جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولو دفع القضاء على التعاقب من غير محاسبة ، كان له الإندار بسعر وقت القبض وإن كان مثليا.

و : لو اشترى دينارا بعشرة ومعه خمسة جاز أن يدفعها عن النصف ، ثم يقترضها ويدفعها عن الآخر ليصح الصرف وإن كان حيلة.

ز : لو اشترى من المودع الوديعة عنده صحّ ، إذا دفع إليه الثمن في المجلس ، سواء علما وجوده أو ظنّاه أو شكّا فيه ، فان ظهر عدمه بطل الصرف.

ح : روي جواز ابتياع درهم بدرهم وشرط صياغة خاتم ، ولا يجوز التعدية.

______________________________________________________

أي : استيفاء أحدهما بدلا من الآخر ، والمراد : كونه صرفا بعين وما في الذمة.

قوله : ( ولو دفع القضاء على التعاقب من غير محاسبة ، كان له الإندار بسعر وقت القبض وإن كان مثليا ).

المراد : أنهما لم يتحاسبا في وقت القضاء المتفرق في كل مرة ، إذ لو تحاسبا عند الأخذ ، لم يجز احتسابه بعسر الوقت.

والإندار بالدال المهملة معناه : الاسقاط ، أي : أنه يسقط مما في الذمة بسعر وقت القبض ، لأنه لا يحتسب مما في يده إلا إذا كان من جنسه ، فلا بد من اعتبار سعره بالجنس الآخر وإن كان مثليا ، لأنّ اعتبار المثلية في التضمين ، لا فيما إذا أخذ بدلا من جنس آخر.

وكذا القول في غير الصرف إذا وقع الاقتضاء في المثليات ، ومحل الاعتبار هو وقت الأخذ ، لأنه وقت الاستيفاء ، فيعتبر السعر حينئذ.

قوله : ( روي جواز ابتياع درهم بدرهم ويشترط صياغة خاتم ، ولا تجوز التعدية ).

الرواية رواها أبو الصباح الكناني ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته‌

٢٠١

المقصد الرابع : في أنواع البيع :

وهي بالنسبة إلى الأجل أربعة ، وإلى الإخبار برأس المال أربعة ، وإلى مساواة الثمن للعوض قسمان.

فهنا فصول ثلاثة :

الأول : العوضان إن كانا حالين فهو النقد ، وإن كانا مؤجلين فهو بيع الكالئ بالكالئ وهو منهي عنه ، وإن كان المعوّض حالاّ خاصة فهو النسيئة وبالعكس السلف.

______________________________________________________

عن الرجل يقول للصائغ : صغ لي هذا الخاتم ، وأبدلك درهما طازجا بدرهم غلة ، قال : « لا بأس » (١). والطازج النقي الخالص ، معرّب أصله تارة.

وفي كون ما ذكره هو المروي نظر ، لأنّ الرواية تضمنت جعل ابدال الدرهم بالدرهم شرطا في الصياغة ، لا البيع بشرط الصياغة ، وقد نبه على ذلك المصنف في المختلف (٢) ، والشيخ (٣) ، وابن إدريس على الفتوى بجواز ذلك ، ووجهه ابن إدريس بانتفاء الربا ، لأنه الزيادة في العين ، وهي منتفية (٤) ، وذلك غير ظاهر ، لأنّ الربا مطلق الزيادة ، سواء كانت عينا أو صفة ، والأصح عدم الجواز.

ولو قلنا بالجواز في هذه المسألة اعتبارا بهذه الرواية ـ لو صلحت دليلا ـ لم يعد الحكم الى غير ذلك ، كاشتراط صياغة سوار مثلا ، اقتصارا على موضع النص.

قوله : ( وهي بالنسبة إلى الأجل أربعة ... ).

أنواع المبيع عشرة ، لأنّ العوضين : إما حالان وهو النقد ، أو مؤجلان وهو الكالئ بالكالئ ، أو الثمن حال وهو السلف ، أو بالعكس وهو النسيئة ، ولأن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٩ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ١١٠ حديث ٤٧١.

(٢) المختلف : ٣٥٨.

(٣) النهاية : ٣٨١.

(٤) السرائر : ٢١٨.

٢٠٢

وهنا مطالب :

المطلب الأول : في النقد والنسيئة :

إطلاق العقد واشتراط التعجيل يقتضيان تعجيل الثمن ، واشتراط التأجيل في نفس العقد يوجبه بشرط الضبط ، فلو شرطا أجلا من غير تعيين ، أو عيّنا مجهولا كقدوم الحاج بطل.

ولو باعه بثمنين الناقص في مقابلة الحلول أو قلة الأجل ، والزائد في مقابلة الأجل أو كثرته بطل على‌ رأي.

______________________________________________________

البائع إذا كان قد اشترى ، فاما أن يبيع مساومة ، أي : من غير أخبار برأس المال ، أو معه بزيادة وهي المرابحة ، أو نقيصة وهي المواضعة ، أو برأس المال وهي التولية ، ولأنّ العوضين إما أن يجب فيهما التساوي وهو الربا ، أو لا فهو ما عداه.

واعلم أنّ الكالئ بالكالئ بالهمزة معناه : النسيئة بالنسيئة ، كذا فسره المتصدون لتفسير غرائب الحديث كابن الأثير في النهاية ، قال فيه : أنه نهي عن الكالئ بالكالئ (١) ، أي : النسيئة بالنسيئة ، وذلك ان يشتري الرجل شيئا الى أجل ، فإذا حلّ الأجل لم يجد ما يقضي به ، فيقول : بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شي‌ء آخر ، فيبيعه منه ، ولا يجري بينهما تقابض (٢).

قلت : يظهر من كلامه أن الكالئ بالكالئ : هو الدين بالدين ، سواء كان مؤجلا أم لا ، وإن كان أصل المادة دائرا على التأخير ، كما يظهر من الفائق (٣) والأساس (٤) ، ولعل المراد به : الدين من حيث أن من شأنه التأخير ، لكن على ما فسر به المصنف الكالئ لا يتجه بطلان ما تقدم من مصارفة ما في الذمم ، لأنّ المنهي عنه هو الكالئ بالكالئ ، لا الدين بالدين.

قوله : ( ولو باعه بثمنين ـ إلى قوله ـ بطل على رأي ).

__________________

(١) الجامع الصغير ٢ : ٢٩٨ حديث ٩٤٧٠ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٥٧.

(٢) النهاية لابن الأثير ( كلأ ) ٤ : ١٩٤.

(٣) الفائق ( كلأ ) ٣ : ٢٧٣.

(٤) أساس البلاغة : ٣٩٦.

٢٠٣

ولو باعه نسيئة ، ثم اشتراه قبل الأجل بزيادة أو نقيصة ، حالا أو مؤجلا جاز إن لم يكن شرطه في العقد.

ولو حلّ فابتاعه بغير الجنس جاز مطلقا ، والأقرب أن الجنس كذلك ، وقيل : تجب المساواة.

ويجوز البيع نسيئة بزيادة عن قيمته أو نقصان مع علم المشتري ، وكذا النقد.

______________________________________________________

وقيل : يصح بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين تعويلا على رواية في سندها قدح (١) ، والأصح العدم ، لأنّ مقتضاها لزوم ما لم يتراضيا عليه مع ما فيها من الطعن.

قوله : ( جاز إن لم يكن شرطه في العقد ).

فلو شرطه لم يجز ، وعلل بلزوم الدور ، فانّ انتقاله عن الملك موقوف على حصول الشرط ، وحصوله موقوف على انتقال الملك. وفيه نظر ، لأنّ الموقوف على حصول الشرط هو اللزوم لا الانتقال. وعلل أيضا بعدم حصول القصد الى نقله عن البائع. وليس بشي‌ء ، لأنّ الفرض حصوله ، وارادة شرائه بعد ذلك لا ينافي حصول قصد النقل ، وإلا لم يصح إذا قصدا ذلك ، وإن لم يشترطاه.

قوله : ( والأقرب ان الجنس كذلك ، وقيل : تجب المساواة ).

لا فرق بين الجنس وغيره على الأصح ، والرواية بالمنع (٢) غير صريحة في المدعى ، ومحمولة على الكراهة.

قوله : ( ويجوز البيع بزيادة عن قيمته ، أو نقصان مع علم المشتري ).

لا خلاف في هذا الحكم إلا في بعض صوره ، ذكره في المختلف ، (٣) ويفهم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٠٦ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٧٩ حديث ٨١٢ ، التهذيب ٧ : ٤٧ حديث ٢٠١.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٠ حديث ١٠٠٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٥٠ حديث ١٢٤٩ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٨٦ حديث ٩٣٦٠.

(٣) المختلف : ٣٥٩.

٢٠٤

ولو شرط خيار الفسخ إن لم ينقده في مدة معينة صح ، ولو شرط أن لا بيع إن لم يأت به فيها ، ففي صحة البيع نظر ، فان قلنا به بطل الشرط على إشكال.

______________________________________________________

من العبارة أنه إذا لم يعلم المشتري لا يجوز البيع ، وليس كذلك بل يجوز مطلقا ، وان كان مع الجهالة له خيار الغبن.

قوله : ( ولو شرط أن لا بيع إن لم يأت به فيها ، ففي صحة البيع نظر ).

ينشأ : من عموم دلائل صحة البيع ، وأنه يجري مجرى اشتراط الخيار ومن أن صحة البيع تقتضي صحة الشرط ، فيلزم على تقدير عدم الإتيان به عدم البيع ، عملا بالشرط ، فيكون حين العقد حصول البيع وعدم حصوله على حد سواء ، فلا يكون الواقع سببا صحيحا في البيع فيكون باطلا ، ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد ، لأنه يقتضي ارتفاعه بعد وقوعه ، وهو معلوم البطلان ، والبطلان أظهر.

قوله : ( فان قلنا به بطل الشرط على إشكال ).

أي : فان قلنا بالبيع الواقع كذلك ، أي : بصحته بطل الشرط ، ومنشأ الاشكال : من أن مقتضاه عدم وقوع البيع على أحد التقديرين ، وهو خلاف الواقع فلا يكون صحيحا ، ومن أنه بمنزلة اشتراط الخيار ، وهذا الإشكال يبنى على شيئين :

الأول : أن العقد المشتمل على هذا الشرط صحيح ، إذ لو قلنا بفساده لفسد الشرط قطعا ، وهذا يبتني على شي‌ء آخر ، وهو الشي‌ء الثاني ، ان بطلان الشرط لا يفضي الى بطلان العقد ، إذ لو قيل بذلك لزم من القول بصحة العقد صحة الشرط ، لأنّ الفرض أن بطلانه يقتضي بطلان العقد فلا يجي‌ء الاشكال. والأصح بطلانهما ، فانّ بطلانه يقتضي بطلان العقد.

٢٠٥

المطلب الثاني : في السلف : وفيه بحثان :

الأول : في شرائطه : وهي سبعة :

الأول : العقد :

ولا بدّ فيه من إيجاب ، كقوله : بعتك كذا ، صفته كذا ، إلى كذا ، بهذه الدراهم وينعقد سلما لا بيعا مجردا ، فيثبت له وجوب قبض رأس المال قبل التفرق

______________________________________________________

قوله : ( ولا بدّ فيه من إيجاب ، كقوله : بعتك كذا صفته [ كذا ] (١) إلى كذا بهذه الدراهم ).

والذي يقع منه هذا الإيجاب هو المسلّم إليه ، أعني : البائع ، وذلك لأنه يبيع موصوفا في الذمة إلى أجل.

قوله : ( وينعقد سلما ، لا بيعا مجردا ).

أي : ينعقد هذا العقد الواقع بلفظ البيع سلما ، لأنه قد اشتمل على بيع عين موصوفة إلى أجل بثمن حال ، وذلك هو السلم ، وكونه بلفظ البيع لا يضر ، لأنّ البيع جنس للسلم وغيره ، فإذا قيد بقيود السلم تمحض له ، ولا يكون ذلك بيعا مجردا عن كونه سلما. وإنما قيد بقوله : ( مجردا ) ، لأنّ السلم بيع كما عرفت ، فلو نفاه وأطلق لم يكن صحيحا ، فيكون ( مجردا ) صفة لقوله : ( بيعا ) ، وإن كان استفادة هذا المعنى من قوله : ( مجردا ) لا يخلو من شي‌ء.

قوله : ( فيثبت له وجوب قبض رأس المال قبل التفرق ).

هذا متفرع على كونه ينعقد سلما ، إذ لو كان بيعا مجردا لم يثبت له وجوب قبض الثمن قبل التفرق ، لأنّ ذلك من الأحكام الخاصة بالسلم ، ولو جعل قوله :( مجردا ) صفة لقوله : ( سلما ) على أنّ المعنى ( وينعقد سلما ) مجردا عن ذكر السلم ، لكان نفي كونه بيعا غير مستقيم.

__________________

(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد لضرورة السياق.

٢٠٦

نظرا إلى المعنى لا اللفظ ، أو أسلمت ، أو أسلفت ، أو ما أدّى المعنى.

والأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم ، فيقول : أسلمت إليك هذا الثوب في هذا الدينار.

______________________________________________________

قوله : ( نظرا الى المعنى ، لا اللفظ ).

تعليل للحكم بانعقاده سلما لا بيعا مجردا ، ومحصله : أنّ ذلك في المعنى سلم وإن كان اللفظ البيع. ولا يحتاج الى هذا التكلف ، لأن السلم بيع ، فوجود لفظ البيع في العقد لا يقتضي أن لا يكون سلما ، فليس في اللفظ ما ينافي كونه سلما أصلا ، بل البيع الموصوف إلى أجل هو السلم ، غاية ما في الباب أن اللفظ المخصوص غير موجود.

قوله : ( أو أسلمت ، أو أسلفت ، أو ما أدّى هذا المعنى ).

المراد : أسلمت ، أو أسلفت إليك كذا في كذا الى كذا ، وهاتان العبارتان إنما تقعان من المسلم أعني : المشتري ، لا المسلم اليه وهو البائع ، إذ لا يعقل معناهما بالنسبة إلى البائع ، فإن الذي يسلم الشي‌ء في الشي‌ء هو المشتري ، وقد صرح بذلك في الدروس (١).

قوله : ( والأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم ، فيقول : اسملت إليك هذا الثوب في هذا الدينار ).

أي : يقول ذلك البائع ، فيكون المسلم هو المبيع ، والمسلم فيه هو الثمن. ووجه القرب : أنّ الإيجاب في البيع يصح بكل ما ادى ذلك المعنى المخصوص ، كما سبق صحته كملكتك ، كذا بكذا.

ولا ريب أنّ السلم أقرب الى البيع من التمليك ، لأنه شائع في الهبة ، فإذا انعقد بالأبعد لتأديته المعنى المراد ، فبالاقرب إذا أداه أولى. ويحتمل ـ ضعيفا ـ البطلان ، لأنّ ذلك مجاز بالنسبة إلى البيع الذي ليس سلما ، والعقود اللازمة لا تثبت بالمجازات. وفيه منع ، لأنا قد بينا أنّ إيجاب البيع يصح بكل لفظ ادى‌

__________________

(١) الدروس : ٣٥٣.

٢٠٧

وكذا لو قال : بعتك بلا ثمن ، أو على أن لا ثمن عليك ، فقال :قبلت ، ففي انعقاده هبة نظر ، ينشأ : من الالتفات إلى المعنى ، واختلال اللفظ.

______________________________________________________

ذلك المعنى كملّكتك ، وهذا أقرب في التأدية كما قلناه.

لا يقال : فيصح بلفظ الخلع والكتابة ، لأنا نقول : هذان لا يتأدى بهما معنى البيع إلا بتكلفات وقرائن أجنبية ، وهما حقيقتان في معنى آخر ، ومجاز في البيع من أبعد المجازات ، والمجاز لا ينعقد به البيع كما قررناه.

قوله : ( وكذا لو قال : بعتك بلا ثمن ، أو على أن لا ثمن عليك ، فقال : قبلت ، ففي انعقاده هبة نظر ).

ينشأ من وجود لفظ البيع المقتضي للثمن ، ووجود المنافي لصحته وهو اشتراط عدم الثمن فيكون بيعا فاسدا ، ومن أن التقييد حينئذ بعدم الثمن قرينة إرادة الهبة من لفظ البيع ، لأنّ الهبة هي التمليك بغير عوض ، فهو مساو لها في المعنى.

ويضعّف بان استعمال البيع في الهبة مجاز لم ينقل مثله ، ولا بد في التجوز من النقل ، فلا تكفي العلاقة ، ومن ثم امتنع نخلة للإنسان الطويل. وربما قيل بأنه إن قصد البيع بطل ، وان قصد الهبة صحت.

ويشكل الثاني بأن مجرد القصد غير كاف من دون حصول السبب الشرعي ، ولا استبعد القول بالبطلان.

قوله : ( ينشأ من الالتفات إلى المعنى واختلال اللفظ ).

أي : من الالتفات الى معنى مجموع العقد الواقع ، وإذا اجتمع معنى الجميع على وجه لا يتنافى كان معناه التمليك بغير عوض ، ومن أن اللفظ مختل ، لأنّ البيع يقتضي الثمن ، والتقييد بعدمه ينافيه.

ويضعف الأول ، بأنه انما يندفع التنافي إذا عدل باللفظ عن مدلوله الى ما لا يدل عليه دليل سوى التنافي ، وهذا غير كاف في الصحة ، وعلى هذا فلا يبطل شي‌ء من العقود المشتملة على ما ينافيها ، لوجود المندوحة في العدول به الى ما لا ينافي.

٢٠٨

وهل يكون مضمونا على القابض؟ فيه إشكال ، ينشأ : من كون البيع الفاسد مضمونا ، ودلالة لفظه على إسقاطه.

أما لو قال : بعت ولم يتعرض للثمن ، فإنه لا يكون تمليكا ويجب الضمان.

الثاني : معرفة وصفه :

ويجب أن يذكر اللفظ الدال على الحقيقة كالحنطة مثلا ، ثم يذكر كلّ وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم ، بلفظ ظاهر الدلالة عند أهل اللغة ، بحيث يرجعان إليه عند‌

______________________________________________________

قوله : ( وهل يكون مضمونا على القابض؟ فيه إشكال ، ينشأ : من كون البيع الفاسد مضمونا ، ودلالة اللفظ على إسقاطه ).

أي : على إسقاط الضمان من حيث اشتراط عدم الثمن.

قيل : البيع يقتضي الثمن ، واشتراط عدم الثمن ينفيه ، وقد تعارضا ، فأقصى حالاتهما التساقط ، ويرجع الى حكم الأصل وهو ثبوت الضمان في اليد حتى يثبت المسقط.

قلنا : هذا إذا تكافئا ، ولا ريب أنّ ما دل بمنطوقة مطابقة أقوى مما يدل ضمنا ، ونفي الثمن مدلول عليه بالمطابقة بخلاف إثباته. وقيل : إن قصد الهبة فلا ضمان ، والا ثبت. وليس بمستبعد ، لأنّ أقل ما فيه أن يكون هبة فاسدة ، وهي غير مضمونة.

قوله : ( ثم يذكر كل وصف تختلف به القيمة اختلافا ظاهرا ، لا يتغابن الناس بمثله في السلم ).

المراد بقوله : ( اختلافا ظاهرا ) مفسر بقوله : ( لا يتغابن الناس بمثله ) ، وقوله : ( في السلم ) للاحتراز ، فإنه قد يقع التغابن في السلم بما لا يتغابن به في غيره ، وبالعكس.

قوله : ( بلفظ ظاهر الدلالة عند أهل اللغة ، بحيث يرجعان إليه عند‌

٢٠٩

الاختلاف.

ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء إلى أن يبلغ الغاية لعسر الوجود ، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم.

فلو أفضى الإطناب إلى عزة الوجود ، كاللآلئ الكبار التي تفتقر إلى التعرض فيها للحجم والشكل والوزن والصفاء ، واليواقيت ، والجارية الحسناء مع ولدها إلى ما أشبهه ، لم يصح وإن كان مما يجوز السلم فيه ، لأدائه إلى‌

______________________________________________________

الاختلاف ).

المراد بظهور دلالته : ما قيده بقوله : ( بحيث ... ) ولا يختص الحكم بذي الدلالة عند أهل اللغة ، إذ ما تعتبر دلالته عند أهل العرف كذلك ، وإنما يمكن الرجوع إليه إذا كان مستفاضا ، أو يشهد به عدلان ، على ما سيجي‌ء في كلامه. والحق اعتبار الاستفاضة حتى لا يكون العلم به عسرا.

قوله : ( ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء إلى أن يبلغ الغاية ، لعسر الوجود ).

هذا التعليل غير تام ، لأنه يقتضي عدم الجواز ، مع أنه تعليل لعدم الوجوب ، وأيضا فإن بلوغ الغاية قد لا يؤدي الى عسر الوجود لكنه لا يجب ، لان الواجب ما تندفع به الجهالة ، وهي الأوصاف التي تتفاوت القيمة بتفاوتها تفاوتا لا يتغابن الناس بمثله.

قوله : ( فلو أفضى الإطناب إلى عزة الوجود ، كاللآلئ الكبار التي تفتقر إلى التعرض فيها للحجم ، والشكل ، والوزن ، والصفاء ، واليواقيت ، والجارية الحسناء مع ولدها ، إلى ما أشبهه ، لم يصح ).

أما إذا أفضى الإطناب الى عزة الوجود فإنه لا يصح ، لأنّ عقد السلم عقد مبني على الغرر ، لأنه بيع ما ليس بمرئي ، فإذا كان عزيز الوجود وكان مع الغرر مؤديا إلى الخصومة والنزاع والفسخ ، فكان منافيا للمطلوب فلا يصح ، إلا أنّ‌

٢١٠

______________________________________________________

الأشياء منها ما لا يمكن السلم فيه ، لأنّ صفاته التي تتفاوت القيمة باعتبارها تفاوتا بينا كثيرة ، إذا عددت أدى الى عسر وجوده ، وبدونها لا يحصل العلم بوصفه.

فمن ذلك كبار اللآلئ فإنه يمتنع السلم فيها ، إذ معظم صفاتها تتفاوت القيم باعتبارها أشد تفاوت ، فان لم تذكر جمعيها حصلت الجهالة ، وإن ذكرت عز وجودها فامتنع السلم فيها.

وكذا اليواقيت بخلاف صغار اللآلئ ، لعدم اعتبار أكثر الصفات حينئذ ، اكتفاء بالوزن والعدد مع تعدد بعض الصفات ، فمن ثم جاز السلم في صغارها دون كبارها ، كما سيأتي.

ولا كذلك اليواقيت ، لاعتبار الصفات في كبارها وصغارها ، حتى لو فرض الاكتفاء في بيع صغارها بالوزن لألحقناها باللآلي.

ومنها ما يمكن السلم فيه ، لأنّ صفاته التي تتفاوت القيمة باعتبارها كذلك يمكن ضبطها ، فهذه إن استقصي فيها لم يصح ، وإلاّ صح كالجارية الحسناء مع ولدها ، فان وصفها بصفات تفضي الى عزة الوجود ، بان يصف أعضائها وولدها كذلك ، بخلاف ما لو لم يصفها بما يصيّرها كذلك ، فإنه يصح إذا استوفى الصفات التي بها تتفاوت القيمة تفاوتا بينا.

ويمكن أن يقال : إنّ وجود الجارية الحسناء ـ أي : التي تطلب لأجل الحسن ، وهي السرية ـ مع ولدها الذي تعتبر فيه الصفات الرافعة للجهالة ، أو أمها ، أو عمها ، ونحو ذلك ، مما يعز وجوده ويعسر تحصيله ، فيمتنع السلم فيها وان لم يستقص في أوصافها ، بخلاف الجارية التي تطلب للخدمة ، لأنّ أوصافها أقل من أوصاف المطلوبة للحسن ، وهذا هو المتبادر من عبارة المصنف.

وإن كان الضابط المذكور في كلامه وكلام غيره ـ من أنّ المعيار في جواز السلم إمكان الوصف الذي به تتفاوت القيمة ، ولا يؤدي الى عسر الوجود ـ يقتضي أنه لو أمكن وصفها بصفاتها المعتبرة ، ولم يؤد الى عسر الوجود جاز السلم فيها.

٢١١

عسر التسليم ، والأقرب جوازه في اللآلئ الصغار مع ضبط وزنها ووصفها لكثرتها.

ويجوز اشتراط الجيد والردي‌ء والأردأ على إشكال ـ ينشأ من عدم ضبطه ،

______________________________________________________

والحق أنّ الجزم بأنّ الجارية المطلوبة للحسن متى وصفت ـ كما سيأتي ـ بالصفات المعتبرة عزّ وجودها غير ظاهر ، وكذا ما أشبه هذه الأشياء ، فقول المصنف : ( الى ما أشبهه ) معناه : مضافا الى ما أشبهه.

إذا عرفت ذلك ففي عبارة الكتاب مناقشة ، لأنها تقتضي أنّ الجواهر الكبار مما لا يصح السلم فيها إذا استقصيت أوصافها ، نظرا الى قوله : ( بل يقتصر على ما يتناوله الاسم ، فلو أفضى الإطناب ... ) ، لأنّ مقتضى العبارة أنّ هذه من الصور التي يقتصر فيها على ما يتناوله الاسم ، وإن كان مقتضى قوله : ( التي تفتقر الى التعرض ... ) أنّ هذه وأمثالها لا بد فيها من التعرض إلى الأوصاف المفضية إلى عسر الوجود ، لأنّ صفاتها التي بها تختلف القيمة كثيرة جدا ، ومقتضى عطفه اليواقيت عليها يقتضي إلحاقها بها في حكمها ، لأنّ جميعها تتفاوت قيمتها بالأوصاف الكثيرة ، ولا يكفي فهيأ نحو الوزن ، وكذا الجارية الحسناء ، مقتضى عبارته أنه لا يجوز السلم فيها مطلقا ، وفيه ما عرفت.

قوله : ( والأقرب جوازه في اللآلئ الصغار ... ).

وجه القرب : أنها تباع وزنا ، ولا تعتبر فيها صفات كثيرة تتفاوت القيمة بها تفاوتا بينا ، بخلاف الكبار ، وضابط الصغار كل ما يباع بالوزن ، ولا تلاحظ فيها الأوصاف الكثيرة عرفا ، وتحديد بعض إياها بما يطلب للتداوي دون التزين ، أو ما يكون وزنه سدس دينار رجوع الى ما لا دليل عليه.

قوله : ( والأردأ على إشكال ، ينشأ من عدم ضبطه ).

فانّ ما من ردي‌ء إلا ويمكن أردأ منه ، والوجه الثاني يستفاد من قوله :( وقبض الجيد ... ) وبيانه : أنّ له مرجعا فلا يكون غير منضبط ، لوجوب قبض‌

٢١٢

ووجوب قبض الجيد لا يقتضي تعيينه عند العقد ـ لا الأجود.

وكلّ ما يمكن ضبط أوصافه المطلوبة يصح السلم فيه وإن كان مما تمسّه النار ، فيجوز في عيدان النبل قبل نحتها لا المعمول ، والخضر ، والفواكه ، وما تنبته الأرض ، والبيض ، والجوز ، واللوز ، وكلّ أنواع الحيوان ، والأناسي ، واللبن ، والسمن ، والشحم ، والطيب ، والملبوس ، والأشربة والأدوية وإن كانت مركبة إذا عرفت بسائطها ، وفي جنسين مختلفين ينضبط كلّ منهما بأوصافه ، وفي شاة لبون ـ ولا تجب ذات لبن ، بل ما من شأنها ـ

______________________________________________________

الجيد في باب السلم ، فإذا أتي بردي‌ء فإن كان هو الاردأ فلا بحث ، وإلا وجب قبضه ، لأنه جيد بالإضافة إلى الاردأ.

وقوله : ( ووجوب قبض الجيد ... ) جواب عن هذا ، تقريره : وجوب قبض الجيد لا يصيّر الاردأ مضبوطا عند العقد ومتعينا ، بل لا يقتضي كونه مضبوطا في وقت أصلا.

وقد عرفت أنّ ضبط المسلم فيه شرط لصحة السلم ، أما أنه لا يقتضي ضبطا فلانه ليس من أفراده ، ويزيده أيضا حسا أنه لو امتنع من أداء المسلم فيه ، لم يتمكن الحاكم من إجباره ، لأنّ الأردأ غير مضبوط ليجبر على تسليمه ، والجيد غير مستحق عليه ، وهذا ظاهر ، فلا يجوز السلم في الاردأ ، وهو الأصح.

قوله : ( فيجوز في عيدان النبل قبل نحتها لا المعمول ).

هذا متفرع على قوله : ( وكل ما يمكن ضبط أوصافه ... ) ، وإنما جاز السلم في غير المنحوت لإمكان ضبطه ، لكن لا بد من التقدير بالوزن ، أو العدد ، أما المعمول فلا يجوز ، سواء كان عليه ريش أم لا ، لعدم إمكان ضبطه ، لأن أطرافه خفيفة ووسطه ثخين مع كونه مخروطا فلا يمكن ضبطه.

قوله : ( وفي شاة لبون ، ولا تجب ذات لبن ، بل ما من شأنها ).

هذا رد على الشافعي ، حيث منع في أحد قوليه من السلف في شاة لبون ،

٢١٣

وفي شاة ذات ولد أو جارية كذلك على رأي ، أو حامل على إشكال ينشأ‌ من الجهل بالحمل ،

______________________________________________________

محتجا بأنه بمنزلة السلم في حيوان معه لبن مجهول (١) ، وليس بجيد ، لأنّ الواجب ما من شأنها أن يكون لها لبن وإن لم يكن لها لبن في حال البيع ، حتى لو كان لها لبن حينئذ لم يجب تسليمه ، بل له أن يحلبها ويسلمها.

فعلى هذا يكون المراد باللبون : ما لها لبن بالقوة القريبة من الفعل ، حتى لو دفع شاة حائلا أو حاملا لم يجب القبول.

نعم لو دفع حاملا تضع بعد ساعة ، قد در اللبن في ضرعها أمكن وجوب القبول ، فإنهم ذكروا هذا التفسير في اللبون ردا على الشافعي ، حيث فسرها بما لها لبن بالفعل ، فمنع من السلف فيها.

قوله : ( وفي شاة ذات ولد ، أو جارية كذلك على رأي ).

هذا هو الأصح ، لإمكان ضبط صفاتها المعتبرة في السلم ، وعدم أدائه إلى عسر الوجود ، ومنع الشيخ من ذلك (٢) ، وهو ضعيف ، والمراد : أن يكون الولد منفصلا ، لأنّ الحمل سيذكره.

واعلم أنّ ظاهر كلامه السابق : من أنّ السلم في الجارية الحسناء مع ولدها لا يجوز ، يقتضي أن تكون هذه مقيدة بكونها غير حسناء ، وهي الجارية المطلوبة للخدمة كالزنجية ، دون المطلوبة للتسري.

إلا أن تحمل عبارته السالفة على أنّ المراد : المنع من الجارية الحسناء مع ولدها إذا استقصي في أوصافها ، فتكون هذه على إطلاقها ، إلا أنه يرد عليه عدم الاحتياج في التصور الى ذكر الولد ، لأنّ الاستقصاء فيها وحدها مانع وإن لم يكن معها ولد.

قوله : ( أو حامل على اشكال ، ينشأ من الجهل بالحمل ).

__________________

(١) الأم ٣ : ١٢٠ ، التلخيص الحبير في تخريج الرافع الكبير المطبوع مع المجموع ٩ : ٢٨٣.

(٢) المبسوط ٢ : ١٧٦.

٢١٤

والمختلطة المقصودة الأركان إذا أمكن ضبطها كالعتابيّ ، والخز الممتزج من الإبريسم والوبر ، والشهد إذ الشمع كالنوى ، وكذا كلّ ما لا يقصد خليطه كالجبن وفيه الأنفحة ، ودهن البنفسج ، والبان ، والخل وفيه الماء ، والصفر ، والحديد ، والرّصاص ، والنحاس ، والزئبق ، والكحل ، والكبريت.

______________________________________________________

ومن أنه تابع فاغتفرت جهالته ، ولهذا جاز بيعه مع الام ، وهو الأصح.

قوله : ( والمختلطة المقصودة الأركان ).

احترز به عما لا يقصد بعض أجزائه ، كالماء في الخل.

قوله : ( كالعتابي ).

هو قماش معروف ، منسوب الى عين تاب بلد بالشام ، أدغمت النون في التاء.

قوله : ( والخز الممتزج من الإبريسم ، والوبر ).

ضمن الممتزج معنى المختلط فعدّاه بـ ( من ) ، وحقه التعدية بالباء ، يقال : امتزج كذا بكذا.

قوله : ( ودهن البنفسج ، والبان ).

وإن كان فيهما أجزاء من الطيب ، لأنّ المقصود هو الدهن المخلوط لا الخليط ، ولهذا لو مزج السمسم بالبنفسج ونحوه ، ثم اعتصر حصل المراد من دهن البنفسج.

قوله : ( والصفر ، والحديد ، والرصاص ، والنحاس ، والزئبق ، والكحل ، والكبريت ).

يمكن عطف هذا على ما تقدم مما يجوز السلم فيه ، إذا ضبطت أوصافه ، ويمكن عطفه على المختلط الذي لا يقصد خليطه ، فانّ كل واحد لا يخلو من مخالطة جز من معدن آخر ، أو تراب ، أو نحو ذلك.

واعلم أن الصفر بضم الصاد المهملة ، قال في الجمهرة : والصفر : هو‌

٢١٥

وكلّ ما لا يمكن ضبطه بالوصف لا يصح السلم فيه ، كاللحم مطبوخه ونيّه ، والخبز ، والجلود ، والجواهر التي يعسر ضبطها.

فروع :

أ : يجب أن يذكر في الحيوان : النوع ، واللون ، والذكورة أو الأنوثة ، والسن.

وفي الأناسي : زيادة القد كرباعي ، أي : أربعة أشبار ، أو خماسي ،

______________________________________________________

الجوهر الذي تسميه العامة الصفر ، وضبط الصاد في الأولى بالضم ، وفي الثانية بالكسر ، والرصاص بفتح الراء ، والنحاس بضم النون ، والزئبق بكسر الزاء والباء مع الهمز ، كذا ضبطه في الجمهرة.

قوله : ( والجواهر التي يعسر ضبطها ).

يمكن أن تكون جملة الصلة وموصولها جملة كاشفة ، فيكون منعا من سلف جميع الجواهر ، والعلة ما أشار إليها من عسر ضبط الصفات.

ويمكن أن يكون للاحتراز ، فيكون ما يفرض ضبطه من غير عسر فيه ، ولا إفضاء الى عزة وجوده جائز السلم ليس ببعيد ، فان نحو العقيق لا يتفاوت الحال في قيمته بتفاوت صفاته تفاوتا بيّنا كاللآلئ الكبار فيجوز السلم فيه ، وبه أفتى في الدروس (١).

قوله : ( كرباعي ، أي : أربعة أشبار ، وخماسي ).

الرباعي والخماسي بضم أوله ، وتعرض لتفسيره بما ذكره ، للرد على بعض العامة الذين نزلوه على ارادة السن ، أي : ابن أربع سنين ، أو خمس ، ونزلوا ذكر السن على وصف الأسنان ، كأن يقول : مفلج الثغر ، ونحو ذلك (٢) ، وليس بشي‌ء ، لأن التعرض الى وصف عضو لا يجوز ، لعزة الوجود.

__________________

(١) الدروس : ٣٥٤.

(٢) انظر : تلخيص الحبير في تلخيص الرافع الكبير المطبوع مع المجموع ٩ : ٢٨٣ ، وفتح العزيز مع المجموع ٩ : ٢٩١ ، والأم ٣ : ٩٥.

٢١٦

فيقول : عبد تركي ، أسمر ، ابن سبع ، طويل أو قصير أو ربع ، وينزّل كلّ شي‌ء على أقل الدرجات.

ولا يجوز وصف كلّ عضو للعزة ، والأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده وإن كان استقصاء ، كالسمن والجعودة.

______________________________________________________

قوله : ( أو ربع ).

رجل ربع ومربوع وربعة ، إذا كان معتدل الخلق كما في الجمهرة (١).

قوله : ( وينزّل كل شي‌ء على أقل الدرجات ).

فإذا أتى بما يقع عليه اسم الوصف المشروط وجب القبول ، ولم يكن للمسلم المطالبة بدرجة أعلى ، لأنّ المدار على صدق الاسم والدرجات لا نهاية لها ، وأراد بقوله : ( وينزّل كل شي‌ء ) : جميع الأوصاف الجارية في عقد السلم.

قوله : ( والأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده وإن كان استقصاء كالسمن ، والجعودة ).

هذا هو الأصح ، لعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ، ويحتمل وجوب اشتراط ذلك ، لأنّ هذه الصفات مقصودة وتتفاوت باعتبارها القيمة.

والمفهوم من العبارة : أن مقابل الأقرب احتمال عدم الجواز ، وهو الذي فهمه الشارحان (٣) ولا وجه له ، لما سبق من أنّ ضابط الاستقصاء المانع من الصحة : ما أفضى إلى عسر الوجود ، قال في التذكرة : وبالجملة الضابط عزة الوجود وتعذره ، فيبطل معه ويصح بدونه (٤) ، وعبارة التذكرة يظهر منها أنّ الاشكال في الوجوب وعدمه ، وهو الذي يقتضيه النظر ، فانّ المنع لا يعقل وجهه.

__________________

(١) في « م » : جمهرة ، وما أثبتناه أنسب للسياق.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، الخلاف ١ : ٥٠٨ ، عوالي اللآلي ١ : ٢١٨ حديث ٨٤.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٦٠.

(٤) التذكرة ١ : ٥٥٠.

٢١٧

ويرجع في السن إلى الغلام مع بلوغه ، ومع صغره إلى السيد ، فان جهل فإلى ظنّ أهل الخبرة.

ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب ذكر الصنف ، ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه.

______________________________________________________

قوله : ( ويرجع في السن الى الغلام مع بلوغه ، ومع صغره الى السيد ، فان جهل فالى ظن أهل الخبرة ).

استشكل في التحرير الرجوع الى قول الغلام (١) ، والذي يظهر أنّ الاشكال (٢) في الرجوع الى قوله وقول السيد ، فإنه ليس المفهوم من الرجوع الى قوله إلا وجوب القبول ، بحيث لا يكون للمسلم رده والمطالبة بغيره ، وذلك بعيد عن قوانين الشرع ، بل الذي ينبغي أن يقال : إذا لم يصدقه المسلم ، ولم يمكن إقامة البينة يرجع الى ظن أهل الخبرة.

والظاهر لا تشترط العدالة ، لأنّ اشتراطها يفضي الى العسر ، وقد يفضي الى تعذر التسليم. إذا عرفت هذا فالذي ينزّل عليه اشتراط كونه ابن سبع ونحوه ، هو أن يكون في السنة السابعة مثلا ، ولا يتفاوت الحال بزيادة أو نقصان في السنة ، إذ لو اعتبر مقدار معين في السنة لم يجز اشتراطه ، لإفضائه إلى عسر الوجود.

قوله : ( ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب ذكر الصنف ).

المراد بالنوع هنا : ماعد في العرف نوعا كالنوبي والحبشي ، فلو كان هذا أصنافا مختلفة فلا بد من التعرض الى المراد.

قوله : ( ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه ).

أي : إن اتحد لون النوع كفى ذكر النوع عن اللون ، للتلازم في العادة ، فيعرف من هذا أنّ اللون إذا تعدد في النوع الواحد ، فلا بد من التعرض اليه ، وربما حملت العبارة على عود ضمير ( عنه ) الى الصنف ، وهو خلاف المفهوم منها ، مع أنه‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٩٤.

(٢) في « م » : الإشكالات ، والأنسب ما أثبتناه.

٢١٨

ب : يذكر في الإبل : الذكورة أو الأنوثة ، والسن كبنت مخاض ، واللون كالحمرة ، والنوع كنعم بني فلان أو نتاجهم بختي أو عربي ، إن‌

______________________________________________________

غير مطابق للحكم ، فانّ اتحاد اللون لا يكفي عن ذكر الصنف في النوع مع الاختلاف.

وهل يجب التعرض في الجارية إلى البكارة والثيبوبة؟ اشكال ، قال في التذكرة : لا يجب الا مع اختلاف القيمة باختلافهما اختلافا بينا (١).

قوله : ( والنوع كنعم بني فلان ، أو نتاجهم ... ).

أي : ونتاج بني فلان ، والمراد به : ما ينتج عندهم كطي بني قيس ، وإنما يصح ذلك بشرطين :

أحدهما : أن يكون المنسوب إليهم كثيرين ، فلو كانوا قليلين كان ذلك كاشتراط الثمرة من بستان بعينه فلا يصح ، لأنه يشترط في المسلم فيه عمومية الوجود.

الثاني : أن يكون للمنسوب إليهم نتاج معروف غير قليل ، فلا يصح بدون ذلك ، فقوله : ( إن كثروا ) شرط لتعين النوع بنعم بني فلان ، ومعناه : أنه لا بد من تعيين النوع ، ومن صور تعينه نسبة الإبل إلى بني فلان ، أو نتاجهم بالشرطين المذكورين ، وذلك كما لو عيّن النوع ببختي أو عربي.

والبختي بضم الباء ، وإسكان الخاء المعجمة ، وتشديد الياء ، واحد البخاتي : وهي الإبل الخراسانية ، فقول المصنف : ( كبختي ، أو عربي ) معناه : تعيّن نوعها بنعم بني فلان ونتاجهم ، كما يعينه ببختي أو عربي. هذا على ما في بعض النسخ من وجود الكاف ، فأما ما لا كاف فيها ففي صحة العبارة فيه تكلف ، لأنه لا يستقيم [ كونه بدلا ، إذ كل من المذكورين مقصود على تقدير التعيين به ، ولا يستقيم ] (٢) له معنى غير ذلك ، إلاّ بارتكاب تعسف.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٥٢.

(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخ الخطية ، أثبتناه من الحجرية لاقتضاء السياق له.

٢١٩

كثروا وعرف لهم نتاج ، وإلاّ بطل ، كنسبة الثمرة إلى بستان.

وفي الخيل : السن ، واللون ، والنوع كعربي أو هجين ، ولا يجب التعرض للشياه ، كالأغر والمحجل.

وفي الطيور : النوع ، والكبر والصغر من حيث الجثة ، ولا نتاج للبغال والحمير ، بل يذكر عوضه النسبة إلى البلد.

ج : يذكر في التمر أربعة أوصاف : النوع كالبرني ، والبلد إن اختلف الوصف كالبصري ، والقدّ كالكبار ، والحداثة أو العتق.

______________________________________________________

قوله : ( والنوع كعربي أو هجين ).

العربي : هو كريم الأبوين ، والهجين : هو كريم الأب خاصة ، وعكسه المقرف.

قوله : ( ولا يجب التعرض للشيات ).

وهي جمع شية ، وهي في الأصل مصدر وشاه وشياه وشية : إذا خلط بلونه لونا آخر ، والأغر هو : ذو البياض في وجهه ، والمحجل : ذو البياض في قوائمه ، أو في رجليه ، أو إحداهما مع اليدين ، أو إحداهما ، ولا يقال : محجل لذي البياض في اليدين خاصة ، نص عليه في القاموس (١).

قوله : ( ولا نتاج للبغال والحمير ).

أي : لا يتنوع أحدهما بكونه نتاج بني فلان ، بخلاف الإبل والخيل ، وأما الغنم والبقر فان عرف لها نتاج فكالإبل ، والا فكالبغال.

قوله : ( والحداثة والعتق ).

هي ضد الحداثة ، قال في التذكرة في السمن ، وأنه حديث أو عتيق (٢) ، وإطلاقه يقتضي الحديث ، لأنّ العتيق معيب ، فمقتضاه جواز السلم مع إطلاقه.

__________________

(١) القاموس المحيط ( حجل ) ٣ : ٣٥٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٢.

٢٢٠