جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولو اشترى بشرط البكارة فادعى الثيوبة ، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات.

ولو رد المشتري السلعة لعيب ، فأنكر البائع أنها سلعته قدّم قوله مع اليمين ، ولو ردّها بخيار ، فأنكر البائع أنها سلعته احتمل المساواة وتقديم قول المشتري مع اليمين ، لاتفاقهما على استحقاق الفسخ ، بخلاف العيب.

______________________________________________________

به لا تسمع دعواه ، ولو ادعى العلم على المشتري حلف له ، وهل يرد عليه اليمين فيثبت دعواه لو حكم؟ يبنى على القولين.

فلو قلنا : كالبينة لم يحلف ، إذ لا تسمع بينة دعواه ، فعلى هذا ينبغي انحصار اليمين في طرف المشتري.

إذا عرفت هذا فقوله : ( احتمل عدم رده على الموكل ) الضمير في ( رده ) يعود الى المعيب ، وضمير ( لإجرائه ) يعود الى اليمين المردودة بتأويل الحلف ، وضمير ( ثبوته ) يعود الى رد المعيب ، وضمير ( لرجوعه ) يعود الى اليمين أيضا ، والمعنى : احتمل عدم رد المعيب على الموكل لإجراء الحلف بالرد مجرى الإقرار ، واحتمل ثبوت رده لرجوع الحلف بالرد قهرا على المدعى ، فأشبه البينة.

قوله : ( ولو اشترى بشرط البكارة فادعى الثيوبة ، حكم بشهادة أربع من النساء الثقات ).

أي : المتصفات بالعدالة ، ولا يخفى أن شهادتهن بالثيوبة إنما تفيد إذا شهدن بها قبل البيع ، نعم لو شهدن بالبكارة في الحال افاده ، فتندفع بذلك دعوى المشتري.

قوله : ( ولو ردّها بخيار ، فأنكر البائع أنها سلعته ، احتمل المساواة وتقديم قول المشتري مع اليمين لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بخلاف العيب ).

وجه المساواة بين هذه المسألة وما قبلها في تقديم قول البائع : اشتراكهما في كون البائع منكرا ، ووجه الاحتمال الثاني ـ وهو تقديم قول المشتري مع اليمين ـ

٣٦١

______________________________________________________

ما ذكره المصنف من اتفاقهما على استحقاق الفسخ ، فلا يلتفت الى إنكار البائع ، لأنه يقتضي عدم الفسخ ، بخلاف مسألة العيب ، لعدم اتفاقهما على مقتضي الفسخ ، فإنّ المشتري يدعي ثبوت الموجب له ـ وهو العيب ـ والأصل عدمه ، كما أن الأصل عدم كونها سلعة البائع ، فقد اجتمع أصلان.

ولك أن تقول : في توجيهه نظر ، لأنّ فرض المسألة لا يقتضي تنازعهما في ثبوت أصل الخيار ، وإنما النزاع في أن السلعة هي هذه أم لا ، وهذا لا دخل له في بقاء الخيار ولا عدمه ، حتى لو فسخ في هذه الحالة لحكمنا بصحة الفسخ ، وكان قاضيا عليه ببقاء السلعة.

فإذا حلف البائع على نفي كونها سلعته طولب بإحضارها ، ولو أن تنازعهما من أول الأمر في أن السلعة لم تتلف فالخيار باق ، أو تلفت فهو منتف ، لكان القول قول المشتري ، لأصالة بقائها وأصالة بقاء الخيار ، فما ذكره لا يصلح للفرق.

ولو قيل : إن إنكار كون هذه هي السلعة يفضي الى سقوط الخيار ، لأن حلف البائع على نفي ذلك ، وإصرار المشتري على دعواه انها هي ، يؤدي الى عدم بقاء الخيار المتفق على ثبوته ، وهو باطل ، فيكون قول المشتري مقدما من هذه الجهة.

لدفعناه بان ذلك لا يفضي الى سقوط الخيار ، لإمكان فسخ المشتري ، والحالة هذه ، إذ كون السلعة غير هذه لا يمنع من الخيار.

نعم بعد الفسخ يصير النزاع في أن هذا عين مال البائع ، أم لا؟ وترجيح جانب المشتري فيه مشكل ، لأن البائع منكر ، والأصل عدم كون المأتي به عين ماله ، وقبض المشتري إياه إنما كان لمصلحته ، وهو في عهدة ضمانه.

واجتماع أصلين في المسألة السابقة دون هذه لا يضر ، لأن الحكم فيها مستندا إلى أصالة عدم كونها سلعته ، وإن تأيد الحكم في الأولى بالأصل الثاني ، فحينئذ الأظهر ترجيح المساواة.

قال الشارح ولد المصنف : الاختلاف في موضعين :

٣٦٢

ولو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا ، فوجد المشتري عيبا قديما وتجدد عنده آخر لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ولا مع الأرش ، ولا يجب الصبر على المعيب مجانا.

______________________________________________________

أحدهما : خيانة المشتري بتغير السلعة ، فالبائع يدعيها ، والأصل عدمها. وليس بشي‌ء ، لأن كل مدعيين أحدهما يدعي خيانة الآخر ، فلو أثّر لأثر فيما إذا ادعى عليه مالا فأنكره ، فإنه يدعي خيانته بإنكاره.

والتحقيق : أن هذا ساقط الاعتبار بقوله عليه‌السلام : « واليمين على من أنكر » (١).

الثاني : سقوط الخيار الثابت للمشتري ، فالبائع يدعيه ، والأصل عدمه (٢). وقد عرفت مما قررناه أن النزاع ليس فيه ، فهذا ايضا ليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا ، فوجد المشتري عيبا قديما ، وتجدد عنده آخر ، لم يكن له الأرش ولا الرد مجانا ولا مع الأرش ، ولا يجب الصبر على المعيب مجانا ).

أما أنه لا يستحق الأرش ، فلأنه يستلزم زيادة المبيع على الثمن مع اتحاد الجنس في الربوي.

وأما أنه ليس له الرد مجانا ـ أي : بغير جبران للمعيب المتجدد ـ فلأن في ذلك إضرارا بالبائع ، لأن نقصان المالية بالعيب في يد المشتري مضمون عليه ، فكيف يلزم البائع بما يقتضي سقوطه؟ بل العيب المتجدد عند المشتري مسقط للرد على كل حال ، فكيف يثبت هنا على وجه النقصان؟ ومن هذا يعرف وجه عدم استحقاقه الرد مع الأرش أيضا.

وأما أنه لا يجب الصبر على المعيب مجانا ، فللنص (٣) والإجماع على أن العيب القديم في المبيع مضمون للمشتري على البائع ، فكيف يسقط هنا؟

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٥٢٣ حديث ٢٢ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٩٩.

(٣) الكافي ٥ : ٢٠٧ حديث ٢ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ٦٠ حديث ٢٥٨ ، ٢٦٠.

٣٦٣

فالطريق : الفسخ وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيبا بالقديم سليما عن الجديد.

ويحتمل الفسخ مع رضى البائع ، ويرد المشتري العين وأرشها ولا ربا ، فإن الحلي في مقابلة الثمن ، والأرش للعيب المضمون كالمأخوذ للسوم.

______________________________________________________

قوله : ( فالطريق : الفسخ ، وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس ، معيبا بالقديم ، سليما عن الجديد ).

إنما كان هذا هو الطريق ، لأنه لم يبق من الأمور الممكنة إلا هذا ، فالحال في الجميع بين حق كل من البائع والمشتري هو هذا.

فان قيل : ما ذكره في قوله : ( ويحتمل ... ) ينافي الانحصار في هذا ، فلا يكون هو الطريق.

قلنا : لا منافاة ، لأن مراده : الطريق في إعطاء كل ذي حق حقه على وجه الاستحقاق ، لا على وجه يعم التراضي ، ولا طريق على هذا الوجه إلا هذا ، فيفسخ المشتري العقد ، ليدفع الضرر عن نفسه ، وينزل المبيع منزلة التالف ، لمنع رده بتجدد العيب الحادث ، فينتقل الى قيمته من غير الجنس معيبا بالعيب القديم ، لأنه من ضمان البائع ، سليما عن الجديد ، لأنه من ضمان المشتري.

قوله : ( ويحتمل الفسخ مع رضى البائع ، ويرد المشتري العين وأرشها ... ).

لو قال : ويحتمل رد العين مع الأرش مع رضى البائع إذا فسخ المشتري لكان أولى ، لأن ثبوت الفسخ لا تردد فيه ، وليس رضى البائع شرطا فيه ، بل هو قهري بالنسبة اليه ، إنما المشترط برضاه هو دفع العين بأرش المعيب المتجدد ، لأن قبولها معه قد بينا أنه غير واجب عليه مطلقا ، فيقف ردها اليه على رضاه لا محالة.

نعم ، قد يتخيل من ذلك حصول الربا ، لأنّ المردود حينئذ يزيد على وزن الآنية ، وقد رده المصنف بقوله : ( ولا ربا ، فإن الحلي في مقابلة الثمن ، والأرش للعيب المضمون كالمأخوذ للسوم ) ومعناه : ان تخيل الربا هنا مدفوع باختلاف جهة‌

٣٦٤

______________________________________________________

المقابلة ، لأنّ الحلي المدفوع بعد الفسخ في مقابلة الثمن المأخوذ حينئذ ، والأرش في مقابلة العيب المضمون ، فهو كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا تجدد بيد المستام وإن كانت ربوية ، فكما لا يعد هنا ربا كذا لا يعد في صورة النزاع.

ولقائل أن يقول : إن اختلاف جهة المقابلة لا يمنع الربا ، وإلا لجاز شراء الحلي المعيب بمثله مع أرش العيب ، وإنما التعليل الصحيح لذلك : إن الربا ممنوع منه في المعاوضات ، لا في الضمانات ، لما ذكرناه في السوم ، لانتفاء صدق مقابلة الشي‌ء بمثله مع زيادة.

وهذا الاحتمال أيضا قوي متين لا رد له ، لكنه مقيد برضى البائع كما عرفت ، وهذان الوجهان للعامة ، ولم يشترطوا في الثاني التراضي ، وليس بظاهر.

ولهم ثالث ، وهو أن يرجع المشتري بأرش العيب القديم ، والمماثلة في مال الربا إنما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت ، والأرش حق ثبت بعد ذلك ، فلا يقدح في العقد السابق.

قال المصنف في التذكرة : وهذا الوجه عندي لا بأس به (١) ، وقد تنظر فيه من جهة أن أخذ الأرش إنما كان لفوات مقابله من المبيع ، فتبقى المعاوضة على المعيب ، وما بقي من الثمن بعد الأرش.

واعلم أنّ الشارح وجه عدم الرد مع الأرش بلزوم الربا (٢). وليس بجيد ، لأن ذلك ممنوع منه من جهة أخرى ، وهو لزوم الضرر على البائع ، فلا يكون حقا للمشتري.

نعم إذا رضي احتمل الجواز والمنع ، لتخيل حصول الربا وعدمه ، وهو الذي ذكره المصنف في الاحتمال ثانيا ، بعد أن قال سابقا : ( ولا الرد مجانا ، ولا مع الأرش ) وقال ايضا : ( وإنما فرضه ) يعني المبيع حليا ، لأنه لو لم يكن حليا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣١.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٩٩.

٣٦٥

المقصد السادس : في أحكام العقد :

وفيه فصول :

الأول : ما يندرج في المبيع : وضابطة الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا ، والألفاظ ستة :

الأول : الأرض ، وفي معناها البقعة والعرصة والساحة.

______________________________________________________

ضمنه بالمثل معيبا بالقديم سليما عن الجديد ، لكن الحلي من ذوات القيم.

وما قاله صحيح ، لكن لو فرض كونه غير حلي وذكر حكمه لصح أيضا ، فلا يكون هذا وجها لفرض هذا بخصوصه ، بل وجهه اختياره ، نعم اعتبار القيمة إنما يصح في الحلي.

قوله : ( وضابطه الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا ).

في حواشي شيخنا الشهيد ، عن قطب الدين : بالدلالة المطابقية والتضمنية دون الالتزامية ، فلا يدخل الحائط لو باع السقف ، ويدخل في العرف العام والخاص ، لكن هل يصار الى الخاص عند وجود العام في موضع تفاهمه؟ يحتمل ذلك ، ويقدم العرفي على اللغوي ، وإن عكس في العبارة.

قوله : ( الأرض وفي معناها البقعة ، والعرصة ، والساحة ).

العرصة : كل بقعة من الدور واسعة ليس فيها بناء ، الجمع : عراص وعرصات وأعراص.

والساحة : الناحية ، وفضاء بين دور الحي ، الجمع : ساح وسوح وساحات. ذكره في القاموس (١) والمعنى الثاني هو المراد.

__________________

(١) القاموس المحيط ( سوح ) ١ : ٢٣٠.

٣٦٦

ولا تندرج فيها الأشجار ولا البناء ، ولا الزرع ، ولا أصل البقل ، ولا البذر وإن كان كامنا ـ ولا يمنع صحة بيع الأرض ، لكن للمشتري مع الجهل الخيار بين الفسخ والإمضاء مجانا ـ ولو قال : بحقوقها.

أما لو قال : وما أغلق عليه بابه ، أو ما هو فيه ، أو وما اشتملت عليه حدوده دخل الجميع ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا تندرج فيها الأشجار ، ولا البناء ، ولا الزرع ، ولا أصل البقل ، ولا البذر وإن كان كامنا ).

لأنّ شيئا من ذلك لا يدخل في مفهوم الأرض ، ولا البواقي.

قوله : ( ولا يمنع صحة بيع الأرض ، لكن للمشتري مع الجهل الخيار بين الفسخ والإمضاء مجانا ).

أما عدم منعه صحة البيع فظاهر ، لعدم منعه من التسليم ، وأما ثبوت الخيار مع الجهل ، فلأنه لاشتغال المبيع بأحد هذه يتعذر الانتفاع به الى زمان تفريعه ، أو ينقص.

قوله : ( ولو قال : بحقوقها ).

هو وصلي لما سبق ، أي : لا يندرج شي‌ء من ذلك في بيع الأرض والبواقي وإن قال البائع : بعتكها بحقوقها على الأصح ، إذ ليس شي‌ء من ذلك من حقوقها ، بل حقوقها الممر ومجرى الماء وأشباه ذلك ، وقال الشيخ رحمه‌الله :يدخل (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( أما لو قال : وما أغلق عليه بابها ، أو ما هو فيه ، أو ما اشتملت عليه حدودها دخل الجميع ).

قد يتوهم من قوله : ( وما أغلق عليه بابها ) بالعطف اعتبار هذا مع قوله :( بحقوقها ) ليندرج فيه ما ذكره ، وليس مرادا وإن اقتضته العبارة ، لأنّ قوله :

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٠٥.

٣٦٧

ويدخل لو لم يقل : في ضمان المشتري ويده بالتسليم إليه وإن تعذر انتفاعه.

______________________________________________________

بعتكها بما فيها ، أو بما اشتملت عليه حدودها ، أو بما أغلق عليه بابها يقتضي دخول ذلك ، كما صرح به في التذكرة (١) ، وقد ورد الأخير في مكاتبة محمد بن الحسن الصفار عن العسكري عليه‌السلام (٢).

واعلم أن مقتضى إطلاق العبارة دخول البذر الكامن في الأرض المبيعة إذا اتى بواحدة من هذا العبارات.

وفي المختلف : إنّ البذر إذا كان أصلا في البيع بطل البيع المشتمل على ضميمته إلى الأرض ، وإن كان الأصل هو الأرض والبذر تابع صح البيع (٣) ، وهو بناء على أن الجهالة إنما تغتفر في التابع ، وأطلق في الدروس الصحة (٤) تبعا لإطلاق الشيخ في المبسوط (٥) والخلاف (٦) ، والمسألة موضع توقف.

وسيأتي في كلام المصنف التصريح فيها بالصحة ، نعم لو وصف البذر وعين قدره صح الشراء على ذلك ، ولو صالح عليه صح مطلقا.

قوله : ( ويدخل لو لم يقل : في بضمان المشتري ويده بالتسليم إليه وإن تعذر انتفاعه ).

أي : ويدخل المبيع المذكور في ضمان المشتري وفي يده بالتسلم اليه ولو لم يقل واحدة من العبارات الثلاث التي تقتضي اندراج الأمور المذكورة من الشجر والبناء والزرع في المبيع ، وإن تعذر انتفاع المشتري بالمبيع حينئذ على أصح الوجهين لحصول التسليم المعتبر ، وتعذر الانتفاع وقتا ما لا ينافيه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧٢.

(٢) التهذيب ٧ : ١٣٨ ، ١٥٥ حديث ٦١٣ ، ٦٨٥.

(٣) المختلف : ٣٩٢.

(٤) الدروس : ٣٤٠.

(٥) المبسوط ٢ : ١٠٩.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٢ مسألة ١٣٨ كتاب البيوع.

٣٦٨

والأحجار إن كانت مخلوقة أو مدرجة في البناء دخلت ، وإن كانت مدفونة لم تدخل ، فان كان المشتري عالما فلا خيار له ـ وله إجبار البائع على القلع ، ولا اجرة له عن مدة القلع وإن طالت ، وعلى البائع تسوية الحفر ـ وإن كان جاهلا تخير في الفسخ والإمضاء.

______________________________________________________

قوله : ( والأحجار إن كانت مخلوقة ، أو مدرجة في البناء دخلت ).

لا إشكال في الثاني إذا قلنا بدخول البناء في بيع الأرض ، أو على تقدير اشتراطه ، أما الأول فقد استشكله في المختلف من حيث كون الاسم لا يصدق عليها ، ولا يدخل تحت معناه (١). وليس بجيد ، فانّ الحجر من أجزاء الأرض قطعا ، فيدخل وإن لم يشترطه.

فرع :

إن كانت الحجارة المخلوقة مضرة بالغراس ، وتمنع عروقه من النفوذ ، ونحو ذلك تخير المشتري مع جهالته ، وإلا فلا.

قوله : ( فان كان المشتري عالما فلا خيار له ).

لرضاه بالعيب.

قوله : ( وله إجبار البائع على القلع ).

لأنه إذا دخل المبيع في ملكه كان له طلب تفريغه من مال البائع. ولو اشترط بقاءها فلا بد من تعيين المدة ، إذ ليس هناك أمد يتنظر ، ذكر نحوه في التذكرة (٢).

قوله : ( وعلى البائع تسوية الحفر ).

لأنه نقصان في المبيع أحدثه لتخليص ملكه ، ولوجوب التسليم مفرغا.

__________________

(١) المختلف : ٣٩٢.

(٢) التذكرة ١ : ٥٧١.

٣٦٩

والأقرب عدم ثبوت الأجرة عن مدة القلع أو مدة بقاء الزرع ، لأنها مستثناة كمدة نقل المتاع ، وله أرش التعيب مع التحويل.

ولو ترك البائع الحجارة للمشتري ولم يكن بقاؤها مضرا ، سقط خيار المشتري ولم يكن بقاؤها مضرا ، سقط خيار المشتري ، ولا يملكها المشتري بمجرد الاعراض ، بل لا بد من عقد.

______________________________________________________

قوله : ( والأقرب عدم ثبوت الأجرة عن مدة القلع ، أو مدة بقاء الزرع ، لأنها مستثناة كمدة نقل المتاع ).

توضيح ما ذكره : ان علمه باشتغال المبيع بذلك يقتضي رضاه على هذه الحالة ، لكن حين صار ملكا له ثبت له مطالبة البائع بتفريغ الملك على الوجه المعتاد ، بد لذلك من مدة ، فيجب استثناؤها. ويحتمل ـ ضعيفا ـ الثبوت ، لاستيفاء البائع منافع ملك المشتري ، فيجب بذلها ، وفيه ضعف ، والأول هو الأصح.

قوله : ( وله أرش التعيب مع التحويل ).

لأنه صدر من البائع ، ولم يدل على استثنائه دليل.

قوله : ( ولو ترك البائع الحجارة للمشتري ، ولم يكن بقاؤها مضرا سقط خيار المشتري ).

لا كلام في ثبوت الخيار مع الضرر ، أما إذا لم تكن مضرة فإنه يشكل سقوط الخيار الثابت بمجرد ترك البائع لها ، إذ لا يجب عليه قبولها ، وما أشبه هذه المسألة بمسألة ما إذا اختلطت اللقطة المبيعة من الخضروات بالمتجدد منها.

قوله : ( ولا يملكها المشتري بمجرد الإعراض ، بل لا بد من عقد ).

فعلى هذا لو أراد البائع الرجوع بها كان للمشتري الخيار ، كما صرح به في التذكرة (١). ويحتمل عدم جواز الرجوع ، لأن سقوط الخيار إنما هو في مقابلها. ولو وهبه إياها هبة غير لازمة فالاحتمالان آتيان هنا أيضا.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٧١.

٣٧٠

الثاني : البستان والباغ : ويدخل فيه الشجر والأرض والحيطان ، وفي دخول البناء إشكال ، أقربه عدم الدخول.

ويدخل فيه العريش الذي توضع عليه القضبان على إشكال ، ويدخل المجاز والشرب على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وفي دخول البناء إشكال ، أقربه عدم الدخول ).

لا يخفى أن المراد بـ ( البناء ) : ما عدا حيطان البستان ، فإنها داخلة في لفظ البستان ، وما في معناه لقضاء العرف بدخوله ، وبه صرح في التذكرة (١).

ومنشأ الاشكال : من التردد في تناول الاسم لمطلق البناء الواقع في البستان ، لتخيل أنه من توابعه ، والأقرب عدم الدخول ، للشك في ذلك ، وعدم استقرار العرف به ، نعم يدخل مع حصول القرينة الدالة على إرادة دخوله من المتعاقدين.

قوله : ( ويدخل فيه العريش الذي توضع عليه القضبان على إشكال ).

العريش : شي‌ء يعمل من الخشب وغيره ، يشبه السقف ، تلقى عليه قضبان شجر العنب وغيره. والقضبان بضم أوله وكسره ذكره في القاموس (٢) ، ومنشأ الاشكال الشك في دخوله في مسمى البستان ، والأصح تحكيم العرف في ذلك ، فالمتعارف دخوله كالمثبت وما جرى مجراه يدخل بخلاف غيره.

وفي الدروس : اعتبر كونه مثبتا دائما أو غالبا (٣) ، وهو قريب مما قلناه.

قوله : ( ويدخل المجاز والشرب على إشكال ).

الإشكال إنما هو في الشرب ، لأن المجاز من ضروراته ، فلا شك في‌

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) القاموس المحيط ( قضب ) ١ : ١١٧.

(٣) الدروس : ٣٤٠.

٣٧١

الثالث : الدار : وتدخل فيها الأرض والبناء على اختلافه حتى الحمام المعدود من مرافقها ، والأعلى والأسفل إلاّ أن تشهد العادة باستقلال الأعلى ، والمثبت سواء عد من أجزاء الدار ـ كالسقوف والأبواب المنصوبة والحلق والمغاليق ـ أو لا ، بل اثبت للارتفاق ، كالسلم المثبت والرفوف المثبتة والأوتاد المغروزة ،.

______________________________________________________

دخوله ، ومنشؤه من الشك في تناول اللفظ له عرفا ، والظاهر أنه لا فرق بينهما ، لأن كل واحد منهما من ضروريات الانتفاع ، وإن كان ضرورة المجاز أشد ، لامتناع الانتفاع بدونه.

وأما الشرب ، فان الانتفاع بالبستان النفع المطلوب من أمثاله لا يكون بدونه ، وإن أمكن الانتفاع بوجه آخر ، فيكون حاله من جهة كونه بستانا دليلا على تناوله الشرب ، وإرادتهما إياه.

قوله : ( والأعلى والأسفل ، إلا أن تشهد العادة باستقلال الأعلى ).

بأن يكون لها طريق مستقل ومرافق على حدة ، وبدونه يدخل عملا بمقتضى العرف ومبادرة المعنى الى الفهم ، وعلى هذا تحمل مكاتبة الصفار إلى العسكري عليه‌السلام بعدم دخول الأعلى (١).

قوله : ( والمثبت سواء عد من أجزاء الدار ـ كالسقوف والأبواب المنصوبة والحلق والمغاليق ـ أو لا بل اثبت للارتفاق ، كالسلم المثبت والرفوف المثبتة والأوتاد المغروزة ).

ضابط ما يدخل من المثبتات ما يعد جزءا في العادة ، أو من مرتفقات الدار عرفا ، ونفى المصنف في التذكرة دخول السلالم المسمرة والرفوف والأوتاد المثبتة (٢) ، وفيه نظر ، فان ما اثبت من هذه محسوب من الدار بالتبعية خصوصا‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٥٣ حديث ٦٧٢ ، التهذيب ٧ : ١٥٠ حديث ٦٦٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٧٢.

٣٧٢

دون الرحى المثبت ، والدنان ، والإجانات المثبتة ، وخشبة القصارين ، والخوابي المدفونة ، والكنوز المذخورة ، والأحجار المدفونة.

ولا ما ليس بمتصل ، كالفرش ، والستور ، والرفوف الموضوعة على الأوتاد من غير سمر ، والحبل ، والدلو ، والبكرة ، والقفل إلا المفاتيح فإنها تدخل.

______________________________________________________

السلم المنصوب مثبتا للغرفة ونحوها ، واختار في الدروس ما اختاره المصنف هنا (١) ، وهو الأصح.

قوله : ( دون الرحى المثبت ).

فلا يدخل شي‌ء من حجرتها لا الأعلى ، ولا الأسفل ، إذ لا تعد من الدار ، وإنما أثبتت لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال ، وليست كالحمام ، إذ هو من جملة البيوت ، وظاهر إطلاقهم دخول الحمام الذي يعد من مرافق الدار دخول قدره من النحاس ونحوه.

وفي الفرق بينه وبين الرحى توقف ، إلا أن يلحظ كونه مثبتا مع القطع بعد الحمل من المرافق ، وأحد حجري الرحى غير مثبت مع الشك في كونها من المرافق للدار عادة.

قوله : ( وخشبة القصارين والخوابي المدفونة ).

هي جمع خابية ، وهي : الحب (٢) ، وعدم دخولها في الدار واضح ، أما لو بيعت المصبغة ، أو المدبغة ، أو دكان القصار ففي دخول الخشبة والخوابي إذا كانت مثبتة احتمال.

قوله : ( إلا المفاتيح ).

لأنها من توابع المغاليق المثبتة ، وهذا في غير مفاتيح الأقفال ، لأن كلا من القفل والمفتاح غير مثبت.

__________________

(١) الدروس : ٣٤٠.

(٢) في الحجري ورد بياض بدل الحب ، وفي ( م ) وردت كلمة غير مقروءة ، ولعلها الحب ، والخابية : هي الحب كما في لسان العرب ١٤ : ٢٢٣ ، خبا.

٣٧٣

وفي ألواح الدكاكين إشكال : من حيث أنها تنقل وتحوّل فصارت كالفرش ، ومن حيث أنها أبواب ، ويدخل فيه المجاز.

ولو قال : بحقوقها وتعدد دخل الجميع ، ولو لم يقل فإشكال ، فإن قلنا بدخول الجميع فلا بحث ، وإلاّ وجب التعيين.

الرابع : القرية والدسكرة : وتدخل فيها الأبنية ، والساحات التي تحيط بها البيوت ، والطرق المسلوكة فيها.

______________________________________________________

قوله : ( وفي ألواح الدكاكين إشكال : من حيث أنها تنقل وتحوّل فصارت كالفرش ، ومن حيث أنها أبواب ).

والأقوى دخولها ، وجعلها منقولة نوع ارتفاق ، لئلا يضيق الموضع بها ، لأنّ كبرها مطلوب لاستتارة المكان ، فلو أثبتت لمنعت جملة منه.

قوله : ( ولو قال : بحقوقها ، وتعدد دخل الجميع ).

لأنّ الجميع معدود من حقوقها ، وقد سبق في أول كتاب البيع كلام فيما إذا كان المبيع الى جانب ملك المشتري أو طريق.

قوله : ( ولو لم يقل فإشكال ).

ينشأ : من نصهم على دخول المجاز ، وهو صالح للواحد والكثير ، ومن أن الحكم بدخوله إنما هو لقضاء العرف به من حيث توقف الانتفاع عليه ، ويكفي في ذلك مجاز واحد ، فدخول الجميع لا دليل عليه ، وهذا أصح لوجوب التمسك بأصالة عدم الشمول ، لانتفاء الدليل الناقل عنه.

قوله : ( فان قلنا بدخول الجميع فلا بحث ، وإلا وجب التعيين ).

فبدونه يبطل العقد ، لأن إبهام السلوك موجب لجهالة المبيع كما سبق ، إذ السلوك من الجوانب متفاوت ، وقد حكمنا بعدم دخول الجميع ، فلا بد من التعيين.

قوله : ( القرية والدسكرة ).

في الدروس : والضيعة في عرف أهل الشام (١) ، والدسكرة : هي القرية ،

__________________

(١) الدروس : ٣٤٠.

٣٧٤

وفي دخول الأشجار النابتة وسطها إشكال ، أقربه عدم الدخول.

ولا تدخل المزارع حول القرية وإن قال : بحقوقها ، إلاّ مع القرينة ، كالمساومة عليها وعلى مزارعها بثمن ويشتريها به ، أو يبذل ثمنا لا يصلح إلاّ للجميع.

الخامس : الشجر : ويندرج تحته الأغصان الرطبة ، والأوراق ، والعروق دون الفراخ.

ولو تجددت فلمالك الأرض الإزالة عند صلاحية الأخذ ، ويستحق الإبقاء مغروسا لا المغرس ، فلو انقلعت سقط حقه.

______________________________________________________

نص عليه في القاموس (١).

قوله : ( وفي دخول الأشجار النابتة وسطها إشكال ، أقربه عدم الدخول ).

ينشأ من الشك في دخولها في مسمى القرية ، ولعل الظاهر العدم ، نعم لو اقتضى العرف دخولها في المسمى ، أو دلت القرينة على ذلك كالمساومة على المجموع ، أو بذل ثمن لا يقابل به عادة إلا المجموع حكم بدخولها.

قوله : ( دون الفراخ ).

وإن كانت نابتة من عروق الشجرة المبيعة ، إذ لا تعد جزءا منها عرفا.

قوله : ( ولو تجددت فلمالك الأرض الإزالة عند صلاحية الأخذ ).

لا شبهة أنها للمشتري ، لأنها نماء ملكه ، ولا يجب على البائع إبقاؤها ، لأنّ البيع إنما اقتضى إبقاء الشجرة ، وما يعد من أجزائها والفراخ ليست منها ، وإنما تسوغ له إزالتها عند صلاحية الأخذ ، وذلك حيث ينتفع بها إذا أخذت كما في الزرع والثمرة إذا اشتراهما ، والمرجع في ذلك الى العرف.

__________________

(١) القاموس المحيط ( الدسر ) ٢ : ٢٩.

٣٧٥

ولو اشترى الشجرة بحقوقها لم يستحق الأرض أيضا ، بل الإبقاء.

وليس له الإبقاء في المغرس ميتة ، إلاّ أن تستخلف عوضا من فراخها المشترطة.

______________________________________________________

فلا يسوغ قبل ذلك ، لما فيه من الإضرار بالمشتري ، ولا يستحق البائع على المشتري أجرة لذلك ، لأن الإبقاء إلى أوان الانتفاع من مقتضيات العقد.

وهنا اشكال ، وهو : أن الفرخ إن شمله اسم الشجرة وجب إبقاؤه كالشجرة ، وإن لم يشمله لم يجب إبقاؤه وقتا ما ، بل يزال حالا كما لو نبت حب الغير في أرض آخر.

ويمكن الجواب بأنّ اسم الشجرة لا يتناوله ، فمن ثم لا يجب إبقاؤه دائما ، لكن لا تجوز إزالته حالا ، لأنه من نماء الشجرة ، فهو كثمرتها ، فإنها وان لم تدخل في مسماها ، لكن يجب إبقاؤها إلى أوان البلوغ عرفا ، ثم تسوغ الإزالة ، ولو شرط إبقاء الفرخ دائما فلا بحث في وجوبه.

فائدة :

ذكر في الدروس دخول الفراخ في بيع الشجرة بالشرط بصيغة (١) ، قيل : وهو يشعر بتردده في ذلك ، وكأنه ينظر إلى أنها جزء باعتبار حصولها من أصول الشجرة الداخلة في مسماها.

ويمكن رد هذا ، بأنها وإن نمت من أصول الشجرة ، إلا أن العرف اقتضى خروجها عن الجزئية ، وعدها شجرة اخرى ، هذا إذا لم تكن نابتة في نفس المغرس ، أما إذا نبتت ففيه الإشكال.

قوله : ( وليس له الإبقاء في المغرس ميتة ، إلا أن تستخلف عوضا من فراخها المشترطة ).

الاستثناء هنا من محذوف ، أي : وليس له إبقاء الشجرة في المغرس بعد موتها في حال ، إلا في حال استخلافها عوضا من فراخها بشرط أن يكون مشترط‌

__________________

(١) الدروس : ٣٤٠.

٣٧٦

ولا تندرج الثمرة المؤبرة فيها ، إلاّ أن يشترطه المشتري ، سواء أبرها البائع أو تشققت من نفسها فأبرتها اللواقح

وعلى المشتري التبقية إلى بلوغ الصلاح مجانا ، ويرجع في الصلاح‌

______________________________________________________

الإبقاء.

أما أنه لا يجب إبقاؤها ميتة فهو ظاهر ، لأنها حينئذ لا تعد شجرة ، وإنما هي حطب ، فتجب إزالتها ، وهل يجب إبقاء أصلها لرجاء أن تنبت؟ ظاهر العبارة عدم ذلك ، لأن استبقاء أصول الشجرة إنما كان بالتبعية لها ، وقد زالت.

ويحتمل الوجوب ، لوجوب إبقاء المجموع ، فلا يسقط الحكم بزوال بعضه ، هذا إذا لم يشترط بقاء الفراخ ، فلو شرطه ، وكان الفرخ وقت موت الشجرة موجودا فإنه يجب إبقاؤه ، عملا بالشرط ، وإن لم يكن موجودا ، فهل يجب الإبقاء لرجاء وجوده بناء على عدم وجوب الإبقاء للأصل استقلالا؟ فيه تردد ، ينشأ : من الشك في المقتضي ، ومن رجاء النفع.

واعلم أنّ الاستثناء الواقع في العبارة منقطع ، لأنّ إبقاء الشجرة الميتة لا يجب على حال وإن بقي أصلها. ثم إن بقاء الأصل على تقدير اشتراط بقاء الفرخ المستخلف إنما يتحقق إذا كان زواله مضرا بالفرخ ، فان لم يكن مضرا ، فعلى مقتضى عبارة المصنف السابقة من عدم وجوب إبقاء الأصول استقلالا لا يجب هنا وإن كان إطلاق جملة الاستثناء يقتضي وجوب الإبقاء مع الاستخلاف مطلقا.

والتحقيق : أنه إن وجب إبقاؤه بالاستقلال لم يتقيد بحصول الفرخ ، ولا باشتراط إبقائه ، وإلا لم يجب إلا إذا حصل المتبوع ، والعبارة لا تنطبق على واحد من الأمرين.

قوله : ( ولا تندرج الثمرة المؤبرة فيها إلا أن يشترطه المشتري ).

التأبير : [ هو ذر طلع الفحل في كمام الإناث ونحوه. ] (١).

__________________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في « م » وفي مكانه بياض.

٣٧٧

إلى العادة ، فمما يؤخذ بسرا إذا تناهت حلاوته ، وما يؤخذ رطبا إذا تناهي ترطيبه ، وما يؤخذ تمرا إذا نشف نشفا تاما ، وكذا لو اشترى ثمرة كان له إبقاؤها. ولو لم يكن مؤبرا دخل بشرطين :

الأول : أن يكون من النخل ، فلو اشترى شجرة من غير النخل وقد ظهرت ثمرتها لم يدخل ، سواء كانت في كمام وقد تفتّح عنها أو لم يكن قد تفتح ، أو كانت بارزة.

الثاني : الانتقال بالبيع ، فلو انتقلت النخلة بغيره من صلح بعوض أو غيره ، أو هبة بعوض وغيره ، أو إجارة ، أو صداق ، أو غير ذلك لم تدخل.

______________________________________________________

قوله : ( سواء كانت في كمامة وقد تفتح عنها ، أو لم يكن قد تفتح ، أو كانت بارزة ).

[ أي : لا كمام لها ، والكمامة : وعاء الطلع ، وغطاء النور ، ذكره الجوهري (١) ] (٢).

قوله : ( فلو انتقلت النخلة بغيره من صلح بعوض ، أو غيره ).

في الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد أي : غير عوض ، والصلح جائز بغير عوض ، نقله عن والده ، وقيل : الأولى رد الضمير الى الصلح ، أي : أو غير صلح.

أقول : لا ريب أنّ المتبادر عود الضمير الى الصلح ، لكن يشكل عليه أنّ‌ قوله : ( أو هبة بعوض ، وغيره ... ) يصير مستدركا لاندراج ذلك كله في غير الصلح ، وعود الضمير الى العوض على ما فيه من التكلف يقتضي وقوع الصلح بغير عوض.

ويشكل ، بأنه في عقود المعاوضات وهي تقتضي عوضين. ولا يبعد أن‌

__________________

(١) الصحاح ( كمم ) ٥ : ٢٠٢٤.

(٢) ما بين المعقوفتين لم ترد في « م » وأثبتناه من الحجري.

٣٧٨
فروع :

أ : إذا ظهرت الثمرة بعد البيع ، فهي للمشتري إذا لم تكن موجودة حال العقد ، إلاّ أن يشترطها البائع.

ب : لو كان المقصود من الشجر الورد ، فان كان موجودا حال العقد ، فهو للبائع وإن لم يكن‌ تفتح.

______________________________________________________

يكون نظرهم في ذلك الى أن الصلح في الدين على بعضه صحيح ، وهو هبة للبعض ، فيقتضي وقوع الهبة بلفظ الصلح. ولا دلالة فيه ، لأنه على ذلك التقدير صلح مشتمل على عوضين ، فانّ البعض والكل مختلفان ، ويحصل منه باعتبار مقتضاه ما يحصل من الهبة للبعض كما في البيع المشتمل على المحاباة.

أما وقوع الهبة بلفظ الصلح فلا دليل عليه.

فان قيل : لو كان هذا معاوضة حقيقة لزم الربا في الربوي.

قلنا : لما كان أحد العوضين داخلا في الآخر ، وإن غايره مغايرة الجزء للكل لم يتحقق شرط الربا ، وتحقق شرط الصلح بتغاير العوضين.

قوله : ( إذا ظهرت الثمرة بعد البيع ، فهي للمشتري إذا لم تكن موجودة حال العقد ).

يشكل ظاهر العبارة ، بأنّ ظهور الثمرة بعد البيع يقتضي عدم كونها موجودة وقت العقد ، إذ لو كانت موجودة حين إيقاعه لم يتحقق ظهورها بعده ، إذ لا يراد عند الفقهاء من ظهور الثمرة إلا بروزها الى الوجود ، لا زوال الساتر عنها ، إلا أن يحمل الظهور على بدو الصلاح ، نظرا إلى أنها قبله بمعرض التلف ، فكأنها غير ظاهرة ، أو أن وقت الانتفاع بها قبله بعيد ، فكانت غير ظاهرة ، وفيه ما لا يخفى ، فان مدار الحكم على الوجود وعدمه ، فبدو الصلاح لاغ.

قوله : ( لو كان المقصود من الشجر الورد ، فان كان موجودا حال العقد ، فهو للبائع وإن لم يكن تفتح ).

٣٧٩

ج : إنما يعتبر التأبير في الإناث من النخل ، لأن التأبير هو شق أكمّة النخل الإناث وذر طلع الفحل فيها ، فحينئذ لا شي‌ء للمشتري في طلع الفحول إن كان موجودا حال البيع.

د : لو أبر البعض ، فثمرته للبائع وثمرة غير المؤبر للمشتري ، سواء اتحد النوع أو اختلف ، وسواء اتحد البستان‌ أو تعدد.

______________________________________________________

وذلك كشجر الورد والياسمين وغيرهما ، وللشيخ قول بالدخول (١) ، حكاه في التحرير (٢).

قوله : ( إنما يعتبر التأبير في الإناث من النخل ).

أي : إنما يعتبر في كون الثمرة للبائع ، حتى أنه إذا لم يتحقق التأبير يكون للمشتري ، نظرا الى الغالب.

قوله : ( لأن التأبير هو شق أكمة النخل الإناث ، وذر طلع الفحل فيها ).

الأكمة بتشديد الميم جمع كمام ، وهذا التعليل جار على العرف الغالب ، فإنّ شق أكمة الفحل ، وذر طلع الأنثى فيها ممكن ، وقد نقل أنه يفعل ويحصل منه ثمر ، إلا أنّ ذلك لندرته لا يقدح ، ويحتمل التأبير على الغالب.

واعلم أن الشق ليس هو نفس التأبير ، وإنما هو مقدمته ، بل التأبير هو ذر طلع الفحل في كمام الأنثى ونحوه ، ففي العبارة تسامح.

قوله : ( فحينئذ لا شي‌ء للمشتري في طلع الفحول إن كان موجودا حال البيع ).

أي : فحين إذا كان اعتبار التأبير إنما هو في الإناث ، لتكون الثمرة للبائع ، وبدونه للمشتري.

قوله : ( سواء اتحد النوع أو اختلف ، وسواء اتحد البستان أو تعدد ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٠٣.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٧٥.

٣٨٠