جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولو قال : اشتر حيوانا بشركتي أو بيننا صح البيع لهما ، وعلى كلّ منهما نصف الثمن ، فإن أدّى أحدهما الجميع باذن صاحبه في الإنقاد عنه لزمه الغرم له ، وإلاّ فلا ، ولو تلف فهو منهما ، ويرجع على الآمر بما نقد عنه باذنه.

والعبد لا يملك مطلقا على رأي ، فلو كان بيده مال فهو للبائع ، وإن‌

______________________________________________________

لأجزائه قسط منه قطعا ، ولهذا يزيد وينقص اعتبارها.

ويبعد أن يقال : أن مثل الحمل إذا اشترط لا يكون له جزء من الثمن ، لأنه وإن كان تابعا ، إلا أنّ الثمن يزيد باعتباره ، كما ينقص باعتبار عدم دخوله ، ولعل مراده من العبارة : أنّ العيب الحادث لا يوجب الأرش ، كما هو مذهب المفيد (١) ، وكون ذلك في جملة : ليس لاجزائها جزء من الثمن ، من زيادات القلم.

لكن يرد عليه : أنه على هذا القول لا أرش أصلا ، لأنه إنما يستحق الرد خاصة دون الأرش ، كما هو ظاهر ، فلا يستقيم بناء الحكم عليه.

واعلم أنّ في عبارته : العيب الحادث في جملة ليس لاجزائها قسط من الثمن يوجب الأرش ، وحقه لا يوجب الأرش ، وكأن ( لا ) سقط من قلم الناسخ.

قوله : ( لزم الغرم له ).

لأنه أمره بالأداء عنه ، فلم يكن متبرعا. فان قلت : لم يشترط الرجوع والاذن أعم منه ، قلت : وقع دفع المال بالاذن ، ولم يحصل ما يقتضي التبرع ، فلم يسقط الاستحقاق.

قوله : ( والعبد لا يملك مطلقا على رأي ).

هذا هو الأصح لظاهر قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) لا يقال : العبد لا عموم له ، فلم يدل على أنّ كل عبد كذلك ، لأنا نقول : ظاهر‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٢.

(٢) النحل : ٧٥.

١٤١

علم به : فان شرطه المشتري صحّ إن لم يكن ربويا ، أو كان واختلفا ، أو تساويا وزاد الثمن.

ولو قال له العبد : اشترني ولك عليّ كذا لم يلزم على رأي.

ولو دفع إلى مأذون مالا ليشتري رقبة ويعتقها ويحجّ عنه بالباقي ،

______________________________________________________

الكلام : أن عدم القدرة على شي‌ء مرتب على العبودية والمملوكية.

قوله : ( أو تساويا وزاد الثمن ).

يعتبر في الزيادة أن تكون مما يتمول ، ليكون في مقابلة العبد.

قوله : ( ولو قال له العبد : اشترني ولك عليّ كذا ، لم يلزمه على رأي (١) ).

قيل باللزوم إذا كان له مال وقت الشرط (٢) ، تعويلا على رواية ليس لها دلالة ولا بينة (٣) ، والأصح العدم.

قوله : ( ولو دفع إلى مأذون مالا ليشتري رقبة ، ويعتقها ، ويحج عنه بالباقي ).

أي : يحج المأذون بالباقي ، ويلوح من قوله في الرواية : « أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد » (٤) أنه وكلّه في تحصيل فعل الحج ، ليكون شاملا لفعله بنفسه وغيره ، وإلا لم تمض مع إمكان أن يقال : أنّ مضيها أعم من صحة الإجارة.

وكونه لم يأمر بالرجوع الى الثمن يحتمل أن يكون لتلفه ، وإن لم يكن في الرواية ذكر للتلف لكنه محتمل ، وقوله : « فقد مضت بما فيها » ، قد يشعر بذلك ،

__________________

(١) ذهب الى هذا الرأي ابن إدريس في السرائر : ٤٠ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ٥٨ ، والشهيد في الدروس : ٣٤٧.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٤١٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٩ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٧٤ حديث ٣١٥ ، ٣١٦.

(٤) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ حديث ١٠٢٣ و ٨ : ٢٤٩ حديث ٩٠٣ و ٩ : ٢٤٣ حديث ٩٤٥.

١٤٢

فاشترى أباه ودفع إليه الباقي للحج ، ثم ادّعى كلّ من مولى الأب والمأذون وورثة الدافع كون الثمن من ماله ، فالقول قول مولى المأذون مع اليمين وعدم البينة.

______________________________________________________

لأنه يؤذن بأنّ هناك شيئا.

قوله : ( فالقول قول مولى المأذون مع اليمين وعدم البينة ).

وذلك لأنه صاحب اليد ، لأنّ يد العبد يد المولى ، وفي النافع : يناسب الأصل إمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه (١) ، وكأنه يريد بالأصل : أصالة صحة ما فعل من شراء ، وعتق ، وغيرهما.

قال في الدروس : وهو قوي إذا أقر بذلك ، لأنه في معنى الوكيل ، إلا أنّ فيه طرحا للرواية المشهورة (٢) (٣).

قلت : وفيه ضعف آخر ، لأن إقرار الوكيل إنما يعتبر إذا لم يكن إقرارا على الغير ، ومعلوم أنّ إقرار العبد على ما في يده إقرار على السيد فلا يسمع.

ثم قال : وقد يقال : أنّ المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره ، وبتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع الى أصالة بقاء الملك على مالكه ، ولا تعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد ، لأن دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فتساقطا ، قال : وهذا واضح لا غبار عليه (٤).

أقول : تأملنا ذلك فلم نجده واضحا ، فانّ المال الذي بيد المأذون في هذا الفرض لا يدل دليل أصلا على أنه لمولى الأب أو غيره ، وإنما الذي دل عليه الدليل هو أنه لمولاه ، نظرا الى مقتضى اليد ، فكيف يكون لمن لا يد له ، ولا سبب يقتضي ملكه سوى مجرد دعواه وإقرار المأذون الذي هو غير معتبر؟

__________________

(١) المختصر النافع : ١٣٣.

(٢) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ حديث ١٠٢٣ و ٨ : ٢٤٩ حديث ٩٠٣ و ٩ : ٢٤٣ حديث ٩٤٥.

(٣) الدروس : ٣٤٩.

(٤) الدروس : ٣٤٩.

١٤٣

وتحمل الرواية بالدفع إلى مولى الأب عبده كما كان ، على إنكار البيع ، فإن أقام أحدهما بينة حكم له.

______________________________________________________

وأعجب من هذا قوله : ان دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين ، فإنه إن أراد بها صحة البيع ، فمعلوم أن دعوى مولى الأب : أنه اشترى بماله تقتضي فساد العقد ، لأنّ العوضين إذا كانا من مالك واحد لم تكن المعاوضة صحيحة.

قوله : ( وتحمل الرواية بالدفع إلى مولى الأب عبده كما كان على إنكار البيع ).

الرواية المشار إليها هي رواية ابن أشيم ، عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) ، وأشيم مضبوط ـ في مواضع لا بأس بالتعويل عليها ـ ، بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت ، وهي ضعيفة ، فإن ابن أشيم غال.

والجار في قوله : ( بالدفع ) يتعلق بالرواية أو بمحذوف ، أي : والرواية الواردة بالدفع إلى أخره ، و ( عبده ) بالنصب مفعول المصدر ، أي : يدفع عبد مولى الأب اليه ، والجار في قوله : ( على إنكار البيع ) متعلق بقوله : ( وتحمل الرواية ). ويشكل هذا الحمل بأنّ في الرواية أنه ادعى شراء أب المأذون بماله ، فيكون معترفا بالبيع ، مدعيا فساده.

وأشكل منه ردها مع كونها من المشاهير ، وأشكل من الجميع العمل بمقتضاها ، لأنّ قبول إقرار العبد على ما في يده لغير مولاه خلاف أصول المذهب ، وبالجملة فما صار اليه المصنف هو ما تقتضيه الأصول ، ويبقى النظر في تنزيل الرواية.

قوله : ( فإن أقام أحدهما بينة حكم له ).

يعني : مولى الأب وورثة الدافع ، لأنهما مدعيان ، فأيهما أقام بينة فالحكم له.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٦٢ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ٢٣٤ حديث ١٠٢٣ و ٨ : ٢٤٩ حديث ٩٠٣ و ٩ : ٢٤٣ حديث ٩٤٥.

١٤٤

ولو أقام كلّ من الثلاثة بينة ، فان رجحنا بينة ذي اليد فالحكم كالأول ، وإلاّ فالأقرب ترجيح بينة الدافع ، عملا بمقتضى صحة البيع ، مع احتمال تقديم بينة مولى الأب ، لادّعائه ما ينافي الأصل ، وهو الفساد.

ولو اشترى كلّ من المأذونين صاحبه فالعقد للسابق ،

______________________________________________________

قوله : ( فان رجّحنا بينة ذي اليد فالحكم كالأول ).

الترجيح لبينة مولى المأذون ، لأنه ذو اليد ، وأراد بقوله : ( فالحكم كالأول ) التشبيه في أنّ الترجيح لجانبه ، لأنّ عليه اليمين أيضا.

قوله : ( وإلاّ فالأقرب ترجيح بينة الدافع ، عملا بمقتضى صحة البيع مع احتمال تقديم بينة مولى الأب ، لادعائه ما ينافي الأصل ، وهو الفساد ).

وجه القرب : ما أشار إليه من أن بينة الدافع قد اعتضدت بمقتضى الأصل ، فترجحت على الأخرى وهو الأصح. وتوضيح وجه الاحتمال : أنّ مولى الأب بالإضافة إلى ورثة الدافع خارج ، فتقدم بينته ، لأنه مدع بأحد تفاسير المدعي ، لانه يدعي ما ينافي الأصل.

ويضعّف بأنه مدع وخارج بالإضافة إلى مولى المأذون ، كما أنّ الآخر أيضا مدع وخارج بالإضافة اليه ، ولا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل ، ودعوى الآخر تخالفه ، أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الآخر مدعيا وخارجا ، فترجح بينته.

وتقديم بينة مدعي الفساد إنما يكون حيث لا يقطع بكون الآخر مدعيا ، فأما إذا قطع به وأقاما بينتين فلا بد من الترجيح ، وهو ثابت في جانب مدعي الصحة.

قوله : ( ولو اشترى كل من المأذونين صاحبه فالعقد للسابق ).

وذلك لأنّ العقد السابق هو الذي صدر عن أهله في محله ، والآخر محكوم ببطلانه إن اشتراه لنفسه وقلنا : إنّ العبد يملك ، لامتناع أن يملك العبد سيده‌

١٤٥

فان اتفقا بطل ، إلاّ مع الإجازة ، ولو كانا وكيلين صحا معا.

______________________________________________________

وإن اشتراه لمولاه.

أو قلنا : إنّه لا يملك : فإما أن يكون وكيلا ، أو مأذونا ، فإن كان مأذونا بطل الإذن بخروجه عن ملك المولى ، وإن كان وكيلا ، فان لم ينعزل عن الوكالة ببيع مولاه وخروجه عن ملكه فالعقد صحيح ، كما صح السابق ، والا وقف على الإجازة من المولى ، لأنه فضولي.

قوله : ( فان اتفقا بطلا ، الا مع الإجازة ).

يتحقق اقترانهما بالاتفاق في القبول ، لأنّ به يتم السبب ، والمراد ببطلانهما :عدم لزومهما ، وإلا لم يصحا مع الإجازة ، ووجه ذلك أنّ كل واحد منهما إذا كان مأذونا بطل اذنه بالبيع ، فيكون تصرفه حينئذ لمولاه فضوليا ، كذا حقق المصنف في المختلف (١).

ولك أن تقول : إن بطلان الاذن بمجرد الشروع في البيع غير واضح ، إذ المبطل إن كان الخروج عن الملك فإنما يخرج بتمام العقد ، وإن كان الشروع فيه ، لأنّ قصده إلى إخراجه عن ملكه قصد الى منعه من التصرف ، ففيه منع ، لأنّ قصده الى بيعه لا يدل على قصده الى منعه من التصرف بإحدى الدلالات.

ومن أين يعلم ذلك ، حتى أنه لو أوجب البيع فلم يقبل المشتري ، أو بدا له فانّ الظاهر بقاء الإذن عملا بالاستصحاب ، وتمسكا ببقاء المقتضي ، والظاهر أنّ كلا من العقدين صحيح غير موقوف على الإجازة.

قوله : ( ولو كانا وكيلين صحا معا ).

لأنّ الوكالة لا تزول بالإخراج عن الملك ، ولا بالقصد اليه ، بخلاف الاذن فإنه يزول بالإخراج عن الملك ، لأنه من توابعه ، وفي رواية أبي خديجة :يمسح طريقهما ، ويحكم بتقدم عقد من كان طريقه أقرب ، وفيها : إنّ الآخر يكون‌

__________________

(١) المختلف : ٣٨٣.

١٤٦

ولو اشترى مسروقة من أرض الصلح ، قيل : يردّها على البائع ويستعيد الثمن ، فان مات فمن وارثه ، فان فقد استسعيت ،

______________________________________________________

مملوكا له (١) ، ومقتضاه أن يكون كل منهما اشترى الآخر لنفسه ، وأنّ العبد يملك.

قال الشيخ : وفي رواية أخرى إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما ، فأيهما وقعت القرعة به كان عبدا للآخر (٢) ، قال المصنف في التذكرة : الرواية بالقرعة لم نقف عليها (٣) ، لكن الشيخ رحمه‌الله ذكر هنا الإطلاق في النهاية (٤) والتهذيب (٥).

والظاهر أنّ القرعة لاستخراج الواقع أولا ، مع علم المتقدم واشتباه تعيينه ، أو مع الشك في التقدم وعدمه ، أما مع الاقتران فلا وجه للقرعة ، وما ذكره حق في موضعه.

قوله : ( ولو اشترى مسروقة من أرض الصلح ، قيل : يردّها على البائع ويستعيد الثمن ، فان مات فمن وارثه ، فان فقد استسعيت ).

هذا الحكم وردت به رواية مسكين السمان (٦) ، وهو مخالف للقواعد المقررة من وجوه :

الأول : وجوب الرد على البائع أو وارثه مع فقده ، فإنه غير مالك ولا ذو يد شرعية ، فكيف يجوز تسليم مال غير المعصوم اليه؟ واعتذر شيخنا عن ذلك في شرح الإرشاد : بأنّ البائع لم يثبت كونه سارقا ، ويده أقدم ، ومخاطبته بالرد ألزم ، خصوصا مع بعد دار الكفر.

ولك أن تقول : أحد الأمرين لازم ، فانّ يده إن كانت شرعية فالبيع‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ حديث ٢٧٩.

(٢) التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١١ ، الاستبصار ٣ : ٨٢ ذيل حديث ٢٧٩.

(٣) التذكرة ١ : ٥٠٠.

(٤) النهاية : ٤١٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١١.

(٦) التهذيب ٧ : ٨٣ حديث ٣٥٥.

١٤٧

والأقرب تسليمها إلى الحاكم من غير سعي.

ولو دفع بائع عبد موصوف في الذمة عبدين ليتخير المشتري ، فأبق أحدهما ضمنه بقيمته ، ويطالب‌ بما اشتراه ،

______________________________________________________

صحيح ماض ولا رد ، وإن كانت يد عدوان لم يجز التسليم إليه ومخاطبته بالرد ، ولا يقتضي جواز تسليم من هي في يده اليه ، وإن وجب عليه السعي في ذلك فانّ له طريقا اليه ، أما بمراجعة المالك أو الحاكم. وليس له أن يقول : الرواية متأيدة بهذا التوجيه ، لأنها إن كانت حجة فهي المستند ، وإلا طرحت ، ولا يحتاج الى هذا.

الثاني : إنّ استسعاءها في الثمن المدفوع إلى البائع ـ كما في الرواية ـ يقتضي أخذه من غير آخذه ، لأنّ ما بيدها لمالكها. واعتذر في الدروس بأنّ مال الحربي في‌ء في الحقيقة وبالصلح صار محترما احتراما عرضيا ، فلا يعارض ذهاب مال محترم احتراما حقيقيا (١).

ولك أن تقول : الاحترام يقتضي عصمة المال ، ولا تفاوت في ذلك بين كون الاحترام عرضيا وحقيقيا ، والمتلف للمال المحترم حقيقة ليس هو مولى الجارية ، بل الذي غره ، والمغرور لا يرجع على من لم يغره لا مباشرة ولا تسبيبا.

وحقيقة الحال أن كلا منهما مظلوم بضياع ماله ، ولا يرجع أحد المظلومين على المظلوم الآخر ، بل على ظالمة.

قوله : ( والأقرب تسليمها إلى الحاكم من غير سعي ).

هذا هو الأصح ، لكن على إطلاقه مشكل ، بل يجب تسليمها الى المالك ، فان تعذر الوصول إليه فإلى الحاكم ، وهذا هو المراد ، وكأن الإطلاق اعتمادا على تعذر الوصول الى المالك غالبا ، لبعد دار الكفر.

قوله : ( ولو دفع بائع عبد موصوف في الذمة عبدين ليتخير المشتري ، فأبق أحدهما ضمنه بقيمته ، ويطالب بما اشتراه ).

__________________

(١) الدروس : ٣٤٩.

١٤٨

______________________________________________________

وقال الشيخ : يرد المشتري الى البائع العبد الباقي ، ويسترجع نصف الثمن ويطلب الآبق ، فان وجده اختار حينئذ ، ورد النصف الذي قبضه من البائع اليه ، وإن لم يجده كان العبد الباقي بينهما (١) ، وهي رواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، وعليها جمع من الأصحاب (٣).

ويشكل بأنّ التالف مضمون على المشتري ، لأنه مقبوض بالسوم ، وله المطالبة بالمبيع ، لأنه موصوف في الذمة ، ولا وجه لكون العبد الباقي بينهما ، فانّ المبيع ليس نصف كل واحد منهما. والمعتمد ما اختاره المصنف من أنّ الآبق مضمون على المشتري بقيمته ، والمبيع موصوف في ذمة البائع ، فله المطالبة به ، وليس له استرجاع شي‌ء من الثمن.

وبنى في الدروس قول الشيخ والجماعة على أنّ العبدين متساويان في القيمة ، ومتطابقان في الوصف ، وإنّ حق المشتري منحصر فيهما (٤). ويشكل بأنّ انحصار الحق فيهما إنما يكون بورود البيع على عينهما ، وهو خلاف الفرض ، وعدم تضمين التالف مخالف لما عليه الأكثر من أنّ المقبوض بالسوم مضمون.

وفي المختلف نزلها على تساوي العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الأجزاء ، وحينئذ فيجوز بيع عبد منهما ، كما يجوز بيع قفيز من الصبرة ، وينزل على الإشاعة فيكون التالف منهما والباقي لهما (٥).

قلت : لو صح هذا التنزيل لنافى ارتجاع نصف الثمن ، كما وردت به الرواية ، وفي الكلام أيضا مناقشتان :

الاولى : ان العبدين ليسا من متساوي الأجزاء غالبا في شي‌ء ، وإن فرض‌

__________________

(١) النهاية : ٤١١.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٢ حديث ٣٥٤.

(٣) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٦٠ ، والشهيد في اللمعة : ١٢٠.

(٤) الدروس : ٣٤٨.

(٥) المختلف : ٣٨٢.

١٤٩

ولو اشترى عبدا من عبدين لم يصح.

ويجب على البائع استبراء الموطوءة بحيضة ، أو خمسة وأربعين يوما قبل بيعها إن كانت من ذوات الحيض ،

______________________________________________________

اتفاق تساويهما على خلاف الغالب ، فلا يكونان كصبرة الحنطة.

الثانية : انه لو تم ذلك فالأصح أنّ إطلاق بيع قفيز من صبرة لا ينزل على الإشاعة ـ كما سبق بيانه ـ فلا يستقيم ما ذكره لتنزيل الرواية.

قوله : ( ولو باع عبدا من عبدين لم يصح ).

لجهالة المبيع ، ولو فرض استواؤهما من كل الوجوه ، وقد عرفت مقالته في المختلف.

قوله : ( ويجب على البائع استبراء الأمة الموطوءة بحيضة ، أو بخمسة وأربعين يوما قبل بيعها إن كانت من ذوات الحيض ).

لما روي عن الصادق عليه‌السلام في الجارية التي لم تبلغ المحيض ، ويخاف عليها الحبل : أنّ البائع يستبرئها بخمس وأربعين ليلة ، وكذا المشتري (١).

وعن الرضا عليه‌السلام فيمن وطأ جارية ، وعزل عنها : أنّ عليه أن يستبرئها (٢). فإن باعها قبل الاستبراء أثم قطعا ، ويصح البيع لرجوع النهي إلى أمر خارج. وهل يجب استبراؤها أم يتعين تسليمها إلى المشتري؟ أطلق في التذكرة (٣) والتحرير وجوب التسليم الى المشتري زمان الاستبراء (٤).

وهو كما يصلح للاستبراء الواجب على المشتري يصلح للاستبراء الواجب على البائع ، فإن أراد الأول فلا بحث فيه ، ولا يجب وضعها على يد عدل ، ولا يفرق بين كونها حسنة أو قبيحة. وإن أراد الثاني فهو مشكل ، فإنه واجب ثبت قبل البيع ، فلا وجه لسقوطه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٣ حديث ٥ ، التهذيب ٨ : ١٧٠ حديث ٥٩٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٨ حديث ١٢٨٤.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧١ حديث ٥٩٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٧.

(٣) التذكرة ١ : ٥٠٠.

(٤) التحرير ١ : ١٩١.

١٥٠

وكذا يجب على المشتري قبل وطئها لو جهل حالها ،

______________________________________________________

فان قيل : بعد وقوع البيع صارت حقا للمشتري ، فلا يجوز منعه منها.

قلنا : قد ثبت وجوب الاستبراء سابقا على البائع فلا يسقط ، غاية ما في الباب ان المشتري إذا جهل الحال له الفسخ.

فان قيل : الاستبراء حق لله ، والمبيع حق للآدمي ، وحق الله لا يعارض حق الأدمي.

قلنا : في الاستبراء أيضا حق للبائع ، فلا يكون حقا لله محضا. وبعد ذلك فقول التذكرة لا يخلو من وجه ، فإنها بعد البيع أجنبية من البائع ، فلا يجوز بقاؤها عنده ، نعم يأثم بترك الاستبراء.

والتحقيق : أن يقال : أنه لو باع قبل الاستبراء يكون البيع مراعى ، فان ظهر حمل تبين بطلانه ، لأنه من المولى حيث كانت فراشا له ، وإلا تبينت الصحة ، فلا يكون حينئذ ملكا للمشتري ، فلا يتعين التسليم اليه ، بل ولا يجوز استصحابا لبقاء وجوب الاستبراء ، وهذا واضح ، لا شبهة فيه.

فرع :

لو شرط وضعها على يد عدل مدة الاستبراء صح ، وفي النفقة إشكال ، ينشأ : من أنها على المالك ، ومن أنه ممنوع منها باشتراط البائع ، فيكون على البائع.

قوله : ( وكذا يجب على المشتري قبل وطئها لو جهل حالها ).

إنما يجب الاستبراء على البائع إذا كان قد وطأها ، وإن عزل كما سبق في الرواية ، وأما المشتري فيجب عليه الاستبراء ، سواء علم الوطء أو جهل حالها ، للرواية السابقة ، ولما ورد في أوطاس (١) : لا توطأ الحبالى حتى يستبرئن‌

__________________

(١) أوطاس : واد في ديار هوازن فيه كانت وقعت حنين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبني هوازن ، معجم البلدان ١ : ٢٨١.

١٥١

ويسقط لو أخبر الثقة بالاستبراء ، أو كانت لامرأة ، أو صغيرة ، أو آيسة ، أو حاملا ، أو حائضا.

______________________________________________________

بحيضة (١).

ولو قال المصنف : وكذا يجب على المشتري قبل وطئها ولو جهل حالها لكان أولى ، لشموله كلا من القسمين.

قوله : ( ويسقط لو أخبر الثقة بالاستبراء ).

المراد به : العدل ، لأنّ غيره لا يعد ثقة. وفي الأخبار اعتبار وثوق المشتري به (٢) ، ولا ريب أنه لا يتحقق الوثوق شرعا بدون العدالة.

قوله : ( أو كانت لامرأة أو صغيرة أو آيسة ).

أي : أو كانت صغيرة ، أي : لم تبلغ ، أو آيسة ، وقد سبق بيان سن اليأس ، وبذلك وردت الرواية (٣). وهل تلحق بأمة المرأة أمة الصغير الذي لا يمكن الوطء منه عادة ، وكذا العنين والمجبوب؟ اشكال.

ومثله لو باعتها امرأة لرجل ، فباعها الرجل في المجلس ، ويقرب هنا عدم الاستبراء للقطع بعدم وطئه ، فهو أقوى من إخباره.

قوله : ( أو حاملا أو حائضا ).

أما الحامل ، فلأنّ حملها إن كان من زنى فلا حرمة له ، وإن كان من غيره فان التربص الى زمان وضعه لا يعد استبراء في عرف الفقهاء ، وأما الحائض فإنّ مسها إنما يكون بعد الطهر.

فالاستبراء المخصوص غير واجب ، وحيث يجب الاستبراء يستوي في‌

__________________

(١) روى المحدث النوري في مستدركه ٢ : ٥٩٦ باب ١٣ من أبواب نكاح العبيد حديث ٢ عن الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : « عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر مناديا فنادى يوم أوطاس : ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة ». وقريب منه ما رواه في العوالي ١ : ٢٣٨ حديث ١٥٥.

(٢) الكافي ٥ : ٤٧٢ حديث ٤ ، التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٣ ، ٦٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٥٩ حديث ١٢٨٩.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٤ حديث ٦٠٧ ، ٦٠٩ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ باب ٢١١.

١٥٢

______________________________________________________

وجوبه كون الناقل بيعا وغيره من تمليك وارث ونحوهما ، لعموم حديث أوطاس.

ويجب الكف عن الوطء قبلا ودبرا ، ولا يحرم ما سواه ، لقول أبي الحسن عليه‌السلام في حديث محمد بن إسماعيل ، وقد سأله يحل للمشتري ملامستها؟

قال : « نعم ولا يقرب فرجها » (١) ، وهو صادق على القبل والدبر. وفي التحرير حرم مطلقا (٢) ، والرواية حجة عليه ، واختار في الدروس ما قلناه (٣) ، وفي بعض الأخبار : التصريح بجواز التفخيذ (٤).

وقد يحتال لإسقاط وجوب الاستبراء بأمور :

منها : إعتاقها ، ثم العقد عليها ، فقد ورد جواز الوطء معه من غير استبراء في غير حديث (٥).

ومنها : بيعها لامرأة ، ثم شراؤها منها لاندراجها في أمة المرأة ، ولو ألحقنا بالمرأة غيرها كالطفل أمكن ذلك ، ولو باعها لرجل ثم اشتراها منه حيث يجوز أمكن الحكم بالسقوط أيضا.

ومنها : ما لو زوجها ، فطلقها الزوج قبل الدخول ، فإنها مطلّقة غير مدخول بها ، فلا عدة ولا استبراء عليها ، وما كان واجبا قبل ذلك فقد سقط بالعقد عليها مع احتمال بقاء الوجوب هنا.

نعم لو باعها لغيره ثم تزوجها منه ، أو أحله وطأها فإنه لا استبراءها هنا ، لأنّ النكاح لا يجب الاستبراء قبله إلا أن يعلم الوطء ، ولهذا لو أعتقها جاز أن يتزوجها في الحال ، فلو اشتراها حينئذ فلا استبراء ، لما عرفت من أنّ السابق قد سقط ، واللاحق لا يقتضي وجوب الاستبراء ، كما لو اشترى زوجته قبل الدخول‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٣ حديث ٦٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٠ حديث ١٢٩١.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٩١.

(٣) الدروس : ٣٤٧.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٨ حديث ٦٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٣ حديث ١٣٠٤.

(٥) التهذيب ٨ : ١٧٥ حديث ٦١٢ ـ ٦١٤ ، الاستبصار ٣ : ٣٦١ حديث ١٢٩٥ ـ ١٢٩٧.

١٥٣

ويحرم وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، ويكره بعده إن كان عن زنى ،

______________________________________________________

من مالكها ، فإنه لا وجه لوجوب الاستبراء حينئذ. وهذا وجه قوي ، ويكون هذا من المواضع التي يسقط فيها الاستبراء.

فان من اشترى منكوحته التي قد أولدها لا يعقل القول بوجوب استبرائها عليه ، لورود الرواية : بان من أعتق سريته لا استبراء عليه فزوجته أولى (١) ، لأن الزوجية أربط في الفراش من الملك.

قوله : ( ويحرم وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، ويكره بعده إن كان عن زنى ).

في عدة أخبار : النهي عن وطء الحامل (٢) ، وفي بعضها : حتى تضع ولدها من غير استفصال (٣) ، وهو شامل لمن كان حملها عن حل ، أو شبهة ، أو مجهولا ، وكذا ما كان عن زنى. وفي بعض الأخبار : « إذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام جاز وطؤها في الفرج » (٤).

وطريق الجمع : إما بحمل المنع على ما عدا الزنى وهو المناسب ، لأنّ المجهول محترم ، إذ الأصل فيه عدم التحريم وحمل الجواز على الزنى ، أو بحمل المنع على الحمل من الحلال والشبهة والجواز بعد الأربعة والعشرة على المجهول ، والزنى لا حرمة له أصلا. ويضعف هذا بأنّ المجهول إن كان له حرمة كان كالصحيح ، وإلا فكالزنى.

ولا يعارض بأنّ حق المالك لا يسقط إلا في الموضع المعلوم السقوط ، والمجهول يمكن فيه الزنى ، وبأن الزنى لا عدة له ولا استبراء ، ولا حمل للزاني‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ١٧٤ ، ١٧٥ حديث ٦١٠ ، ٦١١.

(٢) التهذيب ٨ : ١٧٦ ، ١٧٧ حديث ٦١٩ ، ٦٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٢ حديث ١٣٠١ ، ١٣٠٢.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٦ حديث ٦١٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٢ حديث ١٢٩٩.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٥ ، حديث ٢ ، وفيه : ... فلا بأس بنكاحها في الفرج ، التهذيب ٨ : ١٧٧ حديث ٦٢٢ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٤ حديث ١٣٠٥.

١٥٤

وفي غيره إشكال ،

______________________________________________________

ولا ماء له ، فلا يناسب وجوب التربص ، لأنّ إمكان الزنى مدفوع بأصالة عدمه ، وبوجوب البناء على الغالب ، وعدم احترام ماء الزاني ونفي العدة والاستبراء للزنى لا يمنع وجوب التربص في الحمل. والظاهر الأول مع كون الثاني محتملا. وقد اختلف كلام المصنف هنا ، وفي النكاح ، وفي الطلاق.

ثم إن تخصيص الوطء بالقبل ـ كما دلت عليه العبارة ـ غير ظاهر ، وكأنه تمسك بظاهر بعض الروايات الدالة على تحريم الوطء في الفرج الى أن تمضي المدة المذكورة (١) حملا للفرج على القبل.

وهكذا وجد في كلامه وكلام أكثر الأصحاب (٢) ، والمتجه المنع قبلا ودبرا ، لصدق اسم الفرج على الدبر ، ولأنّ في بعض الاخبار : « لا تقربها حتى تضع » (٣) ، وهو شامل للمدعى ، ولا يضر كون ظاهره دالا على عدم جواز مسها أصلا ، لاندفاع تحريم ما عدا الوطء برواية أخرى (٤).

قوله : ( وفي غيره إشكال ).

أي : وفي غير الزنى إشكال ، ينشأ من إطلاق التحريم قبل أربعة أشهر وعشرة أيام ، والجواز بعده في النصوص وكلام الأصحاب ، ومن إطلاق المنع الى حين المنع المقتضي لوجوب الجمع بحمل الأول على الزنى ، والثاني على ما عداه.

ويؤيده أنّ العدة والاستبراء إنما هما لعلم براءة الرحم من الحمل ، فإذا حرم الوطء لإمكان الحمل فمع وجوده أولى. واعلم أنّ فتوى المصنف قد اختلف في هذا الكتاب في هذه المسألة على ثلاثة أوجه : الأول : ما هنا.

الثاني : في النكاح ، ذهب الى تحريم الوطء الى الوضع فيما عدا الزنى وجهل الحال ، وفي المجهول حكم بالكراهية قبل أربعة أشهر وعشرة أيام ، ونفى البأس عن‌

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) منهم : المحقق في الشرائع ٢ : ٥٩ ، والشهيد في الدروس : ٣٤٧.

(٣) التهذيب ٨ : ١٧٦ حديث ٦١٧ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٢ حديث ١٢٩٩.

(٤) التهذيب ٨ : ١٧٨ حديث ٦٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٦٣ حديث ١٣٠٤.

١٥٥

فإن وطأها عزل استحبابا ، فان لم يعزل كره بيع ولدها ، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.

ويكره : وطء من ولد من الزنى بالملك والعقد ـ فان فعل فلا يطلب الولد‌ منها ـ

______________________________________________________

الزنى.

الثالث : في الطلاق ، جعل الوطء فيما إذا كان الحمل من زوج ، أو مولى ، أو شبهة بعد أربعة أشهر وعشرة أيام مكروها ، وقبل ذلك حراما ، وسكت عن الزنى والمجهول.

وفي الجميع خص التحريم بالقبل حيث جزم ، فعلى هذا يكون الاشكال هنا في الجميع كما يرشد إليه كلامه آخرا ، والأصح التحريم فيما عدا الزنى الى الوضع.

قوله : ( فإن وطأها عزل استحبابا ).

أي : حيث يجوز الوطء ، لدلالة الأخبار عليه (١) ، وعلى ما اختاره المصنف من اختصاص التحريم بالقبل حيث يحرم الوطء ، هل يستحب العزل لو وطأ دبرا؟ يحتمله ، وليس في كلامه دلالة عليه.

قوله : ( فان لم يعزل كره له بيع ولدها ، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا ).

لدلالة الأخبار على ذلك ، وفيها التعليل بتغذيه نطفة الوطء (٢).

قوله : ( ويكره وطء من ولدت من الزنى بالملك والعقد ).

لدلالة الأخبار على ذلك ، معللا فيها بأنّ ولد الزنى لا يفلح (٣).

قوله : ( فان فعل فلا يطلب الولد منها ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٧ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٢٨٤ حديث ١٣٥١ ، التهذيب ٨ : ١٧٨ حديث ٦٢٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) الكافي ٥ : ٣٥٣ حديث ٥ ، و ٥ : ٣٥٥ حديث ٥.

١٥٦

ورؤية المملوك ثمنه في الميزان ، والتفرقة بين الطفل وامه قبل الاستغناء ببلوغ سبع سنين ، أو مدة الرضاع على خلاف ، وقيل : يحرم.

______________________________________________________

أي : لا يفعل ما يصيره كالطالب له بان ينزل فيها ، بل ينبغي له العزل ونحو ذلك مما يمنع حصول الولد عادة.

قوله : ( ورؤية المملوك ثمنه في الميزان ).

علل في الخبر بأنه لا يفلح (١) ، والظاهر أنّ ذكر الميزان ـ وإن وردت به الرواية ـ ليس قيدا في الكراهية ، لأنّ الظاهر أن ذلك جرى على ما كان مقتضى العرف حينئذ من جعل الثمن في الميزان ليوزن ، فلو جعل في غير الميزان كره رؤيته أيضا ، مع احتمال قصر الكراهة على مورد النص.

قوله : ( والتفرقة بين الطفل وامه قبل الاستغناء ببلوغ سبع سنين أو مدة الرضاع على خلاف ).

أي : على خلاف في تعيين مدة الاستغناء ، والتقدير : قبل الاستغناء الحاصل ببلوغ أحد المرتبتين كائنا ذلك ، أي : كونه بهذا أو بذاك على خلاف.

قوله : ( وقيل : يحرم ) (٢).

الأصح التحريم لدلالة عدة أخبار على ذلك ، مثل قوله عليه‌السلام :« بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا » (٣) ، وغيره من الاخبار (٤). والظاهر أنّ البيع باطل ، لأنّ منع التفرقة أخرجهما عن صلاحية المعاوضة بهما ، ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث بالثمن إلى الجارية لما سمع بكاء ولدها ، ولم يأمر باسترضاء البائع (٥).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٠ حديث ٣٠٢.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٢١ ، والنهاية : ٤١٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٥٩٩ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٦٠٠ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٥٩٩ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٤.

١٥٧

______________________________________________________

والظاهر أنه لا فرق بين البيع وغيره من العقود الناقلة ، كما اختاره في التذكرة (١) ، لأنّ الروايات أومأت إلى العلة ، وهي قائمة في الموضع المذكور. وهذا الخلاف إنما هو بعد سقي اللبأ الذي لا يعيش الولد بدونه غالبا ، أما قبله فلا يجوز قطعا ، لأنه تسبيب إلى إهلاك الولد.

واعلم أنّ الخلاف في مدة الاستغناء أطلقه الشيخ (٢) والجماعة في كتاب الجهاد وهنا ، ولم يفرقوا بين الذكر والأنثى (٣). والذي يقتضيه صحيح النظر الفرق بينهما ، لأنّ الفرق في حضانة الحرة قد وقع ، فجوّز التفريق بعد سنتين في الذكر ، وبعد سبع في الأنثى على المشهور بين المتأخرين (٤) ، فليجز ذلك في الأمة ، لأنّ حقها لا يزيد على حق الحرة ، ولأنّ « الناس مسلطون على أموالهم » (٥) ، خرج منه ما دل الدليل على منع التفرقة فيه بين مطلق الأمهات والأولاد ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولأنّ الأخبار الدالة على عدم جواز التفريق لا تحديد فيها ، فيحمل إطلاقها على المدة المحرمة بمقتضى الحضانة ، لأنّ ذلك هو الحق المقرر للأم في كون الولد معها في نظر الشارع.

وإطلاق الأصحاب هنا يحتمل أمرين : إما الحوالة على ما هناك ، أو لعدم الظفر بما يعين المراد ، وقد صرح به بعض متأخري الأصحاب ، وهو الشيخ أحمد بن فهد ، بأنّ المسألة هنا مبنية على الأقوال في الحضانة ، فكان شاهدا لما قلناه ، وهذا هو الصواب الذي ينبغي المصير إليه.

إذا عرفت ذلك ، فالظاهر إلحاق من يقوم مقام الأم في الشفعة كأمها وكالأخ والأخت ، وعليه دل بعض الأخبار (٦) ، وصرح به المصنف في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠١.

(٢) المبسوط ٢ : ٢١.

(٣) منهم : ابن الجنيد والعلامة كما في المختلف : ٣٣١ ، وابن إدريس في السرائر : ١٥٨.

(٤) منهم : الشهيد في اللمعة : ٢٠٣.

(٥) رواه الشيخ في الخلاف ٢ : ٤٧ مسألة ٢٩٠ كتاب البيوع.

(٦) الكافي ٥ : ٢١٨ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٧ حديث ٦٠٠ ، التهذيب ٧ : ٧٣ حديث ٣١٢.

١٥٨

ولو ظهر استحقاق الموطوءة غرم العشر مع البكارة ونصفه لا معها ، والولد حرّ ، وعلى الأب قيمته للمولى يوم سقوطه حيا ، ويرجع على البائع بما دفعه ثمنا وغرم عن الولد ، وفي الرجوع بالعقر واجرة الخدمة نظر ، ينشأ : من إباحة البائع له بغير عوض ، ومن استيفاء عوضه.

______________________________________________________

التذكرة (١) ، ومدة التحريم هي ما ذكرناه في الأم بطريق أولى.

فإذا كان الولد أنثى ومن قام مقام الام كذلك حرم التفريق الى سبع سنين ، وإلا فإلى سنتين لما قلناه من أنّ الذكر لا تحرم التفرقة فيه بعد سنتين ، فلا يفرق فيه بين كونه الولد أو القائم مقام الام.

قوله : ( ويرجع على البائع بما دفعه ثمنا ، وغرم عن الولد ).

للرواية ، ولأنّ المعاوضة لما كانت فاسدة لم يملك الثمن ، والولد حر فلا قيمة له إذ ليس مالا ، فيرجع بما اغترمه عنه قطعا ، ولا يخفى أنّ هذا الحكم مع جهالته بالغصب ، وقوله : ( ولو ظهر ) قد يرشد اليه.

قوله : ( وفي الرجوع بالعقر واجرة الخدمة نظر ، ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض ، ومن استيفاء عوضه ).

في الوجه الأول مناقشة ، فإنّ البائع ما أباحه له بغير عوض ، ولعله لما كان مقتضى المعاوضة إباحته له بغير عوض ، ـ بناء على ما أظهره من كونه ملكا أو في حكمه ، فكان كالمبيح له بغير عوض ، حيث أوقع صورة المعاوضة ـ أطلق عليه اسم المبيح. ولا يخفى ضعف الوجه الثاني ، لأنه لم يستوف العوض ، فإنه استوفى ذلك مجانا بزعم البائع ، وكان مغرورا فيرجع على من غره.

ولو قيل : في ( المنشأ هذا : ينشأ ) (٢) من أنه مغرور ومن أنّ الإتلاف منه لكان حسنا ، والأصح الرجوع بذلك أيضا.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠١.

(٢) في « م » : في المشاهد أشياء ، وفي الحاشية : ( الشاهد ) خ ل ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

١٥٩

ويستحب لمن اشترى مملوكا : تغيير اسمه ، وإطعامه حلوة ، والصدقة عنه بشي‌ء.

ويصح بيع الحامل بحرّ ، والمرتد وإن كان عن فطرة على إشكال ، والمريض المأيوس من برئه. ولو باع أمة واستثنى وطأها مدة معلومة لم يصح.

الفصل الثاني : في الثمار : وفيه مطلبان :

الأول : في أنواعها :

يجوز بيع ثمرة النخل بشرط الظهور عاما واحدا وأزيد ،

______________________________________________________

قوله : ( وإطعامه حلوة ، والصدقة عنه بشي‌ء ).

في حديث زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا اشتريت رأسا ، فغير اسمه ، وأطعمه شيئا حلوا ، وتصدق عنه بأربعة دراهم » (١).

قوله : ( ويصح بيع الحامل بحر ).

لأنّ المبيع لها لا للحر.

قوله : ( والمرتد وإن كان عن فطرة على اشكال ).

لأنه لا يخرج بالارتداد عن كونه مملوكا ومالا وإن وجب قتله.

قوله : ( يجوز بيع ثمرة النخل ، بشرط الظهور عاما واحدا وأزيد ).

إنما ابتدأ بثمرة النخل ، لكثرة دورانها على لسان أهل الشرع ، وكثرة ورود الأخبار بأحكامها بخصوصها (٢) ، واختصاصها بكثير من الأحكام.

والمراد بالظهور : خروج الثمرة وبروزها وإن كانت في طلعها ، كما دلت عليه الأخبار ، ففي حديث سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصح شراؤها قبل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢١٢ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٧٠ حديث ٣٠٢.

(٢) انظر : الوسائل ١٣ : ٢ باب ١ من أبواب بيع الثمار.

١٦٠