحة من غير توقف على شي‌ء آخر ، أعني : اللزوم ، وينبغي أن يكون ذلك موقوفا على إجازته ، وهو الأصح ، لأنه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن ، بل مع إجازة المالك ، إلا أن يقال : قصده إلى أصل البيع كاف. ومثله : ما لو باعه فضوليا ، ثم تبين شراء وكيله إياه.

قوله : ( مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك ).

لثبوت غروره في الصورتين.

قوله : ( وإن لم يكن كذلك ).

أي : وإن انتفى الأمران ، وهو : جهله بأن له مالكا غير البائع ، وإذن المالك.

قوله : ( ولا بالثمن مع علم الغصب ).

أي : لا يرجع بالثمن إذا علم كون البائع غاصبا ، قيل : هذا القيد مستدرك ، قلنا : لا ، فإنه لا يلزم من علمه بأن له مالكا ، أن يكون في يده غصبا.

٧٦

فالأقوى الرجوع به.

ولا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادعاء الملكية للبائع ، لأنه بنى على الظاهر.

ولو تلفت العين في يد المشتري ، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما بالقيمة إن لم يجز البيع ، فان رجع على المشتري الجاهل ، ففي رجوعه على البائع بالزيادة على الثمن إشكال.

______________________________________________________

قيل : هو في سياق بيع المغصوب ، قلنا : بل في سياق بيع مال الغير فضولا غاصبا كان أولا.

قوله : ( فالأقوى الرجوع به ).

هذا أصحّ ، وظاهر كلام الأصحاب عدم الرّجوع مطلقا ، وفي رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع (١) مطلقا ، وهو المتّجه ، لكن نقل في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع (٢).

قوله : ( ولا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادعاء الملكية ... ).

أي : لو قال : هذا كان مالا لفلان البائع واشتريته منه ، ثم ثبت كونه مال الغير ، لم يمنع قوله ذلك من الرّجوع ، وإن كان ظاهره ينافي استحقاق الرجوع ، لأنه بنى في قوله هذا على الظاهر.

قوله : ( فان رجع على المشتري الجاهل ، ففي رجوعه على البائع بالزيادة على الثمن إشكال ).

ينشأ : من أنها تلفت في يده ، فقرار ضمانها عليه ، ومن أنه غره بكون المبيع ملكا له ، فيرجع عليه ، وهو أقوى ، فيرجع بها.

__________________

(١) نكت النهاية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٦٣.

٧٧

ولو باع ملكه وملك غيره صفقة صحّ فيما يملك ووقف الآخر على إجازة المالك ، فإن أجاز نفذ البيع وقسّط الثمن عليهما بنسبة المالين ، بأن يقوّما جميعا ، ثم يقوّم أحدهما ، هذا إذا كان من ذوات القيم ، وإن كان من ذوات الأمثال قسّط على الاجزاء ،

______________________________________________________

قوله : ( صح فيما يملك ، ووقف الآخر على إجازة المالك ).

أي : صح البيع فيما يملك ، أي : لزم لوجود شرط اللزوم ، وهو : كونه مالكا ، فدل على أنه أراد بالصحة : اللّزوم.

قوله : ( ووقف الآخر على إجازة المالك ).

فان قيل : كيف يكون الوقوف للآخر على الإجازة ، والموقوف إنما هو للعقد أو لأثره؟ قلنا : تقدير العبارة : وقف العقد في الآخر ، بدليل ما قبله. فان قيل : كيف يكون العقد الواحد لازما موقوفا؟ قلنا : بالإضافة إلى شيئين لا محذور.

قوله : ( وقسط الثمن عليهما بنسبة المالين ، بأن يقوّما ... ).

إنما اعتبر تقويمهما ثم تقويم أحدهما ، لتعرف نسبة قيمة كلّ منهما إلى مجموع القيمتين ، فيعرف ثمن كلّ منهما من مجموع الثمن ، وإنما لم يقسط على العينين ، لإمكان زيادة الثمن على القيمتين أو نقصانه عنهما ، وعدم مساواة كل من القيمتين للأخرى.

وفي عبارته حذف ، تقديره : ثم يقوّم أحدهما ، وتنسب قيمته إلى مجموع القيمتين ، ويؤخذ له بتلك النسبة من مجموع الثمن.

فرع : لو كان كمصراعي باب أو زوجي خفّ ، وجب أن يقوّما معا ، منفردا كلّ منهما عن الآخر ، ثم ينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ، لأنه إنما يقوّم المال باعتباره ، وكل منهما إنما يملك أحد الزوجين ، فلا يستحق ما يزيد من القيمة باجتماعهما ، بخلاف أحكام الغصب.

قوله : ( وإن كان من ذوات الأمثال قسّط على الأجزاء ).

وذلك لعدم الاحتياج إلى اعتبار القيمة ، لثبوت التساوي في المثلي بين‌

٧٨

سواء اتحدت العين أو تكثرت.

ولو فسخ تخير المشتري في فسخ المملوك والإمضاء ، فيرجع من الثمن بقسط غيره.

ولو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه ، ويحتمل‌

______________________________________________________

أجزائه ، وسيأتي في الغصب إن شاء الله تعالى تحقيق الفرق بين المثلي والقيمي.

قوله : ( سواء اتّحدت العين أو تكثّرت ).

أي : سواء اتّحدت أو تكثرت في كلّ من المثلي والقيمي ، فالأقسام أربعة : اتّحدت في القيمي كالعبد المشترك ، تكثّرت فيه كالعبد مع الجارية ، اتّحدت في المثلي كقفيز من برّ ، تكثرت فيه كقفيزين ، لكن هذا على إطلاقه لا يستقيم ، بل يجب أن يقيد بما إذا تساوت الأوصاف التي لها دخل في زيادة القيمة ونقصانها ، أمّا إذا تفاوتت كجيد الحنطة مع رديئها أو مع الشعير مثلا ، فانّ المرجع حينئذ إلى القيمة ، وإلاّ لزم استواء الحنطة والشعير في الثمن ، وهو معلوم البطلان ، فإن متساوي الأجزاء إنما قسّط الثمن على أجزائه لتساويها في القيمة ، لعدم الاختلاف بينها المؤثر في اختلاف القيمة ، والموضع المذكور بخلاف ذلك.

قوله : ( ولو فسخ تخير المشتري في فسخ المملوك والإمضاء ).

ينبغي تقييده بما إذا كان جاهلا في الحال ، وإلا فلا فسخ له.

سؤال : التراضي إنما وقع على مجموع المبيع بما صحّ بالإضافة فإذا فسخ الغير في ملكه ارتفع التراضي ، فيلزم بطلان العقد؟

جوابه : لما وقع التراضي على المجموع صح العقد ، فإذا طرأ عليه البطلان بالإضافة إلى بعض المبيع لم يلزم بطلان الآخر ، لعدم الدلالة ، ولأن الرضى قد حصل ضمنا ، فتكفي الصحة ، ولا يلزم من البطلان في الآخر ارتفاع الرّضى الذي كان قد حصل ، ولا بطلان حكمه.

قوله : ( ولو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه ، ويحتمل‌

٧٩

الإشاعة ، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة.

أما الإقرار فيبني على الإشاعة قطعا ،

______________________________________________________

الإشاعة ، فيقف في نصف النصيب الآخر على الإجازة ).

وجه الأول : أن اللفظ من حيث هو هو ، وإن تساوت نسبته إلى النصيبين ، إلاّ أنه من خارج قد ترجح انصرافه إلى النصف المملوك للبائع ، نظرا إلى أن إطلاق البيع إنما يحمل على المتعارف في الاستعمال والمتبادر إلى الفهم وهو البيع الذي ترتب عليه الانتقال بفعل المتعاقدين.

ووجه الثاني : استواء النسبة قصرا للنظر على اللفظ ، ولا ريب أنّ القرينة المذكورة مرجّحة للمعنى السابق ، فيكون الوجه الأول أقوى.

واعلم أنّ المراد بالإشاعة هنا : الإشاعة بالنسبة إلى النصيبين ، لا الإشاعة للاجزاء في الاجزاء ، لأنّ ذلك ثابت على كل من التقديرين ، أعني : صرف البيع الى المملوك ، أو تنزيله على مملوكه ومملوك شريكه ، فهو معنى آخر تدل عليه المقابلة لما قبله.

قوله : ( أما الإقرار فينزل على الإشاعة قطعا ).

أي : على الإشاعة التي ذكرنا معناها آنفا ، فلا ينحصر المقر به في نصيب المقر ظاهرا ، ولا بد من تحرير هذه المسألة ، وصورتها : أنّ ملكا كدار إذا كان بيد شخصين على ظاهر الملك ، فأقر أحدهما بأنّ ثالثا يستحق نصفها ، فإنّ الإقرار لا يحمل على أنّ النصف المقر به هو ما في يد المقر ، لأنّ لفظ الإقرار صالح لكل من النصيبين ولا ترجيح ، فصرفه إلى إحديهما دون الآخر ترجيح بغير مرجح.

ولا يمكن ادعاء الترجيح بأمر خارجي ، كما في المسألة السابقة ، لما ذكرناه من قرينة البيع هناك ، وهي متيقنة هنا ، فإن الإقرار لمّا كان إخبارا عن ملك الغير لشي‌ء ، لم يجب أن يكون منصرفا إلى ما في اليد ، لإمكان وقوع هذا الإخبار على ما في يد الغير.

لا يقال : الإقرار حقيقة إنما يكون على ما في اليد ، وأما على ما في يد الغير‌

٨٠