جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذر غيره ، فلو استبقاها لحاجته أو وجد غيره لم يمنع.

وقيل : ان يستبقيها ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص.

______________________________________________________

قوله : ( بشرطين : الاستبقاء للزيادة ، وتعذر غيره ).

لا بدّ من قيد آخر ، وهو : الاحتياج إلى شرائها ، فلو استبقاها لحاجته إليها ولو في زمان مستقبل ، إما لمؤنته أو لدينه فلا يحرم ، والظاهر أنه لو أراد أداء دينه عند الحلول بثمنها ، أو عند حضور مالكه ، وخشي من بيعها حالا تلفها أو تشتتها ، لا يعد ذلك احتكارا ، للإجماع على أنّ الاحتكار إنما يتحقق إذا استبقاها للزيادة. أما لو كان ثمنها لا يفي بدينه ، ومع الاستبقاء تتحقق الزيادة والتوفية ، فإنه يحرم الاستبقاء ، لإطلاق النهي عن ذلك.

وهل يفرق في الاحتكار بين شراء الغلة ، وكونها من غلته التي استنماها ، وكونه جالبا؟

ظاهر المصنف في المنتهى : أن الاحتكار إنما يتحقق إذا اشترى الطعام وحبسه (١) ، وحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام حيث قال : « الحكرة : أن يشتري الطعام ليس في المصر غيره فيحتكره » (٢) تدلّ عليه. إذا عرفت هذا ، فلو وجد باذل غيره تندفع به حاجة الناس لم يحرم الحبس.

قوله : ( وقيل : أن يستبقيها ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص ) (٣).

الظاهر أن الشرطين معتبران عند هذا القائل ، لدلالة الخبر على أنه مع‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٠٧.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٦ باختلاف يسير.

(٣) ذهب اليه ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٠ ، والشيخ في النهاية ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

٤١

ويجبر على البيع لا التسعير على رأي.

______________________________________________________

وجود باذل غيره لا يحرم الاستبقاء (١) ، والإطباق على انتفاء التحريم لو استبقاها للحاجة.

والذي دلت عليه رواية السكوني : أن الاحتكار يتحقق بالزيادة على الأربعين في الخصب ، وعلى الثلاثة في الغلاء (٢) ، وهو مقتضى عبارة المصنف. والأول أصح ، لأن الحكم منوط بالحاجة ، كما هو المستفاد من الأخبار (٣) ، فلا يتقيد بزمان معين ، ولعل رواية السكوني بني فيها الأمر على مقتضى ذلك الزمان ، وإلاّ فقد تدعو الحاجة إلى الطعام قبل الثلاثة والأربعين إذا لم يوجد بائع أصلا.

واعلم أنّ ما ذكر في الاحتكار ثابت بمجرد حصول الحاجة إلى الطعام ، وإن لم يبلغ حد الضرورة.

أما لو احتاج الناس إلى الأرز والدخن والذرة مثلا ونحو ذلك ، فإنما يحرم حبسه عند الضرورة الشديدة ، وبدون ذلك لا يجب بذله ، وإن كان قوتا ولم يوجد غيره ، اقتصارا على مورد النص (٤).

وإن كان الاشتراك فيما يظن كونه العلة التي قد تقتضي التحريم ، كما لو كان استبقاء الطعام لحاجة ، فإنه لا يجب بذله إلا عند الضرورة.

قوله : ( ويجبر على البيع لا التسعير على رأي ).

هذا أصح ، لأن الناس مسلطون على أموالهم ، إلاّ أن يجحف في طلب الثمن ، أو يمتنع من تعيينه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٦ باختلاف يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١٦٥ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ حديث ٧٥٣ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٦ باختلاف يسير.

(٤) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٦.

٤٢

ج : لو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل وكان منهم ، فإن عين اقتصر عليه ، فان خالف ضمن وإن أطلق فالأقرب تحريم أخذه منه ، ويجوز أن يدفع إلى عياله إن كانوا منهم.

د : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة ، إما لفظا أو بشاهد الحال.

ويكره انتهابه ، فان لم يعلم قصد الإباحة حرم.

هـ : الولاية من قبل العادل مستحبة ، وقد تجب إن الزم ، أو افتقر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‌ إليها.

______________________________________________________

قوله : ( لو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل [ وكان منهم ] (١) فان عين ... ).

فرع : لا تشترط العدالة في المفرّق ، إلاّ أن يكون التفريق واجبا.

قوله : ( وإن أطلق فالأقرب تحريم أخذه منه ).

هذا أصح ، للرواية (٢) ، ولأن المتبادر أن المدفوع إليه غير الدافع ، إلاّ أن تدل قرينة حالية أو مقالية على رضاه بأخذه منه جاز الأخذ ، ويأخذ كأحدهم لا أزيد.

قوله : ( ويجوز أن يدفع إلى عياله ... ).

يجوز ذلك على كل واحد من القولين ، لانتفاء المانع.

قوله : ( يجوز أكل ما ينثر في الأعراس ).

مثله : ما ينثر في غيره من الولائم ، كالختان والعقيقة وغيرهما ، اعتمادا على شاهد الحال ، ولو اعتيد أخذه واستقر العرف بذلك جاز الأخذ.

قوله : ( وقد تجب إن الزم ، أو افتقر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إليها ).

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد لأن السياق يقتضيها.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٢ حديث ١٠٠٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٤ حديث ١٧٦.

٤٣

وتحرم من الجائر ، إلاّ مع التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض المؤمنين ، فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره ، إلاّ القتل الظلم.

ولو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية ، كره له الولاية حينئذ.

و : جوائز الجائر إن علمت غصبا حرمت ، وتعاد على المالك إن قبضها ، فان جهله تصدق بها عنه ، ولا تجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا.

______________________________________________________

ظاهره قصر الوجوب على الأمرين ، وليس كذلك ، فلو لم يعلم به الامام وكان أعلم من في القطر ، وجب إعلامه بنفسه ، لوجوب ذلك على الكفاية وانحصاره فيه.

قوله : ( وتحرم من الجائر ، إلاّ مع التمكن من الأمر بالمعروف ... ).

إذا علم ذلك علما يقينيّا ، كما صرح به في المنتهى (١) ، وأمن إدخال الجائر له فيما لا يجوز ، وبدون ذلك يحرم.

قوله : ( فان جهله تصدق بها عنه ).

ينبغي أن يكون ذلك بعد اليأس من الوصول إليه وإلى وارثه بعد موته ، وهذا إذا لم يلتبس بجماعة محصورين ، فإنه حينئذ يوقف حتى يصطلحوا.

قوله : ( ولا تجوز إعادتها إلى الظالم اختيارا ).

أما اضطرارا فلا حرج ، والظاهر أنه يضمن على التقديرين ، ولو علم بعد الأخذ ولم يقصر في الدفع إلى المالك ولا في الحفظ ، واتفق التلف أو أخذها الظالم كرها ، ففي الضمان نظر.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٢٤.

٤٤

والذي يأخذه الجائر من الغلات باسم المقاسمة ، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض ، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه واتّهابه ، ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا.

______________________________________________________

قوله : ( والذي يأخذه الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة ، ومن الأموال باسم الخراج ).

المقاسمة هي : مقدار معين يؤخذ من حاصل الأرض نسبته إليه بالجزئية ، كالنصف والثلث. والخراج : مقدار معين من المال يضرب على الأرض أو على البستان ، كأن يجعل على كل جريب كذا درهما. وعبّر بقوله : ( باسم المقاسمة ) و ( باسم الخراج ) لأن ذلك لا يعد مقاسمة ولا خراجا حقيقة ، إذ تحقق ذلك إنما يكون بأمر الإمام عليه‌السلام. ولا فرق بين قبض الجائر إياها وإحالته بها إجماعا. ولا يعتبر رضا المالك قطعا ، لأن ذلك حق عليه لا يجوز له منعه بحال.

والجائر وإن كان ظالما بالتصرف فيه ، إلاّ أن الإجماع من فقهاء الإمامية ، والأخبار المتواترة عن أئمة الهدى (١) دلت على جواز أخذ أهل الحق لها عن قول الجائر ، تقصّيا من الحرج العظيم ، فانّ حقّ التصرف في ذلك لأهل البيت عليهم‌السلام ، وقد رفعوا الحجر من قبلهم. نعم لا يجوز أخذها بغير أمر الجائر قطعا. وكذا ثمرة الكرم والبستان ، صرّح به شيخنا الشهيد في حواشيه.

قوله : ( ومن الأنعام باسم الزكاة ).

خصّ الزكاة بالأنعام ، والظاهر أن زكاة الغلات والأموال كذلك ، وعبارة الدروس تتناولهما (٢) ، وفي بعض الأخبار ما قد يتناولهما ، ولا يخفى أن ذلك إنما يكون حيث لا يأخذ الجائر أزيد من الواجب. وهل يجوز أخذ الزكاة من الجائر لكل أحد وإن كان غنيا؟ ظاهر الأخبار والعبارات الإطلاق.

وهل تبرأ ذمة المالك من إخراج الزكاة مرة أخرى؟ يلوح ـ من تجويز‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٣٧ حديث ٩٣٧ ، ٩٣٨.

(٢) الدروس : ٣٢٩.

٤٥

ز : إذا امتزج الحلال بالحرام ولا يتميز يصالح أربابه ، فإن جهلهم أخرج خمسه إن جهل المقدار وحلّ الباقي.

ح : لا يحلّ للأجير الخاص العمل لغير من استأجره إلاّ باذنه ، ويجوز للمطلق.

______________________________________________________

الأخذ ، والتعليل بكون دفع ذلك حقا واجبا على المالك ـ ذلك ، كما في الخراج والمقاسمة بغير فرق ، فتعتبر هاهنا النية كما يعتبر في إخراج مطلق الزكاة. ويحتمل العدم ، لأن الجائر ليس نائب الفقراء ، فتتعذر النية ، ولا يصح الإخراج بدونها.

قوله : ( فان جهلهم أخرج خمسه إن جهل المقدار ).

يراعي في الجهل ما تقدم ، ولو علم زيادته على الخمس أخرج بعد الخمس ما به تتحقق البراءة ، ولو امتنع اليقين كفى غلبة الظن ، والخمس لأربابه ، والزيادة يتصدق بها.

قوله : ( لا يحلّ للأجير الخاص العمل لغير من استأجره إلا بأذنه ، ويجوز للمطلق ).

سيأتي إن شاء الله تعالى أن الأجير الخاص هو : الذي يستأجر لعمل مدة معينة بحيث يباشره بنفسه ، والمطلق بخلافه. وإنما لم يجز للخاص أن يعمل بدون إذن المستأجر ، لأن منافعه في [ تلك المدة ] (١) قد صارت مملوكة له ، بخلاف المطلق. وإنما ذكر هذه هاهنا وإن كانت من مسائل الإجارة ، لأنها من جملة الاكتسابات المحرمة.

فعلى هذا لو عمل بدون الإذن تبرعا ، تخيّر المستأجر بين مطالبته بالمسمى مع دفعه إليه ، وبأجرة المثل. وإن عمل بأجرة ، فإن أجاز الإجارة الثانية فله المسمى الثاني ، فإن رضي بالقبض أخذ من الأجير ، وإلاّ فمن المستأجر ، وإن لم يجز تخير بين مطالبة الأجير بالمسمى واجرة المثل وبين مطالبة مستأجره بأجرة المثل.

__________________

(١) في « م » : ملك ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

٤٦

ط : لو مرّ بثمرة النخل والفواكه لا قصدا ، قيل : جاز الأكل دون الأخذ ، والمنع أحوط.

ولا يجوز مع الإفساد إجماعا ، ولا أخذ شي‌ء منها ، ولو أذن المالك مطلقا جاز.

ي : يحلّ ثمن الكفن ، وماء تغسيل الميت ، وأجرة البدرقة.

يا : يحرم على الرجل أن يأخذ من مال ولده البالغ شيئا إلاّ بإذنه ، إلاّ مع الضرورة المخوف معها التلف ، مع غنائه أو إنفاق ولده عليه.

ولو كان صغيرا أو مجنونا فالولاية له ،

______________________________________________________

قوله : ( قيل : جاز الأكل دون الأخذ ، والمنع أحوط ).

الحق أنه لا يجوز ، تمسكا بالدلائل القاطعة على تحريم مال المسلم إلاّ عن طيب نفس منه ، سوى بيوت من تضمنت الآية الأكل من بيوتهم (١). والقائل بالجواز الشيخ (٢) ، استنادا إلى بعض الأخبار (٣) التي لا تنهض معارضا لدلائل التحريم.

قوله : ( واجرة البدرقة ).

هي : الخفارة.

قوله : ( مع غنائه ، أو إنفاق ولده عليه ).

أي : ويحرم ذلك مع أحد الأمرين ، إلا عند خوف التلف ، لأنه بمنزلة الأجنبي حينئذ ، ومع انتفائهما يجوز أخذ مقدار النفقة على ما سيأتي.

قوله : ( أو مجنونا فالولاية له ).

هذا إذا كان جنونه متّصلا بالحجر الواقع في صغره ، فلو بلغ وصار رشيدا ثم جن ، فإنّ الولاية عليه للحاكم.

__________________

(١) النور : ٦١.

(٢) قاله في النهاية : ٣٧٠ ، والتهذيب ٧ : ٩٢ ـ ٩٣.

(٣) التهذيب ٧ : ٩٣ حديث ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٩٠ حديث ٣٠٥ ، ٣٠٦.

٤٧

فله الاقتراض مع العسر واليسر.

ويجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل ـ فيكون موجبا قابلا ـ وأن يقوّم جاريته عليه ويطأها حينئذ.

وللأب المعسر التناول من مال ولده الموسر قدر مؤنته.

ويحرم على الولد أن يأخذ من مال والده شيئا ، إلاّ باذنه.

ويحرم على الام أن تأخذ من مال ولدها شيئا وبالعكس ، إلاّ مع الاذن ، وليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير.

______________________________________________________

قوله : ( فله الاقتراض مع العسر واليسر ).

هل الجد كالأب في جواز الاقتراض مع العسر؟ يحتمل ذلك ، لأنه أب.

قوله : ( فيكون موجبا قابلا ).

الظاهر : أن هذا الحكم اتفاقي ، والجدّ في موضع يجوز له الاقتراض كالأب.

قوله : ( وأن يقوّم جاريته عليه ، ويطأها حينئذ ).

فيوقع البيع لنفسه هو متوليا طرفيه ، ولا يحلّ وطؤها قبل ذلك.

قوله : ( وللأب المعسر التناول من مال ولده ... ).

لا فرق بين كون الولد صغيرا أو كبيرا ، لكن لا بدّ في الكبير من إذنه ، ومع امتناعه يستقل بالأخذ ، وكذا كلّ من تجب نفقته يأخذ باذن المنفق ، فان تعذّر فالحاكم ، فان تعذّر استقل بالأخذ.

قوله : ( ويحرم على الولد أن يأخذ من مال والده شيئا ، إلاّ بإذنه ).

إنما يحرم بالشرطين السابقين في الأب ، إلاّ عند الضرورة.

قوله : ( ويحرم على الام أن تأخذ من مال ولدها شيئا وبالعكس ).

لا يخفى أن هذا بالقيود السابقة.

٤٨

ويحرم على الزوجة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه شيئا وإن قلّ ، ويجوز لها أن تأخذ المأدوم وتتصدق به ما لم تجحف ، إلاّ أن يمنعها فيحرم.

وليس للبنت ولا للأخت ولا للام ولا للأمة تناول المأدوم ، إلاّ مع الاذن.

ويحرم على الزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئا ، إلاّ باذنه.

ولو دفعت إليه مالا لينتفع به ، كره له أن يشتري به جارية يطأها ، إلاّ مع الاذن.

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز لها أن تأخذ المأدوم وتتصدق به ، ما لم تجحف ).

هذا الحكم إجماعي ، وبه وردت النصوص (١). المأدوم هو : ما يؤتدم به ، مثل : اللحم والخل والدهن ، وليس ببعيد دخول الفاكهة ، وفي بعض الأخبار من طرق العامة جواز الرطب (٢).

قوله : ( ما لم تجحف ).

يختلف الإجحاف باختلاف الحال.

قوله : ( إلا أن يمنعها فيحرم ).

ولو ظهرت أمارات الكراهة فليس ببعيد القول بالتحريم.

قوله : ( وليس للبنت ولا للأخت ولا للام ... ).

وإن كانت إحداهنّ متصرفة في أمور المنزل ، لعدم النص على غير الزوجة.

قوله : ( لو دفعت إليه مالا لينتفع به ... ).

إنما كره ذلك ، لأن فيه مقابلة نفعها له بإضراره بها ، ولقول الصادق عليه‌السلام ، وقد سأله الحسين بن المنذر : دفعت إليّ امرأتي مالا أعمل به ،

__________________

(١) المحاسن : ٤١٦ حديث ١٧٣ ، الكافي ٦ : ٢٧٧ حديث ٢ ، التهذيب ٩ : ٩٥ حديث ٤١٣.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٣١ حديث ١٦٨٦.

٤٩

الفصل الثاني : في الآداب :

يستحب لطالب التجارة : أن يتفقه فيها أولا ، والإقالة للمستقيل ، وإعطاء الراجح ، وأخذ الناقص ، والتسوية ، وترك الربح للموعود بالإحسان وللمؤمن ـ إلاّ اليسير مع الحاجة ـ والتسامح في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء ، والدعاء عند دخول السوق ، وسؤال الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه ، والتكبير والشهادتان عند الشراء.

______________________________________________________

فاشتري من مالها الجارية أطؤها ، قال : فقال : « لا ، أرادت أن تقرّ عينك وتسخن عينها » (١). أما مع الاذن فلا كراهية.

قوله : ( يستحب لطالب التجارة : أن يتفقه فيها أولا ، والإقالة للمستقيل ، وإعطاء الراجح ، وأخذ الناقص ، والتسوية ).

أي : بين المتبايعين على هذا الوجه ، وهو : أن يجعل المماكس مثل غيره ، والصغير مثل الكبير ، فلا يجعل سبب المفاوتة هي : المماكسة ونحوها. أما لو جعل سببها رعاية دينه ، كرعاية الايمان والفضل والتدين ونحو ذلك فهو حسن.

قوله : ( وترك الربح للموعود بالإحسان ).

أي : إذا قال لشخص : هلمّ أحسن إليك ، يستحب له ترك الربح عليه.

قوله : ( والتكبير والشهادتان عند الشراء ).

يستحب : التكبير ثلاثا ، والدعاء عند الشراء ، وظاهر الحديث (٢) : أن ذلك بعد الشراء ، ويظهر منه أن ذلك للمشتري ، وأما الشهادتان فلم أجد التصريح بسنده.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٢١ حديث ٥٢٠ ، التهذيب ٦ : ٣٤٧ حديث ٩٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٥٦ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٢٥ حديث ٥٤٥ ، التهذيب ٧ : ٩ حديث ٣٣.

٥٠

ويكره : الدخول أولا إلى السوق ، ومدح البائع ، وذم المشتري ، وكتمان العيب ، واليمين على البيع ، والسوم بين طلوع الفجر والشمس ، وتزيين المتاع ، والبيع في الظلمة ، والتعرض للكيل والوزن مع عدم المعرفة ، والاستحطاط بعد العقد ، والزيادة وقت النداء ، والدخول في سوم المؤمن ، وأن يتوكل حاضر لباد.

______________________________________________________

قوله : ( وكتمان العيب ).

إذا لم يكن خفيّا ، وإلاّ حرم ، كالماء في اللبن ، وقد سبق.

قوله : ( والسوم بين طلوع الفجر والشمس ).

لأنه وقت الدعاء وطلب الرزق.

قوله : ( والزيادة وقت النداء ).

أي : وقت نداء المنادي على السلعة ، كما يظهر من الرواية (١) ، بل يزيد إن شاء إذا سكت المنادي ، والمعنى فيه وراء النص : ما يظهر منه من زيادة الحرص.

قوله : ( والدخول في سوم المؤمن ).

وقيل : يحرم (٢) ، وهو الأصح ، لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه (٣) ، وموضع الكراهة أو التحريم : ما إذا وقع التصريح من البائع بالرضى بالبيع ، أو ظهرت امارته وسكنت نفسه.

قوله : ( وأن يتوكل حاضر لباد ).

المراد به : أن يقول الحاضر للبادي وقد جلب السلعة : أنا أبيع لك ، مريدا بذلك الاستقصاء بالثمن ، وقد روي عن الباقر عليه‌السلام ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يتلقّى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٥ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ١٧٢ حديث ٧٦٩ ، التهذيب ٧ : ٢٣٧ حديث ٩٩٤.

(٢) ذهب اليه الشيخ في المبسوط ٢ : ١٦٠ ، والراوندي في فقه القرآن ٢ : ٤٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٣.

٥١

ونهى النبي عليه‌السلام : عن بيع حبل الحبلة وهو : البيع بثمن مؤجل إلى نتاج نتاج الناقة ، وعن المجر وهو : بيع ما في الأرحام ، وعن بيع عسيب الفحل وهو : نطفته ، وعن بيع الملاقيح وهي : ما في بطون الأمهات ، والمضامين وهي : ما في أصلاب الفحول ، وعن الملامسة وهو : أن يبيعه غير‌

______________________________________________________

حاضر لباد ، ذروا المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض » (١). والأصح التحريم ، لظاهر النهي ، وهو أحد قولي الشيخ (٢) ، والآخر الكراهية (٣) ، للأصل.

وشرط المصنف في المنتهى للتحريم شروطا ثلاثة : أن يقصد الحاضر البادي ليتولى البيع له ، وأن يكون البادي جاهلا بالسعر ، وأن يكون قد جلب السلعة للبيع (٤). وفي اشتراط الأخيرين نظر ، لإطلاق النص ، نعم اشتراط الأول صحيح ، فإنه لو لا ذلك لم تجز السمسرة له بحال ، وقد قال في الدروس : لا خلاف في جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد الى بلد (٥). والقروي كالبدوي في ذلك ، بل البلدي إذا قدم من خارج ، نظرا إلى العلة المومى إليها في الحديث ، وهل يحرم الشراء له؟ قال في المنتهى بعدمه (٦) ، وهو قوي ، للأصل.

قوله : ( وعن بيع عسيب الفحل ، وهو : نطفته (٧) ).

الموجود في كلام المعتمدين : عسب (٨) الفحل ، قال في الجمهرة :

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٦٨ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ حديث ٦٩٧ ، وفيهما : ... ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ، الفقيه ٣ : ١٧٤ حديث ٧٧٨ ،

(٢) قاله في المبسوط ٢ : ١٦٠.

(٣) قاله في النهاية : ٣٧٥.

(٤) المنتهى ٢ : ١٠٠٥.

(٥) الدروس : ٣٣٣.

(٦) المنتهى ٢ : ١٠٠٥.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ١٢٢ ، ١٢٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٧ حديث ٣٤٢٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣١ حديث ٢١٦٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٧٢ حديث ١٢٩١ ، مسند أحمد ١ : ١٤٧.

(٨) في « م » والحجري : عسيب ، والصحيح ما أثبتناه للسياق.

٥٢

مشاهد على أنه متى لمسه صحّ البيع ، وعن المنابذة وهو : أن يقول إن نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا ، وعن بيع الحصاة وهو : أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

وقال عليه‌السلام : لا بيع بعضكم على بعض ، ومعناه : أن لا يقول الرجل للمشتري في مدة الخيار : أنا أبيعك مثل هذه السلعة بأقل من الثمن ، أو خيرا منها بالثمن ، أو أقلّ.

______________________________________________________

والعسب عسب (١) الفحل ، إلى أن قال : وفي الحديث : نهى عن عسب (٢) الفحل : أي لا يؤخذ لضرابه كراء.

وفي نهاية ابن الأثير : أنه نهى عن عسب (٣) الفحل ، عسب (٤) الفحل :ماؤه ، فرسا كان أو بعيرا أو غيرهما ، وعسبه أيضا : ضرابه ، إلى أن قال : وإنما أراد النهي عن الكراء (٥).

وفي فائق الزمخشري : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن عسب (٦) الفحل ، أي : عن كراء قرعه ، والعسب : القرع ، يقال : عسب الفحل الناقة يعسبها عسبا (٧).

والفرق بينه وبين الملاقح : أن المراد بها : النطفة بعد استقرارها في الرحم ، والعسب هي : قبل استقرارها ، والمجر أعم من كلّ منهما.

قوله : ( وقال : لا يبع بعضكم على بعض ).

الحديث : « لا يبع أحدكم على بيع بعض » (٨) ، وهو للتحريم.

__________________

(١) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من الجمهرة ، وهو الصحيح.

(٢) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من الجمهرة ، وهو الصحيح.

(٣) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من النهاية ، وهو الصحيح.

(٤) في « م » : عسيب ، وما أثبتناه من النهاية ، وهو الصحيح.

(٥) النهاية ( عسب ) ٣ : ٢٣٤.

(٦) في « م » : عسيب ، وما هنا عن الفائق ، وهو الصحيح.

(٧) الفائق ( عسب ) ٢ : ٤٤٨.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ٩٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦٩ حديث ٣٤٣٦ ، مسند أحمد ٢ : ٧ ، ونقله أيضا الشيخ في المبسوط ٢ : ١٦٠ ، وابن أبي جمهور في العوالي ١ : ١٣٣ حديث ٢٢ باختلاف يسير.

٥٣

وكذا لا ينبغي أن يقول للبائع في مدة خياره : أنا أزيدك في الثمن.

وبيع التلجئة باطل ، وهو : المواطاة على الاعتراف بالبيع من غير بيع خوفا من ظالم.

المقصد الثاني في البيع :

وفصوله ثلاثة : الصيغة ، والمتعاقدان ، والعوضان.

الفصل الأول : الصيغة :

البيع : انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لا ينبغي أن يقول للبائع ... ).

محصّله : الشراء على شراء غيره ، وهو أيضا محرم ، قال في المنتهى : المقتضي للنهي في البيع قائم في الشراء ، ولأن أحدا من المسلمين لم يفرق بين الصورتين (١).

قوله : ( وأركانه ثلاثة ).

ينبغي أن يكون مرجع الضمير في أركانه : هو المقصد لا البيع ، لأن هذه ليست أركانا للبيع ، إذ العوضان والمتعاقدان خارجة ، نعم هي معتبرة كاعتبار الأركان.

قوله : ( الأول : الصيغة ).

أي : بيان الصيغة ، ولمّا كان الخوض في بيان صيغة البيع مسبوقا بمعرفة البيع ، عرفه بقوله : ( انتقال عين ... ) وهذا تعريف الشيخ في المبسوط (٢) ، وتبعه ابن إدريس (٣) ، وردّه في المختلف (٤) واختار تعريف ابن حمزة ، وهو : أن البيع عقد يدل على انتقال عين إلى آخره ، محتجّا بأن المتبادر من البيع هو هذا (٥) ، واعتذر‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ١٠٠٤.

(٢) المبسوط ٢ : ٧٦.

(٣) السرائر : ٢١٢.

(٤) المختلف : ٣٤٧.

(٥) الوسيلة : ٢٧٠.

٥٤

فلا ينعقد على المنافع ، ولا على ما لا يصحّ تملّكه ، ولا مع خلوّه من العوض ، ولا مع جهالته ،

______________________________________________________

ولد المصنف في بعض حواشيه ، وشيخنا الشهيد بأن هذا تعريف السبب بالمسبب ، وهو تعريف بالغاية. وفيه نظر ، فانّ المفهوم من بعت ليس هو عقد البيع قطعا ، وإنما المفهوم منه هو المفهوم من ملكت ، فانّ كلاهما إيجاب للبيع ، ولو كان المفهوم من بعت هو عقد البيع لما صح الإيجاب بملكت ، ولأن البيع هو المقصود بالعقد لا نفسه ، وكيف يصح تعريف السبب بالمسبب وهو غيره؟ واستعمال لفظه فيه مجازا لا يجوز شرح ماهيته به ، وليس التعريف بالغاية عبارة عن حمل الغاية على ذي الغاية ، بل أخذ معنى باعتبارها يصح حمله عليه.

والأقرب أن البيع هو : نقل الملك من مالك إلى آخر بصيغة مخصوصة ، لا انتقاله ، فان ذلك أثره إن كان صحيحا ، وأيضا فإن البيع فعل ، فكيف يكون انتقالا؟ ومع ذلك فتعريف المصنف صادق على بعض أقسام الصلح والهبة.

قوله : ( فلا ينعقد على المنافع ).

أكثر النسخ بالفاء ، وهو الأحسن والأصح ، ويحكى عن الشيخ قول في المبسوط بجواز بيع خدمة العبد (١).

قوله : ( ولا على ما لا يصح تملكه ).

مقتضى اللّف والنشر أن هذا محترز ( مملوكة ) وقد خرج بقوله :( انتقال ).

قوله : ( ولا مع جهالته ).

الضمير إن كان عائدا إلى العوض ليكون محترز قوله : ( بعوض مقدر ) بقي المبيع مطلقا غير مقيد بكونه معلوما ، ولا يقال : ( انتقال عين ) يقتضيه ، لأنه إنما يتحقق مع انتفاء الجهالة ، لأنّا نقول : فيكون قوله : ( مقدر ) مستدركا ، لإغناء قوله :

__________________

(١) لم نعثر عليه في المبسوط ، ونقله عن المبسوط الشيخ النراقي في المستند ٢ : ٣٧١.

٥٥

ولا مع الإكراه.

______________________________________________________

( انتقال عين ) عنه.

وإن عاد الضمير إلى المجموع من البيع والعوض ، عاد إلى ما لم يدلّ عليه دليل ، ويجي‌ء المحذور السابق ، وهو : عدم ما يقتضي اشتراط العلم في المبيع ، أو كون القيد مستدركا.

قوله : ( ولا مع الإكراه ).

ظاهره أن ذلك محترز على وجه التراضي ، وربما يستغنى بالانتقال عنه ، لأنه لا يتحقق مع الإكراه ، وربما احترز به بعضهم عن تقويم العبد على معتق نصيبه منه ، فإنه لا يعدّ بيعا مع صدق التعريف عليه ، وكذا سائر الانتقالات القهرية.

واكتفى شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : بصحة الاحتراز بالنقل الصّوري ، الحاصل في بيع الإكراه من تقابض العوضين ، أو أن يحمل على إرادة العقد بالانتقال ، تسمية للسبب باسم المسبب ، فنحتاج إلى الاحتراز كما قال غيره : أنها الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين إلى آخره.

وقد عرفت امتناع هذا الإطلاق في التعريفات ، ومع ذلك فليس من قبيل إطلاق السبب على المسبب ، بل من قبيل الحذف.

ثم قال : يصحّ البيع بغير تراض في مواضع :

الأول : ما ذكر من التقويم ، وفيه نظر ، إذ ليس من البيع في شي‌ء.

الثاني : الفك للإرث ، وهو أشبه بالفك للمعتق خصوصا ، وأكثر الأصحاب لا يعتبر الإعتاق بعد بذل القيمة.

الثالث : في دين المماطل والغائب ، وهما منوطان برضى الحاكم ، وهو قائم مقام المالك حينئذ ، ومع تعذره فصاحب الدين قائم مقامه ، لاعتبار رضاه ظاهرا.

الرابع : في النفقة لذي النفقة ، وهو من هذا القبيل ، وكذا بيع الحيوان‌

٥٦

ولا بدّ من الصيغة الدالة على الرّضى الباطن ، وهي : الإيجاب كقوله : بعت وشريت وملكت ، والقبول وهو : اشتريت أو تملّكت أو قبلت.

ولا تكفي المعاطاة

______________________________________________________

والعبد إذا امتنع من الإنفاق عليهما ، وقريب من ذلك عبد الكافر إذا أسلم.والاحتكار ، والطعام في المخمصة ليس من البيع في شي‌ء ، وإنما ذلك إباحة محضة للإتلاف ، فإذا فعله وجب العوض ، ولهذا لو استغنى عنه قبل إتلافه لم يجز له إتلافه.

واعلم أنّ الجار في قوله : ( على وجه التراضي ) إن تعلق بالانتقال ، اقتضى أن يكون وجه التراضي حالا للانتقال وهيئة له ، وليس كذلك ، فإنه شرط له تجب مقارنته للعقد لا لأثره المترتب عليه ، وإن لم يتعلق به لم يكن في الكلام له متعلق.

قوله : ( ولا بدّ من الصيغة الدّالة على الرضى الباطن ).

أي : المفيدة لذلك بمقتضى الوضع ، مع تجرّدها عن العوارض الدّالة على عدم الرضى.

قوله : ( وهي : الإيجاب ، كقوله : بعت وشريت ).

البيع والشراء موضوعان على سبيل الاشتراك لكل من المعنيين ، وبالضمائم يتميز المراد ، فإذا أتى بلفظ الشراء في الإيجاب على أنه يريد نقل الملك عنه لا يملكه. ولا ريب أنّ ( شريت ) بتخفيف الراء ، وتشديدها من أغلاط العوام.

قوله : ( والقبول ، وهو : اشتريت ... ).

كان الأولى أن يقول : كاشتريت ، لأن ابتعت ونحوه قبول قطعا.

قوله : ( ولا تكفي المعاطاة ).

هي : مفاعلة من الإعطاء ، فظاهره أنها لا تكفي في المقصود في البيع ، وهو :

٥٧

______________________________________________________

نقل الملك. وليس كذلك ، فان المعروف بين الأصحاب أنها بيع وإن لم تكن كالعقد في اللزوم ، خلافا لظاهر عبارة المفيد (١) ، ولا يقول أحد من الأصحاب بأنها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية (٢) ، وقد رجع عنه في كتبه المتأخّرة عنها (٣).

وقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٤) يتناولها ، لأنها بيع بالاتفاق ، حتّى القائلين بفسادها ، لأنّهم يقولون : هي بيع فاسد. وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٥) فإنه عام ، إلا فيما أخرجه دليل.

وما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب : من أنها تفيد إباحة ، وتلزم بذهاب إحدى العينين ، يريدون به : عدم اللزوم في أول الأمر ، وبالذهاب يتحقق اللزوم ، لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك ، إذ المقصود للمتعاطين إنما هو الملك ، فإذا لم يحصل كانت فاسدة ( ولم يجز التصرف في العين ، وكافة الأصحاب على خلافه.

وأيضا فإن الإباحة المحضة ) (٦) لا تقتضي الملك أصلا ورأسا ، فكيف يتحقق ملك مال شخص بذهاب مال آخر في يده؟ وإنما الأفعال لما لم تكن دلالتها على المراد في الصراحة كالأقوال وإنما تدل بالقرائن ، منعوا من لزوم العقد بها ، فيجوز الترادّ ما دام ممكنا ، فمع تلف إحدى العينين يمتنع التراد ، فيتحقق اللزوم ، لأن إحداهما في مقابل الأخرى ، ويكفي تلف بعض إحدى العينين لامتناع التراد في الباقي ، إذ هو موجب لتبعيض الصفقة ، وللضرر ، ولأن المطلوب هو كون إحداهما في مقابل الأخرى.

__________________

(١) المقنعة : ٩١.

(٢) النهاية ٢ : ٤٤٩.

(٣) كما في المختلف : ٣٤٨.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) ما بين القوسين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.

٥٨

وإن كان في المحقرات ، ولا الاستيجاب والإيجاب ، وهو : أن يقول المشتري بعني ، فيقول البائع : بعتك من غير أن يردّ المشتري.

ولا بد من صيغة الماضي ، فلو قال : اشتر أو ابتع أو أبيعك لم ينعقد وإن قبل.

______________________________________________________

واعلم : أن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة ، وكذا في الهبة ، وذلك لأنه إذا أمره بعمل على عوض معين ، عمله واستحق الأجر ، ولو كان هذا إجارة فاسدة لم يجز له العمل ، ولا يستحق اجرة مع علمه بالفساد ، وظاهرهم الجواز بذلك ، وكذا إذا وهب بغير عقد ، فان ظاهرهم جواز الإتلاف ، ولو كانت هبة فاسدة لم يجز ، ومنع من مطلق التصرف. وهو ملخص وجيه.

قوله : ( وإن كان في المحقرات ).

ردّ به على بعض العامة المكتفين بها في المحقرات كالعقد (١) ، واختلفوا في المحقرات ، فقال قوم : ما لم يبلغ نصاب السرقة (٢) ، وأحالها آخرون على العرف (٣).

والفرق بين المحقرات وغيرها تحكم.

قوله : ( ولا الاستيجاب والإيجاب ... ).

ظاهرهم أن هذا الحكم اتفاقي ، وما قيل بجواز مثله في النكاح (٤) ، مستند إلى رواية ضعيفة.

قوله : ( ولا بد من صيغة الماضي ).

لأنه صريح في إرادة نقل الملك ، وأما المستقبل فإنه شبيه بالوعد ، والأمر بعيد عن المراد جدا ، وكذا باقي العقود اللازمة ، ويشترط وقوع القبول على الفور عادة من غير أن يتخلل بينهما كلام أجنبي ، ووقوعهما بالعربية مراعى فيها أحكام‌

__________________

(١) ذهب إليه أبو حنيفة ، ونقل عن ابن سريج ، انظر : المجموع ٩ : ١٦٢ ، وفتح العزيز ٨ : ٩٩ ، ١٠١.

(٢) حكي عن الرافعي ، انظر : المجموع ٩ : ١٦٤.

(٣) المجموع ٩ : ١٦٤.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٨٧.

٥٩

ولا تكفي الإشارة إلاّ مع العجز ، وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر.

ولا بدّ من التطابق بين الإيجاب والقبول ، فلو قال : بعتك هذين بألف ، فقال : قبلت أحدهما بخمسمائة ، أو قبلت نصفهما بنصف الثمن ، أو قال : بعتكما هذا بألف ، فقال أحدهما : قبلت نصفه بنصف الثمن لم يقع.

ولو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم يملك وضمن.

______________________________________________________

الاعراب والبناء ، وكذا كل عقد لازم ، لأن الناقل هو الألفاظ المخصوصة ، وغيرها لم يدل عليه دليل ، ومعلوم أن العقود الواقعة في زمن النبي والأئمة عليهم‌السلام إنما كانت بالعربية ، نعم يجوز لمن لا يعلم الإيقاع بمقدوره ، ولا يجب التوكيل ، للأصل ، نعم يجب التعلّم إن أمكن من غير مشقة عرفا.

قوله : ( وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر ).

ينشأ : من اتحاد اللّفظ والمعنى ، ومن الشك في ترتّب الحكم مع تأخيره ، مع أن الأصل خلافه ، فان القبول مبني على الإيجاب ، لأنه رضى به فلا بدّ من تأخره ، وتجويز التقديم في النكاح لمصلحة استحياء المرأة ، لا يقتضي التجويز هنا ، والأصح الاشتراط.

قوله : ( ولا بد من التطابق بين الإيجاب والقبول ... ).

أي : على الوجه المخصوص ، الذي يدل عليه باقي كلامه ، لا مطلق التطابق ، للاتفاق على أنه لو قال : بعتك ، فقال : اشتريت ، صح.

قوله : ( فقال : قبلت أحدهما بخمسمائة ).

أي : لا يصحّ هنا على أصح الوجهين ، ويحتمل الصحة ، لأنه في قوة عقدين ، ومن ثمّ افترقا في الشفعة لو اختصت بأحدهما ، وليس بشي‌ء ، لأن ذلك حق ثابت في البيع بالأصالة ، ورضاهما محمول عليه ، بخلاف ما هنا ، لأن رضاء البائع إنما وقع على المجموع بالمجموع.

قوله : ( ولو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم يملك وضمن ).

٦٠