جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولو شرط تأخير الثمن فأخره عن الأجل ، لم يكن للبائع خيار.

السادس : خيار الرؤية : فمن اشترى عينا موصوفة شخصية تخير مع عدم المطابقة بين الفسخ والإمضاء.

ويجب في هذا البيع ذكر اللفظ الدال على الجنس ، والأوصاف التي تثبت الجهالة برفع أحدها.

______________________________________________________

الأصل في البيع اللزوم ، وخرج عنه صورة النص ، ولأن في الرواية : « ولا قبض الثمن » (١) وهو يشعر بكون الثمن حالا ، لأن المتبادر أنه عدم ملكه ، ويؤيد هذا ـ ليظهر منه وجه القرب ـ أنّ رضاه بالتأجيل في البعض أسقط خياره بالنسبة إليه ، والصفقة لا تتبعض ، وعدم الثبوت هنا أقوى.

قوله : ( ولو شرط تأخير الثمن ، فأخّره عن الأجل لم يكن للبائع خيار ).

المراد بالتأخير الأول : التأجيل ، وإنما لم يثبت الخيار هنا لنحو ما قلناه من الوجوه في المسألة السابقة ، وعلى قول الشيخ ـ أنه متى تعذر قبض الثمن يتخير (٢) ـ يثبت الخيار هنا.

قوله : ( والأوصاف التي تثبت الجهالة برفع أحدها ).

ضابطة ذلك : أن كل وصف تتفاوت الرغبات بثبوته وانتفائه ، وتتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره ، فلا بدّ من استقصاء صفات السلم كلّها ، صرّح به المصنف في التذكرة (٣).

فعلى هذا ما لا يجوز السلم فيه لا يجوز بيعه بالوصف ، إلاّ أن يبيع عينا شخصية تقبل الوصف ، وتنضبط باستقصاء الأوصاف الموجبة للتفاوت كلّها ككبار اللآلئ ، فانّ هذه لا يجوز السلم فيها ، لأنّ ضبطها يؤدي إلى عزّة الوجود ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٢ ، الاستبصار ٣ : ٧٨ حديث ٢٥٩ ، وفيهما : ولا يقبض الثمن.

(٢) النهاية : ٣٨٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٤.

٣٠١

ولا تشترط رؤية البائع ، فلو باع بوصف الوكيل ثم ظهر أجود تخير البائع ، ولو شاهد بعض الضيعة ووصف له الباقي ثبت له الخيار في الجميع مع عدم المطابقة.

ولو نسج بعض الثوب ، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل.

______________________________________________________

وهذا مندفع بكون العين شخصية. أما ما لا يمكن ضبطه أصلا بحسب العادة ، فيمتنع بيعه بالوصف.

قوله : ( ولو [ شاهد ] (١) بعض الضيعة ووصف له الباقي ، ثبت له الخيار في الجميع مع عدم المطابقة ).

دون ما لم يره فقط ، تفاديا من تبعّض الصفقة بالنسبة إلى البائع.

قوله : ( ولو نسج بعض الثوب ، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل ).

لأن ذلك بيع لعين شخصية بيع بمضمون في الذمة مجهول ، وما أشبه هذا بما لو أراه أنموذجا ، وباعه ما في البيت على أنه مثله ، ولم يدخل الأنموذج في البيع. وهنا مباحث :

[ الأول ] (٢) : أقسام الخيار قد حدّدت في كلام الشارع ، إلاّ خيار الغبن والتأخير والرؤية ، فأما خيار الغبن ففي كونه على الفور أو التراخي قولان ، وقد سبق مثلها في التّلقّي [ وبيّنّا ] (٣) الرّاجح هناك ، وربّما أنكره بعض الأصحاب (٤) ، ومثله خيار الرؤية ، وفي خيار التأخير تردّد.

[ الثاني ] (٥) : هل يصح اشتراط إسقاط هذه الأقسام؟ أما المجلس والحيوان والعيب فظاهر صحة إسقاطها ، وأما خيار الغبن والتأخير والرؤية ففيها‌

__________________

(١) في « م » : اشترى ، وما أثبتناه من القواعد ، وهو الصحيح.

(٢) لم ترد في « م » وأثبتناها من الحجري للسياق.

(٣) في « م » : وهنا ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.

(٤) منهم : العلامة في المختلف : ٣٦٦.

(٥) في « م » : قوله ، وما هنا من الحجري وهو الصحيح لأن ما بعده ليس من القواعد.

٣٠٢

السابع : خيار العيب ، وسيأتي.

المطلب : الثاني في الأحكام :

يثبت خيار الشرط في كل عقد سوى الوقف والنكاح ، ولا يثبت في الطلاق ولا العتق ولا الإبراء.

______________________________________________________

احتمال ، وصحة الاشتراط فيما عدا خيار الرؤية أظهر ، أما خيار الرؤية ، فإن شرط رفعه بطل الشرط والعقد للزوم الغرر ، لأن الوصف قائم مقام الرؤية ، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي ولا موصوف.

قوله : ( يثبت خيار الشرط في كل عقد سوى النكاح والوقف ).

يريد بالعقد : ما يعمّ الإيقاع ، ليكون ذكر حكم الطلاق والعتق في قوة الاستثناء ، أو يريد به : معناه الحقيقي ، وذكر حكمهما على طريق الاستيفاء.

وإنما لم يدخل خيار الشرط النكاح مع تناول عموم قوله عليه‌السلام :« المسلمون عند شروطهم » (١) للإجماع ، ولأنه ليس عقد معاوضة ، ليشرع له اشتراط التروّي والاختيار ، ولشدّة الاحتياط في الفروج ، ولأن فيه شائبة العبادة ، ولأن رفعه يتوقف على أمر معين ، فلا يقع بغيره.

نعم يصحّ اشتراطه في الصداق وحده ، لما فيه من معنى المعاوضة وجواز إخلاء العقد عنه مع العموم السالف ، والوقف ازالة ملك على وجه القربة ، فهو في معنى العبادة ، فلا يدخله ، ولأن هذه الإزالة لما لم تكن الى عوض أشبهت العتق.

وهل العمرى والحبس وما في معناهما كذلك؟ ينبغي الجواب بنعم ، للاشتراك في المعنى المذكور.

قوله : ( ولا يثبت في الطلاق ولا العتق ولا الإبراء ).

أمّا الطّلاق ، فلأنه مزيل لعلاقة النكاح ، فلا يتصوّر فيه الخيار ، وفي معناه الخلع والمبارأة ، لأن الغرض منهما الفرقة ، والمال بالعرض ، وفي معنى العتق التدبير ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، ٩ ، صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ حديث ١٣٦٣.

٣٠٣

ويسقط بالتصرف ،

______________________________________________________

وكذا الكتابة المطلقة على ما ذكره في التحرير (١) والتذكرة (٢) ، وأما المشروطة فيثبت فيها خيار الشرط للمولى.

وفي العبد قولان ، اختار الثبوت الشيخ (٣) ، والعدم المصنف في التحرير (٤). وكذا لا يثبت في الإبراء ، لأنه إسقاط ، ولا في الوصية ، لأن الخيار فيها إلى الموت ، وكذا العقود الجائزة ، ومنه الرهن بالنسبة إلى المرتهن.

أما الصّلح الذي لا يكون في معنى الإبراء ، والضمان والهبة على وجه لازم ، والحوالة والكفالة والإجارة والمساقاة والمزارعة والسبق والرمي ، فيدخلها ، على خلاف في بعضها ، يدلّ على دخولها عموم الحديث (٥) ، وكذا يدخل القسمة ، سواء اشتملت على رد ، أم لا.

قوله : ( ويسقط بالتصرف ).

إجماعا ، ويدلّ عليه الحديث السابق (٦) ، ولو وقع التصرف نسيانا ، كما لو وطأ الجارية ظانّا أنها أخرى ، ففي السقوط نظر ، وظاهر الرواية يقتضيه ، ولم أظفر فيه بكلام للأصحاب.

ولا يعدّ ركوب الدّابة للاستخبار ، أو لدفع جموحها (٧) ، أو لخوف من ظالم ، أو ليردّها تصرّفا ، وبالأخير صرّح في التذكرة (٨) ، وهل يعدّ حلبها للاستخبار تصرّفا؟ ليس ببعيد أن لا يعدّ. وكذا لو أراد ردّها ، وحلبها لأخذ اللبن على إشكال ، ينشأ من أنه ملكه فله استخلاصه ، وفي التذكرة : أن الأقرب عدّه تصرّفا (٩).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٦٧.

(٢) التذكرة ١ : ٥٢٢.

(٣) المبسوط ٢ : ٨٢.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ١٦٧.

(٥) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٦) المصدر السابق.

(٧) قال الجوهري : جمع الفرس جموحا وجماحا : إذا اعتز فارسه وغلبه ، فهو فرس جموح ، الصحاح ( جمح ) ١ : ٣٦٠.

(٨) التذكرة ١ : ٥٢٩.

(٩) التذكرة ١ : ٥٢٩.

٣٠٤

فإن كان مشتركا اختص السقوط بمن يختص بالتصرف ، ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف ، فان تصرف سقط الخياران ، وإلا خيار الآذن.

والخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان ،

______________________________________________________

قوله : ( فان كان مشتركا ، اختصّ السقوط بمن يختص بالتصرف ).

هذا في طرف المشتري صحيح ، أما في طرف البائع فلا يستقيم ، لأن كلّ ما يعدّ من التصرفات إجازة لو وقع من المشتري يعدّ فسخا لو وقع من البائع ، ومع ثبوت الفسخ لا معنى لسقوط الخيار. وربّما حمل على أنّ المراد في طرف البائع : أنّ تصرفه بالثمن مسقط لخياره ، وهو مخالف لظاهر كلامهم ، فانّ المتبادر من التصرف : التصرف في المبيع ، مع أنّ هذا المذكور محتمل ، وإن كان في حمل العبارة عليه تعسف.

فرع :

لو تصرّف ذو الخيار غير عالم ، كأن ظنّها جاريته المختصة به ، فتبينت ذات الخيار ، أو ذهل عن كون المشتراة ذات خيار ففي الحكم تردد ، ينشأ من إطلاق الخبر بسقوطه الخيار بالتصرف (١) ، ومن أنّه غير قاصد إلى لزوم البيع ، إذ لو علم لم يفعل ، والتصرف إنما عدّ مسقطا لدلالته على الرضى باللزوم ، ولم أظفر في ذلك بكلام للأصحاب.

قوله : ( ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف ، فان تصرّف سقط الخياران ، والاّ خيار الآذن ).

سيأتي أنّ في سقوطه بالعرض على البيع والاذن فيه إشكال ، ولا فرق بين ذلك وبين ما هنا ، فيكون رجوعا عن الجزم إلى التردد ، وهو محل تردد.

قوله : ( والخيار موروث بالحصص كالمال من أيّ أنواعه كان ).

الجار متعلق بمحذوف على أنه صفة ، أو حال من الخيار.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣ ، ٢٦ حديث ٩٨ ، ١١١.

٣٠٥

إلاّ الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال ، أقربه ذلك إن اشترى بالخيار لترث من الثمن.

______________________________________________________

قوله : ( إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض على إشكال ، أقربه ذلك ، إن اشترى بخيار لترث من الثمن ).

هذا الاستثناء من محذوف يدل عليه قوله : ( موروث ) تقديره لجميع الوارث أو نحوه ، فيكون التقدير : الخيار موروث لجميع الوارث ، مقسوم عليهم كالمال ، إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض ، فإنّها لا ترث من الخيار المتعلق بها ، سواء كانت مبيعة أو مشتراة على إشكال ، ينشأ من أنه حق خارج عن الأرض فترث منه ، ومن أنه من الحقوق المتعلقة بها فإرثه تابع لإرثها ، ومع انتفاء التابع ينتفي متبوعه.

والأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشترى أرضا بخيار ، فأرادت الفسخ لترث من الثمن ، وأما إذا باع أرضا بخيار ، فإنّ الإشكال في هذه الصورة بحاله ، لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا.

وحمل الشارحان العبارة على أنّ الأقرب إرثها إذا اشترى بخيار ، لأنها حينئذ تفسخ فترث من الثمن ، بخلاف ما إذا باع بخيار (١). وهو خلاف الظاهر ، فانّ المتبادر أنّ المشار إليه بقوله : ( ذلك ) هو : عدم الإرث الذي سيقت لأجله العبارة ، ففهم إرادة

الإرث منها ارتكاب لما لا يدل عليه دليل ، مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم أيضا ، فإنّ الأرض حق لباقي الورّاث استحقوها بالموت ، فكيف تملك إبطال استحقاقهم لها ، وإخراجها عن ملكهم؟

نعم لو قلنا : أن الملك إنما ينتقل بانقضاء مدة الخيار استقام ذلك ، وأيضا فإنّها إذا ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث فيما إذا باع الميت أرضا بخيار بطريق أولى ، لأنها ترث حينئذ من الثمن ، وأقصى ما يلزم : إرثها من الخيار ليبطل حقها من الثمن ، وهو أولى من إرثها حق غيرها من الأرض التي اختصّوا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٧.

٣٠٦

وهل للورثة التفريق؟ نظر ، أقربه المنع وإن جوزناه مع تعدد المشتري.

ولو زال عذر المجنون العاقد حالة العقد لم ينتقض تصرف الولي بالخيار إذا لم يخالف المصلحة.

______________________________________________________

بملكها ، فيكون قوله : ( ان اشترى بخيار ... ) مستدركا.

والحقّ : أنّ إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد ، وإبطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج إلى دليل ، نعم قوله : ( لترث من الثمن ) على هذا التقدير يحتاج إلى تكلّف زيادة تقدير ، بخلاف ما حملا عليه.

قوله : ( وهل للورثة التفريق؟ فيه نظر ، أقربه المنع ).

لأن في ذلك تبعيضا للصفقة بالنسبة إلى البائع ، ولأن مورثهم إنما ملك الفسخ في الجميع والمنتقل إليهم انما هو حقه ، ومتى فسخ أحدهم وأجاز الآخر قدم الفسخ ، لأن المجيز لا يملك إبطال حق غيره إنما يملك إبطال حق نفسه ، فيبقى حق الباقين ، لكن إذا فسخ إنما يجوز الفسخ في الجميع ، فيشكل حينئذ بلزوم إبطال حق المجيز من العين ، إلاّ أن يقال : الفسخ والإجازة متى اجتمعا قدّم الفسخ ، فان تمّ ذلك تمّ الحكم هنا ، وفيه ما فيه ، وفي التذكرة صرّح بتقديم الفسخ (١) ، وهو محتمل.

قوله : ( وإن جوزناه مع تعدد المشتري ).

أي : ليس للورثة التفريق وإن جوزنا التفريق مع تعدد المشتري والصفقة واحدة ، لأن التجويز هنا لأن العقد في قوة المتعدد ، لأن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري كما يجي‌ء.

قوله : ( فلو زال عذر المجنون العاقد حالة العقد ، لم ينتقض تصرف الولي بالخيار إذا لم يخالف المصلحة ).

وكذا كلّ تصرّف للولي والوكيل حيث لم يخالف المصلحة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٨.

٣٠٧

ولو كان الميت مملوكا مأذونا فالخيار لمولاه.

ولو شرط المتعاقدان الخيار لعبد أحدهما ملك المولى الخيار ، ولو كان لأجنبي لم يملك مولاه ولا يتوقف على رضاه إذا لم يمنع حقا للمولى ، فلو مات لم ينتقل إلى مولاه ، وكذا لو مات الأجنبي المشروط له الخيار.

والمبيع يملك بالعقد على رأي ، فالنماء المتجدد بعد العقد للمشتري وإن كان في مدة الخيار ، فان فسخ العقد رجع بالثمن واسترد البائع الأصل دون النماء.

وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ، فيرجع المشتري بالثمن لا غير ، وإن تلف بعد قبضه وانقضاء الخيار فهو من مال المشتري.

______________________________________________________

قوله : ( والمبيع يملك بالعقد على رأي ).

هذا هو أصح القولين (١).

قوله : ( فالنماء المتجدد بعد العقد للمشتري وإن كان في مدة الخيار ).

لأنه نماء بملكه.

قوله : ( وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه ، فيرجع المشتري بالثمن لا غير ).

هذا إجماعي ، ومعنى كونه من مال بائعه : أنه بالتلف ينفسخ البيع فيه ، فيرجع إلى ملكه ، والثمن إلى ملك المشتري ، أمّا النماء الحاصل بعد العقد فللمشتري ، وليس للمشتري مطالبة البائع بالمثل أو القيمة ، لما قلناه من أنّ معنى كونه مضمونا عليه : أنه بالتلف ينفسخ العقد ويرجع إلى ملكه ، وليس هو كغيره‌

__________________

(١) ذهب الى هذا القول ابن البراج في المهذب ١ : ٣٥١ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٥٣٣ ـ ٥٣٤ ، والمختلف : ٣٤٩ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٨.

واما القول الثاني ـ وهو انتقال المبيع بالعقد وانقضاء الخيار ـ فذهب اليه الشيخ في الخلاف ٢ : ٥ مسألة ٢٩ كتاب البيوع.

٣٠٨

وإن كان في مدة الخيار من غير تفريط ، فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي ، وإن كان للمشتري خاصة فمن البائع.

ويحصل الفسخ بوطء البائع ، وبيعه ، وعتقه ، وهبته وإن كان من ولده.

______________________________________________________

من المضمونات التي تضمن بالمثل أو القيمة ، لأنّ المشتري ما استقر ملكه للمبيع حيث لم يقبضه ، فكان متزلزلا ، فعند التلف يتعذر أخذ العوضين ، فبطلت المعاوضة.

ولو أتلفه متلف تخير بين الفسخ وأخذ الثمن ، وبين مطالبة المتلف وإن كان هو البائع على الأصح ، وقد سبق مثله في بيع الثمار.

قوله : ( وإن كان في مدة الخيار من غير تفريط فمن المشتري إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي ).

هو : من المشتري في هذه الصور كلّها ، سواء فرّط أم لا ، بل مع تفريطه ضمانه أولى ، ولا يسقط خيار البائع في هذا البيع ، حيث يكون له خيار كما سبق (١).

ولو كان الخيار لأجنبي فهل يسقط؟ ينبغي إن كان الشرط من البائع إلاّ يسقط ، وإلاّ سقط.

قوله : ( وإن كان للمشتري خاصّة فمن البائع ).

فينفسخ البيع به ويسترد المشتري الثمن ، وحينئذ فيسقط الخيار لانفساخ العقد ، وهذا إذا لم يكن من المشتري تفريط ، فكان على المصنف أن يقتصر في التقييد بعدم التفريط على هذه الصورة.

قوله : ( ويحصل الفسخ بوطء البائع وبيعه وعتقه وهبته وإن كان من ولده ).

لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيل ، وتنزيل فعله‌

__________________

(١) كذا في « م » ، وفي الحجري : كما سيأتي.

٣٠٩

والأقرب صحة العقود ، ولا تحصل الإجازة بسكوته على وطء المشتري.

والمجعول فسخا من البائع إجازة من المشتري لو أوقعه ، والإجارة والتزويج في معنى‌ البيع ،

______________________________________________________

على ما يجوز له مع ثبوت طريق الجواز ، ولا يكون أول الوطء محرّما ، لأنا نحكم بأن الوطء يوجب الفسخ قبله ، كما نبه عليه في التذكرة (١).

وتحقيقه : أن يجعل القصد إلى الفعل المقارن له هو المقتضي للفسخ ، وحينئذ فلا تجب عليه قيمة الولد لو أولدها ، وتصير أم ولد قطعا.

وحاول بقوله : ( وإن كان من ولده ) الرّد على بعض العامة القائل بأن الهبة من الولد جائزة (٢) ، فكأنه قال : وإن كانت الهبة جائزة ، وإنما ذكر ضمير كان ، لأن المراد عوده إلى كلّ واحد من هذه.

قوله : ( والأقرب صحة العقود ).

لأنها عقود صدرت من أهلها في محلها ، لجواز التصرف له قطعا ، ولأنها أقوى من تصرف الفضولي قطعا ، وهو صحيح مع الإجازة ، والإجازة هنا منحصرة في طرف البائع وقد حصلت.

ولا يقال : هي مشروطة بالملك ومحصلة له ويستحيل اجتماعها ، لأنّا نقول : المحصّل له القصد المقارن ، وهذا هو الأصح ، ويحتمل ضعيفا عدم الصحة ، لأن أوّلها صدر في غير ملك ، وجوابه يظهر مما سبق.

قوله : ( والمجعول فسخا من البائع إجازة من المشتري لو أوقعه ).

أي : كلّما يعدّ من التصرفات الواقعة من البائع فسخا للبيع في موضع الخيار ، يعد إجازة من المشتري لو أوقعها.

قوله : ( والإجارة والتزويج في معنى البيع ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٤.

(٢) كفاية الأخيار ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٣١٠

والعرض على البيع والإذن فيه كالبيع على إشكال.

______________________________________________________

أما الإجارة فلأنها تمليك للمنفعة ، والأصل فيها أن لا تكون فضولية ، والنكاح لا يقصر عن الإجارة.

قوله : ( والعرض على البيع والاذن فيه كالبيع على إشكال ).

العرض على البيع إن كان من طرف المشتري أبطل خياره ، وهو مروي بطريق السكوني (١) ، ذكره في الدروس (٢) ، واختاره في التحرير (٣) ، ومثله البيع فاسدا.

أما إذا كان من البائع فالإشكال ، وعبارة المصنف محتملة لشمولها ، وهو الذي فهمه الشارح (٤) ، ومنشأ الاشكال من دلالته بالالتزام على الرّضى بالبيع من طرف المشتري فيكون إجازة ، وعدمه من طرف البائع فيكون فسخا ، ومن ثمّ يحصل بهما الرجوع عن الوصية ، ومن أنّ أحدهما لا يقتضي إزالة الملك ، ولا ينافي التردد في الفسخ والإجازة ، وأحدهما لا يتحقق بالمحتمل.

واختار المصنف في التذكرة الأول في البائع والمشتري (٥) ، والذي يقتضيه النظر أنهما إجازة من المشتري ، لما في الرواية (٦) ، ولدلالتها على الرّضى بالبيع ، أما من البائع فلا يبعد عدّهما فسخا إذا كان الإذن في البيع لوكيله ، ولو كان للمشتري فإن فعل كان مسقطا لخياره قطعا ، لعدم إمكان فسخ العقد الواقع بإذنه.

أما إذا لم يبع ففي كون مجرد الإذن إجازة الاشكال ، ومثله الاذن في سائر التصرفات غير الناقلة للملك ، ومثله لو أذن المشتري للبائع في البيع ، فانّ كونه‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

(٢) الدروس : ٣٦١.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٦٨.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٤٨٩.

(٥) التذكرة ١ : ٥١٧.

(٦) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

٣١١

ولو باع المشتري أو وقف أو وهب في مدة خيار البائع أو خيارهما لم ينفذ إلاّ بإذن البائع ، وكذا العتق على إشكال.

______________________________________________________

مسقطا لخياره إذا لم يبع لا يخلو من بعد ، والعبارة تتناول ذلك كلّه.

وتلخيص الكلام في هذا المبحث : أنّ العرض على البيع إما أن يكون من البائع أو المشتري ، وكذا الاذن فيه لا يكون من كلّ منهما ، ثم الصادر من كلّ منهما إما أن يكون للآخر رضى بفعله أو على جهة التوكيل له أو لغيره ، فهاهنا صور :

أ : العرض على البيع من المشتري ، وفي الرواية انه مسقط لخياره (١).

ب : عرضه على البيع عن البائع ، وفي كونه مسقطا لخياره نظر.

ج : عرض البائع عن نفسه.

د : عرضه على المشتري ، وفيهما الإشكال.

هـ : إذن المشتري في البيع على جهة التوكيل ، ولا يقصر عن عرضه على البيع لنفسه.

و : إذنه للبائع ، وفي كونه مسقط الخيار الإشكال.

ز : إذن البائع في البيع توكيلا عن نفسه ، وفيه الاشكال ، ويقوى كونه فسخا ، إذ التوكيل نوع تصرف ، ولأن الوكالة لا تتعلق بمال الغير.

ح : إذنه للمشتري عن نفسه ، وفيه الإشكال ما لم يتصرف به ، فان تصرف فلا إشكال في السقوط.

قوله : ( وكذا العتق على إشكال ).

أي : لا ينفذ إلاّ بإذن البائع على إشكال ، ينشأ من مصادفة الملك ، ومن تعلّق حق البائع بالعين ، فلا يسوغ إبطاله.

فإن قلنا بالنفوذ احتمل أن يكون له الفسخ كما كان ، فيبطل العتق ، ويحتمل بطلان الخيار فيه ، فيجعل كالتالف وينتقل إلى القيمة ، ويرجّح جانب الصحة أنه مع إجازة البائع عتق صدر من أهله في محلّه ، لأنه مالك ، ولا مانع إلا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

٣١٢

نعم له الاستخدام والمنافع والوطء ، فان حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع.

ولو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا ، فان كان الخيار له بطل العتقان ، لأنه بعتق الجارية مبطل للبيع وبعتق العبد ملتزم به ، فعتق كل منهما يمنع عتق الآخر ، فيتدافعان.

______________________________________________________

حق البائع ، وبالإجازة يسقط ، والعتق مبني على التغليب ، وأما مع فسخه فالإبطال محتمل ، نظرا إلى سبق حقه ، والنفوذ إعطاء العتق مقتضاه ، وفي ضمان القيمة جمع بين الحقين ، وهو قريب.

قوله : ( نعم له الاستخدام والمنافع والوطء ).

سيأتي في كلامه التوقف في إباحة الوطء.

قوله : ( فإن حبلت ، فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع ).

وجه القرب : أن مقتضى الاستيلاد في الملك امتناع خروج أمّ الولد عنه ، وبضمان القيمة يجمع بين الحقين ، ويحتمل أخذ العين ، لسبق حقه على الاستيلاد ، والأصح الأول.

قوله : ( ولو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا ، فان كان الخيار له بطل العتقان ، لأنه بعتق الجارية مبطل للبيع ، وبعتق العبد ملتزم به ، فعتق كلّ منهما يمنع عتق الآخر ، فيتدافعان ).

أي : لو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما معا ، فلا يخلو إما أن يكون الخيار فيهما معا له خاصّة ، أو للبائع خاصة ، أو لهما معا ، فهذه حالات ثلاث : الاولى : أن يكون له خاصة ، ففيه احتمالات ثلاثة ، أحدها : بطلان العتقين معا لامتناع عتقهما معا ، لأن عتق الجارية يقتضي انفساخ البيع وخروج العبد عن ملكه فيبطل عتقه ، وعتق العبد يقتضي التزامه وعدم عود الجارية إليه فيبطل عتقها ، فعتق كلّ منهما مبطل لعتق الآخر ، فتمتنع صحتهما ، وعتق أحدهما دون الآخر مع‌

٣١٣

ويحتمل عتق الجارية ، لأن العتق فيها فسخ وفي العبد إجازة ، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة قدّم الفسخ ، كما لو فسخ أحد المتعاقدين وأجاز الآخر ، فان الفسخ يقدم.

وعتق العبد ، لأن الإجازة إبقاء للعقد ، والأصل فيه الاستمرار.

______________________________________________________

اشتراكهما في السبب ترجيح من غير مرجّح ، فلم يبق إلاّ بطلانهما ، وهو الأصح.

قوله : ( ويحتمل عتق الجارية ، لأن العتق فيها فسخ وفي العبد إجازة ، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة قدّم الفسخ ، كما لو فسخ أحد المتعاقدين وأجاز الآخر ، فإنّ الفسخ يقدّم ).

ويمكن الجواب عن هذا : بمنع تقديم الفسخ على الإجازة دائما ، لأن كلّ واحد منهما إذا صدر بحق امتنع الحكم ببطلان أحدهما وصحة الآخر ، لأنه تحكّم محض. وتقديم الفسخ في المثال المذكور ليس بمجرد كونه فسخا وكون الآخر إجازة ، بل لأن الحق [ لاثنين ] (١) فإذا أجاز أحدهما اقتضت الإجازة لزوم العقد من طرفه خاصّة ، ولزوم العقد من أحد الطرفين بخصوصه لا يقتضي لزومه من الطرف الآخر ، فيبقى خيار الآخر كما كان ، فإن شاء فسخ وإن شاء أجاز ، ولا ينقص ذلك عمّا إذا كان العقد في أصله لازما من أحد الطرفين خاصة ، لاختصاص الخيار بالطرف الآخر.

قوله : ( وعتق العبد ، لأنّ الإجازة إبقاء للعقد ، والأصل فيه الاستمرار ).

هذا هو الاحتمال الثالث ، ووجهه ضعيف جدا ، فإن أصالة الاستمرار يعدل عنها إذا حصل المقتضي للعدول.

لا يقال : المقتضي للعدول ـ وهو عتق الجارية ـ قد كافأه عتق العبد ، فيرجح بالأصل.

لأنّا نقول : أصالة الاستمرار في بيع العبد معارض بأصالة بقاء الخيار في‌

__________________

(١) في « م » : لا يبين ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

٣١٤

وإن كان الخيار لبائع العبد لم ينفذ عتق الجارية ولا العبد ، إلا مع الإجازة على إشكال.

______________________________________________________

كل من العبد والجارية ، وترجيح أحد الأصلين على الآخر يستدعي مرجّحا ، وهو مفقود ، ولو حكما بصحة عتق العبد دون الجارية لبطل الخياران ، وربّما بني الوجهان الأخيران على أن المبيع في زمن الخيار ملك للبائع أو للمشتري.

فإن قلنا بالأول نفذ عتق الجارية لأنها المملوكة دون العبد ، وإن قلنا بالثاني نفذ عتق العبد لأنه المملوك. وليس بشي‌ء ، لأن الخيار يقتضي ثبوت سلطنة الإعتاق.

قوله : ( وإن كان الخيار لبائع العبد لم ينفذ عتق الجارية ولا العبد ، إلاّ مع الإجازة على إشكال ).

هذه هي الحالة الثانية ، وهي أن يكون الخيار لبائع العبد خاصة في كلّ من العبد والجارية ، وقد أعتق المشتري كلاهما ، فعتق الجارية لا يقع ، لأنه غير مالك لها ولا صاحب خيار بالنسبة إليها ، إذ الخيار لبائع العبد.

وأما عتق العبد ، ففي [ نفوذه ] (١) مع الإجازة من البائع إشكال ، ينشأ من أن الخيار له ، فلا يقع العتق من دون إذنه ، ومن أنه مبني على التغليب ، وحقه يتدارك بالقيمة جمعا بين الحقين.

واعلم أن في جملة المستثنى والمستثنى منه قضيتين : سالبة ، وموجبة ، لأن الاستثناء من الإثبات نفي ، وبالعكس ، وتقدير ذلك : لا يقع عتق العبد بدون الإجازة ، ويقع معها.

والإشكال في العبارة يمكن أن يكون في الأولى خاصّة ، ويمكن أن يكون في الأخيرة ، ويمكن كونه في كلّ منهما ، فان كان في الأولى فمنشؤه نحو ما سبق ، وإن كان في الأخيرة فمنشؤه الشك في أن العتق هل يقع موقوفا أم لا؟ ومثل هذا يقال في حلّ الإشكال السابق في قوله : ( لم ينفذ إلاّ بإذن البائع ، وكذا العتق على‌

__________________

(١) في « م » : الجواز ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.

٣١٥

ولو اشترك الخيار صح عتق الجارية خاصة ، لأن إعتاق البائع مع تضمنه للفسخ يكون نافذا على رأي ، ولا يعتق العبد وإن كان الملك فيه لمشتريه ، لما فيه من إبطال حق الآخر.

فروع :

أ : لا يبطل الخيار بتلف العين ، فان كان مثليا طالب صاحبه‌

______________________________________________________

إشكال ) والفتوى هنا كالفتوى هناك.

قوله : ( ولو اشترك الخيار صحّ عتق الجارية خاصة ، لأن إعتاق البائع مع تضمنه للفسخ يكون نافذا على رأي ).

هذه هي الحالة الثالثة ، وهي : أن يكون الخيار لهما ، والإعتاق من المشتري للعبد والجارية ، ووجه صحة عتق الجارية : أن المشتري بالنسبة إلى هذه الجارية كبائع العبد بالنسبة إلى العبد ، فمن قال بصحة العقود المتضمنة للفسخ من البائع الواقعة على العبد المبيع ، وصحة عتقه وانفساخ البيع ، فحقه أن يقول بصحة عتق الجارية هنا ، وانفساخ هذا البيع ، وقد سبق أنّ الأصح في المسألة الأولى ذلك ، فليكن هنا كذلك ، ودليل المقامين واحد.

قوله : ( ولا يعتق العبد وإن كان الملك فيه لمشتريه ، لما فيه من إبطال حقّ الآخر ).

لا يقال : كيف حكمت بعتق الجارية مع أن للآخر فيها حق الخيار لأنه مشترك ، لأنّا نقول : إعتاق الجارية من المشتري فسخ ، وهو مقدم على إجازة البائع لو أجاز.

وأما إعتاق العبد فلو نفّذناه لكان إجازة ، ولاقتضي إبطال حقّ البائع من خياره لو أراد الفسخ ، وليس له ذلك ، فيتحقق المرجّح لعتق الجارية على العبد فتعين ، إذ يمتنع عتقهما معا ، لما ذكرناه من التدافع أول الباب.

قوله : ( لا يبطل الخيار بتلف العين ، فان كان مثليا طالب صاحبه‌

٣١٦

بمثله ، وإلاّ القيمة.

______________________________________________________

بمثله ، وإلاّ القيمة ).

إطلاق الخيار في العبارة يتناول جميع أقسام الخيار : من المجلس والحيوان والشرط وغيرها ، وكذلك يتناول ما إذا كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما ، وإطلاق التلف يتناول ما إذا كان بآفة سماوية أو أرضية ، بتفريط من المشتري أو لا ، وما إذا كان من البائع أو من المشتري أو من أجنبي ، سواء كان التلف قبل قبض المشتري أم بعده. وبعض هذه الصور غير مراد له قطعا ، وبعضها مما يتوقف في إرادته.

وتفصيل أحكامها : أنّ التلف متى كان بفعل المشتري أو بتفريطه كان مسقطا لخيار المشتري دون البائع ، ومتى كان بفعل البائع فالأصح أنه كأجنبي ، وقد سبق مثله في بيع الثمار ، فيكون الخيار بحاله للمشتري ، وكما لا يسقط خيار المشتري بالتلف في بعض الصور المذكورة لا يسقط خيار البائع ، حيث لا يكون الإتلاف مستندا إليه ، بشرط أن يكون بعد قبض المشتري إن كان التلف بآفة ، فإنه حينئذ يكون فسخا ولو كان بآفة.

فإن كان قبل القبض انفسخ العقد ، فيسقط الخيار لأيهما كان ، وإن كان بعده فهو كما كان ، فان كان للبائع وفسخ فله المثل أو القيمة وللمشتري الثمن ، وكذا إن فسخ المشتري حيث يكون الخيار لهما.

أما إذا اختص الخيار بالمشتري ، وتلف بآفة من غير تفريط منه ، فإنّه من مال البائع ، فينفسخ العقد.

ومجي‌ء هذه الأحكام في خيار الشرط لا كلام فيه ، وخيار المجلس لا يبعد منه ، وإن لم أجد به تصريحا ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « ما لم يفترقا » (١).

أما خيار الحيوان فإنّه لمّا كان مختصا بالمشتري كان التلف بآفة من غير تقصير من ضمان البائع ، فيكون فسخا ، وبتقصيره من ضمانه ، وفي احتسابه حينئذ‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٤ ، ٦ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٢٠ حديث ٨٥ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ حديث ٢٤٠.

٣١٧

ب : لو قبّلت الجارية المشتري فالأقرب أنه ليس بتصرف وإن كان مع شهوة إذا لم يأمرها ، ولو انعكس الفرض فهو تصرف وإن لم يكن عن شهوة.

______________________________________________________

إجازة تردد من البائع والأجنبي كما قلناه في الثمار.

وفي بقاء خيار الغبن بعد التلف تردد ، سواء كان التلف من البائع أم من أجنبي أم بآفة ، إلاّ أن يكون التلف بالآفة قبل القبض ، فإنه من ضمان البائع ، وعلى إطلاق كلامهم ينبغي أن يكون بعد القبض كذلك ، لاختصاص الخيار بالمشتري ، فينفسخ العقد في الموضعين.

إلاّ أنّ التردد في كلامه السابق من فروع المرابحة بثبوت الخيار للمشتري المكذوب في الاخبار برأس المال ينافي الحكم بانفساخ العقد ، إلاّ إن كان من المشتري كما سبق ، ومثله خيار الرؤية ، أما العيب والتدليس فستأتي أحكامهما. فعلم من هذا أنّ إطلاق عبارة المصنف لا يستقيم.

قوله : ( لو قبّلت الجارية المشتري فالأقرب أنه ليس بتصرف [ وإن كان مع شهوة ] (١) إذا لم يأمرها ).

وجه القرب : أنه لم يقع منه الفعل ولم يستند إليه ، فلم يعدّ تصرفا منه لا لغة ولا عرفا ، ويحتمل أن يقال : إن علم بإرادتها ذلك وثبت لها حتى قبّلت عدّ تصرفا ، وفيه ضعف ، لأنه بثباته لا يعدّ فاعلا للتقبيل.

ولو أمرها صدق استناد الفعل إليه عرفا ، لأن ذا السلطنة يعدّ فاعلا إذا صدر الفعل بأمره ، وفي مثل ذلك كلام يأتي في الإيمان إن شاء الله تعالى ، وذكر المشتري في مسألة الكتاب على طريق التمثيل ، فلو وقع ذلك بالنسبة إلى البائع حيث يكون الخيار له فهو كالمشتري.

قوله : ( ولو انعكس الفرض فهو تصرف ، وإن لم يكن عن شهوة ).

سبق في الرواية ما يدل عليه (٢).

__________________

(١) لم يرد في « م » ، وأثبتناه من نسخة القواعد الخطية.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٣ حديث ١٧ ، التهذيب ٧ : ٢٣ حديث ٩٨.

٣١٨

ج : ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال ، فإن فعل لم يحدّ والولد حر ولا قيمة عليه ، فان فسخ البائع رجع بقيمة الأم خاصة وتصير أم ولد ، ولو وطأ البائع كان فسخا ولا يكون حراما.

د : لا يكره نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار.

______________________________________________________

قوله : ( ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال ).

قد سبق في كلامه الجزم بجواز الوطء هاهنا ، ومنشأ الاشكال من عموم « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ومن أنه ربّما أفضى إلى الاستيلاد الموجب لسقوط خيار البائع. ويضعف بمنع الدلالة ، وبأن هذا قائم في الاستخدام ، فإنه ربّما أدّى إلى المرض والتلف ، والأصح الجواز. نعم لو قلنا : أنّ المبيع إنما ينتقل بمضيّ الخيار لم يجز.

قوله : ( فان فعل لم يحد ، والولد حر ولا قيمة عليه ).

لأنها مملوكته ، ونماء المبيع في مدة الخيار له ، نعم لو قلنا بأن المبيع إنما ينتقل بمضي الخيار لم يجز.

قوله : ( ولو وطأ البائع كان فسخا ولا يكون حراما ).

لأن التصرف من البائع في موضع خياره فسخ ، وإنما لم يحرم ، لأن القصد المقارن للفعل يؤثر الفسخ ، فيقع الوطء حال الملك.

قوله : ( لا يكره نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار ).

المراد بنقد الثمن : تسليمه للبائع ، وخالف مالك فقال : يكره نقد الثمن في مدة الخيار ، لأنه يصير في معنى بيع وسلف ، لأنه إذا نقده الثمن ثم تفاسخا صار‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

٣١٩

هـ : البيع بالوصف قسمان : بيع عين شخصية موصوفة بصفات السلم ، وهو ينفسخ بردّه على البائع وتلفه قبل قبضه ، ويجوز التفرق قبل قبض ثمنه وقبضه.

وبيع عين موصوفة بصفات السلم غير معينة ، فإذا سلّم إليه غير ما وصف فرده طالب بالبدل ولا يبطل ، وكذا لو كان على الوصف فرده فأبدله صح أيضا.

______________________________________________________

كأنه أقرضه إياه ، فيكون قد اشتمل على بيع وقرض (١) ، وغلّطه في التذكرة ، بأن القرض لم يثبت أولا ، بل صار في ذمته بعد الفسخ ، مع أنه لا منافاة بينهما ، ولا بينهما وبين السلف (٢).

قوله : ( البيع بالوصف قسمان ... ).

الفرق بين هذين القسمين : أن المبيع في الأول جزئي ، وفي الثاني كلي ، وذكره صفات السلم في القسمين دليل منه على اعتبار وصفه بهما ، وإلاّ لم يصح ، وقد نبهنا عليه سابقا.

وربّما قيل عليه : إنّ ذكر أحكام هذين القسمين هاهنا لا مقتضي له ، لأنها أجنبية في هذا الباب.

وجوابه : أنه ذكرهما ليبني عليهما الحكم في الرّد حيث يوجد سببه ، فإنّه في القسم الأول يوجب الانفساخ لتشخص المبيع فيه ، بخلاف الثاني.

إذا عرفت ذلك فقوله : ( وهو ينفسخ بردّه على البائع ) مراده به : ردّه بسبب يقتضيه كعيب وغبن ونحوهما ، أو تراضيهما على ذلك ، وإنما لم يتعرض إلى التقييد به ، لأنه قد علم من أحكام الخيار عدم جواز الرّد بغير سب ، وكذا قوله :( لو كان على الوصف فرده فأبدله صحّ أيضا ) مراده بذلك : حيث يتراضيان.

__________________

(١) بلغة السالك ٢ : ٩٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٣٧.

٣٢٠